عناصر الاستغلال

205 – العنصران الموضوعي والنفسي :

للاستغلال عنصران ، أحدهما موضوعي وهو اختلال التعادل اختلالا فادحاً ، والآخر نفسي وهو استغلال ضعف في نفس المتعاقد .

206 – العنصر الموضوعي :

أوردت المادة 129 العنصر الموضوعي للاستغلال في العبارة الآتية : ” إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين لا تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد الآخر ” . وهذا هو اختلال التعادل اختلال فادحاً كما قدمنا .

ففي عقد البيع ، لا يشترط التعادل بين التزامات البائع والتزامات المشتري ، فقد يغبن أحد المتعاقدين ولا يمنع الغبن من صحة البيع . ولكن إذا اختل التعادل اختلالا فادحاً بين قيمة المبيع الذي التزم به البائع والثمن الذي التزم به المشتري ، فإن العنصر الموضوعي للاستغلال يتحقق .

وفي الوعد بالبيع ، إذا كان الواعد قد التزم مثلا ببيع منزل كبير القيمة لقاء ثمن زهيد ، بحيث يكون التعادل بين التزام الواعد ببيع المنزل وما حصل عليه من فائدة بوعده هذا وهو الثمن الزهيد قد اختل اختلالا فادحاً ، فإن العنصر الموضوعي للاستغلال هنا أيضاً يتحقق .

وفي الحالة الأولى يكون الاختلال الفادح واقعاً بين التزامات أحد المتعاقدين والتزامات المتعاقد الآخر . وفي الحالة الثانية يقع الاختلال الفادح بين التزامات المتعاقد وما حصل عليه من فائدة بموجب العقد .

والعبرة في تقدير قيمة الشيء بقيمته الشخصية بالنسبة إلى المتعاقد ، لا بقيمته المادية في ذاته . فقد تكون القيمة المادية لمنزل أربعة آلاف ، فيرغب شخص في شرائه بخمسة آلاف لأن قيمة المنزل بالنسبة إليه تبلغ هذا الثمن . فالعبرة هنا بالقيمة الثانية دون الأولى . ولو اشتراه الراغب فيه بخمسة آلاف أو بمبلغ اكبر بحيث لا يكون الاختلال فادحاً بين ما دفعه وما اعتبر قيمة شخصية للمنزل ، فإن العنصر الموضوعي للاستغلال لا يتحقق ، أما إذا دفع ثمناً عالياً يزيد كثيراً على هذه القيمة الشخصية ، كأن دفع ثمانية آلاف مثلا ، جاز القول بأن الاختلال في التعادل اختلال فادح .

فالفداحة في اختلال التعادل معيارها مادي كما نرى . ولكن هذا المعيار ليس رقما ثابتاً ، بل هو معيار متغير تبعاً للظروف في كل حالة . فقد تتحقق الفداحة بثمانية آلاف في المثل المتقدم ، وقد تتحقق بمبلغ أقل ، وقد لا تتحقق إلا بمبلغ اكبر . والقاضي هو الذي يقد بأي مبلغ تتحقق . وينظر في ذلك إلى ظروف كل من المشتري والبائع وإلى جميع الملابسات الأخرى . فالمسالة هنا مسألة واقع لا مسألة قانون ، ومحكمة النقض لا رقابة لها في ذلك إلا من حيث قصور التسبيب ، فإذا بينت محكمة الموضوع الظروف التي جعلتها تقدر أن الاختلال في التعادل فادح م وكان بيانها في ذلك كافياً ، فلا تعقيب لمحكمة النقض . وعبء الإثبات يقع على عاتق المتعاقد المغبون ، فهو الذي عليه أن يثبت الفداحة في اختلال التعادل .

وأكثر ما يكون الاختلال فادحاً في عقود المعاوضة المحددة ( contrats commutatifs ) ففيها يأخذ المتعاقد ويعطي ، وهو يعرف على وجه محدد مقدار ما أخذ ومقدار ما أعطى ، سواء في ذلك أخذ لنفسه أو أخذ لغيره كما في الاشتراط لمصلحة الغير . ولكن قد يقع ذلك أيضاً في العقود الاحتمالية ( [1] ) ، وهي عقود تنطوي على احتمال المكسب والخسارة كما هو معروف . إذ ينبغي أن يكون هناك نوع من التعادل معقول بين احتمال المكسب وقيمته من جهة واحتال الخسارة وقيمتها من هة أخرى . فإذا كان احتمال الخسارة في جانب أحد المتعاقدين ارجح بكثير من احتمال المكسب ، وكان مقدار الخسارة في الوقت ذاته لا يقل كثيراً عن مقدار المكسب ، كان الاختلال في التعادل فادحاً . فلو أن شخصاً امن منزله من الحريق ، وكان المنزل بعيداً كل البعد عن التعرض لخطر الحريق ولم يؤمنه صاحبه إلا تلبية لطلب دائن ارتهن المنزل ، واشترطت شركة التأمين أن يدفع المؤمن له اقساطاً سنوياً عالية ، احتمال خسارتها أرجح بكثير من احتمال احتراق المنزل فتقاضى تعويض عنه هو مبلغ التأمين ، ولم يكن هناك فرق كبير بين مقدار القسط السنوي وبين مبلغ التأمين ذاته ، ففي مثل هذا العقد الاحتمالي وهو عقد التأمين قد يتحقق أن يكون الاختلال في التعادل ما بين التزامات المؤمن له والتزامات شركة التأمين اختلالا فادحاً .

ولا يمكن القول في عقود التبرع إن هناك اختلالا فادحاً في التعادل ، لأن المتبرع يعطي ولا يأخذ . ولكن الاستغلال بالرغم من ذلك يقع في التبرعات كما يقع في المعاوضات . بل هو اشد وطأة في الأولى منه في الثانية . وإذا جاز أن يتحقق الاستغلال فيما يختل فيه التعادل ، فإن الاستغلال يكون أكثر تحققاً فيما لا تعادل فيه أصلاً . والفقرة الثالثة من المادة 129 من القانون الجديد ، وهي تجيز في عقود المعاوضة توقى دعوى الإبطال بتكملة البدل ، تفيد ضمناً أن الاستغلال قد يقع في غير عقود المعاوضة أي في عقود التبرع ( [2] ) . أما كيف يقع الاستغلال في التبرعات فإن ذلك سهل التصور ، بل هو كثير الوقوع فعلا . فقد يتبرع شخص بجميع ماله – ويغلب أن يتم ذلك عن طريق هبة في صورة بيع – لزوجته الثانية وأولاده منها ، مضيعاً بذلك على زوجته الأولى وأولاده منها ميراثهم الشرعي ، ويكون هذا التبرع قد صدر نتيجة لاستغلال زوجته الأولى ضعفه أو هواه . وهنا لا يقال أن التعادل مختل اختلالا فادحاً . بل يقال إنه غير موجود أصلاً ، فالمتبرع أعطى دون مقابل ، وهو لم يرض بهذا التبرع إلا نتيجة استغلال لطيشه البين أو لهواه الجامح .

بل قد يجاوز الاستغلال العقود إلى التصرفات القانونية الصادرة من جانب واحد ، كما إذا أوصى شخص بجميع ما يملك الايصاء به لشخص استغل فيه طيشاً بينا أو هوى جامحاً ، فالوصية هنا يعيبها الاستغلال ، وهي ليست عقداً بل عملا قانونياً صادراً من جانب واحد .

207 – العنصر النفسي :

أما العنصر النفسي للاستغلال فقد اوردته المادة 129 في العبارة الآتية : ” وتبين أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا لأن المتعاقد الآخر قد استغل فيه طيشاً بيناً أو هوى جامحاً ” . وكان المشروع التمهيدي لهذا النص يجري على الوجه الآتي : ” بحيث يكون مفروضاً تبعاً للظروف أن الطرف المغبون قدا ستغلت حاجته أو طيشه أو عدم خبرته أو ضعف إدراكه ، أو بحيث يتبين بوجه عام أن رضاءه لم يصدر عن اختيار كاف ” . ثم أصبح نص المشروع النهائي كما يأتي : ” وتبين أن المتعاقد المغبون قد استغل طيشه أو حاجته أو عدم خبرته أو ضعف إدراكه ، أو تبين بوجه عام أن رضاءه لم يصدر عن اختيار كاف ” . ويلاحظ أن المشروعين التمهيدي والنهائي قد توسعا فيما يصح أن يستغل في المتعاقد المغبون : الحاجة والطيش وعدم الخبرة وضعف الإدراك . بل ذهبا إلى مدى أبعد ، فصرحا بان العبرة في كل هذا إلا يكون رضاء المتعاقد المغبون قد صدر عن اختيار كاف . والمشروعان فيما توسعا فيه يتفقان مع التقنينات الأجنبية الحديثة التي تضمنت نصوصاً عامة في الاستغلال ، وقد سبقت الإشارة إليها ، ورأيناها تستعمل الألفاظ ذاتها . ولكن عندما عرض المشروع النهائي على لجنة مجلس الشيوخ اثرت اللجة إلا تتوسع في الاستغلال توسع التقنينات الأجنبية ، وأن تقتصر فيما يصح أن يستغل على الطيش والهوى ، مع اشتراط أن يكون الطيش بيناً والهوى جامحاً ، إمعاناً في تضييق الدائرة التي يطبق الاستغلال فيها ، خشية من التحكم ، ورغبة في انضباط التعامل واستقراره ( [3] ) .

فالعنصر النفسي في الاستغلال ينحصر إذن في أن أحد المتعاقدين يستغل في المتعاقد الآخر طيشاً بيتاً أو هوى جامحاً . وفي القضاء المصري أمثلة بارزة على ذلك . فكثيراً ما يعمد رجل طاعن في السن إلى الزواج من امرأة لا تزال في مقتبل عمرها ، وليس من النادر أن تعمد الزوجة إلى استغلال ما تلقاها عند زوجها من هوى ، فتستكتبه من العقود لنفسها ولأولادها ما تشاء ، وقد أسلفنا الإشارة إلى ذلك . وقد تتزوج امرأة غنية من زوج شاب عن ميل وهوى ، فيعمد الزوج إلى استغلال الزوجة وابتزاز مالها عن طريق عقود يمليها عليها . وقد تشتري امرأة حريتها من زوج قديم تؤثر عليه زوجاً جديداً ، فيطلقها الزوج القديم لقاء مبلغ طائل من المال . وقد يلقى الطيش والنزق بشاب ورث مالا كثيراً في أيدي المرابين والمستغلين ، فيستكتبونه من العقود ما يجرده من الكثير من إله ، وهم يستغلون في ذلك نزقه الشديد وطيشه البين . كل هذه أمثلة ننتزعها من حياتنا المصرية لندلل بها على أن الاستغلال ليس بالأمر النادر ، بل هو شيء يقع في الحياة ، وإذا وقع كان القضاء في اشد الحاجة إلى نص يعالج به ما يعرض له من الاقضية في ذلك ( [4] ) . وهو إذا ترك إلى القواعد العامة يتلمس العلاج في عيب بالذات من عيوب الرضاء ، أو يتلمسه في قواعد العدالة ، كما كان يفعل من قبل في ظل القانون القديم ، فإنه لا يلبث أن يضطرب عليه الأمر ، ويكون بين أن يفسر النصوص على غير ما وضعت له ، أو أن يتحرر منها فينفلت إلى تيه ليست فيه معالم مستقرة ولا ضوابط يسترشد بها في خطاه .


( [1] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” وتحسن الإشارة إلى أن العقود الاحتمالية ذاتها يجوز أن يطعن فيها على أساس الغبن إذا اجتمع فيه معنى الإفراط ومعنى استغلال حاجة المتعاقد أو طيشه أو عدم خيرته أو ضعف إدراكه ” . ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 191 ) . وقد نص القانون اللبنانين صراحة على ذلك ، فجاءت الفقرة الأخيرة من المادة 214 من هذا القانون ما يأتي : ” العقود الاحتمالية ذاتها قد تكون قابلة للإبطال بسبب الغبن ” .

( [2] ) وقد كان المشروع التمهيدي يتضمن النص الآتي : ” ويسري هذا الحكم حتى إذا كان التصرف الذي صدر من الطرف المغبون تبرعا ” . ولكن لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ حذفت هذا النص لأنه من قبيل التزيد ، وقد أسلفنا الإشارة إلى ذلك ( أنظر فقرة 204 في الهامش ) . وبقيت الفقرة الثالثة من المادة 129 وهي تفيد ضمناً كما رأينا أن الاستغلال قد يقع في عقود التبرع .

( [3] ) وقد ترتب على تضييق الدائرة التي يطبق فيها الاستغلال أن أصبحت المادة 178 من المشروع التمهيدي – وهي المادة التي حذفت من المشروع النهائي وتعرض كما أسلفنا الحالات خاصة في الإكراه هي حالة الخوف من المطالبة بحق وحالة النفوذ الأدبي وحالة الضرورة – نصاً كان من المفيد استبقاؤه لأن نظرية الاستغلال أصبحت بعد هذا التعديل تضيق بالحالات المشار إليها . وقد قدمنا أنه يمكن اعتبار المادة 178 المحذوفة ليست إلا تطبيقاً للقواعد العامة في الإكراه ، فيستغنى عنها بتطبيق هذه القواعد .

( [4] ) وقد عرضت فعلا هذه الاقضية وأمثالها على المحاكم المصرية في ظل القانون القديم فكانت تعالجها في بعض الأحوال معالجة ناقصة عن طريق تطبيق القواعد العامة ( في الإكراه ) أو عن طريق تطبيق قواعد العدالة ، وفي أحوال أخرى كانت تسير وراء القضاء الفرنسي في نظرية الاستهواء والتسلط على الإرادة التي سيأتي ذكرها فيما يلي :

وقد قضت محكمة النقض ( الدائرة المدنية ) بأنه إذا كان الحكم قد بنى قضاءه ببطلان عقد البيع على فساد رضاء البائع لكونه متقدماً في السن ومصاباً بأمراض مستعصية من شأنها أيضاً أن تضعف إرادته فيصير سهل الانقياد خصوصا لأولاده المقيمين معه الذي صدر العقد لهم ، فإنه لا سبيل إلى الجدل في ذلك لدى محكمة النقض لتعلقه بتقدير محكمة الموضوع لوقائع الدعوى ( 2 يناير سنة 1941 مجموعة عمر 3 رقم 89 ص 296 ) . وقضت في حكم ثان بأنه متى كانت المحكمة قد استخلصت من وقائع الدعوى وظروفها أن السند المطالب بقيمته صدر من المورث بمحض إرادته واختياره ، ولم يؤخذ منه بالاستهواء أو بالتسلط على الإرادة ، وكان هذا الاستخلاص سائغاً ، فلا تدخل لمحكمة النقض لأن ذلك من سلطة قاضي الموضوع ( 29 ابريل سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 55 ص 152 ) . وفي قضية ثالثة كانت الزوجة تريد أن يطلقها زوجها حتى تتزوج من آخر ، فاستغل الزوج هذه الظروف ، وحصل من زوجته على مال وسندات ومنزل وعقد توكيل وعقد إيجار بما تتناهز قيمته خمسين ألفاً من الجنيهات ، ثم طلقها ، ولما طعنت الزوجة في هذا التصرف ، قضت محكمة استئناف مصر الوطنية بأن ما اعطته الزوجة لزوجها يعتبر بدل خلع ، ولكن الزوجة كانت في حالة اضطرار عقد تقرير هذه الالتزامات بذمتها ، وأن الرأي الصواب الذي يتحقق به العدل ( أي تطبيقاً لقواعد العدالة ) هو تخفيض هذه الالتزامات إلى الحد المناسب ( محكمة استئناف مصر الوطنية في 12 يناير سنة 1936 المحاماة 16 ص 723 ) . وقد نقضت محكمة النقض هذا الحكم على أساس أن بدل الخلع في الشريعة الإسلامية يجب أن يكون مقترناً بصيغة الطلاق وأن المسألة على كل حال يجب أن تحال على القضاء الشرعي للفصل فيها ( نقض مدني في 28 أكتوبر سنة 1937 مجموعة عمر 2 رقم 66 ص 178 ) . وقد اعيدت القضية إلى محكمة الاستئناف ولكن الخصوم لم يروا السير في الدعوى الشرعية التي قضت محكمة النقض أن تقف الدعوى المدنية بسببها ، واتفقوا على تسوية النزاع فيما بينهم .

وقضت محكمة استئناف مصر الوطنية بأنها إذا ثبت أن سند دين صدر من شخص وهو في حالة مرضية كانت حياته فيها مهددة بالخطر مما جعله يفكر في الانتحار ويحاوله مراراً وينتحر بالفعل نف ضلا عن كونه في حالة عقلية تجعله مسلوب الإرادة ، فتعاقده غير مبنى على رضاء صحيح ، ولا تلزم ورثته بوفاء ما تعهد به في هذا السند ( 31 مايو سنة 1933 المحاماة 14 رقم 86 / 2 ص 167 ) . وقضت محكمة مصر الكلية الوطنية بأنها إذا استغل أحد المتعاقدين حالة الأضرار التي وجد فيها المتعاقد الآخر للوصول إلى غرض غير مشروع أي إلى التزام باهظ ، فالعقد يكون باطلا للإكراه ، فإذا صدرت عدة تعهدات تحت تأثير ضغط الإرادة ونتيجة استغلال رغبة جامعة ، فللمحكمة إقرار التعهدات التي أجازها المتعهد بمحض اختياره بعد زوال الإكراه والحكم ببطلان ما لم يجزه منها صراحة أو ضمنا ( أول ديسمبر سنة 1934 المحاماة 15 رقم 61 / 2 ص 343 ) – أنظر أيضاً محكمة استئناف مصر الوطنية في 9 فبراير سنة 1 937 المحاماة 17 ص 1171 – ومحكمة أسيوط الكلية في 12 يونية سنة 1937 المحاماة 18 ص 261 .

هذا ولما كان القانون المدني الفرنسي لا يتضمن نصا عاما في الاستغلال ، فقد خلق الفقه والقضاء الفرنسيان نظرية الاستهواء ( Captation ) أو الاستغواء ( seduction ) . وقد قصراها على عقود التبرع دون عقود المعاوضة . ولا نرى فرقا بين نظرية الاستغلال في عقود المعاوضة ونظرية الاستهواء في عقود التبرع . والجزاء في الحالتين واحد هو قابلية العقد للإبطال . والأولى إدماج نظرية الاستهواء في نظرية الاستغلال واعتبارهما نظرية واحدة . وقد رأينا القضاء في مصر يلجأ إلى نظرية الاستهواء عندما كانت نظرية الاستغلال تعوزه ( نقض مدني في 29 ابريل سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 55 ص 152 وقد سبقت الإشارة إلى هذا الحكم – قارن استئناف مختلط في 18 مارس سنة 1947 م 59 ص 167 – وانظر آنفاً فقرة 197 في الهامش ) . ويرى الدكتور وديع فرج في مذكرات له غير مطبوعة التفريق ما بين نظرية الاستغلال ونظرية الاستهواء ، ويذهب في هذا إلى مدى بعيد ، ويقول أن الجزاء في الاستغلال هو البطلان النسبي أما الجزاء في الاستهواء هو البطلان المطلق ( أنظر ص 138 من هذه المذكرات ) .

الاستغلال والغبن :

الغبن هو المظهر المادي للاستغلال . ويمكن تعريف الغبن بأنه عدم التعادل بين ما يعطيه العاقد وما يأخذه .

ويستخلص من هذا التعريف :

( 1 ) أن الغبن لا يتصور إلا في عقود المعاوضة غير الاحتمالية . أما عقود المعاوضة الاحتمالية وعقود التبرع فلا يتصور فيها الغبن ، لأن الأولى طبيعتها تقضي بوقوع الغبن على أحد المتعاقدين ، ولان الثانية يعطي فيها أحد المتعاقدين ولا يأخذ فلا محل للكلام عن عدم التعادل بين ما أخذ وما أعطى ( [1] ) .

( 2 ) أن الغبن يقدر وقت تمام العقد ، فينظر إلى التعادل في هذا الوقت ، ولا عبرة بتغير القيم بعد ذلك .

( 3 ) أن الغبن يصعب الاحتراز منه ، فلا بد من التسامح في الغبن اليسير والوقوف عند الغبن الفاحش ، وبهذا التمييز العملي يقول الفقه الإسلامي .

​( [1] ) وسنرى أن الاستغلال قد يقع في العقود الاحتمالية بل وفي عقود التبرع ، فهو أوسع مدى من الغبن .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .