بطلان التفتيش

بعد العمل بدستور سنة 1971

للدكتور عبد الرءوف مهدى

أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق

نائب رئيس جامعة المنصورة السابق

——–

تمهيد :
التفتيش إجراء من أخطر الإجراءات الجنائية التي تمس حريات الناس فهو بحث فى مستودع أسرارهم التي يحرصون على الاحتفاظ بها لأنفسهم واعتداء على حرياتهم فى صون أسرار مساكنهم وأشخاصهم . ولذلك أحاطه المشرع بسياج من الضمانات أهمها أن المجتمع رفع بعضها إلى مصاف المبادئ الدستورية لأول مرة فى دستور سنة 1971 . لذلك ثار البحث حول الجزاء على إهدار هذه الضمانات . ولما كان البطلان من أهم الجزاءات الإجرائية التي يرتبها القانون على مخالفة قواعد الإجراءات الجنائية ، فإن البحث يثور حول مدى الاستعانة بهذا الجزاء حماية لهذه الضمانات .

ولذلك رأينا أن نبدأ ببيان دور البطلان كجزء إجرائي فى التشريع المصري ، ثم نثنى : بيان أثر تضمين الدستور المصري بعض أحكام هذا التفتيش على مدى الأخذ بالبطلان كجزاء إجرائي لمخالفة قواعد التفتيش .

وقبل ذلك أردنا أن نوضح الفرق بين البطلان والانعدام وعدم القبول والسقوط كأجزية إجرائية

الانعدام : Anéantissement
انعدام العمل الإجرائي نوع من الجزاء الإجرائي يأمر به القانون إذا لم تتوافر للعمل الإجرائي شروط وجوده القانونية ، ولا توجد نصوص تحدد مفهوم الانعدام وتحدد حالاته أو حتى تصف آثاره فهي فكرة ليس لها أصلي تشريعي ، ومثال عدم توافر الشروط القانونية .

لوجـود العمل الإجرائي أن من الشروط القانونية لوجود الحكـم القضائي أن تكون أسبابه موقعة من قاض ، فإذا تبين أن الذي وقع أسباب الحكم شخص ليست له صفة القاضي كان الحكم غير موجود أصلاً منعدماً وكذلك يكون الحكم منعدماً إذا صدر فى غير خصومه كما لو حكم القاضي في قضية لم يصدر فيها قرار بإحالتها إليه أو أحيلت إليه ممن لا يملك رفعها قانوناً ،

وفى ذلك تقول محكمة النقض ” من المقرر انه إذا كانت الدعوى قد أقيمت على المتهم ممن لا يملك رفعها قانوناً وعلى خلاف ما تقضى به المادتان 63 و 232 من قانون الإجراءات الجنائية فإن اتصال المحكمة فى هذه الحالة بالدعوى يكون معدوماً قانوناً ولا يحق لها أن تتعرض لموضوعها فإن هي فعلت كان حكمها وما بنى عليه من إجراءات معدوم الأثر ولا تملك المحكمة أي الاستئنافية عند رفع الأمر إليها أن تتصدى لموضوع الدعوى وتفصل فيه بل يتعين عليها أن تقصر حكمها على القضاء ببطلان الحكم المستأنف وعدم قبول الدعوى باعتبار أن باب المحاكمة موصود دونها إلى أن تتوافر لها الشروط التي فرضها الشارع لقبولها ، وبطلان الحكم لهذا السبب متعلق بالنظام لاتصاله بشرط أصيل لازم لتحريك الدعوى الجنائية ولصحة اتصال المحكمة بالواقعة ، فيجوز إبداؤه فى أي مرحلة من مراحل الدعوى بل يتعين على المحكمة القضاء به من تلقاء نفسها .

ومن ثم فإن توجيه التهمة من ممثل النيابة العامة للمطعون ضده الأول فى الجلسة أمام محكمة أول درجة وعدم اعتراضه على ذلك لا يصحح الإجراءات لأن الدعوى قد سعى بها إلى ساحة المحكمة أصلاً بغير الطريق القانوني ولا يشفع فى ذلك إشارة رئيس النيابة اللاحقة برفع الدعوى لان هذه الإجازة اللاحقة لا تصحح الإجراءات السابقة الباطلة ” . وكذلك يكون الحكم منعدما إذا لم يصدر فى القضية أمـر بتكليف المتهم بالمثول أمامه . ولكن لا يعتبر الحكم معدوماً إذا صدر من قاض حتى ولو كان غير مختص بإصداره ، لأن مثل هذا الحكم له آثاره أمام القاضي الذي أصدره .

وأنه وأن كان الانعدام يتفق مع البطلان في تعطيل الأثر القانوني للإجراء ، إلا انهما يختلفان فى سبب هذا التعطيل . فسبب انعدام العمل الإجرائي عدم وجوده أصلاً ، بينما سبب بطلان الإجراء عدم صحة هذا العمل رغم الاعتراف بوجوده . وينبنى على ذلك ، أن الانعدام يترتب بقوة القانون ، بينما لا يتقرر البطلان إلا بحكم قضائي ، كما أن الانعدام لا يقبل التصحيح لأنه غير موجود ، بينما يقبل العمل الباطل التصحيح ،

وأخيراً ، فان الانعدام لا يقوم على تقريره تدخل تشريعي بتنظيمه ، بينما البطلان يوجد له مثل هذا التنظيم . فإذا صدر حكم منعدم فيمكن التمسك بانعدامه عن طريق الطعن فيـه أو الدفـع بتجاهل صدوره . فيجوز للنيابة العامة أن ترفع الدعوى من جديد متجاهلة وجود الحكم المنعدم . ويمكن كـذلك التمسك بالانعـدام

عن طريق رفع إشكال في تنفيذ الحكم المنعدم بسبب عدم وجود الحكم أصلا الأمر الذي لا يتطلب من محكمة الإشكال البحث في صحة الحكم .

وقد ذهب البعض . إلى جواز رفع دعوى بطلان أصلية بشأن الحكم المنعدم ، ولكن محكمة النقض قضت بأن الطعن فى الأحكام بدعوى البطلان الأصلية غير جائز إلا في الحالة المنصوص عليها فى المادة 147/2 مرافعات .

وقد وجهت إلى نظرية الانعدام انتقادات أهمها :
(1) عدم فائدة النظرية لأن المحكمة ملتزمة بأن تقرر البطلان والانعدام فدور القاضي فى الحالين يقرر ولا ينشئ.
(2) مخالفتها للقانون ، لأن المشرع لم ينص على الانعدام كجزاء ولم ينظمه بنصوص تشريعية ولو أراد المشرع الأخذ بنظرية الانعدام لنظمها بنصوص تشريعية .
(3) وحدة الآثار المترتبة على البطلان المطلق والانعدام ففي كلتي الحالين يكون العمل غير قابل للتصحيح .

عدم قبول : Irrecevabilité
يشترط القانون أحياناً لكي يقبل طلب معين أمام القضاء ، أن يتم هذا الطلب بشروط معينة .

وأن يحدد صاحب الحق في مباشرة هذا الطلب ، فإذا تخلف الحق فى مباشرة الطلب وقع عدمالقبول كجزاء على هذا التخلف ومثال ذلك تخلف الحق في مباشرة الطعن على حكم بانتفاء الصفة اللازمة له وهى صفة المحكوم عليه ، فإذا انتفت هذه الصفة تعين الحكم بعدم قبول الطعن ، وكذلك إذا بوشر الإجراء بالمخالفة للأصول التي وضعها القانون ، كما لو اشترط القانون أن يكون الطعن فى ميعاد معين ، فعدم مراعاة هذا الميعاد توجب توقيع جزاء عدم القبول

فالذي يميز عدم القبول عن البطلان هو أن عدم القبول يرد على طلب مقدم إلى السلطة المختصة أما البطلان فينال كافة الأعمال الإجرائية فى غير هذه الصورة .

ويتفق عدم القبول مع البطلان فى وحده سبب كل منهما وهو عدم توفر شروط صحة العمل إلا أن البطلان يسبق عدم القبول ولكن الذي يميز عدم القبول عن البطلان أن عدم القبول يرد على طلب مقدم إلى المحكمة أما البطلان فينال باقي الأعمال الإجرائية فى غير صورة الطلب أو الدعوى .

ومن أحوال الحكم بعدم قبول الدعوى ما يكون راجعاً إلى عدم توافر أمر معين افترض المشرع توافره لقبول الدعوى ، مثال ذلك رفع الدعوى دون تقديم شكوى أو اذن أو طلب فى الأحوال التي يتطلب فيها القانون ذلك ، فلو رفعت دعوى دون تقديم شكوى من المجني عليه فى الدعاوى التي يتطلب فيها القانون هذه الشكوى . هنا يحكم القاضي بعدم قبول الدعوى لعدم تقديم الشكوى ويلاحظ أنه يجوز تجديد الدعوى التي حكم بعدم قبولها إذا توافر الشرط الذي كان منتفياً ، كتقديم الشكوى في المثال السابق بشرط أن يكون الحق في رفع الدعوى لا يزال قائما .

عدم القبول وعدم الجواز
وعدم جواز الإجراء صورة من عدم قبوله ، ويرد على محل الطعن وهو الحكم ، أي يكون الحكم من الأحكام التي لا يجوز الطعن فيها مثل الطعن بالنقض فى حكم غيابي قابـل للطعـن بالمعارضة ويعبر المشرع أحيانا عن عدم الجواز بعدم القبول قتنص المادة 401/2 إجراءات على أن ” لا يقبل من المعارض بأية حال المعارضة فى الحكم الصادر فى غيبته .

السقوط : péremption
يحدث أحياناً أن يمنح القانون أحد الخصوم الحق ( أو السلطة إذا كان الخصم موظفا عاما ) في مباشرة إجراء جنائي معين إذا توافرت شروط معينة فإذا تخلفت هذه الشروط سقط حق صاحب الشأن فى مباشرة الإجراء الجنائي . فهذا السقوط جزاء إجرائي إذن يوقع على الخصم الذي يفقد الحق فى اتخاذ الإجراء أو لا يلتزم بالشروط التي فرضها القانون لاتخاذ هذا الإجراء فيحرمه من اتخاذه فهو جزاء على تخلف شرط لازم لبقاء الإجراء قائما .

مثال ذلك ، أن القانون يشترط لمباشرة المحكوم عليه لحق الطعن بالاستئناف على حكم محكمة أول درجة إذا كان صادرا بعقوبة مقيدة للحرية ، فوق أن يتم التقرير بهذا الطعن فى موعد لا يجاوز عشرة أيام من تاريخ صدور الحكم الحضورى – أن يتقدم الطاعن للتنفيذ قبل الجلسة المحدة لنظر الاستئناف ” م 412 إجراءات ” فإذا حدث وطعن المحكوم عليه فى الميعاد ولكنه لم يتقدم للتنفيذ قبل الجلسة المحددة لنظر استئنافه ، فإنه يتعين الحكم بسقوط الاستئناف . وكذلك الشأن فى الطعن بالنقض فهو معلق على تقدم الطاعن للتنفيذ قبل يوم الجلسة .

كما تنص المادة 333 من قانون الإجراءات الجنائية على سقوط حق المتهم فى التمسك ببطلان إجراء معين فى الجنايات والجنح إذا كان للمتهم محام وحصل الإجراء فى حضوره ولم يعترض عليه .

ومن جهة أخرى ، يشترط القانون لمباشرة النائب العام سلطته فى إلغاء الأمر الصادر من أحد أعضاء النيابة بألا وجه لاقامة الدعوى أن يتم ذلك فى خلال ثلاثة أشهر من تاريخ صدور هذا الأمر ، فإن مضت هذه الفترة دون أن يصدر النائب العام أمره بالإلغاء ، يسقط حقه فى ذلك ” المادة 211 إجراءات ” ، ونصت المادة 139/2 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه “ لا يجوز تنفيذ أوامر الضبط والإحضار وأوامرالحبس بعد مضى ستة أشهر من تاريخ صدورها ما لم يعتمدها قاضى التحقيق لمدة أخرى ” فإذا صدر أمر بالقبض على متهم أو حبسه احتياطياً ومضت ستة أشهر عليه دون أن ينفذ يسقط هذا الأمر بفوات المدة .

ومن هذا يبين أن السقوط يفترق عن البطلان في الآتي :
1- السقوط يرد على حقوق الخصوم فى الدعوى فقط ولا يرد على حق القاضي فى القيام بإجراء معين ، بينما البطلان يرد على جميع الإجراءات .

2- أسباب السقوط محددة على سبيل الحصر وهى وجوبية على القاضي بينما تقدير البطلان متروك للقاضى .­_
3- السقوط يرد على الحق فى الإجراء بينما البطلان يرد على الإجراء ذاته .

4- البطلان يرد على إجراء معيب ، بينما السقوط يرد على إجراء صحيح ، ويوصف السقوط بأنه جزاء على مستعمل الحق فى الإجراء ، فالمستأنف الذي لا يحضر جلسة الاستئناف فى حالة من الأحوال التي توجب حضوره يكون الجزاء على عدم حضوره هو سقوط حقه فى الاستئناف .

البطلان كجزاء إجرائي فى التشريع المصري :
يأخذ القانون المصري بمذهب البطلان الذاتي Nullité substantielles في الإجراءات الجنائية وهو المذهب الذي ينيط بالقاضي أن يحكم بتوقيع جزاء البطلان عند مخالفة أي إجراء جوهري ، فتنص في المادة 331 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه ” يترتب البطلان على عدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بأي إجراء جوهري ” . ومع ذلك فلم يخل قانون الإجراءات الجنائية من النص على حالات معينة رتب عليها المشرع البطلان بنفسه ( البطلان التشريعي Nullité textucl ) ، مثال ذلك عدم التوقيع على الحكم خلال ثلاثين يوماً ( المادة 312/2 إجراءات ) وما تنص عليه المادتان 232 ، 233 من تقرير البطلان جزاء على عدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بتشكيل المحكمة أو بولايتها بالحكم فى الدعوى أو باختصاصها من حيث نوع الجريمة المعروضة عليها .

الإجراء الجوهري الذي يترتب على مخالفته البطلان :

يمكن القول أن المشرع لم ير أن من حسن السياسة التشريعية أن يترتب البطلان على مخالفة أي إجراء من الإجراءات الجنائية ، وانما اشترط أن يكون ذلك الإجراء متضمنا قاعدة جوهرية ، وترك للقضاء تحديد ما هو الإجراء الجوهري الذى يترتب على مخالفته البطلان .

على ما يعتبر من الإجراءات جوهرياً ، يجب الرجوع إلى علة التشريع فإذا قدر القاضي أن عدم مراعاة الإجراء سوف يترتب عليه تخلف الغاية المقصودة منه فى العمل الإجرائي ، كـان الإجراء جوهريا ، بشرط إلا تكون هذه الغاية هي مجرد الإرشاد والتوجيه أي مجرد إرشاد القائم بالعمل الإجرائي وتوجيهه إلى القواعد التي تجعل عمله يؤدى على أفضل وجه ، فلكي يكون الإجراء جوهرياً لابد أن يكون الغرض منه المحافظة على مصلحة عامة أو مصلحة للمتهم أو غيره من الخصوم مثل المدعى بالحق المدني .

وقد اجتهد علماء القانون الجنائي ورجال القضاء فى محاولة لتحديد الإجراءات التي تتضمن قواعد جوهرية يترتب البطلان على مخالفتها وتلك التي لا تتضمن مثل هذه القواعد وسوف نعرض أولا لاجتهاد القضاء ثم نعرض اجتهاد علماء القانون الجنائي .

اجتهاد القضاء : (أ) الإجراءات غير الجوهرية :
——- —————
من النصوص الإجرائية التي رأت فيها أحكام القضاء أنها تقرر قواعد غير جوهرية وبالتالي لم ترتب على مخالفتها البطلان ، نص المادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية التي نصت على ألا يتأخر توقيع القاضي على الحكم عن الثمانية أيام التالية لصدوره ، استناداً إلى أن القانون رخص
للقاضى أن يمد أجل التوقيع على الحكم ثلاثين يوماً ، إذ اعتبرت المحكمة أن ما ورد في هذا النص هو من قبيل الإرشاد والتوجيه .

كما قضى بأن ما تتطلبه المادة 271 من قانون الإجراءات
الجنائية من سؤال المتهم عن تهمته أمام محكمة أول درجة هو من الإجراءات التنظيمية التي لا يترتب على إغفالها بطلان . كما قضى بأن ما ورد فى المادة 278 من قانون الإجراءات الجنائية من إجراءات النداء على الشهود واحتجازهم بعد إجابتهم على الأسئلة التي وجهت إليهم هو من الإجراءات الإرشادية التى لا يترتب على مخالفتها البطلان .

وكذلك إجراءات تحريز الأشياء (26) وحكم بأن المادة 268 من قانون المرافعات إذ نصت على ضرورة وضع أهل الخبرة امضاءاتهم وعلاماتهم على الأوراق المقتضى المضاهاة عليها قبل الشروع فى التحقيق فإنها لم ترتب البطلان على مخالفة ذلك . كما قضى بأن بيان مكان انعقاد المحكمة ليس من البيانات الجوهرية التي يترتب على إغفالها البطلان .وكذلك إغفال القاضي التوقيع على محضر الجلسة لا يرتب بطلان الحكم .

وقضى بأن القانون لم يرتب البطلان على مجرد عدم توقيع كاتب التحقيق على محضره بل أنه يكون له قوامه القانوني بتوقيع عضو النيابة المحقق .

( ب ) الإجراءات الجوهرية :
————————-
أما ما يعتبر جوهرياً من القواعد التي تقررها النصوص الإجرائية فمنها ما نصت عليه المادة 36 من قانون الإجراءات الجنائية من أنه يجب على مأمور الضبط القضائي أن يرسل المتهم المقبوض عليه فى مدى أربع وعشرين ساعة إلى النيابة العامة المختصة ، فإن أبقاه أكثر من ذلك وقع القبض باطلاً . وكذلك ما يوجبه القانون على المحقق من دعوة محامى المتهم للحضور قبل استجوابه . وما توجبه المادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية من وجوب توقيع رئيس المحكمة
على أسباب الحكم فإذا لم يوقع على صفحة من صفحاته بطل الحكم فيما عدا حكم البراءة فلا
يبطل بعدم توقيع القاضي عليه ، وما قضت به محكمة النقض من أن تاريخ الحكم بيان جوهري يترتب على إغفاله بطلان الحكم .

وذلك فيما عدا أحكام البراءة فلا تبطل بعدم ذكر تاريخها وقضى بأن العلانية فى جلسات المحاكمة إجراء جوهري يترتب على مخالفته البطلان . كما قضى بأن توقيع مصدر إذن التفتيش إجراء جوهري يترتب على مخالفته البطلان . وقضى بأن عدم ذكـر اسم المحكمة التى أصدرت الحكم يبطله .

ولكن قضى أيضا بأن محضر الجلسة يكمل الحكم فى خصوص بيانات الديباجة ومنها بيان المحكمة التي صدر عنها ، كما قضى بأن خلو الحكم من بيان العقوبة التي حكم بها يبطله حتى ولـو كانت العقوبـة مبينة فى أسباب الحكـم وقضى بأن خلو الحكم من توقيع القاضي الذي أصدره يبطله ، ويستطيل البطلان إلى الحكم الاستئنافي الذي أيده .

وقضى بأن اسم القاضي من البيانات الجوهرية التي يجب أن يشتمل عليها الحكم أو محضر الجلسة الذي يكمله فى هذا الخصوص وخلوهما من هذا البيان يجعل الحكم باطلا . وقضى بأن محضر الجلسة يكمل الحكم فى خصوص بيان المحكمة التي صدر منها والهيئة التي أصدرته وأسماء الخصوم فى الدعوى وسائر بيانات الديباجة عدا التاريخ .

كما قضى بأن استماع محكمة الأحداث إلى المراقب الاجتماعي بعد تقديم تقريره المنصوص عليه فى المادة 35 من القانون رقم 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث إجراء من الإجراءات الجوهريـة التي قصد بها الشارع مصلحة المتهم الحدث ، فعدم الاستماع إليه يترتب عليه البطلان كما قضى بأن قيام شخص من غير مأموري الضبط القضائي بإجراء التسجيلات الصوتية المأذون بها يترتب عليه بطلان الإجراء ما دام لم يثبت أن ما قام به كان تحت سمع المأمور المأذون له وبصره وينسحب هذا البطلان على الدليل المستمد منه .
الضوابط العلمية لجوهرية الإجراء :

إذا كانت أحكام القضاء قد ساهمت فى تحديد القاعدة الجوهرية التي يقدرها النص الإجرائي ويترتب البطلان على مخالفتها ، فإن علماء القانون الجنائي قد ساهموا بدورهم فى وضع ضوابط لما يعد جوهريا من الإجراءات . ومن جانبنا من الضوابط التي نرى أن نضيفها كي تساعد القاضي على التعرف على جوهرية القاعدة محل الإجراء وبالتالي ترتيب البطلان على مخالفتها :

(1) عبارة النص التشريعي : الذي قرر القاعدة محل المخالفة . فإذا كانت عبارة النص عبارة ناهية أي يستعمل المشرع ” لا ” الناهية كأن يقول المشرع ” لا يجوز ” فإنه يجب أن يرتب القاضي البطلان على مخالفة هذه القاعدة ، لأن استعمال المشرع عبارة النهى تعنى أنه لم ير أن يترك للقاضى التقدير فى هذه الحالة ، فلا يصح أن يقول المشرع على إجراء معين لا يجوز اتخاذ هذا الإجراء ،

فإذا بالقاضي يقول بل يجوز ، لأن مهمة القاضي هي تطبيق القانون لا مخالفته ، مثال ذلك ما ورد فى المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية من أنه ” لا يجوز أن ترفع الدعوى الجنائية الا بناء على شكوى شفهية أو كتابية من المجني عليه أو من وكيله الخاص إلى النيابة العامة أو إلى أحد مأموري الضبط القضائي فى الجرائم المنصوص عليها فى المواد 185 ، 274 ، 277 ، 279 ، 292 ، 293 ، 303 ، 306 ، 307 ، 308 من قانون العقوبات وكذلك فى الأحوال الأخرى التي ينص عليها القانون ولا تقبل الشكوى بعد ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة وبمرتكبها ما لم ينص القانون على غير ذلك “ .

فلا شك أنه يترتب على مخالفة هذا النص البطلان . ولذلك يبدو لنا محلا للنظر ما قضت به محكمة النقض من جواز أن يقوم بالتحقيق مع المحامى وتفتيش مكتبه أحد أعضاء الضبط القضائي رغم أن المادة 51 من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 تنص فى عبارة ناهية على انه ” لا يجوز التحقيق مع المحامى أو تفتيش مكتبه إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة “ وبذلك تكون المحكمة قـد أجازت ما حظره المشرع صراحة ، ويزيد الأمر خطورة أن الأمر يتعلق بضمانة من ضمانات الحريات وهى شخص القائم بالتفتيش ، ونأمل أن تعيد محكمتنا العليا النظر فى هذا الحكم الفريد الذي ليس له فيما نعلم سابقة فى قضاء محكمة النقض .

وفى مسائل الاختصاص إذا اختص المشرع جهة معينة بإجراء معين وورد فى عبارة المادة النص على أن اختصاص هذه الجهة يكون لها دون غيرها ، فإنه إذا خولفت هذه القاعدة بأن قامت بهذا الإجراء جهة أخرى ، وجب أن يترتب البطلان على هذه المخالفة .

( 2 ) ومن جهة أخرى نرى أن النصوص المتعلقة بالحريات كالقبض والتفتيش والضمانات المقررة لها والسلطات المختصة بها تعتبر قواعد جوهرية يترتب على مخالفتها البطلان ولو لم يستخدم المشرع عبارة ناهية وهى التي ورد النص عليها فى الدستور وبذلك يكون المشرع قد رفعها إلى مصاف المبادئ الدستورية ، وكذلك النصوص المتعلقة بالآداب العامة ومنها قاعدة وجوب تفتيش الأنثى بمعرفة أنثى مثلها .

أنواع البطلان : المطلق والنسبي :
بعد أن اشترط المشرع فى المادة 331 وجوب أن يكون الإجراء الذي يترتب البطلان على مخالفته جوهرياً ، بين فى المواد التالية لها أن الإجراء الجوهري قد يكون متعلقاً بالنظام العام ويسمى بالبطلان المطلق ، كما قد يكون متعلقاً بمصلحة لأحد الخصوم ( المادتان 332 و 333 إجراءات )

ويسمى بالبطلان النسبي . وسمى البطلان مطلقاً فى الحالـة الأولى لما يتميز بـه مـن خصائص أقوى من البطلان النسبي على التفصيل الآتي :

1- البطلان المطلق وهو المتعلق بالنظام العام ، يجب على المحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها دون حاجة إلى طلب يقدم إليها في هذا الشأن ، بينما يتوقف قضاؤها بالبطلان المتعلق بمصلحة لأحد الخصوم على تمسك صاحب الحق به بشرط عدم سقوط حقه فى الدفع به .

2- ليس لأحد حق التنازل عن البطلان المطلق صراحة أو ضمناً فيجوز الاحتجاج بالبطلان المطلق رغم سبق التنازل عنه .

بينما يجوز التنازل عن البطلان النسبي وهو المقرر لمصلحة أحد الخصوم من قبل صاحب الشأن صراحة أو ضمنا فنصت المادة 333 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه ” فى غير الأحوال المشار إليها فى المادة السابقة يسقط الحق فى الدفع ببطلان الإجراءات الخاصة بجمع الاستدلالات أو التحقيق الابتدائي أو التحقيق بالجلسة فى الجنح والجنايات اذا كان للمتهم محام وحصل الإجراء بحضوره بدون اعتراض منه أما فى مواد المخالفات فيعتبر الإجراء صحيحاً إذا لم يعترض عليه المتهم ولو لم يحضر معه محام فى الجلسة . وكذلك يسقط حق الدفع بالبطلان بالنسبة للنيابة العامة إذا لم تتمسك به فى حينه ” .

3- يجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بالبطلان المطلق ، بينما لا يجوز التمسك بالبطلان النسبي المقرر لمصلحة أحد من الخصوم إلا من الخصم الذي تقررت القاعدة التي خولفت لمصلحته . من ذلك ما قضت به محكمة النقض من أنه ” لا صفة لغير من وقع فى حقه الإجراء الباطل ان يدفع ببطلانه ولو كان يستفيد منه لأن تحقق المصلحة فى الدفاع لاحق لوجود الصفة فيه” .

وليس للنيابة العامة أن تتمسك ببطلان إجراء لم يتقرر لمصلحتها ، فليس لها مثلاً التمسك ببطلان ورقة
التكليف بالحضور أو بطلان الإعلان . ولا يمنع هذا النيابة من أن تطعن لمصلحة المتهم إذا كان
قد تمسك هو بالبطلان .

4- يجوز التمسك بالبطلان المطلق فى أية حال تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض ، بينما لا يجوز الحكم بالبطلان المتعلق بمصلحة لأحد الخصوم إذا لم يكن قد تمسك به صاحب المصلحة فيه أمام محكمة الموضوع .

ضابط البطلان المطلق : النظام العام :
نصت المادة 332 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه ” إذا كان البطلان راجعاً لعدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بتشكيل المحكمة أو بولايتها بالحكم فى الدعوى أو باختصاصها من حيث نوع الجريمة المعروضة عليها ، أو بغير ذلك مما هو متعلق بالنظام العام ، جاز التمسك به فى أية حالة كانت عليها الدعوى ، وتقضى به المحكمة – ولو بغير طلب ” .

ومن ذلك يتضح أن المشرع قد جعل من فكرة النظام العام ضابطا لاعتبار البطلان مطلقاً . فكلما تعلقت المخالفة الواقعة بنص إجرائي يعتبر من النظام العام كان البطلان مطلقاً ، وقد ضرب النص أمثلة لما يعتبر فى نظر المشرع متعلقاً بالنظام العام .

إلا أن فكرة النظام العام فى ذاتها فكرة لم يمكن تحديدها ، فعلى حد تعبير محكمة النقض ، أن النصوص تدل فى عبارتهـا الصريحـة على أن الشارع لم يحصر – وما كان فى مقدوره أن يحصر – والقوانين السياسية والإدارية والمالية والجنائية أبداً متغيرة – المسائل المتعلقة بالنظام العام .

وقد اعتبرت محكمة النقض بطلان الدليل المستمد من التحقيق التكميلي الذي تجريه النيابة العامة بناء على ندب المحكمة لها أثناء سير الدعوى بطلانا متعلقا بالنظام العام لا يعصمه من ذلك رضاء المتهم أو المدافع عنه بهذا الإجراء .

ولذلك كان من الواجب الاجتهاد لتحديد القواعد المتعلقة بالنظام العام فى قانون الإجراءات الجنائية . ومن جانبنا نرى ، أنه يمكن وضع المعيار الآتي لما يعتبر من القواعد متعلقاً بالنظام العام يترتب على مخالفته البطلان المطلق :

( 1 ) كل قاعدة ورد النص عليها فى الدستور أو نص عليها فى تشريع عادى إعمالا نص دستوري . ذلك أن القاعدة إذا رفعت إلى مصاف المبادئ الدستورية فليس من شك انها متعلقة بالنظام العام ولو كانت محققة لمصلحة أحد أطراف الدعوى . لأن تحقيق هذه المصلحة الأخيرة جاء بالتبعية لصيانة حق المجتمع ، مثال ذلك القواعد الخاصة بالحريات فقد نصت المادة 41 من الدستور على أن ” الحرية الشخصية حق طبيعي وهى مصونة لا تمس ، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأى قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة ، وذلك وفقاً لأحكام القانون ، ويحدد القانون مدة الحبس الاحتياطي . “

وهذا ما عبرت عنه المحكمة العليا بقولها ” أن نصوص الدستور تمثل القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة من قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة .

وعلى ذلك ، فأي قاعدة إجرائية تنظم ما ورد فى هذا النص الدستوري تعتبر من النظام العام ، وترتب مخالفتها البطلان المطلق . من ذلك عدم جواز قيام جهة غير قضائية بإجراء ماس بالحرية ، ومن ذلك ما نصت عليه المادة 67 من الدستور من ضرورة وجود مدافع لكل متهم بجناية . وكذلك القواعد الخاصة بأصل البراءة المفترض فى كل إنسان الذي نصت عليه ذات المادة .

(2) كل قاعدة تعتبر من الضمانات التى قررها المشرع لأي طرف من أطراف الدعوى الجنائية أو المدنية المنظورة بالتبعية لها ، تعتبر من النظام العام مثل الضمانات المتعلقة بشخص القائـم بالإجراء . فمثلا القاعدة التى تقضى بحظر قيام مأمور الضبط القضائي باستجواب المتهم ، تقوم فى أساسها على تقدير المشرع بضرورة توفير ضمانة فيمن يقوم بإجراء الاستجواب نظرا لخطورته وما قد يسفر عنه من اعتراف المتهم . فمخالفة هذه القاعدة يترتب عليها البطلان حتى ولو قبل المتهم ذلك .

ومن هذا أيضا ما تنص عليه المادة 51 من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 من أنه لا يجوز التحقيق مع محام أو تفتيش مكتبه إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة ، وذلك تقديرا من المشرع لأهمية ما يحتويه مكتب المحامى من أسرار عملائه مما لا يجوز الاطلاع عليها إلا من شخص تتوافر فيه ضمانات معينة هى أن يكون متمتعا بصفة قضائية ، وكذلك القاعدة التي تقضى بعدم جواز تفتيش شخص ومنزل غير المتهم إلا بعد استئذان القاضي الجزئي ، وقضى بأنه يجب على المحكمة أن تقوم بنفسها أو بمن تندبه من أعضائها باستيفاء التحقيق الذي طلبه الدفاع وليس لها أن تندب النيابة العامة للقيام بالإجراء المذكور وإلا كان ذلك إخلالا بحق الدفاع .

(3) كل قاعدة تتضمن تنظيم المشرع لحسن سير العدالة بصرف النظر عن مصالح الأطراف ، مثل قواعد الإشراف القضائي على الإجراءات الجنائية ، والإجراءات التي تتعلـق بشروط قبـول الدعوى الجنائية وتشكيل المحكمة وولايتها واختصاصها وعلانية الجلسات وشفوية المرافعة ، وإجراءات إصدار الأحكام والطعن فيها ، وقواعد تسبيب الأحكام ، وأخذ رأى المفتى قبل الحكم بالإعدام .

(4) كل قاعدة تكشف عن أصل عام من الأصول التى يقوم عليها المجتمع مثل القواعد التى تفرضها أخلاق الجماعة ولو لم يرد بها نص فى الدستور ، مثل قاعدة عدم جواز تفتيش الأنثى بغير أنثى مثلها . فهذه القاعدة تعتبر من النظام العام ولا يجوز للأنثى التنازل عنها بقبولها التفتيش من غير أنثى لأن هذا الوضع تأباه القواعد الأخلاقية التى يقوم عليها المجتمع .

ويتضح من الأمثلة التي أوردها المشرع فى نص المادة 332 من قانون الإجراءات الجنائية لما يعتبر من النظام العام والمذكرة الإيضاحية للقانون ، أنها أوردت تسبيب الأحكام ، وأخذ رأى المفتى قبل الحكم بالإعدام ، وعلانية الجلسات ، وإجراءات الطعن فى الأحكام .

ولعلنا بهذا الاجتهاد نكون قد أسهمنا بقدر متواضع فى معاونة القضاء على أداء رسالته الصعبة فى تحديد ما يعتبر من الإجراءات من النظام العام ويترتب على مخالفتها البطلان المطلق مستهدياً فى ذلك بالجهود الفقهية فى هذا الشأن .

البطلان النسبي :
———
كما سبق أن بينا فإن البطلان النسبي يكون عندما تقع المخالفة لقاعدة إجرائية قصد بها تحقيق مصلحة جوهرية لأحد الأطراف لا ترقى إلى أهمية المصلحة المعتبرة من النظام العام فقد جاء فى المذكرة الإيضاحية أن البطلان ” يكون نسبيا إذا كان الإجراء الجوهري متعلقا بمصلحة المتهم أو الخصوم ” .

مثال ذلك حقوق الدفاع ، وهى التي تمكن المتهم من رد الاتهام الموجه إليه . فالقواعد الإجرائية التي وضعت تمكيناً من استيفاء حقه فى الدفاع مقررة لمصلحة المتهم . وما دام الأمر كذلك ، فهو الذي يترك له تقدير ما إذا كان الإخلال بهذه القواعد يترتب عليه الإخلال بحقه فى الدفاع ، فإن شاء تمسك بهذا الحق وبالتالي يترتب البطلان . وان لم يشأ لا يتمسك فلا يترتب البطلان أما أن كانت حقوق الدفاع ترقى إلى مرتبة ضمانات الدفاع التى يجب على المجتمع توفيرها لأطراف الدعوى ، فتكون من النظام العام وترتب مخالفتها البطلان المطلق وليس النسبي ، مثل ضرورة أن يكون لكل متهم بجناية مدافع عنه سواء رضى المتهم بذلك أو لم يرض .

وقد ورد فى المذكرة الإيضاحية للمشروع الأصلي للمادة 333 من قانون الإجراءات الجنائية أمثلة لما يعتبر من البطلان النسبي فذكرت الأحكام الخاصة بالتفتيش والقبض والحبس والاستجواب والاختصاص من حيث المكان ولكن القضاء استقر على ان جميع هذه القواعد من النظام العام ويترتب على مخالفتها البطلان المطلق ، وعلى ذلك يمكن القول بأن البطلان يكون نسبيا إذا علق القانون اتيان الإجراء أو حظره على إرادة أحد أطراف القضية ،

مثال ذلك سماع شهود الإثبات ، فقد أمر القانون بوجوب سماعهم بشرط أن يتمسك المتهم بذلك ، فإذا لم يتمسك المتهم به فلا يترتب البطلان على عدم سماعهم وكذلك القاعدة الواردة فى المادة 274 من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص على أنه ” لا يجوز استجواب المتهم إلا إذا قبل ذلك ” فإنه إذا استجوبت المحكمة المتهم رغم انه لم يقبل ذلك فإن الإجراء يكون باطلا ولكنه بطلان نسبى لابد أن يتمسك به المتهم وقضى بأن أوجه البطلان المتعلقة بإجراءات التكليف بالحضور وميعاده ليست من النظام العام .

سقوط الحق فى التمسك بالبطلان النسبي :
———————-
سبق أن بينا أن البطلان المطلق لا يسقط الحق فى التمسك به مطلقاً لأنه من النظام العام ، أما البطلان النسبي فقد نصت المادة 333 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه ” فى غير الأحوال المشار إليها فى المادة السابقة – البطلان المتعلق بالنظام العام – يسقط الحق فى الدفع ببطلان الإجراءات الخاصة بجمع الاستدلالات أو التحقيق الابتدائي أو التحقيق بالجلسة فى الجنح والجنايات إذا كان للمتهم محام وحصل الإجراء بحضوره بدون اعتراض منه “ .

وعلى ذلك ، إذا كان للمتهم محام وكان الأمر يتعلق بجنحة أو جناية فيتعين على المحامى أن يثبت اعتراضه على الإجراء الباطل الذي يتخذ فى حق موكله بحضوره ، فالإجراء يعتبر صحيحاً إذا لم يعترض عليه المتهم ولو لم يحضر معه محام فى الجلسة ، كما يسقط حق النيابة العامة فى الدفع بالبطلان إذا لم تتمسك به فى حينه ( م 333 إجراءات ) . وتطبيقا لذلك قضى بأنه متى كانت المحكمة قد سمعت شهادة المدعى المدني دون حلف يمين فى حضور محامى المتهم دون أن يعترض على ذلك ، فإن حقه فى الدفع ببطلان شهادة المدعى المدني يسقط طبقاً لنص المادة 333 من قانون الإجراءات .

بطلان التفتيش :
——–
لا خلاف على ان أحكام القانون المتعلقة بالتفتيش معتبرة من الأحكام الجوهرية فى الإجراءات الجنائية التي يترتب على مخالفتها البطلان ، وتلتزم المحكمة بالبحث فى مراعاة احترام أحكام القانون الخاصة بها ، إذا اعتمدت على دليل الإدانة المطروح أمامها فى الجلسة المتولد عن التفتيش وإلا شاب حكمها القصور .

وجرت أحكام القضاء على أنه من الضروري أن يتمسك ببطلان التفتيش صاحب الشأن أمام محكمة الموضوع ، ويجب أن يصدر التمسك به ممن توافر فيه شرط الصفة وشرط المصلحة ، والشرط الأول مقدم على الشرط الثاني ، فلا يقبل التمسك ببطلان التفتيش ممن لا مصلحة له فى هذا البطلان .

كما لا يقبل التمسك حتى ممن له مصلحة فيه إذا لم تكن له صفة فى التمسك به ، كما لو أسفر التفتيش الباطل لمسكن شخص معين عن ضبط شخص أخر متلبسا بارتكاب جريمة ، فلا يقبل التمسك ببطلان التفتيش الا من صاحب المنزل لأنه صاحب الصفة فى الدفع ببطلان التفتيش ، ذلك لأنه هو الذى اعتدى على حرمة مسكنه بالتفتيش الباطل ، أما الشخص الآخر وان كان له مصلحة فى التمسك بهذا البطلان إلا أنه لم يتم الاعتداء على مسكنه ومن ثم لا شأن له ، ولا صفة له بالدفع ببطلان تفتيش مسكن ليس مسكنه .

وقد اختلف علماء القانون الجنائي والقضاء بشأن طبيعة هذا البطلان ، هل هو من النظام العام أو أنه بطلان نسبى . فذهب بعض علماء القانون الجنائي إلى أنه بطلان متعلـق بالنظـام العام بينما رأى آخرون أنه بطلان نسبى .

ويستند أصحاب الرأي الأخير إلى ما جاء فى المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون الإجراءات الجنائية ، من أن الأحكام الخاصة بالتفتيش والضبط والقبض والحبس ، والاستجواب ، متعلقة بمصالح الخصوم وليست متعلقة بالنظام العام ، وهذا السند ضعيف ، إذ أن المذكرة الإيضاحية لم تكن أبدا بمفردها تصلح سنداً لرأى لم يصرح به القانون نفسه ، كما يستندون إلى أن المادة 333 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على سقوط الحق فى الدفع ببطلان التفتيش أو الضبط إذا كان للمتهم محام وحصل الإجراء بحضوره بدون اعتراض منه ،مما يؤدى إلى اعتبار أحكام التفتيش من القواعد الأساسية المتعلقة بمصلحة الخصوم.

والواقع أن أحكام القضاء أيضا قد تعرضت لهذا الخلاف فبعض أحكام النقض يصرح بأنه بطلان نسبى ، والبعض الآخر يصرح بأنه من النظام العام ، فقد حكم بأن بطلان التفتيش الحاصل بغير إذن من السلطة المختصة مما يمس النظام العام ، فالتمسك به جائز فى أية حالة كانت عليها الدعوى ، ولا تصرح أحكام النقض الحديثة بوصف التفتيش بأنه نسبى أو من النظام العام ، وإنما جرت على ألا يقبل الدفع به لأول مرة أمام محكمة النقض .

والواقع أنه ليس فى هذا القضاء الأخير ما يشكك فى أن محكمة النقض تعتبر ان هذا البطلان من النظام العام ، ذلك أن محكمة النقض تبرر قضاءها بعدم قبول الدفع به لأول مرة بقولها ” أن الدفع ببطلان إذن التفتيش من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع التي لا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض ما لم تكن مدونات الحكم تحمل مقوماته لأنه يقتضي تحقيقاً تنأى عنه وظيفة محكمة النقض . وسبق لمحكمة النقض أن أصدرت أحكاماً أجازت فيها لمحكمة الموضوع استبعاد الدليل الباطل من تكوين عقيدتها حتى ولو لم يكن قد دفع به من صاحب الصفة والمصلحة فيه ،

فقضت بأنه ” متى كانت غرفة الاتهام قد أصدرت أمرها بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبل المتهم – الذي لم يحضر أمامها – لعدم كفاية الأدلة واستندت فى ذلك إلى أن تفتيش المتهم قد وقع باطلاً قانوناً لصدوره بغير إذن من الجهة المختصة ، وفى غير الحالات التي يجيز فيها القانون لأمور الضبط التفتيش ، فلا يصح النعي عليها بـأنهـا تجـاوزت فى ذلك حـدود سلطتها “ وفى حكم أحدث قضت محكمة النقض بأن ” العبرة فى الإثبات فى المواد الجنائية هى باقتناع المحكمة واطمئنانها إلى الدليل المقدم إليها ، فإذا كانت قد تعرضت بما هو واجب عليها من تطبيق القانون على الوجه الصحيح إلى بحث مأخذ الدليل والنظر فى قبوله فى الإثبات أمامها ،

وهى فى ذلك لا تتقيد بوجهات نظر الخصوم ، فلا يصح النعي عليها بأنها تجاوزت فى ذلك حدود سلطتها ، لأن واجبها فى فحص الدليل قبل الأخذ به يمنع من القول بأن هناك من الأدلة ما يحرم عليها الخوض فيه ، ولما كانت الصورة التي ارتسمت فى وجدان المحكمة من مجموع الأدلة التى طرحت عليها هى أن الضبط والتفتيش قد حصلا على خلاف القانون ،

وانتهت من ذلك فى منطق سليم إلى بطلان هذا الإجراء وما تلاه وخلصت إلى تبرئة المطعون ضده ، ومن ثم فلا يصح النعي عليها وهى بسبيل ممارسة حقها فى التقدير بأنها تجاوزت سلطتها ، ويكون ما تثيره النيابة العامة من أن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببطلان التفتيش وبراءة المطعون ضده من تهمة إحراز المخدر قد أخطأ فى تطبيق القانون ذلك أن المطعون ضده لم يدفع بهذا البطلان حتى تقضى به المحكمة من تلقاء نفسها – فى غير محله ” .

وقد لقي هذا القضاء تأييدا من علماء القانون الجنائي فعلى حد تعبير أحد العلماء أنه ” إذا جاز للنيابة العامة وهى تمثل مصلحة المجتمع أن تنوب عــن المتهم فى التمسك بالبطلان فكيف لا يجوز ذلك للمحكمة وهى تقضى باسم الشعب كله وتحكم بناء على قانون يحكم مصالح واقعية حقيقية لا مسائل اعتبارية مجردة “

والواقع أنه إذا كان لهذا الخلاف فى الرأي مكان قبل صدور دستور سنة 1971 فانه بعد صدوره نعتقد أن المسألة قد حسمت ولم يعد لهذا الخلاف محل . ذلك أن هذا ” الدستور – على ما جاء فى حكم المحكمة الدستورية العليا – لم يكتف فى نصوصه بإيراد الحماية الدستورية للمساكن وحياة المواطنين الخاصة ،

فى عبارات عامة كما كانت تفعل الدساتير السابقة ، التي كانت تقرر كفالة الحرية الشخصية وما تفرع عنها من حق الأمن وعدم القبض أو الاعتقال وحرمة المنازل وعدم جواز دخولها أو مراقبتها ( المواد 8 من دستور سنة 1933 ، 41 من دستور 1956 ، 23 من دستور 1964 ) تاركة للمشرع العادي السلطة الكاملة دون قيـود فى تنظيم هذه الحريات ، ولكن أتى دستور سنة 1971 بقواعد أساسية تقرر ضمانات عديدة لحماية الحرية الشخصية وما يتفرع عنها من حريات وحرمات ورفعها إلى مرتبة القواعد الدستورية – ضمنها المواد 41 إلى 45 منه – حيث لا يجوز للمشرع العادي أن يخالف تلك القواعد وما تضمنته من كفالة لصون تلك الحريات وإلا جـاء عمله مخالفـاً للشرعيـة الدستورية “

وليس من شك أن الحقوق والحريات التي كفلها الدستور وكل ما يتعلق بالتنظيم الدستوري لسلطات الدولة فى قمة النظام العام ، وهذا ما قضت به المحكمة العليا حين قالت ” أن نصوص الدستور تمثل القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة من قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعـد الآمرة “

ومتى ثبت ذلك ، فإن كل قاعدة من قواعد الإجراءات الجنائية ورد النص عليها فى الدستور تعتبر ضابطاً لما هو من قواعد النظام العام فى أقل القليل ، حتى لو كان المشرع قد راعى فيها حماية الأفراد لأن هذه الحقوق الأخيرة تأتى صيانتها بالتبعية لصيانة حق المجتمع الذي رفعه المشرع إلى مصاف المبادئ الدستورية ، وتأسيساً على ذلك ، يكون تطبيق ما ورد النص عليه فى المادة 333 من قانون الإجراءات الجنائية من سقوط الحق فى التمسك ببطلان الإجراء إذا كان للمتهم محام وحصل البطلان فى حضوره ،

فى حدود عدم تعارضها مع ما ورد فى الدستور ، يؤيد ذلك ويظاهره ما قضت به المحكمة الدستورية العليا من أنه ” لا يجوز تقييد حرية المتهم فى إبداء دفاعه لمدة معينة يسقط بعدها حقه فى الدفاع ، ورتبت على ذلك ، الحكم بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية والتي كانت تقيد حرية المتهم بالقذف بطريق النشر فى حق كل موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة فى إثبات صحة الوقائع التي يستند إليها عند أول استجواب له وعلى الأكثر فى الخمسة أيام التالية ، وإذا كان ما ورد فى الدستور من أحكام التفتيش تخص الأشخاص والمساكن فقط ، فإن هذه الأحكام فقط هي التي يستمد تفتيشها صفة النظام العام من الدستور ، اما غيرها من الأماكن مثل المخازن وهى أماكن خاصة غير مخصصة للسكنى ، فليس لتفتيشها صفة النظام العام المستمدة من الدستور

وينبنى على ذلك أنه ما دام الأمر متعلقا بحكم دستوري فهو يقرر مصلحة عامة وهو لذلك من النظام العام حتى لو استفاد منه المتهم بطريق التبعية فواجب المحكمة أن تطبقه من تلقاء نفسها وأن تستبعد كل دليل رأت فيه عملاً غير مشروع لمخالفته للدستور دونما نظر لتمسك المتهم أو عدم تمسكه بتطبيق الدستور ، إذ الواقع أنه لا يفهم كيف يمكن أن يجبر ضمير القاضي على أن يحكم بدليل ثبت له هو عدم مشروعيته لوقوعه بالمخالفة للقانون والدستور لمجرد أن المتهم لم يتمسك به ، وهل يجوز للقاضى أن يمتنع عن تطبيق الدستور بدعوى أن المتهم لم يتمسك بتطبيقه ؟ أن تطبيق الدستور والقانون عمل القاضي وليس عمل المتهم .

ثم أليس غريباً أن يقال أن الرضا بالتفتيش لا يزيل بطلانه إلا إذا كان سابقاً عليه ، ثم يقال بعد ذلك إذا وقع التفتيش بغير رضا سابق ، فإن عدم تمسك المتهم ببطلانه بعد وقوعه يبرر أن يستمد منه دليل مشروع أى يزيل عنه ما لحقه من بطلان ، أليس عدم تمسك المتهم ببطلان التفتيش يعد نوعاً من الرضا به بعد وقوعه وهو أمر يجمع الفقه والقضاء على انعدام أى أثر له فى زوال البطلان الذى لحقه ، وأخيرا أفصحت محكمة النقض فى حكم حديث لها فى عبارة صريحة عن أن اختصاص مصدر إذن التفتيش أمـر يتعلـق بالنظام العام

كما أصدرت محكمة النقض حكما هاما قبلت فيه الدفع ببطلان التفتيش لأول مرة أمامها رغم عدم سبق إبدائه أمام محكمة الموضوع ، وبذلك تكون قد حسمت الموضوع ، وجاء فى هذا الحكم ” إذا كان ما جاء فى الحكم من الوقائع دالا بذاته على وقوع البطلان جازت أثارته أول مرة أمام محكمة النقض ولو لم يدفع به أمام محكمة الموضوع ، ذلك لتعلقة بمشروعية الدليل ، إذ يتعين أن يكون الدليل الذى يعول عليه الحكم الصادر بالإدانة مشروعاًُ ” ومتى كان التفتيش باطلا بطلانا مطلقا لمخالفة الدستور فإنه لا تشترط أية صفة أو مصلحة فيمن يتمسك به بل يجب على المحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها .

ومع ذلك فالذي يبقى مثيرا للتساؤل هو موقف محكمة النقض من عدم تطبيقها كل خصائص البطلان المتعلق بالنظام العام على بطلان التفتيش فهي لازالت تشترط لقبول الدفع ببطلان تفتيش الأشخاص والمساكن أن تكون لمن يتمسك بهذا البطلان صفة ومصلحة فى هذا التمسك ،

فقـد قضى بأنه ” من المقرر أنه لا صفة لغير من وقع فى شأنه القبض والتفتيش ان يدفع ببطلانه ولو كان يستفيد منه ، لأن تحقق المصلحة فى الدفع لاحق لوجود الصفة فيه ، كما أنه من المستقر عليه فى قضاء هذه المحكمة أنه لا يجوز الطعن بالبطلان فى الدليل المستمد من القبض أو التفتيش لسبب عدم مراعاة الأوضاع القانونية المقررة لذلك الا ممن شرعت هذه الأوضاع لحمايتهم ،

وكان الاذن بالتفتيش خاصا بالمحكوم عليه الآخر وبمسكنه ولم يزعم الطاعن حيازته أو ملكيته للمسكن الذى جرى تفتيشه وضبط فيه ، فإنه لا يقبل منه الدفع ببطلان الاذن الصادر بالتفتيش لأنه لا صفة له فى التحدث عن ذلك ، ويكون كافة ما يثيره فى هذا الخصوص غير مقبول ” مع أن سمة أساسية من سمات البطلان المطلق أن يكون لأى شخص التمسك به وتطبقه المحكمة من تلقاء نفسها .

ولذلك فإننا نهيب بمحكمتنا العليا أن تعيد النظر فى هذا الموقف بحيث تكون أحكامها جميعا متناسقة ، فما دامت قد انتهت فى أحكامها إلى أن بطلان إجراء معين من النظام العام تعين أن تطبق أحكام هذا النوع من البطلان ، فتلزم محكمة الموضوع بتقرير هذا البطلان من تلقاء نفسها وتقبل التمسك به من أي شخص بصرف النظر عن صفته أو مصلحته ، خاصة وأن محكمتنا العليا قد صرحت بأن الأمر يتعلق بمشروعية الدليل .

أثر بطلان التفتيش :
—————–
تنص المادة 336 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه ” إذا تقرر بطلان إجراء فإنه يتناول جميع الآثار التي تترتب عليه مباشرة “ .

ومفهوم أن البطلان لا يتقرر إلا بحكم من القضاء أو بأمر من قضاء التحقيق ، ومعنى زوال الآثار التي تترتب على الإجراء الباطل مباشرة أن يعتبر هذا الإجراء كأن لم يكن ، فلا يجوز أن يستمد منه دليل ، ويترتب على بطلان التفتيش استبعاد الدليل الذي نتج عن هذا الإجراء الباطل ،

فكل ما تم ضبطه نتيجة التفتيش الباطل يجب أن يستبعـد ، ولا يصح الاستناد إليه فى إدانة المتهم ، وكذلك يتعين استبعاد شهادة من أجرى التفتيش الباطل ، ولا يجوز أن يستمد دليل من أية مناقشة جرت مع المتهم بعد الإجراء الباطل لأن ” تلك المناقشة كان مدارها مواجهة المتهم بما أسفر عنه التفتيش الباطل من نتيجة . وإذا اعترف المتهم كان اعترافه نتيجة التفتيش الباطل فيتعين استبعاد هذا الاعتراف أيضا ، لأن هذا هو الأصل العام فى البطلان ومعنى أن البطلان يتناول جميع الآثار التي تترتب عليه مباشرة ، أن الإجراءات السابقة على الإجراء الباطل إذا لم تكن مترتبة عليه فلا يلحقها البطلان .

فإذا ضبط مخدر نتيجة لتفتيش باطل ثم اعترف المتهم بعد ذلك بحيازته للمخدر ، فإن الاعتراف لا يلحقه البطلان بشرط ان يثبت للمحكمة أنه لم يكن متأثراً بالتفتيش الباطل وإلا تعرض حكمها للنقض للقصور فى التسبيب ، ويجرى قضاء النقض على أن تقدير مدى تأثر الاعتراف اللاحق على التفتيش الباطل بهذا الإجراء الأخير من اطلاقات قاضى الموضوع ، فإذا وقع التفتيش الباطل من مأمور الضبط القضائي ، ثم اعترف المتهم أمام جهة أخرى مثل النيابة العامة فإن للمحكمة أن تعتبر هذا الاعتراف مستقلاً عن الإجراء الباطل وتأخذ به سنداً لإدانة المتهم .

كما أن لها أن تعتبره متأثراً بنتيجة التفتيش الباطل فلا تأخذ به وتهدره . كما لو كان اعتراف المتهم أمام النيابة العامة نتيجة لمواجهته باعترافه الباطل أمام سلطة الاستدلالات . فإذا بدأ المحقق سؤاله للمتهم فى النيابة بقوله ” ما تفاصيل اعترافك ؟ ” والمقصود هو الاعتراف الباطل أمام مأمور الضبط القضائي كان الاعتراف الوارد فى النيابة متأثراً حتما بالاعتراف الباطل بل هو فى حقيقة الواقع تفصيل لاعترافه أمام سلطة الاستدلالات ، وبالتالي يلحقه البطلان كذلك .