اضاءات حول حق الطاعة في قانون الأحوال الشخصية المصري

مقدمة

الأسرة أساس المجتمع لأنه يتكون من مجموعة من الأسر يرتبط بعضها ببعض ويقوى المجتمع ويضعف بقدر تماسك الأسر التي يتكون منها أو انفصامها، قويت الأسرة اشتد ساعد المجتمع وإذا تفرقت وانحلت روابطها تدهورت الأمة ولقد وكلما عنى القرآن الكريم بترابط الأسرة وتأكيد المودة والرحمة بين أفرادها، فأرشد إلى أن الناس جميعا أصلهم واحد خلقهم الله من ذكر وأنثى، ووجه إلى أهمية رباط الأسرة في قوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) من الآية رقم 13 من سورة الحجرات وهذه الآية الكريمة ترشدنا إلى أن الزواج هو أصل الأسرة به تتكون وفي ظله تنمو.

ومن هنا أخذت العلاقة الزوجية حظا وافرا في الشريعة الإسلامية فقد عنى بها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة فجاءت آيات القرآن مبينة أحكامها داعية للحفاظ عليها (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات…) من الآية 72 من سورة النحل، (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) الآية 21 من سورة الروم.

والزواج عهد وميثاق ميزة الإسلام عن سائر العقود فلا يجري على نفسها ولا يقاس عليها فقد جعله القرآن ميثاقا غليظا: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا) من الآية 20 من سورة النساء.

وبهذا الميثاق ألحق الله عقد الزواج بالعبادات فإن المتتبع لكلمة (ميثاق) ومواضعها في القرآن الكريم لا يكاد يجدها إلا حيث يأمر الله بعبادته وتوحيده والأخذ بشرائعه وأحكامه وبعد أن وصف الله الزواج بأنه ميثاق غليظ بين الزوجين، صور الخلطة بين طرفيه فقال: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) من الآية رقم 17 من سورة البقرة وكانت أهم عناصر الامتزاج بينهما السكن والمودة والرحمة، ثم امتن الله على الناس بأن ثمرة هذا الرباط المحاط بكل هذه المواثيق البنين والأحفاد ليعمروا الأرض – وليعبدوا الله.
وإذا كانت شريعة الإسلام تعلو كل الشرائع لأنها من الله وإذا كانت قواعدها وأصولها قد قطعت في أمور رأت أنها ثابتة لا تتغير فأنها في أمور أخرى وضعت ضوابط عامة تدور في نطاقها الأحكام وفقا لتطور الأزمان وتغاير الأحداث وأناطت بولي أمر المسلمين أن يشرع لهم في نطاق أصول الشريعة – ما يصلح به حالهم وتستقيم معه قناتهم.

وإذا كانت مذاهب فقه الشريعة الإسلامية قد أثرت الفقه التشريعي استنباطا من القرآن الكريم والسنة الشريفة فإن اختلاف الفقهاء لم يكن على حكم قطعي وإنما كان مرده إلى أصول الاستنباط وقواعده وفي المسائل التي للاجتهاد فيها النصيب الأوفى.
ولما كانت مسائل الأسرة محكومة منذ تنظيم المحاكم الشرعية في مصر بالقواعد التي بينتها المادة 280 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 بلائحة ترتيب هذه المحاكم والتي جرى نصها بأن:
تصدر الأحكام طبقا للمدون في هذه اللائحة ولأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة ما عدا الأحوال التي ينص فيها قانون المحاكم الشرعية على قواعد خاصة فيجب فيها أن تصدر الأحكام طبقا لتلك القواعد.
وأخذا بسنة التطور التشريعي سبق أن صدر القانون رقم 25 لسنة 1920 ورقم 25 لسنة 1929 ببعض الأحكام الخاصة بالنفقة والعدة والطلاق والمفقود أخذا من مذاهب أخرى غير المذهب الحنفي.

ولقد مضى على صدور هذين القانونين قرابة الخمسين عاما طرأ فيها على المجتمع كثيرا من التغيير المادي والأدبي التي انعكست آثارها على العلاقات الاجتماعية الأمر الذي حمل القضاة عبئا كبيرا في تخريج أحكام الحوادث التي تعرض عليهم وقد كشف ذلك عن قصور في بعض أحكام القوانين القائمة مما دعا إلى البحث عن أحكام الأحوال التي استجدت في حياة المجتمع المصري وذلك في نطاق نصوص الشريعة دون مصادرة أي حق مقرر بدليل قطعي لأي فرد من أفراد الأسرة بل الهدف من المشروع هو تنظيم استعمال بعض هذه الحقوق على ما يبين فيما بعد.

حق الطاعة

لما كانت الشريعة الإسلامية قد جعلت حقوق الزوجية وواجباتها متقابلة فحين ألزمت الزوج بالإنفاق على زوجته في حدود استطاعته أوجبت على الزوجة طاعته وكان مظهر هذه الطاعة أن تستقر الزوجة في مسكن الزوجية الذي هيأه لها الزوج امتثالا لقول الله تعالى (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن………) من الآية 6 من سورة الطلاق.
ومن هنا قرر الفقهاء أن الأصل في الزوجة الطاعة وأنه إذا امتنعت عن طاعة الزوج فإنها تكون ناشزا وتسقط نفقتها من تاريخ هذا الامتناع.

وتنظيما لهذا جاءت المادة (6 مكررا ثانيا) حيث قضت بأن امتناع الزوجة عن طاعة الزوج دون حق يترتب عليه وقف نفقتها من تاريخ الامتناع وتعتبر ممتنعة دون حق إذا لم تعد لمنزل الزوجية بعد دعوة الزوج إياها للعودة على يد محضر وعلى الزوج أن يبين في هذا الإعلان المسكن.

وقد أتاح النص للزوجة حق الاعتراض وأوجب عليها أن تبين في صحيفة اعتراضها الأوجه الشرعية التي تستند إليها في امتناعها عن طاعة زوجها وإذا خلا الاعتراض من هذه الأوجه كان على المحكمة أن تقضي بعدم قبوله.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .