مفهوم الإعفاءات من الضرائب الكمركية

المؤلف : محمد سامي يونس العسلي
الكتاب أو المصدر : الاعفاءات من الضرائب الكمركية
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

في الحقيقة أن هناك علاقة تبادلية ذات تأثير متبادل بين البنية الاقتصادية للدولة وبنيتها المالية ويعني ذلك أن درجة التطور الاقتصادي والاجتماعي للدولة تؤثر تأثيراً عميقاً وجذرياً في البناء المالي للدولة(1). وهذا يجري ضمن الاطار العام الذي يحدده النظام السياسي والاقتصادي للدولة. فدور المالية العامة في المجتمع الرأسمالي المتقدم هو غير دور المالية العامة في المجتمع الاشتراكي، وكذلك فيما يتعلق بدول العالم الثالث . ان مصادر التمويل التي تعتمد عليها معظم الدول هي ذاتها على الرغم من الاختلاف والتفاوت الكبير في درجة التطور الاقتصادي والاجتماعي لهذه الدول واختلاف النظام السياسي والاقتصادي .

وتركيز الدول لتحقيق الايرادات يتوقف على المفاضلة بين اهمية هذا المصدر او ذاك بحسب تزايد المنفعة المتحققة (اجتماعية – اقتصادية – انسانية – دولية ) (2). ولذلك نلاحظ ان مفهوم الاعفاء من الضرائب الكمركية هو مفهوم مرن ينكمش او يتمدد بحسب البيئة الاقتصادية والاجتماعية للدولة المنعكسة من نظامها السياسي. أن الضرائب الكمركية هي من الضرائب غير المباشرة التي تحددها القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية ، وان الضرائب الكمركية تخضع لقاعدة اقليمية الضريبة ، بمعنى انها تسري داخل حدود الدولة فقط وعلى جميع السكان القاطنين بها سواء أكانوا وطنيين أم أجانب .

وسواء أكانت إقامتهم دائمة أم مؤقتة. والاصل أن يتم دفع الضرائب الكمركية . وما الاعفاءات الا استثناء من هذه القاعدة ، حيث قد تتوافر شروط سريان الضرائب الكمركية . الا أن المشرع مع ذلك يقرر اعفاءات منها ، مثل الاعفاءات لرجال السلك الدبلوماسي والقنصلي ، كما ويستثنى من قاعدة اقليمية الضريبة حالتا المعاهدات والمجاملات الدولية كإعفاء موظفي الدول بقصد المجاملة الدولية (3). ولكن ما سبق ذكره يتناول الضريبة على الواردات ، لان بنود الجدول الخاص بالواردات قد ورد على سبيل المثال وليس الحصر بحيث اذا ما تبين عدم ادراج بضاعة مستوردة من هذا الجدول فانها ( أي تلك البضاعة ) تخضع للقياس والتشبيه (4).

وبذلك فان الاعفاءات تمثل خروجاً عن الاصل الذي لا يجيز مطلقاً ، وبأي حال من الاحوال اخراج البضاعة من حوزة الكمارك قبل إكمال معاملتها الكمركية ودفع الضريبة المترتبة عليها. ومعنى هذا انه لا يجوز الاعفاء من الضرائب الكمركية الا في الاحوال المنصوص عليها في القوانين النافذة لهذا الغرض(5). وهذه هي القاعدة الاولى من قواعد الاعفاء من الضرائب الكمركية . ويجب أن تكون الاعفاءات مستندة الى مبررات مقبولة مستمدة من بعض الاعتبارات العامة والواقع العملي ، وان تكون في الوقت نفسه واضحة وصريحة ووفقاً للمبادئ الدستورية المقررة ، وان تُحدَّد حتى يمكن تجنب الملابسات التي قد تحصل من جراء الاجتهادات التي تكون على الاغلب في غير مصلحة الخزانة العامة .

وبتعبير أخر يجب أن تكون حالات الاعفاء محصورة ومحددة ، وذلك للقضاء على طرق التحايل التي قد يلجأ إليها بعض المكلفين. أما الضريبة على الصادرات فإنها قد وردت على سبيل الحصر وذلك على اساس أن فرض الضريبة على الصادرات ما هو الا من قبيل الاستثناء من القاعدة العامة التي تقضي بعدم اخضاعها لاية ضريبة بحيث تعفى البضاعة المصدرة التي لم تدرج ضمن الجدول الخاص بالصادرات من الضرائب الكمركية.

والقاعدة الثانية هي أن الاعفاء من الضرائب الكمركية لا يستوجب بأي حال من الاحوال إعفاؤها ايضا من المعاينة او كشف البضاعة ، أي أن الاعفاء لا يَجّب الاجراءات الكمركية الواجبة التطبيق ، فضلاً عن ذلك فان الاعفاء لا يمنع تقاضي الاجور والعوائد الاخرى الاضافية . لأنه لا يصح في هذه الحالة الركون الى الحجج التي يتمسك بها البعض من أن الفرع يتبع الاصل على عدّ أن الاعفاء يشمل ايضا التخلي عن تلك الاجور والعوائد. والقاعدة هنا في هذا المقام فيما يتعلق بهذه الناحية بالذات هو عدم الاعفاء الا اذا نص صراحة على الاعفاء. وعلى سبيل المثال فقد اعطت المادة –269- من قانون الكمارك العراقي لمدير عام الهيئة العامة للكمارك صلاحية استثناء دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي والمختلط من بعض الاجراءات الشكلية المتعلقة بالمعاملات الكمركية تسهيلاً لاعمالها(6). والقاعدة الثالثة هي الإعفاء المتعلق بذات الشخص المتمتع بامتياز الإعفاء .

فإذا تخلى عن الأموال شخص من الأشخاص الذين يتمتعون بامتياز استيراد البضائع المعفاة من الضرائب الكمركية عن حيازة البضاعة لشخص أخر لا يتمتع بهذه الامتيازات . فحينئذ تخرج البضاعة عن الوصف الذي كانت عليه . وينبغي على المستورد قبل التخلي أن يعلم ادارة الكمارك بالأمر ، ويكون ملزماً بدفع الضرائب الكمركية الواجبة الاستيفاء(7). وهنا يثار التساؤل الآتي : هل يتم استيفاء الضريبة على اساس الفئة السارية وقت البيع ام وقت الافراج عنها من الكمارك ؟ (8). تحتسب الضريبة وفقاً للحالة التي عليها هذه الاموال وقيمتها في وقت التصرف والتنازل طبقاً للتعريفة النافذة في تاريخ تسجيل البيان المقدم لدفع تلك الضريبة كما لا يجوز للجهة المستفيدة من الاعفاء تسليم الاموال المتنازل عنها الا بعد إنجاز الاجراءات الكمركية واستحصال ترخيص بالتسليم من الدائرة الكمركية (9). ويثار التساؤل الآتي كذلك :
هل يوجد فرق ما بين الاعفاءات الكمركية والاعفاءات من الضرائب الكمركية ؟
الاعفاء هو خروج عن الاصل والذي هو الخضوع لحكم القانون او لقرار او اتفاقية او تعليمات . وفيما يتعلق بالتشريع الكمركي فان هناك قاعدة قانونية تنص على عدم السماح باخراج البضاعة من الدائرة الكمركية قبل أن يتم اكمال معاملتها ، والتأكد من استيفائها لقيود الاستيراد ومستنداته ، وتسديد الضرائب الكمركية المترتبة عليها وفق السعر المحدد لها في جدول التعريفة الكمركية. والاعفاء اما أن تتمتع به جهة معينة كاستيرادات الهيئات الدبلوماسية ، او أن يتمتع به شخص معين كاستيرادات رئيس الجمهورية ، او أن يكون الاعفاء لبعض البضائع بصرف النظر عن الجهة والشخص المستورد لها كمواد الدعاية والنماذج.
والاعفاء قد يكون من : (10).
1 . قيود ومستندات الاستيراد والتصدير.
2 . الضرائب الكمركية .
3 . الاجراءات الكمركية .
ولا طائل من الخوض هنا في تفاصيل كل واحدة من هذه الاعفاءات بقدر ما تهمنا الاجابة عن التساؤل السابق والذي يتوضح لنا من خلال ما تقدم أن الاعفاءات الكمركية مفهوم اعم واشمل ، وان الاعفاءات من الضرائب الكمركية إنما هي جزئية من جملة الاعفاءات الكمركية ، والتي هي اعم واشمل ، وهذا هو الفرق بينهما . والاعفاءات التي نصت عليها القوانين كافة اما أن تكون مطلقة ، واما أن تكون مقيدة. فالإعفاء المطلق يراد به تلك الإعفاءات التي نص عليها في قانون التعريفة الكمركية وقانون الكمارك. اما الاعفاء المقيد فالمراد به أن البضاعة خاضعة في الاصل الى الضريبة لكنها اعفيت بموجب تشريع خاص صدر بعد ذلك. والواقع أن الاعفاء الذي نص عليه في قانون التعريفة الكمركية وقانون الكمارك انما هو من الاعفاءات المطلقة وذلك لرغبة المشرع من تحقيق اغراض معينة ، وان هذه الاعفاءات تابعة الى الزيادة والنقصان وفقا لمتطلبات وظروف البلد. وهناك العديد من التقسيمات للاعفاءات من الضرائب الكمركية . فمنهم من يقسمها على النحو الاتي : (11).
1 . الاعفاءات بموجب قانون الكمارك.
2 . الاعفاءات بموجب قانون التعريفة الكمركية.
3 . الاعفاءات بموجب قوانين وقرارات خاصة.
4 . الاعفاءات بموجب الاتفاقات والمعاهدات الثنائية والجماعية.
وهناك من يقسم الاعفاءات من الضرائب الكمركية على : (12).
1 . شخصي او عيني.
2 . مطلق او مقيد .
3 . وجوبي او جوازي.
فالإعفاء الشخصي : هو ذلك الإعفاء المتعلق بذات الشخص دون غيره كأعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي . أما الإعفاء العيني : هو ذلك الإعفاء الذي يرجع فيه الى طبيعة البضائع كالعينات . في حين أن الإعفاء المطلق : وهو الذي نص عليه القانون بالنسبة الى حــالات معينة كالأمتعة الشخصية الخاصة بالسياح ، والإعفاء المقيد هو الذي يمنح لرجال السلك الدبلوماسي والقنصلي بقصد المجاملة الدولية شريطة عدم التصرف في الاشياء المعفاة الى شخص اخر لا يتمتع بالاعفاء قبل أن يتم اعلام مديرية الكمارك ، وتسديد الضرائب المستحقة عليها .

أما الاعفاء الوجوبي : هو الذي نص عليه القانون ، اما الاعفاء الجوازي : فهو الذي يصدر بناءاً على قرار من وزير المالية. ولما كانت الضرائب الكمركية اليوم تهدف الى تحقيق أغراض سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية ودولية ، ولم تعد تهدف الى تحقيق اغراض مالية كما كانت في الماضي نتيجة لكون الاعفاءات من الضرائب الكمركية تشمل نواحي متعددة ومختلفة وتتم لحساب جهات مختلفة باختلاف الغاية التي يقدمها الاعفاء لتلك الجهة. فمن الواضح أن الاعفاءات العسكرية هي ذات مغزى عسكري وان الاعفاءات لرجال السلك الدبلوماسي والقنصلي هي إعفاءات دولية . والاعفاءات لحساب الجمعيات الخيرية ومراكز رعاية العجزة والمكفوفين والمعوقين ذات مغزى اجتماعي . وان الاعفاءات لغايات تشجيع الاستثمار الصناعي ذات مغزى اقتصادي (13).

ومن الأهمية بمكان الإشارة الى قانون ضريبة الدفاع الوطني (الضميمة) رقم ( 172 ) لسنة 1967 (14). وعلاقته بالإعفاءات من الضرائب الكمركية ، حيث أن صدور قرار مجلس قيادة الثورة رقم ( 708 ) في 17 / 6 / 1985 اخضع فيه السلع والمواد المستوردة المعفاة من الضرائب الكمركية مهما كان الإعفاء سواء أكان بموجب قانون أم بقرار أم باتفاقية الى الضريبة المنصوص عليها في قانون ضريبة الدفاع الوطني رقم (172) لسنة 1967 والبالغة نسبتها 15 % من الضرائب الكمركية المفروضة على تلك السلع والمواد المستوردة. عليه فان السلع والمواد المستوردة التي قرر المشرع إعفاءها سواء أكان بموجب قانون أو قرار أو اتفاقية أخضعها إلى القانون الأنف الذكر وبنسبة 15 % من الضرائب الكمركية المفروض عليها . ولكن في الوقت نفسه نلاحظ أن المشرع العراقي قد أعفى بعض السلع والمواد المستوردة من الخضوع الى قانون ضريبة الدفاع الوطني بموجب قوانين وقرارات خاصة .
__________________
-1Gaudment P . M . ، Précis de Finances Publiques . Tom : I ،1990 ،Paris، p.21.
2- د . صلاح نجيب العمر ، مصدر سابق ، ص ص 49 – 51 .
3- يوسف العرياني ، ( النطاق الزماني والمكاني للضريبة الكمركية ) مجلة الكمارك ، العدد 74 ، 1976 ، ص 26.
4- للتفاصيل انظر ، ص 72 .
5- اذ تنص المادة – 168 – اولا – من قانون الكمارك العراقي المعدل رقم 23 لسنة 1984 على انه ” تطبق الاعفاءات التي تنص عليها القوانين النافذة وفق ما تتضمنه هذه القوانين .”
6- اذ تنص المادة – 269 – من قانون الكمارك العراقي المعدل رقم 23 لسنة 1984على انه ” للمدير العام أن يستثني دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي والمختلط من بعض الاجراءات الشكلية المتعلقة بالمعاملات الكمركية تسهيلاً لا عمالها”.
7- اذ تنص المادة – 168 – ثانياً – من قانون الكمارك العراقي المعدل رقم 23 لسنة 1984 على انه” لا يجوز في جميع الاحوال التصرف في الاموال والاشياء التي اعفيت بمقتضى القوانين المشار اليها في الفقرة ( اولا ) من هذه المادة إلا ضمن الاحكام الواردة في المادة 157 من هذا القانون ما لم يكن هناك نص خاص يقضي بخلاف ذلك.” .
8- يوسف العرياني ، (الاعفاءات الجمركية علماً وعملاً ) ، مصدر سابق ، ص9.
9- اذ تنص المادة – 157 – اولا – من قانون الكمارك العراقي المعدل رقم 23 لسنة 1984 على انه ” لا يجوز التصرف في الاموال المعفاة وفقا لاحكام المادة ( 156 ) من هذا القانون لغير الاغراض الذي اعفيت من اجله ، كما لا يجوز التنازل عنها الا بعد اعلام ادارة الكمارك ، وبعد دفع الرسوم الكمركية والرسوم والضرائب الاخرى عنها ، وفقا لحالة هذه الاموال وقيمتها في تاريخ التصرف والتنازل وطبقا للتعريفة في تاريخ تسجيل البيان المقدم لدفع تلك الرسوم والضرائب ولا يجوز للجهة المستفيدة من الاعفاء تسليم الاموال المتنازل عنها الا بعد انجاز الاجراءات الكمركية واستحصال الترخيص بالتسليم من الدائرة الكمركية.”
0[1]- عاشور بكري الكبيسي ( الاعفاءات الكمركية ) مجلة الكمارك ، عدد خاص ، السنة الاولى ، تشرين الاول، 1985 ، ص 9 .
[1]1- انظر : نوري السارح ، ( الاعفاءات الكمركية ومصادرها القانونية ) ، مجلة الكمارك ، العدد 43 ، 1966، ص37 .
2[1]- انظر : د . ابو اليزيد علي المتيت ، مصدر سابق ، ص ص 186 – 187 .
3[1]- حيث يقسم هذه الإعفاءات حسب الغرض إلى اجتماعية وسياسية واقتصادية . انظر : د . عبد العال الصكبان ، مصدر سابق ، ص 366 .
4[1]- الوقائع العراقية ، العدد ، 1511 في 14 / 12 / 1967 ، ص 829 ، وعدّ نافذاً من تاريخ 17 / 12 / 1967 استناداً الى المادة التاسعة عشرة منه.