الأثر القانوني لعدم تلاوة الحكم القضائي في التشريع العراقي

د. عبد المنعم عبد الوهاب / نقابة المحامين العراقيين

إعادة نشر بواسطة محاماة نت
Abstract :

The judicial ruling procedurally correct and arranged its legal results, if all its corners and conditions have been completed, and fulfilled whole legal statements. However, the omission of the court, or abstention, for the recitation of its judgment in the case, eviscerate its correct, and put it within the circle of nullity, even the judicial ruling conform all corners and legal statements which established by law . This research deals with the legal impact of the lack of recitation of the judicial ruling in Iraqi legislation .

الملخص:

يعتبر الحكم القضائي صحيحا من الناحية الإجرائية، وتترتب عليه أثاره القانونية، إذا اكتملت جميع أركانه، واستوفى كافة شروطه وبياناته القانونية. غير أن إغفال المحكمة، أو امتناعها، عن تلاوة حكمها في الدعوى المنظورة من قبلها، يسلب عنه صحته، ويدخله ضمن دائرة البطلان، ولو جاء مستكملا لأركانه وشروطه، مستوفيا لبياناته المنصوص عليها قانونا. ويتناول هذا البحث بيان الأثر المترتب على عدم تلاوة الحكم القضائي في التشريع العراقي.

المقدمة

في الدعوى المدنية، بعد أن تستمع المحكمة لطلبات الخصوم ودفوعهم، وتطلع على ما يقدمه كل منهم من مستندات وأسانيد تؤيد ادعاءه أو تدحض دفوع خصمه، وتستكمل الإجراءات المرسومة قانونا للسير في الدعوى المنظورة من قبلها، تقرر ختام المرافعـة وتحدد موعدا لإصدار الحكم فيها. ويتحقق إصدار الحكم بتلاوة منطوقه في جلسة علنية من قبل قاضي المحكمة، أو رئيسها، وفي موعده المحدد سلفا.

وبتلاوة منطوق الحكم القضائي تكون المحكمة قد فصلت في النزاع المعروض عليها بما أثبتته في منطوق حكمها من حق للمحكوم له ، وأنهت ولايتها على الدعوى موضوع النزاع ، فلا يجوز لها – بعد تلاوة منطوق الحكم – الخوض في موضوعها مجددا ، كما ولا يسوغ لها أيضا إجراء أي تغيير أو تعديل على منطوق حكمها وما استند إليه من أسباب .

ويكتسب الحكم القضائي – بمجرد تلاوته – حجية الأمر المقضي به اتجاه الناس كافة ، ولا تزول عنه هذه الحجية حتى يُبطَل ، أو يُعَدَّل ، أو يُفسَخ ، أو يُنقَض من قبل المحكمة المختصة بعد الطعن به بإحدى طرق الطعن المقررة قانونا ، والتي يبدأ احتساب المدد المعينة لمراجعتها من اليوم التالي لتلاوة الحكم القضائي لمن صدر الحكم بحقه حضوريا ، ومن اليوم التالي للتبليغ به لمن صدر بحقه غيابيا .

وهكذا يتبين أن أهمية تلاوة الحكم القضائي تتجاوز مجرد كونه إجراء ختاميا لعديد من الإجراءات التي أوجب قانون المرافعات المدنية على محكمة الموضوع استيفائها عند نظر الدعوى المعروضة عليها ، حيث يترتب عليه سريان الآثار القانونية للحكم القضائي .

في مواجهة الأهمية البالغة التي يوليها القانون العراقي لتلاوة الحكم القضائي ، تُطرح إشكالية إغفال محاكمنا المدنية لتلاوة حكمها في الدعوى المنظورة من قبلها ، حيث استقر مسلكا عمليا ، ونهجا متبعا ، لدى المحاكم المدنية في العراق – من مختلف الاختصاصات الوظيفية والدرجات القضائية – تجاهل تلاوة ما تصدره من أحكام ، معتمدة في تبرير ذلك على جملة مزاعم منها كثرة ما تنظره من الدعاوى يوميا ، وازدحام جدول أعمالها اليومي بعديد من المهام الوظيفية الأخرى .

إن هذه الإشكالية المطروحة إذ تؤشر – من جانب – مخالفة جسيمة من قبل محكمة الموضوع لصريح نص القانون وتجاوزها على تطبيقه أصوليا ، فإنها – ومن جانب آخر – تثير تساؤلا موضوعيا حول الأثر القانوني المترتب على هذا السلوك ، ومدى تأثيره على صحة اعتبار ما صدر عن المحكمة “حكما قضائيا” ، بالنظر لعدم استيفائه إجراء جوهريا من الإجراءات التي نص عليها القانون. وتتجسد خطورة هذا الجانب الأخير في أن انتفاء صفة الحكم القضائي عما أصدرته المحكمة يحيله إلى مجرد سطور من الكلام ، لا يترتب عليها أي اثر من الآثار القانونية للحكم القضائي .

وبحدود اطلاعي وجدت أن الكثير من الدراسات والشروح لقانون المرافعات المدنية العراقي قد أسهبت في بيان نظرية الأحكام القضائية ، إلا أن نصيب بحثها فيما يخص تلاوة الأحكام لا يزيد – في أحسن حالاته – عن إيضاح للنص الآمر بتلاوة الحكم ، دونما إشارة تذكر للأثر القانوني المترتب على عدم استيفاء المحكمة لهذا الإجراء .

وسعيا وراء معرفة الأثر القانوني لعدم تلاوة الحكم القضائي ، فقد قسمت هذا البحث على ثلاثة مطالب ، أفردت المطلب الأول لتحديد ماهية الحكم القضائي ، وخصصت المطلب الثاني لبيان إجراءات إصداره ، وتناولت في المطلب الثالث الآثار المترتبة للحكم القضائي ، ثم أوجزت في خاتمة للبحث ما توصلت إليه من نتائج وتوصيات حول موضوعه .

المطلب الأول : ماهية الحكم القضائي

للإحاطة بماهية الحكم القضائي ، يقتضي الأمر تعريفه لغة واصطلاحا ، وبيان أركانه وما يشتمل عليه من بيانات ، وما يدخل ضمن منطوقه الذي أوجب القانون على المحكمة تلاوته علنا . لذا قسمت هذا المطلب إلى ثلاثة فروع ، أفردت الفرع الأول لتعريف الحكم القضائي ، وخصصت الفرع الثاني للتعريف بأركانه وبياناته القانونية ، وتناولت في الفرع الثالث ما يدخل ضمن منطوقه.

الفرع الأول / تعريف الحكم القضائي :

الحُكمُ (بالضم) في اللغة يأتي بمعنى القضاء[1] . وبهذا المعنى أيضا اكتفى بتعريفه غالبية الفقهاء المسلمين[2] ، فيما اتجه آخرون منهم إلى تعريفه بما يصف ماهيته ، فعرفه الفقيه ابن عابدين من الأحناف بأنه : فصل الخصومات وقطع النزاعات”[3] ، وعرفه القرافي من المالكية بأنه : “إنشاء إلزام أو إطلاق”[4] . ثم زاد عليهم المعاصرون من الفقهاء والباحثين في الشريعة الإسلامية فأضافوا إلى تعريفه ما يشتمل عليه من عناصر ومقومات ، فعرفه عبد الناصر أبو البصل بأنه : “ما يصدر عن القاضي ، ومن في حكمه فاصلا في الخصومة متضمنا إلزام المحكوم عليه بفعل ، أو بالامتناع عن فعل ، أو إيقاع عقوبة على مستحقها ، أو تقرير معنى في محل قابل له”[5].

أما في الاصطلاح القانوني فللحكم القضائي معنيان ، عام وخاص . فالحكم بمعناه العام يقصد به كل أمر أو قرار يصدر

عن السلطة القضائية ولو لم يكن فاصلا في خصومة[6] ، كالأمر الصادر عن القاضي بناء على طلب الدائن بمنع مدينه من السفر خشية تهربه عن سداد الدين ، أو الأمر القضائي المتضمن تعيين مدير لإدارة المال الشائع استجابة لطلب أحد الشركاء . وكالقرار الصادر عن المحكمة بوضع العين موضوع الدعوى تحت الحراسة بإيداعها لدى طرف ثالث لحين البت بعائديتها ، والقرار بالإذن الممنوح من المحكمة المختصة للوصي بالقيام بتصرف قانوني معين نيابة عن القاصر . فمثل هذه الأوامر والقرارات وإن كانت تصدر عن سلطة قضائية ، إلا إنها لا تبت في دعوى معروضة أمامها ، وإنما تصدر عنها أما وفقا لوظيفتها الولائية (الإدارية) ، وإما وفقا لوظيفتها القضائية المرسومتين لها بنص القانون . وإذا كان قد درج على تسمية مثل هذه القرارات والأوامر أحكاما ، فذلك لأنها تعكس إرادة السلطة القضائية التي أصدرتها بتطبيق أحكام القانون في مسألة فرعية عرضت عليها.

وإما الحكم بمعناه الخاص فيقصد به القرار الصادر عن المحكمة المختصة الفاصل في الدعوى المنظورة من قبلها أو في شق منها . ولقد ألقى تباين حدود ما يشمله مصطلح الحكم بهذا المعنى (الخاص) في قوانين المرافعات والإجراءات المدنية العربية إلى ظهور اتجاهين فقهيين في تعريفه . فعرفه الاتجاه الأول بأنه : “القرار الصادر من محكمة مشكلة تشكيلا صحيحا ومختصة في خصومة أو في شق منها أو في مسألة متفرعة عنها”[7] . فالحكم عند أصحاب هذا الاتجاه الفقهي هو كل قرار تصدره محكمة الموضوع ، وفقا لوظيفتها القضائية ، في الدعوى المنظورة من قبلها ، منذ إقامتها وحتى انتهائها . كقرارها بتكليف أحد طرفي الدعوى بالإثبات ، أو قرارها بجعل الدعوى مستأخرة لحين الفصل بموضوع دعوى أخرى مرتبطة بها ، أو قرارها بانتداب خبير لتقدير قيمة التعويض المطالب به في الدعوى ، وغيرها من القرارات الأخرى التي تصدرها المحكمة أثناء نظر الدعوى وقبل الفصل فيها . فهذه القرارات ومثيلاتها ، وكما يستدل من مضمونها ونتائجها ، لا تفصل في موضوع الدعوى ، وإنما تستهدف تنظيم السير فيها ، أو الاستجابة إلى طلب موضوعي أو دفع شكلي من الخصوم ، أو البت في مسألة متفرعة عن موضوع الدعوى الأساسي . فيتبين مما سبق أن دلالة الحكم في هذا الاتجاه الفقهي هي أكثر شمولا وأوسع مساحة ، وذلك لاستيعابها كل القرارات التي تصدرها محكمة الموضوع خلال نظرها الدعوى . ويتطابق مسلك المشرع في مصر وغالبية الدول العربية مع رؤية هذا الاتجاه الفقهي ، فقوانين المرافعات والإجراءات المدنية في تلك الدول تستخدم مصطلح الحكم بذات الدلالة والشمول[8] .

أما الاتجاه الفقهي الثاني فيُعَرَّف الحكم بأنه :” القرار القطعي الحاسم للدعوى الصادر من محكمة مشكلة تشكيلا قانونيا

في منازعة مطروحة عليها وفقا لقانون المرافعات المدنية “[9] . فالحكم عند أصحاب هذا الاتجاه هو حصرا القرار الحاسم للنزاع المعروض على المحكمة ، والذي تنتهي به الدعوى . وبهذه الصفة ينفرد ويتميز عن سائر القرارات الأخرى التي تصدرها المحكمة أثناء نظر الدعوى ، وقبل الفصل في موضوعها . ويتطابق مسلك المشرع العراقي والمشرع السوداني مع رؤية هذا الاتجاه الفقهي . فمصطلح الحكم في قانون المرافعات العراقي وقانون الإجراءات المدنية السوداني هو القرار النهائي الذي تصدره المحكمة وفقا لقواعد المرافعات والذي يتم بمقتضاه حسم النزاع المعروض عليها[10]. أما مصطلح القرار فهو كل إجراء آخر تتخذه المحكمة عند نظرها في الدعوى ويكون غير حاسم فيها[11].

يتضح تماما مما سبق بيانه أن استخدام المشرع العراقي والمشرع السوداني لمصطلحي الحكم والقرار في قانون المرافعات المدنية ، أكثر دقة من استخدامهما في سائر قوانين المرافعات والإجراءات المدنية العربية ، وذلك لأن التمييز بينهما يفضي إلى تأكيد القاعدة التي تضمنتها سائر قوانين المرافعات والإجراءات المدنية العربية والتي تقضي بعدم جواز الطعن بالقرارات التي تصدرها المحكمة أثناء سير الدعوى إلا مع الحكم الفاصل فيها . فهذه القرارات لا تخضع إلى طرق الطعن كمبدأ عام إلا مع الحكم النهائي الذي يصدر في الدعوى[12] ، إلا ما استثناه القانون بنص[13] .

وجدير بالذكر أننا سنعتمد فيما يلي من صفحات هذا البحث استخدام مصطلح الحكم بدلالته التي أخذ بها المشرع العراقي ، وتبناها الاتجاه الفقهي الثاني .

الفرع الثاني / أركان الحكم القضائي وبياناته :

يوجب الفقه القانوني توافر ثلاثة أركان في الحكم القضائي وهي : أن يصدر عن محكمة مختصة ، فاصلا في خصومة معروضة عليها ، وأن يكون مكتوبا مستوفيا للبيانات المقررة له قانونا[14].

فالحكم لكي يكتسب صفته القضائية يجب أن يكون – أولا – صادرا عن محكمة مختصة اختصاصا وظيفيا ، ومشكلة تشكيلا صحيحا موافقا للقانون . وبالتالي يخرج من عداد الأحكام القضائية القرارات التي تصدر عن لجان أو هيئات أناط بها القانون مهمة معينة[15] ، ولو كان ضمن تشكيلة هذه اللجان أو الهيئات قاضٍ أو أكثر ، ولو رسم القانون طريقا للطعن بقرارات هذه اللجان والهيئات لدى المحاكم المختصة . وذلك لان مثل هذه اللجان والهيئات ليست محاكم ، كما أن الطعن بقراراتها لدى المحاكم المختصة لا يضفي عليها وظيفة قضائية لان الاختصاص الوظيفي للقضاء مناط بالمحاكم حصرا وفقا لنص القانون[16].

والحكم لكي يكتسب صفته القضائية يجب أن يكون – ثانيا – فاصلا وحاسما لنزاع قائم بين أطراف دعوى معروضة على المحكمة ومنظورة من قبلها ، وعليه يخرج عن وصف الحكم القضائي المعني بهذا البحث كل قرار لا يحسم نزاعا معروضا أمام المحكمة ، ولو كان قرارا اتخذته المحكمة أثناء سير المرافعة في الدعوى المنظورة من قبلها ، فمثل هذا القرار مجرد إجراء جزئي في الدعوى وليس قاطعا للخصومة فيها ، وكما مر بنا عند تعريف الحكم القضائي في الإصلاح القانوني .

والحكم لكي يكتسب صفته القضائية يجب أن يكون – ثالثا وأخيرا – مكتوبا ومستوفيا لبياناته القانونية . حيث لا يعتد بحكم شفهي لم يكتب[17] ، ولا يترتب عليه أي اثر قانوني ، كون المادة/161 مرافعات مدنية قد ألزمت المحكمة بتحرير مسودته قبل تلاوته علنا[18].

أن فقدان الحكم لأي ركن من أركانه الثلاثة يَسلبُ عنه كينونته القانونية ، فلا يترتب عليه أي اثر قانوني ، لأنه حينئذٍ هو والعدم سواء ، ولذلك أطلق عليه الفقه القانوني أسم “الحكم المنعدم” وصفا لحقيقته ، وتمييزا له عن الحكم المستوفي لوجوده القانوني[19] .

أما البيانات الواجب توافرها في لائحة الحكم القضائي (التي تعرف في قانون المرافعات المدنية العراقي باسم إعلام الحكم) فقد حددتها المواد/154و162 و166 مرافعات مدنية[20]، وهي :

اسم المحكمة التي أصدرت الحكم ، للتعرف على أنه قد صدر عن محكمة مختصة وظيفيا بالدعوى موضوع الحكم ، وذلك لان الاختصاص الوظيفي للمحكمة من النظام العام لا يجوز مخالفته .

أن يصدر الحكم باسم الشعب[21]، لان الشعب هو مصدر السلطة وشرعيتها[22] . وهذه القاعدة من النظام العام أيضا[23] .

تاريخ إصدار الحكم ، أي تاريخ النطق به ، وذلك لتحديد بدء مدد الطعن القانونية به .
بيان الاسم الكامل لقضاة هيئة المحكمة الذين أصدروا الحكم ، أو القاضي المنفرد الذي أصدره ، للتأكد من أن الحكم قد صدر
عن محكمة مشكلة تشكيلا صحيحا وفقا للقانون .

أسماء الخصوم في الدعوى بشخصهم ، وأسماء وكلائهم ، وذلك لتحديد كل من المحكوم له والمحكوم عليه.
إثبات حضور الخصوم وغيابهم ، وذلك لتمكين مَن صدر الحكم بحقه غيابيا من الطعن به لدى نفس المحكمة التي أصدرته بطريق الاعتراض على الحكم الغيابي أن رغب بذلك .
خلاصة وافية بالدعوى تتضمن موجز بادعاءات الخصوم فيها ، ودفوعهم ، وما استندوا إليه من وقائع وحجج وأدلة قانونية .
بيان بالقرارات التي سبق للمحكمة اتخاذها خلال سير الدعوى .
منطوق الحكم وما بني عليه من علل وأسباب، والمواد القانونية التي استند إليها.
الحكم بمصاريف الدعوى على الخصم المحكوم عليه . ويدخل في حساب المصاريف أجور المحاماة ومصاريف الخبرة ونفقات الشهود وأجور الترجمة المقتضاة . وإذا تعدد المحكوم عليهم فللمحكمة الحكم بقسمة المصاريف بينهم بنسبة ما حكمت به على كل منهم[24] .
ويعد الحكم القضائي معيبا إذا ما اعتراه نقص ، أو شائبة ، في أي من بياناته القانونية ، حيث ينتقص ذلك العيب من

صحته ، دون أن يمتد إلى كينونته كحكم ، فيكون قابلا للبطلان ، مع احتفاظه بطبيعته كحكم قضائي[25] .

الفرع الثالث / منطوق الحكم القضائي :

يقصد بمنطوق الحكم القضائي الفقرة الحكمية التي انتهت إليها المحكمة . فمنطوق الحكم هو القالب الذي يصاغ فيه ذلك الحكم ليصبح قابلا للتنفيذ[26] ، حيث لا قيمة عمليا لحكم قضائي فاقد لإمكانية تنفيذه . وبمقتضى منطوق الحكم القضائي يحصل الخصم المحكوم له على الحماية القانونية، لذا يجب أن يكون صريحا واضحا لا لبس فيه ، موجزا لا يتضمن تفصيلات أو تفريعات لا لزوم لها ، دقيقا في ألفاظه البسيطة والبعيدة عن التعقيد[27] .

ويلحق بمنطوق الحكم القضائي بيان الأسباب التي بني عليها وفقا لما قررته المادة/159 مرافعات مدنية[28] ، وهو ما يُعرف في الفقه القانوني بـ((التسبيب)) . وتسبيب الحكم القضائي يتحقق ببيان أسبابه القانونية والواقعية . ويراد بالأسباب القانونية نصوص التشريعات النافذة التي صدر الحكم القضائي طبقا لها ، أو ما استقته المحكمة من أحد مصادر القانون الأخرى المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون المدني بحسب ترتيبها أن لم تجد نصا تشريعيا تستند إليه في الحكم[29] .

أما الأسباب الواقعية فهي وقائع الدعوى وأدلتها التي يستند إليها الحكم . ويشترط في الأسباب الواقعية التي يستند إليها الحكم القضائي أن تكون كافية ومنطقية ومستمدة من ذات الدعوى وأسانيدها ، ولا يجوز إسنادها لعلم القاضي الشخصي بما يتصل بالدعوى أو ظروفها[30] ، إذ ليس للقاضي أن يحكم بعمله الشخصي الذي حصل عليه من خارج المحكمة[31] .

كما ويدخل ضمن منطوق الحكم القضائي الحكم بمصاريف الدعوى، إذ يجب على المحكمة عند إصدار الحكم الذي تنتهي به الخصومة أمامها أن تحكم من تلقاء نفسها بمصاريف الدعوى على الخصم المحكوم عليه.

المطلب الثاني : إجراءات إصدار الحكم القضائي

حدد قانون المرافعات المدنية العراقي سلسلة من الإجراءات المتتابعة لإصدار الحكم القضائي . تبدأ هذه الإجراءات بإعلان محكمة الموضوع ختام المرافعة في الدعوى المنظورة قبلها وتحديد موعد للنطق بالحكم فيها ، ثم اختلاءها بنفسها للمداولة في موضوع الدعوى وصولا لاستقرار قناعتها بحكم فاصل وحاسم للنزاع المعروض عليها تحرر مسودة بمنطوقه ويتلى علنا في الموعد المحدد ، ثم أخيرا تحرير إعلام بالحكم متضمنا كافة بياناته القانونية . وفيما يلي نستبين كل إجراء من هذه الإجراءات في فرع مستقل .

الفرع الأول / ختام المرافعة وتحديد موعد للنطق بالحكم :

بعد أن يدلي الخصوم بأقوالهم ودفوعهم ، ويقدموا ما لديهم من أسانيد وبينات تعضد حججهم ، وتستكمل المحكمة ما تتطلبه الدعوى المنظورة من قبلها من إجراءات التحقق والإثبات ، وتجد إن الدعوى قد أصبحت مهيأة للفصل فيها ، تستوضح من طرفيها عما إذا تبقى لأي منهما ما يقال بشأن موضوعها ، فان أجاب أي منهما بالإيجاب استمعت لأقواله وعرضتها على خصمه ليرد عليها حتى ينتهي ما يقال ، أو أجابا معا بالنفي ، تقرر ختام المرافعة في الدعوى وتصدر حكمها فيها في ذات اليوم ، أو تحدد للنطق به موعدا آخر لا يتجاوز خمسة عشر يوما من تاريخ تفهيم ختام المرافعة[32] .

وبإعلان ختام المرافعة يمتنع على المحكمة أن تسمع لأية توضيحات أو إضافات ، ولا أن تقبل أية مذكرات أو مستندات من أي من الخصوم إلا بحضور الخصم الآخر ، ولكن يجوز لها فتح باب المرافعة في الدعوى مجددا إذا ظهر لها ما يستوجب ذلك على أن تدون في محضر المرافعة الأسباب التي تبرر هذا القرار[33] .

وللمحكمة فتح باب المرافعة مجددا إما من تلقاء نفسها ، كما لو وجدت أنها لم تستوفِ إجراء من الإجراءات المطلوبة في الدعوى ، وإما بناء على طلب احد الخصوم ، كما لو استحصل على مستند هام أو مؤثر في الدعوى، وطلب ضمه إلى أوراقها . وفي كلتا الحالتين يتوجب على المحكمة تحديد موعد جديد للمرافعة في الدعوى ، وتبليغ أطرافها بذلك أصوليا ، ثم السير فيها وفقا للإجراءات المرسومة قانونا حتى استيفاء الأسباب التي أعيد فتح باب المرافعة من اجلها ، ثم تقرر ختام المرافعة في الدعوى وتصدر حكمها فيها وفقا لما يبدو لها في ذات اليوم، أو أن تحدد للنطق به موعدا آخر لا يتجاوز خمسة عشر يوما من تاريخ التفهيم بختام المرافعة ، وكما مر بنا سابقا . مع ملاحظة إن الأصل العام يقضي بأن المحكمة غير ملزمة بالاستجابة لطلب الخصوم بفتح باب المرافعة مجددا في الدعوى ، إذ إن قرارها في هذا الشأن يخضع لسلطتها التقديرية[34].

الفرع الثاني / المداولة وتحرير مسودة منطوق الحكم :

بعد أن تقرر المحكمة ختام المرافعة ، تدخل الدعوى المنظورة من قبلها مرحلة المداولة . وتتحقق المداولة بالمشاورة بين أعضاء المحكمة – إن كانت مشكلة من هيئة قضائية – ، أو بتأمل قاضيها المنفرد وتدبره ، في أوراق الدعوى وما تحصل حول موضوعها وصولا لحكم فيها . وتتم المداولة بصورة سرية ، وذلك لضمان استقلال القضاة ومنع أي تدخل في عملهم ، وتمكينهم من إبداء رأيهم في موضوع المداولة بحرية تامة . وعليه لا يجوز لغير أعضاء المحكمة ، أو قاضيها المنفرد ، حضور المداولة أو المشاركة فيها ، ولو كان هذا الغير قاضيا . وإذا تعذر على أحد أعضاء هيئة المحكمة التي نظرت الدعوى الاشتراك في المداولة ، لتمتعه بإجازة اعتيادية أو مرضية، أو لنقله ، أو لإحالته على التقاعد ، أو لوفاته ، أو لأي سبب آخر ، فلا يجوز إحلال قاضٍ آخر بديلا عنه في المداولة ، وإن تم تكليفه كعضو في هيئة المحكمة بأمر رسمي صحيح ، وذلك لأن الحكم في الدعوى يجب أن يصدر عن القضاة الذين حضروا جلسات المرافعة فيها، لذا يجب أن يصار حينئذٍ إلى فتح باب المرافعة مجددا في الدعوى بهيئة المحكمة الجديدة وتلاوة محاضر المرافعة ثم تقرر المحكمة ختام المرافعة وتحديد موعد لإصدار الحكم فيها[35] .

سبق وعرفنا أن المادة/156 مرافعات مدنية توجب على المحكمة إصدار حكمها في الدعوى المنظورة من قبلها خلال أمد لا يتجاوز خمسة عشر يوما من تاريخ تفهيم ختام المرافعة فيها ، وهو ما يعني أن القانون يلزم المحكمة بسقف زمني محدد للمداولة لا يتجاوز المدة التي حددتها المحكمة سلفا لإصدار حكمها في الدعوى ، فالمداولة ليست غاية في حد ذاتها ، وإنما هي إجراء مضبوط بزمن تحدده المحكمة سلفا غايته التوصل لحكم في الدعوى المنظورة من قبلها . إن إدراك هذه الغاية في المحاكم المشكلة من قاضٍ منفرد يكاد أن يكون أمرا مؤكدا ، وذلك لأن قناعة المحكمة بالحكم يرسيها رأي قاضٍ واحد ، غير أن بلوغ هذه الغاية في المحاكم المشكلة من هيئة قضائية قد يكون أمرا صعب المنال ، وذلك لاحتمالية تعدد آراء أعضاءها بما تحصل لكل منهم عن موضوع الدعوى المنظورة ، مما قد يحول دون اتفاقهم جميعا ، أو أكثريتهم ، على حكم واحد فيها . وتلافيا لمثل هذا الموقف فقد أوجبت المادة/158 مرافعات مدنية على عضو الهيئة القضائية الأقل درجة أن ينضم إلى جانب احد الآراء الأخرى عند تشعبها لتكوين الأكثرية المطلوبة لإصدار الحكم[36] .

بعد انتهاء المداولة ، يصار إلى تحرير مسودة بمنطوق الحكم الذي تم الاتفاق أو التوافق عليه ، وتوقع من قبل قاضي المحكمة أو رئيسها وأعضائها ، على أن يدون العضو المخالف رأيه وأسباب مخالفته عند صدور الحكم بالأكثرية ، وتحفظ هذه المسودة في إضبارة الدعوى ، لحين موعد النطق بالحكم[37] .

الفرع الثالث / النطق بالحكم :

في الموعد المحدد سلفا من قبلها تتلو المحكمة في جلسة علنية منطوق حكمها الذي سبق لها تحريره. ولا يشترط القانون حضور أطراف الدعوى لهذه الجلسة ، فالحكم المنطوق به يكون حضوريا بحق الخصم الذي حضر بنفسه أو بمن يمثله أية جلسة من جلسات المرافعة في الدعوى ، ويكون غيابيا بحق من تخلف عن حضور جميع الجلسات[38] .

يُجمِعُ الفقه القانوني على إن النطق بالحكم يكون بقراءة مسودة منطوقه ، أو منطوقه مع أسبابه ، بصوت عالٍ في الجلسة المحددة لذلك[39] .

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى إن اختيار المشرع العراقي لكلمة “يُتلى” الواردة في صدر المادة/161 مرافعات مدنية يكشف عن رغبته بتوكيد علنية النطق بالحكم القضائي ، فالدلالة اللغوية لكلمة ” يُتلى ” هي: القراءة بصوت مرتفع مسموع ، بينما تعني كلمة ” يُقرأ ” تتبع الكلمات بالنظر سواءٌ نُطِقَ بها أم لا[40] . وهكذا يعضد المعنى اللغوي لهذه الكلمة وجوب النطق العلني لمنطوق الحكم القضائي .

ويجب أن يتلى منطوق الحكم من قبل قاضي المحكمة ، أو رئيس الهيئة القضائية وبحضور كافة أعضائها الذين اشتركوا في المداولة ، ولا يجوز إيكال هذه المهمة إلى كاتب الضبط أو سواه ، لان ذلك يقلل من هيبة المحكمة[41]. ويجوز تلاوة الحكم بغياب احد أعضاء الهيئة القضائية التي أصدرته عند تعذر حضوره لمرض أو لسبب قاهر بشرط أن يكون ذلك العضو قد وقَّعَ على مسودة منطوق الحكم ، فأن لم يكن قد وَقَّعَ عليها فلا يجوز تلاوتها حتى وان كان قد اشترك في المداولة السابقة لتحريرها ، ولن يعتد بها منطوقا للحكم إن تليت لمخالفتها صريح نص المادة/160 ف1 مرافعات مدنية .

لقد سبق وعرفنا إن المحكمة ملزمة بتلاوة منطوق الحكم في موعده المحدد سلفا ولا يجوز لها إستئخاره عملا بنص المادة/156 مرافعات مدنية ، فهل يسوغ لها استعجاله ؟ .

في ظل عدم وجود نص قانوني ، يرى الفقه القانوني[42] جواز ذلك إذا جد سبب يبرره ، كزوال صفة رئيس المحكمة أو احد أعضائها بصدور قرار بنقله أو إحالته على التقاعد قبل التاريخ المحدد للنطق بالحكم ، مما سيتوجب معه فتح باب المرافعة مجددا

في الدعوى ، وهذا ما يفضي بالتأكيد إلى إطالة أمد التقاضي فيها . ويجب عند استعجال المحكمة لموعد النطق الحكم أن تبلغ أطراف الدعوى أصوليا بذلك لئلا تفوت عليهم مدد الطعن بالحكم التي يبدأ حسابها من تاريخ النطق به .

وبعد النطق بالحكم يتوجب على المحكمة تحرير إعلام بالحكم الصادر خلال خمسة عشر يوما من تاريخ النطق به متضمنا

كافة بياناته القانونية، ويوقع من قبل قاضي المحكمة أو رئيسها ويختم بختمها. وللمحكمة أن تزود مَن يطلب من طرفي الدعوى بنسخٍ رسمية من إعلام الحكم ، بعد أن تحفظ نسخته الأصلية (والتي غالبا ما تكون محررة بخط يد القاضي أو كاتب المحكمة) في إضبارة الدعوى . كما وللمحكمة أيضا أن تزود الغير بنسخة رسمية من إعلام الحكم بعد أن يقدم لها طلبا مسببا بذلك[43] .

ومن الضرورة التنبيه إلى إن قانون المرافعات المدنية العراقي وان نص على سبق تحرير منطوق الحكم القضائي على إعلامه المتضمن كافة بياناته القانونية ..، إلا إن ما يفهم من صريح نص المادة/161 مرافعات مدنية إن التلاوة العلنية إنما تخص منطوق الحكم دون إعلامه ، وبالتالي فلا موجب قانوني لتلاوة إعلام الحكم القضائي بعد تنظيمه ضمن المدة المحددة له قانونا .

المطلب الثالث: الآثار المترتبة للحكم القضائي

للحكم القضائي آثار عدة ، نتناول في فرعين مستقلين ما يترتب على صدوره ، وما يترتب على عدم تلاوته علنا .

الفرع الأول : الآثار المترتبة على إصدار الحكم القضائي

يتحقق صدور الحكم القضائي منذ لحظة اكتمال تلاوة منطوقه علنا من قبل محكمة الموضوع وفي موعده المحدد سلفا ، حيث تترتب على تلاوة منطوق الحكم الآثار القانونية للحكم القضائي . فبتلاوة منطوق الحكم تكون المحكمة قد حسمت النزاع المعروض عليها ، وانتهت ولايتها الوظيفية على رؤية الدعوى ، وحاز الحكم الصادر عنها حجية الشيء المقضي فيه . ولمحدودية هذا البحث نوجز الحديث بكل اثر من هذه الآثار في فقرة مستقلة .

أولا : حسم النزاع القائم

بصدور الحكم تفصل المحكمة بالنزاع المعروض أمامها ، فتكشف عن عائدية الحق المدعى به في الدعوى المنظورة قبلها ، وتزيل بذلك الحكم حالة التجهيل التي كانت تكتنف ذلك الحق . والأصل في الأحكام أنها كاشفة للحقوق ، وليست منشئة لها . فالمحكمة عندما تقضي في النزاع المعروض أمامها إنما تكشف عن الحقوق المتنازع فيها ، ولا تنشئ حقوقا جديدة في واقع الأمر . كما لو قضت برفض دعوى الدائن فأنها تقرر حالة قانونية موجودة وهي عدم صحة الحق المدعى به في الدعوى ، وبذلك يزول كل اثر للادعاء . ولكن الحكم قد يُنشأ أحيانا مركزا قانونيا جديدا لم يكن موجودا قبل صدوره ، كما في حالة الحكم بإشهار إفلاس التاجر ، فهذا الحكم ، مُنشأ لمركز قانوني ، وليس لحق جديد[44].

ثانيا : خروج النزاع عن ولاية المحكمة

وبصدور الحكم تستنفذ المحكمة ولايتها بالنسبة لما فصلت فيه بحكمها ، ويخرج النزاع عن سلطتها ، ولا يجوز لها أعادة النظر فيه ، سواء أرادت المحكمة إعادة النظر فيه من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصوم ، أو حتى لو تبين لها لاحقا عدم عدالة أو عدم صحة ما قضت به . لان السلطة ، التي استنفذتها المحكمة بهذا الخصوص ، هي سلطتها القضائية ، لذا لا تستطيع المحكمة العدول عما قضت به أو تعديله أو الإضافة إليه إلا وفقا للقانون[45].

ثالثا : اكتساب الحكم حجية الأمر المقضي به

يكتسب الحكم القضائي بمجرد صدوره حجية الحكم، أو ما يعُرَف بحجية الأمر المقضي به. وهذه الحجية للحكم هي

قرينة قانونية قاطعة أضفاها المشرع على الحكم القضائي ومفادها أن ذلك الحكم قد صدر صحيحا من الناحيتين الشكلية والموضوعية، لذلك فهو يعتبر حجة فيما قضى به[46]. وتستهدف حجية الأحكام استقرار الحقوق والمراكز القانونية ووضع حد لتجدد الخصومات وعدم تأبيدها، وتفادي صدور أحكام متناقضة متعارضة مما يؤدي إلى مشكلات في تنفيذها، وفَقدُ القضاء لهيبته ولاحترام الناس له[47].

ويكتسب الحكم القضائي حجيته وإن كان بالإمكان الطعن فيه بإحدى طرق الطعن المقررة قانونا، فهذه الحجية تبقى ولا تزول إلا إذا أُبطِلَ الحكم أو عُدِّلَ أو فُسِخَ أو نُقِضَ من قبل المحكمة المختصة. غير إنها لا تمنع من تصحيح ما قد يرد في الحكم القضائي من أخطاء مادية كتابية أو حسابية، و لا تمنع كذلك من تفسير الغموض الذي قد يشوب بعض فقراته شريطة أن لا يمس كل ذلك بمضمون الحكم، وان يتم وفقا للأصول المقررة قانونا[48] .

ويترتب على حجية الحكم، أو حجية الأمر المقضي به، أثران، أحدهما سلبي والآخر إيجابي. أما الأثر السلبي فهو عدم جواز طرح ذات الدعوى أمام القضاء مجددا، وعند إعادة طرحها، ولو بإضافة أدلة جديدة إليها واقعية أم قانونية، فعلى المحكمة أن تحكم بعد قبولها لسبق الفصل فيها. أما الأثر الايجابي فهو ضرورة احترام ما قضى به الحكم من قبل المحكمة والخصوم، ولا يجوز الطعن به إلا بالطرق المقررة قانونا[49].

ومع بلوغ الحكم القضائي درجة البتات، أما باستنفاذه طرق الطعن المقررة له قانونا، أو بفوات مواعيدها، أو باتفاق الخصوم في الدعوى على إسقاط حقهم في الطعن، يحوز قوة الحكم، أو قوة الشيء المقضي فيه . وحينها يصبح حجة بما فصل فيه من الحقوق ، ولا يُقبل دليل ينقض حجيته[50]. وتعد قوة الأحكام من النظام العام[51]، حيث تقضي بها المحكمة من تلقاء نفسها ، ولو لم يتمسك بها أي من الخصوم ، كما يجوز التمسك بها في جميع مراحل الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة التمييز ، ويعد كل اتفاق أو تنازل عن التمسك بها باطلا .

الفرع الثاني : الأثر المترتب على عدم تلاوة الحكم القضائي

تعرفنا في المطلب السابق ، وبشكل موجز ، على الآثار المترتبة على إصدار الحكم القضائي ، وعرفنا إن هذه الآثار إنما تترتب بعد صدور الحكم القضائي ، وليس قبل صدوره ؛ أي بعد النطق به ، أو بعد تلاوة منطوقه علنا ، وليس قبل ذلك . وذلك لان الحكم قبل النطق به لا وجود له قانونا[52] . فالمحكمة قد تنتهي من تحرير مسودة بمنطوق الحكم في الدعوى المنظورة من قبلها بعد ختام المرافعة فيها وانتهاء المداولة حول موضوعها ، إلا إن مسودة منطوق الحكم هذه ستبقى مجرد “مشروع حكم” ، ولن يترتب على عليها أي اثر قانوني ، ويمكن لقاضي المحكمة ، أو أي من أعضاء هيئتها ، الرجوع عنه ، لان تحرير مسودة بمنطوق الحكم هو إجراء من إجراءات إصدار الحكم القضائي ، أما صدور الحكم القضائي ، أي وجوده القانوني ، فلا يتحقق ، ولا تترتب آثاره ، إلا بعد تلاوة منطوقه علنا في الموعد المحدد لذلك[53] .

لما تقدم يصح تماما أن نقرر بان تلاوة الحكم القضائي ليست مجرد إجراء ختامي من إجراءات إصداره، وإنما هي شهادة ميلاده الحقيقية، ودالة وجوده الفعلي، وبدون استيفائها لن يولد الحكم القضائي صحيحا مستكملا لأركانه وشروطه القانونية .

إذن ، ما الجزاء القانوني المترتب على عدم تلاوة المحكمة لمنطوق الحكم في الدعوى المنظورة من قبلها ؟

لم يورد المشرع العراقي نصا صريحا في قانون المرافعات المدنية النافذ يجيب على هذا التساؤل، كما فعل المشرع المصري بالنص في المادة/174 من قانون المرافعات في المواد المدنية والتجارية على بطلان الحكم غير المنطوق به علنا[54] . إلا إن القضاء العراقي كان قاطعا في موقفه تجاه الحكم غير المنطوق به ، حيث جاء في قرار لمحكمة التمييز الاتحادية :” لوحظ إن المحكمة بعد أن قررت ختام المرافعة في الدعوى وحددت موعدا لتلاوة القرار ..

إلا إنها في الموعد المذكور أصدرت حكمها المميز خلافا لأحكام المادة/161 من قانون المرافعات المدنية التي أوجبت تلاوة منطوق الحكم علنا بعد تحرير مسودته وكتابة أسبابه في الجلسة المحددة لذلك ، وحيث أن النطق بالحكم معناه تلاوته في جلسة علنية مما يترتب على ما تقدم بطلان الحكم المميز ، لذا قرر نقضه “[55] . كما إن الاتجاه العام في الفقه القانوني العربي يرتب البطلان على عدم النطق العلني بمنطوق الحكم ، ويعتبر هذا البطلان متعلقا بالنظام العام[56] ، لأنه يتعلق بذات الوظيفة القضائية لمرفق القضاء ، وما تقتضيه لحسن أدائها[57]. إلا إن هناك اتجاه آخر يرى إن مخالفة قاعدة علانية النطق بالحكم تؤدي إلى انعدام الحكم وليس إلى بطلانه ، أي إن هذا الحكم يصبح كأن لم يكن ، أو بمعنى آخر كأن لم يولد أصلا[58] . إن هذا الاتجاه ، وبرغم مما قد يتضمنه من حرص يمكن تفهمه على ضرورة استيفاء العمل الإجرائي لكافة أركانه وشروطه القانونية ، إلا إن العمل به سيسهم بلا شك في تعقيد مسالك العملية القضائية الهادفة إلى ضمان حقوق المتقاضين ، بتعليق استحقاق الحق الموضوعي للمحكوم له على إجراء شكلي ، مما يفضي إلى إطالة أمد التقاضي واستمرار حالة النزاع بين أطراف الدعوى لزمن أطول مما ينبغي فعليا . وهذا من شأنه أن يفتح بابا للتذمر من عموم العملية القضائية ، مما يضعف ثقة الجمهور بإحكام القضاء ، ويزعزع من هيبته .

وحيث أن البطلان المترتب على عدم تلاوة منطوق الحكم يتعلق بالنظام العام ، لذا يتوجب على محكمة الطعن القضاء ببطلان الحكم المطعون به لعدم تلاوة منطوقه علنا ، وبغض النظر عن السبب الذي حمل محكمة الموضوع على عدم تلاوته علنا ، سواء أكان ذلك لإغفالها غير المتعمد لهذا الإجراء الوجوبي ، أو لتجاهلها المتعمد له . فما تعلق بالنظام العام من قواعد التنظيم القضائي يكون مقررا للمصلحة العامة[59] ، وبالتالي لا يجوز تجاوزه .

هذا عند الطعن بالحكم غير المَتلوّ علنا ، فماذا لو لم يطعن بهذا الحكم أي من الخصوم في الدعوى ؟ .

إن القاعدة التي أرساها قانون المرافعات المدنية العراقي تقضي بان :” الحكم الذي يصدر من المحكمة يبقى مرعيـا ومعتبرا ما لم يُبطل ، أو يُعّدل من قبل المحكمة نفسها ، أو يُفسخ ، أو يُنقض ، من محكمـة أعلى منها وفـق الطرق

القانونية “[60] . فيفهم من ذلك إن الحكم غير المنطوق به يبقى مرعيا ، ومرتبا لكافة آثاره القانونية ، حتى يُبطل أو يُعَدّل من قبل ذات المحكمة التي أصدرته[61] ، أو أن يُفسخ أو يُنقض من محكمة أخرى أعلى منها درجة .

ولكن هل يسوغ للمحكمة تلافي حالة البطلان لحكمها غير المتلو علنا في موعده المحدد سلفا ، بتلاوته في موعد لاحق ؟

عرفنا إن من الآثار القانونية المترتبة على إصدار الحكم القضائي ، خروج النزاع عن ولاية المحكمة . وينبني على هذا الأثر القانوني امتناع المحكمة عن إجراء أي تعديل أو إضافة أو تغيير على الحكم الصادر بالدعوى المنظورة من قبلها ، وما بُنيَّ عليه من أسباب وإجراءات . ويدخل ضمن هذا المنع عدم إحداث المحكمة لأي تغيير أو تعديل أو إضافة على نصه المكتوب (منطوقه وأسبابه) ، ولو تبين لها لاحقا عدم صحة ما قضت به ، أو عدم صحة ما استندت إليه في حكمها من أسباب . كما ويدخل ضمن هذا المنع أيضا عدم إعادة المحكمة لأي إجراء سبق وان اتخذته في الدعوى ، أو أي إجراء من الإجراءات المطلوبة للدعوى تم إغفاله من قبلها ، كإغفالها النطق بالحكم علنا . وذلك لأن القانون يقضي بكف يد المحكمة عن الدعوى حالما تكشف عن إرادتها بالفصل في موضوعها ، وهذه الإرادة إنما تتجسد بالحكم الذي صدر عنها وأصبح معلوما لدى الخصوم ، وبغض النظر إن كان هذا الحكم قد تمت تلاوته علنا أم لا، بالنظر إلى إن علم الخصوم بحكم المحكمة ممكن إن يتحقق باطلاعهم المباشر على مسودته وليس بسماعها فقط . وعليه فلا مورد قانونا لتصحيح حالة بطلان الحكم القضائي لعدم تلاوته بتلاوته لاحقا ، لان وسيلة إزالة هذا البطلان “الوحيدة” هي الطعن في الحكم بالطريق المناسب قانونا[62] .

وتجدر الإشارة إنه لا يلزم قانونا أن يذكر في منطوق الحكم أو إعلامه أنه قد تم النطق به علنا ، لأن الأصل في الإجراءات أنه قد روعيت ما لم يقم الدليل على عكس ذلك[63] . وعليه ، فإن خلو نسخة إعلام الحكم الأصلية مما يفيد تلاوته علنا لن يرتب عليه البطلان[64] ، إلا إذا ثبت بالطرق القانونية المعتبرة عدم تلاوته .

الخاتمـة :

تستهدف الأحكام القضائية حماية حقوق الأشخاص ومراكزهم القانونية ، مما يفضي إلى تحقيق الاستقرار والتوازن في المجتمع ، وتعزيز سيادة القانون . وللحكم الصادر عن المحكمة أركان وشروط لابد من استيفائها ليعتد به حكما قضائيا . ويكتسب الحكم القضائي وجوده الموضوعي ، وتترتب عليه آثاره القانونية ، منذ لحظة إكمال تلاوة منطوقه علنا . فتلاوة الحكم ، أو النطق به ، هو سنام الإجراءات القانونية المطلوبة لإصداره حكما قضائيا صحيحا . وهو علاوة على ذلك ضمانة من ضمانات التقاضي ، وتجسيد لمبدأ علانية المحاكمات . فالحكم غير المنطوق به علانية – وان استوفى أركانه وشروطه الأخرى – يعتبر عملا قضائيا غير مكتمل الوجود ، ويفتقد لصفة الصحة ، ويترتب عليه البطلان ، وبطلانه هذا متعلق بالنظام العام لتعلقه بأسس النظام القضائي وإجراءاته .

ويكشف الواقع القضائي في العراق عن شيوع ظاهرة إغفال المحاكم المدنية لتلاوة منطوق ما تصدره من الأحكام علنا في الموعد المحدد لها سلفا ، وهو سلوك مخالف للقانـون ، لن تبرره حجج ازدحام جدول أعمالها اليومي بكم من الدعاوى ، ولا

كثافة وزحم ما يناط بها من مهام تنفيذية أخرى .

وتلافيا لهذه الظاهرة الشائعة ، نقتـرح على المشرع العراقي أن يُعَدّل نص المادة/161 مرافعات مدنية ويضمنه نصا

صريحا ببطـلان الحكم غير المنطوق به ، أسوة بما فعل المشرع المصري في المادة/ 174 من قانون المرافعات في المواد المدنية والتجارية . كما ونقترح على مجلس القضاء الأعلى في العراق توجيه أعمام مشدد لكافة المحاكم بضرورة الالتزام بتلاوة مسودات منطوق أحكامها في مواعيدها المحددة سلفا ، واعتبار إغفالها هذا الإجراء خطأ فاحشا بحق قاضي المحكمة أو رئيسها . فلعل ذلك يساهم في وأد تلك الظاهرة غير المسؤولة ، وفرض التطبيق السليم لأحكام القانون .

المصادر

أولا- كتب التفسير والفقه الإسلامي

محمد بن جرير الطبري ، تفسير الطبري من جامع البيان في تفسير القرآن ، مج 5 ، ط1 ، مؤسسة الرسالة ، 1994 .
محمد أمين ابن عابدين ، حاشية رد المحتار على الرد المختار ، ج 5 ، ط8 ، دار الفكر ، بيروت ، 1979 .
شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي ، الفروق ، ج4 ، دار السلام ، القاهرة ، 2001 .
د. عبد الناصر أبو البصل ، نظرية الحكم القضائي في الشريعة والقانون ، ط1 ، دار النفائس ، عمان ، 2000 .
د. ماهر معروف النداف ، بطلان الحكم القضائي في الفقه الإسلامي (دراسة مقارنة بالقانون) ، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الدراسات العليا في الجامعة الأردنية .
ثانيا – المعاجم اللغوية

إبراهيم أنيس وآخرون ، المعجم الوسيط ، ج1 ، ط2 ، دار المعارف ، مصر .
جبران مسعود ، المعجم الرائد ، ط7 ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1992 .
مجد الدين الفيروز آبادي ، القاموس المحيط ، ج4 ، المكتبة التجارية الكبرى ، مصر ، بدون سنة طبع .
محمد جمال الدين ابن منظور ، لسان العرب ، مج 2 ، حرف ح ، دار الحديث ، القاهرة ، 2013 .
محمد مرتضى الزبيدي ، تاج العروس ، ج8 ، دار صادر ، بيروت ، 1966 .
محمود بن احمد الزنجاني ، تهذيب الصحاح ، ج2 ، دار المعارف ، مصر ، 1953 ، ص724 .
معجم المعاني الجامع ، صفحة على الشبكة العنكبوتية almaany.com .
ثالثا – الكتب القانونية

د. إبراهيم نجيب سعد ، القانون القضائي الخاص ، ج2 ، ط1 ، منشأة المعارف بالإسكندرية ، 1974 .
د. احمد أبو الوفا ، نظرية الأحكام في قانون المرافعات ، ط6 ، منشاة المعارف ، الإسكندرية ، 1989 .
د. آدم وهيب النداوي ، المرافعات المدنية ، العاتك لصناعة الكتاب ، القاهرة ، بدون سنة طبع
المستشار أنور طلبة ، موسوعة المرافعات المدنية والتجارية ، ج3 ، دار المطبوعات الجامعية ، 1994 .
د. سليمان مرقس ، أصول الإثبات وإجراءاته في المواد المدنية في القانون المصري ، ج2 ، ط4 ، دار الجيل للطباعة ، 1986 .
ضياء شيت خطاب ، فن القضاء ، مؤسسة الخليج للطباعة والنشر ، الكويت ، 1984 .
د. عباس العبودي ، شرح أحكام قانون المرافعات المدنية ، ط1 ، دار السنهوري ، بغداد ، 2016 .
عبد الرحمن العلام ، شرح قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 ، ج3 ، ط2 ، المكتبة القانونية ، بغداد ، 2008 .
د. عصمت عبد المجيد بكر ، أصول المرافعات المدنية ، ط1 ، منشورات جامعة جيهان ، اربيل ، 2013 .
د. فتحي والي ، الوسيط في قانون القضاء المدني ، ط1 ، دار النهضة العربية ، 1993 .
د. فتحي والي ، نظرية البطلان في قانون المرافعات ، ط1 ، منشأة المعارف بالإسكندرية ، 1959 .
د. محمد سعيد عبد الرحمن ، الحكم القضائي أركانه وقواعد إصداره ، دراسة تأصيلية تحليلية تطبيقية مقارنة ، ط1 ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، 2011 .
محمد كمال عبد العزيز ، تقنين قانون المرافعات في ضوء القضاء والفقه ، ط1 ، 1995 .
مدحت المحمود، شرح قانون المرافعات المدنية ، المكتبة القانونية ، بغداد .
د. نبيل إسماعيل عمر ، أصول المرافعات المدنية والتجارية ، ط1 ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1986 .
د. وجدي راغب فهمي ، مبادئ القضاء المدني ، ط1 ، دار النهضة العربية ، 2001 .
رابعا – متون القوانين

دستور جمهورية العراق لسنة 2005 .
القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 .
قانون الإثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979 .
قانون المرافعات المدنية العراقي رقم 83 لسنة 1969 .
قانون التسجيل العقاري رقم 43 لسنة 1971
قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979
قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجزائري لسنة 2008 .
قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري لسنة 1968
قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني لسنة 1988 .
قانون المرافعات المدنية الكويتي لسنة 1983 .
قانون المرافعات المدنية والتجارية القطري لسنة 1990 .
قانون الإجراءات المدنية الإماراتي لسنة 1992 .
قانون الإجراءات المدنية والتجارية العماني لسنة 2002 .
قانون الإجراءات المدنية السوري لسنة 1969 .
قانون الإجراءات المدنية السوداني لسنة 1983 .
___________________

الهوامش:

[1] ينظر : محمد مرتضى الزبيدي ، تاج العروس ، ج8 ، دار صادر ، بيروت ، 1966 ، ص 252 وما بعدها . مجد الدين الفيروزآبادي ، القاموس المحيط ، ج4 ، المكتبة التجارية الكبرى ، مصر ، بدون سنة طبع ، ص 98 . محمد جمال الدين ابن منظور ، لسان العرب ، مج 2 ، حرف ح ، دار الحديث ، القاهرة ، 2013 ، ص 539 وما بعدها . محمود بن احمد الزنجاني ، تهذيب الصحاح ، ج2 ، دار المعارف ، مصر ، 1953 ، ص724 . إبراهيم أنيس وآخرون ، المعجم الوسيط ، ج1 ، ط2 ، دار المعارف ، مصر ، ص 190 . كما ويأتي بمعان أخرى منها العلم والفقه بالدين ، قال تعالى : } وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا {( من الآية 12 سورة مريم ) . ينظر محمد بن جرير الطبري ، تفسير الطبري من جامع البيان في تفسير القرآن ، مج 5 ، ط1 ، مؤسسة الرسالة ، 1994 ، ص 146 .

[2] د. عبد الناصر أبو البصل ، نظرية الحكم القضائي في الشريعة والقانون ، ط1 ، دار النفائس ، عمان ، 2000 ، ص 34 وما بعدها ، نقلا عن د. ماهر معروف النداف ، بطلان الحكم القضائي في الفقه الإسلامي (دراسة مقارنة بالقانون) ، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الدراسات العليا في الجامعة الأردنية ، ص 11 .

[3] محمد أمين ابن عابدين ، حاشية رد المحتار على الرد المختار ، ج 5 ، دار الفكر ، بيروت ، ط8 ، 1979 . ص 352 .

[4] شهاب الدين احمد بن إدريس القرافي ، الفروق ، ج4 ، دار السلام ، القاهرة ، 2001 ، ص 1185 .

[5] عبد الناصر أبو البصل ، مصدر سابق ، ص 43 . هذا ويرى الدكتور أبو البصل أن تعريف الدكتور محمد نعيم ياسين هو من أهم التعريفات للحكم القضائي والذي جاء فيه :”فصل الخصومة بقول أو فعل يصدر عن القاضي ومن في حكمه بطريق الإلزام ” . ينظر : د. ماهر معروف النداف ، مصدر سابق ، ص 12 .

[6] عبد الرحمن العلام ، شرح قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 ، ج3 ، ط2 ، المكتبة القانونية ، بغداد ، 2008 ، ص 161 .

[7] د. أحمد أبو الوفا ، نظرية الأحكام في قانون المرافعات ، ط6 ، منشاة المعارف ، الإسكندرية ، 1989 . ص31 .

[8] فقد جاء في المادة/174مكررا من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري :”يعتبر النطق بالإحكام التي تصدر أثناء سير الدعوى ولا تنتهي بها الخصومة وقرارات فتح باب المرافعة فيها ، إعلانا للخصوم ..”. وجاء جاء في المادة/553 من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني :”الحكم النهائي هو الذي يفصل في أصل النزاع ..أو الذي يفصل في جهة من جهاته أو في دفع أو دفاع متعلق به ويكون نهائيا بالنسبة لما فصل فيه”. وجاء المادة في المادتين/296 من قانون الإجراءات المدنية والتجارية الجزائري :”الحكم في الموضوع هو الحكم الفاصل كليا أو جزئيا في موضوع النزاع أو في دفع شكلي أو في دفع بعدم القبول أو في أي طلب عارض”. وجاء في المادة/170 من قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني :”لا يجوز الطعن في الأحكام التي تصدر أثناء سير الدعوى ولا تنتهي بها الخصومة إلا بعد صدور الحكم المنهي للخصومة كلها”. وبمثل هذا النص جاء في المادة/128 من قانون المرافعات المدنية الكويتي ، والمادة/156 من قانون المرافعات المدنية والتجارية القطري ، والمادة/151 من قانون الإجراءات المدنية الإماراتي ، والمادة/203 من قانون الإجراءات المدنية والتجارية العماني ، والمادة/111 من قانون الإجراءات المدنية السوري .

[9] ضياء شيت خطاب ، فن القضاء ، مؤسسة الفليج للطباعة والنشر ، الكويت ، 1984 ، ص 86 .

[10] نصت المادة/170 من قانون المرافعات المدنية العراقي رقم 83 لسنة 1969 : “القرارات التي تصدر أثناء سير المرافعة ولا تنتهي بها الدعوى لا يجوز الطعن فيها إلا بعد صدور الحكم الحاسم للدعوى كلها ..” . كما ونصت المادة/158 ف1 من قانون الإجراءات المدنية السوداني لسنة 1983 :” لا يجوز الطعن في الأوامر التي تصدر أثناء سير الدعوى ولا تنتهي بها الخصومة إلا بعد صدور الحكم المنهي للخصومة كلها ..” .

[11] نصت المادة/155 مرافعات مدنية عراقي : ” للمحكمة أن تصدر قبل الفصل في النـزاع ما تقتضيه الدعوى من قرارات ، ولها أن تعـدل عن هذه القرارات أو أن لا تأخذ بنتيجة الإجراء بشرط أن تبين ذلك في محضر الجلسة”.

[12] د. آدم وهيب النداوي ، المرافعات المدنية ، العاتك لصناعة الكتاب ، القاهرة ، بدون سنة طبع ، ص 347 .

[13] جاء في المادة/216 مرافعات مدنية عراقي : ” يجوز الطعن بطريق التمييز … في القرارات الصادرة بإبطال عريضة الدعوى أو بوقف السير في الدعوى واعتبارها مستأجرة حتى يفصل في موضوع آخر ، والقرارات الصادرة برفض توحيد دعويين مرتبطين أو برفض الإحالة لعدم الاختصاص القيمي أو المكاني ، أو قرار رد طلب تصحيح الخطأ المادي في الحكم أو قبوله وقرار رفض طلب تعيين المحكمين وردهم …” .

[14] د. احمد أبو الوفا ، مصدر سابق ، ص 35 وما بعدها .

[15] مثال ذلك لجنة تثبيت الملكية التي نصت على تشكيلها المادة/46ف2 من قانون التسجيل العقاري رقم 43 لسنة 1971 وجاء فيها :” تؤلف لجنة تثبيت الملكية برئاسة قاضي بداءة المنطقة التي يقع فيها العقار أو الأسهم غير المسجلة ضمن منطقة أعمالها وعضوية رئيس دائرة التسجيل العقاري المختصة واحد موظفيها الفنيين أو ممثل عن وزارة المالية وممثل عن أمانة العاصمة أو البلدية إذا كان العقار واقعا داخل حدودها ، وكذلك محتار المحلة أو القرية ” .

[16] نصت المادة /28 مرافعات مدنية : تسري ولاية المحاكم المدنية على جميع الأشخاص الطبيعية والمعنوية بما في ذلك الحكومة وتختص بالفصل في كافة المنازعات إلا ما استثني بنص خاص .

[17] ضياء شيت خطاب ، مصدر سابق ، ص 93 .

[18] جاء في صدر المادة/161 مرافعات مدنية :”يتلى منطوق الحكم علنا بعد تحرير مسودته وكتابة أسبابه الموجبة …” .

[19] لمزيد من التفصيل ينظر بحثنا ” الحكم القضائي المنعدم” المنشور في العدد الخامس من مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة، ص 63 وما بعدها.

[20] نصت المادة/154 مرافعات مدنية :”تصدر الأحكام باسم الشعب” . ونصت المادة/162 منه :” بعد النطق بالحكم ينظم في مدى خمسة عشر يوما أعلام يبين فيه المحكمة التي أصدرته وتاريخ إصداره وأسماء القضاة الذين أصدروه وأسماء الخصوم وأسماء وكلائهم واثبات الحضور والغياب وخلاصة الدعوى وموجز ادعاءات الخصوم ودفوعهم وما استندوا إليه من وقائع وحجج قانونية والقرارات التي سبق صدورها فيها ومنطوق الحكم وما بني عليه من علل وأسباب والمواد القانونية التي استند إليها ويوقع من قبل القاضي أو رئيس الهيئة ويختم بختم المحكمة “. وجاء المادة/166 منه :”1- يجب على المحكمة عند إصدار الحكم الذي تنتهي به الخصومة أمامها أن تحكم من تلقاء نفسها بمصاريف الدعوى على الخصم المحكوم عليه. 2-يدخل في حساب المصاريف أجور المحاماة ومصاريف الخبراء ونفقات الشهود وأجور الترجمة المقتضاة …”.

[21] وهو ما نصت عليه أيضا المادة/6 من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 : ” تصدر الأحكام ، وتنفذ باسم الشعب ” .

[22] المادة/5 من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 .

[23] ينظر: مدحت المحمود ، شرح قانون المرافعات المدنية ، المكتبة القانونية ، بغداد ، ص205 .

[24] المادة/166 مرافعات مدنية .

[25] أحمد أبو الوفا ، مصدر سابق ، ص 35 وما بعدها .

[26] ضياء شيت خطاب ، مصدر سابق ، ص 93 .

[27] المصدر السابق، ص 98-101 .

[28] نصت المادة/159 مرافعات مدنية عراقي : ” 1- يجب أن تكون الأحكام مشتملة على الأسباب التي بنيت عليها وان تستند إلى احد أسباب الحكم المبينة في القانون . 2- على المحكمة أن تذكر في حكمها الأوجه التي حملتها على قبول أو رد الادعاءات والدفوع التي أوردها الخصوم والمواد القانونية التي استندت إليها ” .

[29] جاء في المادة/1 من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 :”2- إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكمت المحكمة بمقتضى العرف ، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون دون التقيد بمذهب معين ، فإذا لم يوجد فبمقتضى قواعد العدالة . 3- وتسترشد المحاكم في كل ذلك بالأحكام التي اقرها القضاء والفقه في العراق ثم في البلاد الأخرى التي تتقارب قوانينها مع القوانين العراقية”.

[30] د. عباس العبودي ، شرح أحكام قانون المرافعات المدنية ، ط1 ، دار السنهوري ، بغداد ، 2016 ، ص 437 .

[31] المادة/17 ف1 من قانون الإثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979 المعدل .

[32] المادة/156 مرافعات مدنية .

[33] نصت المادة/157 مرافعات مدنية : “1- لا يجوز للمحكمة بعد أن تقرر ختام المرافعة أن تسمع توضيحات من احد الخصوم إلا بحضور الخصم الآخر ، ولا أن تقبل مذكرات أو مستندات من احد الطرفين . 2- يجوز للمحكمة فتح باب المرافعة مجددا إذا ظهر لها ما يستوجب ذلك على أن تدون ما يبرر هذا القرار ” .

[34] لمزيد من التفصيل في هذا الموضوع ينظر بحثنا ” النطاق القانوني لسلطة المحكمة بفتح باب المرافعة مجددا في الدعوى المدنية في التشريع العراقي ” المنشور في العدد العاشر من مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة ، يناير /2017 ، ص 91 وما بعدها .

[35] د. عصمت عبد المجيد بكر ، أصول المرافعات المدنية ، ط1 ، منشورات جامعة جيهان ، أربيل ، 2013 ، ص 669 .

[36] نصت المادة/158 مرافعات مدنية :” تصدر الأحكام بالاتفاق أو بأكثرية الآراء ، فإذا تشعبت الآراء وجب على العضو الأقل درجة أن ينضم إلى احد الآراء لتكوين الأكثرية ” .

[37] جاء في المادة/160:”1- يوقع على الحكم من قبل القاضي أو من رئيس الهيئة وأعضائها قبل النطق به . 2- يدون العضو المخالف رأيه وأسباب محالفته ، ولا يُنطق بالمخالفة ، وتحفظ بإضبارة الدعوى ولا تعطى منها صور . ..”

[38] نصت المادة/161 مرافعات مدنية :”يتلى منطوق الحكم علنا بعد تحرير مسودته وكتابة أسبابه الموجبة في الجلسة المحددة لذلك ، ويعتبر الطرفان مُبلغين به تلقائيا إذا كانت المرافعة قد جرت حضوريا ، حضر الطرفان أم لم يحضرا في الموعد الذي عُيّنَ لتلاوة القرار” .

[39] د. محمد سعيد عبد الرحمن ، الحكم القضائي – أركانه وقواعد إصداره ، دراسة تأصيلية تحليلية تطبيقية مقارنة ، ط1 ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، 2011 ، ص 270 .

[40] جبران مسعود ، المعجم الرائد ، ط7 ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1992 ، ص 625 . معجم المعاني الجامع ، صفحة على الشبكة العنكبوتية www.almaany.com .

[41] ضياء شيت خطاب ، مصدر سابق ، ص 111 .

[42] ينظر : د. أحمد أبو الوفا ، مصدر سابق ، ص 94 وما بعدها .

[43] نصت المادة/163 مرافعات مدنية :”1- يوقع القاضي أو رئيس الهيئة على نسخ من الحكم بقدر ما تدعو إليه حاجة كل دعوى ثم تختم كل نسخة بختم المحكمة ، وتحفظ باضبارة الدعوى ، وتعطى منها صورة رسمية لمن يطلبها من الطرفين بعد دفع الرسم المستحق . 2- لا تسلم نسخة من الحكم للغير إلا بناء على أمر يصدر على عريضة من القاضي أو رئيس الهيئة ” .

[44] د. آدم وهيب النداوي ، مصدر سابق ، ص 363 .

[45] د. عباس العبودي ، مصدر سابق ، ص448 . د. آدم وهيب النداوي ، مصدر سابق ، ص 362 .

[46] د. آدم وهيب النداوي ، مصدر سابق ، ص 364 .

[47] د. إبراهيم نجيب سعد ، القانون القضائي الخاص ، ج1 ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1973 ، ص 109 .

[48] نصت المادة/167 مرافعات مدنية عراقي :”1- لا يؤثر في صحته ما يقع فيه من أخطاء مادية بحتة ، كتابية أو حسابية ، وإنما يجب تصحيح الخطأ من قبل المحكمة ، بناء على طلب الطرفين أو احدهما . 2- إذا وقع طلب التصحيح دعت المحكمة الطرفين لاستماع أقوالهما أو من حضر منهما بشأنه وأصدرت قرارها بتصحيح الخطأ الواقع . 3- يدون قرار التصحيح حاشية للحكم الصادر ويسجل في سجل الأحكام ويبلغ للطرفين “. كما ونصت المادة/10 من قانون التنفيذ العراقي رقم 45 لسنة 1980 :” للمنفذ العـدل أن يستوضح من المحكمة التي أصدرت الحكم عما ورد فيه من غموض ، وإذا اقتضى الأمر صدور قرار منها افهم ذوو العلاقة بمراجعتها دون الإخلال بتنفيذ ما هو واضح من الحكم الواجب التنفيذ ” .

[49] د. نبيل إسماعيل عمر ، أصول المرافعات المدنية والتجارية ، ط1 ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1986 ، ص 334 .

[50] نصت المادة/ 105 إثبات عراقي : “الأحكام الصادرة من المحاكم العراقية التي حازت درجة البتات بتكون حجة بما فصلت فيه من الحقوق إذا اتحد أطراف الدعوى ولم تتغير صفاتهم وتعلق النزاع بذات الحق محلا وسببا ” . ونصت المادة/106 إثبات عراقي : “لا يجوز قبول دليل ينقض حجية الأحكام الباتة ” .

[51] د. سليمان مرقس ، أصول الإثبات وإجراءاته في المواد المدنية في القانون المصري ، ج2 ، ط4 ، دار الجيل للطباعة ، 1986 ، ص 166.

[52] د. محمد سعيد عبد الرحمن ، مصدر سابق ، ص 271 .

[53] المصدر السابق ، ص 271 .

[54] نصت المادة/174 من قانون المرافعات في المواد المدنية والتجارية المصري رقم 13 لسنة 1968 المعدل :” ينطق بالحكم بتلاوة منطوقه . أو بتلاوة منطوقه مع أسبابه ، ويكون النطق بع علانية وإلا كان الحكم باطلاً ” .

[55] القرار رقم 47/الهيئة المدنية/منقول/2013 في 10/1/2013 . منشور على الموقع الالكتروني لمجلة التشريع والقضاء www.tqmag.net .

[56] د. أحمد أبو الوفا ، مصدر سابق ، ص 96 . د. فتحي والي ، الوسيط في قانون القضاء المدني ، دار النهضة العربية ، ط1 ، 1993 ، ص622 . د. وجدي راغب فهمي ، مبادئ القضاء المدني ، ط1 ، دار النهضة العربية ، 2001 ، 693 . د. إبراهيم نجيب سعد ، مصدر سابق ، ص 221 . محمد كمال عبد العزيز ، تقنين قانون المرافعات في ضوء القضاء والفقه ، ط1 ، 1995 ، ص 975 .

[57] د. أحمد أبو الوفا ، مصدر سابق ، ص 96 .

[58] ينظر : محمد ميرغني خيري ، مجلة العدالة ، ع8 ، يناير 2000 ، ص13 . نقلا عن د. محمد سعيد عبد الرحمن ، مصدر سابق ، ص 288 .

[59] ينظر د. فتحي والي ، نظرية البطلان في قانون المرافعات ، ط1 ، منشأة المعارف بالإسكندرية ، 1959 ، ص 264 وما بعدها .

[60] المادة/160 ف3 مرافعات مدنية .

[61] حيث أن المحكمة تستعيد ولايتها على الدعوى في واحدة من ثلاث حالات حصرية هي : 1- إذا كان الحكم غيابيا وطعن به بطريق الاعتراض على الحكم الغيابي وفقا للمادة/177 مرافعات مدنية . 2- عند نقض الحكم بعد الطعن به تمييزا وإعادة الدعوى إلى محكمتها لتفصل فيها مجددا وفقا لنص المادة/ 212 مرافعات مدنية . 3- عند الطعن بالحكم بطريق إعادة المحاكمة وفقا لنص المادة/199 مرافعات مدنية .

[62] المستشار أنور طلبة ، موسوعة المرافعات المدنية والتجارية ، ج3 ، دار المطبوعات الجامعية ، 1994 ، ص 89 .

[63] د. أحمد أبو الوفا ، مصدر سابق ، ص 93 .

[64] المستشار أنور طلبة ، مصدر سابق ، ص 89 .