مــعـنى الـمـراسلات :

أبرز الفقه معنيين لكلمة المراسلات: معنى لغوي، ومعنى اصطلاحي:

أولاً: المعنى اللغوي للمراسلات

إذا رجعنا إلى معاجم اللغة العربية، لوجدنا أن كلمة المراسلات عربية الأصل وجذرها رسل وتراسَلوا بمعنى أرسل بعضهم إلى بعض، والرَّسْلهِ هي التي تُراسِلُ الخُطّابَ والرَّسولُ هو المُرْسَلُ، والمُرْسَلات هي الرياح أو الملائكة أو الخيل(1). والرسول بمعنى: الرِّسالة والمرسل، ويقال أرسلت فلأناً في رسالة فهو مرسل ورسول، ويسمى الرسول رسولاً لأنه ذو رسول أي ذو رسالة والرسول: اسم من أرسلت وكذلك الرسالة.(2)وقد ورد في الكتاب الكريم إشتقاقات لفظ رسل في كثير من المواضع إذ يقول الله عز وجل: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”(3). وقوله تعالى: “هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله”(4) وقوله تعالى: “ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله”(5).

ثانياً : المعنى الاصطلاحي للمراسلات:

تباينت الاتجاهات الفقهية بشأن تحديد معنى المراسلات، وتمثلت في اتجاهين رئيسين:

الاتجاه الأول: اتجه جانب من الفقه إلى تبني معناً ضيقاً للمراسلات ، إذ قصرها على الرسائل المكتوبة دون سواها من المراسلات التي يتم التخاطب فيها بوسائل شفوية ، إذ عرّف البعض المراسلات بأنها الخطابات والطرود والبرقيات التي توجد لدى مكاتب البريد والبرق(6).أياً كانت الطريقة التي ترسل بها سواء كانت داخل مظروف مغلق أو مفتوح أو كانت عبارة عن بطاقة مكشوفة طالما أن مرسلها أراد عدم اطلاع غير المرسلة إليه عليها.(7).ويقول الفقيه (جارو) أن المكتوب هو حديث مكتوب بين شخصين تتولى نقله هيئة البريد.(8). وقد وجد هذا الاتجاه تأييد في بعض الدساتير التي نصت على المراسلات من دون الإشارة إلى الاتصالات الهاتفية ومن أمثلة ذلك دستور المملكة المغربية لعام 1972م في الفصل الحادي عشر الذي ينص على أن “لا تنتهك سرية المراسلات” وكذلك دستور تونس لعام 1959م في الفصل التاسع منه حيث نص على أن (حرمة المسكن وسرية المراسلة مضمونتان إلا في الحالات الاستثنائية التي يضبطها…). وسار في ذات الاتجاه دستور كوريا الشمالية في المادة (64) منه إذ تنص المادة المذكورة على أن ” تضمن الدولة للمواطنين حصانة الشخص والمسكن وسرية المراسلة” وينص دستور الصين لعام 1982م في المادة (40) منه على أن ” حرية مواطني جمهورية الصين الشعبية في المراسلة وسريتها يحميها القانون ولا يجوز لأي منظمة أو أي فرد الاعتداء على حرية المواطن في المراسلة وسريتها…”، وأيضاً تنص المادة (128) من الدستور السوفييتي القديم لعام 1936م على أن (حرمة منازل المواطنين وسرية المراسلات محميتان بالقانون). أما الدستور المكسيكي لعام 1917م فقد كان صريحاً في قصر معنى المراسلات على الرسائل المكتوبة، فقد نصت المادة (25) منه على أنه “لا يجوز إخضاع المراسلات المغلقة المرسلة بالبريد لأي شكل من أشكال الفحص ويعاقب القانون على انتهاك السرية في هذا الشأن”.

الاتجاه الثاني: ذهب جانب آخر من الفقه إلى تبني معناً واسعاً للمراسلات، فقد وسع من نطاق المراسلات لتشمل المراسلات المكتوبة البريدية والبرقية، والهاتفية.(9). وقد فسر البعض من الفقه المحادثات بوصفها رسائل شفوية، وأن التنصتات الهاتفية هي نوع من الاطلاع على الرسائل،هذا وتتضمن الرسالة بعض أسرار الحياة الخاصة للمرسل والمرسل إليه أو غيره، وذلك يقتضي امتناع المرسل إليه عن نشر محتويات هذه الرسالة، لأن الراسل قد خصه شخصياً بمعرفة هذه الأسرار ولم يقصد جعلها في متناول الجميع، وبالتالي يمتنع هذا الأخير عن الإعلان عما جاء بمحتويات هذه الرسالة.(10) ويضيف أصحاب هذا الرأي بأن الحماية التي أضفاها القانون الفرنسي على كل من الرسالة الكتابية والاتصال الهاتفي، قد وردت في نص واحد هو نص المادتين (41،42) من قانون البريد والهاتف، كما أن المادة (378) من قانون العقوبات الفرنسي التي تعاقب على إفشاء الأسرار الخاصة بالمهنة ، نصت على معاقبة من يفشي مضمون الرسائل الواردة بالبريد العادي أو بطريق اللاسلكي أو التليفون من دون تفرقه بينهما. ولم يسلم هذا الرأي من النقد ، لأنه يفتقر إلى الأساس السليم، إذ لا يمكن القول أن المكالمة الهاتفية تعد رسالة شأنها في ذلك شأن الخطابات المكتوبة، فإذا كانت هذه الأخيرة مستنداً مثبتاً للتهمة أمام القضاء كما ذهب أنصار هذا الرأي، فهو مستند له كيانه ووجوده يقدم ضمانات افضل للمتهم أما المكالمات الهاتفية فلا تمتع بهذه الصفة المادية، بل هي أقوال شفوية لا تتمتع بمثل تلك الضمانات التي تتمتع بها الرسائل المكتوبة، فضلاً عن أن النص على حماية المكالمات الهاتفية والرسائل البريدية في مادة واحدة لا يعني أن طبيعتها واحدة وأن اتفقتا في نوع الحماية المقررة لكل منهما(11). وذهب اتجاه في الفقه إلى اعتبار الرسائل أياً كان نوعها ترجمة مادية لأفكار شخصية، أو آراء خاصة لا يجوز لغير مصدرها ومن توجه إليه الإطلاع عليها، وإلا كان في ذلك انتهاك لحرمة المراسلات، وبالتالي انتهاك للحياة الخاصة، لذا فإن حرمة المراسلات تعتبر من العناصر الهامة في الحياة الخاصة، لأن الرسالة قد تكون مستودعاً للسر ولخصوصية الإنسان.(12) وينصرف القصد بالمراسلات إلى كافة الرسائل المكتوبة، سواء تم إرسالها بطريق البريد أو بواسطة رسول خاص، وإلى التلكسات والفاكس والرسائل المرسلة بواسطة أجهزة الحاسوب والبرقيات، ويستوي أن تكون ببطاقة مكشوفة، طالما أن الواضح من قصد المرسل أنه لم يقصد إطلاع الغير عليها بدون تمييز.(13). كما تبنت بعض الدساتير المفهوم الواسع للمراسلات إذ لم تقصرها على المراسلات الكتابية والبرقية فقط بل شملت أيضا المراسلات الشفوية مثل الاتصالات الهاتفية والرسائل الأخرى التي يتم إرسالها بواسطة الوسائل التقنية الحديثة. فقد عددت بعض الدساتير العربية أنواع المراسلات في معرض نصها على الحق في حمايتها وقد أوردت الاتصالات الهاتفية من ضمن هذه الأنواع . فالدستور العراقي لعام 1970م وفي المادة (23) منه حدد أنواع المراسلات المكفولة سريتها بأنها المراسلات البريدية والبرقية والهاتفية إذ تنص المادة المذكورة على (أن سرية المراسلات البريدية والبرقية والهاتفية مكفولة…). كما نص مشروع دستور العراق الدائم لعام 1990م في المادة (48) منه على أن “سرية المراسلات البريدية والبرقية والهاتفية مكفولة…” ونجد ذات الاتجاه في الدستور الأردني لعام 1952م إذ أشار في المادة (18) منه إلى صور المراسلات ، إذ نصت على أنه (تعتبر جميع المراسلات البريدية والبرقية والمخاطبات الهاتفية سرية…). كما أورد الدستور المصري لعام 1971م في الفقرة الثانية من المادة (45) منه المحادثات الهاتفية من ضمن أنواع المراسلات المكفولة سريتها حيث نصت على أن ( للمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التلفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة وسريتها مكفولة…). وذهب عدد من الدساتير العربية الأخرى(14).في ذات الاتجاه إذ اعتبرت الاتصالات الهاتفية نوع من أنواع المراسلات وكفلت حمايتها . أما الدساتير الأجنبية فقد أخذ بعضها بالمعنى الواسع للمراسلات أيضاً إذ شملت الاتصالات الهاتفية إلى جانب المراسلات الكتابية المرسلة بواسطة البريد والبرق إلي معنى المراسلات. حيث نجد أن الدستور الإسباني لعام 1978م قد نص في الفقرة 3 من المادة (18) على أن ( سرية الاتصالات وبخاصة الاتصالات البريدية والتلغرافية والتلفونية مكفولة،…). وكذلك نص دستور ألمانيا الاتحادية لعام 1949م في المادة (10) على أن (سرية المراسلة والبريد والاتصالات التلفونية مصونة ولا يجوز أن تفرض عليها قيود إلا بمقتضى القانون…). وضمن دستور رومانيا لعام 1991م في المادة (28) (سرية المراسلات الكتابية والبرقية وأي وسيلة اتصالات بريدية وهاتفية…). فيما قررت المادة (57) من الدستور الألباني لعام 1976م على حماية سرية المراسلات سواء كانت كتابية أو بأي وسيلة اتصال أخرى، مما يفهم منها أنها شملت الاتصالات الهاتفية بذلك. أما في الولايات المتحدة الأمريكية فبالرغم من أن الدستور الأمريكي الصادر في عام 1787م لم يشر إلى مساواة المكالمات الهاتفية بالمراسلات إلا أن التشريع العادي أورد ذلك حيث نص قانون الاتصالات الاتحادي لعام 1934م وفي القسم (605) منه على عدم جواز أن يستولي أي شخص غير مأذون من قبل المرسل على أي مراسلة سواء كانت كتابية أو هاتفية، كما نصت قوانين ولايات فلوريدا وكاليفورنيا وغيرها من الولايات على ذلك(15).أما في فرنسا فقد ساوى القضاء الفرنسي في بعض أحكامه بين المكالمات الهاتفية والرسائل الكتابية، فقد قضت محكمة استئناف بواتيه في حكم لها في يناير سنة 1960م (بأن الاتصال التلفوني لا يعدو أن يكون نوعاً من الرسائل ولما كانت مراقبة الرسائل مشروعة بدورها متى اقتضت مصلحة التحقيق وكان ذلك بناءً على إذن من قاضي التحقيق، ولم ينطو التصرف على افتئات على حق الدفاع، على أن يطرح المستند الذي يتضمن إثبات نتائج المراقبة التلفونية للمناقشة في الجلسة…).كما قررت محكمة جنح السين في 30 أكتوبر سنة 1964م في حكم لها عدة ضمانات لجواز مراقبة الاتصالات الهاتفية وهي نفس الضمانات المقررة لجواز ضبط ومراقبة الرسائل الكتابية ومنها أن يكون في هذه المراقبة فائدة في ظهور الحقيقة ووجود إذن من قاضي التحقيق بالمراقبة.(16).

________________________

[1]- محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، القاموس المحيط، تحقيق محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الخامسة، 1406هـ، مادة رسل.

2- محمد بن مكرم بن منظور، لسان العرب، المجلد الخامس، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى، مادة رسل؛ محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، مختار الصحاح، تحقيق محمود خاطر، مكتبة لبنان ثاشرون، بيروت، الطبعة الأولى، 1415هـ – 1995م، مادة رسل.

3- الآية 107 من سورة الأنبياء.

4- الآية 33 من سورة التوبة.

5- الآية 23 من سورة المؤمنون.

6- المحامي شريف بدوي، أسباب بطلان الضبط والتفتيش، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة، 1989م، ص260.

7- د. أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة السابعة، 1993م ص578.

8- د. أدوار غالي الذهبي، التعدي على سرية المراسلات، المجلة الجنائية القومية، المجلد التاسع، العدد الثاني، يوليو، 1966م، ص278.

9- د. عبد الغني بسيوني، النظم السياسية والقانون الدستوري، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1997م، ص276؛ د. عبد الأمير العكيلي، أصول الإجراءات الجنائية في قانون أصول المحاكمات الجزائية، الجزء = الأول مطبعة المعارف بغداد، الطبعة الأولى، 1975م، ص350؛ جعفر صادق مهدي، ضمانات حقوق الإنسان “دراسة دستورية”، رسالة ماجستير، كلية القانون، جامعة بغداد، 1990م، ص22.

10- د. محمود محمود مصطفى، الإثبات في المواد الجنائية، الجزء الأول والثاني مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي، الطبعة الأولى، 1987م، ص90.

1[1]- حسن علي السمني ، شرعية الأدلة المستمدة من الوسائل العلمية ، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1983م، ص411.

2[1] – د. ممدوح خليل بحر، حماية الحياة الخاصة في القانون الجنائي، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1983م، ص248.

3[1]- د. أحمد فتحي سرور، الحق في الحياة الخاصة في القانون الجنائي، مجلة القانون والاقتصاد، العدد الرابع، 1984م، ص45.

14- أنظر المادة (13) من الدستور السوري لعام 1973م والمادة (31) من دستور الإمارات العربية المتحدة المؤقت لعام 1971م . والمادة (20) من دستور ليبيا لعام 1951م والمادة (39) من دستور الجزائر لعام 1996م والفقرة الأولى من الفصل الأول من الباب الثاني لدستور السودان لعام 1998م.

15 د. مبدر الويس، أثر التطور التكنولوجي على الحريات العامة، منشأة المعارف، الإسكندرية 1983، ص293.

16- د. ممدوح خليل بحر، حماية الحياة الخاصة في القانون الجنائي، مرجع سابق، ص582،583.

تجريم الاعتداء على الحق في سرية المراسلات :

إذا كانت أغلب الدساتير المعاصرة قد ركزت اهتمامها على الاعتراف للفرد بحقه في سرية المراسلات، فإن بعض الوثائق الدستورية ، تميزت بتسجيلها مبدأً يقرر إحاطة المراسلات بالحماية الجنائية . وقد تجلى هذا الاتجاه في الدستور المصري لعام 1971م ، حيث قرر في المادة 57 منه، تجريم كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق التي يكفلها الدستور(1). كما قضى مشروع دستور العراق الدائم لعام 1990م في المادة 42/2 بتجريم كل اعتداء من موظف عام أو مكلف بخدمة عامة على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحريات التي يكفلها الدستور أو القانون. هذا وقد أولت غالبية القوانين اهتمامها بالحماية الجنائية للمراسلات .وسنعرض للأحكام القانونية على النحو الأتي:

القانون المصري -القانون العراقي-القانون الأردني- القانون البناني- القانون اليمني- القانون الفرنسي- القانون الأمريكي- القانون الإنجليزي- القانون السويدي

القانون المصري :-

لم يكتف الدستور المصري الصادر عام 1971م بالنص على الحق في سرية المراسلات والضمانات التي تؤكده وتحميه بل أنه جعل من انتهاك هذا الحق جريمة حيث نص في المادة (57) منه على تجريم الاعتداء على الحرية الشخصية وحرمة الحياة الخاصة للمواطنين … (2).والحق في سرية المراسلات هو أحد عناصر الحق في الحياة الخاصة، والملاحظ على هذا النص الدستوري أنه قد قرر مبدأ التجريم فقط تاركاً لقانون العقوبات تحديد العقوبة تبعاً لدرجة خطورة الاعتداء على هذا الحق. وجاء هذا النص عاماً ليشمل تجريم الاعتداء سواء وقع من السلطات العامة أو من الأفراد(3). وهذا ما أكدته المادة (154) من قانون العقوبات المصري، إذ عاقبت على فتح الخطابات بطريقة غير شرعية من قبل موظفي الحكومة أو البوسته أو أحد مأموريها، نصت على (أنه إذا فتح أحد موظفي الحكومة أو البوسته أو أحد مأموريها مكتوباً من المكاتيب المسلمة للبوسته أو سهل ذلك لغيره ، يعاقب بالحبس أو بغرامه لا تزيد عن عشرين جنيها مصرياً وبالعزل في الحالتين)(4).والواضح من نص هذه المادة أن تطبيقها لا يقتصر على موظفي هيئة المواصلات السلكية و اللاسلكية وإنما على جميع الموظفين العموميين، كما اشترطت أن تكون الخطابات مسلمة للبوسته والبرقيات الى مصلحة التلغراف، أي أن الخطابات والبرقيات لا تحظى بالحماية إلا حينما تكون مسلمة الى الجهة المختصة بإرسالها. أما قبل تسليم الخطاب الى هيئة البريد أو وضعه في صندوق الخطابات فلا يعاقب الموظف إذا فتحه أو أخفاه(5).كما عاقب قانون العقوبات المصري في المادتين 309 مكرر، 309 مكرر (أ) منه على انتهاك ومراقبة المراسلات الشفوية (المكالمات الهاتفية)(6). ويشترط أن يتم ذلك من خلال جهاز من الأجهزة ويعني ذلك أي جهاز مما أنتجه التقدم العلمي الحديث (7). ويكفي أن يكون الجهاز قد استخدم لمجرد التنصت ولو لم يقترن بالتسجيل ولا أهمية لنوع الجهاز، وبناء عليها لا عقاب على مجرد التصنت بالآذن(8).

القانون العراقي

يحمي قانون العقوبات العراقي رقم 11 لعام 1969م المعدل بالقانون رقم 29 لسنة 1982م حرمة المراسلات بما يفرضه في المواد 328 و438 منه من عقاب على كل من ينتهك سرية المراسلات، إذ تنص المادة 328 على أن (يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس كل موظف أو مستخدم في دوائر البريد والبرق والتلفون وكل موظف أو مكلف بخدمة عامة فتح أو اتلف أو أخفى رسالة أو برقية أودعت أو سلمت للدوائر المذكورة أو سهل لغيره ذلك أو أفشى سراً تضمنته الرسالة أو البرقية، ويعاقب بالعقوبة ذاتها من أفشى ممن ذكر مكالمة تلفونية أو سهل لغيره ذلك) وكذلك ما نصت عليه المادة 438 في الفقرة الثانية حيث نصت على أن (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد مائة دينار(9).أو بإحدى هاتين العقوبتين، لمن أطلع من غير الذين ذكروا في المادة 328 على رسالة أو برقية أو مكالمة هاتفية فأفشاها لغير من وجهت إليه إذا كان من شأن ذلك إلحاق الضرر بأحد)(10).والملاحظ على هذه النصوص أن المشرع العراقي قد ساوى بين عقوبة التعدي على سرية المرسلات الكتابية والهاتفية ونحن نتفق مع مسلك المشرع العراقي في هذا الشأن وذلك كون جريمة التعدي على سرية المكالمات الهاتفية لا تقل خطورة عن جريمة التعدي على سرية المراسلات الكتابية.

القانون الأردني

جرم المشرع الأردني الاعتداء على سرية المراسلات، فقد جاء في المادة الخامسة من نظام البريد والطرود البريدية رقم 2 لسنة 1955م (أن أسرار الخطابات وبطاقات البريد المسلمة للمصلحة مصونة وممنوع إفشاءها وكل من كان بحكم وظيفته أو مهنته من موظفي مصلحة البريد على علم بسر وأفشاه بدون سبب مشروع عوقب بموجب قانون العقوبات)، كما نصت المادة السادسة من نفس النظام السابق على أن( كل موظف من موظفي مصلحة البريد أخفى أو فتح رسالة من المراسلات المسلمة للبريد أو سهل ذلك لغيره يعاقب بموجب قانون العقوبات)، وقانون العقوبات الأردني يعاقب وفقاً لنص المادة 356 وما بعدها منه بالحبس من شهر إلى سنة كل شخص ملحق بمصلحة البرق والبريد يسيء استعمال وظيفته هذه بأن يطلع على رسالة مظروفه أو يتلف أو يختلس إحدى الرسائل أو يفضي بمضمونها إلى غير المرسل إليه، ويعاقب بالحبس مدة ستة أشهر أو بالغرامة حتى عشرين ديناراً من كان ملحقاً بمصلحة الهاتف وأفشى مخابرة هاتفية أطلع عليها بحكم وظيفته أو عمله، وكل شخص يتلف أو يفض قصداً رسالة أو برقية غير مرسلة إليه يعاقب بغرامة تتجاوز الخمسة دنانير(11). وجاء قانون الاتصالات الأردني رقم (13) لسنة 1995م ليؤكد على حرمة المكالمات الهاتفية والاتصالات الخاصة حيث نص في المادة (56) منه (تعتبر المكالمات الهاتفية والاتصالات الخاصة من الأمور السرية التي لا يجوز انتهاك حرمتها تحت طائلة المسؤولية القانونية …). ورغم أن قانون الاتصالات الأردني قد أعطى هيئة تنظيم قطاع الاتصالات الحق بتعقب مصدر أي إرسال بالموجات الراديوية للتحقق من ترخيص ذلك المصدر دون أن يعتبر ذلك خرقاً لسرية الرسائل أو مخالفة لأحكام القوانين النافذة مدفوعاً باعتبارات الحفاظ على الأمن الوطني(12). ولكنه جرم في ذات الوقت نشر أو إشاعة مضمون الرسائل التي يتم التقاطها في معرض تتبع مصدر الرسائل(13). كما جرم نشر أو إشاعة مضمون أي اتصال بواسطة شبكة اتصالات عامة أو رسالة هاتفية أطلع عليها بحكم الوظيفة أو تم تسجيلها دون سند قانوني)(14).

القانون اللبناني

تقررت حماية حرمة المراسلات في قانون العقوبات اللبناني بمقتضى المادتين 580 و 581 منه، إذ جرّمت الاطلاع عن قصد على مضمون رسالة أو برقية أو فضّ غلافها أو أتلافها قصداً، وإذاعة مضمونها على الآخرين بأي شكل كان ، ويطبق نفس الحظر على من تنصت خلسة إلى مكالمات الغير الهاتفية. وتضاعف العقوبة إذا كان الشخص المذنب موظفاً في إدارات البريد و البرق والهاتف، فالقوانين اللبنانية تفرض نصوص صريحة لحماية الحق في سرية المراسلات وتفرض عقوبات قاسية على من ينتهكها(15).

القانون اليمنـي

أعتبر المشرع اليمني انتهاك مبدأ حرية المواصلات وسريتها، بما في ذلك المراسلات البريدية والاتصالات الهاتفية وكافة أنواع الاتصالات الحديثة، مخالفة قانونية يعاقب عليها القانون، حيث عاقب قانون الجرائم والعقوبات اليمني في المادة (255) منه بعقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة من فتح بغير حق خطاباً مرسلاً إلى الغير أو أحتجز رسالة برقية أو هاتفية، وعاقب بنفس العقوبة من أختلس أو أتلف إحدى هذه المراسلات أو أفضى بمحتوياتها إلى الغير ولو كانت الرسالة قد أرسلت مفتوحة أو فتحت خطأ أو مصادفة، وإذا كان مرتكب الجريمة موظفاً عاماً إخلالاً بواجبات وظيفته تكون عقوبته الحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بالغرامة. وكذلك عاقب القانون المذكور في المادة 256 منه من أسترق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه أو عن طريق الهاتف بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة إذا كان مرتكب الجريمة موظفاً إخلالاً بواجبات وظيفته. والملاحظ على المشرع اليمني ومن خلال النصوص السابقة أنه شدد على حرمة المراسلات والاتصالات وعاقب من ينتهك هذا الحق بوضوح وشدد العقوبة إذا كان المجرم موظفاً عاماً.

القانون الفرنسي

أقــر قانون العقوبات الفرنسي حماية الحق في سرية المراسلات، إذ تقرر المادة 187 منه عقوبة الحبس من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات والغرامة من 500 فرنك إلى 3000 فرنك لكل موظف في الحكومة أو في مصلحة البريد يستولي أو يفتح عن قصد خطاباً عهد به إلى مصلحة البريد أو سهل للغير فعل ذلك، ويعاقب بنفس الغرامة وبالحبس من ستة أيام إلى سنة كل من أخفى أو فتح عن سوء قصد رسالة مرسلة إلى شخص ثالث. كما تقرر ذات المادة السابقة نفس العقوبات السابقة على من يقوم عن قصد بحجز الرسائل أو إخفائها ولو كان ذلك بصفة وقتيه(16). كما أن الحماية الجنائية للحق في سرية المراسلات في فرنسا امتدت لتشمل المكالمات الهاتفية، إذ أن كل موظف بمصلحة الهاتف والتلغرافات والبريد خاضع للمحافظة على سرية المراسلات والمكالمات، ويحلف اليمين بمراعاة مبدأ عدم انتهاك الرسائل والتلغرافات والتلفونات. وتبعاً لذلك، فان موظفي مصلحة الهاتف والتلغراف والبريد الذين يفشون محتويات مكالمة تلفونية أو برقية، يقعون تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في المادة 378 من قانون العقوبات الفرنسي لارتكابهم جريمة إفشاء سر المهنة. إضافة إلى أن المادة (177) من مجموعة قوانين البريد والهاتف والبرق ساوت بين جريمة إفشاء المكالمات الهاتفية وجريمة الاعتداء على سرية المراسلات الكتابية المنصوص عليه في المادة 187 عقوبات فرنسي السالفة الذكر، حيث نصت المادة 177 على أن (تسري أحكام المادة 187 من قانون العقوبات على إفشاء المكالمات الهاتفية)(17).

القانون الأمريكي

وجدت سرية المراسلات في الولايات المتحدة الأمريكية حمايةً جنائيةً، إذ يعد فتح الخطابات بغير إذن جريمة اتحادية معاقب عليها بالسجن والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين. ويعتبر أيضاً الفرد مرتكباً لجريمة إذا التقط رسالة من مكتب البريد أو من ساعي البريد بقصد الاطلاع عليها(18).ويعاقب القانون الاتحادي وقوانين الولايات على الاستيلاء على الخطابات أو حجزها أو تأخيرها(19). وكذلك يعاقب قانون الاتصالات الاتحادي لعام 1970م على التقاط أي رسالة تلفونية ما لم يكن ذلك بترخيص قضائي، ويعتبر إفشاء أو نشر بيانات تم الحصول عليها بالتقاط المكالمات الهاتفية جريمة اتحادية تستوجب العقاب. وقد سنت عدد من الولايات قوانين تحرم التقاط المكالمات الهاتفية واعتبارها جناية، مثل تشريع ولاية كاليفورنيا الصادر عام 1905م.

القانون الإنجليزي

يحظـر القانون الإنجليزي على موظف البريد بموجب القسم 58 (أ) من قانون مصلحة البريد الصادر سنة 1953م فتح أو حجز أو تأخير أي رسالة بريدية، وأعتبر ذلك جريمة يعاقب عليها القانون إلا إذا ثبت أن الموظف قد قام بفتح أو حجز أو تأخير الرسالة تنفيذاً لأمر رسمي مكتوب صادر من وزير الدولة. كما أعتبر قانون مصلحة البريد أي شخص أغرى عامل البريد في حرمان المرسل إليه من الرسالة الموجه إليه مرتكباً لجريمة السرقة أو شريكاً فيها(20).

القانون السويدي

يكفل قانون العقوبات السويدي لعام 1965م للمراسلات حماية فعالة حيث يعتبر كل من يقتحم بغير حق مضمون أي مراسلة بريدية مرتكباً لجريمة انتهاك سرية المراسلات البريدية ووسائل الاتصال العامة ويعتبر حجز أو تفتيش أي رسالة أو برقية أو أي اتصال مقدم من هيئة عامة بطريقة غير مشروعة خروجاً على السرية يستوجب العقاب وكذلك أعتبر ما يسري على الخطابات والبرقيات من أحكام يسري على المكالمات الهاتفية باعتبارها مراسلات شفوية(21).

___________________________

1-للتفصيل أنظر: د. أحمد فتحي سرور، الضمانات الدستورية للحرية الشخصية في الخصومة الجنائية ، مرجع سابق، ص160

2- د. أحمد فتحي سرور، القانون الجنائي الدستوري، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى، 2001م، ص19،20.

3- د. سمير الجنزوري، بحث بعنوان ((الضمانات الإجرائية في الدستور الجديد))، منشور في المجلة الجنائية القومية / الجزء 15، السنة 1972م، ص23.

4- لمزيد من التفصيل : راجع د. محمد زكي أبو عامر ، الحماية الجنائية للحريات الشخصية ، موسوعة الفقه والقضاء ، الجزء 27 ، القسم 3 ، الدار العربية للموسوعات ، بيروت ،ص11

5- د. مبدر الويس، اثر التطور التكنولوجي على الحريات العامة، مرجع سابق/ ص269.

6- تنص المادة (309) مكرر من قانون العقوبات المصري على ” يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن وذلك بأن ارتكب احد الأفعال التالية في غير الاحوال المصرح بها قانونا أو بغير رضى المجني عليه”.

7- استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أيا كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التلفون.

كما تنص المادة 309 مكرر (أ) من نفس القانون “يعاقب بالحبس كل من أذاع أو سهل إذاعة أو استعمل ولو في غير علانية تسجيلاً أو مستنداً محصلا بإحدى الطرق المبينة في المادة السابقة أو كان بغير رضا صاحب الشأن”.

8- يوسف احمد حلمي، الحماية الجنائية لحق الإنسان في حياته الخاصة، رسالة دكتوراه، جامعة المنصورة، ص261.

9- د.احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات ، القسم الخاص ، دار النهضة العربية، القاهرة ، 1985م، ص761.

10- عدل مقدار الغرامة بموجب قرار مجلس قيادة الثورة رقم لسنة حيث أصبحت لا تقل عن عشرة لاف دينار ولا تزيد عن خمسين ألف دينار في المخالفات ولا تقل عن واحد وخمسين ألف دينار ولا تزيد عن ربع مليون دينار في الجنح .

11- د. حسين جميل ، حقوق الإنسان والضمانات الجنائي ، دار النشر للجامعات المصرية ، 1972م، ص103؛ د. فخري عبد الرزاق الحديثي ، شرح قانون العقوبات الخاص، مطبعة الزمان، بغداد،1996م ،ص276

12- د. محمد سليم الغزوي، الوجيز في التنظيم السياسي والدستوري للمملكة الأردنية الهاشمية، مرجع سابق، ص76.

13- المادة 65/أ من قانون الاتصالات الأردني .

14- المادة 65/ب من قانون الاتصالات الأردني .

15-المادة 71 من قانون الاتصالات الأردني .

16- عبد الله لحود وجوزيف مغيزل، حقوق الإنسان الشخصية والسياسية، منشورات عويدات،
بيروت – باريس، بدون سنة طبع، ص45؛ د. ميشال الغريب، الحريات العامة في لبنان والعالم، مرجع سابق، ص193.

17-الاعتداء على الحرية الشخصية للفرد وحقه في خصوصياته وأسراره، ترجمة المستشار ياقوت العشماوي والمستشار عبد الخالق شهيب، المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية، العدد 11، السنة 3، أبريل- نيسان، 1973، ص88.

18- د. مبدر الويس ، أثر التطور التكنولوجي على الحريات العامة ، مرجع سابق ، ص271 .

19- الاعتداء على الحرية الشخصية للفرد وحقه في خصوصياته وأسراره، مرجع سابق، ص89.

20- الاعتداء على الحرية الشخصية للفرد وحقه في خصوصياته وأسراره، مرجع سابق، ص90.

21- أنظر المادة 8 من الفصل الرابع من قانون العقوبات السويدي لعام 1965م .

المؤلف : محمد قاسم الناصر
الكتاب أو المصدر : الحق في سرية المرسلات في بعض النظم الدستورية

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .