لقد منحت التشريعات المحاكم إلى جانب الوظيفة الأساسية لها وهي نظر الدعاوى والفصل في المنازعات وإصدار الأحكام المناسبة بشأنها، وظيفة أخرى تتمثل في منحها سلطة إصدار قرارات ليست بالأحكام وتصدر في مسائل معينة لا تفترض نزاعاً ولا تتطلب في أغلب الأحوال دعوة الخصوم وسماعهم وهي ما تسمى بنظرية القرارات المؤقتة(1). إن القرارات المؤقتة لاتعدو كونها إجراءات قضائية تستهدف بالدرجة الأولى إلى دفع خطر محدق وشيك الوقوع وذلك دون أن تمس أصل الحق المتنازع عليه(2). وتمشياً مع النهج الذي انتهجه المشرع العراقي في تناوله القرارات المؤقتة، سنبحث في القضاء المستعجل وفي القضاء الولائي (الأوامر على العرائض) ودور التبليغات القضائية فيها، أما الحجز الاحتياطي فقد تناوله المشرع ضمن الإجراءات المتنوعة في الكتاب الثالث من قانون المرافعات،

وسنقسم هذا الموضوع وذلك بتوزيعه إلى المقصدين الآتيين:

المقصد الأول: التبليغات القضائية والقضاء المستعجل.

المقصد الثاني: التبليغات القضائية والقضاء الولائي (الأوامر على العرائض)

المقصد الأول : التبليغات القضائية والقضاء المستعجل

قد يقتضي الأمر في بعض الحالات من أجل حماية الحقوق أن يتم اتخاذ إجراءات سريعة تختلف عن تلك الإجراءات في القضاء العادي وذلك لأن حماية تلك الحقوق يتطلب حلولاً عاجلة لا تتحمل التأخير، فالقضاء المستعجل بهذا المعنى هو عبارة عن قرار قضائي مؤقت تتخذه المحكمة طبقاً للأوضاع القانونية دون المساس بأصل الحق الموضوعي المتنازع عليه(3).يقوم القضاء المستعجل على ركيزتين رئيسيتين، الأولى هي وجوب توفر حالة الاستعجال أو الخطر العاجل المحدق بالحق المراد حمايته والتي يلزم درؤه عنه بسرعة والتي لا يكون في التقاضي العادي، أما الركيزة الثانية فتتمثل بوجوب عدم المساس بأصل الحق وذلك لكون القضاء المستعجل لا يهدف إلى تغيير المراكز القانونية للخصوم(4).أما الجهة المختصة بنظر المسائل المستعجلة، فقد ألزم المشرع(5). محكمة البداءة بنظر تلك المسائل والتي يخشى عليها من فوات الوقت لكن بشرط عدم المساس بأصل الحق، ولا يقتصر الأمر على محكمة البداءة فقط، بل تختص كذلك محكمة الموضوع بنظر تلك المسائل إذا رفعت إليها بطريق التبعية وذلك أثناء السير في دعوى الموضوع. ويظهر دور التبليغات القضائية في القضاء المستعجل وبخاصة في إجراءات تقديم الطلب المستعجل، إذ بينت المادة (150) من قانون المرافعات العراقي أنه: “يقدم الطلب المستعجل بعريضة يُبلغ فيها الخصم قبل الجلسة المحددة بأربع وعشرين ساعة على الأقل ويرفق بها ما يعزز طلبه من المستندات وتصدر المحكمة قرارها بشأن الطلب خلال مدة لا تتجاوز سبعة أيام، وتسري في شأنه إجراءات التقاضي المقررة في هذا القانون مع مراعاة الأحكام الخاصة بالمواد المستعجلة“. يلاحظ من خلال المادة المذكورة، ان كل ما يتضمنه الطلب أمام القضاء العادي ينطبق تماماً على الطلب أمام القضاء المستعجل من وجوب أن تكون هناك عريضة تشتمل على كافة البيانات التي حددها المشرع مع الإجراءات الأخرى من وجوب دفع الرسم القانوني، فضلاً عن عدم إغفال الدور البارز للتبليغات القضائية. إلا أن المدد الخاصة بإجراء التبليغات في القضاء المستعجل تختلف عن تلك التي في القضاء العادي وذلك لطبيعة المسائل المستعجلة والتي لا تتحمل التأخير بتاتاً. ففي القضاء العادي يتوجب على المحكمة مراعاة محل إقامة أو عمل الشخص المطلوب تبليغه عند إصدار ورقة التبليغ إليه على أن لا تقل المدة ما بين تاريخ تبليغه واليوم المعين للمرافعة عن ثلاثة أيام(6). في حين أن القضاء المستعجل يوجب تبليغ الخصم بعريضة الدعوى قبل الجلسة المحددة بأربع وعشرين ساعة على الأقل، فالسرعة والاستعجال والخطر المحدق بالحق المراد حمايته لا يمنع مطلقاً إغفال حق الخصم الآخر بضرورة تبليغه من أجل التهيؤ للمرافعة، كل ذلك في سبيل تحقيق موازنة عادلة ما بين طرفي الدعوى، بعدها تصدر المحكمة قرارها خلال مدة لا تتجاوز السبعة أيام بشأن الطلب المقدم.

المقصد الثاني : التبليغات القضائية والقضاء الولائي (الأوامر على العرائض)

لم يورد المشرع العراقي تعريفاً للقضاء الولائي بوصفه إحدى الوظائف الموكلة للمحاكم، إلا أن مشروع قانون الإجراءات المدنية عرفه بأنه: “قرار وقتي يصدره القاضي في الأحوال المنصوص عليها في القانون في أمر مستعجل، بناءً على طلب يقدم إليه من أحد الخصوم، ولا يشترط في إصداره أن يتم في مواجهة الخصم الآخر“.أما المشرع اللبناني(7). فقد عرف الأوامر على العرائض بأنها: “قرارات مؤقتة تصدر بدون خصومة في الحالات التي يصح فيها إصدار الأمر بدون دعوة الخصم وسماعه“.إن القضاء الولائي في الوقت الحاضر أخذ يحتل حيزاً مهماً من عمل المحاكم إلى جانب وظيفتها الاعتيادية في فض الخصومات وإصدار الأحكام، وذلك ينبع من الدور الهام الذي يشكله القضاء الولائي، فالخطر العاجل وعدم المساس بأصل الحق وعدم انتظار إجراءات التقاضي العادية كل ذلك أدت بشكل أو بآخر إلى تفعيل دور هذا القضاء وبخاصة أن دوره ينصب على وضع الحلول العاجلة لحماية حقوق الخصوم(8).وقد أجاز المشرع العراقي(9). لكل من له حق في الاستحصال على أمر من المحكمة من أجل القيام بتصرف معين أن يتقدم إلى المحكمة المختصة بطلب إصدار هذا الأمر في حالة الاستعجال وذلك بعريضة يتم تقديمها إلى القاضي المختص ويجب أن تكون هذه العريضة من نسختين تشمل على وقائع الطلب مع أسانيده مرفقة بالمستندات المعززة لها. وبعدما يتم تقديم الطلب إلى القاضي المختص، عندها يتوجب على الأخير إصدار قراره بشأن ذلك الطلب إما قبولاً أو رفضاً على إحدى نسختي العريضة المقدمة في اليوم التالي على الأكثر أي خلال (24) ساعة، بعدها تعطى للطالب صورة رسمية من الأمر بذيل النسخة الثانية من العريضة ويحفظ الأصل في قلم المحكمة، بعد ذلك يتم تبليغ الخصم الذي صدر الأمر ضده بصورة من الأمر(10).

إن تبليغ الخصم الذي صدر الأمر ضده له ما يبرره وذلك من أجل أن يكون على بينة تامة من الأمر، ومن جانب آخر حتى يتهيأ لمراجعة طرق الطعن المقررة. لقد بينت الفقرة (1) من المادة (153) من قانون المرافعات العراقي كيفية الطعن في القرار الصادر في الأوامر على العرائض عندما أكدت على أنه: “لمن يصدر الأمر ضده وللطالب عند رفض طلبه أن يتظلم لدى المحكمة التي أصدرته خلال ثلاثة أيام من تاريخ إصدار الأمر أو من تاريخ تبليغه وذلك بتكليف الخصم الحضور أمام المحكمة بطريق الاستعجال“. يتضح من المادة أعلاه أن المشرع قد رسم طريق التظلم كأحد طرق الطعن، في هذه الحالة حيث يقدم طلب التظلم إلى نفس المحكمة التي أصدرت الأمر وذلك خلال ثلاثة أيام من تاريخ إصدار الأمر أو من تاريخ تبليغه بعدها تقوم المحكمة بجمع الطرفين وتستمع إلى أقوالهما وتحقق في المستندات المقدمة من خلال مرافعة على الوضع العادي بعدها تصدر قرارها إما بتأييد الأمر الولائي أو إلغائه أو تعديله مع ذكر التسبيب لذلك. ووفقاً للمادة (216) من قانون المرافعات يكون القرار الذي تصدره المحكمة بالبت في التظلم قابلاً للطعن تمييزاً خلال سبعة أيام من تاريخ تفهيمه أو تبليغه. مهما يكن من أمر، فينبغي مراعاة المدد الخاصة بتبليغ الخصوم عند الطعن بالأوامر على العرائض وإلا تم نقض تلك القرارات، حيث جاء في قرار لمحكمة استئناف بغداد بصفتها التمييزية(11).: “لدى التدقيق والمداولة، وجد أن الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية فقرر قبوله شكلاً، ولدى عطف النظر على القرار المميز وجد مخالفاً للقانون ذلك أن مدة الطعن تمييزاً بالقرار المميز تبدأ خلال ثلاثة أيام من تاريخ إصدار الأمر إذا كان بحضور الخصم وتوقيعه عليه أو من تاريخ تبليغه إذا كان غائباً استناداً إلى أحكام المادة (153) من قانون المرافعات المدنية وحيث لم تجد هذه المحكمة ما يشير إلى تبليغ المميز بالقرار الصادر على عريضة الدعوى قبل يوم 24/10/1992 لذا يكون التظلم المقدم في يوم 24/10/1992 مقدماً ضمن المدة القانونية المنصوص عليها في المادة (153) المشار اليها في أعلاه حيث أن إجراءات التبليغ يجب أن تتم وفق أحكام المادة (18) من قانون المرافعات المدنية، عليه قرر نقض القرار المميز وإعادة الدعوى إلى محكمتها للسير فيها.

________________________________________

1- راجع: أستاذنا د. عباس العبودي، شرح أحكام المرافعات، مصدر سابق، ص312 وما بعدها.

2- د. آدم النداوي، المرافعات المدنية، مصدر سابق، ص292.

3- للمزيد من التفصيل، راجع: صلاح الدين بيومي، اسكندر سعد زغلول، الموسوعة في قضاء الأمور المستعجلة وفقاً لقانون المرافعات مع التشريع المقارن، ط2، دون مكان طبع، 1971. عمار سعدون المشهداني، القضاء المستعجل، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون/ جامعة الموصل، 2000.

4- د. عبد المنعم الشرقاوي، د. فتحي والي، مصدر سابق، ص233.

5- راجع الفقرة (1-2) من المادة (141) مرافعات عراقي.

6- راجع المادة (22) مرافعات عراقي.

7- المادة (604) أصول لبناني.

8- للمزيد من التفصيل راجع: أستاذنا د. عباس العبودي، شرح أحكام المرافعات، مصدر سابق، ص337. تيماء محمود فوزي، القضاء الولائي، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون/ جامعة الموصل، 1997.

9- راجع المادة (151) مرافعات عراقي.. ولا يختلف موقف المشرع المصري واللبناني كثيراً عن موقف المشرع العراقي فيما يتعلق بإجراءات القضاء الولائي.

10- راجع المادة (152) مرافعات عراقي.

11- القرار التمييزي المرقم 641،مستعجل/1992 في 20/12/1992، أشار إليه مدحت المحمود، مصدر سابق، ج1، ص203، الهامش (1).

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .