تعّد المعاهدات والاتفاقيات الدولية ، احدى اهم مصادر القانون الدولي الخاص بشكل عام ، وهذا امر طبيعي ، لأن موضوعات القانون الدولي الخاص وان كانت تخص الافراد، الا ان ذلك لا ينفي ما تتمتع به هذه الموضوعات من طابع دولي تمس في كثير من الاحيان مصالح الدول عن طريق المساس بمصالح الافراد التابعين لها(1). وبالتالي ليس ببعيد ان يؤدي هذا الأمر الى نشوء خلافات ونزاعات بين الدول . فتجنباً لذلك ولتحاشي اختلاف الحلول التي توضع للقضية الواحدة في الدول المختلفة، كان من الطبيعي ان تتفق الدول فيما بينها على عقد اتفاقيات لأيجاد الحلول العملية لمثل هذه الخلافات ، وتكفل في الوقت ذاته تحقيق مصالح الدول المتعاقدة ومصالح رعاياها(2). وأثر المعاهدات والاتفاقيات الدولية في القانون الدولي الخاص تبلغ ذروة اهميتها في مجال مركز الاجانب في الدولة ، وذلك لأن الدول – رغبة منها بتوفير وضمان اكبر قسط من الحقوق لرعاياها في الخارج – تتفق فيما بينها على تبني حلول للقضايا المشتركة ، كدخول رعايا كل واحدة منها في اقليم الاخرى ، وتحديد مدى ما يتمتعون من حقوق ، كتمكينهم من ممارسة النشاط المهني والتجاري وتملك الاموال وغيرها من الحقوق الخاصة الاخرى(3).

وتكون المعاهدات والاتفاقيات الدولية مصدراً من مصادر المعاملة بالمثل في مجال مركز الاجانب ، وذلك عندما تنص الاتفاقية على تبني المعاملة بالمثل فيما يتعلق بتطبيق بنود الاتفاقية على الدول المتفقة وذلك عن طريق شرط تبادلي يدرج ما بين بنود الاتفاقية ذاتها وتسمى المعاملة بالمثل في هذه الحالة بالمعاملة الدبلوماسية بالمثل (Diplomatic Reciprocity) . بناءً على ما تقدم فأن المعاملة الدبلوماسية بالمثل في مركز الاجانب تتحقق ، اذا ابرمت معاهدة بين دولتين او أكثر ، فيتعهد كل طرف فيها بتوفير المعاملة نفسها لرعايا الطرف الاخر(4). ويرى البعض(5) أن المعاملة الدبلوماسية بالمثل بمفهومها هذا ، تُعد الوسيلة الفعالة لتنظيم مركز الأجانب في الدولة ، باعتبار ان إبرام معاهدة بين دولتين ، كفيل بتحقيق الغاية او الهدف من تعليق اكتساب الاجانب لبعض الحقوق في الدولة على شرط قيام الدولة الاخرى بتخويل رعايا دولة الإقامة نفس الحقوق ، داخل إقليمها ، اذ يصعب على أي من الدولتين المتعاهدتين الافلات من تنفيذ تعهداتها بمقتضى الاتفاقية والا انعقدت مسؤوليتها .

ونحن نميل الى ترجيح هذا الرأي ، لأن الدول تفضل دائماً اللجوء الى التنظيم الاتفاقي (أي المعاملة الدبلوماسية بالمثل) لغرض تنظيم مركز الاجانب في اقليمها ، على بقية الصور الاخرى من معاملة تشريعية وواقعية بالمثل . وتعّد فرنسا في مقدمة الدول التي تبنت المعاملة الدبلوماسية بالمثل في مجال مركز الاجانب ، اذ نصت المادة (11) من القانون المدني الفرنسي على انه : (يتمتع الاجنبي في فرنسا بنفس الحقوق المدنية المعترف بها او التي سيعترف بها للفرنسيين بموجب معاهدات تعقد مع الدولة التي ينتمي اليها الاجنبي). وبهذا النص العام ، فأن المشرع الفرنسي علق اكتساب الاجنبي للحقوق الخاصة في فرنسا والتي تخرج عن مضمون الحد الادنى للحقوق المقررة بمقتضى العرف الدولي على شرط المعاملة الدبلوماسية بالمثل ، أي شرط تخويل الفرنسي في الدولة التي يتبعها الاجنبي لنفس الحقوق بموجب معاهدة دولية (6). ولا نجد مثل هذا النص العام في القانون العراقي والقانون المصري وغيرها من القوانين الاخرى(7). الا ان هذا لا يعني بأن هذه الدول لا تأخذ بفكرة المعاملة الدبلوماسية بالمثل في مجال مركز الاجانب ، فالدولة تستطيع – بما ترتبط به من اتفاقيات مع دول اخرى – ان تتبنى صورة المعاملة الدبلوماسية بالمثل ، دونما حاجة الى ايراد نص في تشريعاتها تخول نفسها هذا الحق ، مثلما فعل المشرع الفرنسي. فالعراق مثلاً ، وان لم يأتِ بنص عام الا انه قد تبنى في عدة احيان عديدة المعاملة الدبلوماسية بالمثل ، من خلال الاتفاقيات العديدة التي ارتبط بها مع دول اخرى والتي استندت على مبدأ المعاملة بالمثل(8) .

يبقى القول بعد ذلك ، ان شرط المعاملة الدبلوماسية في مجال مركز الاجانب ، هل يمكن ان يكون عاماً شاملاً لجميع حقوق الأجانب في الدولة ؟ ام ان نطاقها يقتصر على مجموعة محددة من الحقوق فقط ؟ يرى البعض(9) ان المعاملة الدبلوماسية بالمثل في مجال مركز الاجانب يمكن ان تكون عامة شاملة لجميع الحقوق التي يتمتع بها الاجانب في الدولة (ما عدا الحد الادنى طبعاً) ، ويمكن ان نقتصر على مجموعة معينة من الحقوق فقط . ويذهب البعض الاخر(10) الى ان المعاملة الدبلوماسية بالمثل ” لا تنصب الا على حق او حقوق معينة ، فلا يمكن ان تشمل كل الحقوق في مركز الاجانب ، والا تعطلت كل صلة قانونية بين افراد الدولتين قبل وجود تلك المعاهدة ، الامر الذي لا يقره العرف الدولي” . الا اننا نعتقد ، بأنه ليس هناك ما يمنع بأن تكون المعاملة الدبلوماسية بالمثل عامة شاملة لجميع حقوق الاجانب ودون ان تؤدي ذلك الى تعطيل الصلاة القانونية بين الدولتين قبل إبرام المعاهدة ، طالما ان الدولة قد كفلت الحد الادنى من الحقوق للأجانب المقررة لهم بموجب العرف الدولي ، وخارج نطاق هذا الحد الادنى من الحقوق ، تملك الدولة مطلق الحرية في تنظيم مسائل تمتع الاجنبي للحقوق في اقليمها ، وليس بالامر البعيد ان تعلق اكتساب الاجنبي لجميع الحقوق الخاصة على شرط المعاملة الدبلوماسية بالمثل . وقد قصد المشرع الفرنسي فعلاً تحقيق هذا المعنى ، من وراء نص المادة (11) من القانون المدني الفرنسي ، (11). فلفظ ” الحقوق المدنية ” الواردة في صلب المادة (11) من القانون المدني الفرنسي، يفيد معنى جميع الحقوق الخاصة الممنوعة على الاجانب بالقانون(12). بمعنى ان المعاملة الدبلوماسية بالمثل تشمل جميع الحقوق الخاصة الخارجة عن نطاق الحد الادنى .

وأخيراً فأن البعض(13). ينتقد المعاملة الدبلوماسية بالمثل من حيث انها تؤدي الى” إخضاع حقوق الاجانب لأداة جامدة ، فإبرام المعاهدة بطبيعته قد يكون اقل يسراً من وجود تشريع في دولة الاجنبي يكفل المعاملة بالمثل” . الا اننا نتفق مع البعض الاخر(14) بأن الانتقاد السابق مردود ، لانه ليس هناك ما يمنع الدولة من الاخذ بأكثر من صورة للمعاملة بالمثل ، ففي الوقت الذي تكون فيه المعاهدة اداة جامدة قياساً الى التشريع ، فأنه ليس هناك ما يمنع من ابرام معاهدة مع بعض الدول ، وإصدار تشريع يكون هو القاعدة في العلاقة مع بقية الدول الاخرى التي لم تنضم للمعاهدة ، وتكون المعاهدة في هذه الحالة مكملة للتشريع . فضلاً عن ذلك ، فإننا نعتقد بأن المعاملة الدبلوماسية بالمثل في مركز الاجانب ، تعد اكثر انواع المعاملة بالمثل ضماناً لحقوق الافراد من رعايا الدول الملتزمة بها ، وذلك بسبب صياغتها في معاهدة دولية تفرض على الدول التزاماً قانونياً، بضمان الحقوق التي تعهدت بمنحها للأفراد الاجانب بموجب المعاهدة او الاتفاقية ، على عكس الحال فيما لو كانت هذه الحقوق تمنح استناداً على مبدأ المعاملة التشريعية او الواقعية بالمثل .

______________________

1- د. غالب علي الداووي ود. حسن الهداوي ، القانون الدولي الخاص ، ج1 ، مطابع مديرية دار الكتب للطباعة والنشر في جامعة الموصل ، موصل ، 1982 ، ص23.

2- المصدر نفسه ، ص23.

3- المصدر نفسه ، ص24 .

4- د. بدر الدين عبد المنعم شوقي ، مصدر سابق ، ص282 .

5- د. هشام علي صادق ، الجنسية والموطن ومركز الاجانب ، مصدر سابق ، ص175.

-6 Henri Batiffol، Paul Lagarde، Droit international prive، Tom I ، sixieme edition، Paris، 1974، p.237.

7- مثل القانون الاردني والليبي واليمني .

8- للاطلاع على الاتفاقيات التي ابرمتها الحكومة العراقية مع الدول الاخرى والتي تبنت فيها مبدأ المعاملة بالمثل ، راجع : علي محمد ابراهيم الكرباسي ، موسوعة التشريعات العقارية ، ج4 ، مطبعة العمال المركزية ، بغداد ، 1988.

9- د. بدر الدين عبد المنعم شوقي ، مصدر سابق ، ص175.

0[1]- د. احمد مسلم ، مصدر سابق ، ص303 ؛ ود. شمس الدين الوكيل ، مصدر سابق ، ص352 ؛ ود. هشام علي صادق ، الجنسية والموطن ومركز الاجانب ، مصدر سابق ، ص175 .

1[1]- انظر في تفسير المادة (11) من القانون المدني الفرنسي :

Jean Derruppe ، Droit International prive، 12 Edition، Dalloz، 1999، p.48.

وفي المعنى نفسه انظر : د. فؤاد شباط ، المركز القانوني للأجانب في سوريا ، مطبعة جامعة دمشق ، سنة 1965 ، ص179 ، ود. هشام علي صادق ، الجنسية والموطن ومركز الاجانب ، مصدر سابق ، ص86 ، هامش رقم (61) .

-12 Ibid. p.48.

3[1]- د. هشام علي صادق ، الجنسية والموطن ومركز الاجانب ، مصدر سابق ، ص175 ؛ ود. شمس الدين الوكيل ، مصدر سابق ، ص354.

14- د. ابراهيم احمد ابراهيم ، مصدر سابق ، ص69.

المؤلف : مراد صائب محمود البياتي
الكتاب أو المصدر : مبدأ المعاملة بالمثل في مجال المركز القانوني للأجانب
الجزء والصفحة : ص32-36

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .