التحكيم
عرفت الكويت التحكيم قبل أن تعرف القضاء العام حيث كان الناس يحتكمون إلى شيخ القبيلة أو إلى الحكيم الذي اشتهر بسداد الرأي والحكمة ليفصل في نزاعهم ويحل الإشكال الحاصل بينهم ودياً دون الحاجة لاستخدام القوة أو القضاء الشخصي. فالتحكيم هو أصل القضاء، فقد أوجدت معه فكرة اللجوء لطرف ثالث محايد ليفض النزاع بين المتخاصمين بما يحقق معه العدالة لكلا الطرفين .

ترسخت وتطورت فكرة اللجوء لطرف محايد ليقضي بين المتخاصمين بالعدل ليتمخض عنها فكرة القضاء المنظم من قبل السلطة الحاكمة للبلاد.

فكل من التحكيم والقضاء يعد وسيلة لفض النزاع بين المتخاصمين ودياً، ولكن القضاء أصبح هو الطريق العام وصاحب الولاية العامة في الفصل بين الخصوم.

ولكن كون القضاء هو الطريق العام لا يمنع من الخروج على الأصل العام لاقتضاء الحقوق المتنازع عليها عن طريق القضاء الخاص (التحكيم).

مفهوم التحكيم:

التحكيم هو الطريق الذي يختاره الخصوم للفصل في المنازعات الناشئة أو التي قد تنشأ بينهم، عن طريق اختيارهم لشخص (طبيعي أو مؤسسي) ليفصل في نزاعاتهم بدلاً من المحكمة القضائية المختصة، وذلك بواسطة السلطة الممنوحة له بموجب اتفاق الخصوم على التحكيم بدلاً من عرض نزاعهم على القضاء.

فالمصدر الأساسي لسلطة المحكم هي اتفاق التحكيم الذي اتجهت إليه إرادة الخصوم، والتي قد تترجم قبل النزاع بصورة شرط تحكيم ليتضمنه العقد المبرم فيما بينهم، أما إذا حصل الخلاف دون وجود أي نص يحيل نظر النزاع عليه، واتفقت بعدها إرادة الأطراف على اللجوء للتحكيم فيتم ترجمة هذه الإرادة من خلال مشارطة تحكيم يصيغها الأطراف ويذيلها بتوقيعهم حتى يتسنى لهم عرض موضوع النزاع للتحكيم بدلاً من القضاء.

كما أنه لا يوجد أي رسوم قضائية تدفع للنظر في خصومة التحكيم كما هو معمول للقضايا المنظورة أمام القضاء، إلا أن المحكمون يتقاضون أتعاباً قد تكون مكلفة نسبياً. يهدف المتخاصمين عادة من اللجوء إلى نظام التحكيم للفصل في النزاع وذلك لما تتميز به إجراءات التحكيم من بساطة فهي في العادة تكون أيسر من إجراءات التقاضي في المحاكم. كما أن التحكيم غالباً ما يتم على درجة تقاضي واحدة الأمر الذي يؤدي إلى الإسراع في فض النزاع، وهو ما يدعو أصحاب الأعمال إلى اللجوء إليه لتجنب بطء القضاء الذي لا يتفق ومصالحهم. وقد يعد ذلك سلبية تؤخذ على نظام التحكيم حيث أنه يحرم الخصوم من تعدد درجات النظر في موضوع النزاع الموجود في القضاء وبالتالي قد لا يتوفر فيه رقابة كافية على أحكام المحكمين.

كما أن من شأن لجوء الخصوم إلى التحكيم تفادي العلانية التي يتسم بها أعمال القضاء وأحكامه، حيث أن القانون لم يشترط علانية جلسات التحكيم كما هو معمول في القضاء.

هذا ويتسم نظام التحكيم بأنه مناسب للظروف الخاصة لأطرافه فالأمر برمته خاضع إلى اتفاق الخصوم بما يرونه مناسب لأعمالهم من ناحية مواعيد الجلسات، ومكان انعقادها.

كما يمتاز التحكيم بأن طرفي النزاع غالباً يختارون محكم ذو خبرة فنية خاصة في موضوع النزاع أو محل ثقة في مجال أعمالهم. الأمر الذي يغنيه عن ندب خبير وهو ما يوفر معه الوقت والمصروفات.

ونظراً لدور التحكيم الحيوي وللمزايا العديدة التي يتمتع بها باعتباره قضاءاً موازياً للقضاء العام، فقد اعترفت معظم التشريعات الحديثة بنظام التحكيم إلى جوار قضاء الدولة، ولم تعد الوظيفة القضائية حصراً على الجهاز القضائي.

وقد أخذ المشرع الكويتي بنظام التحكيم ونص عليه المرسوم الأميري رقم 19 لسنة 1959 في المادة 39 ثم توالت التشريعات، ونظمته قواعد خاصة به في قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 38 لسنة 1980، كما انضمت الكويت بموجب قانون رقم 19 لسنة 1977 – إلى اتفاقية التعاون القانوني والقضائي في المواد المدنية والتجارية والجزائية ومواد الأحوال الشخصية. وانضمت كذلك بموجب قانون رقم 10 لسنة 1978 لاتفاقية نيويورك لسنة 1958 والخاصة بالاعتراف بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية.

وعليه قام المشرع الكويتي باصدار تشريعات منشئة لهيئات التحكيم من خلال مراسيم أميرية وقرارات وزارية مثل قرار وزير التجارة والصناعة رقم 35 لسنة 1983 بشأن اللائحة الداخلية لسوق الأوراق المالية والتي تضمن فكرة التحكيم الإجباري في جميع المنازعات المتعلقة بالمعاملات التي تتم بالسوق.

ونظراً لتوسع وازدهار التجارة وتنوع المعاملات بين الأفراد والشركات في الكويت تم إصدار القانون رقم 11 لسنة 1995 بشأن التحكيم القضائي.

التفرقة بين التحكيم والقضاء:

مرفق القضاء تعينه الدولة للفصل في المنازعات وفقاً لقانون الدولة، بينما في التحكيم يتم اختيار المحكمين من قبل الخصوم في اتفاق التحكيم ليطبق القانون المراد تطبيقه على خصومة التحكيم والمحدد عادة ضمن اتفاق التحكيم.

وعليه فإن الولاية لعامة تكون للقضاء وهو الأصل العام أما التحكيم فنطاقه محصور فقط في المنازعات أو الحقوق التي يملك الأفراد فيها الصلح، فحرية الأفراد للجوء للتحكيم ليست مطلقة.

يصدر القضاء أحكاماً لها القوة التنفيذية لمجرد صدورها، أما قرارات التحكيم فهي ملزمة للخصوم ولكن يستلزم صدور أمر التنفيذ من القضاء للقرارات التحكيمية.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

مكتب المحامية موضي الموسى