لقد اجازت التشريعات امتداد مواعيد التبليغات اذا وجدت الاسباب التي تدعو لذلك، وتتمثل هذه الاسباب في العطل الرسمية، فضلاً عن الامتداد بسبب المسافة، وهو ماسنبينه تباعاً:

أولاً: امتداد المواعيد بسبب العطل الرسمية:

انه اذا انتهت المواعيد –اي مواعيد التبليغات- في يوم عطلة رسمية عندها تمدد الى اول يوم يليه من ايام العمل. ويشترط لإمكانية امتداد المواعيد أو المدد بسب العطلة الرسمية أن تأتي العطلة في آخر الميعاد، وبمفهوم المخالفة ان تلك العطلة لاتؤثر في الميعاد اذا جاءت في بداية الميعاد أو خلاله، حيث لا تمتد مواعيد الحضور بسبب ايام الجمع التي تتخلله، لكن الميعاد يمتد اذا كان نهايته يوم جمعة(1).فضلاً عن ذلك فان ميعاد التبليغات تمتد بسبب العطلة الرسمية الى اول يوم عمل بعد العطلة وذلك مهما كان عدد ايام العطلة(2).فعلى سبيل المثال اذا كانت المدة أو ميعاد التبليغ تنتهي في 10/4/2000 وكانت تواريخ 7، 8، 9، 10 عطلة عيد الاضحى فان المدة تمتد الى يوم 11/4 فقط. وتبدو الحكمة في امتداد مواعيد التبليغات بسبب العطلة الرسمية هي لإتاحة الفرصة لمن تقرر الميعاد لمصلحته للتروي في القيام بالعمل حتى آخر يوم فيه، فاذا قرر القيام بالعمل في هذا اليوم ووجده عطلة رسمية فيجب ان يمنح يوماً كاملاً بعدها(3).أما إذا صادف يوم المرافعة عطلة رسمية، فيعتبر تاريخ المرافعة هو يوم العمل الذي يلي تلك العطلة(4).وتعد هذه الحالة من الحالات التي تمتد فيها المواعيد بسبب العطلة الرسمية حيث يعتبر تاريخ المرافعة هو يوم العمل الذي يلي العطلة مباشرة، ويترتب على ذلك ان يلتزم الخصوم بالحضور في ذلك اليوم دون الحاجة الى اصدار تبليغ لهم، حيث يعتبرون مبلغين بموعد المرافعة الجديد بحكم القانون، ويكثر حصول هذه الحالة في المناسبات الوطنية الطارئة وفي بدء أو نهاية عيد الفطر(5).وتطبيقاً لذلك جاء في قرار لمحكمة استئناف منطقة بغداد(6).: “ان الاعتراضات التمييزية لاسند لها من القانون ذلك ان المرافعة كانت قد حددت على تاريخ 1/7/1992 وقد تصادف ذلك اليوم عطلة رسمية (بدء السنة الهجرية) وان المحكمة قد نظرت الدعوى بتاريخ 2/7/1992 استناداً الى احكام المادة (24) من قانون المرافعات المدنية ولم يحضر المدعي أو وكيله رغم التبليغ على موعد المرافعة المذكور فتركت الدعوى للمراجعة ومضت المدة القانونية المنصوص عليها في المادة (54) من ذات القانون فتعتبر الدعوى مبطلة بحكم القانون، عليه قرر تصديق القرار المميز ورد الاعتراضات التمييزية”.

ثانياً: امتداد المواعيد بسبب المسافة:

اذا كانت مواعيد التبليغات تمتد بسبب العطلة الرسمية، فانها تمتد كذلك ان كان محل اقامة المخاطب بموجب ورقة التبليغ القضائي بعيد نسبياً عن محل المحكمة التي يجب المثول امامها لأجراء المرافعة وذلك حتى يتسنى للمخاطب بموجب الورقة من الحضور في المكان والزمان المعينين لأجراء المرافعة ويسمى ذلك بمواعيد المسافة والتي ينبغي على المحكمة مراعاتها. ويقصد بميعاد المسافة: الميعاد الاضافي الذي يزاد على المواعيد المعينة في القانون للحضور أو مباشرة اجراء ما، ويكون ذلك في حالة ما اذا كانت هناك مسافة ما بين المكان الذي يجب الانتقال منه والمكان الذي يجب الانتقال اليه(7).وتبدو الحكمة من اضافة الميعاد الاضافي الى الميعاد الاصلي بسبب المسافة واضحة حيث تقتضي اعتبارات العدالة ان يكون الشخص الذي يسكن في مكان بعيد عن مكان المحكمة متساوياً في الظروف مع الشخص الذي يسكن بالقرب من المحكمة، ومن جهة اخرى حتى لايحرم الشخص من الاستفادة من الميعاد كاملاً بسبب بعده عن المكان المقتضى الحضور فيه(8).لقد عالج المشرع العراقي في الفقرة الثالثة من المادة (23) مرافعات، مسألة امتداد مواعيد التبليغات بسبب المسافة وذلك لمن كان محل اقامتهم خارج العراق وذلك حتى تتاح الفرصة للخصوم من الحضور في الزمان والمكان المعينين لاجراء المرافعة، حيث ذكرت تلك المادة انه في جميع الاحوال يجب تسليم ورقة التبليغ الى دائرة البريد أو الى وزارة الخارجية قبل مدة لاتقل عن خمسة عشر يوماً ولاتزيد على خمسة واربعين يوماً من اليوم المعين للمرافعة. الجدير بالذكر هنا ان المادة اعلاه قد حلت محل بعض النصوص الملغية والتي كانت بدورها تعالج مسألة المسافة لمن كان محل اقامته بعيداً عن محل وجود المحكمة. حيث كانت المادة (22) بفقرتها الثانية(الملغية) توجب باضافة يوم واحد على المدد الاصلية عن كل خمسين كيلومتراً بين محل الاقامة ومحل المحكمة. في حين كانت المادة (23) الملغية تؤكد بانه “اذا كان المطلوب تبليغه مقيماً في بلد أجنبي يطلب رئيس المحكمة الى وزير العدل التوسط لتبليغه بالطرق الدبلوماسية بمقتضى القواعد المقررة في ذلك البلد الا اذا وجدت معاهدة تنص على طريقة خاصة، ويضاف على المدد الاصلية بالنسبة لمن يقيم خارج العراق مدة المسافة تحسب على الوجه الاتي ولو كان له وكيل مقيم في الخارج: أ. شهر في اي بلد في الوطن العربي وتركيا وايران ب. شهران للمقيمين في البلاد الاخرى”.

وعند اجراء مقارنة سريعة ما بين النص الحالي والنصوص الملغية، نرى الفرق الواضح بينهما، حيث ان النص الحالي جاء بصياغة دقيقة وشاملة وحدد مواعيد ثابتة اخذ فيها بنظر الاعتبار التطور الهائل الحاصل في مجال الاتصالات حيث اصبح بمقدور الفرد الانتقال من مكان الى آخر خلال ساعات محددة وبوقت قصير. وبالرجوع الى نص المادة الملغية والتي كانت توجب اضافة يوم واحد عن كل خمسين كم لاحتساب المسافة، نجد ان هذه المادة كانت تعقد من مهمة المحكمة في نظر الدعوى، وذلك عندما كان من واجب المحكمة احتساب المسافات بالكيلومترات وما يشكل ذلك من تأخر حسم الدعوى في وقت ازدادت الدعاوى المرفوعة امام المحاكم مما يقتضي الاسراع في حسم الدعاوى أما المادة الاخرى الملغية، فقد كانت تعطي مواعيداً طويلة جداً فيما يتعلق بالتبليغات، الامر الذي يؤدي الى اطالة أمد الدعوى وتراكم العديد من الدعاوى امام المحاكم وما يشكل ذلك من آثار سلبية على المتقاضين. أما المشرع المصري فيلاحظ انه يوجب اضافة يوم واحد لكل مسافة مقدارها خمسون كيلومتراً ما بين المكان الذي يجب الانتقال منه والمكان الذي يجب الانتقال اليه، اما ما يزيد من الكسور على الثلاثين كيلومتراً فيزداد له يوم على الميعاد، كما انه لايجوز ان يجاوز ميعاد المسافة اربعة ايام، اما لمن يقع موطنه في مناطق الحدود فيكون ميعاد المسافة خمسة عشر يوماً(9).أما من يكون موطنه في الخارج فيكون ميعاد المسافة ستون يوماً، في كل الاحوال يجوز لقاضي الامور الوقتية انقاص هذا الميعاد وذلك تبعاً لسهولة المواصلات وظروف الاستعجال حيث يعلن هذا الأمر مع الورقة(10).وبخصوص تحديد مواعيد المسافة لمن يقيم في الخارج، يلاحظ ان المشرع اللبناني(11). يزيد على المهل الاصلية مهلاً اخرى وعلى النحو الاتي: ثلاثون يوماً اذا كان الشخص الموجه اليه الإجراء مقيماً في احدى الدول العربية أو في تركيا أو قبرص وستون يوماً اذا كان الشخص مقيماً في البلاد الاخرى، في كل الاحوال يجوز بأمر من القاضي أو المحكمة انقاص هذه المهل تبعاً لسهولة المواصلات وظروف الاستعجال، إلا انه لا يستفاد من مهل المسافة كل من وجد مؤقتاً في لبنان وابلغ شخصياً. ويؤكد المشرع الفرنسي(12). انه في حال تقديم الطلب امام سلطة قضائية لها مقر في فرنسا، فان مدد الحضور والاستئناف والمعارضة والطعن والتماس اعادة النظر والنقض يزداد على النحو الاتي: شهر بالنسبة للاشخاص الذين يسكنون في المقاطعات التي تقع عبر البحار، وشهران بالنسبة للاشخاص الذين يسكنون في الخارج. يتضح جلياً، دقة صياغة النص العراقي بالمقارنة مع موقف باقي التشريعات، اذ حدد بشكل لايقبل الشك كيفية التعامل مع الشخص المقيم في منطقة بعيدة نسبياً عن محل وجود المحكمة، وحدد مواعيداً ثابتة يسهل كثيراً على المحكمة وهي بصدد فض النزاع بين المتخاصمين، وذلك بخلاف نصوص التشريعات الاخرى، والتي يمكن ان تتغير مواعيد المسافة بمجرد انتقال الشخص من مكان لأخر وما يترتب على ذلك من تأخير في حسم مسألة التبليغات وبالتالي تأخير حسم الدعوى(13).

___________________________________________________

1- د. وجدي راغب، مصدر سابق، ص 46/ د. محمود محمد هاشم، مصدر سابق، ص 169، 170.

2- د. ممدوح عبد الكريم، مصدر سابق، ص 324، 325/ عبد الرحمن العلام، مصدر سابق، ص 300.

3- للمزيد من التفصيل راجع: د. فتحي والي، الوسيط، مصدر سابق، ص 366.

4- راجع المادة (24) مرافعات عراقي.

5- مدحت المحمود، مصدر سابق، ص 38.

6- القرار التمييزي المرقم (351/ مستعجل/ 92) في 2/8/1992. اشار اليه مدحت المحمود، مصدر سابق، ص 38، 39.

7- د. آمال احمد الفزايري، مواعيد المرافعات، منشأة المعارف، الاسكندرية، دون سنة نشر، ص 96.

8- عبد الرحمن العلام، مصدر سابق، ص 288/ د. ممدوح عبد الكريم، مصدر سابق، ص 322.

9-راجع المادة (16) مرافعات مصري.

10- راجع المادة (17) مرافعات مصري.

11- راجع المادة (420) اصول لبناني.

12- راجع المادة (643، 644) اجراءات فرنسي.

13- على سبيل المثال في النص اللبناني حيث يشير الى زيادة المهل ثلاثون يوماً إذا كان الشخص مقيماً في تركيا، فكيف الحال اذا ما انتقل ذلك الشخص الى ايران مثلاً، وهي دولة متصلة بتركيا إذ في هذه الحالة تكون المهلة ستون يوماً فما السبب في تغير المهل بين دولتين متجاورتين يقيم الشخص في إحداها؟

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .