ان الحقوق كمبدأ عام، لا تنقضي الا بالوفاء او بما يقابل الوفاء(1). بيد ان الدائن قد يتساهل في المطالبة بحقوقه، وحيث ان الشيك أداة وفاء واجبة الاداء لدى الاطلاع، ولكي لا يظل الموقعون على الشيك مهددين بالرجوع عليهم لمدة طويلة مما يسبب في عرقلة تداول الشيك ومن ثم اصابة التعامل التجاري بالركود، حدد المشرع مددا قصيرة يجب احترامها لغرض المطالبة بالحق وهو ما يعرف بالتقادم. والتقادم عموما هو مرور الزمان المانع من سماع الدعوى امام الجهات القضائية. فعلى الدائن او كل ذي مصلحة ان يلتفت الى المدد المحددة للمطالبة بالحقوق لكي يتلافى مرورها . اذا ان مرور الزمن يسقط الحق في اقامة الدعوى والمطالبة بها ومن جانب اخر، فان سكوت الدائن عن المطالبة بحقه يعد دليلا على استيفائه لحقه او نزوله عن هذا الحق للمدين. وقد يعد السكوت اهمالا يرتب سقوط الحق في الدعوى رعاية لمصلحة المدين. وعلى هذا فاننا سنعرض هذا الموضوع على النحو الاتي:

الدعاوى الخاضعة للتقادم.
مدة التقادم.
انقطاع التقادم.
اثار التقادم.

1.الدعاوى الخاضعة للتقادم:

يخضع للتقادم الصرفي عموما الدعاوى التي تستند الى الالتزام الناشئ مباشرة عن الشيك والمتعلقة بأشخاص تترتب لهم حقوق والتزامات بمقتضاه(2). ويمكننا ان نصنف هذه الدعاوى الى بما يأتي:

أ-دعوى رجوع حامل الشيك على المسحوب عليه.

ب-دعوى رجوع حامل الشيك على الساحب والملتزمين الاخرين.

ج-دعوى رجوع الملتزم الذي اوفى الشيك على الملتزمين الضامنين.

ومع ذلك فانه لابد من الاشارة الى ان هذه الدعاوى لا تخضع للتقادم الصرفي ما لم تتوفر شروط معينة. وتحدد هذه الشروط بما يأتي:

الشرط الاول: ان التقادم الصرفي يطبق على الدعاوى الناشئة عن شيك صحيح من الناحية القانونية أي شيك تتوفر فيه جميع البيانات الالزامية التي اوجبها القانون(3). فاذا فقد الشيك احد هذه البيانات تحول الى سند عادي يخضع لاحكام التقادم العادي في القانون المدني.

الشرط الثاني: ان التقادم الصرفي يطبق بين شخصين يكون لاحدهما حقا تجاه الاخر أي ان احدهما دائن والاخر مدين بناء على انشاء الشيك او تداوله او وفاء قيمته(4).

الشرط الثالث: يطبق التقادم الصرفي على الدعاوى المتعلقة بالالتزامات الصرفية الناشئة عن توقيع الملتزم على الشيك او تداوله. اما الدعاوى الناشئة عن علاقات سابقة على سحب الشيك فانها لاتخضع للتقادم المذكور حتى لو استندت الى تظهيره بصورة قانونية صحيحة، وايا كان الامر، فان الدعاوى التي تخرج عن نطاق التقادم الصرفي والتي تستند الى العلاقات السابقة على انشاء الشيك هي:

أ-الدعاوى المستندة الى الاثراء بلا سبب، ومثال ذلك دعوى المسحوب عليه الذي دفع قيمة الشيك على المكشوف ضد الساحب الذي لم يقدم الرصيد، او قدمه ثم اسدده كلا او بعضا عند حصوله عليه(5). وكذلك الدعاوى على سائر الملتزمين في الصك والذين حصلوا على كسب غير مشروع(6).

ب-دعوى الساحب الذي اوجد الرصيد ولكنه اضطر الى الدفع او ارغم عليه مرة ثانية، ودعواه هذه ضد المسحوب عليه تستند الى العلاقة الاصلية او الاتفاق الصريح او الضمني بينهما(7). فهذه الدعاوى تخضع للتقادم العادي استنادا الى الخطأ الذي احدث ضررا نتج عنه وجوب التعويض عن هذا الضرر(8).

ج-الدعوى المقامة من الحامل على المسحوب عليه لمطالبته بمقابل الوفاء أي ملكية الرصيد الذي انتقل للحامل.

د-الدعوى المدفوعة من اطراف العلاقة الاصلية. ونقصد بهذه الاطراف الساحب والمستفيد الاول والحامل والمظهر السابق. وتستند هذه الدعوى الى الدين الاصلي الذي لاينقضي بالتجديد بل يبقى قائما بجانب الدين الصرفي ويخضع للاحكام الخاصة به.

2-مدة التقادم

ان المشرع قد حدد مواعيد قصيرة تتقادم فيها الدعوى الصرفية الناشئة عن الشيك، وهذه المواعيد تختلف باختلاف الاشخاص الذين يقيمون الدعاوى او التي تقام عليهم تلك الدعاوى(9). وتحدد المدة القانونية كما يأتي:

1.دعوى رجوع الحامل على الساحب والمظهرين وغيرهم من الملتزمين، هذه الدعوى تتقادم بمضي ستة اشهر من تاريخ انقضاء ميعاد التقديم(10).

2.دعوى رجوع الملتزمين بعضهم على بعض تتقادم بمضي ستة اشهر من اليوم الذي اوفى فيه الملتزم الشيك او من يوم المطالبة القضائية(11).

3.دعوى رجوع الحامل على المسحوب عليه وتتقادم بمضي ستة اشهر ايضا وذلك بمقتضى القانون رقم 10 لسنة 1992 الصادر في 6/4/1992 بقرار مجلس قيادة الثورة المرقم 105 لسنة 1992 الذي الغى الفقرة الثالثة من المادة (175) من قانون التجارة النافذ والتي كانت تقرر مدة ثلاث سنوات للتقادم في هذه الحالة، والتي تقرر ((تتقادم دعوى الحامل على المسحوب عليه بمضي ثلاث سنوات من انقضاء مدة تقديم الشيك)).

اما كيف يتم احتساب مدة التقادم(12). فلم يتضمن قانون التجارة الحالي رقم 30 لسنة 1984 احكاما خاصة بها الشأن ، وعلى ذلك فانه يتم الرجوع الى القواعد العامة في القانون المدني حيث تقرر المادة التاسعة منه ما يأتي ((ان حساب المدة يتم وفقا للتقويم الميلادي)). وعلى هذا فان احتساب المدة المذكورة يتم بالايام لا بالساعات، وان اليوم الاول لا يحسب من الميعاد لانه لا يعد يوما كاملا سوءا اكان هو يوم الوفاء او يوم الاستحقاق(13). هذا وتنتهي مدة التقادم بانقضاء اخر يوم فيها، واذا صادف ذلك اليوم عطلة رسمية امتدت الى اول يوم عمل تالي لها. اما يوم العطلة الذي يتخلل الميعاد فيحسب ضمن المدة. ومن الجدير بالاشارة هنا ان مدة التقادم هذه لايجوز العدول او التنازل عنها مقدما. ولا يجوز كذلك الاتفاق على زيادة او نقصان هذه المدة المحددة بمقتضى القانون(14).ولا يجوز كذلك التنازل مقدما ما لم يثبت الحق في الدفع، وكل شرط او اتفاق تم خلاف ذلك يعد باطلا بطلان مطلقا ولا يرتب أي اثر.

3-انقطاع التقادم

قد يحدث ان الدعوى الصرفية ينقطع مرور الزمن فيها لاسباب عديدة، والانقطاع يؤدي الى زوال المدة السابقة وعدم احتسابها، فاذا انقطعت المدة فان مدة جديدة تبدأ من وقت زوال السبب الذي ادى الى الانقطاع. وتنص المادة 176 من من قانون التجارة النافذ رقم 30 لسنة 1984 في فقرتها الاولى والثانية على اسباب الانقطاع. ويمكن تحديد هذه الاسباب وفقا للمادة المذكورة كما يأتي:

أ-الاقرار سند مستقل(15).

ب-المطالبة القضائية(16).

وايا كان الامر ، الذي ادى الى انقطاع التقادم فان هذا الانقطاع لعدم سماع الدعوى لا اثر له الا بالنسبة الى الشخص الذي اتخذ تجاهه الاجراء القاطع للمدة. اذ تبقى المدة المذكورة سائبة بالنسبة للملتزمين الاخرين رغم تضامن الى الملتزمين(17). بيد ان الامر في التقادم هنا يختلف . اذ ان التزام كل منهم يبقى مستقلا عن التزامات الاخرين. هذا ولابد من الاشارة الى ان اثار الانقطاع وما يرتبه لاي من الملتزمين في الشيك تتجسد بالاتي:

1.ان اثر الانقطاع لا يسري على الملتزمين الاخرين استنادا الى مبدأ استقلال التواقيع سواء نتج هذا الانقطاع او كان تسببه الاقرار او المطالبة القضائية.

2.حذف المدة السابقة على الانقطاع وبدأ مدة جديدة عند زوال السبب الذي ادى الى الانقطاع(18).

3.اذا وقع الالتزام بين اشخاص متعددين وبذات الصفة أي كانوا ساحبين كفلاء لنفس الملتزم. فان الالتزام يخضع للقواعد العامة طبقا لقواعد التضامن السلبي في القانون المدني ونعني بذلك انقطاع الزمن الذي لا يعد ساريا على الاخرين.

4-اثار التقادم

ان مرور المدة للمطالبة والتي تؤدي بصورة اعتيادية الى تطبيق قواعد واحكام التقادم، ترتب اثارا معينة بالنسبة الى اطراف العلاقة القانونية، بعبارة اخرى ان للتقادم نتيجة عدم الوفاء اثار خطيرة، ويمكن نحصر هذه الاثار حسب تقديرنا، بما يأتي:

أ-اذا تمسك المدين بالتقادم وحكمت به المحكمة المختصة، برأ المدين من التزامه الناشئ عن الشيك، فحكم القضاء مانع مسقط لحق المطالبة(19).

ب-لا يترتب عليه انقضاء الدين الاصلي بالنسبة الى الشخص الذي حرر الشيك او ظهره، فهذا الدين خارج عن العلاقة الصرفية فتكون له المطالبة به رغم التقادم.

ج-لا يسري التقادم على دعوى التعويض التي يرفعها الساحب على المسحوب عليه لتعويض الضرر الذي سببه رفض الوفاء دون حق. اذ ان هذه الدعوى ذات طبيعة خاصة لاعلاقة لها بحقوق الصرف او الالتزامات الصرفية.

د-لا يمس التقادم التزامات الموقعين الاخرين بل ينصب او يطبق على التزام المدين الذي تمسك به فقط.

هـ- تظل للصك قيمته في الاثبات بما يتضمنه من بيانات وتواقيع ضد الساحب. فيعد في الواقع سندا من السندات او محررا من المحررات الاعتيادية التي يتمكن الحامل من الاستفادة منها عند المطالبة. فحقه يصبح حقا طبيعيا واذا اوفى المسحوب عليه قيمة الشيك رغم مرور المدة المقررة للتقادم فان الوفاء يعد صحيحا من الناحية القانونية(20).

____________________________________

[1]- انظر د. عبد الحميد الشواربي ود. اسامة عثمان، احكام التقادم في ضوء الفقه والقضاء، منشأة المعارف بالاسكندرية، 1989، ص19.

2- انظر ادوار عيد، مرجع سابق ذكره، ص348.

انظر كذلك محسن شفيق، القانون التجاري الكويتي، مرجع سابق ذكره، ص376.

3- انظر نص المادة (138) من قانون التجارة رقم 30 لسنة 1984.

4- انظر د. علي جمال الدين عوض، مرجع سابق ذكره، ص155.

5- انظر د. عبد الحي حجازي، سندات الائتمان الصرفية، ج1، القسم العام، المطبعة العالمية بالقاهرة، 1957، ص237، انظر كذلك فوزي محمد سامي، القانون التجاري ، عمان، مرجع سابق ذكره، ص363.

6- انظر ادوار عيد، مرجع سابق ذكره، ص340.

7- انظر د. علي جمال الدين عوض، المجلة، مرجع سابق ذكره، ص84.

8- انظر د. فوزي محمد سامي ود.فائق الشماع، الاوراق التجارية، دار الكتب للطباعة والنشر، الموصل، 1986، ص364.

9- انظر ادوار عيد، مرجع سابق ذكره، ص336.

0[1]- انظر نص المادة 175 /اولاً من قانون التجارة النافذ رقم 30 لسنة 1984 التي تنص (تتقادم دعوى رجوع الحامل على الساحب والمظهرين غيرهم من الملتزمين بدفع قيمته بمضي ستة اشهر من انقضاء ميعاد تقديمه).

1[1]- انظر نص المادة 175/ثانيا من قانون التجارة العراقي النافذ، التي تقرر (تتقادم دعوى رجوع الملتزمين بعضهم على البعض الاخر بمضي ستة اشهر من اليوم الذي اوفى فيه الملتزم بقيمة الشيك او من يوم مطالبته قضائيا بالوفاء). تقابلها المواد 442 من القانون اللبناني، المادة (557) من القانون السوري .

2[1]- انظر ادوار عيد، مرجع سابق ذكره، ص340.

3[1]- انظر د. علي جمال الدين عوض، انقضاء الشيك في القانون الكويتي واتفاقية جنفيف، مجلة القانون والاقتصاد، العددان الاول والثاني، 1945، ص44.

4[1]- انظر د. عبد الحي حجازي ، مرجع سابق ذكره، ص238.

5[1]- انظر نص المادة (440) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 التي تنص (لايسقط الحق بمرور الزمن، فاذا اقر المدعى عليه بالحق امام المحكمة اخذ باقراره مالم يوجد نص يقضي بخلافه).

6[1]- انظر نص المادة (441) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 التي تنص (اذا لم تسمع الدعوى بالحق بمرور الزمان فلا تسمع الدعوى بالفوائد وغيرها من الملحقات من لو لم تكمل المدة المقررة لعدم سماع الدعوى بهذه الملحقات.

7[1]- انظر: د. فوزي محمد سامي، القانون التجاري، عمان ، مرجع سابق ذكره، ص366.

8[1]- انظر د. عبد الحي حجازي، مرجع سابق ذكره، ص236.

9[1]- انظر د. علي جمال الدين عوض، المجلة، مرجع سابق ذكره، ص115.

20- انظر د. عبد الحي حجازي، مرجع سابق ذكره، ص216.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .