اقتناع المحكمة الجنائية المنتجة للحكم القضائي طبقاً للقانون العراقي

لاشك أن العملية التحقيقية التي تبتدئ بأصل الإخبار هي مخاض صعب لولادة الحقيقة وهو الهدف المنشود من الجهد الذي تبذله الاجهزة التنفيذية والقضائية، فالحقيقة هي صورة العدالة ومتنفسها التي ترتسم في ثنايا القاضي وهو يتلو منطوق الحكم متعكزاً في صياغته على متبنيات ونصوص التشريعات القانونية، فالخلاصة التحقيقية هي مواءمة بين الواقعة النموذجية للجريمة والتي صورها المشرع وحددها في نصوص قانون العقوبات والقوانين الأخرى والواقعة المادية وهي التصوير الواقعي لما حدث بالفعل من سلوك وأفعال وحوادث مجرمة تطابقت مع الواقعة النموذجية فالجريمة تشمل الأركان العامة لها وما يستلزمه المشرع من أركان خاصة وما يتصل بهذه الاركان من شروط وبخاصة ما يتعلق بالجاني او المجنى عليه كما يشمل العقوبة المفروضة بنص لقانون والظروف المشددة او المخففة لها سواء وجدت في قانون واحد او عدة قوانين وهي ملزمة للقاضي والخطأ في تطبيقها يُعد خطأ في تطبيق القانون مما يعرض قرار الحكم الى الطعن ودور القاضي الجنائي يكون في تطبيق الواقعة الحقيقية على الواقعة النموذجية التي صورها القانون وكلما كانت الاحداث والافعال المجرمة التي ارتكبها الجاني مطابقة للواقعة النموذجية التي صورها قانون العقوبات وقانون اصول المحاكمات الجزائية كلما كانت قناعات القاضي مطابقة بنسبة الجريمة الى المتهم وادانته والحكم عليه، والسؤال المهم هنا ما هي الشرائط التي أوجبها القانون في تكوين اقتناع المحكمة بالأدلة المقدمة في الدعوى الجزائية والتي على اساسها تمت المطابقة بين الواقعة المادية للجريمة والواقعة النموذجية التي صورتها القوانين وانتاجية الحكم القضائي..؟ بالتأكيد ان التحقيق الذي يحركه الاخبار المقدم بشكوى شفوية او تحريرية تقدم الى قاضي التحقيق او المحقق او اي مسؤول في مركز الشرطة او اي من اعضاء الضبط القضائي كما تنص المادة (1/ أ) من قانون اصول المحاكمات الجزائية او حين تكون الجريمة مشهودة اذا شوهدت حال ارتكابها أو عقب ارتكابها ببرهة يسيرة أو اذا تبع المجنى عليه مرتكبها اثر وقوعها او تبعه الجمهور مع الصياح أو اذا وجد مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حاملاً الات أو اسلحة او أمتعة او اوراق او اشياء اخرى يستدل منها على انه الفاعل او شريك فيها أو إذا وجدت به في ذلك الوقت آثار او علامات تدل على ذلك كما جاء بالفقرة (ب /أ) من المادة (1) الاصولية يشكل الخطوة الاولى في رحلة الوصول الى الحقيقة والتي تمر بمراحل عديدة بعد الاخبار او الشكوى بعدها مراحل التحري وجمع المعلومات الى حقيقة الحادث او الاخبار ومعرفة الجناة وبالتأكيد خلال تلك المرحلة يتم اتخاذ الإجراءات المهمة للوصول بالتحقيق الى مراحل متقدمة فالكشف والمخطط على محل الحادث والاستماع الى شهود محل الحادث او المشتكي والملف الجنائي المتضمن التقارير الفنية الخاصة بالحادث والمضبوطات المتعلقة بالجريمة وتقارير الخبراء وإجراءات التفتيش وتدوين افادة المتهم وشهود الدفاع وكشف الدلالة وهذه الاجراءات لا تأتي من فراغ وانما بقرارات قضائية وتنفيذ للأجهزة التنفيذية الساندة للعمل التحقيقي بفريق عمل متكامل ينتهي بالقرارات الاخيرة لقاضي التحقيق عند الوصول الى اكمال التحقيق، فللقاضي ان يقرر رفض الشكوى وغلق الدعوى نهائيا اذا وجد بان الفعل لا يعاقب عليه القانون وان المتهم غير مسؤول قانونا بسبب صغر سنه او ان المشتكي تنازل عن شكواه وكانت الجريمة مما يجوز الصلح عنها حسب الفقرة (أ) من المادة 130 الاصولية او يصدر القاضي قرارا بغلق الدعوى مؤقتاً اذا كانت الادلة لا تكفي لإحالته وحسب الشطر الاخيرة من الفقرة (ب) او ان الفاعل مجهولا او ان الحادث قضاء وقدر وحسب الفقرة (ج) من المادة 130 الاصولية.

أما إذا وجد القاضي ان الأدلة تكفي لإحالة المتهم فيصدر قرارا بإحالته الى المحكمة المختصة لإجراء محاكمته حضورياً او غيابيا حسب المادة 135 الأصولية عند تعذر إلقاء القبض عليه والحقيقة ان الفقرة (ب) من المادة 130 الأصولية لما تزل تثير الكثير من الاشكاليات القانونية حول امكانية قاضي التحقيق بناءً على اقتناعه بعد مناقشته لما موجود بالأوراق التحقيقية من ادلة واتخاذ القرار المناسب بالإفراج عن المتهم وغلق الدعوى مؤقتاً لعد كفاية الادلة او ان يتخذ قرارا بالإحالة اذا وجد ان الادلة تكفي لمحاكمته واذا كان العمل يسير على ان قاضي التحقيق لا يمكنه مناقشة الادلة وان قاضي التحقيق هو قاضي احالة كما تراه بعض القوانين الجزائية فان الشطر الاخير من المادة 130 الاصولية نرى بانه منح قاضي التحقيق شيئاً من صلاحيات محكمة الموضوع بمناقشة الادلة ولو كانت مناقشة مقيدة وفي حدود ضيقة تطبيقا لروح العدالة وحماية المتهم من الاجراءات القانونية التي تستدعي وقتا وجهداً حتى مواجهته محكمة الموضوع. اما بعد اجراء المحاكمة فان هناك شرائط قانونية لها اثرها الواضح في تكوين عقيدة المحكمة والدفع بها الى المساحة المقررة وهي قرار الحكم مع حرية واضحة في تكوين الاقتناع بما موجود من الادلة المقدمة في ادوار التحقيق والمحاكمة، فلا يجوز للمحكمة ان تستند في حكمها الى دليل لم يطرح للمناقشة او لم يشر إليه في الجلسة ولا إلى ورقة قدمها الخصوم دون ان يمكن باقي الخصوم من الاطلاع عليها وان يكون الحكم في الدعوى بناءً على المحصلة التحقيقية وليس على العلم الشخصي للقاضي كما تراه المادة (212) الاصولية والمادة (213 ) التي تنص على ان المحكمة تحكم في الدعوى بناء على اقتناعها الذي تكون لديها من الادلة المقدمة في اي دور من ادوار التحقيق والمحاكمة وهي (الإقرار وشهادة الشهود ومحاضر التحقيق والمحاضر والكشوف الرسمية الأخرى وتقارير الخبراء والفنيين والقرائن والادلة الاخرى المقررة قانونا وحسب الفقرة (أ) من المادة المذكورة والتي لا تكتفي بذلك بل تضع ما يقترب من خارطة طريق للمحكمة في الفقرتين (ب وج ) فالشهادة الواحدة لا تكفي سببا للحكم ما لم تؤيد بقرينة او أدلة اخرى مقنعة أو بإقرار من المتهم الا اذا رسم القانون.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت