توضيحات قانونية حول الإشكالية الدستورية حول مصير قانون التقاعد المدني

استنادا لحقه الدستوري الوارد في الفقرة الثانية من المادة 59 من الدستور طلب مجلس النواب الأسبوع الماضي من المحكمة الدستورية تفسيرا لنص المادتين 93 و 94 من الدستور لإزالة الإشكالية الدستورية المتعلقة بمصير قانون التقاعد المدني المؤقت رقم (10) لسنة 2010 (المتضمن حرمان النواب والأعيان من الراتب التقاعدي) والذي تم رفضه من البرلمان السابق في جلسة مشتركة وأعلن مجلس الوزراء عن بطلانه ثم صدرت الإرادة الملكية بعدم الموافقة على إعلان بطلانه.

وبعيدا عن الجدل الواسع في الشارع الأردني حول مدى أحقية النواب والأعيان للتقاعد فإننا سنحاول هنا وفي حدود المساحة المتوفرة لنا أن نبرز الإشكالية الدستورية التي أثارها رفض البرلمان لقانون التقاعد المؤقت وبعد ذلك عدم موافقة جلالة الملك على إعلان الحكومة عن بطلانه وأن نقدم وجهة نظر متواضعة حول مصير هذا القانون من الناحية الدستورية.

لقد صدر قانون التقاعد المؤقت (الذي حرم النواب من التقاعد) في عهد حكومة سمير الرفاعي ثم رفضه مجلس الأمة السادس عشر بشقيه الأعيان والنواب في جلسة مشتركة استنادا لأحكام المادة 94 من الدستور، وعلى أثر ذلك أعلنت حكومة فايز الطراونة عن بطلان هذا القانون وانتظرت مصادقة جلالة الملك على هذا الإجراء لكي تعود إلى تطبيق قانون التقاعد الأصلي والذي يمنح النواب والأعيان راتبا تقاعديا، لكن حالة من التذمر في الشارع الأردني دفعت باتجاه صدور الإرادة الملكية السامية بعدم الموافقة على إعلان بطلان ذلك القانون المؤقت والطلب من الحكومة إعداد دراسة شاملة للتقاعد المدني بأبعاده المختلفة تتوخى العدالة والشفافية والموضوعية.

وانصياعا لهذه الرغبة الملكية أعدت حكومة النسور مشروع قانون معدل لقانون التقاعد المدني تقدمت به الأسبوع الماضي للمجلس السابع عشر يتضمن الكثير من الجوانب الايجابية وفي مقدمتها النص على أن الوزير وعضو مجلس الأمة لا يستحق التقاعد إلا إذا بلغت خدماته السابقة الخاضعة للتقاعد سبع سنوات على الأقل، كما أن هذا المشروع يحقق نوعا من المساواة بين الوزراء وأعضاء السلطة التشريعية.

إن مشروع القانون بهذا المضمون لا يثير أي إشكالية قانونية ولكن السؤال الذي بقي قائما ويبحث عن إجابة يتعلق بمصير القانون المؤقت لسنة 2010 وهل انتهى أمره أم أنه ما زال حيا وما زال له قيمة قانونية؟
إننا نعتقد ومن وجهة نظر قانونية خالصة أن ذلك القانون المؤقت قد انتهى أمره بمجرد رفضه من قبل البرلمان بمجلسيه الأعيان والنواب وبأنه كان يتوجب على مجلس الوزراء بموافقة جلالة الملك الإعلان عن بطلانه فورا. ودعونا في هذا السياق نقارن أولا بين “القوانين المؤقتة” و “مشاريع القوانين” توضيحا للنتيجة التي توصلنا إليها، ثم نقرأ نص المادة 94 من الدستور قراءة متأنية لنؤكد هذه النتيجة.

فمشروع القانون– ووفقا للمواد 91 ، 92، 93 من الدستور – يعرض على مجلس النواب ثم على مجلس الأعيان، فإذا تم قبوله منهما يرفع لجلالة الملك للتصديق عليه، وإما إن تم رفضه من المجلسين فينتهي أمره ولا حاجه لرفعه لجلالة الملك ويصبح بحكم العدم. وفي الفرض الأول (إذا وافق المجلسان على مشروع القانون ورفع للملك) نكون أمام احتمالين، الأول أن يصادق جلالة الملك على مشروع القانون فيصبح قانونا نافذا بعد نشره في الجريدة الرسمية، والثاني أن لا يصادق عليه ويرده إلى البرلمان مشفوعا بأسباب الرد خلال ستة أشهر (ويملك عندها مجلسي النواب والأعيان – إذا لم يتعلق الأمر بالدستور – أن يصر كل منهما على رأيه وأن يقر المشروع بأكثرية ثلثي الأعضاء لكل مجلس فيصبح القانون نافذا رغم عدم المصادقة عليه).

وفي مقابل ذلك وإذا كان مجلس الأمة غائبا وهنالك أمر ضروري فإن الحكومة لا تستطيع أن تقدم مشروع قانون للبرلمان لأنه غير موجود وإنما يحق لها بدلا من ذلك – ووفقا للمادة 94 من الدستور – أن تصدر ما يسمى “قانون مؤقت”، وهذا القانون المؤقت يجب عرضه على مجلس الأمة في أول اجتماع يعقده، والذي يملك إقراره أو تعديله أو رفضه، فإذا رفضه “وجب على مجلس الوزراء بموافقة الملك أن يعلن بطلان نفاذه فوراً”. فالقانون المؤقت بهذا المعنى هو إجراء دستوري ضروري لمواجهة حالة غياب البرلمان ولو كان البرلمان موجودا لتم تقديمه إليه على شكل مشروع قانون، وقد رأينا أن مشروع القانون الذي يقره البرلمان هو فقط الذي يرسل إلى الملك للتصديق أو عدم التصديق عليه، أما المشروع الذي يرفضه مجلسي النواب والأعيان فينتهي أمرة ويصبح بحكم العدم، وهذا هو باعتقادنا مصير القانون المؤقت الذي يرفضه البرلمان فلا يعود هنالك مجال للتعامل معه دستوريا ويصبح بحكم العدم وكل ما يملكه مجلس الوزراء وجلالة الملك هو الإعلان (فورا) عن بطلان نفاذه – كإجراء شكلي – ودون أن يكون لهم أي سلطة تقديرية في هذا السياق.

وعليه فإننا نعتقد بأن الإرادة الملكية التي صدرت بعدم الموافقة على قرار مجلس الأمة برفض قانون التقاعد المدني المؤقت كانت غير دستورية وبأنه كان من الأسلم دستوريا الإعلان عن بطلان ذلك القانون بمجرد أن تم رفضه من قبل مجلسي النواب والأعيان، ولا شيء يمنع بعد ذلك من تقديم مشروع قانون للتقاعد المدني ليعالج التشوه الذي حاول ذلك القانون المؤقت معالجته ولو جزئيا ويعكس رغبة جلالة الملك بوجود قانون يحقق أقصى درجات العدالة والشفافية والموضوعية. وإذا كان هنالك رغبة شعبيه بعدم منح النواب تقاعدا وبأثر رجعي منذ عام 2010 فإنه يمكن للقانون القادم أن يسري بأثر رجعي وهو أمر جائز وفقا للمادة 93 من الدستور طالما أنه لا يتعلق بالقوانين الجزائية، فقد نصت هذه المادة على أنه “يسري مفعول القانون بإصداره من جانب الملك ومرور ثلاثين يوما على نشره في الجريدة الرسمية إلا إذا ورد نص خاص في القانون على أن يسري مفعوله من تاريخ آخر”.

وحتى الاقتراح الذي قال به النائب عبد الكريم الدغمي بأنه كان يتوجب – كحل بديل – إعادة ذلك القانون المؤقت إلى البرلمان في غضون ستة أشهر مشفوعا بأسباب رده من قبل جلالة الملك فإنه– مع كل الاحترام – اقتراح غير دقيق وربما كان يهدف إلى رفع الحرج عن الحكومة لأن هذا الإجراء يكون فقط – كما رأينا – بالنسبة لمشروع القانون الذي يوافق عليه المجلسين ثم يرفع إلى جلالة الملك ولا يرى الموافقة عليه فحينها يملك رده إلى البرلمان في غضون ستة أشهر مشفوعا بأسباب الرد، أما القانون المؤقت الذي يرفضه البرلمان بمجلسيه النواب والأعيان – وقياسا على مشاريع القوانين – فلا يمكن أن تبعث فيه الحياة من جديد وليس هنالك أي إجراء دستوري بشأنه سوى الإعلان عن بطلانه فورا (ليس خلال ستة أشهر ولا ستة أيام) ومن قبل السلطة التنفيذية التي وضعته أصلا.

وإلى جانب المقارنة التي أجريناها بين “مشاريع القوانين” و “القوانين المؤقتة” لنثبت بأن القانون المؤقت الذي يرفضه البرلمان ينتهي أمره ولا يبقى سوى إجراء شكلي يتمثل بإصدار الحكومة لشهادة وفاته، فإن القراءة المتأنية لنص المادة 94 من الدستور ذاتها يمكن أن تؤيد النتيجة التي خلصنا إليها، فالمشرع استخدم في هذه المادة تعبيري (وجب) و (فورا) هو دليل واضح على عدم وجود أي مساحة من السلطة التقديرية للتعامل مع القانون المؤقت الذي يرفضه البرلمان، ومن ناحية ثانية فإن هذه المادة أعطت “مجلس الوزراء بموافقة الملك” الحق في وضع القانون المؤقت، ثم أنها أوجبت على “مجلس الوزراء بموافقة الملك” الإعلان عن بطلانه إذا رفضه البرلمان، مما يعطي مؤشرا واضحا على أن جلالة الملك إنما يمارس في سياق الإعلان عن بطلان القانون المؤقت سلطة تنفيذية وباعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية المكونة من جلالة الملك ومجلس الوزراء.
وفي الختام فإننا نتمنى أن يكون رأينا خطأ وما قامت به الحكومة هو الصواب لأنها هي وليس جلالة الملك من يتحمل المسؤولية عن الخطأ إن حصل وفقا لأحكام المادة 40 من الدستور.

من جانب آخر فإننا نرجو ان لا يفهم من هذه المقالة دعوة إلى الانتقاص من سلطات الملك الدستورية بقدر التأكيد على ان النظام الدستوري يتضمن فكرة الملكية الدستورية التي ينادي بها كثيرون هذه الأيام من حيث ان يعطي السلطة التشريعية الممثلة للشعب سلطات تشريعية واسعة . فالدستور الاردني لا يحتاج إلى التعديل بقدر ما يحتاج التفعيل.

المحامي الدكتور محمد الخلايلة
أستاذ القانون العام بكلية الحقوق – جامعة مؤتة