بحث قانوني عن الاختصاصات المالية للبرلمان المغربي على ضوء دستور 2011

إنجازالطلبة:
لبنى الحيمر عبد الفتاح كولان

مقدمة:

يعتبر الاختصاص المالي، الركيزة الأولى وأساس نشوء المؤسسة البرلمانية، بدء من امتلاكها سلطة الموافقة على فرض الضرائب لتصل إلى الرقابة على هيمنة الملوك على عملية الجباية والإنفاق.
ويعد حق البرلمان في ممارسة الاختصاص المالي في كل من إنجلترا و فرنسا، من الحقوق التي اكتسبها تدريجيا عبر تطوره التاريخي، بدء بضرورة موافقته على الضرائب، التي تعتبر من الاختصاصات المالية التقليدية للمؤسسة البرلمانية ، ثم انتقل إلى ضرورة مراقبته للإنفاق والتحصيل، وبالتالي اعتماد الميزانية .
إن الديمقراطية الفعلية تقتضي وجوب إشراك ممثلي الشعب في كل ما يتعلق بأموال الدولة، إلا أنه ˝في بريطانيا كان الملك إلى حدود القرن 13، حرا في الإنفاق كما يشاء، لأن جميع النفقات كانت تمول من ممتلكات التاج الخاصة، ولم يكن هناك فصل واضح بين الأموال الخاصة للحاكم والنفقات العامة للدولة، نفس الأمر بالنسبة للأموال التي تجبى من أفراد الشعب على اختلاف مستوياتهم وطبيعة أعمالهم˝ .
أمام تزايد نفقات الدولة بشكل كبير، قام الملك هنا بالاستعانة بالضرائب بشكل مطلق وتعسفي، وعلى نطاق واسع، ودون الحصول على موافقة ممثلي الشعب، الأمر الذي حمل البرلمانات المتعاقبة على تكثيف ضغوطاتها، لأجل تقييد السلطة الملكية في الجباية، هذا ما تحقق فعلا سنة 1628، تاريخ إصدار الملك شارل الأول لما يعرف ب ˝وثيقة إعلان الحقوقpetition of rights˝ ، حيث أقرت مبدأ الموافقة المسبقة للبرلمان على فرض الضرائب، هذا المبدأ لم يجد طريقه للتطبيق، وذلك بفعل محاولات الملك المتكررة للانفراد بسلطة فرض الضرائب، وعقد القروض، دون الرجوع إلى ممثلي الشعب، وهذا أدى إلى قيام حرب أهلية بين أنصار البرلمان وأنصار الملك، انتهت باستسلام هذا الأخير ومحاكمته وإصدار ما يسمى ب ˝دستور الحقوق˝bill of rights سنة 1688، الذي أكد عدم قانونية أية جباية تجبى لأجل التاج دون موافقة البرلمان .
وفي سنة 1837 أصبح للبرلمان سلطة مطلقة في الترخيص بالجباية دون غيره، بل قرر أيضا أن يجدد هذا الترخيص مدة بعد مدة . ففرنسا بدورها، تأثرت بالانتصار الذي حققه البرلمان الإنجليزي، وشهدت في هذا المجال قفزة نوعية مع قيام الثورة الفرنسية سنة 1789، نتيجة ظلم وبطش الملوك الفرنسيين، والإسراف والبذخ في الحفلات والسهرات، إضافة إلى الامتيازات التي كانت تمنح للنبلاء ورجال الكنيسة وأفراد الجيش.

وهكذا أعلنت المادة 114 من تصريح حقوق الإنسان، أنه من حق الشعب أن يتأكد مباشرة أو بواسطة ممثليه، من ضرورة الضرائب، وأن يوافق عليها بملء الحرية، ويراقب استعمالها، ويقرر أسسها ونسبتها وطريقة جبايتها ومدتها .

وقد منحت الدساتير اللاحقة للبرلمان، حق الترخيص وتحديد النفقات من أجل المصلحة العامة ولمدة لا تفوق سنة. وهذا ما جعل معظم دساتير الأنظمة السياسية تخول لنواب الشعب سلطات في مراقبة الشؤون المالية للدولة.
لكن الوضع سينقلب بصدور دستور الجمهورية الخامسة سنة 1958، نتيجة عدم الاستقرار السياسي الذي عرفته الجمهورية الرابعة، هذا الدستور الذي قلص من دور البرلمان في المجال المالي، ورجح هيمنة السلطة التنفيذية على حساب البرلمان.
أما في المغرب، فقد تبنى المشرع الدستوري المغربي تقنيات العقلنة البرلمانية ، وذلك بتقييد حرية الاختصاصات المخولة للبرلمان ، حتى لا تؤدي حرية عمله إلى عدم استقرار الحكومة ، خصوصا في المجال المالي الذي تحيط به عدة قيود عملية….قيود على مسطرة المناقشة، إضافة إلى سيطرة السلطة التنفيذية على المبادرة التشريعية، وأسبقيتها في جدول أعمال البرلمان .

إن دراسة هذا الموضوع تكتسي أهمية بالغة، لأنها تجمع بين الدراسة النظرية وكذا الواقع العملي. وانطلاقا من ذلك، نتساءل حول الصلاحيات الدستورية والقانونية للبرلمان في المجال المالي؟ ونتساءل كذلك على ضوء الإصلاح الدستوري الجديد، هل هناك ممارسة فعلية للاختصاص المالي؟ أم أنه مجرد ممارسة شكلية تروم من ورائها الحكومة إضفاء شرعية على أعمالها؟ وهي الإشكالية التي سنعمل على معالجتها من خلال محورين، نتناول في الأول اختصاصات البرلمان في الموافقة على قوانين المالية ومخططات التنمية، في حين نتطرق في الثاني لصلاحيات البرلمان في اعتماد المعاهدات الملزمة لمالية الدولة والقوانين الجبائية.

المبحث الأول: اختصاصات البرلمان في الموافقة على قوانين المالية ومخططات التنمية:

لما كان قانون المالية يتشكل في الأساس من الضرائب التي يؤديها المجتمع، في شكل تكاليف، يفرضها عليه واجب المساهمة في الأعباء العامة للدولة،
فإن الاختصاص بالتصويت وإقرار قانون المالية يتم ويجب أن يتم من طرف ممثلي الشعب عن طريق مناقشة مشروع قانون المالية والتصديق عليه.

المطلب الأول: المصادقة على قوانين المالية

انطلاقا من القانون التنظيمي لقانون المالية 7-98 الذي ينص في مادته الثانية على أنه يعتبر بحكم هذا النص قانونا للمالية قانون المالية السنوي، والقوانين المعدلة له وقانون التصفية، أي أن هذا القانون التنظيمي هو شامل لكل القوانين المذكورة لذلك سنركز على الإجراءات التي يمر منها التصويت على قانون المالية بالإضافة إلى إعطاء نظرة على قانون التصفية.

الفقرة الأول: فحص مشروع قانون المالية أمام اللجان الدائمة:

إن المصادقة على قانون المالية، هو اختصاص موكل في جميع الأنظمة المالية المعاصرة للسلطة التشريعية، باعتبارها الجهاز المسؤول عن التحقق من ملاءمة البرامج والسياسات الحكومية. والمصادقة هي بمثابة إجازة أو إذن ترخص بموجبه السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية صرف النفقات العامة وتحصيل الإيرادات العامة.

يعرض قانون المالية على السلطة التشريعية في صيغة مشروع قانون، وضمن قالب هيكلي تنتظم في إطاره مختلف التدابير والأحكام المتعلقة بموارد ونفقات الميزانية العامة والحسابات الخصوصية للخزينة وميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة والميزانيات الملحقة مرتبة في أجزاء وأبواب وفصول ومواد وفقرات وسطور واضحة ومتناسقة . و يكون مشفوعا بتقرير يبين الخطوط العريضة للتوازن الاقتصادي والمالي والنتائج المحصل عليها والآفاق المستقبلية والتغييرات المدخلة على المداخيل والنفقات.

وحسب الفقرة الأولى من المادة 33 من القانون التنظيمي 7.98 فإنه يودع مشروع قانون المالية للسنة بمكتب أحد مجلسي البرلمان قبل نهاية السنة المالية الجارية بسبعين يوما على أبعد تقدير، ومن الجديد الذي جاء به دستور 2011 حسب الفصل 75 أنه حسم في الجهة التي يودع لديها قانون المالية بالأولوية وهي مجلس النواب.
يحيط رئيس مجلس النواب رئيس مجلس المستشارين علما بإيداع الحكومة مشروع قانون المالية.هنا يعقد البرلمان بغرفتيه جلسة عمومية مشتركة، حيث يعرض وزير المالية مشروع قانون المالية السنوي تحت رئاسة رئيس مجلس النواب، هذه الجلسة تقتصر على العرض فقط. يتم عقد هذه الجلسة العامة، حسب البرنامج المتفق عليه بين مجلسي البرلمان والحكومة.
يحال المشروع في الحين على لجنة المالية والتنمية الاقتصادية لمجلس النواب قصد دراسته، وللنواب أن يطلبوا من الحكومة كل وثيقة لها صلة ببنود هذا المشروع لم يتم إيداعها ضمن المرفقات، ويسهر رئيس مجلس النواب على تحقيق ذلك
وحسب الفصل 80 من الدستور أن جميع مشاريع ومقترحات القوانين تحال على اللجان البرلمانية التي يستمر عملها خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، وكباقي مشاريع ومقترحات القوانين، ترسل مشاريع قوانين المالية إلى اللجان البرلمانية الدائمة لدراستها وتهييئها قبل عرضها على الجلسة العامة لأجل النظر فيها .

وجدير بالذكر، أن اللجان البرلمانية في المغرب لم تكن وليدة تطور الممارسة البرلمانية، كما هو الشأن في الأنظمة البرلمانية العريقة كالفرنسية والإنجليزية، وإنما نشأت بنشوء المؤسسة البرلمانية مع أول دستور عرفه المغرب سنة 1962.

اللجان الدائمة في مجلس النواب اللجان الدائمة في مجلس المستشارين

لجنة الخارجية و الدفاع الوطني و الشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين في الخارج لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية
لجنة الداخلية و الجماعات الترابية و السكنى و سياسة المدينة لجنة الخارجية والحدود والمناطق المحتلة والدفاع الوطني
لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان لجنة الداخلية والجهات والجماعات المحلية
لجنة القطاعات الاجتماعية لجنة المالية والتجهيزات والتخطيط والتنمية الجهوية
لجنة المالية والتنمية الاقتصادية لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان
لجنة القطاعات الانتاجية لجنة الفلاحة والشؤون الاقتصادية
لجنة البنيات الاساسية و الطاقة و المعادن و البيئة
لجنة التعليم و الثقافة و الاتصال

وبمقتضى النظامين الداخليين للمجلسين ، فإن لجنة المالية بكلا المجلسين هي المختصة بهذه الدراسة بالأساس، أما دور اللجان النيابية الأخرى فيقتصر على دراسة الميزانيات الفرعية للوزارات التي لها علاقة باختصاصها، و يمكن لكل لجنة أن تنتدب عضوا للمشاركة بصفة استشارية لا تقريرية في أشغال لجنة المالية عند دراسة مقتضيات القانون المالي. فحسب النظام الداخلي لمجلس النواب المادة 134 تشرع باقي اللجان الدائمة في التحضير لدراسة مشاريع الميزانيات الفرعية للوزارات والقطاعات التي ترتبط باختصاصاتها، بموازاة أعمال لجنة المالية.

ويقدم كل وزير مشروع ميزانية القطاع الذي يسيره، وعليه أن يضع لدى رئاسة اللجنة، خمسة أيام قبل انعقاد اجتماع اللجنة المعنية، وبعدد النواب المنتمين لها، ملفا يتضمن الوثائق والبيانات الموضحة لمقتضيات الميزانية وبنودها، المنصوص عليها في المادة 130 أعلاه. وعليه أن يقدم أيضا الوثائق الأخرى التي يطالب بها النواب في شأن بند أو مقتضى في الميزانية الفرعية.

تسلم مذكرة التقديم للميزانية لأعضاء اللجنة كتابة في نفس الجلسة.
يخصص اجتماع أولي للاستماع إلى عرض ملخص لوزير المالية، تعقبه مناقشة عامة، ومناقشة مواد المشروع، تتميز بالاستماع للتدخلات التي سيتم إلقاؤها من قبل أعضاء اللجنة وحتى من قبل أعضاء من خارج اللجنة ( الملاحظون، نواب ينتمون للمجلس)، ويسهر رئيس اللجنة على تنظيم المناقشات وسيرها، بحيث يحق لجميع الأعضاء إبداء آرائهم وملاحظاتهم وتساؤلاتهم حول نص المشروع دون أي تحفظ ، ويتولى وزير المالية الإجابة عن القضايا العامة والسياسية و بعض القضايا الأخرى، التي سيتم التعمق فيها خلال مناقشة مواد المشروع، في حين يقوم مساعدو الوزير بتقديم بيانات مدققة لمختلف تلك الجوانب وموضحة لكل التدابير الواردة في المشروع.

بعد الانتهاء من المناقشة العامة يفتح الباب أمام المناقشة التفصيلية، والتي يقصد بها مناقشة كل مادة من مواد النص على حدة ، وذلك بتقديم مضمونها من قبل وزير المالية، والاستماع لاستفسارات الأعضاء وأجوبة الحكومة في شخص وزير المالية، تتلو هذه المرحلة تقديم التعديلات، حيث تخصص خلية خاصة لتقديم التعديلات من قبل أعضاء اللجنة أو أعضاء الحكومة، وبالموازاة مع هذا الفحص الذي تقوم به لجنتا المالية بالمجلسين، تنكب نفس اللجنتين على فحص عمودي لمختلف التوصيات والملاحظات التي تقوم اللجان الدائمة الأخرى بتقديمها، ويقوم في مرحلة أخيرة أعضاء البرلمان بتقديم تعديلاتهم وتوصياتهم والتي يتم التصويت عليها، وبعدها يعد مقرر اللجنة تقريرا عاما على أساس محاضر الاجتماعات . إلا أن لجنة المالية لا تملك الحق في تقديم مشروع مضاد للمشروع الحكومي الذي يعتبر أساس للمناقشة البرلمانية. كما أنها لا تستطيع أن تعدل النص إلا في الحدود المقبولة من طرف الحكومة.

الفقرة الثانية: المناقشة والتصويت على مشروع قانون المالية أمام الجلسة العامة:
يشرع كل من مجلس النواب ومجلس المستشارين على التوالي في مناقشة مشروع القانون المالي في إطار الجلسة العامة بتقديم تقرير المناقشة العامة التي جرت داخل اللجنة المالية، وتنصب المناقشة في البدء على الجزء الأول المتعلق بالإيرادات ولا يمكن للمجلس أن يناقش الجزء الثاني إلا بعد التصويت على الجزء الأول حسب المادة 36 من القانون التنظيمي 7.98 . وفي هذا الإطار أثيرت نازلة بفرنسا في نهاية سنة 1979 بشأن القانون المالي 1980، حيث كانت الجمعية الوطنية قد رفضت المادة 24 من الجزء الأول من مشروع القانون المالي، والمتعلقة بتوازن الموارد والتكاليف، فباشرت الجمعية الوطنية الفرنسية مناقشة القسم الثاني دون أن تعتمد القسم الأول(صوتت عليه بالرفض)، وبعد أن ناقشت القسم الثاني، تم التصويت على مشروع قانون المالية في صيغته الكاملة. وأحيلت هذه المسألة على المجلس الدستوري، الذي أصدر قرارا اعتبر فيه أن المسطرة التي اعتمدتها الجمعية الوطنية في التصويت على مشروع قانون المالية غير مشروعة. وبذلك نطق بعدم مطابقة قانون مالية 1980 للدستور .
تخضع مناقشة المشروع والتصويت عليه، سواء داخل لجنة المالية، أو اللجان الفرعية، أو الجلسة العامة للمجلسين لنفس الآجال والضوابط والإجراءات المسطرية داخل 30 يوما لكل مجلس ، وفي جميع الأحوال فإن المصادقة على مشروع المالية لا تكتمل إلا باتفاق المجلسين على نص واحد. وفي حالة الخلاف، فإن الحكومة تعرض النص على لجنة ثنائية مختلطة لوضع حل توافقي. هذه اللجنة لها آجال 7 أيام لاقتراح نص بشأن الأحكام التي ما زالت محل خلاف بين المجلسين، وآجال لا يتجاوز 3 أيام لمجلسي البرلمان لإقرار النص المقترح من طرف اللجنة البرلمانية المختلطة، وإلا تم عرض مشروع قانون المالية على مجلس النواب للبت فيه نهائيا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم.

قانون التصفية:
يعتبر قانون التصفية جزءا لا يتجزأ من قانون المالية، وهو يرمي حسب الفقرة الأولى من المادة 47 من القانون التنظيمي للمالية، إلى تثبيت المبلغ النهائي للمداخيل المقبوضة والنفقات المأمور بصرفها برسم السنة المالية، وحصر حساب نتيجة السنة، وهو بذلك يكون الأداة التي تمكن من تحديد الفرق بين المداخيل برسم التوقعات وبين النتائج الفعلية للقانون المالي، كما يمكن النواب من خلاله من التعرف على الحسابات النهائية للخزينة.
وتنص الفقرة الثانية من المادة 47 أنه يجب أن يودع مشروع القانون المذكور بمكتب أحد مجلسي البرلمان في نهاية السنة الثانية الموالية لسنة تنفيذ قانون المالية على أبعد تقدير. إلا أن الواقع العملي لا يعكس هذا التحديد الزمني على مستوى القانون، ذلك أن الملاحظ أن إيداع قوانين التصفية كان دوما يتصف بالتأخير الشديد الذي قد يتجاوز السبع سنوات أحيانا. كما أن النشر كان أيضا يتصف بنفس الظاهرة، فلم يشرع في النشر المنتظم لهذه القوانين إلا ابتداء من سنة 1997 فقط.

المطلب الثاني: الاختصاص في مجال التصديق والموافقة على مخططات التنمية

تشكل المخططات التنموية مجموعة التوقعات والإصلاحات التي تعتزم الدولة القيام بها مستقبلا في شكل برامج، التي تختص بها السلطة التنظيمية بتنفيذها، بعد المصادقة عليها من لدن البرلمان، بعد عرضها عليه في شكل مشروع مخطط.

الفقرة الأولى: الإطار العام لمخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية:
تعتبر قوانين البرامج، أو قوانين الإطار، بمثابة قوانين تضعها المجالس التشريعية، حينما تقدم الدولة على سياسة إصلاح معينة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية مع اقتصارها على بيان المبادئ الأساسية، لتتولى السلطة التنظيمية مهمة تنفيذ برنامج بموجب مراسيم شرط ألا يكون التنفيذ مما يندرج في ميدان القانون.
وعلى اعتبار أن القانون المالي هو مجرد التنفيذ الجزئي والسنوي للمخطط، فإنه من الطبيعي أن يقوم البرلمان بالتدخل سواء على مستوى المخطط لأجل تحديد الخطوط العريضة للتوجهات الاقتصادية للدولة، أو على مستوى القانون المالي السنوي للسهر على تطبيق ما أقره المخطط من أقساط سنوية، وأهم ما يميز الميزانية في الاقتصاديات المخططة هو علاقتها الوثيقة بعملية التخطيط الاقتصادي ذاتها .
ويقر القانون التنظيمي للمالية 7-98 بأنه لا يمكن أن تترتب على المخططات الموافق عليها من قبل البرلمان، التزامات الدولة إلا في نطاق الحدود المعينة، في قانون المالية للسنة في مقابل ذلك، تنص المادة 25 من نفس القانون أنه ” يمكن أن تمنح في شأن نفقات الاستثمار الناتج عن تنفيذ مخطط التنمية تراخيص في برنامج تحدد التكلفة الإجمالية والقصوى لمشاريع الاستثمار المعتمدة. كل هذه النصوص تحدد حق البرلمان في التصويت على مشروع المخطط.
ويعتبر مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية لسنوات 2000-2004 الذي قدم كمشروع قانون تحت رقم 37.00 هو آخر مخطط قام البرلمان بالتصويت عليه،

الفقرة الثانية: التصديق على مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية:
لقد نص الفصل 75من الدستور في الفقرة الثانية على أنه يصوت البرلمان مرة واحدة على نفقات التجهيز التي يتطلبها إنجاز مخطط التنمية، وذلك عندما يوافق على المخطط، ويستمر مفعول الموافقة تلقائيا على النفقات طوال مدة المخطط…”
لا يمكن للبرلمان إلا أن يصوت على الاعتمادات المالية المدرجة في القانون المالي السنوي ضمن باب النفقات في حدود ما هو مرخص به والموزعة على الوزارات.
رغم النقص القانوني الذي يعرفه مجال التخطيط بالمغرب، إلا أن لجنة المالية أثناء فحصها لمشروع المخطط غالبا ما تجمع التوصيات والتعديلات المقترحة من طرف البرلمانيين وتلحقها بمشروع المخطط آخذة بعين الاعتبار الأمور القابلة للتحقيق.
بالمصادقة على تدابير القانون المالي السنوي يكون البرلمان قد وافق على الأقساط السنوية التي يتطلبها تنفيذ مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن المخطط رغم اعتماده في مرحلة التمويل على ما تقره توقعات الميزانية فإنه يخضع مشروع القانون المقدم من طرف الحكومة للتصديق البرلماني قبل دخوله حيز التنفيذ.
إن تدخل البرلمان على مستوى فحص المخطط يترجم عن طريق اعتماد أو رفض هذا المخطط، وذلك طبقا للإذن السنوي للالتزام بنفقات الميزانية المدرجة في القانون المالي السنوي المصوت عليه من طرف البرلمان.

المبحث الثاني: صلاحيات البرلمان في اعتماد المعاهدات الملزمة لمالية الدولة والقوانين الجبائية.

إذا كانت مالية الدولة هي في أساسها مشكلة من أموال الشعب، باعتبار مصدرها من الضرائب التي يؤديها المواطنون، فإن المنطق يفرض أن صرفها يجب أن يتم هو أيضا من الشعب نفسه، وما دامت بعض المعاهدات تكون مكلفة لمالية الدولة تلك، فإن اعتمادها يكون بيد الشعب في شخص ممثليه أي البرلمان.

المطلب الأول: الاختصاص البرلماني في اعتماد المعاهدات الملزمة لمالية الدولة

إن المبدأ المستقر عليه في جل الدول، يتمثل في أن البرلمان هو المختص في مجال التصديق على أهم المعاهدات، خاصة التي تلزم مالية الدولة. ويمكن اعتبار وزن ودور كل من الجهاز التنفيذي والجهاز التشريعي في مجال مسطرة دخول المعاهدات حيز التنفيذ، معيارا دالا على نموذجية الأنظمة .

الفقرة الأولى: ماهية المعاهدات الملزمة لمالية الدولة
هناك اختلاف كبير في تفسير طبيعة المعاهدات الملزمة لمالية الدولة، فمن جهة لا يمكن عرض كل الاتفاقيات التي تبرمها الدولة على الموافقة البرلمانية بحجة أنها ترتب تكاليف عمومية، ومن جهة ثانية لا يمكن للحكومة أن تقصي البرلمان من منح الترخيص بالموافقة على نوع من المعاهدات التي تلزم فعلا مالية الدولة.
لقد أقام “جيز” Gaston Jéze في استشارة قانونية، أثناء الجمهورية الثالثة الفرنسية، تمييزا بين المعاهدات المتعلقة بمالية الدولة والمعاهدات الملزمة لمالية الدولة. فهو يعتبر أن هذه الأخيرة هي المعاهدات التي تولد عبئا ماليا جديدا ومباشرا ومؤكدا، في المقابل لا تلزم ميزانية الدولة المعاهدات التي تقلص الدين، فهذه الاتفاقيات تتعلق بمالية الدولة ولكن لا تلزمها.
وتطبيقا لأحكام الفقرة الثانية من الفصل (55) من الدستور، فإن المعاهدات التي يتم إعدادها بين المغرب ممثلا في السلطات الحكومية المعنية، أو سفراء المغرب في الخارج بتنسيق تام مع المصالح المختصة بوزارة الخارجية ووزارة المالية عند الاقتضاء، وبين الجهات المختصة بدولة أو مجموعة من الدول أو منظمة دولية أو جهوية، يتم عرضها على التوقيع أولا بالأحرف الأولى من قبل السلطة المنتدبة لذلك، والتي تكون غالبا هي السلطة التي تكفلت بإجراء المفاوضات.
وتخضع عملية إبرام أي معاهدة لأحكام قانون المعاهدات الذي تم إقراره باتفاقية فيينا الأولى لسنة 1969، ثم اتفاقية فيينا الثانية لسنة 1986، ويتم إرسال نص المعاهدة الموقع عليها من قبل وزارة الخارجية إلى الأمانة العامة للحكومة. حيث تقوم هذه الأخيرة بدراستها وفحص المقتضيات التي ترتب تكاليف تلزم مالية الدولة، وتقوم بتمييز المعاهدات التي تعرض عليها للدراسة ، والقيام بعرضها على مسطرة المصادقة انطلاقا من آثارها المالية ، ومن التكاليف التي ستترتب عنها التزامات مالية. وفي ضوء هذه الدراسة يتم عرض المعاهدات التي لا تكلف مالية الدولة مباشرة على مسطرة المصادقة الملكية، في حين يتم إعداد مشاريع قوانين من حيث المبدأ على المعاهدات الأخرى المكلفة لمالية الدولة، وتعرض هذه الأخيرة على مجلس الحكومة ، تمهيدا لعرضها على المجلس الوزاري قبل إحالتها على البرلمان للموافقة عليها.

الفقرة الثانية: فحص البرلمان للمعاهدات الملزمة لمالية الدولة والترخيص لها
إن مراحل إبرام المعاهدات والتصديق عليها تتميز بطولها وبتعقيدات إجراءاتها، الأمر الذي قد يؤدي إلى عدم الارتباط بالمعاهدات إلا بعد انقضاء سنوات عديدة .
بعد عرض هذا النوع من المعاهدات على المجلس الوزاري، يتم إيداع مشروع القانون، القاضي بالموافقة من حيث المبدأ، لدى مكتب أحد مجلسي البرلمان. وتخضع دراسة هذا المشروع لنفس المسطرة التشريعية التي تخضع لها باقي القوانين الأخرى ، باستثناء ممارسة حق التعديل، إذ أن المسطرة التشريعية هي موافقة من حيث المبدأ، وتهم مختلف مواد وبنود المعاهدة باعتبارها كلا لا يتجزأ، والدراسة تنحصر في حدود ما تنص عليه الفقرتان الثانية والثالثة من الفصل (55) من الدستور. كما تقضي بذلك أحكام المادة 140 من النظام الداخلي لمجلس النواب، والمادة 82 و83 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين، وهي مناقشة عمليا تكون شاملة وعامة يمارس من خلالها البرلمان سلطة إصدار قواعد تشريعية.
وعلى الرغم من أن البرلمان يملك سلطة الموافقة من حيث المبدأ على الاتفاقيات والمعاهدات التي تعرض عليه تماما، كما يملك سلطة رفض هذه الموافقة، فإن الممارسة التشريعية خلال مختلف الولايات النيابية قد كرست سلوك الموافقة التلقائية والمباشرة من قبل البرلمان على جميع الاتفاقيات والمعاهدات التي عرضت عليه.

المطلب الثاني: موافقة البرلمان على القانون الجبائي

إذا كان الدستور يضمن المساواة في تحمل التكاليف العامة أو الأعباء العامة، يلزم أداء الضريبة في حدود مقدرة كل ملزم، فإن ترجمة تلك المساواة في فرض الضريبة، إنما يتم من السلطة التشريعية من خلال مناقشتها وفحصها وكذا تصويتها على مشروع القانون المالي.

الفقرة الأولى: سلطة البرلمان في التشريع الجبائي
انطلاقا من مقتضيات الدستور كأسمى وثيقة قانونية داخل الدولة يتم من خلالها تحدد اختصاص كل مؤسسة وتنظيم سلطاتها، فقد اهتم الدستور المغربي لسنة 2011 بالمجال المالي والضريبي، ويعتبر التشريع من ضمن الاختصاصات الحصرية للبرلمان بما في ذلك التشريع الضريبي، ذلك أن الفصل 39 من دستور 2011 جاء فيه “على الجميع أن يتحمل كل على قدر استطاعته التكاليف العمومية التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها وفقا للإجراءات المنصوص عليها في هذا الدستور”. وكذلك وفقا لمضمون الفصل 75 من الدستور حيث ينص على أنه ” يصدر قانون المالية الذي يودع بالأسبقية لدى مجلس النواب بالتصويت من قبل البرلمان وذلك طبق الشروط المنصوص عليها في قانون تنظيمي ” نفس التأكيد نجده في القانون التنظيمي للمالية 7.98 حيث ينص في المادة 33 على أنه ” يودع مشروع قانون المالية بمكتب أحد مجلسي البرلمان نهاية السنة المالية الجارية بسبعين يوما على أبعد تقدير”
وبالرجوع إلى مضامين الفصل 39 المشار إليه نجده يتضمن القواعد الدستورية في المجال الضريبي، كما يمكننا أن نستخلص منه مبدأين مهمين هما:
المبدأ الأول: هو مبدأ المساواة أمام الأعباء العمومية ، وفي ذلك إشارة إلى المساواة أمام الضريبة التي تعني أن التشريع الضريبي يجب أن يطبق بنفس المقتضيات على الأشخاص الذين يوجدون في وضعيات متشابهة، وبمعنى آخر أن القاعدة القانونية الضريبية لها نفس خصائص القاعدة القانونية ، ومن بينها خاصيتي العموم والتجريد.
المبدأ الثاني: هو تحديد الضريبة وفق المقدرة التكليفية للملزم، وفي هذا تجسيد للقاعدة الدستورية الكامنة في الفصل 39 من الدستور.
ومن جهة أخرى، نجد عبارة التكاليف العمومية التي تدل على أن الاختصاص البرلماني يمتد لجميع الضرائب والرسوم وجميع المساهمات التي يدفعها المواطنون إلى خزينة الدولة.

الفقرة الثانية: مناقشة وتصويت البرلمان على النصوص الجبائية
تعتبر عمليتا المناقشة والتصويت من أهم المراحل التي تمر بها عملية وضع التشريعات الجبائية، وبها تتقرر القوة الإلزامية للقوانين. وتشير المادة 36 من القانون التنظيمي 7-98 إلى أنه لا يجوز في أحد مجلسي البرلمان عرض الجزء الثاني من مشروع المالية للسنة لمناقشته قبل التصويت على الجزء الأول، إذن عن طريق تصويت البرلمان بالأسبقية على الموارد، خصوصا الجبائية منها، يكون ملزما بعدم تجاوز الاعتمادات المخصصة للنفقات العمومية عن تلك المخصصة للموارد.
إن التصويت على النصوص الجبائية ضمن مشروع القانون المالي، يتم وفقا للشروط التي حددها الدستور في الفصل 75، بالإضافة إلى التدابير التي حددها القانون التنظيمي للمالية، سواء تعلق الأمر بعملية الإيداع المرتبطة بآجال محددة وصارمة، أو عملية التصويت. فالنصوص المتعلقة بالمادة الضريبية شكلت الموارد الأكثر أهمية لتدخل البرلمان، الشيء الذي جعل البعض يطلق على البرلمان اسم ” برلمان الضرائب”

خاتمة.

لما كان مشروع القانون المالي يعتبر كأهم وثيقة تعرض على البرلمان خلال كل سنة، لأجل المناقشة والتصويت، فإن ذلك يبرز مدى أهمية الاختصاصات المالية المسندة للسلطة التشريعية، في رفض أو إقرار الميزانية المقترحة عليها من لدن الحكومة، لكن هذه الاختصاصات في المجال المالي تصطدم بمجموعة من القيود التي توضح محدوديتها أحيانا.

المراجع

– المصطفى منار ˝واقع الأموال العمومية بين ضعف البرلمان و هيمنة الحكومة˝المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية. عدد 7 يونيو 2006
– الهبري الهبري، الاختصاصات المالية للبرلمان المغربي، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الأول – كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – وجدة، السنة الجامعية 2005-2006
– حسن عواضة ˝المالية العامة دراسة مقارنة˝.الطبعة 4 دار النهضة العربية .بيروت.1978.ص 29 مشار اليه في مجلة مسالك
– عبد الإله فونتير- العمل التشريعي بالمغرب،الجزء الثاني،سلسلة دراسات و أبحاث جامعية-2- 2002
– عبد الإله فونتير- العمل التشريعي بالمغرب، الجزء الثالث، سلسلة دراسات وأبحاث جامعية 2002
– عبد الرفيع بوداز، السلطات الجبائية للبرلمان في ظل هواجس الحفاظ على التوازنات المالية، مقال، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية- عدد101 – سنة2011
-عبد القادر تيعلاتي.المقارنة و المغربية العامة المالية˝ قانون الميزانية.الجزء 1 الطبعة 3 .دار النشر الجسور.وجدة 2002
– عسو منصور، قانون الميزانية العامة، ط1 ، 2005
– فهمي محمود شكري˝العامة، ماضيها و حاضرها و مستقبلها˝المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع .بيروت 1991 ص 13/مشار إليها في مجلة مسالك م س
– ياسمين الصالحي ، حق التعديل البرلماني في مادة مشاريع قوانين المالية قراءة في تجربة نظام الغرفتين بالمغرب التعديلات المقترحة على مشروع قانون مالية 98-99 ، رسالة لنيل د.د.ع.م في القانون العام ، كلية الحقوق، الدار البيضاء، 1999

– A.FIKRI – LE PARLEMENT MAROCAIN ET LES FINANCES DE L’ETAT AFRIQUE ORIENT 1988
Ahmed Belhaj , Le parlement marocaine 1977-1983 , ed.la porte. Rabat, 1984-
MEHL(L) ET BELTRAM(P) ˝ SCIENCES ET TECHNIQUES FISCALES˝.PUF.PARIS.1984.P62.
– دستور 2011.
– القانون التنظيمي لقانون المالية 7-98
النظام الداخلي لمجلس النواب -2012

التصميم
المقدمة:
المبحث الأول: اختصاصات البرلمان في الموافقة على قوانين المالية ومخططات التنمية.
المطلب الأول: المصادقة على قوانين المالية
الفقرة الأول: فحص مشروع قانون المالية أمام اللجان الدائمة
الفقرة الثانية: المناقشة والتصويت على مشروع قانون المالية أمام الجلسة العامة
المطلب الثاني: الاختصاص في مجال التصديق والموافقة على مخططات التنمية
الفقرة الأولى: الإطار العام لمخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية
الفقرة الثانية: التصديق على مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية
المبحث الثاني: صلاحيات البرلمان في اعتماد المعاهدات الملزمة لمالية الدولة والقوانين الجبائية
المطلب الأول: الاختصاص البرلماني في اعتماد المعاهدات الملزمة لمالية الدولة
الفقرة الأولى: ماهية المعاهدات الملزمة لمالية الدولة
الفقرة الثانية: فحص البرلمان للمعاهدات الملزمة لمالية الدولة والترخيص لها
المطلب الثاني: موافقة البرلمان على القانون الجبائي
الفقرة الأولى: سلطة البرلمان في التشريع الجبائي
الفقرة الثانية: مناقشة وتصويت البرلمان على النصوص الجبائية
خاتمة.