الضمانات القضائية لحقوق الإنسان و حرياته

المحامية / منال داود العكيدي

يعد مبدأ سيادة القانون من الضمانات الدستورية العامة ومن أهم مقومات الدولة القانونية وبها تصان حقوق الأفراد وحرياتهم ولكن ذلك يحتاج الى مراقبة ومنع اي مخالفة من قبل سلطات الدولة وتعويض الافراد عما لحق بهم من ضرر جراء تلك المخالفة ولكن كل ذلك لايكون الا عن طريق هيئة قضائية تأخذ على عاتقها تأمين احترام القواعد القانونية ومراقبة انتهاكاتها وهذه تعتبر ضمانة مهمة لحقوق الإنسان وحرياته.

وتتجسد تلك الضمانة : بقيام السلطة القضائية بتطبيق حكم الدستور وبإنزال حكم القانون على المنازعات التي تنشأ بين الأفراد من جهة أو بينهم وبين السلطتين التشريعية والتنفيذية حول ما يصدر عنها من تشريعات عادية وفرعية .

علاوة على ذلك فان القضاء يتولى ايضا مهمة الرقابة على أعمال سلطات الدولة بموجب الدستور والتي ليس للقضاء ان يلغيها الا اذا كانت تتضمن مخالفة للقانون وهذا يشكل بحد ذاته حافزا لتلك السلطات على الالتزام بالقانون وعلية فقد عدت السلطة القضائية مستقلة وعلى قدم المساواة مع السلطات الأخرى ولهذا نجد أن الدساتير تحرص على تأكيد مبدأ استقلال القضاء فمثلا نصت الفقرة أولا من المادة (19) من الدستور العراقي لعام 2005 على أن ( القضاء مستقل لا سلطان علية لغير القانون) .

ويقوم مبدأ أاستقلال القضاء على أساس مؤدله ك انه لكي تتحقق المساواة وتضمن العدالة في الحكم القضائي يلزم أن يتمتع القاضي بالاستقلال التام والحرية الكاملة والإرادة السليمة في عملية اتخاذ القرار القضائي وهذا يتطلب بأن يحكم القاضي وفقا للقانون وبعيد أعن أي ضغط أو تهديدات سواء كانت بصورة مباشرة أو غير مباشرة ولا يشكل استقلال القاضي بمفرده سلطة أساسية لإصدار الحكم العادل بل لابد من توافر النزاهة التي تقضي بعدم تفضيل شخص على أخر والابتعاد عن التحيز والتعصب والمحاباة وان يصدر القاضي حكمه من دون خوف وفقا للحق والعدل والقانون .

ويرى جانب من الفقهاء بأن مبدأ أاستقلال القضاء قد يصطدم بصعوبات تفقده قيمته ومنها تلك التي تتعلق بمسألة تعيين القضاة من جانب السلطة التنفيذية مما يجعل هذا الاستقلال نسبيا وناقصا وعليه يجب الأخذ بنظام انتخاب القضاة لكن هذا الراي لم يسلم من النقد اذ يتعين على القاضي المنتخب ان يتمتع بنفوذ سياسي واقتصادي يؤهله لتبوا منصبه واختياره من قبل الناخبين الذين عليه ارضائهم وهذا سيؤدي بطبيعة الحال الى مجانبة الحق والعدالة ارضاءا لناخبيه .

إن مبدأ تعيين القضاء هو أشيع الطرائق في اختيار القضاة سواء تضمنت الدساتير نصوصا بخصوص ذلك أولم تتضمن والواقع أن نظام انتخاب القضاة لم ينص عليه سوى عدد محدد من الدساتير ولكن نظام تعيين القضاة يجب أن يكون مصحوبا بضمانات تحول دون خضوع القضاء لأهواء السلطة التي تعينهم وبذلك يتحقق ما تنص علية الدساتير عادة من أن القضاء مستقل لا سلطان لغير القانون علية أم ما يجب تأكيده هنا هو أن القضاة أنفسهم يؤدون دورا كبيرا في ترسيخ ذلك الاستقلال من خلال أيمانهم بأهمية وتمسكهم به في ممارستهم , وفي كل الأحوال فأننا نرى أنه لا يمكن إغفال جانب الاعتبارات السياسية أو الاجتماعية في عملية اختيار القضاة. ويبرز دور الهيئة القضائية في حماية الحقوق والحريات من خلال الحد من تجاوز السلطة التشريعية عن طريق سلطة عليا تتولى الرقابة والحفاظ على المبادئ الدستورية وحسن تطبيقها بحيث يمنع المشرع العادي عن انتهاك تلك المبادئ أثناء عملية تشريع القوانين ولهذا أنشاء ما يعرف بمبدأ الرقابة القضائية على دستورية القوانين ،

فالقاعدة الدستورية تسمو على ما سواها من القواعد القانونية العادية في الدولة ولذلك كان طبيعيا أن تظهر قاعدة دستورية القوانين ومقتضاها : أن لا يصدر أي قانون على خلاف أحكام الدستور وألا عد ذلك القانون غير دستوري ويجب على القضاء الامتناع عن تطبيقه أو إلغائه حسب الأحوال ، ويستند القضاء في بحث دستورية القانون إلى مبدأ مشروعية تصرفات الدولة جميعها وهذا هو معيار التفرقة بين الحكومة القانونية والحكومة الاستبدادية التي لا تنصاع لأحكام القانون وبهدف ضمان حقوق الإفراد وحرياتهم ينبغي احترام القواعد القانونية المطبقة في الدولة من قبل سلطاتها كافة وتحديدا السلطة التشريعية وان يكون القضاء حارسا لذلك الاحترام من خلال سلطته في مراقبة دستورية القوانين ومشروعية اللوائح على حد سواء .

وهناك طريقتان شائعتان لممارسة الرقابة القضائية هما الرقابة بطريقة الدعوى الأصلية ( رقابة الإلغاء ) وبموجبها منح الأفراد أو بعض الهيئات في الدولة حق أقامة دعوى مباشرة أمام المحكمة المختصة للمطالبة بإلغاء قانون ما بحجة مخالفته لأحكام الدستورفأذا تبين للمحكمة صحة ذلك وان القانون يعارض أحكام الدستور بالفعل سارعت إلى الحكم ببطلان هذا القانون وإلغائه ويسري هذا الحكم بالنسبة للكافة أفراد أو هيئات أو محاكم أي لا تثار مسألة دستوريته مرة ثانية ، ونظرا لخطورة الدور الذي تقوم به المحكمة في هذه الحالة فأنه غالبا ما يعهد بهذا النوع من الرقابة إلى محكمة واحدة بغية تجنب التضارب الحاصل في الأحكام أذا ما أنيطت هذه المهمة بمحاكم عدة وقد تكون المحكمة المختصة في هذه الحالة عادية كما هو شأن بعض الدساتير أو محكمة دستورية وهو ما تعلنه غالبية الدساتير وتتجلى فوائد هذا النوع من الرقابة في انه يكفل للإفراد حماية حقوقهم وحرياتهم بطريقة فعالة . أما عيوبه فتتمثل في كثرة الدعاوى المباشرة التي يرفعها الإفراد أمام المحكمة الأمر الذي حدا ببعض المحاكم الدستورية كما في ألمانيا واسبانيا إلى وضع إجراءات احتياطية لقبول هذه الدعوى المباشرة من عدمه . اما الطريقة الثانية فهي الرقابة عن طريق الدفع او رقابة الامتناع ويكون بان يتقدم أمام المحكمة العادية احد الإفراد باعتبار طرفا في الخصومة يطلب فيه عدم تطبيق قانون معين على النزاع المعروض إمامها لكونه غير دستوري وعندما تقتنع المحكمة بصحة الدفع المذكور تمتنع عن تطبيق القانون على الواقعة محل النزاع ولكنها لا تتعرض للقانون نفسه بالإلغاء وهذا بدوره يشكل الفارق بين النوعين من الرقابة القضائية ، أن هذه الوسيلة وان كانت لا تشترط مدة معينة للدفع بعدم دستورية قانون ما لان بإمكان الإفراد ممارسة ذلك الدفع في أي وقت يرون فيه عدم دستورية القانون المطبق عليهم ألا أنها تكاد تكون غير مجدية بسبب اختلاف وجهات نظر المحاكم حول دستورية القانون وهذا الاختلاف يؤدي إلى تعدد الأوضاع القانونية ومن ثم إلى افتقاد النظام القانوني للثبات والاستقرار ولقد مارس القضاء الأمريكي دورا كبيرا في استعمال أسلوب الرقابة عن طريق الدفع ، ومن مزايا هذه الطريقة من الرقابة أنها تجبر البرلمان على احترام الدستور ورعاية الحقوق والحريات ويعاب عليها أنها خولت المحاكم العادية كافة صلاحية فحص القوانين التي يشك في دستوريتها الأمر الذي يؤدي إلى أصدار أحكام عديدة تتناقض فيما بينها وبالتالي عدم الوحدة التشريعية .

وقد يأتي انتهاك الحقوق والحريات عن طريق السلطة التنفيذية بما تملكه من صلاحيات واسعة لتنظيم حقوق الإفراد وحرياتهم قد تنتهك هذه الحقوق والحريات بما تصدره من تعليمات أو أوامر أو ما تتخذه من إجراءات ولذلك فقد بات من الضروري حماية الحقوق والحريات عن طريق القضاء ويرتكز مفهوم هذه الحماية إلى مراقبة أعمال الحكومة والإدارة عن طريق جهتين رئيستين الأولى هي القضاء العادي ويتجسد ذلك بإناطة مهمة الرقابة بجهة قضائية واحدة على اختلاف محاكمها وعلى رأسها محكمة التمييز أو محكمة النقض أو المحكمة العليا او ايا كانت تسميتها حسب النظام المتبع في الدول وتكون ولاية السلطة القضائية في هذا المجال ولاية كاملة في الفصل في الخصومات القضائية التي تنشأ بين الإفراد أو تلك التي تنشأ بين الإدارة والإفراد في حالة الدول التي تتبع نظام القضاء الموحد . اما الجهة الثانية فهي عن طريق القضاء المزدوج في الدول التي تتبعه نتيجة ازدياد نشاط الإدارة وتدخل الدولة في ميادين كانت قاصرة على نشاط الإفراد مما دعى إلى ضرورة الأخذ بنظام القضاء المزدوج وإنشاء محاكم إدارية تختص في الفصل في تلك المنازعات ويقصد بذلك أن تختص جهتان قضائيتان احدهما جهة القضاء العادي وتختص بالمنازعات الناشئة بين الإفراد فقط وجهة القضاء الإداري التي تختص في الفصل بالمنازعات التي تكون الإدارة طرفا فيها بوصفها سلطة عامة أو المنازعات التي ينص القانون على اختصاصها بها وتتألف جهة القضاء الإداري من مجموع المحاكم الإدارية على مختلف أنواعها وعلى رأسها مجلس الدولة وقد سلكت عدة دول ذلك المنهج ومنها فرنسا ومصر ,

 أما في العراق فقد شكلت عام (1989) محكمة تسمى محكمة القضاء الإداري في مجلس شورى الدولة وكذلك توجد محاكم أخرى للقضاء الإداري في مركز المناطق الاستئنافية ببيان يصدره وزير العدل بناء على اقتراح من هيئة الرئاسة في مجلس شورى الدولة . أن إتباع أسلوب القضاء المزدوج يعد أكثر فعالية في حماية الحقوق والحريات من خلال ما يقدمه القضاء الإداري من ضمانات مهمة في هذا المجال ومنها اختصاصه بدعوى إلغاء القرارات الإدارية المعيبة ودعاوي التعويض , والدعاوى التأديبية .