ــ ما الجمعيات الأهلية بصفة عامة ؟

1.1ــ تعريفات و وظائف :

باعتبارها أحد مكونات المجتمع المدني : ” مجموعة القيم والأعراف التي يقبلها المجتمع المنظم على نحو سلمى و طوعي. ويشمل كل المنظمات والتجمعات المدنية غير الساعية للوصول إلى السلطة و التي تتوسط بين الأفراد والدولة، ويرتبط أساسا بوجودها، ويكون هناك فاصل بينها وبين الدولة وأجهزتها المختلفة “.

بالنظر إليها كمنظمات غير حكومية : تشير تسميتها اختصاراً بـ ( NGOs ) أو ( ONGs ) إلى جملة المبادرات الاجتماعية الطوعية التي تنشط في مجالات مختلفة مثل: الخدمات الاجتماعية والمساعدات الخيرية وخدمات التعليم والصحة والثقافة إضافة إلى الاهتمام بشؤون البيئة والتنمية والتدريب المهني وتأهيل النساء وتنمية المجتمعات المحلية والدفاع عن حقوق الإنسان والطفل وغيرها.

من منظور الأمم المتحدة : “مجموعات طوعية لا تستهدف الربح ينظمها مواطنون على أساس محلى أو قطري أو دولي. ويتمحور عملها حول مهام معينة يقودها أشخاص ذوو اهتمامات مشتركة وهى تؤدى طائفة متنوعة من الخدمات والوظائف الإنسانية وتطلع الحكومات على شواغل المواطنين وترصيد السياسات وتشجيع المشاركة السياسية على المستوى المجتمعي.(…) “.

من منظور البنك الدولي : هي ” منظمات خاصة تقوم بأنشطة لدفع المعاناة، والدفاع عن مصالح الفقراء وحماية البيئة وتحقيق تنمية المجتمع(…) ” .

من المنظور القانوني : هي “كل جماعة ذات تنظيم مستمر لمدة معينة أو غير معينة تتألف من أشخاص طبيعيين أو أشخاص اعتباريين أو منهما معاً لا يقل عددهم في جميع الأحوال عن عشرة وذلك لغرض غير الحصول على ربح مادي (…) ” .

◄ خلاصة : إذن الجمعيات الأهلية هي جمعيات يطلق عليها أيضا ، حداثيا، اسم جمعيات المجتمع المدني و كذا اسم الجمعيات أو المنظمات غير الحكومية . من خصائصها أنها قد تكون محلية أو وطنية ( قطرية ) بفروع محلية و قد تكون إقليمية أو دولية بفروع أو بغيرها ، و أنها لها هيكل رسمي ، و أنها غير حكومية، و غير هادفة للربح ، و أنها ذاتية الحكم ، و غير سياسية . و أنها تستهدف أنشطة نفعية عامة ..

2 ــ ما الجمعيات الأهلية لحقوق الإنسان و كيف تتعاون ؟

2.1 ــ تعريف : هي روابط ، ذات عضوية محدودة أو واسعة ، غير حكومية و غير متحزبة ، لأشخاص معنيين بحماية و تطوير أو تطبيق حق أو أكثر من حقوق الإنسان المنصوص عليها في الصكوك الدولية لحقوق الإنسان . و هي قد تكون محلية أو قومية أو متعددة الجنسيات في هياكلها أو في مجال الحق الذي تعنى به ، و كل ذلك في نطاق القانون .

2.2 ــ تتنوع الجمعيات الأهلية لحقوق الإنسان بحسب تنوع مجالات الاهتمام أو التخصص: إن إلقاء نظرة على خارطة الجمعيات أو المنظمات الوطنية ( القطرية ) أو الإقليمية أو الدولية غير الحكومية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان يمكن من إدراك مدى التنوع الذي أصبح يطبع هذه الهياكل ، حيث يمكن الزعم ، الآن ، بأنه لم يبق هناك حق من الحقوق المعترف بها دوليا دون أن توجد منظمة تختص في الدفاع عنه . و هكذا، فبالإضافة إلى الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان بصفة شمولية هناك جمعيات أخرى ، متعددة ، أولت لأجندتها صلاحيات و ولايات أكثر تخصصا ، و ذلك كالتالي :

● جمعيات تدافع عن حرية التعبير و إبداء الرأي .

● جمعيات و مراصد تدافع عن حقوق السجناء .

● مراصد و جمعيات لحماية حقوق الطفل . ● جمعيات من أجل المساواة .

● جمعيات لمناهضة الميز .● جمعيات للمساعدة القانونية و القضائية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان .

● جمعيات للتدريب في مجال التربية على حقوق الإنسان . ● جمعيات لعدم الإفلات من العقاب .

● جمعيات للحقوق النقابية و العمالية .

● جمعيات للمحافظة على البيئة .

● جمعيات لمكافحة داء السيدا ( الإيدز ) و مساعدة المصابين به.

● جمعيات و مراكز طبية لتأهيل ضحايا التعذيب .

● جمعيات لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان … إلخ .

2.3 ــ تعمد جمعيات حقوق الإنسان إلى الانخراط في شبكات قصد تبادل معلومات و إلى بناء تحالفات من أجل عمل مشترك :

بسبب من تعدد جمعيات حقوق الإنسان و تنوع صلاحياتها و التخصص الكبير في هذه الصلاحيات و ذلك في مقابل خاصيات حقوق الإنسان المتمثلة في كونها كونية ، ملازمة للإنسان، متكاملة و غير قابلة للتجزيء ، و كذا بسبب من الحاجة إلى الزيادة من قوة التأثير … غالبا ما تلجأ هذه الجمعيات إلى الانضمام إلى شبكات و / أو إلى بناء تحالفات .

و فيما يكون الغرض الأول من الانضمام إلى شبكات هو تبادل الخدمات أو المنافع أو المعلومات ، فإن جمعيات لحقوق الإنسان ، بعد أن تكون قد خبرت بعضها في إطار تعاون من خلال شبكة ، تتجه نحو إحداث تحالف أو الانضمام إليه ، و ذلك لتنسيق عمل إثر نشوء حالة تستدعيه أو نتيجة أزمة ما تخص حقا من الحقوق الإنسانية ، أو عندما تصل هذه الجمعيات إلى الاقتناع بأنها ستخدم أهدافها أفضل إذا اتحدت ، فجمعت مواردها و طاقاتها و قدراتها و مهاراتها ، و وزعت المسؤوليات بينها ، و صار لها صوت واحد .

و بالإضافة إلى التحدث بصوت واحد و زيادة التأثير ، تتيح التحالفات للجمعيات الأهلية عديدا من الفرص الأخرى، منها :

● تمكين المنظمات التي لا تسمح لها ولايتها بالعمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان بالعمل في هذا المجال من خلال نافذة التحالف مع منظمات أخرى تعمل فيه .

● زيادة مجمع المعلومات و الاتصالات و إثراؤها .

● تفادي تكرار الجهود .

● تنسيق التعامل السريع مع الأزمات .

● الانتشار الجغرافي .

● توطيد نظام التضامن و الحماية الجماعية في مواجهة المخاطر التي قد تحف بالتحركات الحقوقية و نشطائها .

● التمويل عبر قناة مركزية .

● الإحالة لجهة الاختصاص و التوصيات …

و يعتبر التحالف من أجل المحكمة الجنائية الدولية المنبثق سنة 1995 من أقوى هذه التحالفات الحقوقية الدولية غير الحكومية . و هو يضم اليوم أزيد من 2000 جمعية غير حكومية ، عاملة في ميادين متنوعة تكاد تغطي كل مجالات حقوق الإنسان ، من بينها شبكات وطنية و إقليمية تدار من قبل منسقين إقليميين في كل من أوروبا و ألأمريكتين و آسيا و شمال إفريقيا و الشرق الأوسط .

و يقوم هذا التحالف في دعمه للمحكمة الجنائية الدولية بعدة أدوار من بينها : ــ إقناع الحكومات القطرية بالمصادقة على النظام الأساسي لهذه المحكمة و / أو استكمال باقي العمليات التي تتطلبها المصادقة و الشروع في تأهيل القوانين الداخلية لتنفيذ مقتضاتها . ــ تبديد المخاوف الحكوميــة من مسألة حصانة رئيس الدولة أو غيرهــا من المسائل التي يعتقد أنها تمس السيادة الوطنيـــة في حال انضمام الدولة لعضوية المحكمة الجنائية الدوليـة.

3 ــ القواسم المشتركة بين المهام التي تضطلع بها جمعيات حقوق الإنسان في الارتقاء بحقوق الإنسان و حمايتها

مع التذكير ، من جهة ، بأنه ليست كل هذه القواسم المشتركة هي مهام تدخل ضمن صلاحيات كافة جمعيات حقوق الإنسان سواء نفذت صلاحياتها بشكل انفرادي أو في إطار اتحاد داخل شبكة أو تحالف ، و مع التذكير ، من جهة أخرى ، بأنه قد يتعذر على جمعية أن تتكفل بمفردها و في ذات الحين بالقيام بمثل ذلك … يمكن تلخيص القواسم المشتركة التي من المفترض أن تنهض بها جمعيات حقوق الإنسان في الارتقاء بحقوق الإنسان و حمايتها في ما يلي :

3.1 ــ الرصد و التوثيق : و هما عمليتان يمكن تمثيلهما بما يحدث داخل محطات الأرصاد الجوية في مختلف أقطار العالم ، كما يمكن تمثيلهما بالنتائج التي تترتب عن ذلك . ففي حين تقوم هذه المحطات بمراقبة الأحوال التي يكون عليها الجو ، من حرارة و رياح و تساقطات ، في حيز جغرافي معين خلال كل أربعة و عشرين ساعة و بتوثيق هذه الأحوال خلال أمد يصل إلى سنة و أكثر وصولا إلى تسمية و وصف نوع المناخ السائد هنا و هناك …

فإن رصد الحالة التي تكون عليها وضعية حقوق الإنسان في بلد معين و توثيق حالات هذه الوضعية يشكل عنصرا أساسيا من أنشطة جمعيات حقوق الإنسان ، إذ أن هاتين العمليتين تشكلان وسيلتين ضروريتين للتأكد مما إذا كانت السلطات الرسمية في البلد و مختلف أجهزتها ذات الصلة تحترم أو لا تحترم التزاماتها سواء القانونية الداخلية أو الدولية في ميدان الحقوق الإنسانية للأفراد أو المجموعات أو الجماعات ، و كذا لتعرف الدرجة التي يكون أو لا يكون عليها هذا الاحترام . و لأن الأمر هو كذلك ، فإن مهمتي الرصد و التوثيق تضعان مصداقية جمعيات حقوق الإنسان على المحك ، و لذلك فلكي تضمن هذه الجمعيات إخلاصها لأجندتها النبيلة و تضمن عدم فقدان الثقة في تقييماتها و أحكامها أمام الجهات ذات الصلة ، الداخلية أو الخارجية كما أمام حلفائها ، يتم الإلحاح على ما يلي :

على صعيد الرصد : سواء أكان هدف الجمعية الحقوقية هو إيجاد سبل لإنصاف شخص ما أو أشخاص من عملية اعتداء تعرضوا لها ( اعتقال تعسفي ، أو تعذيب ، أو ” اختفاء ” قسري ، أو حرمان من السفر أو من مزاولة مهنة أو من التعليم ،،،، ) أو كان الهدف هو العمل من أجل تغيير قوانين أو سلوكات من خلال التبليغ عن حقائق ، فإنه :

● لا بد من القيام بعملية الرصد .

● لا بد أن تتضمن عملية الرصد إجراء بحث و تقصي للحقائق و توثيق و تحليل لها ، و صياغة تقرير في شأنها.

● لا بد أن يشمل تقصي الحقائق : استجواب الضحايا ، استجواب الشهود ، المعاينة ، مراقبة العملية ، تجميع الوثائق ذات الأهمية ، أخذ الصور ، استعمال آليات تسجيل الصوت و الصورة ، و إجراء الفحص الشرعي .

● لا بد أن يقوم بعملية الاستجواب فردان ، على الأقل ، متمرسان ، يأخذان بعين الاعتبار مختلف الحالات النفسية التي قد يكون عليها الضحايا ، و يجيدان مهارات التمييز بين الشهادات المبنية على الإشاعات و الشهادات ذات الصلة أو المعرفة المباشرة بالموضوع ، و يتقنان مهارات الإصغاء النشيط للمستجوبين ( بفتح الواو ) و مهارات طرح الأسئلة و مهارات تدوين النقط و المقارنة بينها لضبط الثغرات أو الهفوات التي قد تصاحبها .

● لا بد أن تكون حقوق الإنسان من خلال القانون الوطني و من خلال صكوك قانونها الدولي هي المعيار الذي يتم الاستناد إليه في عملية الرصد.

على صعيد التوثيق : بالنظر إلى أن التوثيق هو عملية التسجيل و التنظيم الممنهجين للمعلومات لتسهيل نشرها أو استردادها ؛

و بالنظر إلى أن التوثيق في مجال حقوق الإنسان يعني : أ ــ تدوين حقائق بما في ذلك تجميع وثائق و إنشاء نظام يسهل فيه استرداد و نشر الوثائق المطلوبة ؛ ب ــ إنشاء سجلات تأريخية لتطور وضعية حقوق الإنسان في بلد مر أو ما يزال يمر بمرحلة تتسم بقمع حقوق و حريات الإنسان ؛ ج ــ تجميع كل الوثائق ذات الصلة بحقوق الإنسان مثل الصكوك الدولية لحقوق الإنسان ، و القوانين الوطنية ذات الصلة بحقوق الإنسان ، و التقارير الدورية الحكومية و المضادة ، و الدلائل الأممية المتخصصة ، و نماذج من استبيانات و شبكات تقديم الشكاوي ، و إعداد بيبلوغرافيات ،،، و غيرها ؛

و بالنظر كذلك إلى أن التوثيق في مجال حقوق الإنسان يبدأ انطلاقا من عملية تقصي الحقائق ، فإن جمعيات حقوق الإنسان :

● تعتمد في تدوين ( توثيق ) هذه الحقائق ، على نموذجين من الطرق هما : ــ نموذج المعلومات المركبة ، و ــ نموذج المعلومات المستقاة من نصوص حرة . و فيما تصفف المعلومات ، وفق النموذج الأول ، بناء على جداول نموذجية مقسمة إلى مجالات مهيكلة يدويا أو مصممة بواسطة الحاسوب ، فإن المعلومات ، وفق النموذج الثاني، تنبني على تنظيم للبيانات غير مصمم ، يستعمل الجمل و الفقرات مثل التقرير السردي و مثل التدوين بخط اليد للقاء تم مع شخص معين .

● تعتمد في هذا التدوين أنماطا من التوثيق تتمثل في : ــ رواية مستقاة من نص حر ( كل سرد لحدث معين ، مثل البيان الصحفي ) ؛ ــ وثائق إثباتيه و أولية ( مثل ، الشهادات الخطية المشفوعة بقسم ، الشهادات الطبية ، نتائج التشريح،،،)؛ ــ وثائق ثانوية ( مثلا ، التقارير الصحفية ، بعد فحصها ) ؛ ــ سجلات مدونة بالجداول المعيارية ( يمكن العودة في هذا الإطار إلى كتاب هوريدوكس HURIDOCS للجداول النموذجية الخاصة بالوقائع ) ؛ ــ تقارير و إنتاجات أخرى .

و لأن التوثيق هو أساس كل عمل تقوم به جمعيات حقوق الإنسان كتنظيم حملات الضغط ، حث الحكومة على المصادقة على صك من صكوك القانون الدولي أو حثها على ملاءمة القوانين الوطنية مع هذه الصكوك ، مراقبة المحاكمات ، رفع الشكاوى ، التبليغ عن انتهاكات ، تقديم خدمات كالمساعدة القضائية أو إعداد و تنفيذ برامج للتربية على حقوق الإنسان،،، فإنها تتحرى الدقة و تتأكد من صحة معلوماتها و صحة مصادر هذه المعلومات ، و ذلك قبل إعداد و توثيق و نشر أية وثيقة .

3.2 ــ المسارات المحتملة للعمل بعد الرصد و التوثيق : تتعدد هذه المسارات و تتنوع بحسب الولاية أو الصلاحية الحقوقية لكل جمعية من جمعيات حقوق الإنسان ، لكن يمكن مع ذلك تقديم بعض هذه المسارات كما يلي :

● العمل على المستوى المحلي : و يتمثل ذلك في اللجوء إلى الإجراءات العلاجية المحلية المتاحة عن طريق مساعدة ضحايا خروقات صادرة ، مثلا ، عن موظفين منفذين للقانون على رفع الدعاوى الجنائية ، إذا كان الهدف هو تغريم الجاني أو وضعه تحت المراقبة أو سجنه ، أو رفع الدعاوى المدنية إذا كان الهدف هو الحصول على تعويضات مادية ، أو رفع الدعاوى الإدارية أو الضغط من أجل تحريك الدعاوى التأديبية ، و كذا المساعدة على إعمال إجراءات علاجية أخرى ترتبط بوجود مؤسسات وطنية ( قومية ) لحقوق الإنسان كدواوين المظالم و غيرها ،، أو استثنائية ، كلما توفرت ، كما يحدث في حالة الاعتقاد بأن شخصا يتعرض لخطر التعذيب أثناء استنطاقه ،،،

● العمل على المستوى الدولي : أي طلب المساعدة ، بعد استنفاذ الإجراءات العلاجية المحلية ، من الآليات الدولية بخصوص ادعاءات حول انتهاكات لحقوق الإنسان ، و ذلك باعتبار أن هذه الآليات هي المسؤولة عن تطبيق النظام الدولي لحقوق الإنسان . و تلعب جمعيات حقوق الإنسان دورا مهما في هذا العمل ، إذ بالإضافة إلى ما تنجزه هي و تبعث به أو تسلمه إلى آليات التبليغ الدولية ، تنهض بمهمة تقديم النصح للضحية في ما يخص اختيار الآلية أو الإجراء الدولي الأنسب لقضيته ، و تساعده على إنشاء رسالة شكواه بالمواصفات العملية و الاتزان و المصداقية المطلوبة ، كما تساعده على القيام بـ ” إجراءات الشكاوى ” .

ــ تنظيم و / أو المشاركة في بعثات تقصي الحقائق : بغرض تسليط الأنظار و تركيز الانتباه على ممارسات لدولة معينة منافية لحقوق الإنسان ، أو بغرض تفنيد مزاعم هذه الدولة في هذا الشأن تقوم جمعيات لحقوق الإنسان بإرسال وفود لتقصي الحقائق في عين المكان أو تقوم بالمشاركة ضمن وفود تبعث بها جمعيات أخرى . و تتوج هذه الوفود أشغالها بتحرير تقرير . و من أمثلة هذه البعثات ،

هناك : ــ بعثة اللجنة العربية لحقوق الإنسان ، عبر المكتب الدولي للجمعيات الإنسانية و الخيرية بمشاركة كل من فيوليت داغر و جان كلود بونسان و جوليان فيلالارد و لور فورست ، لتقصي حقائق للضفة الغربية خلال النصف الأول من شهر فبراير / تشرين الثاني 2006 ، و حررت تقريرها د.فيوليت داغر رئيسة اللجنة العربية لحقوق الإنسان . ــ بعثة منظمات حقوق الإنسان العربية إلى لبنان من 08 إلى 15 غشت / آب 2006 بمشاركة اللجنة العربية لحقوق الإنسان ( باريس – فرنسا ) ، و المجلس الوطني للحريات ( تونس ) ، و جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان . ــ بعثة اللجنة العربية لحقوق الإنسان المؤجلة لدارفور ،،،

3.4 ــ مراقبة سير المحاكمات : أي المشاركة في المراقبة الحيادية للإجراءات التي اتبعت في إنصاف ضحية أو في الإمعان في انتهاك حقه ، و ذلك عن طريق تتبع المسطرة التي اتبعتها الشرطة القضائية المحلية ، أو غيرها ، في التحقيق حول الانتهاك المعني و حضور المحاكمات و ملاحظة مدى تماشيها مع مجريات المحاكمة العادلة و تتبع المرافعات القانونية و الأحكام الصادرة و ملاحظة مدى تماشيها مع القانون ، و تتويج ذلك بكتابة تقرير .

3.5 ــ فضح الانتهاكات التي تقترفها الدول و تعبئة الرأي العام لدعم قضايا حقوق الإنسان: لأن المسعى الرئيسي لحركة حقوق الإنسان هو تحسين وضعية حقوق الإنسان ، فإن جمعيات حقوق الإنسان المحلية أو الإقليمية أو الدولية لا تتجه نحو توظيف أسلوب الفضح إلا بعد أن تتأكد من أن الحكومة أو الحكومات المعنية لا تعطي الاهتمام اللازم لخرق أو خروقات تمس حقوق و حريات فرد أو أفراد أو مجموعة أو جماعة ، فهي بعد أن يتأكد لديها حدوث فعلي لانتهاك متفرق أو متفشي لحق من الحقوق أو تتجمع لديها معلومات موثوقة عن أن انتهاك حق هو قيد الممارسة تبدأ عملها بمساعي حميدة ، و ذلك عن طريق التدخل لدى القطاعات الحكومية المعنية بواسطة الاتصال المباشر أو المراسلة للفت انتباهها إلى ما يحدث و إلى تاريخ و وقت و مكان حدوثه و الجهة الضالعة فيه و نصوص القانون الوطني ( القومي )

و الدولي التي لم يتم احترام مقتضياتها في القيام به مع المطالبة بإجراء تحقيق نزيه حوله و عدم إفلات مرتكبه أو مرتكبيه من العقاب،، لكنها في حالة استهتار الحكومة بالأمر و عدم اتخاذها للإجراءات العلاجية اللازمة تتجه نحو الرأي العام بواسطة إعادة نشر المراسلات أو المذكرات التي سبق لها أن فاتحت بها الحكومة بخصوص الانتهاك إياه ، و إصدار بلاغات و بيانات و تقارير و عرائض للتوقيع و تنظيم وقفات تضامنية و عقد ندوات صحفية لوضع الناس أمام الصورة و لإشهار الموقف الحكومي و تبيين كيف أن الحكومة لا تحترم التزاماتها تجاه الحقوق الإنسانية ،،

و بقدر ما تواصل الحكومات استهتارها بقضايا حقوق الإنسان ، سواء بالنفي أو بالزعم بأن لديها أولويات أخرى أو باتهامها لحركة حقوق الإنسان بالعمالة لقوى خارجية معادية ، بقدر ما تعمل جمعيات حقوق الإنسان على توسيع دائرة الرأي العام المخاطب ليشمل الرأي العام الدولي من أجل التعبئة للضغط في سبيل إعمال حقوق الإنسان و الحد من انتهاكها.

3.6 ــ الاستفادة من الصفة الاستشارية في التأثير على القرارات الأممية و الإقليمية لفائدة حقوق الإنسان : بالإضافة إلى أن حوالي 40 من المنظمات غير الحكومية كانت قد ساهمت في صياغة ميثاق الأمم المتحدة ، فإن المجلس الاقتصادي و الاجتماعي قد تبنى فحوى المادة 71 من هذا الميثاق التي تخول لجمعيات حقوق الإنسان غير الحكومية الصفة الاستشارية لديه .

و هي الصفة التي يخولها المجلس الأوروبي و تقرها كل من المعاهدة بين دول أمريكا لحقوق الإنسان و الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان و الشعوب لجمعيات حقوق الإنسان غير الحكومية . و بمقتضى هذه الصفة تشارك هذه الجمعيات على الصعيد الأممي في أشغال لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التابعة للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي و أشغال اللجنة الفرعية حيث تتقدم ببينات و أدلة مكتوبة و / أو شفهية و كذا باقتراحات في شأن جداول الأعمال .

و تعتبر كل من منظمة الكرامة لحقوق الإنسان ، التي تنظم هذه الدورة التدريبية ، و اللجنة العربية لحقوق الإنسان – ( فرنسا ) التي أعتز بالانتماء إليها ، اثنتين من بين الجمعيات التي تتمتع بهذه الصفة. كما أن جمعيات حقوق الإنسان غير الحكومية تشارك أيضا على الصعيد الإقليمي كمراقب داخل المجلس الأوروبي و في قضايا حقوق الإنسان المرفوعة لدى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أو لدى مثيلتها الأمريكية أو في قضايا حقوق الإنسان التي تحركها المحاكم الأخرى داخل هاتين القارتين و كذا خارجهما ، و ذلك إما بصفتها صاحبة الدعوى أو بصفتها مدعي مرافق أو طرف مدني .

3.7 ــ المشاركة في إثراء المعايير الدولية لحقوق الإنسان و تطويرها : إن من بين الأمثلة القريبة منا جدا ، في هذا الإطار ، هو الدور الدؤوب الذي لعبته جمعيات المجتمع المدني خلا مدة زمنية بلغت 25 سنة من أجل صياغة اتفاقية دولية تضع حدا لـ ” الاختفاء ” القسري بمنعه و تجريم فاعليه و إنهاء كل محاولة لإفلاتهم من العقاب و إنصاف ضحاياه و الوقاية منه ،، و إذا كان إعمال هذا الدور قد انطلق ابتداء من سنة 1981 بمبادرة من جمعيات محلية لعائلات ضحايا ” الاختفاء ” القسري بأمريكا اللاتينية ، فإنه سرعان ما تعزز بانضمام جمعيات مشابهة أخرى من باقي القارات ثم تقوى بواسطة تبنيه من قبل منظمات إقليمية و دولية عديدة مشهود لها بقوة التأثير في كواليس الأجهزة البين حكومية داخل أوساط الأمم المتحدة .

و قد تتوج إصرار هذه الجمعيات على الحضور داخل و خارج قاعة صياغة المسودات الأولى لهذه الاتفاقية لسنوات طويلة ، تجاه المفاوضات العسيرة مع و بين ممثلي الحكومات ، باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة في يوم 20 دجنبر 2006 لأقوى الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان على الإطلاق و بفتح باب التوقيع عليها ابتداء من يوم 06 فبراير 2007 ، هي الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري .

و تطول قائمة الصكوك الدولية و الإقليمية لحقوق الإنسان التي يرجع الفضل في التقدم بمشاريعها الأولى إلى جمعيات حقوق الإنسان غير الحكومية أو ساهمت هذه الجمعيات في صياغتها أو في التأثير من أجل تبنيها ،،، لتشمل حوالي 80 إعلان و اتفاقية و معاهدة و غيرها تحمي حقا أو أكثر من حقوق الإنسان .

و جدير بالتذكير ، هنا كمثال آخر ، أن مؤتمر باريس للجمعيات الخيرية و الإنسانية المنظم من قبل اللجنة العربية لحقوق الإنسان بباريس يومي 09 – 10 يناير 2003 قد أحال على المكتب الدولي للجمعيات الخيرية و الإنسانية المنبثق عنه ” مشروع الإعلان العالمي المتعلق بحقوق و مسؤوليات الأفراد و الجماعات في العمل الخيري و الإنساني ” من أجل متابعة ما يلزم في تحقيق أوسع تضامن و نقاش ممكن للانتقال بعد ذلك لإعمال الخطوات الإجرائية الموالية داخل مؤسسات الأمم المتحدة ذات الصلة ، و ذلك في أفق اعتماده و المصادقة عليه و تنفيذه .

3.8 ــ المساهمة في إعداد و تنفيذ برامج للتربية و التكوين و التدريب في مجال حقوق الإنسان و آليات حمايتها للردع استباقيا عن الانتهاكات و للوقاية من تكررها : رغم الفائدة الكبرى التي تتحقق من وراء قيام جمعيات حقوق الإنسان غير الحكومية برصد انتهاكات حقوق الإنسان و توثيقها و إعداد التقرير بصددها و تبليغها و نشرها ، و مساعدة الضحايا في التقاضي و في التعافي ، و تطوير المعايير الدولية لحقوق الإنسان،، فإن دورها في حماية حقوق الإنسان و الارتقاء بها لا يتوقف عند هذا الحد .

فلأن انتهاكات حقوق الإنسان ليست بالضرورة دائما عمودية المصدر ، و لأن العنف ، و الشطط ، و التعذيب ، و عدم احترام القانون، و التدليس ، و الاختلاس ، و الرشوة و غيرها من مظاهر الفساد، و التحرش ،،،، حين تتحول إلى حالات ذهنية و عادات سلوكية يومية ، سواء لدى الموظفين المكلفين بتنفيذ القوانين أو لدى باقي رموز السلط السياسية و الاقتصادية ،،، يصعب على القوانين مهما تم تحسينها و على أجهزة الزجر المادي مهما بلغت قوتها أن تكبح من جماحها ،،، تتبنى جمعيات حقوق الإنسان غير الحكومية إستراتيجية موازية من أبعادها ، للتثقيف على معارف و مبادئ و قيم حقوق الإنسان من أجل الحد من انتهاكاتها و الوقاية من تكرر حدوث هذه الانتهاكات : ــ

بعد توعية الناس بحقوقهم لتمكينهم من ضبط القوانين و الآليات التي يستطيعون بواسطتها استرجاع و حماية حقوقهم و حرياتهم كلما سلبت منهم أو تعرضت للتهديد بالسلب، ــ بعد تكوين و تدريب نشطاء جدد في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان . ــ بعد المساهمة في إدماج حقوق الإنسان في المناهج الدراسية ما قبل الجامعية و الجامعية و تدريب المكونين و المدرسين على حسن تربية المتمدرسين عليها ، و ذلك مع دعم البرامج و الأنشطة المدرسية غير الصفية أو غير النظامية و تنميتها لتكون قناة مستدامة للتغذية بثقافة حقوق الإنسان .

ــ بعد إحداث مراكز للتكوين و الإعلام و إنتاج و إصدار و نشر الكتب و غيرها من المطبوعات ذات الصلة بتعلم و إشاعة ثقافة حقوق الإنسان . ــ بعد إعداد و تنفيذ برامج تدريبية على حقوق الإنسان و القواعد و المبادئ الأممية ، ذات الصلة، لفائدة الموظفين المنفذين للقوانين و لفائدة مكونيهم داخل المعاهد العليا التي تتكفل بمهمة تأهيلهم لتولي مهامهم المهنية.

و بالإضافة إلى ذلك ، لا تترك جمعيات حقوق الإنسان غير الحكومية أية فرصة أو مناسبة وطنية أو إقليمية أو دولية ذات علاقة بحقوق الإنسان تمر دون أن تتجند ، سواء بشكل منفرد أو في إطار شبكات أو تحالفات ، من أجل تنوير الناس في شأنها ، و ذلك بواسطة إلقاء العروض أو المحاضرات أو تنظيم الندوات أو الأيام الدراسية ، أو عرض الأشرطة السينمائية أو الوثائقية للمشاهدة الجماعية ، أو تنظيم المسابقات أو المباريات الفنية أو الإبداعية الأخرى .

*المصطفى صوليح El Mostafa Soulaih كاتب ، باحث ، و مؤطر ، في مجال التربية على حقوق الإنسان و المواطنة – من أطر اللجنة العربية لحقوق الإنسان . صدر له ، عن اللجنة العربية لحقوق الإنسان ( باريس ، فرنسا ) و الأهالي و أوراب ، كتاب تحت عنوان : ” نقد التجربة المغربية في طي ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ” .

(1) نص درس ساهم به المصطفى صوليح في الدورة التدريبية التي نظمتها منظمة الكرامة في الدوحة أيام 28 – 30 2007 لفائدة نشطاء حقوق الإنسان لدول الخليج العربي .