بيان مدى تأثر حجز ما للمدين لدى الغير بنظام أوامر الأداء:

تعدلت نصوص قانون المرافعات أكثر من مرة نتيجة لإدخال نظام أوامر الأداء الذى جعله الشارع وجوبياً كلما كان موضع المطالبة ديناً ثابتاً بالكتابة – وحال الأداء – ومعين المقدار. وقد كان هذا النظام قاصراً على الديون النقدية فجاء قانون المرافعات الجديد وبسطه إلى الالتزامات التي يكون موضوعها مثليات أي منقولات معينة بالنوع متى كان مقدارها محدداً كمائة أردب قمح أو مائة قناطر قطن – فأصبح من الواجب استصدار أمر أداء كلما كان موضوع المديونية نقوداً أو مثليات – متى كان الدين ثابتاً بالكتابة وكان معين المقدار وحل ميعاد أدائه. (تراجع المادة 201 من قانون المرافعات).
ويحق لنا الآن أن نتساءل: ما مدى تأثر نظام حجز ما للمدين لدى الغير بنظام أوامر الأداء.
وللإجابة عن هذا التساؤل يجب أن نفرق بين فرضين:

الفرض الأول- حالة الحجز تنفيذاً لأمر أداء قائم:

وصورة المسألة في هذا الفرض أن يكون الدائن قد استصدر أمراً بأداء دينه ويريد تنفيذ هذه الأمر بحجز ما لمدينه لدى الغير، ففي هذه الحالة يجب أن يقوم بإعلان أمر الأداء للمدين طبقاً للمادة (281) وبعد مضى يوم على هذا الإعلان يعمد إلى حجز ما للمدين لدى الغير. ويجرى هذا الحجز عندئذ طبقاً للأوضاع المقررة في المادة (328) وما بعدها.
أي أن ايقاع الحجز يتم بورقة من أوراق المحضرين تعلن إلى المحجوز لديه وتشتمل على البيانات الآتية:

صورة أمر الأداء الذى يوقع الحجز بمقتضاه (مع بيان تاريخ إعلانها) وغالباً ما يوقع الحجز بموجب الصورة التنفيذية المعلنة.
بيان أصل المبلغ المحجوز من أجله وفوائده والمصاريف.
نهى المحجوز لديه عن الوفاء بما في يده إلى المحجوز عليه أو تسليمه اياه.
وغالباً ما يشتمل إعلان الحجز على تكليف المحجوز لديه بالتقرير بما في ذمته. (تراجع المادة 328 مرافعات جديد)

ثم يعقب ذلك – فلا خلاص ثمانية الأيام التالية لإعلان الحجز إلى المحجوز لديه – إبلاغ المحجوز عليه بنفس ورقة الحجز – وذلك لكى يعلم بحصول الحجز وايقاعه على أمواله لدى الغير (تراجع المادة 332).
فإن لم يحصل هذا الابلاغ – أو حصل بعد ثمانية أيام من إعلان الحجز إلى المحجوز لديه – فإن الحجز يعتبر كأن لم يكن وينبغي إعادة إجراءاته مجدداً. وكذلك إذا تم الإبلاغ بورقة مستقلة غير ورقة الحجز نفسها.
ويقوم المحجوز لديه بالتقرير بما في ذمته خلال (15) يوماً من تكليفه بذلك سواء أكان ذلك التكليف وارداً في إعلان الحجز إلى المحجوز لديه – وهذا هو الغالب – أو في ورقة لاحقة مستقلة.
وإذا لم يقم بذلك جاز الزامه بدين الحاجز (مادة 342) – وتصفى المنازعة الخاصة بالتقرير أن كان لها وجه (مادة 342) – ويتخذ الدائن إجراءات التنفيذ على الغير طبقاً للمادة (285) ثم يعمد (الدائن) إلى استيفاء حقه من المحجوز لديه بشرط انقضاء (15) يوماً على التقرير بما في الذمة (تراجع المادة 344).
وبذلك يتبين أن نظام أوامر الأداء لا يؤثر على إجراءات حجز ما للمدين لدى الغير إذا كان هذا الحجز تنفيذياً – أي يقصد به استيفاء دين صدر بموجبه أمر بالأداء.

الفرص الثاني- حالة الحجز قبل أمر الأداء:

أما الفرض الثاني فصورة المسألة فيه تتلخص في اتجاه رغبة الدائن إلى حجز ما لمدينه لدى الغير قبل استصدار الأمر بالأداء – أي حيث يكون المقصود من الحجز هو التحفظ على المال الذى للمدين في يد الغير.
ففي هذه الحالة – لو طبقنا القواعد العادية – السابق بيانها في إجراءات حجز ما للمدين لدى الغير – لوجب أن يلجأ الدائن إلى قاضى التنفيذ لاستصدار أمر (على عريضة) يأذن فيه القاضي بالحجز – وذلك وفقاً للمادة (327) – ثم يعلن الحجز إلى المحجوز لديه ويشتمل إعلان الحجز على صورة من أمر القاضي الذى يتضمن الاذن بالحجز – ويعقب ذلك ابلاغ المحجوز عليه بالحجز خلال ثمانية أيام من إعلان الحجز إلى المحجوز لديه – مع رفع دعوى صحة الحجز – أي أن ابلاغ الحجز يجب أن يتم بنفس ورقة الحجز وأن يقترن برفع دعوى صحة الحجز (مادة 333) وإلا فان الحجز يعتبر كأن لم يكن.
غير أن المشرع قدر أن هذه الإجراءات العادية المقررة بمقتضى القواعد العامة لا تتفق مع طبيعة نظام أوامر الأداء، ولذلك قرر عدم اتباعها في حالة الديون التي يجب استصدار أمر بأدائها – واستعاذ عنها بأحكام أخرى خاصة تتضمن نظاماً آخر يتناسق مع فكرة أوامر الأداء. فقرر في هذا الشأن ما يأتي:

1- أن الدائن في هذه الحالة يلجأ إلى القاضي المختص بإصدار أمر الأداء لكى يستأذنه في إيقاع الحجز على ما لمدينه لدى الغير([2]). ويتم ذلك بطريق تقديم عريضة بمضمون ما تقدم إلى القاضي المختص بإصدار أوامر الأداء.
ويلاحظ أن القاضي المختص بإصدار إذن الحجز في هذه الحالة هو القاضي المختص بإصدار أمر الأداء، وليس قاضى التنفيذ (الذى يختص بإصدار أوامر الحجز في الأحوال العادية). وقد نصت على ذلك المادة (210) وقررت أنه استثناء من القواعد العامة المقررة بالمواد 275 و 319 و 327 وهى المواد المتعلقة ببيان اختصاصات قاضى التنفيذ وبيان القاضي المختص بإصدار أمر الحجز التحفظي في المنقول وفى حجز ما للمدين لدى الغير.
ولما كان قاضى التنفيذ قاضياً جزئياً فإن المفارقة تظهر بوضوح في حالة ما إذا كانت قيمة الدين تزيد عن 500 جنيه – فإن استصدار أمر الحجز في هذه الحالة يكون من القاضي المختص بإصدار أمر الأداء في المحكمة الكلية.
أما الاختصاص المحلى فهو للقاضي المختص بإصدار أوامر الأداء الذى يقع موطن المدين في دائرة اختصاصه إلا إذا كان هناك اتفاق على اختصاص قاضى آخر لأن قواعد الاختصاص المحلى ليست من النظام العام كما هو معلوم فيجوز الاتفاق على ما يخالفها.

2- بعد أن يحصل الدائن على أمر الحجز، يقوم بإعلان الحجز إلى المحجوز لديه بموجب ورقة من أوراق المحضرين تشتمل على صورة من أمر القاضي وبيان المبلغ المطلوب ونهى المحجوز لديه عن الوفاء بما في يده إلى المحجوز عليه أو تسليمه اياه – كما يشتمل إعلان الحجز في العادة على تكليف المحجوز لديه بالتقرير بما في ذمته. (ويتم ذلك خلال 30 يوماً من تاريخ صدور أمر الحجز).

3- بعد ذلك يتقدم الدائن بطلب أمر الأداء اللازم. وهو يتقدم بهذا الطلب إلى القاضي المختص بإصدار أوامر الأداء (وهو نفس القاضي الذى استصدر الدائن منه أمر الحجز) وقد نص المشرع على أنه يجب أن يتم تقدير أمر الأداء خلال ثمانية الأيام التالية لتوقيع الحجز – أي لإعلان ورقة الحجز إلى المحجوز لديه.
فإذا لم يقدم طلب أمر الأداء، أو قدم بعد هذا الميعاد فإن الحجز يعتبر كأن لم يكن. وان كان ذلك لا يحول دون اصدار أمر أداء يلزم المدين (المحجوز عليه) بأداء الدين الذى عليه للحاجز.

4- ويجب أن يشتمل طلب الأمر بالأداء على طلب آخر وهو الأمر بصحة إجراءات الحجز. وهو ما يغنى عن رفع دعوى بصحة الحجز، على أنه إذا رأى القاضي أن يصدر أمراً بالأداء وان يرفض طلب صحة الحجز فإنه يجب أن يحدد جلسة لنظر الموضوع لأن ذلك يعتبر تجزئة للطلبات وهو ما لا يجوز فعليه إذن أن يتمنع عن اصدار أمر بالأداء وأن يحدد لنظر الموضوع جلسة.

5- وقد نصل المشرع على أن ورقة تبليغ الحجز إلى المحجوز عليه يجب أن تشتمل على اخطاره بتقديم الطلب (أي طلب أمر الأداء وصحة الحجز). والا فإن الحجز يعتبر كأن لم يكن فدل ذلك على أمرين:
أولهما: أن الحجز يجب أن يبلغ إلى المحجوز عليه.
وثانيهما: أن التبليغ يتم بعد تقديم طلب أمر الأداء للقاضي المختص.
ولكن لم يقرر المشرع أن التبليغ يجب أن يتم خلال الأيام الثمانية ولم يحدد للتبليغ مدة. وغاية ما هنالك أن طالب أمر الأداء يجب أن يبلغ المدين المحجوز عليه بأن طلب أمر الأداء (مشفوعاً بطلب صحة إجراءات الحجز) قد قدم إلى القاضي المختص، مع بيان تاريخ تقديمه، لكى يتحقق المدين من أنه مقدم في الميعاد والا جاز له أن يطلب اعتبار الحجز كأن لم يكن. إلا أن التبليغ يتم في العادة خلال 8 أيام من إعلان الحجز إلى المحجوز لديه.

6- ولكن المشرع لم يشترط أن يتم صدور أمر الأداء خلال ثمانية أيام من توقيع الحجز – وهذا بديهي، لأن القاضي الذى يقدم إليه طلب أمر الأداء قد يتراخى في اصداره، وقد يمتنع عن اصداره ويحدد له جلسة.
ولا يملك الدائن ازاء ذلك كله شيئاً، فلا يجوز أن يؤاخذ بفعل القاضي وان يجازى باعتبار اجراءاته كأن لم يكن، إذا تأخر القاضي مثلاً في اصدار أمر الأداء – ولذلك اكتفى منه المشرع بتقديم الطلب خلال ذلك الميعاد.

7- كذلك لم يشترط المشرع أن يتم تبليغ الحجز إلى المدين المحجوز عليه بنفس ورقة الحجز المعلنة إلى المحجوز لديه، فيجوز أن يتم التبليغ بورقة أخرى.

8- ولما كان المشرع لم يحدد ميعادا للتبليغ، فإن الدائن يستطيع أن يجرى هذا التبليغ حتى بعد مضى ثمانية أيام من ايقاع الحجز، وكل ما استلزمه المشرع في هذا الشأن هو أن يشتمل التبليغ على اخطار المدين بتقديم طلب أمر الأداء.
ومعنى هذا التبليغ لا يتم بعد توقيع الحجز مباشرة – وإنما بعد تقديم طلب أمر الأداء للقاضي – ولما كان القانون يتطلب تقديم الطلب خلال ثمانية أيام من توقيع الحجز فإن من المتصور أن يقوم الدائن بتوقيع الحجز، ثم يقوم في اليوم الثامن من الأيام التالية بتقديم الطلب للقاضي، ثم يقوم بالتبليغ بعد ذلك أي في اليوم التاسع أو العاشر أو ما بعدهما – ولهذا لم يحدد المشرع ميعاداً للتبليغ فإن التأخر عن الأيام الثمانية أمر طبيعي طبقاً لتسلسل الاجراءات على هذا الوضع.
ولهذا نعتقد أن الجزاء الذى قرره المشرع وهو اعتبار الحجز كأن لم يكن – إنما يطبق في حالي ما إذا لم يتقدم الدائن للقاضي بطلب أمر الأداء خلال ثمانية أيام من توقيع الحجز – أو في حالة ما إذا قام بتبليغ المدين بالحجز قبل التقدم بالطلب إلى القاضي. أو في حالة ما إذا خلال التبليغ من اخطار المدين المحجوز عليه بما يفيد تقديم الطلب المذكور إلى القاضي في الميعاد المحدد.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .