تتنوع أثاث مسكن الزوجية فمنها ما يخص الرجل كالسلاح ومنها ما يخص المرأة كالحلي ومنها ما يخصهما كالفرش والأواني . وقد تحدث المنازعة في ملكية هذه الأثاث بين الزوجين أو ورثتها عند إستمرار الرابطة الزوجية أو بعد انتهائها فتدعي الزوجة ملكيتها لهذه الأثاث في حين يدعي الزوج خلاف ذلك فلمن يحكم بها ؟ أجمع الفقهاء المسلمون أن الأثاث تكون لمن له البينة أما إن أقام كلاهما البينة أو لم تكن لأي منها بينة فقد اختلف الفقهاء في ذلك باتجاهين : –

الاتجاه الأول – قال : تقسم الأثاث مناصفة بين الزوجين بعد أن يحلفا اليمين بغض النظر عن نوعيته آخذين بظاهر حديث رسوله صلى الله عليه والة وسلم (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر )(1) ، فلا يقدم أحد الزوجين على الآخر إلا بحجة ظاهرة والظاهر مع الزوجين فتقسم الأثاث مناصفة بينهما(2) .

الاتجاه الثاني – قال : إن أقام كل منهما البينة رجحت بينة من يدعي خلاف الظاهر . فترجح بينة المرأة على بينة الرجل فيما يصلح للرجال وترجح بينة الرجل على بينة المرأة فيما يخص النساء فيحكم بمقتضى البينتين . أما إن عجزا عن البينة يكون القول قول الزوج بيمينه فيما يصلح للرجال فقط والقول قول الزوجة بينها فيما يصلح للنساء فقط . وما يصلح للزوجين فيه قولان ، الاول : القول للزوجة في مقدار ما يجهز مثلها في العادة وما زاد على ذلك يحكم به للزوج لأن يده هي المتصرفة فيه ، الثاني : القول للزوج بيمينه لأنه صاحب البيت ويده صاحبة التصرف فيه(3) . وقد استدل أصحاب الاتجاه الثاني أيضاً بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( البينة على من ادعى واليمين على من أنكر) إلا أنهم اختلفوا مع أصحاب الاتجاه الأول في تفسير هذا الحديث من جهة تعيين المدعي والمدعى عليه . فذهبوا إلى أن المدعي هو من كان قوله على خلاف أصلٍ أو عرف والمدعى عليه من كان قوله على وفق أصل او عرف(4) . ونحن نميل إلى ترجيح الاتجاه الثاني وذلك فيما يخص الرجال وما يخص النساء من اثاث لانه استند في حلوله لهذه المسألة إلى التفسير الأمثل للقاعدة العامة في حل المنازعات بين الخصوم وهي ( البينة على من ادعى واليمين على من أنكر) من حيث تحديد مركز المدعي والمدعى عليه . أما ما يصلح لهما ، فنعتقد أن حلها يكون وفقاً للعرف ، فإن كان العرف يلزم الزوج بالتجهيز فيحكم له بالاثاث بيمينه إن لم تكن للزوجة بينة . أما إن كانت الزوجة هي الملزمة بالتجهيز وفقاً للعرف . فيحكم لها بيمينها في حدود ما جهزت به ، إن لم يكن للزوج بينة . ونظراً لخلو قانون الاحوال الشخصية العراقي النافذ من نصٍ صريح لحل هذه المسألة مما يعد نقصاً تشريعياً يقتضي تلافيه نبين فيما يلي موقف القضاء العراقي الذي يمكن ايجازه بما يأتي :

أنه استقر على افتراض ملكية الزوجة للأثاث، وبني هذا الافتراض على ما جرى به العرف من قيام الزوجة بالتجهيز من مهرها المعجل وإن الأثاث التي يأتي بها الزوج ما هي إلا هبة للزوجة حيث جاء في قرارات محكمة التمييز بأن ( الأصل في الأثاث الزوجية أنها تعود للزوجة باعتبارها اشترتها من مهرها المعجل أو من مالها الخاص أو مما يساهم به أهلها ومعارفها بهذه المناسبة أو اشتريت لتجهيز دار الزوجية سواء كان ذلك قبل الزواج أو بعده )(5) ، و(أن العرف المحلي يقضي بأن الأثاث الموجودة في دار الزوجية تعود للزوجة عدا الملابس الرجالية وبقية الأشياء التي لا تصلح للنساء )(6) ، و ( استقر القضاء على الأثاث التي يشتريه الزوج من ماله الخاص خلال الحياة الزوجية وقبلها وبتركها تحت إستعمال الزوجة تعتبر عائدة للزوجة على إعتبار أنها هبة ولا يصح الرجوع عن الهبة عملاً بأحكام ( المادة /623 ) ، من القانون المدني العراقي )(7) .

ولو سايرنا اتجاه محكمة التمييز بان العرف الجاري في العراق هو قيام الزوجة باعداد وتاثيث بيت الزوجية من مهرها المعجل فيفترض ان يكون حل النزاع بين الزوجين في ملكية اثاث بيت الزوجية من خلال تكليف الزوج باثبات ملكيته للاثاث بأعتباره في مركز المدعي والزوجة في مركز المدعى عليه، استناداً الى احكام المادة (7/2) من قانون الاثبات العراقي والتي نصت على ان (المدعي هو من يتمسك بخلاف الظاهر والمنكر هو من يتمسك بابقاء الاصل). حيث ان المدعي في مجال الاثبات لا يقصد به رافعه الدعوى بل يقصد به من يدعي خلاف الظاهر اصلاً او عرضاً او فرضأ (8). والظاهر هنا مع الزوجة فتكون في مركز المدعى عليه والزوج في مركز المدعي فيكلف بالاثبات ، الا اننا نجد ان القضاء العراقي يخالف ما استقر عليه ويكلف الزوجة بالاثبات، مخالفاً بذلك احكام المادة (7/1) من قانون الاثبات العراقي والتي نصت على ان (البينة على من ادعى واليمين على من انكر) فيفترض في المحاكم البدائية وبناءاً على هذا الاتجاه تكليف الزوج بالاثبات وان كانت الزوجة غالباً هي التي تقيم دعوى المطالبة باثاث بيت الزوجية (9) .

وبناءاً على تكليف الزوجة بالاثبات ، تقدم الزوجة غالباً شهوداً لاثبات دعواها ، وعندما يطلب الزوج تقديم ادلته لاثبات ملكيته للأثاث المتنازع فيها ترفض المحكمة طلبه بحجة استقرار القضاء العراقي على عدم جواز اثبات النفي (10). ونتيجةً لهذا اللبس الواضح في تعيين المدعي والمدعى عليه نجد ان القضاء العراقي قد سد الطريق امام الزوج لاثبات ملكيته لاثاث بيت الزوجية مما يلحق به غبن وظلم فاحش (11) .كما ان العرف ليس على وتيرة واحدة في كافة أنحاء العراق فالعرف الجاري في القرى والارياف سارٍ على ان يتسلم اهل الزوجة مهرها مقدماً دون ان يكونوا ملزمين بتأثيث المنزل وانما تأثيثه يكون على عاتق الزوج من ماله الخاص ، كما ان افتراض الهبة افتراض يكذبه اقامة دعوى المطالبة بملكية الاثاث .

____________________

1- حديث البينة اخرجه السيوطي في جامعه الصغير وعزاه للبيهقي في السنن وابن عساكر عن ابن عمر (رض) 1/131.

2- الامام محمد بن ادريس الشافعي ، كتاب الام ، مصدر سابق ، ج5 ، ص95 . وللتوسع في ادلة هذا القول ينظر : قيس عبدالوهاب ، ملكية اثاث بيت الزوجية ، مصدر سابق ، ص ص63-65 .

3- شمس الدين السرخي ، المبسوط ، مصدر سابق ، ج5 ، ص ص213-214 ؛ و محمد مصطفى شلبي، احكام الاسرة في الاسلام ، مصدر سابق ، ص ص435-436 .

4- قيس الحيالي ، ملكية اثاث بيت الزوجية ، المصدر السابق ، ص67 .

5- قرار محكمة التمييز المرقم 1166 ، مدنية ثالثة منقول ، 1988 ، والمؤرخ في 15/5/1988 ( غير منشور ) .

6- قرار رقم 404 ، مدنية متفرقة في 12/11/1987 ، مجموعة الاحكام العدلية ، العدد السابق ، 1987، ص43.

7- قرار رقم 573 ، مدنية منقول في 13/12/1987 . مجموعة الاحكام العدلية ، العدد الرابع ، 1987 ، ص ص59-60.

8-استاذنا، د. عباس العبودي، شرح قانون الاثبات العراقي، ط2، جامعة الموصل، دار الكتب للطباعة والنشر، 1997، العراق، ص54.

9- قيس الحيالي، ملكية اثاث بيت الزوجية، مصدر سابق ، ص88.

10- انظر قرار محكمة بداءة الموصل المرقم (3875-ب-94) المؤرخ في 11/12/1994 (غير منشور) ، والمصدق تمييزياً من قبل محكمة التمييز بقرارها المرقم (574-مدنية ثالثة-95) المؤرخ في 31/10/1995 (غير منشور).

11- قيس الحيالي ، المصدر السابق ، ص88.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .