سبل النهوض بالتشريعات القضائية الشرعية تقنينا وتطبيقا(*)

د.محمد خالد منصور / قسم الفقه وأصوله، كلية الشريعة، الجامعة الأردنية.

ملخص

يهدف البحث إلى إعادة بلورة معنى الاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر والذي يعني: “استفراغ القاضي وسعه في الحكم الشرعي من دليله، إذا كان داخلا ضمن التقنين التفصيلي للأحكام الشرعية، ويكون في حدود تطبيق النصوص القانونية الشرعية، أو استنباط الأحكام التي لم ينص عليها القانون بقواعد مرجعية محددة وفق معطيات الزمان والمكان المتجددين إذا كان ضمن التقنين التفصيلي للأحكام الشرعية”، وتحديد حكمه، ومجالاته التي يعمل فيها في زماننا، ضمن التشريعات القضائية الشرعية تقنينا وتطبيقا.

وقد حاول البحث بناء على ذلك وضع جملة من السبل التي يمكن من خلالها النهوض بالتشريعات القضائية الشرعية، لكي يلبي حاجة المجالات التي يعمل فيها بشقيه السابقين.

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،

فإن من أهم المجالات التي تحتاج إلى مراجعة دائمة ومستمرة مجال القضاء الشرعي لما ينطوي عليه من خطورة في التصدي لحل النزاعات التي تقع بين الناس، والحكم بينهم بالعدل.

وإن القضاء الشرعي ومنذ اللحظة الأولى، كان يعتمد على التميز في الاجتهاد، والسلامة في التطبيق وذلك حين كان يمارسه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضي الله عنهم والتابعون والعلماء الأجلاء والقضاة المجتهدون في تاريخ القضاء الإسلامي العريق.

وقد مرت أمة الإسلام في أزمنتها المتأخرة بظروف صعبة نيل منها عقيدة وفكرا وعلما وتشريعا، حتى أقصيت الشريعة الإسلامية عن الحكم، وبالتالي غُيّب القضاء الشرعي عن حياة الناس، وأقدم أولو الأمر في الدول الإسلامية على التقنين للأحكام الشرعية – إلا في بعض البلدان الإسلامية- لضعف ملكة الاجتهاد عند القضاة، وحسما للتلاعب في القضاء، وضبطا للأحكام بين الناس.

وقد توافر العلماء المخلصون على وضع التقنين المتعلق ببعض الجوانب في حياة الناس لا في كلها، وواجه هذا التقنين سلبيات مع وجود الإيجابيات السابقة ومواءمته للواقع الذي يعيشه، ومن أبرز هذه السلبيات التي على الفقهاء والباحثين معالجتها ضعف الاجتهاد الشرعي الذي كان يعتبر شرطا لصحة تولي القضاء عند جمهور الفقهاء، ومن هنا كان لابد من البحث في الواقع الذي تعيشه التشريعات القضائية الشرعية بتعريفها، وبيان مجالاتها، واقتراح السبل العلمية العملية للنهوض بها، وبالاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر، سعيا للتقليل من التقليد والجمود في القضاء، ومن أجل تحويله وبالتدريج إلى آلة فاعلة تتجاوب مع المستجدات، وتقضي بين الناس بأحكام شرعية واقعية تنتج عن اجتهاد حر متجدد وفق مقتضيات الزمان والمكان بعيدا عن الاعتماد الكلي على التقنين الذي يتقاصر عن الوصول إلى ما ينشده القاضي المسلم، ويحتاجه المسلم عند تخاصمه ومثوله أمام القضاء للنظر في خصومته، ومن هنا نشأت فكرة هذا البحث.

موضوع البحث:

يتحدد موضوع البحث في تحديد مفهوم التشريعات القضائية الشرعية تقنينا وتطبيقا، وتحديد مجالاتها في الواقع، واقتراح الحلول العملية التي تسهم في الرفع من سويتها، وسوية الاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر، مع تعزيز هذه المفاهيم والوسائل المقترحة بتطبيقات عملية من القانون الأردني لبيان مدى إمكانية التعامل مع التقنين الموجود، ومحاولة وضع الآليات التي يمكن من خلالها الوصول إلى النهوض بالاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر بوسائل عملية قابلة للتطبيق، وذلك من خلال استعراض بعض التطبيقات القضائية في القانون المدني الأردني، وقانون الأحوال الشخصية الأردني.

الدراسات السابقة:

لم يجد الباحث من أفرد وسائل النهوض بالاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر، وتطبيقاته في القانون الأردني، ولكني وجدت بعض الدراسات التي ساعدت الباحث في عملية الاستقراء والاستقصاء المتعلقة بالقانون الأردني، وقد أفدت منها إفادة جيدة في بناء البحث، ومنها:

قواعد تفسير النصوص وتطبيقاتها في الاجتهاد القضائي الأردني، للدكتور عبد المهدي العجلوني، وهي رسالة دكتوراه، تعرض فيها الباحث لقواعد التفسير الأصولية، ومثل لها بتطبيقات من الاجتهاد القضائي الأردني.
اجتهاد محكمة الاستئناف الشرعية الأردنية في مسائل التفريق التي لم يرد فيها نص في قانون الأحوال الشخصية، للباحث كمال الصمادي، وقد عرض الباحث لمفهوم الاجتهاد القضائي، وأنواع الاجتهاد القضائي من وجهة نظره، والتطبيقات المتعلقة بنص المادة 183 من قانون الأحوال الشخصية في مسائل التفريق.
وتتحدد إضافة الباحث في الجوانب التالية:

تحديد مفهوم الاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر، وتحديد مجالاته.

بيان مجال الاجتهاد في القانون المدني الأردني، وقانون الأحوال الشخصية الأردني.

اقتراح الوسائل والسبل العلمية العملية للنهوض بالاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر، ومحاولة النهوض به من خلال هذه الوسائل.

التطبيق العملي من القانون المدني الأردني، وقانون الأحوال الشخصية الأردني، للتدليل على إمكانية النهوض من خلال هذه الوسائل، وإثبات هذه الإمكانية وحصولها في الاجتهاد القضائي الأردني كأنموذج.

منهجية البحث:

اعتمد البحث المنهج العلمي القائم على:

الاستقراء لما كتب في التشريعات القضائية الشرعية تقنينا وتطبيقا، والاجتهاد القضائي الشرعي- على قلته – لتحديد هذا المفهوم.

الاستقراء للتطبيقات القضائية الشرعية الأردنية لاختيار التطبيقات المناسبة لموضوع البحث.

التحليل لهذه المادة العلمية للتوصل لاستنتاج تعريف للاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر، ثم التأصيل لأنواعه.

التطبيق لمفهوم الاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر تطبيقا متزامنا مع كل مفهوم من مفاهيم البحث، وانتهاء بالتطبيق لوسائل النهوض بالقضاء الشرعي المعاصر.

خطة البحث:

يشتمل البحث على مقدمة ومبحثين وخاتمة:

المبحث الأول: مفهوم التشريعات القضائية الشرعية تقنينا وتطبيقا، والاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر، ومجالاته

المبحث الثاني: سبل النهوض بالتشريعات القضائية الشرعية تقنينا وتطبيقا، وعلاقته بالاجتهاد القضائي الشرعي

وختاما، أسأل الله العلي العظيم أن يجعل أعمالنا صوابا، خالصة لوجهه الكريم، وأن تكون ذخرا لنا يوم يقوم الناس لرب العالمين. مفهوم التشريعــات القضائيـــة والحمد لله رب العالمين.

المبحــث الأول

الشرعية تقنينا وتطبيقا، والاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر، ومجالاته.

وسيتم تناوله ضمن المطالب الآتية:

المطلب الأول: مفهوم التشريعات القضائية الشرعية تقنينا وتطبيقا.

أما مفهوم التشريعات القضائية الشرعية تقنينا فتعني: ما وضعه المقننون من مواد محددة على شكل قانون شرعي يتحاكم إليه الناس في موضوعات مخصوصة، وإلزام القاضي والمتحاكمين إليه.

فمن المعلوم بداهة أن تطبيق الشريعة واجب على الأمة الإسلامية حكاما ومحكومين وفي كافة مجالات الحياة؛ لأنه من المقررات أن الشرع واجب التطبيق لوجوب الحكم بما أنزل الله، وبطلان الحكم بما عداه، فالحكم بما عداه جور وظلم.

ولكن هذا الجانب يتصل بقضية أخرى مرتبطة بها، وهي مسألة التقنين للأحكام الشرعية ووضعها على هيئة قانون ملزم، وما حكمه، وما صلته بالاجتهاد القضائي من حيث هو اجتهاد.

أما التقنين للإحكام الشرعية القضائية فيعني: اختيار القول الراجح في المذهب، أو اختيار أحد أقوال المذهب، أو اختيار أحد أقوال المذاهب الأخرى الذي يعتمد على الدليل الأقوى، أو اختيار القول الذي يحقق مقاصد الشريعة، في تحقيق المصالح، ودرء المفاسد، ورفع الحرج والمشقة عن الناس، وتخفيف العبء عنهم، وتسهيل أعمالهم ومصالحهم، وجمع هذه الاختيارات ووضعها في قانون مدون مسطور مرتب([1]).

والتقنين للأحكام القضائية الشرعية هو وضع قواعد متعلقة بقانون الأحوال الشخصية أو القانون المدني أو الجنائي أو غيره في مجموعة على شكل مواد فقهية مرتبة ومبوبة يرجع إليها القاضي عند التطبيق([2]).

وقد ظهر التقنين في أواخر عهد الدولة العثمانية (1839-1255ﻫ) حيث بدأ صدور القوانين الوضعية إلى جانب الشريعة الإسلامية، ثم صدور مجلة الأحكام العدلية (1876م–1292ﻫ)، وهي تقنين للمعاملات ومأخوذة من المذهب الحنفي.

وبعد انقضاء عهد الدولة العثمانية، واستقلال الدول العربية من الاستعمار، ظهرت القوانين في الدول العربية والمستمدة من القوانين الغربية بإقصاء الشريعة عن الحكم، وإحلال القوانين الغربية محلها؛ إلا في قوانين الأحوال الشخصية، وبعض القوانين المدنية، يستثنى من ذلك في بعض الدول العربية منها السعودية والسودان، ومحاولة تطبيق الشريعة في الكويت.

وقد ظهرت مسألة التقنين لقوانين الأحوال الشخصية إلى حيز الوجود، وانقسم الفقهاء المعاصرون إلى قسمين تجاه هذا التقنين، فذهب الجمهور العام من الفقهاء المعاصرين إلى جواز العمل به، ومن أبرزهم: الأستاذ محمد عبده، والشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ محمد عبد العزيز جعيط، والشيخ أحمد محمد شاكر، والشيخ أبو الأعلى المودودي، والشيخ أبو زهرة، والشيخ علي الخفيف، والشيخ حسنين محمد مخلوف، والشيخ مصطفى الزرقا، والدكتور فتحي الدريني، وغيرهم، وهؤلاء يرون إلزام القاضي بهذه الأحكام المقننة إلزاما يستند إلى وجوب طاعة ولي الأمر([3]).

وذهب بعض الفقهاء المعاصرين إلى منع التقنين ومنع العمل به، ومنهم: كثير من علماء السعودية، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي، والشيخ البسام، والشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد، وغيرهم([4]).

هذا، وإنَّ للتقنين محاسنَ منها: التسهيل على طالب العلم المسلم أن يعرف الحكم الذي تسير عليه الدولة والمجتمع، ويعين القاضي على الرجوع إلى هذا القانون المختار المرتب، ويسهل على ولاة الأمر مراقبة أعمال القضاة، وتمييز الأحكام الصحيحة من الأحكام الباطلة، كما يساعد على تحقيق المساواة والعدل بين الناس، للحكم بينهم بحكم واحد في القضايا المتشابهة، بحيث يسير الجميع فيها حسب منهج واحد وإجراءات واحدة، ويؤكد هذا الأمر الحرص على الدقة والنظام، وتحديد الأحكام والإجراءات مسبقا، للقضاة والخصوم.

كما أنّ للتقنين سلبياتٍ ومحاذيرَ، من أهمها: إضعاف روح الاجتهاد لدى القضاة، ومنها: عدم اعتبار الفوارق الدقيقة بين القضايا، وهذا أمر خطير خاصة في مجال العدل والقضاء، واقتصار أحكامه على الحوادث الواقعة دون المتجددة التي لم يسبق لها مثال ما يستدعي الحال على وجود دور الإفتاء لسد هذه الثغرة لتقنين أحكامها من جديد – وهذا سيأتي تفصيله بعد-.

والذي يظهر أن التقنين للأحكام الشرعية يكون في الحالات الاضطرارية، عند ضعف الاجتهاد عند القضاة، وعدم قدرتهم على الاجتهاد المباشر للوقائع المعروضة عليهم؛ أو قلة الورع وضعف الوازع الديني عند القاضي والمتقاضي، فيحد من جور القضاة، ويحد من اتهام القضاة بالميل.

وعليه، فإن اللجوء إلى التقنين حالة استثنائية، والأصل قيام القاضي بعملية الاجتهاد وفق الدعوى المعروضة، ويظهر أيضا أن طبيعة الزمان والحاجة للتقنين وعدمه هي التي تحكم على صحة التقنين وجوازه وعدم جوازه([5]).

وحاصل ما ذكره المحققون في زماننا : أن التقنين أمر مهم شريطة أن يكون هذا التقنين مستنداً إلى النظر فيه في عموم المذاهب الفقهية المعتبرة، والبحث عن القول الأقوى دليلا من غير تعصب أو تحيز أو هوى.

وقد أصبح التقنين أمرا حاصلا، وواقعا ماثلا، فالدول العربية والإسلامية تأخذ به، ولكن التحدي الكبير الذي يواجهه التقنين الآن، هو كيفية النهوض بالاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر، لا سيما في مجال المراجعة المستمرة لهذه القوانين استنباطا وتأصيلا، والعناية بجوانب الاجتهاد في التطبيق على ما سيأتي في مفردات البحث – إن شاء الله تعالى-.

وقد دعا الشيخ مصطفى الزرقا-رحمه الله تعالى- إلى توحيد الحكم القضائي عن طريق التقنين، ويرى أنه ضرورة بخلاف توحيد الفقه والاجتهادات الفقهية فإنها أمر مستحيل، ويبين أن اختيار بعض الآراء الفقهية في وقت ما لتقنينه وتوحيد الحكم القضائي عليه لا يمنع تغيير هذا الاختيار، واستبدال غيره به من الآراء الفقهية الأخرى كلما تبدلت الظروف والحاجة، أو رئي أن غيره أصلح، وبه تتحقق مصلحتان للأمة: توحيد الحكم القضائي، والاستفادة من جميع المذاهب الفقهية([6]).

كما أن أمر التقنين موكول أمره لولي الأمر بوصفه المطاع شرعا، فإذا رأى أن التقنين كتنظيم يحقق مصلحة الأمة، فطاعته واجبة([7])، ولأن الفقهاء قد ذهبوا إلى جواز تخصيص القضاء زمانا ومكانا وموضوعا، وأن لولي الأمر تخصيص ذلك وإلزام القاضي به([8]).

وأما تطبيق هذه التشريعات من قبل القضاة، فهو ما يقوم به هؤلاء القضاة التزاما بتطبيق هذه التشريعات، وما يتفرع عنها من قواعد اجتهادية تدور حول قضيتين:

الأولى: تطبيق هذه التشريعات تطبيقا سليما، مع مراعاة تنزيلها على الواقع، وما يتطلبه ذلك من اجتهاد، والثانية: الاجتهاد في الرجوع إلى ما سكتت عنه هذه التشريعات بتحديد المرجعية عند انعدام النص، وسيأتي مزيد بسط وبيان لهاتين القضيتين في ثنايا البحث.

وقد اشترط قانون تشكيل المحاكم الشرعية الأردني أن يكون القاضي في المحاكم الشرعية حاصلا إجازة القضاء الشرعي، كما يشترط التدرب على العمل القضائي، واجتياز اختبار لاختيار أفضل المتقدمين للوظيفة القضائية([9]).

المطلب الثاني: مفهوم الاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر، وعلاقته بالتشريعات القضائية المعاصرة تقنينا وتطبيقا.

أما الاجتهاد القضائي الشرعي، فقد عرفه الدكتور عبد المهدي العجلوني بقوله: “استفراغ القاضي وسعه وطاقته لتحصيل ظن بحكم شرعي فاصل في الخصومة في واقعة متنازع عليها؛ وملزم لأطرافها”([10]).

فالاجتهاد القضائي اجتهاد مخصوص من حيث إنه صادر من قاض منفرد أو من هيئة قضائية، كما أنه يكون في واقعة متنازع عليها([11]).

هذا، ويمكن القول بأن الاجتهاد القضائي الشرعي في زماننا أصبح يعتمد على التقنين للأحكام الشرعية، مما ضيق مجال الاجتهاد المطلق والاجتهاد المباشر، وكاد الاجتهاد القضائي الشرعي في زماننا ينحصر في مجال تطبيق نصوص القوانين المقننة أو في مجال استنباط الحكم الواجب تطبيقه عند عدم وجود النص، وقد أشار إلى ذلك الدكتور محمد سلام مدكور بقوله: “والاجتهاد الآن بالنسبة للقضاء، يطلق على المسلك الذي يتبعه القضاة في أحكامهم سواء منها ما يتعلق بتطبيق نصوص القانون أم باستنباط الحكم الواجب تطبيقه عند عدم النص”([12]).

وقد ذكر الأستاذ كمال الصمادي أن الاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر هو: “المسلك الذي يتبعه القضاة في استنباط الأحكام الشرعية في النوازل المعروضة عليهم، وتطبيق النصوص الشرعية والقانونية على الوقائع والحوادث، وتفسير نصوص القانون والوقائع وتفريعها على أصولها، والسير بإجراءات التقاضي حتى صدور الحكم”([13]). ويؤخذ من الكلام السابق أمران:

الأول: أن الاجتهاد القضائي محصور في محل واحد هو الدعاوى والوقائع والنوازل التي تعرض على القضاة في المحاكم فقط.

الثاني: أن الاجتهاد القضائي المعاصر يتنوع إلى أربعة أقسام سيأتي البحث فيها في مجالات الاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر.

لذا، فإن الاجتهاد القضائي الشرعي في العصر الحاضر يقتصر على الاجتهاد في الجانب التطبيقي لحدود النص([14])، أو النظر عند عدم وجود النص ضمن قواعد محددة، وما هو إلا نتيجة طبعية للعمل بالتقنين كما سبقت الإشارة إليه؛ إذ لا يتوفر في كثير من القضاة التأسيس العلمي الشرعي المتين الذي يؤهلهم للنظر في القضايا الشرعية، فضلا عن توفر شروط الاجتهاد التي بحثها الفقهاء قديما.

والاجتهاد في التطبيق في القضاء من باب تحقيق المناط الخاص، وهو إثبات مضمون القاعدة العامة أو الأصلية أو العلة في الجزئيات والفروع أثناء التطبيق بشرط أن يكون كل من المضمون والعلة متفقا عليه، فهو ضرب من الاجتهاد بالرأي في التطبيق([15])، وهو ذاته الذي يفعله القاضي أثناء تطبيق النصوص القانونية على الوقائع، فلا بد من الاجتهاد في تحقيق المناط الخاص، بتطبيق الحكم المناسب لكل شخص على حدة؛ في ضوء ظروفه الخاصة، التي تنهض بدليل تكليفي معين، يستدعي حكما خاصا في حقه([16]).

وعليه: فيرى الباحث أن الاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر هو: “استفراغ القاضي وسعه في استنباط الحكم الشرعي من دليله، إذا كان داخلاً ضمن التقنين التفصيلي للأحكام الشرعية، ويكون في حدود تطبيق النصوص القانونية الشرعية، أو استنباط الأحكام التي لم ينص عليها القانون بقواعد مرجعية محددة وفق معطيات الزمان والمكان المتجددين إذا كان ضمن التقنين التفصيلي للأحكام الشرعية”.

وإذا أردنا تحديد محل الاجتهاد في الاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر بالنسبة لسائر الدول العربية والإسلامية هو قانون الأحوال الشخصية، والقانون المدني في بعضها، وفي السعودية فإن الحكم في جميع الأحكام يكون وفق الشريعة، وأن النظام القضائي في السعودية نظام مستمد من الشريعة الإسلامية، ولكنهم لم يأخذوا بجانب التقنين التفصيلي للأحكام الشرعية.

أما بالنسبة للأردن فإن الدستور الأردني في المادة (99) قسم المحاكم إلى ثلاثة أنواع:

1-المحاكم النظامية 2-المحاكم الدينية 3-المحاكم الخاصة”([17])، ونصت المادة (106) على أن المحاكم الشرعية تطبق في أحكامها أحكام الشريعة الإسلامية، حيث ورد فيها: “تطبق المحاكم الشرعية في قضائها أحكام الشرع الحنيف “، ثم إن المعمول به عن طريق التقنين قانونان:

القانون الأول: القانون المدني الأردني والذي غالبيته من المذهب الحنفي؛ لأنه وريث مجلة الأحكام العدلية، وفيه مسائل من المذهب المالكي والشافعي والحنبلي اقتضتها مصالح الناس، وهي أرجح دليلا من المذهب الحنفي، وقد اعتبر هذا القانون أصلا للقانون المدني لدولة الإمارات العربية المتحدة، مع معالجة لبعض المسائل بناء على اعتبار المذهب المالكي فيها([18]).

والقانون المدني واجب التطبيق إلا فيما يتعارض مع القوانين الخاصة، وهي مجموعة القوانين التي تنظم العلاقات بين الأفراد بعضهم ببعض أو بينهم وبين الدولة باعتبارها شخصا عاديا كباقي الأشخاص لا باعتبارها صلاحية وسلطة وسيادة، ويعد القانون المدني الشريعة العامة في تنظيم علاقات القانون الخاص، أي أنه يعد المرجع العام الذي يرجع إليه عند عدم وجود قواعد خاصة في فروع القانون الخاص الأخرى كقانون الأحوال الشخصية والعمل والتجارة مثلا([19]).

وقد نص القانون المدني الأردني في المادة الثانية منه على أنه:

“1-تسرى نصوص هذا القانون على المسائل التي تتناولها من هذه النصوص بألفاظها ومعانيها ولا مساغ للاجتهاد في مورد النص.

2- فإذا لم تجد المحكمة نصا في هذا القانون حكمت بأحكام الفقه الإسلامي الأكثر موافقة لنصوص هذا القانون؛ فإن لم توجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية.

3- فإن لم توجد حكمت بمقتضى العرف؛ فإن لم توجد حكمت بمقتضى قواعد العدالة، ويشترط في العرف أن يكون عاما وقديما ثابتا مضطردا، ولا يتعارض مع أحكام القانون أو النظام العام أو الآداب، أما إذا كان العرف خاصا ببلد معين فيسري حكمه على تلك البلد.

4- ويسترشد في ذلك كله بما أقره القضاء والفقه على أن لا يتعارض مع ما ذكر”([20]).

يقول الشيخ الزرقا: “وقد تحققت الفكرة – أي التقنين- في بعض البلاد العربية، حيث ولد أول قانون مدني حديث في أسلوبه وترتيبه وتبويبه مستمدا من الفقه الإسلامي بمختلف مذاهبه، وذلك في المملكة الأردنية على يد لجنة من رجال الفقه والقانون مع مذكرة إيضاحية تواكب مواده مادة فمادة، وتصلها بمصادرها من فقه المذاهب، أو تدعمها بقياس اجتهادي، أو بالتخريج على قاعدة الاستصلاح والمصالح المرسلة، وصدر القانون رسميا في عام 1976م، وحل محل مجلة الأحكام…”([21]).

القانون الثاني: وهو قانون الأحوال الشخصية، وقد تم تقنين بعض الأحكام الشرعية بموجبه لتطبيقها في المحاكم على سبيل الإلزام؛ لضبط الأمور، وتحديد المرجعية في الأحكام، وقد استمد كثيرا من أحكامه من المذهب الحنفي، واستمد البعض الآخر من المذاهب الإسلامية الأخرى([22])، كما أغفل كثيرا من المسائل، ولم يتعرض لها، ولم يعالجها بنص قانوني، فقد نصت المادة: (183) بأن: “ما لا ذكر له في هذا القانون يرجع فيه إلى الراجح من مذهب أبي حنيفة”([23])، مثل أحكام الوصية، ومرض الموت، والهبة والوقف والإكراه وغير ذلك، والأصل أن يرجع القاضي في أحكام هذه المسائل إلى القانون المدني طالما لم يتعرض لها قانون الأحوال الشخصية، فإذا لم تجد المحكمة نصا في هذا القانون حكمت بأحكام الفقه الإسلامي الأكثر موافقة لنصوص هذا القانون؛ فإن لم توجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية([24]).

وهذا النص في القانون لا يعني أنه اجتهاد من قبل القاضي بالنظر في الأدلة والحجاج، بل هو إحالة من قبل القانون للقضاة إلى الرجوع إلى الراجح من مذهب أبي حنيفة، لأنه ليس أكثر من مجرد بحث عن الراجح من الأقوال في هذا المذهب، وفق قواعد في تعيين الراجح فيه، وليس اجتهادا في الترجيح بين تلك الأقوال ولا من وجه.

غير أنه لا ينكر أن الرجوع إلى مصادر المذهب الحنفي، يتطلب من القاضي الدراية بأصول المذهب، ومعرفة دقيقة بمصطلحاته؛ ومن يعتمد قوله، ومن لا يعتمد، والموازنة والترجيح بين النقول في المذهب؛ لكي يستطيع التوصل للرأي الراجح من مذهب الحنفية، وهذا يتطلب من القاضي قدرا من الجهد. ذلك أنه قد يكون القول متفقا عليه في المذهب الحنفي كمقدار الرضاع المحرم([25]).

وقد تكون هذه المسائل فيها خلاف في المذهب الحنفي فتحتاج إلى دراية ودربة ونوع اجتهاد وتتبع لمعرفة الرأي الراجح في المذهب، كما في نوع الفرقة الواقعة بين الزوجين بسبب إباء الزوج الدخول في الإسلام بعد إسلام زوجته، فهل هي فرقة طلاق كما هو عليه جمهور الحنفية، أم فرقة فسخ كما قال أبو يوسف([26])، وكالوقت الذي ينتهي فيه سن الرضاع المحرم، فهل يحكم القاضي برأي الإمام الذي جعله ثلاثين شهراً أم برأي الصاحبين اللذين جعلاه حولين، أم برأي زفر الذي اعتبره ثلاث سنوات([27]).

وعليه، فإنه يمكن إعمال وتطبيق نص المادة: (183) من القانون في حالتين هما:

الحالة الأولى: في المسائل التي أخذ القانون أصلها الفقهي من المذهب الحنفي.

الحالة الثانية: في المسائل التي أغفلها القانون، ولم يتطرق لها ابتداء، مثل التفريق للردة، وفسخ عقد الزواج للرضاع المحرم، كما أنه لا يمكن تطبيق نص المادة فيما استجد من حوادث في الحالات التالية: الحالة الأولى: ما استجد من حوادث مما استمده القانون من المذاهب الأخرى.

الحالة الثانية: فيما أقره القانون، وليس له أصل فقهي.

الحالة الثالثة: مما له أصل فقهي إلا أن القانون قيده بقيود وضوابط من غير المذهب الحنفي([28]).

مما سبق يتبين أن مجال الاجتهاد وفق القانون المدني الأردني، يفتح أفقا واسعا في الاجتهاد فيما لم ينص عليه أولا باجتهاد غير مقيد بمذهب بل بقواعد الشريعة الإسلامية، ومبادئها، والاستفادة من الفقه الإسلامي بمختلف مذاهبه، مما يفتح مجالا رحبا للاجتهاد فيما لم ينص عليه في القانون.

وفي كلا القانونين نجد أن الاجتهاد ينصب ابتداء على تطبيق نصوص هذين القانونين، ثم الاجتهاد الجزئي فيما لم ينص عليه سواء ضمن مذهب محدد كما هو في قانون الأحوال الشخصية، أو اجتهادا عاما ضمن المذاهب الفقهية المعتبرة كما هو في القانون المدني الأردني، ولا شك أن دائرة الاجتهاد التطبيقي هي الأربى والأوسع مجالا والأرحب إعمالا، بينما يقل دور الاجتهاد الاستنباطي لحد كبير؛ لقلة وقوعه، وندرة من يستطيع القيام به من القضاة المعاصرين.هذا، وإن المحاكم الشرعية في الأردن على مستويين([29]):

المستوى الأول: المحاكم الابتدائية: وهي التي تتولى الفصل في الدعاوى التي تدخل ضمن اختصاص ووظيفة المحاكم الشرعية، كالزواج والتفريق والنفقة وغيرها.

المستوى الثاني: محاكم الاستئناف، وهي محاكم عليا: تدقق مدى التزام المحاكم الابتدائية بنص القانون في القضايا التي تعرض عليها، ولمحكمة الاستئناف صلاحية فسخ وتصديق وتعديل الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية، وإصدار الأحكام في الموضوع، متى وجدت المسوغ لذلك؛ وما يصدر عنها من أحكام تشكّل جزءا من الاجتهاد القضائي المعاصر، وقد أوجب قانون أصول المحاكمات الشرعية على محكمة الاستئناف التدقيق في جميع الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية فيه؛ لضمان سلامة التطبيق القانوني([30]).

وأما مجالات الاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر وفق التقنين، ووفق العرض السابق فهي([31]):

المجال الأول: الاجتهاد في استـنباط الحكم الشرعي للقضايا والوقائع التي تعرض على القضاة، مما ليس في القانون نص مقنن فيها، وهذا المجال ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: الاجتهاد الاستنباطي، وهو على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: الاجتهاد في استنباط حكم واقعة ليس في القانون نص على حكمها، ولا سبق لفقهاء المذاهب الفقهية اجتهاد فيها، ولكن لها أصل فقهي يمكن استنباط حكمها منه، نقول: أصلا فقهيا، وليس استنباطا من النصوص الشرعية مباشرة، أو من الأصول الشرعية، أو من أصول المذاهب أو نصوصها، كما لو طلبت الزوجة التفريق لهجر زوجها إياها، وقد تركت بيت الزوجية لكونه غير شرعي، فهل يجوز لها طلب التفريق للهجر حينئذ ؟ علما بأن الأصل الفقهي لهذه الواقعة هو إجازة المالكية والحنابلة التفريق بين الزوجين للهجر والضرر.

فقد اجتهدت محكمة الاستئناف الشرعية الأردنية في هذه المسألة فرأت في قرارها رقم (24701)، تاريخ 16/5/1984م وقرارها رقم: (24933) تاريخ 1/9/1984م: “إن ترك الزوجة بيت الزوجية، لا يحرمها الحق في طلب التفريق للهجر، إلا إن كان تركا بدون عذر شرعي، وأن من الأعذار الشرعية التي لا تفوت حق الزوجة في طلب التفريق للهجر مع خروجها من بيت الزوجية – أن يكون ذلك البيت غير شرعي، أو أن يطردها الزوج منه”([32]).

النوع الثاني: الاجتهاد في استنباط حكم واقعة ليس في القانون نص على حكمها، ولا سبق لفقهاء المذاهب اجتهاد فيها، ولا أصل فقهي لها يمكن استنباط حكمها منه، إلا أن القانون أقر موضوعها في الجملة، وذلك كإقرار القانون حق الزوج في رفع دعوى التفريق للشقاق والنزاع، في حين أن الفقهاء لم يقولوا بهذا الحق للزوج؛ فإذا عرضت واقعة في هذا الموضوع استجد فيها جزئية لم ينص القانون على حكمها، وليس للفقهاء كلام فيها، فيكون على القاضي الاجتهاد لاستنباط حكمها.

النوع الثالث: الاجتهاد في استنباط حكم واقعة لها أصل فقهي، إلا أن القانون قيدها بقيود لم يذكرها، وقد استجد بالنسبة إلى تلك القيود أمور لم ينص عليها القانون، ولا تكلم عليها الفقهاء، نظرا لسكوتهم عن تلك القيود جملة: وذلك كاشتراط القانون صدور حكم نهائي بالحبس على الزوج لمدة ثلاث سنوات فأكثر، وقضاؤه في السجن سنة –لجواز طلب الزوجة التفريق للحبس- وحينئذ قد تستجد أمور بالنسبة إلى هذه القيود لم ينص عليها القانون، ولا ذكرها الفقهاء، كما لو صدر قانون عفو عام يخفض حكم عقوبة السجين لمدة أقل من ثلاث سنوات، وطلب الزوج لذلك رد دعوى التفريق المقامة ضده، فيجتهد القاضي في قبول طلبه أو عدم الالتفات إليه.

فقد اجتهدت محكمة الاستئناف الشرعية الأردنية في هذه المسألة، فرأت في قرارها رقم (12439) تاريخ 8/12/1962م، ونصت على: “أن العقوبة إن نزلت بالعفو العام حتى أصبحت أقل من ثلاث سنوات قبل أن تقيم المدعية عليه دعوى التفريق للسجن، فلا تقبل دعواها حينئذ، وأما إن نزلت بالعفو العام بعد إقامة المدعية الدعوى، فتقبل دعواها، ولا يقبل دفع المدعى عليه للدعوى بهذا التخفيض الحادث بعد رفعها([33]).

القسم الثاني: الاجتهاد التنزيلي التطبيقي بإنزال الحكم الفقهي الواجب التطبيق على الوقائع المعروضة على القاضي، وهذه الوقائع قد بيّن الفقهاء أحكامها، وإن كان القانون لم ينص عليها، ولم يتعرض لها، فيكون على القاضي أن يجتهد في معرفة الآراء الفقهية الواردة في تلك الواقعة، ليتبين منها الرأي الأكثر موافقة للقانون، ثم يصير على تنزيله وتطبيقه على الواقعة، فيكون اجتهاده هذا استنباطيا باعتباره اجتهادا عند عدم النص القانوني، ويكون تنزيليا تطبيقيا، باعتباره اجتهادا في تنزيل الحكم الشرعي على الواقعة.

ويتضمن الاجتهاد التطبيقي للنصوص القانونية، جملة من المراحل: أولها النظر في الواقع، وهو فهم النص والفقه فيه، وهو تحقيق المناط الذي قال عنه الإمام الشاطبي: “معناه أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي لكن يبقى النظر في تعيين محله”([34])، ولذلك فإن المجتهد لا يعمد إلى النصوص فيطبقها بشكل آلي، وينظر إلى الواقع بصورة دقيقة، بالنظر في الحال والزمان والمكان والأشخاص، والثانية: النظر في مآل التطبيق، وأن يحقق مقصد الشارع من شرع الحكم([35]).

وذلك أن كثيرا من المسائل لم يقل بها الحنفية ابتداء، وذلك كالتفريق للغيبة والهجر والعجز عن دفع النفقة والمهر والتفريق للسجن والعيوب المانعة من الدخول بالمرأة والتفريق للشرط، وغير ذلك من المسائل، فحينما تستجد مسائل وحوادث ونوازل أمام المحاكم لم يعالجها القانون، ولا حكم لها في المذهب الحنفي، يكون لزاما على القاضي الرجوع فيها إلى المذهب الفقهي الذي استمد منه القانون أصل المادة لمعرفة الآراء الفقهية في الواقعة المعروضة، وتحديد الأقرب للتشريع؛ ثم إنزال الحكم الشرعي على الواقعة المعروضة، ومثال ذلك: إذا طلبت الزوجة التفريق لغياب زوجها عنها؛ فادعى الزوج أن غيابه كان لسبب مشروع كالعمل مثلا، فهل يقبل قول الزوج على إطلاقه، أم لا بد من شروط وضوابط يجب أن تتحقق حتى يعد عمل الزوج سببا مشروعا لغيابه.

المجال الثاني: الاجتهاد في تفسير نصوص القانون، وتطبيقها على القضايا والوقائع التي تعرض على القضاة وذلك أن تطبيق النص القانوني على الواقعة مرتب على فهمه وتفسيره أولا، وأن النص القانوني قد يكتنفه خطأ مادي، أو خفاء في العبارة، أو إجمال في اللفظ أو نقص في التركيب، وهنا لابد للقاضي من الاجتهاد في تفسير النص لإزالة الإبهام الذي يكتنفه، لتصحيح الخطأ المادي، أو إزالة الخفاء أو بيان المجمل، أو تكميل النقص.

وعند وجود نص قانوني بحاجة إلى تفسير يرجع القاضي في تفسيره إلى أحكام المذهب الفقهي الذي استمد ذلك النص القانوني منه، كما أنه يستفاد من قواعد علم أصول الفقه في تفسير النصوص التي بحاجة لبيان عن طريق مبحث دلالات الألفاظ، والتعمق في المصطلحات اللغوية، والمصطلحات الفقهية، والمذكرات الإيضاحية عند وجودها.

المجال الثالث: الاجتهاد في تطبيق النصوص القانونية على الوقائع التي تعرض على القضاة، حين توجد أمور تقديرية وأوصاف عامة لم ينص القانون على حكم كل جزئية منها على حِدة؛ مع أن لكل جزئية منها خصوصية ليست في غيرها، وذلك نحو أن ينص القانون على عدم قبول شهادة من بينه وبين المشهود عليه عداوة دنيوية، ثم تعرض واقعة يطعن المشهود عليه فيها في الشاهد بوجود عداوة دنيوية بينهما حملته على الشهادة ضده، فههنا لابد أن يدعي الطاعن سببا لهذه العداوة وحوادث تدل عليها، مع أن للعداوة طرفا يدل على وجودها -كما لو قتل أحدهما ابن الآخر- وطرفا أدنى خارج عن أن يكون سببا للعداوة قطعا- كأن يكون أحدهما طلب حقه من الآخر، ولو برفع دعوى عليه وفيما بين هذين الطرفين أسباب كثيرة يمكن الادعاء بأنها سبب للعداوة، تحتاج أن يجتهد القاضي في تقدير كونها سببا للعداوة أو لا، بحيث إن أداه اجتهاده إلا أنها سبب للعداوة طبق النص القانوني على هذه الواقعة، وإلا لم يطبقه؛ لعدم العداوة التي هي مناط الحكم أصلا.

وكالاجتهاد في مقدار النفقة التي نص عليها قانون الأحوال الشخصية الأردني بحسب حال الزوج يسرا وعسرا، كما هو في المواد (73، 74، 76)، وجاءت قرارات محكمة الاستئناف الشرعية تؤكد هذا التقدير بيسر حال الزوج أو عسره([36]).

المجال الرابع: الاجتهاد في إجراءات السير في الدعوى، منذ رفعها، وحتى إصدار الحكم فيها([37]): وذلك أن القانون في نصه على إجراءات التقاضي وكيفية السير بالدعوى قد يجيء بكليات وعمومات تنطبق على الدعاوى كلها، مع أن لكل دعوى خصوصيتها وعناصرها، وأن كثيرا من الأمور تركها القانون لاجتهاد القاضي، فيجتهد القاضي في إجراءات السير في الدعوى لذلك، مراعيا في كل دعوى خصوصيتها، وعناصرها، وغير ذلك مثله، ومن ذلك أن القانون نص على أن القاضي لا يسأل الخصم عن الدعوى إلا بعد أن يقرر أنها واضحة، وهو لا يقرر أنها واضحة أو غامضة أو متناقضة أو ناقصة – إلا باجتهاد ونظر وتقدير، وكذلك إجابة الخصم على الدعوى؛ فإنها قد تكون إقرارا بها، أو إنكارا لها، أو دفعا، وتصنيف إجابته بأنها إقرار أو إنكار أو دفع – يعد اجتهادا من القاضي.

وقد نظم قانون أصول المحاكمات الشرعية الأردني رقم (31) لسنة 1959م كيفية السير بالدعوى وإجراءات التقاضي.

مما سبق يتضح بأن الاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر يكاد ينحصر في جانب تطبيق النصوص القانونية والفقهية وتفسيرها، واستخراج حكم الواقعة من كتب الفقه عند عدم وجود النص القانوني، والاجتهاد في إجراءات التقاضي، وأما الاجتهاد باستنباط حكم الواقعة من النصوص الشرعية مباشرة عند عدم وجود النص القانوني والفقهي عليه، فوجوده قليل في هذا الاجتهاد.

وأما التفصيل في طبيعة مجالات الاجتهاد السابقة فإنه يمكن القول بأن عامة هذه المجالات تعتمد – إلا في صورتين سيأتي الكلام عليهما – على الاجتهاد التطبيقي التنزيلي سواء كان المطبق فيه هو النص القانوني – أي الحكم الفقهي المقنن- أو الحكم الفقهي غير المقنن، وتسميته اجتهادا هو تجوز وتسامح في الإطلاق؛ ولقد سمي استنباطا باعتبار أنه استخراج حكم الواقعة من نصوص الفقهاء، عند عدم النص القانوني عليه؛ فأشبه استخراج حكم الواقعة من نصوص الفقهاء استخراجه من نصوص الشرع.

وعليه، فسيتركز الكلام في سبل النهوض بالاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر على جانب الارتقاء بالتقنين الذي تأخذ به معظم الدول العربية والإسلامية، ولكون مجال البحث مقارنا بالقانون الأردني.

المبحث الثاني

وسائل النهوض بالاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر

تقدم في المبحث السابق مفهوم التشريعات القضائية الشرعية تقنينا وتطبيقا، والاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر، ومجالاته، وتبين أن حدود الاجتهاد القضائي المعاصر ضيقة، وتكاد تكون منحصرة في الجانب التطبيقي لنص القانون، مع وجود مجال للاجتهاد الاستنباطي على نحو ضيق، والاجتهاد فيما سكت عنه القانون، وحدد فيه أيضا مرجعية الحكم الشرعي.

ومن هنا فإنه من المتعين على الباحثين في مجال الفقه الإسلامي وأصوله، البحث عن سبل عملية وحقيقية للنهوض بالاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر أولا من حيث هو اجتهاد، ومن حيث محله، وهو القوانين، والعناية الدقيقة بالقضاة وتأهيلهم تأهيلا شرعيا متعمقا لكي يكونوا على درجة من الوعي عند تطبيق القوانين، ولكي يسهموا في تعديل وتصحيح هذا التقنين على نحو يحقق قدرا من الاجتهاد القضائي المنشود، وعليه: سيقترح الباحث جملة من السبل، والتي يمكن تقسيمها في الجملة إلى قسمين، وسيكون منهج الباحث في عرض هذه الأقسام، هو التعريف بكل قسم منها، ثم عرض السبل مع تعزيزها ببعض التطبيقات القضائية المستمدة من التقنين الشرعي الأردني، والتشريعات القضائية الشرعية في القوانين الأردنية؛ لأن البحث قائم على أساس المقارنة بين الناحية النظرية، والجانب التطبيقي في القانون الشرعي الأردني، وذلك على النحو الآتي:

القسم الأول: سبل النهوض بالاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر على مستوى التقنين:

بادئ بدء ينبغي أن يقال بأن الأمة حكاما ومحكومين عليهم جميعا الرجوع إلى تحكيم الشريعة الإسلامية في واقع الحياة، وأن إقصاء الشريعة الذي منيت به أمة الإسلام كان من أشد الضربات التي وجهت لإضعاف المسلمين في واقعهم ومستقبلهم، مما جر على العالم الإسلامي ويلات من التخلف والتراجع في كافة الصعد([38])، وأن الحديث عن وسائل النهوض بالاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر ليس هو الأمل المنتظر، بل هو خطوة نحو تصحيح الواقع الاجتهادي القضائي الذي يعيشه المسلمون، وأن الاتجاه نحو تطبيق الشريعة في كافة المجالات ليس شيئا مستحيلا ولا صعبا، فالأمة تملك في كل زمان ومكان مقومات تطبيق الشريعة علما وعملا، ومن هنا فإن البحث عن وسائل النهوض هو بحث لتدارك الخلل الموجود في مؤسسات الاجتهاد القضائي.

والذي يبدو أن الدعوات الأولى التي نادت بالتقنين كانت تنطلق من ضرورة هذا الاتجاه؛ لكونه يشكل الحل الأمثل لتشعب مسالك الحياة، وصعوبة قيام القضاة الشرعيين بتلبية حاجات الأمة في الاجتهاد القضائي المطلق القائم على الرجوع إلى مصادر الشرع مباشرة، وإعطاء الأحكام الشرعية للوقائع التي تقع للناس في حياتهم، ولكن هذه الدعوات كانت تنادي بضرورة أن يتوافر على عملية التقنين خيرة فقهاء الأمة علما واجتهادا وإخلاصا؛ لوضع قانون شرعي في مجال التقنين يحقق أكبر قدر من الصواب، واتباع الرأي الأقرب للدليل الصحيح ثبوتا ودلالة، وملخص هذه الدعوات ترتكز على ضرورة قيام خيرة العلماء من الفقهاء وأهل القانون لوضع التقنين الموافق للقول الراجح في المسائل الفقهية بناء على قوة الدليل من الكتاب والسنة.

وينبغي التنبيه إلى أن الاجتهاد الجماعي هو سمة عصرنا، وأن النهوض بالاجتهاد الجماعي إنما يكون عن طريق المجامع الفقهية، وعقد المؤتمرات والندوات العلمية([39])، وكذلك الحال بالنسبة للاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر يتطلب الاتجاه نحو الاجتهاد الجماعي؛ لإعادة النظر في التقنينات المطبقة بهدف تطويرها، وجعلها ملائمة للمستجدات.

ويمكن الإشارة إلى أن هذه الاجتهادات الفقهية يستفاد منها في الفتوى والبحث والتقنين المستمد من الفقه الإسلامي، وأصبح الاجتهاد الانتقائي أو الترجيحي، من مجموع المذاهب الإسلامية والاجتهادات الفقهية هو الظاهرة الشائعة في القوانين المستمدة من الشريعة أو الفقه سواء في القانون المدني أو الجنائي أو الأحوال الشخصية([40]).

وتستند هذه الوسيلة المتعلقة بسلامة التقنين، إلى دعوة من طائفة من العلماء إلى أساس هذا التقنين، والناحية العملية الواجب اتباعها فيه، وسأختـار بعض هذه النصوص التي ستكون مستندا للاقتراحات الآتية:

1- يقول العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر: “ولم يكن الفقهاء والحكام والقضاة في العصور الأولى مقلدين، ولا جامدين؛ بل كانوا سادة مجتهدين، ثم فشا التقليد بين أكثر العلماء إلا أفرادا كانوا مصابيح هدى في كل جيل، ومع ذلك فقد كان المقلدون من العلماء يحسنون التطبيق والاستنباط في تقليدهم… إلى أن جاء عصر ضعف المسلمين؛ بضعف العلماء واستبداد الأمراء الجاهلين، فتتابع الناس على التقليد؛ واشتد تعصبهم لأقوال الفقهاء المتأخرين؛ في فروع ليست منصوصة في الكتاب والسنة… حتى لقد عرض بعض الأمراء في الجيل الماضي على العلماء أن يضعوا قانونا شرعيا؛ يقتبسونه من المذاهب الأربعة؛ حرصا على ما ألفوا من التقليد، وهو طلب متواضع؛ قد يكون علاجا وقتيا، فأبوا واستنكروا؛ فأعرض عنهم… ثم جاءت النهضة الإسلامية الحاضرة، وقد نفخ في روحها رجال كانوا نبراس عصرهم، وفي مقدمتهم جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ومحمد رشيد رضا، ووضع أصولها عمليا، وأرسى قواعدها والدي محمد شاكر فاستيقظت العقول وثارت النفوس على التقليد، ونبغ في العلماء من يذهب على وجوب الاجتهاد، وقد يكون اجتهادا مبتسرا، وقد يكون اجتهادا فيه خطأ كثير، ولكنه خير من الجمود”([41]).

وقال: “فأنا أرفض التقليد كله ولا أدعو إليه، سواء أكان تقليدا للمتقدمين أم للمتأخرين؛ ثم الاجتهاد الفردي غير منتج في وضع القوانين بل يكاد يكون محالا أن يقوم به فرد أو أفراد، والعمل الصحيح المنتج هو الاجتهاد الجماعي؛ فإذا تبودلت الأفكار، وتداولت الآراء، ظهر وجه الصواب إن شاء الله.

فالخطة العملية فيما أرى: أن تختار لجنة قوية من أساطين رجال القانون وعلماء الشريعة؛ لتضع قواعد التشريع غير مقيدة برأي، أو مقلدة لمذهب؛ إلا نصوص الكتاب والسنة، وأمامها أقوال الأئمة وقواعد الأصول وآراء الفقهاء، وتحت أنظارها آراء رجال القانون كلهم، ثم تستنبط من الفروع ما تراه صوابا مناسبا لحال الناس وظروفهم؛ مما يدخل تحت قواعد الكتاب والسنة، ولا يصادم نصا؛ ولا يخالف شيئا معلوما من الدين بالضرورة”([42]).

ويفصل الشيخ أحمد شاكر عمل هذه اللجنة فيقول :

“فهذه اللجنة يجب أن تكون موفورة العدد، يكون منها لجان عليا، تضع الأسس، وترسم المناهج، وتقسم العمل إلى لجان فرعية، ثم تعيد النظر فيما صنعوا ووضعوا على الأمة” ويقترح بعد ذلك الآلية الاستنباطية التي تقوم بها([43]).

2- قال الدكتور عبد الكريم زيدان حينما طرح السؤال التالي: “فهل يجوز لولي الأمر بتقنين الأحكام الفقهية التي احتواها المذهب الفقهي الذي ألزم القضاة بالأخذ به؟ والجواب: نعم، يجوز ذلك عن طريق اختيار نخبة من أهل الفقه والصلاح والدين لتقنين هذه الأحكام الفقهية؛ وأرى أن لا تقتصر على تقنين أقوال مذهب معين؛ وإنما تأخذ بالراجح من أقوال الفقهاء من مختلف المذاهب الإسلامية المعتبرة على أن يكون مستند الرجحان، كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وفقه السلف الصالح، وعلى رأسهم الصحابة الكرام، وعلى رأس الصحابة الخلفاء الراشدون”([44]).

وعليه، فإن الباحث يقترح اقتراحين في هذا الصدد:

الاقتراح الأول: المناداة بتشكيل لجنة للنظر في القوانين المقننة، وذلك في كل بلد إسلامي، والبحث في مدى سلامة النصوص المقننة، ومدى قوة هذه الأقوال واستنادها للأدلة الشرعية الصحيحة، وأن عمل هذه اللجنة يكون في الأمور التالية([45]):

إعادة النظر في القانون المقنن، والتأكد من صحة أحكامه استنباطا وتطبيقا ومآلا.

العمل الدائم والمستمر للنظر فيما يجد من قضايا ونوازل لم يشملها القانون، وهذا يتطلب أن تكون لجنة دائمة تسمى بلجنة التقنين يكون على عاتقها العمل الدائم والمستمر لتجديد النظر في هذه الأحكام، وهذه اللجنة تستعين بما تستطيعه أيضا من الباحثين وأهل الخبرة في الفقه والقانون.

تعتبر هذه اللجنة المرجع العلمي والشرعي للمحاكم الشرعية وللقضاة؛ فيرجع إليها هؤلاء القضاة فيما يشكل عليهم استنباطا أو تطبيقا.

قيام هذه اللجان، بعمل الدورات الشرعية والعلمية للقضاة الشرعيين، وشرح القانون لهم، وبيان مداخل هذه النصوص، وتعزيز فهم القضاة الفهم الدقيق لمفردات التقنين، مع بيان أساسه ومستنده، مما ينقل القضاة من مرحلة التقليد، إلى مرحلة الوعي بالقانون الذي يطبق والاجتهاد في التعامل معه.

يقوم عمل هذه اللجنة مرتبطا بالاقتراح الثاني الآتي، وهو التواصل مع المجمع الاجتهادي القضائي الإسلامي عن طريق الاجتهاد الجماعي([46])، في قضايا القوانين المقننة.

الاقتراح الثاني: إنشاء مجمع اجتهادي قضائي إسلامي على مستوى الأمة الإسلامية، بل وعلى مستوى العالم، يتكون هذا المجمع من خيرة علماء الأمة في الفقه والقانون، وهو مجمع دائم، تكون مهمته النهوض بالاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر، بوضع أسسه، ومناهجه، ويكون عمل هذا المجمع ضمن النقاط الآتية:

التواصل مع اللجان العلمية المشكلة في كل بلد، لمراجعة القوانين المقننة وفق المنهج الاجتهادي الجماعي، وتصويب التقنينات التي تحتاج إلى تعديل، فعمل اللجنة بمثابة اللجنة المشرفة على عملها والمسددة لها، سواء أكان ضبطا للتقنينات في الدول الإسلامية، أو التنظيم القضائي للأقليات المسلمة التي تعيش في البلاد غير الإسلامية.

البحث المستمر في المسائل التي تحتاج إلي اجتهاد لاسيما القضايا النازلة والحادثة في مجال التشريعات القضائية الشرعية المقننة، وهذا الاجتهاد ينبغي أن ينبني كما قلت على الاجتهاد الجماعي الذي أصبح هذا العصر يتطلبه تطلبا ضروريا؛ لكونه يقرب إلى الصواب، ويختصر الأوقات، ويضبط العملية الاجتهادية.

الدعوة إلى التدرج في تطبيق الشريعة الإسلامية في البلدان الإسلامية وفق خطوات مدروسة ومتدرجة.

ومن هنا فإن النهوض بالاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر يكون أساسا بالتأكد من سلامة التقنينات التي وضعها المقننون، وسلامة استنباطها، تمهيدا لسلامة تطبيقها، وهذا تعود فيه المهمة الأساسية على الفقهاء الذين يسهمون في التقنين المنبنى على العلم، والحيدة، وسلامة المقصد، والرغبة في إيصال الحكم الشرعي الصحيح من خلال المادة القانونية.

ويظهر من خلال الدعوات التي تحدث بين الفينة والأخرى لتعديل قوانين الأحوال الشخصية؛ إضافة للجدل الذي يدور في المجتمعات الإسلامية حول بعض القوانين كالجدل الذي دار في الأردن حول موضوع الخلع، وكما حدث في الإمارات من إشكال في تحديد سن الحضانة، والتي قدرها القانون للأم بسن الحادية عشرة للصبي، والثالثة عشرة بالنسبة للأنثى، كل هذه الإشكالات تحتم مزيدا من المراجعة للأحكام المقننة.

القسم الثاني: وسائل النهوض بالاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر على مستوى التطبيق من قبل القضاة الشرعيين:

وهذا القسم يتعلق بالجانب التطبيقي للتقنين؛ ذلك أن وظيفة واضع القانون وظيفة اجتهادية محضة، تحاول الوصول إلى الأحكام الشرعية الراجحة عن طريق الاستنباط، وأما هذا القسم فوظيفته البحث في الآليات التي يمكن أن تدفع بالقضاة إلى مزيد من التبصر بالقانون، والوقوف على غوامضه ومداخله، والطرائق التي من خلالها يتم التعامل الكفء معه تطبيقا فيما يحتاج لتطبيق، أو اجتهادا جزئيا ضمن القانون، أو اجتهادا جزئيا ضمن المصادر التشريعية التي نص عليها القانون، وعلى كل حال فإن الاجتهاد المباشر من قبل القضاة لا يعتبر اجتهادا مباشرا من المصادر التشريعية المعروفة، ولكنه محاولة للتفهم والتمرن على تطبيق القانون. وعليه، فيرى الباحث أن جملة من الوسائل يمكن أن تسهم في تنمية هذا الجـانب من جوانب الاجتـهاد القضائي، ومنها:

أولا: إيجـاد لجـان اجتهاد فرعية لدراسة القضايا المستجدة:

هذه الوسيلة تعتمد في الدرجة الأولى على وجود القناعة بأن القوانين ثابتة، لأنها وضعت لمعالجة قضايا جزئية محددة، وأن الوقائع التي تستجد في واقع الناس لا تنتهي، ومن هنا فلابد من إيجاد لجان اجتهاد فرعية للمحاكم الشرعية وظيفتها مد المقنن بكل ما يتبدى لها من نظر جديد في المسائل المستجدة، وهذه اللجان يقوم على إنشائها مجلس القضاء في الدولة من خيرة العلماء والفقهاء فيها؛ للأخذ برأيهم فيما يستجد من حوادث، أو في القضايا التي تعرض للقضاة مما هم بحاجة لحكم شرعي فيها.

وهذه اللجان هي أرفع درجة من محاكم الاستئناف التي سيأتي الحديث عنها؛ لأن وظيفتها استشارية لمجلس القضاء، وتسهم في مد القضاة بالاستشارة الشرعية المناسبة فيما يعرض للقضاة من إشكالات في الاجتهاد القضائي.

أن إيجاد مثل هذه اللجان الفرعية ينبغي أن يكون مرتبطا بالمعاهد العلمية وكليات الشريعة المتخصصة والمراكز الفقهية والقانونية ارتباطا وثيقا لتحقيق غرض الاجتهاد الجزئي فيما يعرض للقضاة، ولا يمنع من استعانة المحاكم الابتدائية والاستئنافية بهذه اللجان، بالطبع سيكون رأي هذه اللجان رأيا استشاريا غير ملزم ابتداء إلا بعد اقتناع دائرة التشريع بهذه الاجتهادات، والأخذ بها.

ثانيا: تفعيل دور محاكم الاستئناف:

المقصود بتفعيل دور محاكم الاستئناف، هو قيام هذه المحاكم بدور المراقب والمصحح والمعدل والناقض للأحكام القضائية، وهذا الدور يتطلب فيه قدرا من الاجتهاد في جانب التأكد من التطبيق القانوني للنصوص القانونية والتعامل مع القرارات القضائية بالإجازة أو النقض أو التعديل كما أسلفت، وذلك عن طريق القرارات الاستئنافية، أو جانب سد النقص والخلل في مواد القانون في القضايا التي تستجد، ولا يوجد فيها نص قانوني مباشر، وهذا الثاني ليس اجتهادا مطلقا، بل هو اجتهاد ضمن توجيه القانون لمراجع المسائل المستجدة.

وتفعيل دور محاكم الاستئناف يعزز في القضاء الشرعي ضرورة المراقبة ومحاولة الاجتهاد ولو في التطبيق، لأن سلامة التطبيق للنص القانوني لا يقل أهمية عن الاجتهاد الأصلي.

ومن خلال التعريف بمحكمة الاستئناف الشرعية في الأردن والتي عرفت بأنها: ” المحكمة العليا الشرعية والجهة الوحيدة للتدقيق والنظر بالطعن بالأحكام والقرارات الصادرة عن المحاكم الشرعية الابتدائية، لغير المحكمة التي أصدرت هذه القرارات”([47]).

إن عمل هذه المحكمة هو التأكد من سلامة التطبيق للقانون وسلامة الإجراءات الشكلية المتعلقة بالدعوى القضائية.

وقد قامت محكمة الاستئناف الشرعية في الأردن بمجهود كبير في حيز المراقبة والتدقيق للأحكام القضائية، وسد الخلل في بعض مواد القانون فيما لم ينص القانون على حكمه، وليس المجال للتفصيل في هذه التطبيقات فهي كثيرة ومتنوعة، ولكني سأختار تطبيقا واحدا أبين فيه مجهود محكمة الاستئناف تدليلا على أهمية تفعيل هذا النوع من المحاكم في تنمية الاجتهاد القضائي التطبيقي، فقد جاء في دعوى التفريق بين الزوجين للغياب والهجر والضرر، وذلك في المواد (123، 124، 125)، وقد جاء في دعوى مقامة في هذا السبب من أسباب التفريق، وأن الدعوى المقامة بلا سبب، وعللت محكمة الاستئناف ذلك بأن قانون الأحوال الشخصية جعل الضرر الناتج عن غياب الزوج وهجره لها سببا للدعوى وموجبا لها، حيث ذكر ذلك في نص المادة (123) بعد أن اشترط إثبات الغياب والهجر التي جاء فيها: “إذا تضررت من بعده عنها وهجره لها “، فقد جاء لفظ الضرر مجملا دون تفسير؛ فإذا أقامت الزوجة دعوى التفريق للغياب أو الهجر، وادعت أنها قد تضررت من غياب زوجها عنها، قبل ادعائها ولا تكلف بتفسير الضرر.

أما محكمة الاستئناف كمفسرة لألفاظ القانون فقد فسرت الضرر في قرارها رقم (19512) تاريخ 30/6/77م، وقراراها رقم (21040) بأنه: “فوات حق الزوجة بالمعاشرة الزوجية”، حيث جاء في القرار رقم (19512): “على المحكمة أن تعذر الزوج بما يتحقق به المعاشرة، ويزول معه سبب الدعوى”، وجاء في القرار رقم (21040): “إن استعداد الزوج لتأمين المعاشرة الزوجية، وإذا تمت المعاشرة بينهما على الوجه المذكور فقد زال الضرر عنها، وبالتالي زال سبب الدعوى”، واجتهاد محكمة الاستئناف هذا متفق مع ما ذهبت إليه المالكية والحنابلة حيث اشترط المالكية لجواز التفريق لغياب الزوج عن زوجته أن تخشى على نفسها الوقوع في الزنا، وقد جاء في المذهبين أيضا أنه يقال للهاجر: إما طلقت وإما وطئت، وهو متفق مع ما جاء في المذكرة الإيضاحية للقانون المصري رقم (25)، لسنة 1929م([48]).

فأنت ترى أن اجتهاد محكمة الاستئناف هنا يتمثل في تفسير لفظ الضرر، والتوصل إلى معناه المجمل عن طريق البحث في معناه عند الفقهاء.

وهناك اجتهادات متنوعة ومختلفة لهذه المحكمة، ولها رصيد كبير من الأحكام الاستئنافية التي تسهم إلى حد ما في تنمية مفهوم الاجتهاد القضائي المعاصر([49]).

وإن التوسع في عمل محاكم الاستئناف يجعلنا ننادي بإنشاء محكمة تمييز شرعية، بحيث يفسح المجال أمام الخصوم للوصول إلى حقوقهم كما أنه يعتبر إثراء جيدا للاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر.

ثالثا: تنمية قدرة القضاة على تفسير النصوص القانونية وضوابطها، وأثر ذلك على الاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر:

يعتبر تفسير النصوص القانونية من أهم ما يواجه القاضي، وهو يقوم بمهمته في النظر في الواقعة المعروضة عليه، وإن تفسير النصوص له قواعده العلمية الشرعية في تنمية الاجتهاد القضائي بل يعتبر الأداة الحقيقية لتفهم النص القانوني؛ وهو يعادل الاجتهاد في فهم النص، ومراميه دلالته على الحكم الشرعي والقانوني؛ فإن تفسير النصوص في الفقه الإسلامي يعتبر العملية الأصولية التي عن طريقها يستطيع الفقيه تفهم معاني النصوص بالطرائق المعروفة في علم أصول الفقه الإسلامي.

ولما كنا نبحث في أثر تفسير النصوص وتنميتها لقدرة القاضي على التعامل مع النصوص القانونية مما سيكون له الدور الجيد في تمكين القاضي من الاجتهاد عن طريق تفسير النص القانوني، فإني سأعرض مناهج الأصوليين إجمالا في تعاملهم مع كيفية تفسير النصوص، ثم سآتي للقانون الأردني الذي هو محل البحث، مع التمثيل ببعض التطبيقات في القضاء الشرعي الأردني.

هذا، وإن للأصوليين منهجين قديمين معروفين في البحث في دلالات الألفاظ من حيث وضوحها في الدلالة على المعنى بالصيغة نفسها من غير توقف على أمر خارجي، هما: منهج الحنفية، ومنهج المتكلمين (الجمهور)، وهناك منهج ثالث لبعض الكاتبين المتأخرين في علم أصول الفقه الإسلامي، وليس المجال يسمح باستعراض هذه المناهج وتعريفات أقسامها؛ لأنها مبثوثة معروفة في كتب أصول الفقه الإسلامي.

أما بالنسبة للقانون الأردني، فقد نص القانون المدني الأردني في المادة (3) على اعتماد قواعد علم أصول الفقه في تفسير نصوص القانون فنص على أنه: “يرجع في فهم النص وتفسيره وتأويله ودلالته إلى قواعد أصول الفقه الإسلامي”، وجاء في المذكرة الإيضاحية للقانون المدني: “رئي وضع هذه المادة لتثبيت ما يتميز به هذا المشروع من ارتباطه بالفقه الإسلامي وأصوله، خصوصا أن أصول الفقه الإسلامي هو عبارة عن مبادئ التفسير وقواعده حسب ما ارتضاه أئمة هذا العلم، وقواعد اللغة العربية… خصوصا أن حكومة الانتداب البريطاني كان لها قانون يسمى قانون تفسير القوانين، يعتمد في نصوصه على قواعد أصول الفقه الإسلامي، وقد صدر ذلك القانون سنة 1939م، ثم عدل تعديلات أبعدته عن ذلك المقصود، وأن هذا المشروع بين المرجع في فهم النص وتفسيره وتأويله ودلالته على الأحكام، فأحال على علم أصول الفقه، أخذا بيد القضاة، وجمعا لهم على مرجع واحد”([50]).

فالتفسير في القانون هو الاجتهاد في فهم النص؛ فإذا كان النص غير واضح فإنّ المحكمة تعطي الحق للقاضي لتفسير النص، وبيان معناه، وأخذه بالمعنى الراجح وترك المرجوح؛ تحريا لمقصد المقنن أو تحريا لمقصد المتعاقدين، فقد جاء في المادة (232) من القانون المدني الأردني: “إذا كان هناك محل لتفسير العقد، فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل، وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقا للعرف الجاري في المعاملات”([51]).

وإذا كان النص واضحا فلا يحتاج إلى تفسير، جاء في القانون المدني الأردني نصا من الفقرة الأولى من المادة: 239: “إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين”، ومن تطبيقاتها في القرارات القضائية ما ورد في محكمة التمييز الأردنية: “إذا كانت عبارة العقد واضحة بأن التأجير للسكن، وليس للإسكان فلا موجب لتفسيره بما يغاير عبارته الواضحة”([52]).

ويذكر الدكتور الدريني حقيقة تفسير النصوص الشرعية فيقول: “ولهذا نرى أن الاجتهاد بالرأي ينبغي أن يحدد على أساس من طبيعة الاجتهاد في التشريع؛ بما هو نصوص ذات دلالات ومفاهيم ومقاصد؛ لا يكفي منطق اللغة وحده في تبين إرادة الشارع منها، فهو بذل للجهد العقلي في النصوص استثمارا لطاقات النص في كافة دلالاته على معانيه وأحكامه، وتحديدا لمراد الشارع منه؛ ولاسيما إذا كان النص خفيا؛ بالاعتماد على الأدلة والقرائن ثم الترجيح بما يغلب على الظن أنه المراد من النص”([53]).

وكنا قد قدمنا نصوصا من القانون المدني الأردني تدل على القواعد التي وضعها للاجتهاد عند ورود النص، وهو الإحالة إلى قواعد التفسير في علم أصول الفقه الإسلامي، كما أنه أحال إلى الفقه الإسلامي وبقية المصادر الأخرى فيما لا نص فيه، فقد جمع القانون المدني الأردني بين الاجتهاد فيما فيه نص، وفيما لا نص فيه، وفي هذا إتاحة الفرصة أمام القاضي للاجتهاد والاستنباط سواء الاستنباط الأصلي، أو الاجتهاد التفسيري للنصوص أو الاجتهاد التطبيقي التنزيلي.

فهذه القواعد التفسيرية تضع أمام القاضي ثروة علمية هائلة في التعامل مع النص القانوني مما يمكنه من الاجتهاد في تفسير النص القانوني على نحو يحقق الغرض منه في حل القضايا المعروضة عليه، وذلك باستثمار النص القانوني استثمارا حقيقيا من دلالة النص على اختلافها، مما يؤدي إلى سلامة فهم النص وتطبيقه على نحو يحقق ترشيد الاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر.

ومعرفة هذه القواعد مهمة جدا لبيان ما يسوغ فيه الاجتهاد من نصوص القانون مما لا يسوغ فيه الاجتهاد، فالنصوص القطعية لا اجتهاد فيها، بخلاف النصوص الظنية التي تحتمل التفسير وفق هذه القواعد الأصولية.

وهناك قواعد يعتمد عليها القاضي في تفسير النص القانوني، ومنها:

الرجوع إلى النصوص القانونية فقد اشتملت النصوص القانونية على الكثير من قواعد التفسير، ففي القانون المدني الأردني جملة من هذه القواعد مثل ما جاء في الفقرة الثانية من المادة 214: “الأصل في الكلام الحقيقة فلا يجوز حمل اللفظ على المجاز إلا إذا تعذر حمله على معناه الحقيقي”، ومنها القاعدة الواردة في المادة 215: “لا عبرة بالدلالة في مقابلة التصريح” والقاعدة الواردة في المادة 216: “إعمال الكلام أولى من إهماله لكن إذا تعذر إعمال الكلام يهمل”، والقاعدة الواردة في المادة 218: “المطلق يجري على إطلاقه ما لم يقم دليل التقييد نصا أو دلالة”.
الرجوع إلى قواعد أصول الفقه الإسلامي في مباحث تفسير النصوص.
المذكرات الإيضاحية.
قصد المشرع وغايته.
الوحدة التشريعية بأن لا يفسر النص بمعزل عن النصوص الأخرى، والرجوع إلى كتب القانون الأخرى، والرجوع إلى القرارات القضائية([54]). وههنا لابد من القول بأن القاضي يواجه مشكلة تفسير النصوص لنقص التشريع القانوني أو غموضه أو التعارض بين النصوص القانونية، وحينئذ فالقاضي ملزم بالاجتهاد التفسيري للنصوص عن طريق إزالة التعارض بينها بوجه من وجوه التفسير الصحيح.
يقول الدكتور عبد المهدي العجلوني: “فإن كان النص قطعيا في دلالته، بحيث يكون دالا على معناه دلالة قطعية، لا تحتمل معنى آخر، فلا مجال للاجتهاد فيه… ويبقى مجال الاجتهاد في هذا النص في تطبيقه على الوقائع بأن يبين القاضي أو المفتي انطباق النص على الواقعة محل النزاع… وأما إن كان النص ظنيا في دلالته، بحيث لا يكون دالا على معناه دلالة قطعية، حيث يحتمل أكثر من معنى، فيكون هناك مجال للبحث في معناه، حيث يجتهد القاضي أو المفتي في استنباط المعنى المراد… ويشار هنا إلى أن النص إذا كان يحتمل عدة معان فللمجتهد أن يختار أحد المعاني التي يحتملها اللفظ، وليس له أن يقول بمعنى آخر غير المعاني التي يحتملها النص، كما ويبقى مجال الاجتهاد في تطبيق هذا النص… وهذا كما يرد في النص الشرعي يرد في النص القانوني، أما عند عدم ورود نص في الواقعة فليس أمام القاضي أو المفتي إلا الاجتهاد في استنباط الحكم لهذه الواقعة إما من خلال القياس أو من خلال الرجوع إلى الأدلة الشرعية الأخرى”([55]).

ومن التطبيقات في القانون المدني الأردني للنص الذي لا يحتمل التأويل ما ورد في المادة (43) منه: 1-كل شخص يبلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية، ولم يحجز عليه يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية.

2- سن الرشد هي ثماني عشرة سنة شمسية كاملة”. فقد نص القانون على أن سن الرشد ثماني عشرة سنة شمسية كاملة، فلا مجال للاجتهاد في نص القانون؛ لأن النص قطعي الدلالة في مقدار السن، ونوعها، وكونها كاملة غير ناقصة، فقطعت كل نوع احتمال.

ولكن هذا النص يبقى مجالا للاجتهاد في تطبيقه، فقد جاء في قرار محكمة التمييز: “لكل شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية، ولم يحجز عليه يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية، وسن الرشد هي ثماني عشرة سنة شمسية كاملة، وعليه، وطالما لم يرد من البينات ما يثبت أن المدعي كان-بتاريخ رفع الدعوى- ناقص الأهلية أو محجورا عليه، كما لم يرد ما يثبت أن الإصابات التي أصيب بها نتيجة الحادث قد أثرت على قواه العقلية فتكون دعواه وفقا للقانون”([56]).

يظهر جليا أن مجال تطبيق النص اجتهادي بالتحقق من الأوصاف المذكورة في المادة عند رفع الدعوى القضائية، وهل هو متمتع بكامل قواه العقلية أو لا، عند رفع الدعوى، هذا مجال اجتهاد ونظر من قبل القاضي.

وقد توسع الدكتور عبد المهدي العجلوني في استقصاء حالات تفسير النصوص عند الأصوليين عارضا النظرية الأصولية بصورة مفصلة دقيقة، وعلى منهج الحنفية، ثم الجمهور، ومن حيث وضوح الدلالة وخفائها، ومن حيث شمول الألفاظ في دلالتها على الأحكام أو عدم شمولها، وقام بعرض تطبيقات في الاجتهاد القضائي الأردني لكل جوانب هذه النظرية الأصولية، مما فسح أمام القضاة الشرعيين وغيرهم المجال واسعا للتدرب على تفسير النصوص بقواعد علمية أصولية واضحة، مما يؤدي إلى النهوض والارتقاء بالاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر، وقد قام باستعراض جملة كبيرة من التطبيقات على ممارسة التفسير للنصوص القانونية في القانون الأردني مما يشكل عمله قاعدة مهمة للاجتهاد في مجال القضاء الشرعي خصوصا، والقضاء عموما، وليس المجال يسمح بذكر تفصيلات التطبيقات، ولكن المقصود هو الإشارة إليها تلبية لغرض بحثنا، وهو اعتبار قواعد تفسير النصوص وتطبيقاتها وسيلة من وسائل النهوض بالقضاء الشرعي المعاصر، وأعتقد أننا بحاجة لمجهودات متواصلة في هذا السياق، وتطبيقات في قوانين أخرى غير القانون الأردني.

ولكون البحث قد اختار القانون الأردني محلا للتطبيق فسيختار بعض التطبيقات القضائية الشرعية في المحاكم الأردنية، في النصوص القانونية الظنية التي تقبل التفسير للتمثيل فحسب؛ وإلا فإن رسالة الدكتور العجلوني مجهود ظاهر وواضح ودقيق في موضوع التطبيقات في الاجتهاد القضائي في مجال تفسير النصوص، ومنها:

1- قرار محكمة الاستئناف الشرعية رقم (643/86)، والذي ينص على: “أن المادة (155) من قانون الأحوال الشخصية، تشترط في الحاضنة، أن تكون عاقلة وأمينة، لا يضيع الولد عندها؛ لانشغالها عنه، وأن تكون قادرة على تربيته وصيانته؛ وأن لا تكون مرتدة، ولا متزوجة بغير محرم للصغير، وأن لا تمسكه في بيت مبغضه. إن مساكنة الزوجة (الحاضنة) لرجل غير محرم لابنتيها الصغيرتين، يفقدها حقها في حضانتهما؛ لأن المادة (155) من فانون الأحوال الشخصية، تحرمها من حضانة بنتيها إذا كانت متزوجة من غير محرم لهما، فمن باب أولى مساكنتها لرجل غير محرم للصغيرتين.

فقد استدلت المحكمة هنا بمفهوم الموافقة، ولم يصرح القانون بسقوط حق الحضانة عند مساكنة هذه الزوجة لرجل لا يعد محرما للصغير، ولما كان زواج الحاضنة يسقط حق حضانتها، فمساكنتها له بلا زواج يسقط حضانتها من باب أولى([57]).

2- أن قرار محكمة التمييز الأردنية ينص على أن: “على المحكمة لدى تفسيرها العقود والالتزامات أن تزن نصوصها وأحكامها بمعيار مدلولها القانوني رغم ما استعمل فيه من عبارات من شأنها أن تضفي على المسميات أسماء زائفة تخرج بها عن نطاق مدلولها الحقيقي”([58]).

وهذه المصطلحات القانونية تعتبر من قبيل الظاهر فلها معنى اصطلاحي راجح، ولها معنى لغوي مرجوح؛ فإذا وردت فإننا نحملها على معناها الاصطلاحي لا المعنى اللغوي، ومن أمثلة هذه المصطلحات: الهبة، الوصية، الميراث، العقد، الملكية، الأهلية وغيرها([59]).

3- جاءت ألفاظ مجملة في القوانين ولا مجال لتفسيرها إلا من قبل القانون نفسه، ومن أمثلتها لفظ الزواج في قانون الأحوال الشخصية الأردني حيث جاء تفسيره في المادة الثانية منه: “الزواج عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعا لتكوين أسرة وإيجاد نسل بينهما”، وتوضيح مفهوم النشوز المجمل الذي يترتب عليه عند طلب الزوج منع النفقة في المادة (69) من قانون الأحوال الشخصية الأردني: “إذا نشزت الزوجة فلا نفقة لها، والناشز هي التي تترك بيت الزوجية بلا مسوغ شرعي، أو تمنع الزوج من الدخول إلى بيتها قبل طلبها النقلة إلى بيت آخر، ويعتبر من المسوغات المشـروعة لخروجـها من المسكن إيـذاء الزوج لها بالضرب أو سوء المعاشرة”.

4- ما جاء من تطبيقات في دلالة الاقتضاء في القانون المدني الأردني -ودلالة الاقتضاء هي أن يكون المسكوت عنه يتوقف صدق الكلام وصحته واستقامته على ذلك المسكوت، أي تقديره في الكلام – في المادة (26) من قانون الأحوال الشخصية الأردني، وتنص على أنه: :يحرم على التأبيد من الرضاع ما يحرم من النسب إلا ما استثني مما هو مبين في مذهب الإمام أبي حنيفة” وهذه المادة على تقدير محذوف مقدر، ذلك أن التحريم متعلق بفعل، والفعل المحرم في هذه المادة هو الزواج، حيث إن الرضاع سبب من أسباب التحريم كالنسب فيحرم على التأبيد من الرضاع ما يحرم من النسب، وكذلك ما ورد في المادة (31) من قانون الأحوال الشخصية الأردني، وتنص على أنه: “يحرم الجمع بين امرأتين بينهما حرمة نسب أو رضاع بحيث لو فرضت إحداهما منهما ذكرا لم يجز نكاحها من الأخرى، وفي هذه المادة تقدير محذوف مقدر يقتضيه النص وهو الجمع بالزواج([60]).

5- هناك تطبيقات متعددة لمفهوم المخالفة بأنواعه المختلفة سواء أكان مفهوم الصفة أم العلة أم الشرط أم العدد أم الحصر أم غيرها، ومنها: التمثيل لمفهوم الشرط، وهو أن يدل تقييد حكم المنطوق بالشرط على ثبوت نقيضه عند انتفاء ذلك الشرط، ومنه الشرط الوارد في المادة (8) من قانون الأحوال الشخصية الأردني والتي تنص على أن: “للقاضي أن يأذن بزواج من به جنون أو عته إذا ثبت بتقرير طبي أن في زواجه مصلحة له” حيث تم تقييد سماح القاضي بشرط وهو “إذا ثبت بتقرير طبي أن في زواجه مصلحة له”، ومفهوم المخالفة أنه ليس للقاضي أن يأذن بزواج من به جنون أو عته إذا لم يثبت بتقرير طبي أن في زواجه مصلحة له([61]).

6- ومن أمثلة التخصيص بالوصف في القانون ما جاء في المادة (262) من القانون المدني الأردني: “من أحدث ضررا وهو في حالة دفاع شرعي عن نفسه أو ماله أو عن نفس الغير أو ماله كان غير مسؤول على ألا يتجاوز قدر الضرورة؛ وإلا أصبح ملزما بالضمان بقدر ما جاوزه”، فقد قيد القانون الضرر ووصفه بكونه في حالة دفاع شرعي.

7- ومن أمثلة التطبيقات للاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر في تفسير اللفظ المشترك ما ورد في تفسير لفظ (القرء) في نص المادة (135) من قانون الأحوال الشخصية الأردني:” مدة عدة المتزوجة بعقد صحيح، والمفترقة عن زوجها بعد الخلوة بطلاق أو فسخ ثلاثة قروء كاملة إذا كانت غير حامل، وغير بالغة سن الإياس، وإذا ادعت قبل مرور ثلاثة أشهر انقضاء عدتها فلا يقبل منها ذلك”، وقد أزال القانون هذا الإشكال بنص المادة (183) والتي نص على أن:” ما لا ذكر له في هذا القانون يرجع فيه إلى الراجح من مذهب أبي حنيفة “، والراجح من مذهب أبي حنيفة أن المراد بالقرء الحيض لا الطهر([62]).

8- ومن أمثلة بقاء المطلق على إطلاقه ما ورد في المادة (260) من القانون المدني الأردني: “ليس لمن أتلف ماله شخص أن يتلف مال ذلك الشخص، وإلا ضمن كل منهما ما أتلفه”، فلفظ مال خاص جنسي، وهو لفظ مطلق غير مقيد([63]).

9- ومن أمثلة تقييد المطلق ما ورد في المادة (2) من قانون الأحوال الشخصية: “الزواج عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعا لتكوين أسرة وإيجاد نسل بينهما” فلفظ رجل وامرأة مطلق، وقد قيدتهما المادة (5) من القانون نفسه، والتي تنص على أنه: “يشترط أهلية الزواج أن يكون الخاطب والمخطوبة عاقلين، وأن يكون كل منهما قد أتم الثامنة عشرة، سنة شمسية..”، وهنا يجب حمل المطلق في المادة (2) على المقيد في المادة (5)؛ لأن النصين متحدان في الحكم والسبب، والحكم هنا وضعي، وهو صحة عقد الزواج([64]).

10- ومن أمثـلة التطبيقات لتفسير النصوص ما ورد في تفسير معنى الضرر الوارد في نص المادة (132) من قانون الأحوال الشخصية، والتي تنص على أنه: “إذا ظهر نزاع وشقاق بين الزوجين، فلكل واحد منهما أن يطلب التفريق إذا ادعى إضرار الآخر به، قولا أو فعلا، بحيث لا يمكن مع هذا الضرر استمرار الحياة الزوجية، وقد وقع اجتهاد في بيان الإجمال الوارد في لفظ الضرر قولا أو فعلا، وأن القاضي يجتهد في بيان معناه، وتقدير تطبيقه في الواقعة المعروضة عليه.

وقد ذكرت اللجنة المشكلة من كبار العلماء في الأسباب الموجبة لوضع المادة (132) من قانون الأحوال الشخصية، والمتعلق بالتفريق للشقاق والنزاع، للاهتداء بها عند التطبيق.

كما أن بعض الباحثين القضاة يحاول وضع مفهوم ضابط لهذا الضرر، وتوصل إلى أنه: “الإيذاء الذي يوجهه أحد الزوجين للآخر بالقول أو الفعل، بما لا يليق بمقامهما أو بأمثالهما، يتعذر معه استمرار الحياة الزوجية بينهما”([65]).

إن التعمق في دراسة قواعد تفسير النصوص وتطبيقاتها في القوانين الشرعية، يؤدي إلى النهوض بالاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر؛ بما قد تبين بأن تفسير النصوص داخل ضمن دائرة الاجتهاد في دائرة النصوص، وهذا يلزم منه عقد دورات علمية للقضاة في مجال علم أصول الفقه الإسلامي، ومجال تفسير النصوص خاصة لما له أهمية من رفع سوية الاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر بشقيه المقنن وغير المقنن.

الخاتمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،

فقد توصل الباحث إلى جملة من النتائج، من أهمها:

أن الاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر هو: “استفراغ القاضي وسعه في استنباط الحكم الشرعي من دليله، إذا كان داخلاً ضمن التقنين التفصيلي للأحكام الشرعية، ويكون في حدود تطبيق النصوص القانونية الشرعية، أو استنباط الأحكام التي لم ينص عليها القانون بقواعد مرجعية محددة وفق معطيات الزمان والمكان المتجددين إذا كان ضمن التقنين التفصيلي للأحكام الشرعية”.
التقنين للأحكام الشرعية جائز في رأي جمهور الفقهاء المعاصرين؛ كحل للضعف العلمي للقضاة، وضبطا للأحكام الشرعية.
مجالات الاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر ضمن التقنين المعمول به في البلاد الإسلامية يتضمن الآتي:
المجال الأول: الاجتهاد في استنباط الحكم الشرعي للقضايا والوقائع التي تعرض على القضاة ضمن التشريعات القضائية الشرعية، مما ليس في القانون نص مقنن فيها.

المجال الثاني: الاجتهاد في تفسير نصوص القانون، وتطبيقها على القضايا والوقائع التي تعرض على القضاة وذلك أن تطبيق النص القانوني على الواقعة مرتب على فهمه وتفسيره أولا، وأن النص القانوني قد يكتنفه خطأ مادي، أو خفاء في العبارة، أو إجمال في اللفظ أو نقص في التركيب، وهنا لابد للقاضي من الاجتهاد في تفسير النص لإزالة الإبهام الذي يكتنفه، لتصحيح الخطأ المادي، أو إزالة الخفاء أو بيان المجمل، أو تكميل النقص.

المجال الثالث: الاجتهاد في تطبيق النصوص القانونية على الوقائع التي تعرض على القضاة، حين توجد أمور تقديرية وأوصاف عامة لم ينص عليها القانون على حكم كل جزئية منها على حدتها؛ مع أن لكل جزئية منها خصوصية ليست في غيرها.

المجال الرابع: الاجتهاد في إجراءات السير في الدعوى، منذ رفعها، وحتى إصدار الحكم فيها.

5- القضاء الشرعي في التقنين الأردني يتضمن قانونين، هما:

أ. القانون المدني الأردني، والمستمد من الفقه الإسلامي على اختلاف مذاهبه، ونص فيه القانون على أنه ما لم يوجد في القانون نص لحكم واقعة فيرجع فيها بالاجتهاد إلى الفقه الإسلامي، وإلى تفسير نصوص القانون بقواعد أصول الفقه المتعلق بدلالات الألفاظ.

ب. قانون الأحوال الشخصية الأردني، والمستمد من الفقه الحنفي، وبقية المذاهب الفقهية، وأن ما لم ينص عليه في هذا القانون يرجع فيه إلى الراجح من مذهب الإمام أبي حنيفة.

6- يكون الاجتهاد في القانون الأردني في مجال تطبيق النص أولا، وفي الاجتهاد فيما لا نص فيه ثانيا فيما أشارت إليه.

7- أن مجال الاجتهاد القضائي القائم على النظر في الأدلة وترجيح الرأي الأقرب للدليل في ظل تطبيق القوانين المقننة للأحكام الشرعية ضيق ومحدود، ولا يسمح للقاضي بالاجتهاد إلا فيما حدده القانون.

8- يقترح البحث جملة من السبل للنهوض بالاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر، وهي:

أ- المناداة بتشكيل لجنة للنظر في القوانين المقننة، وذلك في كل بلد إسلامي، والبحث في مدى سلامة النصوص المقننة، ومدى قوة هذه الأقوال واستنادها للأدلة الشرعية الصحيحة.

ب- إنشاء مجمع اجتهادي قضائي إسلامي على مستوى الأمة الإسلامية، يتكون هذا المجمع من خيرة علماء الأمة في الفقه والقانون، وهو مجمع دائم، تكون مهمته النهوض بالاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر، بوضع أسسه، ومناهجه، ويكون عمل هذا المجمع ضمن النقاط الآتية:

– التواصل مع اللجان العلمية المشكلة في كل بلد، لمراجعة القوانين المقننة وفق المنهج الاجتهادي الجماعي، وتصويب التقنينات التي تحتاج إلى تعديل، فعمل اللجنة بمثابة اللجنـة المشرفـة على

عملها والمسددة لها.

– البحث المستمر في المسائل التي تحتاج إلي اجتهاد لاسيما القضايا النازلة والحادثة، وهذا الاجتهاد ينبغي أن ينبني كما قلت على الاجتهاد الجماعي الذي أصبح هذا العصر يتطلبه تطلبا ضروريا؛ لكونه يقرب إلى الصواب، ويختصر الأوقات، ويضبط العملية الاجتهادية.

– الدعوة إلى التدرج في تطبيق الشريعة الإسلامية في البلدان الإسلامية وفق خطوات مدروسة ومتدرجة.

ج- وسائل النهوض بالاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر على مستوى التطبيق من قبل القضاة الشرعيين، وذلك ضمن النقاط الآتية:

أولا: إيجاد لجان اجتهاد فرعية لدراسة القضايا المستجدة

ثانيا: تفعيل دور محاكم الاستئناف عن طريق التأكد من سلامة التطبيق للقانون وسلامة الإجراءات الشكلية المتعلقة بالدعوى القضائية.

ثالثا: دراسة قرارات محاكم الاستئناف يؤدي إلى تنمية الاجتهاد في تطبيق النصوص القانونية، والاجتهاد فيما لا نص فيه من الأحكام في القوانين، وتصحيح بعض المواد المقننة مما يعين لجان التقنين على المراجعة الشاملة والدائمة للتقنينات القضائية.

رابعا: تنمية قدرة القضاة على تفسير النصوص القانونية مما له أثر بالغ في رفع سوية القضاة في التعامل مع النصوص القضائية في مجال التطبيق.

(*) منشور في المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، المجلد الثاني، العدد (4)، 1427 ه‍/2006م

الهوامش:

([1]) د.عبدالرحمن الحميضي، القضاء ونظامه في الكتاب والسنة، طبع معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي، بجامعة أم القرى، ص304، وانظر: الشيخ مصطفى أحمد الزرقا، الفقه الإسلامي ومدارسه، دمشق، دار القلم، والدار الشامية، ط1، 1995م، ص86.

([2]) د.عبدالناصر موسى أبو البصل، نظرية الحكم القضائي

في الشريعة والقانون، عمان، الأردن، دار النفائس، ط1، 2000م، ص281، وانظر: د. عمر سليمان الأشقر، الواضح في شرح قانون الأحوال الشخصية الأردني، الأردن، عمان، دار النفائس، ط2، 2001م، ص14.

([3]) وانظر: عبد الحميد السائح، مقدمة كتاب: المبادئ القضائية لمحكمة الاستئناف الشرعية، محمد حمزة العربي، عمان، الأردن، مكتبة الأقصى، ص2.

([4]) وانظر مسألة التقنين والكلام فيها مفصلا: د. عبد الناصر موسى أبو البصل، نظرية الحكم القضائي في الشريعة والقانون، ص282-291، هذا، ولم يرد البحث الخوض في تفصيلات مسالة التقنين لأنها ليست موضوع البحث، وإنما ذكرت نتيجة البحث فيها لبيان موقع الاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر من التقنين، وانظر: د. وهبة الزحيلي، جهود تقنين الفقه الإسلامي، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط1، 1987م، ص26، وما بعدها، وانظر كلام الشيخ بكر أبو زيد مفصلا: فقه النوازل، الرياض، مكتبة الرشد، ط1، 1987م، ص14، وما بعدها.

([5]) وانظر محاسن التقنين ومساوئه: د. عبدالرحمن الحميضي، القضاء ونظامه في الكتاب والسنة، ص304-305، وانظر: د.محمد مصطفى الزحيلي، التنظيم القضائي في الفقه الإسلامي وتطبيقه في المملكة العربية السعودية، دمشق، دار الفكر، ط1، 1980م، ص110-112.

([6]) وانظر تفصيل هذه الفكرة، وكيفية التقنين: الشيخ مصطفى أحمد الزرقا، الفقه الإسلامي ومدارسه، ص85-88، والشيخ مصطفى أحمد الزرقا، الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد، المدخل الفقهي العام، دمشق، مطبعة الإنشاء ط9، ج1، ص202-204.

([7]) الشيخ مصطفى أحمد الزرقا، الفقه الإسلامي ومدارسه، ص108.

([8]) د. محمد الزحيلي، التنظيم القضائي في الفقه الإسلامي وتطبيقه في المملكة العربية السعودية، ص112.

([9]) المادة (3)، قانون تشكيل المحاكم الشرعية الأردني.

([10]) د. عبد المهدي العجلوني ، قواعد تفسير النصـوص

وتطبيقاتها في الاجتهاد القضائي الأردني، دراسة أصولية مقارنة، رسالة دكتوراه بقسم القضاء الشرعي بكلية الشريعة بالجامعة الأردنية، مخطوطة، كانون الثاني، 2005م، ص16.

([11]) الدكتور عبد المهدي العجلوني، قواعد تفسير النصوص وتطبيقاتها في الاجتهاد القضائي الأردني، ص16.

([12]) د. محمد سلام مدكور، مناهج الاجتهاد في الإسلام، جامعة الكويت، 1973م، ج2، ص338.

([13]) كمال علي صالح الصمادي، اجتهاد محكمة الاستئناف الشرعية الأردنية في مسائل التفريق التي لم يرد فيها نص في قانون الأحوال الشخصية، رسالة ماجستير، كلية الشريعة، جامعة اليرموك، رسالة مخطوطة، 2003 م، ص8.

([14]) وانظر الاجتهاد في تطبيق النصوص: زيد بوشعراء، كلية الآداب، القنيطرة، ضمن ندوة: “الاجتهاد الفقهي، أي دور وأي جديد”، ص101، وما بعدها.

([15]) د. محمد فتحي الدريني، الفقه الإسلامي المقارن مع المذاهب، دمشق، منشورات جامعة دمشق، ط5، 1995م، ص27-28.

([16]) د. محمد فتحي الدريني، الفقه الإسلامي المقارن مع المذاهب، ص39.

([17]) نشر في الجريدة الرسمية في العدد (1093)، تاريخ: 8/1/1952م.

([18]) د. عبد الناصر موسى أبو البصل، نظرية الحكم القضائي في الشريعة والقانون، ص299.

([19]) كمال الصمادي، اجتهاد محكمة الاستئناف الشرعية الأردنية في مسائل التفريق التي لم يرد فيها نص في

قانون الأحوال الشخصية، ص9.

([20]) القانون المدني الأردني رقم (43) لسنة 1976م، نشر في ص2 من العدد 2645 من الجريدة الرسمية الصادر في: 1/8/1976م، ط 1992م، موسوعة الجيب للتشريع والقضاء والفقه، يرأس تحريرها المحامي سعدي عابدين، ص24-25.

([21]) وانظر التفصيل: الشيخ مصطفى أحمد الزرقا، الفقه الإسلامي ومدارسه، ص124، وما بعدها.

([22]) كمال الصمادي، اجتهاد محكمة الاستئناف الشرعية الأردنية في مسائل التفريق التي لم يرد فيها نص في قانون الأحوال الشخصية، ص م.

([23]) موسوعة التشريعات والاجتهادات القضائية، قانون الأحوال الشخصية رقم (61) لسنة 1976م، والمعدل بقانون رقم (82) لسنة 2001، والمنشور بالجريدة الرسمية ص5998، رقم (4524)، 21 كانون أول 2001، إعداد المحامي: محمد أبو بكر، عمان، الأردن، الدار العلمية الدولية، ط1، 2003، ص60.

([24]) كمال الصمادي، اجتهاد محكمة الاستئناف الشرعية الأردنية في مسائل التفريق التي لم يرد فيها نص في قانون الأحوال الشخصية، ص10.

([25]) كمال الصمادي، اجتهاد محكمة الاستئناف الشرعية الأردنية في مسائل التفريق التي لم يرد فيها نص في قانون الأحوال الشخصية، ص204.

([26]) كمال الصمادي، اجتهاد محكمة الاستئناف الشرعية الأردنية في مسائل التفريق التي لم يرد فيها نص في قانون الأحوال الشخصية، ص137.

([27]) كمال الصمادي، اجتهاد محكمة الاستئناف الشرعية الأردنية في مسائل التفريق التي لم يرد فيها نص في قانون الأحوال الشخصية، ص205.

([28]) كمال الصمادي، اجتهاد محكمة الاستئناف الشرعية الأردنية في مسائل التفريق التي لم يرد فيها نص في قانون الأحوال الشخصية، ص9.

([29]) وانظر: محمد العربي، المبادئ القضائية لمحكمة الاستئناف الشرعية، عمان، الأردن، مكتبة الأقصى، ص2، وما بعدها.

([30]) محمد حمزة العربي، المبادئ القضائية لمحكمة الاستئناف الشرعية، ص2-3، وكمال الصمادي، اجتهاد محكمة الاستئناف الشرعية الأردنية في مسائل التفريق التي لم يرد فيها نص في قانون الأحوال الشخصية، ص ن.

([31]) انظر هذه المجالات تفصيلا: كمال الصمادي، اجتهاد محكمة الاستئناف الشرعية الأردنية في مسائل التفريق التي لم يرد فيها نص في قانون الأحوال الشخصية، ص11-18.

([32]) د. أحمد محمد علي داود، القرارات الاستئنافية في الأحوال الشخصية، عمان، الأردن، مكتبة دار الثقافة، ط1، 1999م، ج1، ص236.

([33]) داود، القرارات الاستئنافية، ج1، ص326. ود. عبد الفتاح عايش عمرو، القرارات القضائية في الأحوال الشخصية، عمان، الأردن، دار يمان، ط1، 1999م، ص67.

([34]) أبو إسحاق الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق: عبد الله دراز، بيروت، دار المعرفة، ج3، ص43-44.

([35]) زيد بو شعراء، كلية الآداب، القنيطرة، ضمن ندوة: “الاجتهاد الفقهي، أي دور وأي جديد”، ص101 وما بعدها.

([36]) د. عبدالمهدي العجلوني، قواعد تفسير النصوص، وتطبيقاتها في الاجتهاد القضائي الأردني، ص37، وانظر: حدود الاجتهاد في القانون المدني الأردني وقانون الأحوال الشخصية الأردني، د. حسن تيسير شموط، ضمانات تحقيق العدالة القضائية ووسائل تطبيقها في الشريعة الإسلامية، رسالة دكتوراه مخطوطة برنامج القضاء الشرعي، بقسم الفقه وأصوله بكلية الشريعة بالجامعة الأردنية، 2005م، ص112-113.

([37]) وانظر تفصيل السبر في دعوى التفريق للشقاق والنزاع أمام المحاكم الشرعية الأردنية، محمد أمين كامل محمد الهندي، دعوى التفريق للشقاق والنزاع أمام المحاكم الشرعية الأردنية، عمان، الأردن، ط1، 1995م، ص55-76.

([38]) وقد عقدت عدة ندوات لخطوات تطبيق الشريعة الإسلامية، ومنها ما عقد في ليبيا وبنغازي الأعوام، 1970م، 1976 م، وفي الرياض عام 1978م، وفي الكويت في 11/5/1992م، وانظر: د.وهبة الزحيلي، الاجتهاد الفقهي الحديث منطلقاته واتجاهاته، ص35.

([39]) وانظر التفصيل في المجامع الفقهية: مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، والمجلس العلمي بالهند والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، والمركز العالمي لأبحاث الاقتصاد بمكة، ومجمع الفقه الإسلامي بجدة، والمنظمة الإسلامية الطبية بالكويت، والهيئة الشرعية العالمية للزكاة، والمؤتمرات والندوات الفقهية، د.عمر سليمان الأشقر، المدخل إلى الشريعة والفقه الإسلامي، عمان، الأردن، دار النفائس، ط1، 2005م، ص364-371، وانظر أهمية الاجتهاد الجماعي، وصلته بالقضاء الشرعي، الشيخ مصطفى أحمد الزرقا، الفقه الإسلامي ومدارسه، ص113، وما بعدها.

([40]) الدكتور وهبة الزحيلي، الاجتهاد الفقهي الحديث منطلقاته واتجاهاته، ص43.

([41]) الشيخ أحمد محمد شاكر، حكم الجاهلية، ترجم للمؤلف وعرف به محمود محمد شاكر، القاهرة، مكتبة السنة، ط1، 1992 م، ص106-107.

([42]) الشيخ أحمد محمد شاكر، حكم الجاهلية، ص124.

([43]) الشيخ أحمد محمد شاكر، حكم الجاهلية، ص128-129.

([44]) د. عبد الكريم زيدان، نظام القضاء في الشريعة الإسلامية، ص212.

([45]) هناك محاولة لتوحيد تقنينات الأزهر للشريعة الإسلامية، وقد أنجز مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر تقنينات الشريعة الإسلامية في المذاهب الأربعة، وكان من خطته وضع تقنين مختار من بين ذلك كله، ولكنه لم يحث، وحاول الدكتور عبد الناصر توفيق العطار، وضع هذه التقينات المختارة من البيوع والربا والمعاملات المصرفية، بناء على الدليل الشرعي الأقوى، وهذه محاولة يستفاد منها في النهوض بالاجتهاد القضائي الشرعي المعاصر، وانظر: د. عبد الناصر توفيق العطار، توحيد تقينات الأزهر للشريعة الإسلامية، البيوع، والربا والمعاملات المصرفية، مصر، النسر الذهبي للطباعة ط1، 2002م، ص1، وما بعدها.

([46]) والاجتهاد الجماعي هو: “استفراغ جمهور أهل العلم وسعهم في درك الحكم الشرعي واتفاقهم عليه بعد التشاور فيه”، وانظر هذا التعريف وأهمية الاجتهاد الجماعي في عصرنا، ومجالاته ومنها القضاء الشرعي، ومشروعيته، وحجيته، والاجتهاد الجماعي في النوازل، مما يمهد لإنشاء مجمع اجتهادي قضائي إسلامي، د.مسفر بن علي بن محمد القحطاني، منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة، ص228-258.

([47]) كمال الصمادي، اجتهاد محكمة الاستئناف الشرعية الأردنية في مسائل التفريق التي لم يرد فيها نص في قانون الأحوال الشخصية، ص19، وانظر تعريف محكمة الاستئناف: الدكتور عبد الناصر أبو البصل، شرح قانون أصول المحاكمات الشرعية، مكتبة دار الثقافة، ط1، ص110.

([48]) كمال الصمادي، اجتهاد محكمة الاستئناف الشرعية الأردنية في مسائل التفريق التي لم يرد فيها نص في قانون الأحوال الشخصية، ص48-51.

([49]) وانظر: تطبيقات كثيرة ومتوافرة: كمال الصمادي، اجتهاد محكمة الاستئناف الشرعية الأردنية في مسائل التفريق التي لم يرد فيها نص في قانون الأحوال الشخصية، ص52- 231.

([50]) المذكرات الإيضاحية للقانون المدني الأردني، إعداد المكتب الفني بإدارة المحامي إبراهيم أبو رحمة، نقابة المحامين، عمان، مطبعة التوفيق، عمان، ط2، 1985م، ص37، وانظر: د. خالد الزعبي، والدكتور منذر الفضل، المدخل إلى علوم القانون، كلية الحقوق، جامعة الزيتونة، طبع سنة 1995م، ص114.

([51]) وانظر التفصيل: د. عبدالمهدي العجلوني، قواعد تفسير النصوص وتطبيقاتها في الاجتهاد القضائي الأردني، ص58-59.

([52]) تمييز حقوق، 839/84، مجلة نقابة المحامين، 1984 م، العدد1، 5/1556.

([53]) د. محمد فتحي الدريني، المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي في التشريع الإسلامي، دمشق، الشركة المتحدة للتوزيع، ط2، ص16.

([54]) د. عبدالمهدي العجلوني، قواعد تفسير النصوص وتطبيقاتها في الاجتهاد القضائي الأردني، ص133-137.

([55]) د. عبدالمهدي العجلوني، قواعد تفسير النصوص وتطبيقاتها في الاجتهاد القضائي الأردني، ص19-20.

([56]) تمييز حقوق، 1260/1997م، مجلة نقابة المحامين، 1998م، 1/1147.

([57]) د. عبدالمهدي العجلوني، قواعد تفسير النصوص وتطبيقاتها في الاجتهاد القضائي الأردني، ص73.

([58]) تمييز حقوق 45/52، مجلة نقابة المحامين، 1953م، العدد 3، 1/75.

([59]) د. عبدالمهدي العجلوني، قواعد تفسير النصوص وتطبيقاتها في الاجتهاد القضائي الأردني، ص168-169.

([60]) د. عبدالمهدي العجلوني، قواعد تفسير النصوص وتطبيقاتها في الاجتهاد القضائي الأردني، ص233-234.

([61]) د. عبدالمهدي العجلوني، قواعد تفسير النصوص وتطبيقاتها في الاجتهاد القضائي الأردني، ص235.

([62]) د. عبدالمهدي العجلوني، قواعد تفسير النصوص وتطبيقاتها في الاجتهاد القضائي الأردني، ص262.

([63]) د. عبدالمهدي العجلوني، قواعد تفسير النصوص وتطبيقاتها في الاجتهاد القضائي الأردني، ص286.

([64]) د. عبدالمهدي العجلوني، قواعد تفسير النصوص وتطبيقاتها في الاجتهاد القضائي الأردني، ص289.

([65]) وانظر إلى تفصيل ذلك: محمد أمين كامل محمد الهندي، دعوى التفريق للشقاق والنزاع أمام المحاكم الشرعية الأردنية، ص51–54.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت