يفهم من نص المادة (34) من قانون الاثبات، ان الادعاء بالتزوير يرد على السندات الرسمية والعادية، ويقصد بالادعاء بالتزوير، استبعاد السند المزور كدليل لاثبات التصرف القانوني الذي يتضمنه، ويترتب على الحكم باستبعاد السند وعدم العمل به، اقتصار الأمر على الدعوى المبرز فيها ولا يسري على غيرها من الدعاوى ويجوز رفضه والاحتجاج في دعوى اخرى، اما دعوى التزوير فهي التي تقام امام المحكمة الجائية والتي تهدف الى ايقاع العقوبة على مرتكب جريمة التزوير وعلى مستعمل السند المزور من جهة اخرى، ويترتب على الحكم بتزوير السند او عدم تزويره، اكتسابه قوة الأمر المقضي، فاذا حكم بان السند مزور فهذا الحكم يجعل السند عديم القيمة ويسقطه من الاثبات نهائيا، اما اذا حكم بعدم تزويره فيعتبر ذلك السند صحيحا ولا يجوز الطعن فيه مرة اخرى (1). والتزوير هو تغيير الحقيقة بقصد الغش في سند او وثيقة او اي سند اخر بإحدى الطرق المادية والمعنوية التي بينها القانون، تغييراً من شأنه احداث ضرر بالمصلحة العامة او بشخص من الاشخاص (م 286 عقوبات) (2). فعلى من يدعي التزوير ان يبين بشكل دقيق موضوع التزوير في السند، وهل التزوير في صلب السند او في التوقيع واذا كان التزوير معنويا، يبين ما اذا كان التزوير حصل في تغيير اقرارات اصحاب العلاقة او جعل واقعة غير صحيحة في صورة واقعة معترف بها او انتحال شخصية الغير (3). واذا كان يجوز لصاحب التوقيع على السند ان يدعي بالتزوير بعد ادعائه الانكار، الا انه لا يجوز له الادعاء بالأنكار بعد ادعائه التزوير، فالادعاء بالتزوير مانع من الادعاء بالانكار (4). وللمحكمة سلطة تقديرية واسعة في التحقق من صحة السند وتقدير ما يترتب على الكشط في والمحو والشطب والتحشية وغير ذلك من العيوب المادية في السند من اسقاط قيمته في الاثبات او انقاص هذه القيمة على ان تدلل على صحة وجوب العيب في قرارها بشكل واضح، واذا كان السند محل شك في نظر المحكمة جاز لها، من تلقاء نفسها، ان تدعو الموظف الذي صدر عنه، او الشخص الذي حرره ليبدي ما يوضح حقيقة الأمر فيه (5). وقضت محكمة التمييز (تبين من تقرير الخبراء ان الصك الذي تستند إليه المميزة في دعواها في تحشية لأسمها فوق كلمة (اخرى) لم يتبينها الخبراء، لذا فان هذ الصك لا يخلو من شائبة، وحيث لا يعمل بالسند الا اذا كان سالما من شبهة التزوير والتصنيع وللمحكمة ان تقدر ما يترتب على الكشط والمحو والشطب والتحشية او غير ذلك من العيوب المادية في الورقة المؤدية الى اسقاط قيمتها في الاثبات او انقاصها) (6). وبالنسبة للعيوب المادية في السند الرسمي فقد نصت المادة (21) من قانون الكتاب العدول رقم 33 لسنة 1998 على ان تكون كتابة السندات واضحة، لا يتخللها حك او اضافة او شطب او فراغ، واذا وقع خطأ في التسجيل، فيشطب الكاتب العدل على الكلمة او العبارة التي وقع الخطأ فيها بحيث يمكن قراءتها، ويكتب الكلمة او العبارة الصحيحة في هامش السجل، ويوقع عليها ذوو العلاقة والكاتب العدل وتختم بالختم الرسمي. وكل كشط او محو او شطب او تحشية في السند الرسمي ولا يلتفت إليه ويعتبر كان لم يكن، ويتعين على المحكمة اسقاط قيمته في الاثبات (7)، وبالنسبة للسند العادي لا يمنع من اجراء اضافة او تحشية او محو او شطب بعض العبارات، وان ذلك يخضع لتقدير المحكمة، فاذا وجدت من الظروف ما يبرر ذلك فتعول عليها او تطرحها وتعتبر ها كان لم تكن ولها ان تستعمل سلطاتها هذه من تلقاء نفسها (8). والشروط التي يجب ان تراعيها المحكمة عند الادعاء بالتزوير هي :

1-ان يكون هناك ادعاء بالتزوير من الخصم الذي يدعي تزوير السند، وان يحدد مواضع التزوير وشواهده، اي الوقائع والقرائن والامارات والظروف التي يستند إليها للادعاء بالتزوير (9).

2-ان يكون الادعاء بالتزوير منتجا في النزاع، فللمحكمة سطلة تقديرية في البت في مدى تأثير هذا الادعاء على اصل النزاع، فاذا كان الادعاء بالتزوير غير منتج، فان المحكمة ترفض الطلب، لأنها غير ملزمة بالاستجابة لادعاء التزوير (10).

3-ان تقتنع المحكمة بوجود قرائن قوية على وقوع التزوير وقد نصت المادة (36) من قانون الاثبات على أنه اذا ادعى الخصم تزوير السند وطلب التحقيق في ذلك ووجدت المحكمة قرائن قوية على صحة ادعائه اجابته الى طلبه. وقضت محكمة التمييز (لا تلتزم المحكمة بتحقيق الطعن بالتزوير الا اذا وجدت قرائن قوية على وجود التزوير وكانت الواقعة المتعلقة به منتجة في النزاع ولم تكف وقائع الدعوى ومستنداتها لاقتناع المحكمة بصمة الورقة او تزويرها)(11).

4-تقديم كفالة شخصية او تقديرية من مدعي التزوير : وعلى هذا نصت المادة (36) المذكورة آنفاً، فاذا اجابت المحكمة الى طلب الخصم المدعي ان السند مزور على النحو المذكور في الفقرة (3) أعلاه، ألزمته بتقديم كفالة شخصية او نقدية تقدرها المحكمة لضمان حق الطرف الآخر، وعلى المحكمة في هذه الحالة، احالة الخصوم على قاضي التحقيق للتثبيت من صحة الادعاء، وعندها تقرر المحكمة جعل الدعوى مستأخرة لحين صدور الحكم او قرار بات بخصوص واقعة التزوير وذلك تطبيقا لقاعدة (الجزائي يوقف المدني) وذلك لمنع صدور حكمين متناقضين، مع التزام المحكمة المدنية بالحكم الجزائي في الوقائع التي فصل فيها وكان فصله فيها وكان فصله فيها ضروريا (م 107 اثبات). والآثار المترتبة على الادعاء بالتزوير هي :

1-ان يتنازل مدعي التزوير عن ادعائه : فقد نصت المادة (38) من قانون الاثبات على ان لمن يدعي تزوير سند ان يتنازل عن ادعائه وفي هذه الحالة لا يحكم عليه بالغرامة البالغة (ثلاثة الاف) دينار المنصوص عليها في المادة (37) من قانون الاثبات، الا اذا ثبت للمحكمة انه لم يقصد بادعائه الا مجرد الكيد لخصمه او عرقلة الفصل في الدعوى، ويقصد بذلك الى تنبيه مدعي التزوير الى الخطر الذي قد يتعرض له من احالة الدعوى الى محكمة التحقيق، وما يتبع ذلك من مسؤولية جزائية وتعويض (12).

2-ثبوت صحة الادعاء بالتزوير : اذا ثبتت صحة الادعاء بالتزوير، عد السند الرسمي والسند العادي، عديم الأمر، ويحال مقدمة الى محكمة التحقيق للتحقيق معه تمهيدا لا حالته الى المحكمة المختصة لمحاكمته حسب الاحكام الخاصة بالتزوير في قانون العقوبات.

3-ثبوت عدم صحة الادعاء بالتزوير : اذا ثبت عدم صحة الادعاء بالتزوير، عد السند صحيحا، ولا يجوز الطعن فيه بالتزوير مرة اخرى، حتى ولو كان الطعن ينصب في المرة الثانية على مواضع اخرى من السند خلاف المواضع التي طعن بتزويرها في الادعاء بالتزوير (13). واذا انتهت المحكمة الى ثبوت صحة السند ورفضت الادعاء بالتزوير حكم على مدعي التزوير بغرامة لا تقل على ثلاثة الاف دينار تستحصل تنفيذاً، ولا يخل ذلك بحق المتضرر في طلب التعويض اما اذا ثبت بعض ما ادعاه فلا يحكم عليه بشيء (م 37 اثبات). ولا يجوز لقاضي التحقيق، اثناء نظر الدعوى المباشرة باتخاذ الاجراءات القانونية بشأن الشكوى المقدمة من احد الخصوم حول تزوير سند مبرز في المحكمة المدنية ما لم تأذن المحكمة بذلك (م 36 / ثانياً) بموجب القانون رقم 46 لسنة 2000.

_________________

1-حسين المؤمن، حجية المحررات في المواد العقابية – مجلة القضاء العدد 3- 4، 1972 ص31 -32 سلطة المحكمة في الرقابة على المحررات مجلة القضاء، العدد 1971 ص20.

2-اما الاصطناع فهو انشاء محرر لم يكن له وجود من قبل ونسبته الى غير محرره دون ما ضرورة لتعمد تقليد محرر بالذات وخط انسان معين (م 291 عقوبات).

3-محمد عبد اللطيف ص376.

4-العبودي، أهمية السندات العادية ص103.

5-المادة 35 / ثانياً / ثالثاً من قانون الاثبات.

6-القرار المرقم 1126 / ح/ 3/ 1970 في 25 / 11 / 1970. العلام ج2 ص577 – 578.

7-مرقس : الأدلة الخطية ص 324. محمد عبداللطيف ص397.

8-مرقس، الادلة الخطية، ص 324. عبدالجليل برتو ص268.

9-مرقس، اصول الاثبات فقرة 132 ص351.

10-نقض مصري 17 / 11 / 1938. الطعن رقم 52 لسنة (8) ق. الموسوعة الذهبية ص115.

11-القرار المرقم 276 / ح / 1967 في 8 / 3 / 1967، مجلة القضاء، العدد الثاني 1967 ص 123.

12-حسين المؤمن ج3 المحررات ص77.

13-مرقس، الأدلة الخطية ص335.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .