آثار الايجار من الباطن على المؤجر و المستأجر

المحامية / منال داود العكيدي
استنادا الى المادة 776 من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 فانه يحكم العلاقة بين المستأجر الأصلي والمستأجر من الباطن العقد الجديد المبرم بينهما الذي قد يتفق مع العقد المبرم بين المؤجر والمستأجر الأصلي من حيث الشروط وقد يختلف عنه في ذلك ، فقد يكون الغرض في العقد الثاني يختلف عن الغرض المثبت في العقد الأول، وهنا يحق للمؤجر الأصلي أن يعترض على ذلك بوصفه اخلالاً من المستأجر الأصلي بالتزامه بعدم استعمال العين المؤجرة في غير الغرض المقصود من الايجار .

وقد يختلف العقد الثاني بالنسبة لبدل الايجار أو المدة، حيث يكون بدل الايجار الثاني اكثر أو قد يكون أقل من البدل في عقد الايجار المبرم بين المؤجر والمستأجر الأصلي ، كما قد تكون مدة العقد الثاني منصرفة إلى ما تبقى من مدة العقار الأول، أما إذا كانت مدة العقد الثاني أكثر من مدة العقد الأول بين المؤجر والمستأجر الأصلي فإن ما تبقى من المدة يبقى موقوفاً على اجازة المؤجر الأصلي، وتعد الاجازة عن المدة الزائدة التي اقرها المؤجر اجارة مستقلة عن الاجارة من الباطن انعقدت مباشرة بين المؤجر والمستأجر من الباطن فيكون المستأجر من الباطن مستأجراً أصلياً.

والتزامات المستأجر الأصلي قبل المستأجر من الباطن هي التزامات المؤجر ذاتها مع احتمال تعديلها بشروط أخرى يتفق عليها المستأجر الأصلي والمستأجر من الباطن بما لا يتناقض مع شروط العقد الأصلي ، كذلك فإن التزامات المستأجر من الباطن قبل المستأجر الأصلي هي نفس التزامات المستأجر الأصلي قبل المؤجر..

ومع أن عقد الايجار من الباطن مستقل عن عقد الايجار الأصلي، فإن انقضاء عقد الايجار الأصلي لأي سبب كفسخه لإخلال المستأجر الأصلي بالتزاماته أو انقضائه بانتقال ملكية العين المؤجرة الى مشتري لا يسري في حقه الايجار الأصلي أو غير ذلك من الأسباب، تؤدي حتماً إلى انقضى حق المستأجر الأصلي فإن ذلك يكون بمثابة هلاك المحل بما يترتب عليه انفساخ العقد.

أما العكس أي انقضاء الايجار من الباطن لأي سبب قبل انتهاء عقد الايجار الأصلي فإنه لا يؤدي إلى انقضاء عقد الايجار الأصلي .

ويحكم علاقة المؤجر بالمستأجر الأصلي عقد الايجار المبرم بينهما، حيث تبقى كل التزامات المؤجر والتزامات المستأجر قائمة ، فضلا على ازدياد مسؤولية المستأجر الأصلي، إذ يصبح مسؤولاً لا عن أعماله بحسب بل أيضاً عن أعمال المستأجر الباطن، فإذا تلفت العين بخطئه هو أو بخطأ المستأجر الباطن، تحققت مسؤوليته نحو المؤجر وقد أشارت إلى ذلك فعلاً المادة (776) من القانون المدني العراقي (1ـ في حالة ايجار المستأجر المأجور، تبقى العلاقة بين المؤجر والمستأجر الأول خاضعة لأحكام عقد الايجار الأول…

فيكون المستأجر الأول ملزماً بالأجرة للمؤجر، وليس لهذا قبضها من المستأجر الثاني. إلا إذا احاله المستأجر الأول عليه أو وكله بقبضها منه). وقد قرر المشرع أن ذمة المستأجر الأصلي قبل المؤجر تبدأ إذا اقر الأخير الايجار من الباطن صراحة أو ضمناً ، ويحصل هذا الاقرار بوساطة القبول الصريح بالإيجار الثاني من دون ابداء أي تحفظ، أو باستيفاء المؤجر للأجرة مباشرة من المستأجر الثاني من دون ابداء أي تحفظ بشأن حقوقه قبل المستأجر الأول ، ولا شك بأن هذا القبول يأتي لاحقاً لحصول الايجار من الباطن، ولا يتم إلا بعد أن يتعرف المؤجر على شخصية المستأجر وقناعته بقبوله مديناً يصلح للحلول بدل المستأجر الأصلي، لأنه قادر على الوفاء بكل الالتزامات المترتبة بذمة المستأجر الأصلي إن لم يكن أحياناً أفضل منه ،ولكن براءة المستأجر الأصلي تكون في حدود ما له من حقوق قبل المستأجر من الباطن.

فإذا كانت الأجرة من الباطن أقل من الأجرة الأصلية، فإن المؤجر يرجع على المستأجر الأصلي بالفرق بين الأجرتين. أما إذا كانت الأجرة من الباطن تزيد على الأجرة الأصلية، فإن الزيادة تكون للمستأجر الاصلي ، أما إذا كانت الأجرة متساوية فإن استيفاءها من المستأجر من الباطن مباشرة يعني براءة ذمة المستأجر الأصلي أيضاً.

ولاتربط المؤجر والمستأجر من الباطن علاقة مباشرة، طالما ان عقد الايجار الأول مستقل عن عقد الايجار الثاني. ولذلك ليس للمؤجر أن يطالب المستأجر من الباطن بالأجرة مباشرة ، وعلى هذا الأساس ليس للمؤجر إلا الرجوع على المستأجر من الباطن وفقاً لقواعد العامة ومن بوساطة الدعوى غير المباشرة بشرط تحقق شروطها ، ولكن رجوع المؤجر على المستأجر من الباطن عن هذا الطريق سيعرضه لمساوئ وسلبيات الدعوى غير المباشرة، لأن المستأجر من الباطن يستطيع أن يدفع فيها بكل الدفوع التي يجوز له التمسك بها في مواجهة دائنه المستأجر الأصلي) كما أنه إذا تمت مطالبته بالوفاء بالأجرة من المؤجر والمستأجر الأصلي تعين عليه أن يفي بها إلى هذا الأخير دون المؤجر، نظراً لقيام العلاقة المباشرة بينهما.

كما أن الرجوع بهذه الدعوى من شأنه أن يؤدي إلى أن يزاحم المؤجر في نتائجها سائر دائني المستأجر الأصلي ويخضع معهم لقسمة ما يتمخض عنها قسمة غرماء. وتلافياً لكل هذه السلبيات وحماية المؤجر الذي يعد الأصل في كل هذه العلاقات التعاقدية، أعطى المشرع وبنص القانون الحق للمؤجر في الرجوع مباشرة على المستأجر الثاني بدين الأجرة.

وإلى ذلك إشارة المادة (776) من القانون المدني العراقي بقولها: (2ـ ومع ذلك يكون المستأجر الثاني ملزماً بأن يؤدي للمؤجر مباشرة ما يكون ثابتاً في ذمته للمستأجر الأول وقت أن ينذره المؤجر ولا يجوز له أن يتمسك قبل المؤجر بما يكون قد عجله من الأجرة للمستأجر الأول، ما لم يكن تعجيل الأجرة متمشياً مع العرف ومدوناً بسند ثابت التأريخ). ويبدو من هذا النص ضرورة توجيه انذار للمستأجر من الباطن بعدم دفع الأجرة المستحقة عليه للمستأجر الأول.

وهذا يعني أن المستأجر الثاني يستطيع أن يدعي أنه سدد للمستأجر الأول ما استحق عليه من الأجرة قبل الانذار، غير أنه يشترط لكي يسري الوفاء في مواجهة المؤجر أن يكون متمشياً مع العرف ومستنداً إلى سند ثابت التأريخ. يضاف إلى ما تقدم اعطاء المشرع للمؤجر حق الامتياز على المنقولات والمحصولات المملوكة للمستأجر من الباطن إذا كان المؤجر قد اشترط صراحة على المستأجر الأصلي عدم الايجار من الباطن.

أما إذا لم يشترط المؤجر الأصلي ذلك فعلاً يثبت له حق الامتياز على المبالغ التي هي مستحقة للمستأجر الأصلي في ذمة المستأجر من الباطن في الوقت الذي ينذر فيه المؤجر المستأجر من الباطن بعدم دفع هذه المبالغ للمستأجر الأصلي وذلك استنادا الى المادة 1374/ ف2 من القانون المدني العراقي .