نقصد بالالزامات القانونية الايجابية ، هي الزام متولي الوقف بالقيام بتصرفات فرضها عليه نص الواقف والاحكام الشرعية والقانونية ،وهذه الالزامات هي :

أولاً- الالزام بتسديد ديون الوقف : يلزم المتولي قبل كل شيء بان يوفي ديون الوقف المستحقة، من اموال استدانها لحساب الوقف بموافقة القاضي ، والضرائب والرسوم واجور المحاماة ، ويصرف رواتب اصحاب الجهات والعاملين في إدارة الوقف ، والمصاريف الاخرى التي تتطلب إدارة الوقف ، مادام عدم توافر مخالفة في مصرف الوقف للشرع (1). لان عدم الدفع يعني تراكم الديون واضطرار اصحابها الى الحجز على واردات الوقف ، وهذا يؤدي الى الاضرار بحقوق الوقف والموقوف عليه .

ثانياً- الالزام بالدفاع عن حقوق الوقف : لابد من ان تنشأ بين الوقف بوصفه شخصية معنوية خاصة مستقلة يمثله المتولي ، والموقوف عليهم او المتجاوزين على الوقف او المستأجرين منه او الذين يتعامل معهم علاقات قانونية ، قد ينشأ عنها خصومات قانونية يتطلب من متولي الوقف المخاصمة فيها ، والالزام بالدفاع عن حقوق الوقف بنفسه او بوكيله لانه الممثل والخصم القانوني للوقف ، وعليه ان يدفع من واردات الوقف اجور الدعاوى ورسومها ومصاريفها، وكل ما تتطلبه مصلحة الوقف للحفاظ على حقوقه (2).

ثالثاً- الالزام بعمارة الوقف : من اولويات الزامات المتولي ، هي حفظ الوقف وصيانته واصلاحه وتنميته، وإستغلال مستغلاته وزيادة وارداته لبقائه واستمرار انتفاع الموقوف عليه به ، لان غير ذلك يؤدي الى خرابه ونهاية الوقف ، واتفق الفقهاء (3).على ذلك حتى وان لم يشترط الواقف ، لان غرضه استمرار ثواب عمله الخيري الذي لا يتم الا بعمارة الوقف ، وعمارة الوقف مقدمة على أي عمل من اعمال البر ، ومنها حق الموقوف عليهم واصحاب الوظائف وان شرط الواقف غير ذلك بطل شرطه (4)، وجهة الصرف على عمارة الوقف تكون حسب شرط الواقف بتخصيص مال مشروط لعمارة الوقف سواء أكان ماله الخاص ام مال الوقف ، والا تكون عمارته من غلته (5)، وان مُنع الموقوف عليهم من حقهم في الغلة ، وقد يشترط الواقف عمارة الوقف من غلته ، فان كان شرطه تقديم العمارة على غيرها من المصروفات واحتاج الوقف الى الاصلاح والتعمير ، فعلى المتولي صرف الغلة على عمارة الوقف فان بقي شيء وزعه على المستحقين ، واذا كان لا يحتاج الى الاصلاح في الحال فعليه ان يدخر من الغلة لصرفها لعمارته عند الحاجة مستقبلاً ، واما اذا لم يشترط الواقف تقديم العمارة ، فعلى المتولي صرف الغلة بكاملها على المستحقين وعدم ادخار شيء منها اذا كان الوقف لا يحتاج الى الاصلاح والتعمير في الحال (6) .واذا كان الموقوف مشروطاً للانتفاع به مباشرة كالسكن بالدار او استعمال الارض الزراعية وغيرهما ، فان الموقوف عليه بالانتفاع بهذه الاعيان يلزم باصلاحها وعمارتها من ماله الخاص وليس من مال الوقف ، واذا امتنع تؤخذ منه ويقوم المتولي بعمارتها من بدلات ايجارها ثم يعيدها اليه لتأمين دوام استمرار حق الانتفاع بها له ولغيره من الموقوف عليهم بعده (7). ولو شرط الواقف بان تكون غلة الموقوف كالعمارات التجارية والسكنية والاراضي الزراعية وغيرها على جهات البر أو النفع العام كالمساجد والحسينيات والمدارس والمستشفيات ودور العجزة والايتام وغيرها ، فيلزم المتولي بالصرف على عمارة هذه الجهات من غلة الموقوف ، فان لم توجد غلة او وجدت ولكن لا تفي بنفقات التعمير ، او ان الموقوف استحق صرفها عليه لان عمارته مقدمة على غيره ، فان الفقه اختلف في بيان مصدر الصرف عليها ، فذهب الزيدية(8). الى أن الصرف عليها يكون من غلة الأوقاف الاخرى الموقوفة على جهات البر العامة، لانه يعمل وفق ما تقتضيه مصالحها كلها وان اختلفت جهاتها، ويؤيد هذا الاتجاه بعض الفقهاء المعاصرين(9).وهذا ما جرى عليه العمل في العراق، إذ يكون الصرف على عمارتها بالاستدانة او الهبة من الموقوفات الاخرى التي لها فائض بموافقة مجلس الأوقاف الاعلى، ويرى فقهاء الحنفية(10). ان عمارة المسجد-الذي احتاج بالضرورة الى التعمير- يكون مقدماً على غيره ولو ادى ذلك الى بيع –استبدال- قسم من موقوفاته، وقد أيد هذا الاتجاه القضاء العراقي(11). لان القول بغير ذلك يعني بقاء المسجد خراباً لايذكر فيه اسم الله عز وجل والدليل قوله تعالى: ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ))(12). وذهب الشافعية(13). الى ان الصرف على المسجد من بيت المال لان المساجد لله، كالحُرّ المعْسرِ، وسوّغَ فقهاء المالكية(14). والحنابلة(15). صرف فائض غلة موقوفات مسجد الكثيرة لبناء ما إنهدم من مسجد آخر. ونعتقد ان الصرف على جهات البر أو النفع العام- كالمسجد وغيره- يكون من خزينة الدولة، لان الاصل في انشائها والنفقة عليها من واجب الدولة لتعزيز ابدية الموقوف- ان وجد- واستمرار غلته للصرف على هذه الجهات منها. وفي القانون المقارن، أوجب المشرع المصري على متولي الوقف بأن يحجز من صافي ريع مباني الوقف كل سنة (5ر2%) ليخصص لعمارتها ويودعه خزانة المحكمة، أما الاراضي الزراعية فلا يحجز هذا القدر من ريعها الا اذا احتاجت الى الاصلاح او شرط الواقف الصرف من ريعها كل سنة في عمارة مباني موقوفة ويكون ذلك بأمر القاضي ليقرر ما يرى احتجازه للصرف(16). وأوجب المشرع العراقي على المتولي مراقبة الموقوفات وصيانتها ومنع التجاوز عليها ورفعة واستثمار الموقوفات الخيرية والايلة للانهدام بتعميرها او اعمار اراضي الوقف او شراء – استبدال-املاك تسجل وقفاً ملحقاً من فضلة الواردات او من بدلات الاستملاك وبإذن من المحكمة الشرعية(17). للتثبت من وجود مصلحة للوقف في التعمير او الاستبدال وبموافقة ديوان الأوقاف ، ويستثنى من ذلك اذا كان الواقف نفسه(18). ويبدو ان المشرع العراقي، قد صب جل اهتمامه على عمارة الوقف الخيري، وطرح جانباَ الوقف الذري الذي لم يبق منه الا موقوفات قليلة جداً، بعد ان جوز تصفيته. ان مقتضى الوقف التصدق بمنفعته على وجه التأبيد، وهذه الصدقة الجارية لايمكن استمرار انتفاع الموقوف عليهم بها الا اذا استمرت عمارة وتنمية اعيان الموقوف، فدوام الوقف بدوام عمارته وتنميته والا يعني خرابه ونهايته، وبذلك يكون موضوع عمارة الوقف ونمائه باقسامه المختلفة الخيري والمشترك والذري بحاجة الى تنظيم قانوني من المشرع العراقي ومساهمة الدولة فيه بمنح اعانات او قروض له.

رابعاً- الالزام بتنفيذ شروط الواقف والاحكام الشرعية والقانونية : يلزم متولي الوقف بتنفيذ شروط الواقف مادامت لاتخالف الاحكام الشرعية والقانونية ومصلحة الموقوف والموقوف عليه، لان شرط الواقف كنص الشارع، كما لو شرط الجهة الموقوف عليها وكيفية توزيع الغلة على المستحقين او الانتفاع بالموقوف او لمن تكون التولية وغيرها. والسؤال الذي يمكن ان يثار، هو هل يحق للمتولي عدم تنفيذ شرط الواقف ومخالفته؟ ومتى؟ .الاصل لايجوز مادام معتبراً شرعاً، ولكن الفقهاء جوزوا المخالفة في بعض الحالات(19). وبشروط وهي: وجود مصلحة للوقف او الموقوف عليه وان يأذن القاضي بذلك(20). ومن هذه الحالات التي تقتضي المصلحة مخالفة شرط الواقف، كما لو شرط الواقف عدم عمارة الوقف او اصلاحه واحتاج اليها، او عدم ايجار اعيان الوقف اكثر من سنة ولايوجد من يستأجرها الا ثلاث سنوات، او شرط بان لايستبدل الوقف واقتضت الضرورة استبداله بموافقة القاضي، او شرط راتب للخطيب او الامام ثم تغيرت الاحوال والاسعار فاصبح لايتناسب مع ارتفاع الاسعار فيجب الزيادة بموافقة القاضي. وفي القانون المقارن، أبطل المشرع المصري شرط الواقف اذا قيد حرية المستحق في الزواج او الاقامة او الاستدانة، او أي شرط يفوت مصلحة الواقف او الوقف او المستحقين(21). وابطل المشرع العراقي شرط الحرمان في الوقف التشريكي وجعل المحروم يشارك من في درجته من المرتزقة المستحقين للذكر مثل حظ الانثيين(22). ولم يكتف المشرع العراقي بالزام المتولي بتنفيذ شروط الواقف وانما الاحكام الشرعية والقانونية والانظمة ايضاً، فضلاً عن الزامه بالاحتفاظ بالوثائق الرسمية وتسجيلها، ومسك سجلات املاك الوقف، وتقديم حساباته لدائرة الوقف المختصة كل سنة(23).

____________________

[1]- المادة -التاسعة- من نظام المتولين العراقي ؛ ويراجع : قرار محكمة التمييز في العراق المرقم 18/هيئة عامة مدنية/75 في 5/4/1975 ، منشور في مجلة القضاء ، العدد الرابع ، السنة الحادية والثلاثون ، 1976، ص 347.

2- يراجع : في مصر [فتوى شرعية – 5 كانون اول سنة 1921 – رقم 365 – ص 435 ، السنة الثالثة] مشار اليها في الجدول العشري الأول لمجلة المحاماة المصرية ، ص 1244.

3- ابن نجيم ، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ، جـ5، المصدر السابق ، ص 363 ؛ ابو زكريا يحيى النووي، روضة الطالبين ، جـ4 ، المصدر السابق ، ص 411 ؛ ابو بكر بن حسن الكشناوي ، اسهل المدارك شرح ارشاد السالك ، جـ1 ، المصدر السابق ، ص 84 ؛ احمد بن محمد الشويكي ، التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح ، المصدر السابق ، ص 828 ؛ عبد الاعلى السبزواري ، مهذب الاحكام في بيان الحلال والحرام ، جـ22 ، المصدر السابق ، ص 111-112.

4- محمد بن احمد بن عرفة ، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ، جـ5 ، المصدر السابق ، ص 478 ؛ شيخ نظام وجماعة من علماء الهند ، الفتاوى الهندية ، جـ2 ، ص 415 .

5- موفق الدين بن قدامة ، المغني والشرح الكبير ، جـ6 ، المصدر السابق ، ص 245 ؛ شمس الدين الشربيني ، مغني المحتاج ، جـ3 ، المصدر السابق ، ص 556.

6- زين العابدين بن ابراهيم بن نجيم، الاشباه والنظائر، تحقيق وتعليق عبد العزيز محمد الوكيل، مؤسسة الحلبي وشركاه-القاهرة، 1968، ص205.

7- هلال الرأي، احكام الأوقاف، المصدر السابق، ص23.

8- أحمد بن يحيى بن المرتضى، البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار وبهامشه جواهر الاخبار والاثار، ج5، دار الكتب العلمية-بيروت، 1422هـ-2001م، ص253.

9- د. محمد عبيد الكبيسي، احكام الوقف في الشريعة الإسلامية، ج2، المصدر السابق، ص194.

0[1]- خير الدين الرملي، الفتاوى الخيرية، ج1، ط2، المطبعة الكبرى الميرية ببولاق، مصر 1300هـ، ص129؛ علي حيدر، ترتيب الصنوف في احكام الوقوف، ج1، المصدر السابق، المادة-463-، ص195.

1[1]- الحجة الشرعية المرقمة 119 في 24/7/1955 الصادرة من محكمة شرعية الموصل، وكتابها المرقم 494 في 21/9/1955 المسير الى مديرية أوقاف الموصل، غير منشورة.

2[1]- سورة البقرة، الآية : 114.

3[1]- يحيى بن ابي الخير بن سالم بن اسعد بن عبد الله بن محمد بن موسى بن عمران العمراني، البيان في فقه الامام الشافعي، تحقيق: د. احمد حجازي احمد السقا، ج8، دار الكتب العلمية – بيروت، 1423هـ-2002م، ص88.

4[1]- احمد بن يحيى الونشريسي، المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي علماء افريقية والاندلس والمغرب، خرّجه جماعة من الفقهاء باشراف د. محمد حجي، ج7، دار الغرب الإسلامي-بيروت، 1401هـ-1981م، ص135-136.

5[1]- احمد بن محمد المنقور التميمي النجدي، الفواكه العديدة في المسائل المفيدة، ج1، منشورات المكتب الإسلامي بدمشق، 1380هـ، ص445؛ تقي الدين ابي العباس احمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني، مجموع الفتاوى، المجلد الثامن عشر، ج31، دار الكتب العلمية-بيروت، 1421هـ-2001م، ص34،90،113.

16- المادة – 54- من قانون الوقف المصري.

7[1]-المادة – (الخامسة/1،7،8)- من نظام المتولين، وبالمعنى نفسه قرار محكمة التمييز في العراق المرقم 116/استئنافية/1969 في 13/12/1969، منشور في قضاء محكمة تمييز العراق، المجلد السادس، القرارات الصادرة لسنة 1969، دار الحرية، بغداد، 1972، ص94-98.

8[1]- المادة –11- من قانون إدارة الأوقاف.

9[1]- لمزيد من التفصيل يراجع: ابن نجيم: الاشباه والنظائر، المصدر السابق، ص195.

20- يراجع في القضاء المصري (فتوى شرعية-13/ت2/1923-رقم 235-ص276-السنة الخامسة)؛ و (حكم محكمة مصر الابتدائية الشرعية –1/ك1/1924-رقم 522-ص639-السنة الخامسة)، مشار اليهما في الجدول العشري الأول لمجلة المحاماة المصرية، ص441-442.

[1]2- المادة –22- من قانون احكام الوقف المصري؛ وبالمعنى نفسه المادة-1240-من القانون المدني الاردني.

22- المادة-التاسعة/ب- من مرسوم جواز تصفية الوقف الذري رقم (1) لسنة 1955.

23- المواد (الرابعة ، الخامسة/4، الثالثة عشرة) من نظام المتولين.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .