استقلال القضاء بين الواقع و التنظير

يعتبر مبدأ استقلال القضاء من المبادىء التى استقرت فى وجدان وضمير جميع القانونيين والقضاة بشتى اصقاع المعمورة , رغم تباين واختلاف

اهوائهم وانتمائاتهم الفكرية . وأستقلال القضاء يعنى ببساطة شديدة عدم تدخل اى سلطة فى اعمال السلطة القضائية . وجميع دول العالم غالبا ما تنادى بان قضائها يتمتع بالاستقلالية , وانه بعيد عن تدخل السلطتين التشريعية أو التنفيدية فى اعماله .

ومن المستقر عليه فى القانون الدستورى ان الدولة الحديثة تقوم على مبدأ الفصل بين السلطات , بحيث لا تتدخل اى سلطة فى اعمال السلطة الاخرى واعمالا لهدا المبدأ الدستورى الهام فقد ظهر مبدأ استقلال القضاء .

وليبيا من الدول التى نص قانونها الدستورى الأول الصادر فى خمسينيات القرن الماضى على مبدأ استقلال القضاء , وقد استمر هدا المبدأ معمول به

فى مختلف العصور السياسية التى مرت بها ليبيا من بعد نيلها للأستقلال من قبل هئية الأمم المتحدة . ومنصوص عليه فى كل الوثائق السامية التى

صدرت من السلطة صاحبة السيادة والتشريع بالدولة .

وقد تضمنت القوانين المتعلقة بالنظام القضائى المتعاقبة والتى صدرت بالدولة الليبية , واخرها القانون رقم 6 لسنة 2006 على ما يفيد دلك .

واناطت بالمجلس الاعلى للهئيات القضائية وحده سلطة التعيين ونقل وندب القضاة , وكل ما يتعلق بحياتهم الوظيفية , ودلك امعانا فى استقلالية

القضاة وعدم خضوعهم لجهة من خارجهم تتحكم فى مصائرهم .

ولكن هدة الأستقلالية للقضاء المزعومة غير صحيحة , اد ان من يسيطر على المجلس الاعلى للهئيات القضائية ويترأسة من خارج الجهاز القضائى

بل هو عضو من اعضاء السلطة التنفيدية . حيث ان وزير العدل هو من يتولى رئاسة هدا المجلس .

وحيث ان وزير العدل يعتبر بهدة الصفة من اعضاء السلطة التنفيدية , فان دلك يعتبر اختراقا لمبدأ الفصل بين السلطات , وكدلك لمبدأ استقلال القضاء .

فكيف يكون القضاء مستقل وهويخضع لسلطة وزير من السلطة التنفيدية ؟

وهو بدلك بيدة مقاليد ترقية القضاة ونقلهم وندبهم وتعيينهم , وكل ما يتعلق بشئونهم الوظيفية .

ونظرا لهدا الاختراق الخطير فقد نادى رجال القضاء بتغيير دلك المجلس وابعاد السلطة التنفيدية عن التدخل به , حتى ولو كان وزير العدل تم اختياره

من بين رجال القضاء , لانه بمجرد ان يجلس على كرسى الوزارة يصبح من السلطة التنفيدية ويخضع لتوجيهات رئيس مجلس الوزراء .

ونتيجة لكل الأنتقادات التى استمرت طيلة العقود الماضية , ونتيجة للتغييرات التى شاهدتها الدولة الليبية مؤخرا , فقد اصدر المجلس الانتقالى الاعلان

الدستورى المؤقت , ونص به على مبدأ استقلال القضاء فى ليبيا الجديدة . واعمالا لدلك فقد تم تعديل نظام القضاء المعمول به بموجب القانون رقم

4 لسنة 2011 ونص على تعديل تشكيل المجلس الاعلى للهئيات القضائية وجعل رئاسة المجلس للمستشار رئيس المحكمة العليا , وتم ابعاد وزير

العدل من عضوية المجلس , وبدلك تم ابعاد السلطة التنفيدية كلية عن اعمال السلطة القضائية لاول مرة فى التاريخ القضائى الليبي .

وبهدا امكن القول انه فعلا فى ليبيا يوجد استقلال فعلى للقضاء , وكدلك يوجد مبدأ الفصل بين السلطات .