الاهمية القانونية لمبدأ استقلال السلطة القضائية

كلما تعرض أي حق من الحقوق للاعتداء، إلا وبادر صاحبه إلى القضاء للمطالبة به، وهوما لم يتم إلا أمام محكمة مستقلة، لذلك نجد بأن مبدأ استقلال القضاء ، قد تم الاهتمام به في المواثيق الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، وفي دساتير الدول وتشريعاتها الوطنية.

أولا:مبدأ استقلال القضاء في المواثيق الدولية والإقليمية:

أ) في المواثيق الدولية:

تم النص عليه في المادة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وبموجبهما فلكل إنسان الحق وعلى قدم المساواة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة وحيادية نظرا منصفا وعلنيا.

كما أن المؤتمر العالمي لاستقلال القضاء، المنعقد في مدينة مونتريال بكندا سنة 1983، قد أصدر إعلانا عالميا حول استقلال القضاء، أكد فيه على حق كل إنسان، في أن تنظر قضيته من قبل المحاكم ، وفي أن تكون الأحكام الصادرة عنها ، قابلة للطعن أمام المحاكم العليا، كما نص على ضرورة استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.

ب) في المواثيق الاقليمية:

تمت كفالة هذا الحق بالمادة 06 من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية،والمادة 08 من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1978، والمادة 07 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والمادة 09 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان.

كما أن البيان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر عن المجلس الإسلامي العالمي، المنعقد في

باريس عام 1981، قد أكد حق كل فرد، في أن يلجا إلى سلطة شرعية تحميه وتنصفه وتدفع عنه

ما لحقه من ضرر أو ظلم، وأوجب على الحاكم المسلم ، أن يقيم هذه السلطة ويوفر الضمانات الكفيلة بحيدتها واستقلالها.

اما إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام، الصادر عن المؤتمر الإسلامي التاسع لوزراء الخارجية، المنعقد في القاهرة في الفترة الممتدة مابين 31 اجويلية و4 أوث 1990فنص عليه في المادة 19 منه.

ثانيا:مبدأ استقلال القضاء في دساتير الدول وتشريعاتها الوطنية

إذا كان اختصاص السلطة القضائية، ينحصر بالدرجة الأولى في الحكم بمقتضى القانون في جميع المنازعات المرفوعة إليها، فان وصف القضاء بالسلطة، لم يكن محل إجماع في دساتير الدول وتشريعاتها الوطنية من جهة، وفي الفقه الدستوري والقانوني من جهة أخرى.

أ) موقف الدساتير والتشريعات الوطنية من المبدأ:

1) على المستوى الدستوري:

بالرجوع إلى الدستور الجزائري لعام 1996، نجده قد اعتبر القضاء سلطة عامة، بموجب المادة 138 منه، فنصت على أن:(السلطة القضائية مستقلة، وتمارس في إطار القانون)، وهو وصف قد لا يكرس مبدأ استقلال القضاء، لأن القضاء وعلى غرار ما هو سائد في الدول المعاصرة، قلما يكون مستقلا بمفهوم هذا المبدأ، لاسيما عن السلطة التنفيذية، التي وان كانت لا تتدخل للفصل في الخصومات القائمة أمام القضاء بصورة مباشرة، فان اللوائح التنظيمية التي تتخذها بين الفينة والأخرى، عادة ما تشكل تدخلا، يحول دون إعمال هذا المبدأ بصورة فعلية.

غير أنه ومع ذلك، فثمة دساتير لم تعط للسلطة القضائية أي وصف، ومن ذلك دستور الجزائر لعام 1963.

ويلاحظ بأن تعبير(السلطة القضائية)،الذي عمد المؤسس الدستوري إلى استخدامه، إنما يوحي بأن النظام الدستوري القائم لدى هذه الدول، إنما هو نظام ينظر إلى القضاء على أنه يشكل إحدى السلطات العامة في الدولة، شأنه في ذلك شأن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو بذلك يفترض أن يتمتع بالاستقلالية عنهما، الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق مع باقي الأوصاف الأخرى.

2) على المستوى التشريعي:

أما على المستوى التشريعي، فالمادة الثانية من القانون العضوي رقم 98/01 المؤرخ في 30/05/1998 المتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه وعمله، قد نصت على أن:(مجلس الدولة هيئة مقومة لأعمال الجهات القضائية الإدارية، وهو تابع للسلطة القضائية، يضمن توحيد الاجتهاد القضائي الإداري في البلاد.. يتمتع مجلس الدولة حين ممارسة اختصاصاته القضائية بالاستقلالية).

كما أن المادة 07 من القانون العضوي رقم 4/11 المؤرخ في 06/09/2004 التضمن

القانون الأساسي للقضاء قد نصت على أنه:(على القاضي أن يلتزم في كل الظروف، بواجب التحفظ

واتقاء الشبهات والسلوكات الماسة بحياده واستقلاليته).

ب) تقدير مبدأ استقلال القضاء:

يميل الرأي الراجح في الفقه إلى القول، بأن القضاء يشكل إحدى السلطات العامة الثلاث في الدولة، ذلك أنه وعلى الرغـم مــن اختصاص السلطة التنفيذية بتنفيذ القانون، فان ذلك يتوقف على وجود أحكام قضائية بحق الأشخاص الذين خالفوا قواعد القانون، بما يعني وأن الأحكام القضائية، إنما تصدر في مرحلة لاحقة على إصدار السلطة التشريعية للقانون، وسابقة على قيام السلطة التنفيذية بتنفيذه، وبذلك فمرحلة إصدار الحكم من طرف السلطة القضائية، ليست جزء من مرحلة قيام السلطة التنفيذية بتنفيذ القانون.