اجراءات التعقيب الجزائي في القانون التونسي

الاستاذة سهام الهمامي

الإجراءات هي قواعد موضوعية تدخل حماية للمصالح الاجتماعية وتنظم حق الدولة في العقاب غير أنه بين وقوع الجريمة والحكم فيها من طرف السلطة القضائية تنشأ روابط إجرائية تنظم سير الدعوى الجزائية منذ لحظة إثارتها حتى لحظة انقضائها بموجب حكم بات وتنفيذه.

فهذه الإجراءات التي تحكم الدعوى العمومية في مباشرتها حق تحقيق الحكم منها والمتمثل في تسليط عقوبة وتنفيذها تسمى بالإجراءات الجزائية التي يمكن تعريفها بمحتواها إذ هي تضم القواعد المنظمة لممارسة الدعوى العمومية وتنظم الهيكل القضائي الجزائي والقواعد الواجب إتباعها في الكشف عن الجريمة ومعينتها وتتبعها ومحاكمة مرتكبيها وكذلك القواعد المتعلقة بالأحكام الجزائية وطرق تنفيذها والطعن فيها.

وللإجراءات الجزائية أهمية بالغة بكونها الوسيلة المؤدية إلى عدالة جزائية حقيقية تأخذ بعين الاعتبار حق المجتمع في تسليط العقوبة بكونها تراعي أيضا حقوق الدفاع واحترام الحريات الفردية التي بدونها لا يمكن تحقيق العدالة.

ولقد وقع تعريف الإجراءات الجزائية بكونها مجموعة والقواعد المنظمة لحق الدولة في تتبع الجريمة وتسليط العقوبة على مرتكبيها مع مراعاة مصلحة المجتمع من جهة وحماية الحريات الفردية من جهة أخرى بضمانات تراعي فيها أيضا مصلحة المتهم الشرعية سواء في التحقيق أو المحاكمة أو عند تنفيذ العقوبة([1]).

أما التعقيب فهو طريق من طرق الطعن الاستثنائية يرفع إلى محكمة عليا لتراجع القرار القضائي من ناحية القانون لتنقضه إذ ثبت لديها أن خرقا للقانون قد شاب الحكم. ولقد وجد هذا الطعن أساسا الفرض احترام القانون باعتبار أن النظر فيه يعود إلى محكمة التعقيب التي تتربع على قمة الهرم القضائي للبلاد([2]).

التعقيب ليس درجة ثالثة في الطعن بل هو وسيلة طعن غير عادية تهدف إلى مراقبة سلامة تطبيق القانون وتوحيد الاجتهادات الفقهية. فهو وسيلة لضمان شرعية الأحكام من الوجهة القانونية وليس لمحكمة التعقيب من سلطة على وقائع الملف، فليس لها أن تعدلها أو تغيرها. وقد أقر المشرع طريقتين في التعقيب، الطريقة العادلة ووضعها لمصلحة الأطراف بهدف طلب نقض الأحكام وأخرى استثنائية وضعها المشرع لمصلحة القانون، واسند الاختصاص فيها لوكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب([3]).

لذا اتجه تكريس نظام قضاء القانون ممثلا في الطعن بالتعقيب الذي يهدف إلى: “رديء أخطاء محتملة يمكن أن تلحق الأحكام باعتبارها أي طريقة الطعن بالتعقيب ضمانا لتصحيح المسار الخاطئ الذي توخته المحكمة في حكمها والحصول على حكم أفضل وأحسن تطبيقا وتأويلا”([4]).

ويبرز وصف التعقيب بكونه طريقا غير عادي للطعن لا يمكن طرقه إلا في أحوال خاصة وهي نافذة وملاذا أخيرا لمن كان يعتقد أنه مظلوما([5])

وكذلك يختلف التعقيب عن بقية طرق الطعن العادية، وهي الاعتراض على الحكم الغيابي والطعن بالاستئناف.

فالاعتراض الذي هو طريق إلغاء يرمي إلى إلغاء الحكم الذي صدر غيابيا لذلك، يقدم إلى نفس المحكمة التي أصدرت الحكم فهو وسيلة مفتوحة لكل من حكم عليه غيابيا([6]).

كما يختلف التعقيب عن الاستئناف اختلافا عميقا باعتبار أن هذا الأخير هو طريق إصلاح إذ بواسطته يمكن لقضاة الأصل أن ينظروا بكل دقة في الأفعال أي إعادة النظر في جميع ملامح الحكم المادية والقانونية في القضية المنشورة([7]). في حين أن الطعن بالتعقيب لا ينقل الدعوى مجددا أمام محكمة التعقيب لتنظر في وقائعها من جهة ثبوتها أو عدمها بل أن وظيفتها تقتصر أساسا على تفحص المطعون فيه ومراجعته من ناحية تطبيق القانون.

فإذا قدرت أن الحكم كان سليما، فإنها تطرح الطعن وترفضه، أما إذا وجدت أن الحكم صدر على خلاف القانون فإنها تنقض الحكم فتبطله دون أن تتصدى للموضوع وترجع الدعوى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم لتعيد النظر فيه من جديد.

و قد كان النظام القضائي التونسي متأثرا منذ فتح المسلمين للبلاد التونسية بالتشريع الإسلامي، فقد أخذ عنه القواعد المنظمة للطعن إلى أن صدر دستور عهد الأمان سنة 1861 وقانون الجنايات والأحكام العرفية الذين أدخلا نظاما قضائيا هرميا مماثلا للنظام الفرنسي.

أما قمة الهرم القضائي فينصب بها مجلس أعلى يضطلع بمهام محكمة القانون عملا بأحكام المادة 21 من دستور عهد الأمان.

غير أن هذا النظام القضائي ألغي مع إيقاف العمل بدستور عهد الأمان بموجب أمر 30 أفريل 1864.

ومحكمة التعقيب فقد جاء بتنظيمها الأمر الفرنسي المؤرخ في 27 نوفمبر 1790 لضمان وحدة فقه القضاء، وقد كرست مختلف التشريعات الإجرائية المقارنة هذه المؤسسة مع اختلاف في تنظيمها، إذ ظهرت ثلاثة أنظمة كبرى([8]).

جعل النظام الأول من محكمة التعقيب محكمة درجة ثالثة إذ تعهدت بالطعن فإنها تنظر في وقائع القضية والقواعد القانونية المنطبقة على حد السواء شانها شأن محكمة الاستئناف. فلا مجال إذن للإحالة على محاكم والأصل في صورة النقض. وقد تبنت عدة قوانين مقارنة هذا الاتجاه لعل أهمها القانون البريطاني والكندي، والياباني ومن القوانين العربية، القانون اللبناني.

أما النوع فقد جعل من الطعن بالتعقيب أداة لإجراء الرقابة على أحكام محاكم الأصل بحيث تسهم محكمة التعقيب على توحيد فقه القضاء واتجاهات المحاكم في تأويل النصوص القانونية، فإذا ما تبين لها وقوع محكمة الأمل في خطط في تطبيق القانون أو في تأويله فإنها تنقض الحكم وتحيل القضية على محكمة الإحالة لتنظر في الوقائع من جديد، وقد كرست معظم التشريع الأوروبية هذا الاتجاه ومنها القانون الفرنسي، والإيطالي والألماني والبلجيكي.

في جميع القوانين المتنازعة وتغليب القانون القومي على القوانين الجهوية المباشرة في الأنظمة الفيدرالية أو الكنفدرالية، كما تراقب احترام الدستور فضلا عن امتداد نظرها في القضايا من حيث الواقع والقانون([9]). ومن القوانين التي تبنت هذا النظام نذكر القانون الأمريكي والسويسري واليوغسلافي.

و ظهرت إلى جانب هذه الأنظمة الكبرى، أنظمة خاصة تبنت موقفا توفيقيا بين الاتجاهات المذكورة إذا تتعهد فيها محكمة التعقيب في الآن نفسه بمراقبة احترام القانون وتوحيد فقه القضاء والتصدي لأمل النزاع إذا توفرت الشروط القانونية لذلك. وقد كرس المشرع المصري([10]) والسوري هذا الاتجاه.

أما النظام القضائي الجزائي التونسي فمن الواضح أنه متأثرا بالمثال الفرنسي إذ يعهد لمحكمة التعقيب مهمة مراقبة مشروعية الأحكام. فرغم أن تنقيح مجلة المرافعات المدنية والتجارية بموجب القانون عدد 87 لسنة 4986 المؤرخ في غرة سبتمبر 1988 قد كرس التوجه الذي تبناه المشرع المصري. فقد أبقى مشرع الإجراءات الجزائية على الوظيفة التقليدية لمحكمة التعقيب.

مما تقدم، فإن هذا الطعن ليس من شأنه أن يجعل من محكمة التعقيب محكمة موضوع أو أصل. لذلك هي ليست درجة ثالثة من درجات التقاضي فهي محكمة قانون وليست محكمة وقائع تسهم على توحيد الاجتهاد القضائي وأن الأمور المادية خارجة عن أنظارها([11]).

وهي بالتالي لا تحاكم الدعاوى ولكن تحاكم الأحكام([12]). وهو ما عبر عنه بكل دقة منذ القديم الفقيه قارو عندما قال إن مهمة التعقيب هي الحكم على الحكم([13]).

ورغم المزايا التي يحققها التعقيب فإنه لم يسلم من النقد، إذ يمس من قوة الأحكام النهائية. وما يترتب على ذلك من تطويل للإجراءات واندثار الأدلة وارتفاع كلفة العدالة التي تتضرر منها خزينة الدولة والطراف على السواء. وإن تعدد الطعون من شأنه أن يهز الرأي العام ويضعف ثقتهم في قيمة الأحكام الصادرة عن القضاء[14].

وللأسباب المتقدمة، فإن الطعن بالتعقيب فد وقع تحديده سواء من حيث موضوعه، فلا يتسلط إلا على قرارات قضائية معينة أو من حيث أطرافه فلا يباشر إلا أشخاص معينون أو من حيث أسبابه إلا في أحوال خاصة([15]).

فالتعقيب لا يوجه إلا على القرارات والأحكام النهائية الصادرة في الأصل كما جاء بالفصل 258م إ ج والصادرة عن محاكم الموضوع من حيث المبدأ.

صحيح أن القانون قد سمح بتوجيه الطعن إلى القرارات الصادرة عن دائرة الاتهام([16]) بوضعها درجة ثانية من درجات التحقيق. ولكن ذلك لا يكون إلا في حالات استثنائية وخاصة نظرا للصبغة التحقيقية لقراراتها أولا وأن الطعن فيها قد يساعد على إطالة وتعطيل الإجراءات.

ولهذا فقد أخضع تعقيبها إلى شروط خاصة تستجيب إلى طبيعتها([17]) وبما أنها كذلك فإنها تخرج عن نطاق هذا البحث وفيما عدا ذلك فإن الطعن بالتعقيب له إجراءات مميزة ودقيقة فهو يوجه إلى القرارات والأحكام النهائية ويوجه ممن له المصلحة والصفة في الدعوى يجعل من هذا الطريق أكثر تضيقا، وهذا ما ذهبت إليه محكمة التعقيب إذ لا يقبل مطلب التعقيب إذا لم يكن مشارا لمصلحة طالب التعقيب([18]).

وفيما يترتب على إجراءات التعقيب الجزائي من آثار فيلاحظ أن المشرع حاول أن يكون مستقيما مع ذاته في تكريس الصبغة الاستثنائية للطعن، فلم يجعل له أي أثر توفيقي من حيث المبدأ كما حجر على محكمة التعقيب في صورة قبولها للطعن النظر في أصل الدعوى والاقتصار على مراجعة قانونية وشرعية الأحكام، وحتى في صورة اجتماع دوائر محكمة التعقيب، فإن عملها سيقتصر على فض الخلاف القائم بين محكمة التعقيب ومحكمة الإحالة([19]).

وفي الحقيقة، فإن الطعن بالتعقيب لم يوجد في العصور القديمة، فالحكم الصادر في حق الشخص ليس له أن يطعن فيه لا بالاستئناف ولا بغيره من طرق الطعن، فذلك غير مقبول لأن الشعب الذي أصدر الحكم هو صاحب السيادة([20]).

أما في خصوص التشريع الإسلامي فرغم وجود فكرة نقض الأحكام وإمكانية مراجعتها بالاستناد إلى الوثيقة العمرية([21]) والإمام علي رضي الله عنه لديوان المظالم على أساس أنه مرجع للتظلم في أقضية القضاة والذي اعتبره البعض لا يخرج عن دائرة المراقبة لأحكام القضاة إنقاذا لوجود رد ونقض الحكم الخاطئ وعلى وظيفة قضاء القانون ولكن ذلك لا يكون إلا بالنسبة للأحكام التي تخالف الدليل الثابت بالقرآن والسنة والإجماع.

أما الأدلة التي تنقض بالاجتهاد فلا تنقض بالاجتهاد استنادا إلى القواعد الأصولية التي تحول دون القيام بهذه الوظيفة([22]).

ولهذا فلا يمكن القول بأن القضاء الإسلامي قد عرف مسألة التعقيب على النحو الذي عرفه القضاء الغربي([23]).

وفي الحقيقة فإن الطعن بالتعقيب ظهر في الأصل في فرنسا في القرن السادس عشر مع العادة التي كان تتخذها الأطراف المتقاضية والتي تتمثل في التظلم إلى صاحب السلطة العليا في الدولة وهو الملك باعتباره المسؤول الأول عن توزيع العدالة بين الناس فكان في بدايته وسيلة سياسية تهدف إلى تطبيق التشريع الملكي.

وبعد قيام الثورة الفرنسية أصبحت الحاجة ملحة لتنظيم محكمة التعقيب، فجاء أمر 27 نوفمبر و1 ديسمبر 1790 لهذا الغرض وذلك كوسيلة من وسائل تكفل تحقيق وحدة فقه القضاء ومكملة لوحدة التشريع.

و فعلا فقد أدت محكمة التعقيب الفرنسية مهمتها على أكمل وجه في ضمان وحدة تأويل القانون الجنائي فأصبحت مورد حقيقي للقانون([24]).

و يبدو واضحا أن المشرع التونسي كان وفيا في الحفاظ على النموذج الفرنسي إذ جعل من التعقيب وسيلة من وسائل الرقابة على شرعية الأحكام الصادرة عن مختلف الجهات القضائية، هذا رغم أن المشرع نفسه قد تأثر في قانون المرافعات المدنية والتجارية بالمشرع المصري، وبدا ذلك واضحا من خلال التنقيح الذي أدخله المشرع على الفصول المتعلقة بالتعقيب([25]).

وومبقيا في المادة الجزائية على المهمة التقليدية لمحكمة التعقيب في السهر على حسن تطبيق القانون وتأويله وتفسيره([26]). ذلك أن تجديد اختصاص محكمة التعقيب بمسائل القانون وتفسر بإرادة المشرع في تمكينها من القيام بمهمتها في توحيد التفسير القضائي للقانون إذ أن محكمة واحدة تقوم بالنظر في الأفعال والقانون بجميع القضايا التي تقام أمامها لن يجعلها قادرة على معالجتها بكيفية ناجعة ولن تتمكن من توحيد فقه القضاء([27]).

و لا يخفى ما لإجراءات التعقيب الجزائي من أهمية نظرية تتمثل في تجاوز الاختلافات بين مختلف المحاكم لما في هذا الاختلاف من تأثير سلبي في تعميق التناقض بين أحكامه، فالتعقيب وجد أساسا لتوحيد كلمة القضاء وتحقيق الانسجام وتجاوز التباين وسد الفراغ التشريعي خاصة وأنها تمتاز بدقتها وتنظيمها.

أما أهمية إجراءات التعقيب العملية فتبدو واضحة أولا من خلال التنقيحات المدخلة على مجلة الإجراءات الجزائية لبعض الفصول بمقتضى قانون عدد 75 لسنة 2008 المؤرخ في 11 ديسمبر 2008 ليضيف فقرة ثالثة ورابعة للفصل 261 م إ ج في اتجاه إلزام كاتب المحكمة التي أصدرت الحكم باستدعاء المعقب لتسلم نسخة من الحكم أو القرار المطعون فيه.

أضيف الفصل 263 مكرر م إ ج وجعل المشرع بداية سريان الأصل من تاريخ تسلم النسخة بموجب تنقيح 2008 بعد ما كان من تاريخ تقديم المطلب وعلى جميع الأطراف باستثناء النيابة العمومية على محامي الطاعن أن يتقدم إلى كتابة محكمة التعقيب في أجل أقصاه ثلاثون يوما من تاريخ تسلمه نسخة من الحكم المطعون فيه من كتابة المحكمة التي أصدرته مذكرة فيه أسباب الطعن ونسخة من محضر إبلاغ مذكرة الطعن بواسطة عدل منفذ إلى المعقب ضدهم باستثناء النيابة العمومية([28]).

ومن خلال ما تقدم يمكن أن نتساءل هل أن إجراءات التعقيب الجزائي ترمي إلى تحقيق وحدة التفسير القضائي للقانون أم أنها فضلا عن ذلك تعد دعامة من دعائم حقوق الدفاع ؟

وللتأكد من خيارات المشرع وما اعتمده من اتجاه في مختلف فصول مجلة الإجراءات الجزائية والتنقيحات المدخلة عليها، من المتجه البحث في ممارسة الطعن بالتعقيب في جزء أول لتناول في جزء ثان دراسة الآثار الناجمة عنه.

الجزء الأول:ممارسة إجراءات التعقيب الجزائي

إذا كان الاستئناف كطريق من طرق الطعن العادية يتسلط على الأحكام الابتدائية إذ يهدف إلى إلغائها أو تعديلها فإن التعقيب لا يتسلط إلا على الأحكام الصادرة بالدرجة النهائية. وإذا كان الاستئناف يمكن ممارسة أسباب واقعية وقانونية، فالتعقيب أضيف نطاقا وأكثر دقة وتحديدا، إذ أن الغرض منه مراجعة سلامة وحسن تطبيق القانون بدون النظر في الأصل، فالتعقيب ليس درجة ثالثة من درجات التقاضي بل هو وسيلة وضعت تحت تصرف الأطراف في الدعوى لإلغاء وإبطال القرار الذي تضمن خرقا للقانون([29]).

ولذا فإن دراسة ممارسة إجراءات التعقيب الجزائي تقتضي تحليل شروطها II)) بعد التطرق إلى نطاقها (I).

الفصل الأول : نطاق إجراءات التعقيب الجزائي

تقتضي دراسة نطاق إجراءات التعقيب الجزائي تحديد الأحكام القابلة للطعن في مرحلة أولى ثم تحديد الأشخاص أو الأطراف الذين يحق لهم ممارسته في مرحلة ثانية.

المبحث الأول: الأحكام القابلة للطعن بالتعقيب:

إذا الطعن بطريق التعقيب الجزائي لا يتسلط إلا على القرارات والأحكام الصادرة من السلطة العدلية التي قضت في الأصل بصفة باتة والتي تنتهي بها المرافعة وحينئذ فإن الأحكام التحضيرية والتي القصد منها إجراء أعمال استقرائية والأحكام الصادرة في أهمية النظر يجب الطعن فيها مع الأحكام الصادرة في أصل النازلة([30]).

وقد يمنع القانون صراحة الطعن بالتعقيب ضد نوع معين من القرارات الصادرة عن القضاء الجزائي فنجد مثلا في المادة الجزائية كما هو الحال في المادة المدنية أن القانون يمنع صراحة الطعن في القرارات المتعلقة بالتدريج في القضاة([31]).

و فيما عدا ذلك فإن الفصل 258 من مجلة الإجراءات الجزائية في فقرته الأولى لا يشترط لقابلية الحكم للتعقيب إلا أن يكون حكما نهائيا (الفقرة الأولى) فاصلا في الأصل (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الحكم النهائي:

لا يتسلط الطعن بالتعقيب كما سبقت الإشارة إلا على الأحكام النهائية المبرمة والصادرة على محاكم الدرجة الثانية هذا ما أوجبه الفصل 258 م إ ج وقبله الفصل 170 من مجلة المرافعات الجنائية.

والحكم النهائي هو الذي استنفذ الطرق العادية وأحرز على قوة اتصال القضاء فلا يمكن تعقيبه إلا باستنفاذ الطرق العادية في الطعن([32]) بمعنى يتعذر الطعن فيه بالطرق العادية وقد أكد فقه القضاء([33]) ذلك في عدة قرارات.

و هذه القاعدة في الحقيقة تنسجم مع طبيعة وجوهر إجراءات الطعن بالتعقيب والذي لا يمكن ممارسته أو اللجوء إليه إلا إذا سدت كل الطرق الأخرى([34]).

ولتحديد درجة الحكم أو القرار ومدى قابليته للطعن بالتعقيب لا بد من الوقوف على مختلف أنواع الأحكام والقرارات الصادرة عن مختلف المحاكم وذلك بالنسبة للأحكام الحضورية (أ) ثم الغيابية ( ب).

أ – الأحكام الحضورية :

تصدر الأحكام عن القضاء الجزائي فتكون على نوعين، أما أن تكون نهائية غير قابلة للاستئناف فتعقب مباشرة ما لم ينص القانون على خلافه([35]) وإما أن تصدر بالدرجة الابتدائية وهذه تستأنف ولا تعقب أبدا.

الأحكام والقرارات غير القابلة للاستئناف:

هذه الزمرة تشتمل على مجموعة الأحكام الصادرة على المحاكم التالية:

أولا: قرارات الدائرة الجنائية:

تختص الدائرة الجنائية بالنظر في المواد الجنائية([36]) والقرارات الصادرة عنها تكون في كل الأحوال نهائية([37]) وهي بالتالي غير قابلة للاستئناف وليس من سبيل سوى الطعن بالتعقيب مباشرة سواء كان القرار قاضيا بالبراءة أو الإدانة فيجوز لجميع الأطراف الطعن فيها. إلا أن تدخل المشرع التونسي بمقتضى الق عدد 43 لسنة 2000 المؤرخ في 17 أفريل 2000 وأرسى قاعدة التقاضي على درجتين في المادة الجزائية، وبالتحديد في الجنايات، فأصبحت الأحكام الصادرة عن الدوائر الجنائية لا يمكن أن تكون قابلة للتعقيب إلا بعد استئنافها.

ولكن السؤال الذي يمكن طرحه هنا هو إذا تعهدت الدائرة الجنائية بجناية ثم تبين لها أنها مخالفة أو جنحة وخاصة أن هذه الأخيرة عادة ما تكون قابلة للاستئناف فما العمل؟

يجيبنا الفصل 171 من مجلة الإجراءات الجزائية بقوله “إذا تعهدت المحكمة الجنائية بصفة قانونية بفعلة يعتبرها القانون جناية واتضح لها من المرافعات أنها مجرد جنحة أو مخالفة فإنها تسلط العقاب وثبت عند الاقتضاء في الدعوى الشخصية” وكرس فقه القضاء التونسي هذا الاتجاه([38]) ومستندا في ذلك هي القاعدة القائلة من أمكن له الأكثر أمكن له الأقل”.

يبدو أن هذا الاتجاه محل نقد إذ فيه إخلال بنظام التقاضي على درجتين ولكن يرد على ذلك بأن وجوبية التحقيق في الجنايات وتشكيل المحكمة وطريقة عملها كلها ضمانات حقيقية وهامة تكفل حق الأطراف([39]).

ثانيا : أحكام المحاكم العسكرية:

تصدر الأحكام العسكرية بصورة نهائية ولا تقبل الطعن بالاستئناف سواء كانت الجريمة المرتكبة من نوع المخالفات أو الجنح أو الجنايات دون تفريق وهذه فقط الطعن بالتعقيب([40]) طبقا لأحكام الفصل 29 م.م.ع.ع.

ثالثا : أحكام قاضي الناحية في المخالفات:

إن الأحكام الصادرة عن محكمة الناحية في مادة المخالفات تصدر بصورة نهائية ([41]) لا تقبل الطعن بالاستئناف وإنما تعقب مباشرة.

إن المشرع التونسي في اعترافه للطعن بالتعقيب في مادة المخالفات لا تتفق مع القانون المصري في هذا التمشي إذ أخرجها من نطاق الطعن بالتعقيب وقصرها على الجنح والجنايات فقط وذلك كما تقول المذكرة الإيضاحية انه ” تبين عدم وجود ضرورة لإطالة أمد التقاضي في مثل هذا النوع من الجرائم([42])“.

“ويقبل جانب من الفقه المصري هذا الشرط على أساس أنه يخفف من أعباء محكمة النقض بما يتيح لها التفرع للأحكام الصادرة في الجرائم الهامة ([43])“.

رابعا : القرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف :

من البديهي أن القرار الإستئنافي يكون نهائيا ولا يمكن الطعن فيه إلا بالتعقيب سواء كان صادرا عن محكمة الاستئناف والتي نظرت في استئناف الحكم الابتدائي الصادر عن المحكمة الابتدائية في مادة الجنح([44]) أو كان صادرا عن المحكمة الابتدائية بوصفها محكمة استئناف لأحكام قاضي الناحية ([45]).

خامسا : الأحكام الصادرة عن محكمة الأطفال :

إن الأحكام الصادرة عن محاكم الأطفال سواء بوصفها محكمة جنائية([46]) أو بوصفها محكمة إستئنافية([47]) عندما تنتصب للنظر في أحكام قاضي الأطفال ففي كلتي الحالتين فإن أحكامها تقبل الطعن بالتعقيب.

الأحكام القابلة للاستئناف:

هذا النوع من القرارات والأحكام يصدر عادة بالدرجة الابتدائية ولا يمكن الطعن فيه إلا بالاستئناف وهو غير قابل للتعقيب بأي حال من الأحوال، وهذا النوع يشمل الأحكام الصادرة في مادة الجنح وهي إما أن تكون صادرة عن قاضي الناحية أو المحكمة الابتدائية على النحو التالي:

أولا : قاضي الناحية:

ينظر حاكم الناحية نهائيا في المخالفات وينظر ابتدائيا:

أولا في الجنح المعاقب عليها بالسجن مدة لا تتجاوز العام أو بخطته لا يتجاوز مقدارها ألف دينارا ويبقى النظر للمحكمة الابتدائية في جنحة الجرم على وجهة الخطأ والحريق غير العمد.

ثانيا في الجنح التي أسند إليه فيها النظر بمقتضى نص خاص([48]).

هذا الصنف من الجرائم ينظر فيه قاضي الناحية ويصدر فيه حكمه، فإن هذا الأخير لا يكون نهائيا بل يقبل طعن بالاستئناف أمام المحكمة الابتدائية بوصفها محكمة استئناف. وهذا الاتجاه القانوني مؤكد في فقه القضاء إذ جاء في أحد قرارات محكمة التعقيب ” أن الفصل 258 م.إ.ج نص على تعقيب الأحكام النهائية الصادرة عن محاكم النواحي فإذا صدر الحكم في جنحة ابتدائيا فإنه ليس بإمكان الطاعن أن يعقبه قبل اللجوء إلى الاستئناف لأن الطعن بالتعقيب طريق طعن غير اعتيادي([49]).

ثانيا المحكمة الابتدائية:

تنظر المحكمة الابتدائية ابتدائيا في سائر الجنح باستثناء ما كان منها من أنظار حاكم الناحية([50]) والأحكام الصادرة فيها تكون أحكاما ابتدائية قابلة للطعن بالاستئناف أمام محكمة الاستئناف.

و إذا فوت الطاعن أصل الطعن بالاستئناف دون ممارسته يصبح الحكم باتا اتصل به القضاء ولا يمكن الطعن فيه بالتعقيب([51]) ذلك أن من أهمل استئناف حكم محكمة الدرجة الابتدائية دون أن يقوم بما في وسعه لإصلاح الخطأ بهذا الطريق العادي فإن ذلك يعد خضوعا منه للحكم الأمر الذي يجعل الطعن بالتعقيب لا يقوم على أسس قانونية وأكدت محكمة التعقيب ذلك([52]) كما اعتبرت أن عدم احترام مقتضيات الحكم النهائي يعتبر مساسا بالنظام العام وللمحكمة أن تثيرها من تلقاء نفسها([53]).

و لكن السؤال الذي يثور هنا في صورة ما إذا ارتبطت جنحة بمخالفة فكيف يكون الحل ؟

يجيبنا الفصل 137 م إ.ج حيث يقول ” إذا كانت الفعلة مخالفة مرتبطة بجنحة فإن المحكمة تبت فيها بحكم واحد يكون قابلا للاستئناف في مجموعه.”

أن ضرورة توفر الصفة النهائية للإحكام أو القرارات لإمكانية تعقيبها لا يكون فقط في الإحكام غير القابلة للاستئناف بل كذلك يجب ألا يكون الحكم غيابيا. بل كذلك يجب ألا يكون الحكم غيابيا.

ب – الأحكام الغيابية:

يكون الحكم غيابيا حسب ما جاء في الفقرة الثانية من الفصل 175 م.إ.ج إذا ما استدعى المتهم بصفة قانونية ولم يحضر يحكم عليه غيابيا رغم عدم بلوغ الاستدعاء إليه شخصيا. وتنص المادة 169 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني على أنه ” إذا لم يحضر المضنون إلى المحكمة في اليوم والساعة المعينين في مذكرة الدعوى المبلغة له حسب الأصول للمحكمة أن تحاكمه غيابيا…”.

وطالما أن المتهم لم يحضر ولم تتح له فرصة لإبداء أوجه دفاعه فالحكم الذي يصدر ضده تعتبر غيابيا ولو حضر يوم النطق بالحكم”([54]).

وفي هذه الأحكام فإن المشرع وضع الطعن بطريق الاعتراض وبما أن هذا الأخير هو طريقا من طرق الطعن العادية، فإنه يسد الطريق أمام الطرق غير العادية([55]).

وتجدر الملاحظة بادئ ذي بدء أن الأحكام الغيابية الصادرة في مواد الجنح سواء كانت صادرة عن قاض الناحية أو المحكمة الابتدائية لا تفقد وصفها بأنها حكم ابتدائي غير قابل للطعن بالتعقيب مباشرة بأي شكل من الأشكال، وما يهمها هي تلك القرارات والأحكام لو لم تكن غيابية لكانت قابلة للتعقيب مباشرة([56]).

وإذا صدرت أحكام بالبراءة وإن كانت غيابية فلا داعي إلى تعقيبها وذهبت محكمة التعقيب في أحد قراراتها أن الأحكام الغيابية الصادرة بالبراءة لا لزوم للإعلام بها وجاء في إحدى حيثيات القرار أنه “من المبادئ الثابتة أن الأحكام الغيابية بالبراءة لا يعلم بها من قضي بترك سبيله وحينئذ فإن الحكم الغيابي بعدم سماع الدعوى العمومية لم يكن واجب الإعلام به للمتهم”([57]).

أما الحكم الغيابي الصادر بالإدانة، فإنه يتعين التفريق بين مرحلتين مرحلة ما قبل القيام بإجراءات الإعلام ومرحلة ما بعدها.

فإذا لم يقع الإعلام بالحكم الغيابي فإن محكمة التعقيب قد استقر رأيها منذ القديم على عدم قبول الطعن في هذا النوع من الأحكام([58]).

أما في مرحلة ما بعد الإعلام بالحكم الغيابي فإن للأطراف إما أن تعترض خلال أجل الاعتراض أو تفوت على نفسها أجل الاعتراض وفي الحالة الأخيرة يصبح الحكم الغيابي نهائيا قابلا للطعن بالتعقيب من قبل جميع الأطراف([59]).

ولكن هل يجوز للمتهم التنازل والعدول عن الاعتراض والقيام بالتعقيب مباشرة ؟

تجيبنا محكمة التعقيب في قرار لها بتاريخ 18 ديسمبر 1947 بأن المحكوم عليه غيابيا لا يجوز له العدول عن الاعتراض على الحكم الغيابي والطعن فيه مباشرة بالتعقيب([60]).

أما بالنسبة للنيابة العمومية فلها وضع خاص فيفترض أنها دائما حاضرة وممثلة في الأحكام، وبالتالي لا يجوز لها الاعتراض بل أن هذا الأخير شرع للطرف الغائب وبما أن الأمر كذلك فهل يجوز لها التعقيب مباشرة([61]).

ليس هناك نص يمنع النيابة العمومية من الطعن في الحكم الغيابي بعد القيام بإجراءات الأعلام والقضاء أجل اعتراض.

وبعد انتهاء من الحكم في الاعتراض يمكن للنيابة العمومية أن تعقب الأحكام إذ يصبح الحكم نهائيا ولا مجال للحديث عن الحكم الغيابي. إذا لم تتم إجراءات الإعلام فلا يمكن قبول الطعن من أي كان إلا بعد النظر في الاعتراض أو انقضاء أجله، هذا ما استقر عليه فقه قضاء محكمة التعقيب وهذا محل نظر إذ يعني أنه في صورة عدم تبليغ الحكم إلى الغائب فلا يجوز لأي كان الطعن بالتعقيب. والكل يعلم أنه إذا لم يبلغ الاستدعاء إلى الشخص نفسه فإن أجل الاعتراض يساوي مدة تقادم العقوبة([62]).

وفي هذا الإطار يميز القانون الفرنسي من الأحكام الغيابية الصادرة بالإدانة عن محكمة الجنايات، والتي لا يمكن الطعن فيها بالتعقيب من طرف المحكوم عليه ولكن يمكن إعادة محاكمته وفق الشروط الواردة بالفصل 639 م.إ.ج فرنسية وما بعدها.

أما بالنسبة للنيابة العمومية والقائم بالحق الشخصي فيمكن لها الطعن بالتعقيب مباشرة أما إذا كان الحكم صادرا في مادة الجنح والمخالفات فلا يجوز الطعن فيه بالتعقيب فهو يقبل الاعتراض.

وهذا الاتجاه تبناه التشريع السوري الذي منع الطعن بالتعقيب مادام الطعن فيه بطريق الاعتراض جائزا([63]).

أما الحكم الغيابي في جناية فإنه لا يقبل الاعتراض بل يبقى مهددا بالسقوط خلال مدة طويلة مما قد يلحق الأذى والضرر لبقية أطراف الحكومة الذي يجب عليهم حق الطعن.

و لا يمكن أن يكون الحكم نهائيا لكي يكون قابلا للطعن بالتعقيب بل اشترط الفصل 258 م إ.ج إضافة إلى ذلك أن يكون الحكم فاصلا في الأصل.

الفقرة االثانية : حكم فاصل في الأصل :

لقد اقتضى الفصل 258 م.إ.ج في فقرته الأولى أن الحكم النهائي المراد الطعن فيه يجب أن يكون صادرا في الأصل.

وفي الواقع إن تحديد مفهوم هذا المبدأ يطرح بعض الإشكاليات على النحو العملي، لذا لا بد من بيان المقصود من الحكم الفاصل في الأصل (أ) ثم التعويض إذا كان هناك استثناءات (ب).

أ – تحديد المقصود من الفصل في الأصل :

لم يعرف المشرع المقصود من الحكم الفاصل في الأصل لكن ذهب أحد الفقهاء إلى القول بأن الحكم الفاصل في الموضوع هو الذي ينفي الخصومة بالبراءة أو عدم المسؤولية أو بالإدانة وتقرير العقوبة والتعويض للمدعي الشخصي، وبالتالي فإنه يؤدي إلى إخراج الدعوى من حوزة المحكمة([64]).

وقد اعتبرت محكمة القانون أن الطعن بالتعقيب الجزائي لا يتسلط إلا على القرارات والأحكام الصادرة عن السلط العدلية التي قضت في الأصل بصفة باتة والتي تنتهي بها المرافعة([65]).

ويمكن القول تأسيسا على ذلك أن الحكم الصادر في الأصل هو الذي تنتهي به الخصومة وتخرج به الدعوى من يد المحكمة وعلى هذا الأساس فإن الأحكام التحضيرية لا تكون قابلة للتعقيب([66])، وهي أحكام سابقة على الفصل في موضوع الدعوى، فإذا أصدرت المحكمة بطاقة إيداع ضد المتهم مثلا فإن ” تلك الوسيلة ليست بقرارات في أصل القضية وبذلك فإنها غير قابلة للطعن بطريق التعقيب([67]) على أن مثل هذه القرارات يمكنها أن تكون محل طعن بالتعقيب مع الحكم البات في الأصل تماما كما هو الأمر بالنسبة للأحكام القابلة للاستئناف عملا بالفصل 209 م.إ.ج([68]).

إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن بعض القرارات غير الصادرة في الأصل وغير الباتة في جوهر التهمة، يمكنها أن تنهي الإجراءات وتخرج القضية من يد المحكمة مثل القرارات الصادرة بعدم الاختصاص وبرفض الاستئناف شكلا فهل يحرم الأطراف والنيابة العمومية من حق الطعن بالتعقيب فيها ؟ أم أنه يجوز تعقيبها ؟

لم يتعرض المشرع لهذه المسألة في الأحكام المتعلقة بالتعقيب خلافا لتلك الأحكام الصادرة في مادة مرجع النظر، إلا أنه لا يمكن أن يتصور أن المشرع قد قصد حرمان الأطراف من الطعن في مثل هذه الأحكام بالتعقيب الذي شرع لتمكينهم من تعهد محكمة القانون بالنظر فيما قد تكون محاكم الأصل قد ارتكبته من أخطاء قانونية كرفضها للاستئناف شكلا دون موجب قانوني أو تصريحها بانقضاء الدعوى العمومية بالتقادم مع تغافلها عن عمل قاطع.

و على أية حال فإنه يبدو أن محكمة التعقيب لا ترفض تعقيب مثل هذه القرارات فقد استقر فقه قضائها على قبول مطالب تعقيب قرارات عدم الاختصاص([69]) وقرارات رفض اٌستئناف شكلا([70]).

ولكن قد تطرح بعض الصعوبات في تحديد مدى الفصل في الأصل في بعض القرارات كما جاء في الفصل 100 م.إ.ج الذي ينص على أن ” لكل شخص يدعي استحقاق أشياء موضوعية تحت يد العدالة أن يطلب ترجيعها من حاكم التحقيق وعند امتناع هذا الأخير فمن دائرة الاتهام”.

والسؤال الذي يمكن طرحه في خصوص هذا الفصل هو هل أن القرار الصادر عن دائرة الاتهام في هذا الموضوع فاصلا في الأصل أم لا؟

محكمة التعقيب لم تعط رأيا في الموضوع أما فقه القضاء الفرنسي فإنه يقيم التفرقة بين حالتين، ما إذا كان الطاعن طرفا في الدعوى أم لا([71]).

إذا كان الطاعن هو الغير المتدخل فإنه من المتجه قبول طعنه([72]) أما إذا كان الطاعن طرفا في الدعوى سواء كان متهما أو قائم بالحق الشخصي فإن المحكمة تقضي برفض طعنه([73]) ولا بد من انتظار القرار النهائي للطعن فيه برمته([74]). ولكن قد تتخذ المحاكم التي تنظر بصورة نهائية بعض القرارات أو تصدر بعض الأحكام ولكنها لا تفصل في الموضوع وليس من شأنها حسم النزاع بالكيفية التي وقع شرحها كالأمر بإجراء بحث تكميلي([75]) أو بإجراء خبرة([76]).

إن هذا النوع من الإجراءات لا تؤثر على السير الطبيعي للدعوى ومن الصعب الاعتقاد أن الفصل 258 م.إ.ج يسمح بالطعن في هذا النوع من القرارات وذلك قياسيا على الفصل 209 م.إ.ج بفقرته الثانية والذي لا يسمح بالاستئناف ما عدا ذلك من الأحكام إلا مع الأحكام الصادرة في الأصل علما وأن بعض التشريعات العربية مثل التشريع السوري في مادة 238 من قانون أصول المحاكمات الجزائية والذي نص صراحة بأنه لا يجوز الطعن بطريق النقض في الأحكام الصادرة قي الفصل في الموضوع([77]).

فقه القضاء التونسي اعتبر أن القرار الرامي إلى انتداب خبير هو من قبيل الأعمال الاستقرائية والتحضيرية ولا يجوز الطعن فيها بالتعقيب([78]) والحكمة من هذا كله هو أن المحكمة التي أصدرت تلك الأحكام لم تخرج الدعوى من حوزتها فهي على ذلك تستطيع تبديل أو تعديل ما كانت قد قررته ومن ناحية أخرى فإن هذا المنع يؤدي إلى وضع حد الطعون التسويفية التي لا يقصد منها إلا المماطلة في إنهاء الدعوى العمومية وتعطيل سير العدالة “([79]) ولكن هناك استثناءات قد ترد على هذا المبدأ(ب).

ب- الاستثناء : الأحكام التي لا تنظر في الأصل ولكنها تنهي الإجراءات:

هناك استثناءات قد ترد على المبدأ القائل بضرورة أن يكون الحكم النهائي فاصل في الأصل، لكي يكون قابلا للطعن بالتعقيب، نظرا لإمكانية صدور قرارات عن المحكمة قبل الفصل النهائي في موضوع الدعوى، فيرتب عليها انقضاء الإجراءات وبالتالي تعطيل سير العدالة الجزائية وخروج الدعوى من حوزة المحكمة ومن هذه القرارات مثلا القرار بعدم الاختصاص أو أن الدعوى قد انقضت بالتقادم أو رفض الاستئناف شكلا([80]).

و بالرغم من أهمية القرارات سابقة الذكر، إلا أنه لا يوجد في مجلة الإجراءات الجزائية نص يسمح بالطعن في مثل هذا النوع من القرارات التي لها تأثير كبير على الحسم في موضوع الدعوى، وذلك على خلاف بعض التشريعات العربية كالتشريع السوري فقد جاء في أحد المؤلفات الفقهية السورية أنه هناك بعض الأحكام والقرارات التي تصدر قبل الفصل النهائي في موضوع النزاع ولكن المشرع أجاز الطعن فيها بطريق النقض لأن من شأنها إيقاف السير في الدعوى وإخراج القضية من حوزة المحكمة وعلى ذلك نصت المادة 337 على أنه “لا يجوز الطعن بطريق النقض في الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع إلا إذا أنبنى عليها منع السير في الدعوى ومثال ذلك القرارات الصادرة بعدم الاختصاص والقرارات الصادرة بعدم سماع الدعوى لسقوطها بأحد أسباب السقوط كالتقادم أو العفو العام([81]).

وعلى الرغم من سكوت المشرع التونسي إلا أن فقه قضاء محكمة التعقيب تجاوز ذلك بقبول الطعن في القرارات الصادرة بعدم الاختصاص([82]) ورفض اٌستئناف شكلا([83]) وهناك تجدر الإشارة إلى أن الفصل 209 م.إ.ج يسمح باستئناف الأحكام الصادرة في مادة مرجع النظر وكما أن الفصل 260 م.إ.ج يقبل الطعن بالتعقيب من قبل القائم بالحق الشخصي في القرارات الصادرة عن دائرة الاتهام والتي تقضي بأن لا وجه للتتبع أو بانقضاء الدعوى العمومية بالتقادم أو بعدم الاختصاص وليس هناك ما يمنع من تبني نفس الحل([84]). تلك هي القواعد العامة التي تخضع لها إجراءات التعقيب الجزائي والتي تخضع لها الأحكام لتكون قابلة للطعن بالتعقيب. وبعد دراستها سنتطرق إلى البحث في الأطراف المخول لها ممارسة هذا الطريق غير العادي من طرق الطعن.

تخضع لها الأحكام لتكون قابلة للطعن بالتعقيب وبعد دراستها سنتطرق إلى البحث في الأطراف المخول لها ممارسة هذا الطريق غير العادي من طرق الطعن.

المبحث الثاني: الأطراف المخول لها حق الطعن بالتعقيب:

إن الدعوى الجزائية ليست دعوى شعبية تسمح لأي فرد أن بممارسة الطعن بالتعقيب وبمراقبة شرعية القرار القضائي لقد ورد تحديد الأطراف المخول لها حق الطعن بالتعقيب صلب الفصل 258 م.إ.ج الذي اشترط ضمنيا توفر الصفة والمصلحة في شخص الطاعن.

وتبين من هذا النص القانوني أن الطاعن بالتعقيب يجب أن يكون طرفا من أطراف الخصومة أي أن تكون له صفة ( فقرة أولى ) وينبغي أن ينجر عن الحكم المطعون فيه بالتعقيب ضرر للطاعن مما يمنحه مصلحة في الطعن(فقرة ثانية).

الفقرة الأولى : صفة الطرف في الدعوى :

إن الطعن بالتعقيب شأنه شأن الاستئناف لا يمكن أن يمارسه إلا أطراف الخصومة ولذا من المتجه تحديد المقصود من صفة الطرف في الدعوى (أ) ثم البحث في حق الأطراف في الطعن (ب).

تحديد المقصود من صفة الطرف في الدعوى :
إن الطعن بالتعقيب يجب أن يكون لرافعه صفة الطرف في الدعوى وقد أكدت محكمة التعقيب على هذه القاعدة حيث أقرت بأن “مطلب التعقيب لا يكون صحيحا إلا إذا كان صادرا ممن كان طرفا في الحكم أو من خلفائه”([85]). وعلى هذا الأساس لا بد أن يكون الطاعن ذا صفة في الطعن.

فالمتضرر يجب أن يكون قد قام بالحق الشخصي لكي يكتسب صفة الطرف في الدعوى ” فليس له حق الطعن بالتعقيب إذ لم يكن قائما بالحق الشخصي لانتفاء الصفة([86]).

ولقد رفضت محكمة التعقيب في قرار لها مطلب تعقيب الزوج الذي اتهمت زوجته بالزنا ” لأنه لا يعتبر طرفا في القضية حتى يقوم بهذا الحق طالما لم يكن قائما بالحق الشخصي لدى محكمة الأصل”.

وقد صرحت المحكمة بأنه لا يجوز حق الطعن بالتعقيب إلا لأطراف القضية أو أعضاء النيابة العمومية([87]).

وقد ذهبت محكمة التعقيب في قرار لها إلى رفض مطلب التعقيب شكلا وذلك لمخالفته قواعد الإجراءات الأساسية للطعن الذي رفعه الوالد في حق ابنته التي خول لها القانون حق القيام بنفسها ونفت عنه صراحة الصفة واعتبرت ذلك مخالفا للنظام العام وللمحكمة إذ تثير ذلك من تلقاء نفسها عملا بأحكام الفصل 269 من م.إ.ج([88]).

غير أنه يتعين التساؤل عن زمن اشتراط الصفة لدى المعقب فهل يكفي ان تتوفر الصفة لدى الطاعن في مرحلة معينة أم ينبغي أن تتواصل هذه الصفة على مدى طول الإجراءات ؟

ويطرح هنا الإشكال في التطبيق خاصة في صورة صدور حكم بعدم سماع الدعوى وبترك سبيل المتهم، فتتخلى المحكمة عن النظر في الدعوى الشخصية المرفوعة من طرف القائم بالحق الشخصي عملا بالفصل 170 م.أ.ج([89]) في هذه الحالة أن يطعن بالتعقيب في الحكم المذكور؟

لقد أجابت محكمة التعقيب بالنفي في عدة قرارات استنادا على انعدام الصفة لدى المعقب([90]).

وعلى ذلك الأساس فإن تخلف الطاعن بالتعقيب عن المشاركة في أحد الأطوار التي مرت بها الخصومة يفقده حقه في الطعن بالتعقيب نظرا لفقدانه الصفة.فإن لم يمارس الطاعن حقه في استئناف الحكم الابتدائي فقد حقه في الطعن بالتعقيب وقد تبنت محكمة التعقيب هذا الموقف حيث اعتبرت أن الطاعنة التي فوتت على نفسها أجل استئناف حكم البداية مما جعل القضاء ممثلا به في حقها لم يعد لها مركزا ولا صفة الطعن بالتعقيب في الحكم الإستئنافي الذي لم تكن طرفا فيه([91]) كما رفضت محكمة التعقيب الفرنسية مطلب الطعن المقدم من قبل القائم بالحق الشخصي ليس مستأنفا([92]).

إن المتدخل لأول مرة أمام محكمة التعقيب لا يقبل طعنه لأنه فاقدا لصفة الطرف في الدعوى([93]).

وقد أدخل المشرع استثناءات على قاعدة اشترط الصفة لدى الطاعن في قوانين خاصة، فمثلا خول الفصل السادس من المرسوم عدد 23 لسنة 1962المؤرخ في 30 أوت 1962 المتعلق بإحداث صندوق ضمان لفائدة ضحايا السيارات لصندوق الضمان أن يتدخل لدى المحاكم الإستئنافية للمرة الأولى لينازع بالخصوص في مبدأ الغرامة المطلوبة أو في مبلغها وقد طبقت محكمة التعقيب هذه القاعدة في أحد قراراتها([94]).

بالنسبة لمحكمة التعقيب الفرنسية اعتبرت أن النيابة العمومية التي لم تكن مستأنفة أن تمارس الطعن بالتعقيب، إذا اعترف فقه القضاء الفرنسي لها بالحق في الطعن في القرارات الصادرة عن محاكم الدرجة الثانية ولو لم تكن طرفا في الاستئناف كالقرار الصادر بتاريخ 30 أكتوبر 1946([95]).

وفي صورة عدم استئناف النيابة العمومية ووقع استئناف القرار الإستئنافي من طرف بقية الأطراف دونها وكان ذلك القرار يتضمن خرقا للقانون فلا بد لها من مواجهة هذا الحكم لصالح القانون من قبل وكيل الدولة العام لدى التعقيب([96]) وعلى هذا الأساس فإن النيابة العمومية تكون مخول لها حق التعقيب دون اشتراط أن تكون طرفا في الطور الإستئنافي.

وبعد التعرض إلى تحديد المقصود من صفة الطرف في الدعوى يمكن التطرق إلى أصحاب الحق في الطعن.

أصحاب الحق في الطعن :
بالتمعن في الأطراف الذين خول لهم الفصل 258 م.إ.ج حق ممارسة الطعن بالتعقيب يمكن تصنيف هؤلاء إلى ثلاثة أصناف:

1/ الطرف القائم بالتتبع: خول الفصل 258 المذكور حق الطعن بالتعقيب للنيابة العمومية والقائم بالحق الشخصي وأخيرا الإدارات العمومية.

أولا : النيابة العمومية : ينص الفصل 120 م.إ.ج على أن “النيابة العمومية تثير الدعوى العمومية وتمارسها كما تطلب تطبيق القانون” لقد خول حق الطعن بالتعقيب للنيابة العمومية تأسيسا على هذه القاعدة العامة التي تمارس بمقتضاها النيابة الدعوى العمومية بصفة أصلية، وتدخل في ممارسة الدعوى العمومية الطعن في الأحكام بالتعقيب.

لقد تعرض الفصل 258 م.إ.ج على وجه التفصيل لممثلي النيابة العمومية. فبالنسبة لوكيل الجمهورية فيمكنه الطعن في الأحكام الصادرة عن محاكم الجنح والمخالفات والصادرة بصفة نهائية حسب أحكام الفصل 25 م.إ.ج الذي ينص بأنه ” يمثل وكيل الجمهورية بنفسه أو بواسطة مساعديه النيابة العمومية لدى المحكمة الابتدائية”([97]).

أما خطة الوكيل العام للجمهورية التي نص عليها الفصل 258 م.إ.ج المذكور، فقد تم حذفها بمقتضى القانون عدد 80 لسنة 1987 المؤرخ في 29 ديسمبر 1987 وعهد اختصاصه على المدعين العموميين لدى محاكم الاستئناف.

وعلى ذلك الأساس واعتمادا على الفصل 24 م.إ.ج يتولى المدعي العمومي الطعن بالتعقيب في الأحكام والقرارات الإستئنافية.

وأما في القضاء العسكري اقتضى الفصل 15 من مجلة المرافعات العسكرية أنه لقضاة النيابة العسكرية نفس الامتيازات والصلاحيات الممنوحة في مجلة الإجراءات الجزائية لقضاة النيابة العمومية، على أن لا تكون معارضة لأحكام مجلة المرافعات العسكرية.

وأخيرا يختص وكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب بالطعن في الأحكام والقرارات النهائية سواء كانت صادرة عن محكمة الناحية أو المحكمة الابتدائية أو الإستئنافية بناء على الأمر الصادر من كاتب الدولة للعدل عملا بأحكام الفصل 258 م.إ.ج أو لمصلحة القانون عملا بالفصل 276 م.إ.ج.

اعتبارا وأن النيابة العمومية وهي ممثلة لحقوق المجتمع ومدافعة عن مجموع مصالحه، تتمتع بحق الطعن بالتعقيب في جميع القرارات والأحكام الجزائية التي تعتبرها مخالفة للقانون. ويمكن أن يكون طعنها لصالح المتهم أو ضده حيث أن الغاية من طعن النيابة العمومية بالتعقيب هي تحقيق احترام القانون وضمان حسن تنفيذه وتطبيقه.

ثانيا : الإدارات العمومية :

للإدارة العمومية حق الطعن بالتعقيب رغم عدم تنصيص الفصل 258 م.إ.ج على ذلك.

و قد اعترفت محكمة التعقيب بحق الطعن للإدارة الأداءات غير المباشرة ([98]) وإدارة الديوانة([99]) وإدارة الغابات([100])، غير أنها في قرارات حديثة لها رفضت تعقيب بعض الإدارات العمومية وقد جاء في قرار غير منشور لها صادر بتاريخ 23 جوان 1998 أنه ” حيث اقتضى الفصل 258 م.إ.ج أن الأحكام والقرارات الصادرة في الأصل نهائيا يمكن الطعن فيها بالتعقيب، وذكر على سبيل الأمر الأشخاص الذين يسوغ لهم القيام بالتعقيب وحيث لم يقع ذكر المدير العام للديوانة، وحيث يستخلص من هذا التصريح أن الطاعن في قضية الحال ليست له صفة القيام بتعقيب القرار المخدوش فيه، وحيث أن عدم توفر الصفة في الطاعن يجعل مطلبه مرفوضا شكلا([101]).

اعتمادا على أحكام الفصل 210 من م.إ.ج. نجد أن المشرع خول للإدارات العمومية إمكانية ممارسة الطعن بالاستئناف ونظرا لصيغة الحصر التي اعتمدها المشرع في تحديد الأشخاص الذين لهم حق ممارسة الطعن بالتعقيب، حيث نص الفصل 258 من م.إ.ج. أنه ” يسوغ للأشخاص الآتي ذكرهم القيام بطلب تعقيب الأحكام والقرارات…”، ويتأكد مقصد المشرع في إخراج الإدارات العمومية من ضمن الأشخاص المخول لهم حق الطعن بالتعقيب من مراجعة لائحة مشروع مجلة الإجراءات الجزائية، نجد الإدارات العمومية مذكورة وتخلى عنها المشرع عند سن المجلة.

فإذا كانت الإدارة العمومية قائمة بالحق الشخصي لا يمكنها الطعن في الحكم إذا أبرمت صلحا مع المتهم وهو ما أكده الفقه وفقه القضاء الفرنسي([102]).

ثالثا : القائم بالحق الشخصي :

لقد حصر المشرع إمكانية طعن هذا الأخير بالتعقيب في القرارات والأحكام التي تضر بحقوقه المدنية، وقد اعتبر الأستاذ محمد الهادي الأخوة أنه لا بد من إقامة التفرقة بين تعقيب الأحكام والقرارات الصادرة في الأصل طبقا لأحكام الفصل 258 من م.إ.ج. من طرف القائم بالحق الشخصي من جهة ومن جهة ثانية تعقيب القرارات الصادرة عن دائرة الاتهام على معنى الفصل 260 من م.إ.ج فيكون القائم بالحق الشخصي في الحالة الأولى مستقلا بالتعقيب في حين يشترط في الحالة الثانية أن يكون تعقيبه مقترنا بتعقيب النيابة العمومية([103]).

أما إذا لم يكن القائم بالحق الشخصي طرفا في الحكم المعقب فإنه لا حق له في تعقيبه لانتفاء الصفة الواجب توفرها في القيام به([104]). وإذا لم يكن طرفا في الحكم الإستئنافي فلا حق له في التعقيب([105]).

2– الطرف الواقع عليه التتبع :

و يمكن أن يكون هذا الطرف المحكوم عليه أو المسؤول المدني.

أولا : المحكوم عليه : وهو أحق طرف بالطعن بالتعقيب بكونه أول معني بالحكم الصادر في حقه، ويمكنه أن يسلط طعنه على الحكم المطعون فيه برمته، كما يمكن أن يحصل الطعن في جانب الجزائي أو المدني([106]).

ولقد ورد ذكره على رأس قائمة الأشخاص المخول لهم الطعن حسب ما جاء في الفصل 258 من مجلة الإجراءات الجزائية ولذا يمكن ممارسة الطعن في الحكم الصادر في حقه.

ثانيا : المسؤول المدني:

للمسؤول المدني الحق في تعقيب الأحكام الصادرة في الأصل نهائيا، ولا يمكن أن يتعدى طعنه الجانب المتعلق بثبوت مسؤوليته المدنية المنجرة عن الجريمة والمبالغ المحكوم عليه بأدائها، ولقد اعتبرت محكمة التعقيب أنه للمسؤول المدني المحكوم عليه بأداء تعويضات وغرامات للمتضرر، أن يطعن في الحكم القاضي بذلك([107]).

الطرف المتدخل:

على الرغم من أن هؤلاء الفئة لم يقع ذكرهم صراحة على الفصل 258 من م.إ.ج فقد قبلت محكمة التعقيب طعن هذه الأطراف وذلك بموجب قوانين خاصة خولت لهم ممارسة الطعن بالتعقيب وهي صندوق ضمان حوادث السيارات، المؤمن وأخيرا الصندوق القومي للضمان الاجتماعي.

أولا : صندوق ضمان حوادث السيارات :

استنادا على الفصل السادس من المرسوم عدد 23 لسنة 1962 المؤرخ في 30 أوت 1962 المتعلق بإحداث صندوق ضمان لفائدة ضحايا حوادث السيارات قبلت محكمة التعقيب طعن هذا الصندوق([108]) حيث اقتضى هذا الفصل أنه ” يمكن لصندوق الضمان لأن يتدخل لدى المحاكم الزجرية في جميع الدعاوى القائمة بين ضحايا الحوادث الجسدية أو من مؤمنيهم…”.

و تدخل هذا الصندوق ليس فقط لينازع في مبدأ الغرامة المطلوبة له أيضا الحق في مناقشة المبلغ المحكوم به للمتضرر.

ثانيا : المؤمن :

لقد جاء بالفصل 104 من مجلة الطرقات إمكانية إدخال المؤمن لدى القضاء الجزائي في صورة تتبع المؤمن سواء كان محكوما عليه أو مسؤولا مدنيا، وفي صورة إدخاله فله الحق في ممارسة طرق الطعن بما فيها الطعن بما فيها الطعن بالتعقيب وقد قبلت محكمة التعقيب طعنه([109]) كما كرس هذا الطعن القانون الفرنسي بالمادة 38 فقرة ثالثة، من قانون 8 جويلية 1983.

ثالثا : الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي :

لقد منح القانون عدد 30 لسنة 1960 المؤرخ في 4 ديسمبر 1960 المتعلقة بأنظمة الضمان الاجتماعي في الفصل 70 فقرة ثانية إدخال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في الدعاوى التي يرفعها ” المضمون أو من آل إليهم حقه لمقاضاة الغير المسؤول أو مؤمنه الحال محله…” وبما أن المشرع قد فرض إدخال الصندوق في لإجراءات الدعوى وجعل إدخاله إجراءا وجوبيا فقد منحه صفة الطرف في الدعوى وبالتالي يمكن قبول طعنه بالتعقيب.

إذ اشترط صفة الطرف في الدعوى قد لا يكفي لقبول الطعن بالتعقيب لذا لا بد أن يكون لطالب الطعن المصلحة في ذلك وإلا يكون طعنه مرفوضا.

الفقرة الثانية: المصلحة في الطعن:

إن صفة الطرف في الدعوى لا تكفي لممارسة حق الطعن بالتعقيب بل لا بد من توفر شرط المصلحة وكما قيل فإن المصلحة مناط ولا طعن بدون وهذا ما أكده فقه القضاء في عدة قرارات([110]).

إذ كان القانون الفرنسي قد اشترط صراحة في الفصل 567 م.إ.ج فرنسية أن يكون طالب الطعن قد تضرر من القرار، فإن المشرع التونسي لم يذكر ذلك صراحة ولكن يمكن اكتشافه من القواعد العامة.

و شرط المصلحة يختلف باختلاط الطاعن إذ كان طرفا متتبعا (أ) أو متتبعا (ب).

أ – المصلحة لدى الطرف المتتبع :

يختلف مفهوم المصلحة من شخص لآخر :

النيابة العمومية :

إن لمفهوم المصلحة عند النيابة العمومية خصوصية معينة تميزها عن غيرها من الأطراف الأخرى ذلك لأن عملها دائما تربطه اعتبارات ومصلحة المجتمع ومن خلال مفهوم المصلحة ومن حيث المبدأ يصبح للنيابة العمومية الحق في ممارسة الطعن بالتعقيب في جميع القرارات والأحكام الصادرة عن القضاء الجزائي التي تقدر أنها مخالفة للقانون سواء كان الطعن متماشيا مع مصلحة المحكوم عليه أو متعارضا معها لأن دورها الأساسي هو توخي سياسة جنائية من شأنها أن تسهر على تطبيق القانون.

فقه القضاء الفرنسي قبل إثارة النيابة العمومية للأخطاء المتعلقة بقواعد تشكيل المحكمة([111]) والخطأ في مسؤولية المحكوم عليه([112]) والخطأ في تطبيق العقوبة ([113]) النيابة العمومية تقوم برقابة الأخطاء التي تلحق بتكيف الجرائم.

أما القانون التونسي وبناءا على الفصل 21 من م.إ.ج فإن النيابة العمومية لها دائما المصلحة في إلغاء القرار الذي تراه متنافيا مع القانون. فهي تحتفظ بحقها في الطعن في الأحكام الصادرة أو التي تكون قد رضيت بها([114]) لكن هناك قرار تعقيبي صادر سنة 1966 نقضت فيه محكمة التعقيب حكما بناءا على طعن الوكيل العام للجمهورية رغم أن القرار مستجيبا لطلباتها([115]).

ما تجدر ملاحظته هو أن رغم الصلاحيات الواسعة في ممارسة الطعن بالتعقيب وخصوصية مفهوم المصلحة لديها. فإن تلك الصلاحية تمثل عندما يتعلق الأمر بالجانب المدني فالنيابة هناك يمكنها ممارسة الدعوى المدنية سواء بالدفاع عن المحكوم عليه أو ضده وفي خصوص حقوقه فقط.

الإدارات العمومية:

عندما تكون الإدارة متضررة من القرار القضائي أو كان الحكم مناقضا لطلباتها فلها الحق في الطعن في الحكم وطلب نقضه لكن يختلف الوضع بالنسبة للنيابة العمومية إذ أن في صورة صدور حكم وكان متطابقا مع طلبات الإدارة فليس لها الحق في الطعن بالتعقيب وذلك بناءا على انعدام المصلحة.

القائم بالحق الشخصي :

اقتضى الفصل 2587 من م.إ.ج أن القائم بالحق الشخصي لا يمكنه أن يمارس الطعن بالتعقيب إلا في خصوص حقوقه المدنية([116]) مما يؤكد على اشتراط المصلحة في جانب القائم بالحق الشخصي لكن مفهوم المصلحة هنا يختلف حسبما كان الحكم صادرا بالإدانة أو بعدم سماع الدعوى العامة.

الحكم الصادر بإدانة المتهم : في هذه الحالة يمنكن أن يكون الحكم مطابقا لطلبات القائم بالحق الشخصي، فلا يمكن له أن يطعن بالتعقيب وقد كرست محكمة التعقيب في أحد قراراتها هذا الحل الذي حكمت فيه المحكمة بالمليم الرمزي الذي طلبه المتضرر فليس له أن يطعن فيه رغم أنه جاء مستجيبا إلى طلبه([117]).

أما إذا اقتضت محكمة الحكم المطعون فيه بالتعقيب لصالح الدعوى العمومية دون الحكم وفق طلبات المتضرر القائم بالحق الشخصي، وعند ما يطعن هذا الأخير بالتعقيب في الجانب المدني من الحكم يكون حريا بالقبول([118]).

لكن هل من مصلحة للمتضرر في مناقشة الوصف القانوني للجريمة ؟

لقد اعتبر الأستاذ محمد الهادي الأخوة أن المتضرر له مصلحة في مناقشة الوصف القانوني المسلط على الجريمة، ويقوم موقف محكمة التعقيب بأنه موقف رافض ويبرز ذلك في عدة قراراتها([119]).

نستخلص مما قدمه الأستاذ الأخوة أنه يحق للمتضرر القائم بالحق الشخصي أن يناقش الوصف القانوني الذي سلطته المحكمة على الفعلة لأن ذلك في حدود حقوقه المدنية طبقا للفصل 258 م.إ.ج([120]).

-الحكم الصادر بعدم سماع الدعوى: اقتضى الفصل 170 من م.إ.ج ” إذا رأت المحكمة أن الفعلة لا تتألف منها جريمة أو أنها غير ثابتة أو أنه لا يمكن نسبتها إلى المتهم فإنها تحكم بترك سبيله وإذا كان هناك قائم بالحق الشخصي تتخلى المحكمة في النظر في الدعوى الشخصية “.

من خلال هذا النص لقد رفضت محكمة التعقيب في العديد من قراراتها إذ لا يمكن من حيث الشكل قبول طعن القائم بالحق الشخصي بالتعقيب في الحكم الصادر بعدم سماع الدعوى العمومية وذلك بناءا على انعدام مصلحته في الطعن([121]).

يخلص الأستاذ الهادي الأخوة إلى إمكانية طعن القائم بالحق الشخصي بالتعقيب في القرار القاضي بعدم سماع الدعوى العامة بدون أن يخرج عن حقوقه المدنية التي خولها له الفصل 258 من م.إ.ج.

ب-المصلحة لدى الطرف المتتبع :

و يشتمل مفهوم المصلحة هنا المحكوم عليه والمسؤول المدني.

1- المحكوم عليه :

إن المحكوم عليه له مصلحة في الطعن بالتعقيب لأنه هو المعني بالحكم الصادر في حقه سواء تعلق الأمر بالجانب الجزائي أو المدني([122]). لكي تكون المصلحة مفقودة ومنتفية في الطعن في الحكم القاضي بالبراءة أو بترك السبيل على معنى الفصل 150 م.إ.ج أو على معنى الفصل 170 م.إ.ج وقد رفضت محكمة التعقيب الطعن بالتعقيب في مثل هذا المجال بناءا على أن لا طعن بدون مصلحة في قرار عدم سماع الدعوى([123]).

و في صورة صدور حكم بالإدانة مع ترك السبيل بناءا على انقضاء الدعوى بمرور الزمن أو على تمتع المتهم بعفو عام أو سقوط الدعوى بالتقادم أو في جريمة الزنا، إذ تبقى المصلحة للمحكوم عليه قائمة في الطعن في الحكم الصادر بالإدانة دون عقوبة وذلك بناءا على تبرئة ذمته بموجب حكم يقضي ببراءته من الجريمة المنسوبة إليه. وقد تبنت محكمة التعقيب الفرنسية هذا الموقف في قرارها مؤرخ في 18 أفريل 1857 قبلت فيه طعن المحكوم عليها في جريمة تحويل وتبديد شركة زوجها([124]).

اتجاه فقه القضاء كان في هذا المجال اتجاه رافض لهذا الطعن في الحكم القاضي بالبراءة([125]) أو بانقضاء الدعوى بمرور الزمن([126]) أو بموجب عفو عام([127]) هو كل في خصوص الفرع المتعلق بالدعوى المدنية، ذلك أن العفو العام لا يمر بحقوق الغير لا سيما حقوق القائم بالحق الشخصي([128]).

أما إن تعلق الأمر بصدور حكم بالإدانة مع تسليط عقوبة غير التي ينص عليها الفصل الخامس من المجلة الجنائية، نذكر هنا العقوبات المحكوم بها في قضاء الأطفال لكن هنا هل يمكن الطعن فيها ؟

و يجيبنا الأستاذ الجلولي بقوله أن الطفل مصلحة أدبية في الطعن في هذه القرارات إذا كانت مخالفة للقانون وذلك قصد الحصول على حكم يقضي ببراءته([129]).

2- المسؤول المدني :

إن مصلحة طعن المسؤول المدني بالتعقيب لا يمكن أن تتعدى الجانب المتعلق بثبوت مسؤوليته المدنية المنجرة عن الجريمة والتعويضات المحكوم له بأدائها للضحية ([130]) وقد رفضت محكمة التعقيب في قرار لها غير منشور طعن شركة التأمين على أساس أن طعنها بدون مصلحة وبالتالي تعين رفض مطلب التعقيب شكلا ([131]).

بعد دراسة نطاق ممارسة إجراءات التعقيب الجزائي من حيث الأحكام القابلة للطعن بالتعقيب والأشخاص المخول لهم الحق في رفعها، لذا يتعين دراسة الشروط التي تحكم ممارسة هذا الطعن وهو ما سنتعرض له في الفصل الثاني من هذا الجزء.

الفصل الثاني: شروط ممارسة إجراءات التعقيب الجزائي

المبحث الثاني: شروط إجرائية:

إضافة إلى خضوع التعقيب الجزائي إلى شروط أصلية والتي تم دراستها نجده كذلك خاضع لشروط إجرائية التي يترتب عن خرقها رفض الطعن شكلا. بالرجوع إلى الأحكام القانونية المنظمة لإجراءات التعقيب الجزائي نلاحظ أن من أهم الشروط الشكلية للطعن بالتعقيب هي تلك التي تتعلق بآجال الطعن(فقرة أولى) إضافة إلى بقية الشكليات (فقرة ثانية ) التي أوجب القانون احترامها.

الفقرة الأولى: أجال الطعن:

استنادا إلى أحكام الفصل 262 م.إ.ج نجده ينص على الأجل العادي للطعن بالتعقيب، وهو عشرة أيام، وهو أجل قصير مقارنة بأجل الطعن في المادة المدنية، وهو عشرون يوما، وهذا يعود إلى خصوصية وميزة المادة الجزائية وذلك ما يمكن التعرض إليه هو مدة الأجل (أ) ثم نقطة انطلاقه (ب).

مدة الأجل :
لقد حدد الفصل 262 م.إ.ج أجلا عاديا للطعن بالتعقيب وأجالا خاصة تختلف حسب خصوصيات الطعن لكن الأشكال يكمن في كيفية احتساب الأجل إذا اقترن اليوم الأخير بيوم عطلة رسمية أو تخلله قوة قاهرة.

-الأجل العادي: لقد حدد الفصل 262 م.إ.ج هذا الأجل للطعن بالتعقيب بعشرة أيام وهو يمثل جميع أطراف الدعوى المحكوم عليه، النيابة العمومية، القائم بالحق الشخصي والمسؤول المدني.

ولقد اعتبرت محكمة التعقيب أن رفع الطعن بالتعقيب خارج ذلك الأجل موجب للرفض شكلا([132]).

ونلاحظ أن أجل عشرة أيام هو أجل قصير مقارنة بالأجل الطعن بالتعقيب في المادة المدنية وهو عشرون يوما([133]) وتعود أهمية الطعن بالتعقيب الجزائي هو أن غاية المشرع هي تجنب طول نشر القضايا الجزائية، والسرعة في البت فيها في أقرب أجل ممكن ن كذلك نجده القانون الفرنسي جعل من هذه المدة أقصر ومحصورا في خمسة أيام فقط بمقتضى أحكام الفصل 568 من م.إ.ج الفرنسية([134]) وهذه الأجل الذي حدده القانون الفرنسي يشمل جميع أطراف الدعوى وأمام جميع محاكم الحق العام والمحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة([135]).

-الآجال الخاصة: عملا بأحكام الفصل 262 م.إ.ج نجده أورد أجالا خاصة للطعن بالتعقيب لاعتبارات خاصة.

1- وكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب :

اقتضت الفقرة الثانية من الفصل 262 م.إ.ج انه ” يرفع الأجل إلى ستين يوما من تاريخ صدور الحكم بالنسبة لتعقيب وكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب الواقع طبق الفصل 25 وعليه أن يعلم بهذا الطعن خلال الأجل المذكور المتهمين والمسؤول مدنيا وإلا سقط حقه في الطعن”.

هذا الأجل طويل نسبيا يكون لمصلحة جميع الأطراف على أن يقوم الطاعن بإعلام المتهمين والمسؤولين مدنيا بالطعن والإسقاط حقه في الطعن.

طعن غير محدود الأجل : الطعن مفتوح الأجل يكون في حالة الطعن لصالح القانون([136]) وهذا الطعن يكون من اختصاص النيابة العمومية ممثلة في وكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب لكن هذا الطعن يكون ممكنا في صورة خرق للقانون في الحكم المطعون فيه، وكذلك أن لا يكون أحد الأطراف قد طعن فيه.

2-المحكوم عليه بالإعدام : بالرجوع إلى أحكام الفقرة الثالثة من الفصل 262 م.إ.ج نجد أن أجل الطعن بالتعقيب في صورة الحكم بالإعدام يكون في ظرف خمسة أيام فقط. نجد أن المشرع نزل بالأجل ذلك سعيا لضرورة السرعة في النظر في القضايا التي تكون فيها العقوبة بالإعدام قبل غيرها([137]).

بالنسبة للقانون الفرنسي نجده يضع نفس الأجل للأحكام القاضي فيها بعقوبة الإعدام عملا بالفقرة الأولى من الفصل 568 من مجلة الإجراءات الجزائية الفرنسية.

3– الأحكام الصادرة عن القضاء العسكري: بالرجوع إلى الفصل 31 من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية نجده قد حدد أجل الطعن بالتعقيب.

في الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية أوعن دائرة الاتهام العسكرية بثلاثة أيام فقط. وقد كرس فقه القضاء هذا الأجل حيث رفضت محكمة التعقيب من حيث الشكل الطعن المقدم بعد هذا الأجل.

الطعن في قرارات دائرة الاتهام: استنادا إلى الفصل 262 م إج من فقرته الرابعة نجد أجل طعن بالتعقيب في قرارات دائرة الاتهام هو أربعة أيام ووهو أقصر أجل في قضاء الحق العام.

3- احتساب الأجل : يبدأ احتساب اجل الطعن بالتعقيب من اليوم الموالي للنطق بالحكم عملا بإحكام الفصل 140 من م إع الذي ينص على أن” يوم ابتداء مدة الأجل لا يكون معدودا منه وإن قدر بالأيام فإنه يتم عند تمام اليوم الأخير منه”.

و قد درج فقه القضاء على هذا المنوال إذا جاء في أحد القرارات التعقيبية أن الآجال المحددة للطعن بطريق الاستئناف أو التعقيب في الأحكام الجزائية الحضورية تسري من اليوم الموالي ليوم النطق بالحكم بالحكم([138])

أما القانون الفرنسي، فإنه يختلف ذلك أن أجل التعقيب هو خمسة أيام كاملة Francs فقد اعتبرت محكمة التعقيب الفرنسية في قرار صادر بتاريخ 29 مارس 1978 بأن للطرف خمسة أيام كاملة بعد صدور القرار للطعن فيه بالتعقيب لكن ما يمكن التساؤل عنه هو هل أن هذا الأجل قابل للتمديد أم لا؟

بالرجوع إلى أحكام الفصل 262 من م ا ج نجد أن هذا الأجل قابل للتمديد في صورة القوة القاهرة حيث اقتضى أن المطلب التعقيب لا يقبل فيما عدا صورة القوة القاهرة إذا لم يقدم إلى كتابة المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه في ظرف عشرة أيام كذلك تعتبر العطل والإجازات القانونية من بين الأسباب التي يمتد فيها الأجل لليوم الموالي([139]).

أولا العطل: لقد اقتضى الفصل 141 من م.م.م.ت أنه أذا كان اليوم الأخير يوم عطلة رسمية امتد الأجل إلى اليوم الموالي لانتهاء العطلة، وهو نفس الحل الذي جاء به الفصل 19 من م.م.م.ت المتعلق بآجال الطعن بالتعقيب والاستئناف([140]).

و انطلاقا من هذا الفصل يفهم أن إمكانية امتداد الأجل تكون عندما يصادف اليوم الأخير عيد أو عطلة رسمية إلى يوم العمل الموالي.

فقه القضاء التونسي رفض رفع الطعن بعد الأجل نظرا لأن يوم الأحد وإن كان يعد يوم عطلة إلا أنه لا يندرج ضمن الأعياد القانونية([141]).

أما قفه القضاء الفرنسي فقد اعتبر أن الأجل المنتهي بيوم السبت أو الأحد أو يوم عطلة رسمية أو غير رسمية، فإن الأجل يمتد إلى يوم العمل الموالي([142]).

ثانيا القوة القاهرة: كما يمكن أن يمتد الأجل في حالة القوة القاهرة عملا بأحكام الفصل 262م.إ.ج، كما أكد فقه القضاء ذلك في العديد من القرارات([143]).

و لكن رغم تعرض المشرع إلى إمكانية تمديد الآجال للطعن بالتعقيب في حالة القوة القاهرة نجده يغفل عن تعريف هذه الأخيرة لكن لسد الفراغ التشريعي يمكننا الرجوع إلى مجلة الالتزامات والعقود فنجد الفصل283منها يعرفها كما يلي” القوة القاهرة هي كل شئ لا يستطيع الإنسان دفعه كالحوادث الطبيعية من فيضان وقلة أمطار وحريق وجراد أو كهجوم جيش العدو أو فعل الأمير.”

و قد كرس فقه القضاء ذلك حيث اعتبرت محكمة التعقيب أن القوة القاهرة هي كل ما يقع للإنسان من أمور لم يكن يتوقعها ولا يستطيع التفصي منها([144]).

و قد عرفها فقه القضاء الفرنسي بأنها الحالة التي يمنع فيها الطاعن من ممارسة طعنه إما شخصيا أو بواسطة سبب عائق لا يمكن دفعه خارج إرادته([145]).

و تأسيسا على ذلك فقد قضت محكمة التعقيب باعتبار المرض البسيط من قبيل القوة القاهرة ([146]). كذلك رفض فقه القضاء الفرنسي الطعن بالتعقيب على اعتبار أن سفر الطاعن للخارج من قبل القوة القاهرة([147]) ورفض الكاتب مطلب التعقيب([148]).

كما نجد الفقيه بوري يعتبر أن الإضراب العام يعد حالة موجودة قوة قاهرة وذلك بعد تقدير الظروف المحيطة بالطاعن وذلك مكان إقامته ووسائل الاتصال الممكنة([149]).

ب- وجوب الإعلام بالطعن:

و يقصد بالإعلام بالحكم هو الإعلام المبلغ للمحكوم عليه بصفة شخصية. بالرجوع إلى أحكام الفصل 261 م.إ.ج نجد أنه يتم إعلام الخصوم بالطعن في التعقيب من قبل كاتب محكمة التعقيب حيث يشير الفصل المذكور إلى أنه “…..و يعلم بها حلا المعقب ضده…”، لكن ما نلاحظه هو أن المشرع التونسي لم يحدد أجل يتم من خلاله إعلام جميع الخصوم، وجميع الهيئات التي يمكنها التدخل في الإجراءات وقد حدد القانون الفرنسي أجل ثلاثة أيام للإعلام([150]).

كما فرض المشرع التونسي في الفقرة الثانية من الفصل 262 م.إ.ج وجوبية الإعلام بهذا الطعن خلال الأجل المذكور المتهمين والمسؤولين مدنيا وإلا سقط حقه في الطعن، كما رفضت محكمة التعقيب في إحدى قراراتها الطعن على أساس عدم وجود ما يفيد إعلام المتهم طبق أحكام الفصلين 210 و213 من م.إ.ج ([151]).

كما أن تنصيص الفصل 262 م.إ.ج على واجب الإعلام المحمول على وكيل الدولة العام في ظل وجود الفصل 261 م.إ.ج يؤدي إلى القول بأن المشرع لم يكتفي بالإعلام الذي يقوم به كاتب المحكمة، والذي يرمي من ورائه إلى حماية حقوق الطرف المعقب ضده2([152]). كما أن تكليف وكيل الدولة العام بضرورة الإعلام بالطعن ضمانة إضافية تجد تبريرها في خصوصية التعقيب من قبل وكيل الدولة العام.

و بمقتضى التنقيحات المدخلة على مجلة الإجراءات الجزائية نجد أن المشرع قد أضاف فقرة ثالثة للفصل 261 م.إ.ج بموجب قانون عدد 26 لسنة 2007 المؤرخ في 7 ماي 2007 حيث تشير إلى وجوبية الإعلام من طرف كاتب المحكمة الذي يتلقى العريضة، حيث يعلم بها فورا كتابة محكمة التعقيب بأي وسيلة تترك أثرا كتابيا.

و باعتبار أن الغاية من الإعلام هو تمكين أصحاب المصلحة من الدفاع عن مصالحهم، فالإعلام يتضمن الإشارة إلى وقوع الطعن والتنصيص على الحكم المطعون فيه، وتاريخه والمطاعن الموجهة إليه([153]).

أما بالنسبة للأطراف الموجهة إليه فقد اكتفى الفصل على ذكر المتهمين والمسؤولين مدنيا دون القائم بالحق الشخصي، وقد يجد أساسه في كون هذا الأخير لا يمكن أن يتدخل في الجانب الجزائي، ذلك أن الفصل 285 م.إ.ج حصر طعن القائم بالحق الشخصي في حقوقه المدنية.

أما بالنسبة لتحديد بداية احتساب أجل الطعن فقد اعتمد الفصل 262 م.إ.ج عدة تواريخ كنقطة انطلاق لاحتساب الأجل، فعند ما يكون الحكم حضوريا فإن أجل الطعن تبدأ من تاريخ صدور الحكم الحكم، وإن كان معتبرا حضوريا على معنى الفصل 175 م.إ.ج فإن الأجل يبدأ من تاريخ الإعلام به.

و قد درج قفه القضاء التونسي هذا المسلك حيث اعتبرت محكمة التعقيب في إحدى قرارتها على أن ” الحكم المعتبر حضوريا غير قابل للطعن بالتعقيب إلا متى تم الإعلام به” ([154]).

أما بالنسبة للنيابة العمومية فإن أحكامها تكون حضورية في حقها وقد أكدت محكمة التعقيب ذلك حيث اعتبرت أن الأحكام الجزائية بالنسبة للنيابة العمومية لا يمكن أن تكون إلا حضورية([155]).

و عندما يكون الحكم غيابيا فإن أجل الطعن يبدأ من تاريخ انقضاء أجل الاعتراض أو من تاريخ الإعلام بالحكم الصادر برفض الاعتراض.

و يبدأ احتساب الأجل بالنسبة إلى تعقيب وكيل العام لدى محكمة التعقيب من تاريخ صدور الحكم([156]).

أما بالنسبة للقرارات الصادرة عن دائرة الاتهام فإن أجل الطعن فيها يبدأ من تاريخ الإعلام بها أو حصول العلم بها([157]).

بداية انطلاق واحتساب الأجل يمكن تقيسمها كالأتي:

من تاريخ الإعلام بالحكم: يبدأ سريان أجل التعقيب إذا كان الحكم معتبرا حضوريا من يوم الإعلام به. والحكم المعتبر حضوري يكون عندما لم يحضر المضنون فيه بعد استدعائه قانونا أو لم يحضر نائبه طبقا للفقرة الثالثة من الفصل 141 م.إ.ج، كما جاء بالفصل175 م.إ.ج في فقرته الأولى أن الحاكم لا يتوقف على حضور المتهم الذي عندما يبلغه التنبيه ولم يحضر فإنه يصدر حكما يعتبر حضوريا، وقد كرس فقه القضاء ذلك في عدة قرارات([158])، كما أقرت محكمة التعقيب في قرار صادر عن دوائرها المجتمعة أن الأحكام المعتبرة حضورية هي التي تكون عند عدم حضور المتهم رغم بلوغ الاستدعاء إليه شخصيا تبتدئ أجال الطعن فيها من تاريخ الإعلام بها وهي غير قابلة للطعن بطريق الاعتراض([159]).

من تاريخ صدور الحكم: الأحكام الحضورية هي التي تكون بحضور المتهم بالجلسة ذلك أن أجل الطعن يبدأ بالسريان من ذلك التاريخ وقد طبقت محكمة التعقيب ذلك في عدة قرارات ([160]).

أما قفه القضاء الفرنسي فقد ذهب إلى اعتبار الحكم يكون دائما حضوريا في حق إدارة الديوانة([161]).

من تاريخ انقضاء أجل الاعتراض إذا كان الحكم غيابيا: انقضاء أجل الاعتراض المقدر بعشرة أيام من تاريخ الإعلام بالحكم الغيابي حسب الفصل 175 م.إ.ج.

إذن فأجل الطعن بالتعقيب يبدأ سريانه من تاريخ انقضاء أجل الاعتراض بالنسبة للحكم الغيابي، لكن قد يمتد هذا الأجل إلى مدّة شهر ويكون ذلك في حالة وجود المعترض قاطنا خارج تراب الجمهورية عملا بالفقرة الرابعة من أحكام الفصل 175 م.إ.ج وبالتالي يبدأ سريان الأجل من تاريخ علم المحكوم علية شخصيا بالحكم الصادر في حقه.

كما يبدأ سريان الأجل عندما يتبين من أعمال تنفيذ الحكم أن المضنون فيه حصل له العلم به حسب أحكام الفصل 176 م.إ.ج معنى ذلك أنه إذا لم يبلغ المحكوم عليه بالحكم فإن أجل الاعتراض يبقى معطل. وبالتالي يمكن قبول الاعتراض إلى انقضاء أجل سقوط العقاب([162]).

من تاريخ الإعلام الصادر برفض الاعتراض:

استنادا إلى الفصل 183م.إ.ج ينص على أنه”إذا لم يحضر المعترض بحكم يرفض الاعتراض بدون تأمل في الأصل”. فإذا كان هذا الحكم صادرا بالدرجة النهائية فإن أجل التعقيب ينطلق حسب ما جاء به الفصل 262 بعد القيام بإجراءات الإعلام فالحكم القاضي برفض الاعتراض شكلا تنطلق الأجل بداية من ذلك التاريخ وهذا ما كرسه قفه القضاء فالشرط الذي وضعه المشرع للطعن بالتعقيب في الحكم الصادر برفض الاعتراض هو أن يكون في ظرف عشرة أيام من تاريخ الإعلام به ([163]).

الفقرة الثانية: شكليات الطعن بالتعقيب:

يخضع الطعن بالتعقيب إلى جانب شرط الأجل إلى العديد من الشكليات وردت بالفصل 261 م.إ.ج وتتعلق بعريضة الطعن(أ) وأخرى تتعلق بتأمين الخطية الواردة بالفصل 263 م.إ.ج.

أ – شروط متعلقة بالعريضة:

يرفع الطعن بالتعقيب بعريضة كتابية تقدم مباشرة أو بواسطة محام إلى كتابة محكمة التعقيب التي أصدرت الحكم أو القرار المطعون فيه، فقبل تنقيح الفقرة الأولى من الفصل 261 م.إ.ج بموجب قانون عدد 26 سنة 2007 المؤرخ في 7 ماي 2007 كان مطلب التعقيب يقدم إلى كتابة محكمة التعقيب، وإذا كان المعقب مسجونا فكبير حراس السجن هو المكلف بقبول المطلب وإحالته بدون تأخير على كتابة تلك المحكمة.

و ما تجدر ملاحظته هو أن نص الفصل المذكور يطرح عديد الإشكاليات سواء كانت على مستوى العريضة نفسها ومكان تقديمها أو على مستوى الشخص مقدم الطعن مع إضافة بعض الإجراء بموجب تنقيح 2008.

1 – صيغة الطعن: أوجب الفصل م.إ.ج تقديم عريضة الطعن ينبغي أن تكون كتابية، وأن تكون مقدمة بصفة مباشرة إلى كتابة المحكمة مما يقصي إمكانية تقديمها بواسطة البريد، على خلاف طرق الطعن العادية الاستئناف والاعتراض اللذان يمكن أن يقع تقديمها إما شفاهيا أو إعلام كتابي، فشرط الكتابة وجوبي للطعن بالتعقيب وقد رفضت محكمة التعقيب الطعن شكلا على أساس أن توجيهه بواسطة البريد([164]).

أما القانون الفرنسي فقد اكتفى بالحضور أمام كتابة المحكمة ويمكن أن يرفع إلى كتابة المحكمة الطعن شفاهيا([165]).

كما أوجب الفصل 261 م.إ.ج على الكاتب المتلقي لمطلب التعقيب أن يوقع عليه وينص على تاريخ تقديمه ويقيد بالدفتر حالا ويسلم وصلا فيه للمعقب كما يعلم المعقب ضده حالا، وقد حدد الفصل 578 م.إ.ج الفرنسية أجلا قدره ثلاثة أيام، ويمكن أن يكون الإعلام برسالة مضمونة الوصول مع الإعلام بالبلوغ.

2- الشخص الذي يقدم العريضة:

لم يحدد الفصل 261 م.إ.ج الطرف المقدم لعريضة الطعن على عكس الاعتراض الذي يقدمه للمحكمة التي أصدرته المعترض نفسه أو نائبه عملا بأحكام الفصل 175 م.إ.ج فقرة ثالثة.

أما بالنسبة للاستئناف فإنه لا يمكن أن يقوم به إلا من تهمه القضية أو نائبه([166]). وتقدم عريضة الطعن إلى المحكمة التي أصدرت الحكم أو القرار المطعون فيه وهو نفس الإجراء بالنسبة للطعن بالتعقيب عن الاعتراض الذي يقدم إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه وهذا يسهل على الطاعن إجراءات الطعن.

و ربما يعود سبب اشتراط تقديم عريضة الطعن إلى محكمة الحكم أو إقرار المطعون فيه إلى سعي المشرع لضمان جديّة الطعن حيث يعدل الطاعن عن تحمل مشقة التنقل إلى العاصمة ليقدم طعنه في الأجل المقرر قانونا وبالتالي يضمن جدية طعنه وفق الإجراءات التي حددها القانون.

و في صورة وجود المعقب بالسحن فتقدم عريضة ليطعن إلى كبير حراس السجن الذي يقوم بإحالته بدون تأخير على كتابة المحكمة. ولقد قبلت محكمة التعقيب رفع السجين مطلب التعقيب مع حوالة بريدية إلى كبير حراس السجن حتي وإن قدم لكتابة محكمة التعقيب خارج هذا الأجل.

قبل تنقيح 2007 للفصل 261 م.إ.ج الذي أصبح بموجبه يرفع الطعن إلى كتابة المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه.

كما سمح المشرع بتقديم المطلب بواسطة المحامي، ولم يشترط حضور المحكوم عليه شخصيا، على خلاف القانون الفرنسي حيث نص الفصل 583 م.إ.ج الفرنسية على ضرورة تقديم المحكوم عليه بالسجن نفسه بغاية التنفيذ حتى يقبل مطلب التعقيب، واشترطت محكمة التعقيب الفرنسية تطبيقا لهذه القاعدة أن لا يكون التعقيب بواسطة محامي واشترطت حضور المحكوم عليه شخصيا، لكن المحكمة الأوربية اعتبرته مخالفا لقرينة البراءة، وانتهى المشرع الفرنسي إلى إلغاء الفصل 583 بموجب قانون 15 جوان 2000 ([167]).

3- مكان تقديم العريضة: حسب ما جاء في الفصل 261 م.إ.ج فإن مطلب الطعن بالتعقيب يرفع بعريضة كتابية تقدم إلى كتابة المحكمة التي أصدرت الحكم أو القرار المطعون فيه بعد أن كان المطلب قبل سنة 2007 يقدم إلى كتابة محكمة التعقيب.

المبدأ إذن بعد تنقيح الفقرة الأولى للفصل 261 م.إ.ج بموجب قانون 2007 أن عريضة الطعن لا بد من تقديمها إلى كتابة المحكمة التي أصدرت الحكم أو القرار المطعون فيه دون غيرها.مثل طرق الطعن العادية التي يقدم مطلب الطعن فيها إلى كتابة المحكمة التي أصدرت الحكم أو القرار.

و ما تجدر ملاحظة، هو أن المشرع التونسي نجده قد سلك نفس المنهج الذي أتبعه في طرق الطعن العادية باعتبار أن نظيره الفرنسي في الفصل 576 م.إ.ج فرنسية أكد على أن الطعن يقدم إلى كتابة المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه وقد درج المشرع التونسي على هذا المنوال لما في ذلك من تسهيل في الإجراءات وتخفيف على الطاعن الذي سيتحمل مشقة التنقل إلى محكمة التعقيب التي يقع رفعها إلى كتابة المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، وهذا ما يدفع بالطاعن إلى رفع طعنه باعتبار عدم وجود مشقة وعرقلة أمام الطاعن.

و لعل هذا التبرير ينسجم مع السياسة الإجرائية بشكل عام من خلال التسهيلات التي قام بها المشرع أثناء قيام الطاعن برفعه لطعنه.

4- تسليم نسخة الحكم وتقديم مستندات التعقيب وتبلغيها:

تدخل المشرع بموجب تنقيح 11 ديسمبر 2008 وأضاف فقرة ثالثة ورابعة للفصل 261 م.إ.ج وذلك بإلزام كاتب المحكمة التي أصدرت الحكم باستدعاء المعقب لتسلم نسخة من الحكم أو القرار المطعون فيه فعلى كاتب المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه استدعاء الطاعن أو محاميه بالطريقة الإدارية وتسليمه نسخة من الحكم المطعون فيه مقابل إمضائه على وصل يتضمن تاريخ تسليمه يضاف إلى ملف ([168]).

أما إذا لم يحضر الطاعن أو محاميه لتسلم نسخة الحكم المطعون فيه في أجل شهر من تاريخ استدعائه بأية وسيلة تترك أثرا كتابيا وتخلف عن تقديم مستندات تعقيبه سقط طعنه ([169]).

و قد خص المشرع كاتب المحكمة التي أصدرت الحكم بتلقي عريضة التعقيب وتضمينها وإعلام كتابة محكمة التعقيب بذلك وإعلام المعقب ضده وتوجيه الاستدعاء إلى المعقب بهدف الحضور وتسلم نسخة من الحكم المطعون فيه، كما فرض إحالة الملف إلى كتابة محكمة التعقيب وذلك قبل فوات أجل ثلاثين يوما بداية من توجيه الاستدعاء إلى المعقب.

أما بالنسبة إلى تقديم مستندات التعقيب وتبليغها فقد استثنى المشرع النيابة العمومية من هذا الإجراء وفرضه على جميع الأطراف وذلك بمقتضى الفصل 263 مكرر بموجب تنقيح 2007، وجعل بداية سريان الأجل من تاريخ تسلم النسخة بموجب تنقيح 2008 بعدما كان من تاريخ تقديم المطلب([170]).

كما فرض أن تباشر الإجراءات بواسطة محامي، إذا يقدم هذا الأخير في أجل أقصاه ثلاثون يوما إلى كتابة محكمة التعقيب من تاريخ سلمه نسخة من الحكم المطعون فيه، مذكرة في أسباب الطعن تبين الاخلالات المنسوبة للحكم المطعون فيه ونسخة من محضر إبلاغ مذكرة الطعن بواسطة عدل منفذ إلى المعقب ضدهم وإذا تخلف المعقب عن تقديم المستندات أو قام في الأجل يكون الجزاء سقوط الطعن. وإذا أراد المعقب ضده في الرد على مستندات الطعن وجب عليه تقديم مذكرة في ذلك إلى كتابة محكمة التعقيب خلال أجل ثلاثين يوما من تاريخ إبلاغه مستندات الطعن([171]). وتباشر هذه الإجراءات مهما كانت طبيعة القضية.

ب – تأمين الخطية:

لقد أوجب الفصل 263 م.إ.ج أن يقدم الطاعن إلى جانب العريضة وصلا من قابض التسجيل يفيد تأمينه للخطية الواجب تسليطها عليه إذ رفض مطلبه وكذلك جميع المعاليم التي يقتضي القانون وجوب تأمينها، حيث لا يقبل كاتب المحكمة عريضة الطعن إذا لم يقم الطاعن بهذا الإجراء.

و يعفي المشرع من هذا التأمين ممثل النيابة العمومية والمحكوم عليه بالإعدام أو بالسجن مدى الحياة وعند وقوع الرجوع في التعقيب يمكن للمحكمة إعفاء المعقب من الخطية وإرجاعها إليه ([172]). وقد تبنت محكمة التعقيب ذلك في عدة قرارات([173]).

ما يمكن قوله هو أن هذا الفصل جاء ليفرض على من يريد الطعن في الحكم الجزائي الصادر في حقه أن يؤمن مبلغا قبل النظر في مطلب الطعن.

أما القانون الفرنسي فقد ألغيت الفصول 580 و581 و582 المتعلقة بتأمين الخطية في المادة الجزائية ([174]).

ما يمكن في قوله في هذا الإطار هو أن المشرع أوجب تأمين الخطية وتقديم ما يفيد ذلك مع العريضة في أجل الطعن وإلا كان طعنه غير مستكمل لشروطه الإجرائية فإنه مستهدف للفرض، هذا ما درج عليه فقه القضاء ([175])، وقد كلن من الأجدر بالمشرع التونسي أن ألغى تأمين الخطية مثال نظيره الفرنسي أو وّسع من دائرة الإعفاء مثل المشرع السوري الذي أعفى الأحداث من أداء الرسوم والتأمينات القضائية والطوابع في جميع القضايا التي تنظم فيها محاكم الأحداث([176]).

كل هذه الشروط التي لابد من توفرها للطعن بالتعقيب لكن ليست الشروط الوحيدة بل نجد شروط أصلية التي ينبغي تناولها.

المبحث الثاني: شروط أصلية

تفيد الشروط الأصلية الحالات التي يقوم عليها الطعن وقد ضبط المشرع التونسي هذه الشروط صلب الفصل 258 من م.إ.ج الذي نص على أن يسوغ طلب التعقيب بناءا على عدم الاختصاص أو الإفراط في السلطة أو خرق القانون أو خطأ في تطبيقه ([177]) وهي المطاعن التي أوردها المشرع على سبيل الحصر والتي من المفروض أن يتناولها الطاعن في مستندات طعنه.

و يقسم أغلب الفقهاء الأسباب التي يجوز فيها الطعن بالتعقيب إلى أربعة أقسام وهي مخالفة قواعد تشكيل المجلس القضائي، وعدم الاختصاص ن عدم مراعاة الشكليات الذي يرغب عنه القانون البطلان، وعدم احترام القواعد الموضوعية للقانون الجنائي([178]).

وقد أرجع الفقيه قارو جميع حالات الطعن إلى خرق القانون([179]) كما اعتبر الفقيه دوبلار أن ” فرق القانون هو مصدر جميع أوجه النقض([180]).

ولدراسة هذه الحالات يمكن تناولها في فقرتين الأولى تتعلق بمخالفة قواعد تشكيل المحكمة واختصاصها والثانية تخص مخالفة القواعد القانونية الشكلية والأصلية.

الفقرة الأولى: مخالفة قواعد تشكيل المحكمة واختصاصها:

كي يكون الحكم قابلا للطعن بالتعقيب لا بد أن يكون صادرا عن محكمة مشكلة تشكيلا قانونيا (أ) وأن تكون مختصة (ب).

خرق قواعد تشكيل المحكمة :
اعتبرت محكمة التعقيب أن هذه القواعد تهم النظام العام([181]) وهذه القواعد وبعث لضمان حسن سير العدالة، لذا يكون خرقها عرضة لنقض الحكم وتقتضي قواعد تشكيل المحكمة ثلاثة عناصر وهي قضاة الجالسين وممثل النيابة العمومية والمكاتب وهي عناصر ضرورية لتكوين المجلس القضائي.

القضاة الجالسون: من شروط المجلس القضائي أن يكونوا مؤهلين للجلوس أي أن تكون لهم الصفة([182]) مع الأهلية. وفقه القضاء الفرنسي اعتبر أن توفر الأهلية لدى القاضي هي قرينة قاطعة غير قابلة للدحض بإثبات العكس([183]).

كما يشترط أن الحكم صادر على العديد اللازم من القضاة التي اقتضاه القانون.وقد نص الفصل 592 م.إ.ج الفرنسية على هذه القاعدة إذ جاء به أن ” الفرارات والأحكام النهائية تكون باطلة عندما لا تصدر بالعدد القانوني للقضاة سواء كان هذا العدد أكثر أو أقل “.

أما القانون التونسي فقد يلزم المحكمة التي أصدرت الحكم أن يذكر بالحكم أسماء الحكام([184]).

كما نجد شرط ثالث يخضع له تشكيل المحكمة يتمثل في مبدأ التفريق بين السلط العدلية وقد كرس هذه القاعدة الفصل 50 من م.إ.ج وطبقت محكمة التعقيب هذا المبدأ في عدة قرارات([185])، فقه القضاء الفرنسي يعتبر أنه يكفي مجرد إمضاء قاضي التحقيق على الإنابة العدلية حتى تمنع عضويته في المجلس([186]).

هذا المنع يشمل كذلك ممثلي النيابة العمومية الذي سبق أن تعهد بملف القضية فلا يجوز أن يشارك في المجلس أي أن يكون خصما وحكما وهذا ما أكده فقه القضاء التونسي([187]) كما يشترط أن يكون كل عضو من أعضاء المجلس قد اشترك في كل مرحلة من مراحل القضية بداية من طور المرافعة وصولا لصدور الحكم، ويكون قد استمع لأقوال كل طرف من أطراف القضية الجزائية، حيث اعتبرت محكمة التعقيب عدم احترام هذه القاعدة يوجب نقض الحكم المطعون فيه([188]).

النيابة العمومية : ينص الفصل 168 م.إ.ج أن الحكم يجب أن يذكر به ممثل النيابة العمومية الذي حضر بالجلسة مما يؤكد دور النيابة العمومية كطرف ضروري ومكمل لهيئة المحكمة الجزائية وقد كرست محكمة التعقيب هذه القاعدة([189])، كما تبنت محكمة التعقيب الفرنسية نفس الاتجاه([190]).

كما أن حضور ممثل الإدارة العمومية كطرف متتبع لا يغني عن حضور النيابة العمومية وهو ما أكدته محكمة التعقيب الفرنسية في أحد قراراتها([191])، وبما أن النيابة العمومية وحدة متكاملة غير قابلة للتجزئة فيمكن لممثل النيابة العمومية وحدة متكاملة غير قابلة للتجزئة فيمكن لممثل النيابة العمومية أن يكون عضوا لدى دائرة الاتهام ثم يحضر بنفس الصفة جلسة الدائرة الجنائية([192]).

–الكاتب : يعتبر الكاتب جزء لا يتجزأ من تشكيل المحكمة وبالتالي فإن غيابه يؤدي إلى أن تكون أعمال الجلسة باطلة. وقد طبقت محكمة التعقيب أحكام الفصل في قضية كان فيها الحكم المطعون فيه مقتصرا ذكر اسم الكاتب دون لقبه ([193])، أما فقه القضاء الفرنسي فقد قبل بالنقض في ذكر اسم الكاتب واكتفي بظهور توقيعه على الحكم([194])، وليس من الضروري أن يكون الكاتب حاضرا هو نفسه في جميع الجلسات بل يمكن تعويضه دون أن يكون هناك خرق للقانون ([195]).

ب- خرق قواعد الاختصاص :

لقد اقتضى الفصل 258 من م.إ.ج خرق قواعد الاختصاص ويعتبر هذه القواعد أن يكون الحكم صادرا عن محكمة مختصة بالنظر وأن لا يكون فيه إفراط في السلطة.

لقد عرف الفقه الاختصاص في المادة الجزائية بأنه ” ولاية القاضي في نظر دعوى جزائية معينة([196])، وهو السلطة الممنوحة بالقانون للمحكمة ومنظمة بقواعد تتعلق بالنظام العام([197])، وعدم الاختصاص هو عدم صلاحية المحكمة ومنظمة النظر في القضية وبالتالي تمثل خرقا للقانون([198]) ويشمل قواعد الاختصاص النوعي والشخصي والترابي.

-الاختصاص النوعي : يقوم على أساس جسامة وخطورة الجريمة صنف القانون الجنائي الجرائم إلى ثلاث أنواع مخالفات، جنح وجنايات فتختص محاكم الأصل بالنظر في المخالفات والجنح ونميز بين اختصاص محكمة الناحية الذي يشمل جميع المخالفات نهائيا، والجنح المعاقب عليها بالسجن مدة لا تتجاوز العام أو بالخطية في حدود ألف دينار، ويبقى النظر للمحكمة الابتدائية بصفة استثنائية في جنحة الجرح على وجه الخطأ أو الحرق من غير عمد وأخيرا الجنح التي أسند إليها النظر فيها بنص خاص([199]).

يشمل اختصاص المحكمة الابتدائية جميع الجنح التي لم يتعين لها مرجع النظر وتظل أيضا نهائيا ” في جميع الأحكام المستأنفة والصادرة عن الحكام النواحي التابعين لدائرتها ” عملا بأحكام الفصل 124 م.إ.ج([200])، أما محكمة الاستئناف فتختص بالنظر في الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية باعتبارها درجة ثانية من درجات التقاضي عملا بأحكام الفصل 107 م.إ.ج فقرة ثانية.

و أخيرا تختص المحكمة الجنائية بالنظر في الجنايات، لقد خول لها المشرع النظر في الجنح المرتبطة بجناية وكذلك الجرائم المحالة عليها بوصفها جناية ثم تبين أنها جنحة([201]) وجرائم الجلسات، ويقتضي الفصل 222 م.إ.ج أن تعهد المحكمة الجنائية لا تتم إلا بقرار إحالة صادر عن دائرة الاتهام([202]).

الاختصاص الشخصي : المبدأ أن القانون يطبق على جميع الناس بنفس الشروط مهما كانت صفاتهم ورتبتهم، فإن مادة الإجراءات الجزائية تشكل استثناء له، حيث يعزل بعض الفئات بمحاكم خاصة بهم لأسباب خاصة بسنهم ([203]) أو بانتمائهم لسلك حساس يقتضي إفرادهم بجهاز خاص بهم للتفرقة بين القضاء العادي والقضاء الإستئنافي ويشمل هذا الأخير محاكم الأطفال والمحكمة العسكرية.

الطفل هو كل إنسان عمره أقل من ثمانية عشرة عاما لم يبلغ سن الرشد بمقتضى أحكاما خاصة بهم، لأسباب حمائية ووقائية تفرض عدم الجمع بين هذه الفئة وبقية المنحرفين الذين قد يؤثروا سلبا على سلوك الطفل الجانح.

أما عندما يكون المتهم عسكريا زمن ارتكاب الجريمة الجريمة([204]) وهنا يكون القضاء العسكري هو المختص في جميع أطوار المحاكمة، بمعنى يعود النظر للمحكمة العسكرية، وعندما تقضي المحكمة بعدم سماع الدعوى في حق العسكري فإن نظرها في هذه الدعوى يخرج عن احتكاكها وبالتالي يكون من أنظار القضاء العادي.

أما جرائم الخيانة العظمى المرتكبة من قبل الوزراء وأعضاء الحكومة فإنهم لا يحاكمون أما المحاكم الجزائية العادية بل مرجع النظر يكون للمحكمة العليا.

-الاختصاص الترابي: هو المعيار لتحديد المحكمة المتعهدة ترابيا في نظر الدعوى من بين الجهات القضائية لدلك الاختصاص من حيث الاختصاص النوعي والشخصي.

اقتضى الفصل 129 م.إ.ج معايير تحديد الاختصاص الترابي كما يلي: ” تنظر في الجريمة محكمة الجهة التي ارتكبت فيها أو محكمة المكان الذي به مقر المضنون فيه أو المكان الذي به محل إقامته الأخير أو محكمة المكان الذي وجد فيه…”.

وتكون بذلك ضوابط تعيين المحكمة المختصة هي أولا وقوع الجريمة وثانيا مقر المتهم وثالثا محل إقامته الأخير وأخيرا مكان القبض عليه، لكن المحكمة المتعهدة أولا بالجريمة ثبت فيها ولو لم يحترم الترتيب الوارد بالفقرة الثانية من الفصل المذكور.

و قد اعتبرت محكمة التعقيب أن تحديد الاختصاص الترابي ينبغي أن يكون محترما للترتيب التفاضلي الوارد بالفصل 129 م.إ.ج وذلك من خلال قضية كانت فيها الجريمة واقعة في دائرة ترابية أولى ومقر المتهم في دائرة ترابية ثانية، ذلك أن قاضي التحقيق الذي وقعت الجريمة في مرجع نظره هو الأولى بالتعهد لما في ذلك من سهولة في إجراء التحقيق وسرعة الفصل([205]).

إن قواعد الاختصاص النوعي والشخصي والترابي كلها في المادة الجزائية هي من النظام العام وأي خرق يلحق هذه القواعد من شأنه أن يترتب البطلان المطلق في السلطة.

-الإفراط في السلطة :

لم يعرف المشرع التونسي هذا المفهوم واعتبر الفقهاء أن المحكمة حين تنظر في الدعوى وهي غير مختصة تكون قد أفرطت في السلطة([206]).

مفهوم الإفراط في السلطة يرتبط بمفهوم الاختصاص وقد اعتبر الأستاذ دوبلار أن الإفراط في السلطة يكون حين يتجاوز المجلس حدود ما هو مخصص للسلطة العدلية من الوظائف ويتعدد على السلطة التشريعية أو الإدارية([207])، وعرفه الفقيه بوري بأنه ” التجاور أو الاعتدال لوقائع من طرف القاضي المتعهد بالنزاع لقواعد تهم النظام العام والتي تحدد وتقيد سلطة القاضي “([208]).

وانطلاقا من هذه التعريف فإن الإفراط في السلطة لا يخرج عن صورتين الأولى هي تجاوز القاضي لحدود واجبه الوظيفي والثانية هي تعدي القاضي على اختصاص السلط الأخرى.

-تجاوز القاضي لحدود واجبه الوظيفي : قد يكون هذا التجاوز إيجابيا او سلبيا فالتجاوز الإيجابي يقع عندما يتجاوز القاضي أو يتعدى دائرة صلاحياته المرسومة بالقانون، مثال من هذا التجاوز أن تنظر محكمة الإحالة فيما هو خارج عن الحدود التي حددتها لها محكمة التعقيب في قرار الإحالة سواء على مستوى الأفعال أو الأشخاص، وقد عبرت على ذلك محكمة التعقيب في عدة قرارات([209]) وهو نفس اتجاه فقه القضاء الفرنسي([210]).

كما اعتبرت محكمة التعقيب أن الحكم بأكثر مما طلبه الخصوم أو إثارة دفوعات لم يتمسكوا بها بعد إفراط في السلطة([211]) وعندما تكون الدعوى معلقة على شكوى ورغم عدول الشاكي عن شكايته واصلت المحكمة النظر في القضية فإن ذلك يمكن اعتباره من قبيل الإفراط في السلطة([212]).

أما التجاوز السلبي فيتمثل في امتناع القاضي عن النظر في الدعوى التي تعهد بها قانونا وهنا يصبح ناكرا للعدالة وإهمالا للنظر وهما من ملامح الإفراط في السلطة.

إهمال النظر يسمح بالطعن بالتعقيب ممن له مصلحة في الطعن وقد اعتبر فقه القضاء الفرنسي أن الحكم يكون قابلا للإبطال الذي أهمل النظر في طلبات النيابة العمومية([213]).

أما إنكار العدالة فيتمثل في امتناع القاضي عن البت في النزاع بدعوى وجود فراغ تشريعي أو غموض في نص قانوني وهو موجب للنقض([214]).

-تعدي القاضي على السلط الأخرى: يتخذ هذا الاعتداء عدة أشكال فقد يتعدى القاضي على سلطة إدارية وذلك بانتفاء صلاحياتها، وهذا ما يجعل الحكم مستوجب للنقض.

كما اعتبر فقه القضاء الفرنسي أن انتفاء المحكمة لسلوك النيابة العمومية يعد إفراطا في السلطة وبالتالي يكون الحكم موجبا للنقض([215]).

إذا كانت هذه الأسباب موجبة لنقض الحكم المطعون فإن خرق القانون يتنزل منزلة رئيسية ضمن الشروط الأصلية للطعن.

الفقرة الثانية: مخالفة القواعد القانونية:

تفيد القواعد القانونية نوعين من القواعد الأولى تتعلق بالقواعد الشكلية (أ) وهي تتعلق بالإجراءات والثانية بالقواعد الموضوعية (ب).

مخالفة القواعد الشكلية:

القواعد الشكلية هي التي تتعلق بالإجراءات التي فرضها القانون وأوجب احترامها وذلك لتحقيق حسن سير العدالة الجزائية وحماية حقوق المتقاضين، وخرق هذه القواعد يؤدي إلى البطلان الإجرائي وبالتالي يكون موجبا للطعن بالتعقيب.

بحيث تقسم حالات بطلان هذه القواعد الشكلية إلى ثلاث أنواع وهي بطلان إجراءات التحقيق والمحاكمة وبطلان عدم احترام قواعد الإثبات وأخيرا بطلان عدم احترام واجب التعليل.

-بطلان إجراءات التحقيق والمحاكمة :

التحقيق الابتدائي يهدف إلى ” التأكد من قيام الأدلة الكافية أو عدم قيامها لتقديم المضنون فيه إلى المحاكمة “([216]) ولقد وضع العديد من القواعد الشكلية لتنظيم مرحلتي التحقيق والمحاكمة، ولضمان احترام هذه القواعد رتب على خرقها البطلان.

و قد جاء الفصل 199 م.إ.ج بقاعدة عامة تنص على أن” تبطل كل الأعمال والأحكام المنافية للنصوص المتعلقة بالنظام العام أو القواعد الإجرائية الأساسية أو لمصلحة المتهم الشرعية.” ويبقى هذا الفصل الأساس في مراقبة محكمة التعقيب لجميع الشكليات الواردة في مجلة الإجراءات الجزائية، على أنه يجب التميز بعناية بين الشكليات التي لها علاقة بالنظام ( اختصاص، تنظيم قضائي ) والإجراءات الأساسية ( إجراءات المحكمة ) والتي يمكن أن تؤدي إلى بطلان الأحكام أو القرارات بدون ضرر وحق الدفاع وعلى محكمة التعقيب أن تميز بين الحالات وتطمئن لوجود الضرر توصلا لنقض القرار المنفذ بناءا على خرق حق الدفاع([217]).

لقد اعتبر فقه القضاء التونسي أن البطلان يكون وجوبيا عندما يكون الإخلال يهم قاعدة متعلقة بالنظام العام، ويكون نسبيا إذا كان الإخلال يهم قاعدة متعلقة بمصلحة المتهم الشرعية، أما إذا تعلق الأمر بالقواعد الإجرائية الأساسية فإن البطلان الناجم عن خرقها يكون تارة وجوبيا وأخرى نسبيا وذلك حسب طبيعة القاعدة الإجرائية([218]).

وقد اعتبرت محكمة التعقيب على هذا الأساس أن خرق القواعد المتعلقة بأداء اليمين لا يؤدي إلا إلى البطلان النسبي([219]).

أما بالنسبة للإجراءات المتعلقة بالمحكمة فالعديد منها يهم النظام العام ومنها وجوبية استدعاء المتهم لحضور أطوار المحاكمة وإحضاره في صورة إيقافه وذلك تكريسا لمبدأ المواجهة، كذلك وجوبية تمثيل المتهم لدى الدائرة الجنائية بواسطة محامي([220]).

-خرق قواعد الإثبات :

المبدأ هو أن قواعد الإثبات محمولة على القاضي لكن تختلف في المادة المدنية القاضي مقيدا بوسائل الإثبات حددها القانون من حيث النوع والحجة، أما في المادة الجزائية، فتقدير القاضي لحجة الوسائل تعود لتقديره الشخصي حسب وجدانه الخالص، وهذا ما كرسه فقه القضاء([221])، لكن الإثبات في المادة الجزائية يبقى خاضعا لقيود تحدد حريته وقد اعتبرت محكمة التعقيب في هذا الإطار أنه ” لا يمكن للقاضي أن يبني حكمه إلا على حجج قدمت أثناء المرافعة وتم التناقش فيها أمامه شفويا وبمحضر جميع الخصوم، تأسيسا على ذلك فإن الحكم الذي يسند على وثائق لم تتمكن النيابة العمومية من الإطلاع عليها ومناقشتها ويبقى قضاءه عليها يعتبر مخالفا لقواعد الإجراءات الأساسية الواردة بالفصل 151 التي يقع التمسك بها في كل درجة من درجات المرافعات لمساسها بقواعد النظام العام ويبطل بها الحكم.

أما فقه القضاء الفرنسي فقد اعتبر أنه إذا تطلب القانون لإثبات جرائم معينة بالحجة الكتابية فلا يجوز للقاضي أن يعتمد الشهادة([222]).

-خرق واجب التعليل :

يعتبر واجب التعليل من القواعد المتعلقة بالنظام العام([223])، ويتخذ خرق واجب التعليل شكل إحدى هذه الصور الثلاثة، إما أن يكون التعليل مفقودا أو ضعيفا أو متناقضا.

-فقدام أو انعدام التعليل: يبرز فقدام التعليل عندما يكون الحكم خاليا من مستندات واقعية وقانونية مبرزة للحكم الذي توصلت إليه المحكمة كأن يتعلق الأمر بإغفال المحكمة عن بيان مدى توفر أركان الجريمة أو عرض وقائع القضية([224]).

كما اعتبر فقه القضاء أن عدم الإجابة على دفع جوهري مستند على وثائق طبية مثلا يعتبر من انعدام أو فقدان التعليل الموجب للنقض([225]).

-ضعف التعليل: على عكس فقدان التعليل فإن ضعف التعليل يتمثل في إسناد المحكمة لتعليل حكمها على مستندات يكتنفها الغموض أو النقصان مما يحجب عن محكمة التعقيب حقها في الرقابة على تطبيق القانون وهذا ما أكدته محكمة التعقيب في أحد قراراتها([226]).

-التناقض بين العلل : يعتبر عيب شكلي ويفيد أن تكون الأسباب التي يقوم عليها الحكم ما غير متناسقة، متضاربة أي أن يكون القرار غير متماسك الأجزاء وذلك في صورة وجود تناقض مع بين مستندات القرار والنتيجة التي انتهى إليها([227]).

ب – مخالفة القواعد الموضوعية:

لقد نص الفصل 258 من م.إ.ج على أنه” يسوغ للأشخاص الآتي ذكرهم القيام بطلب تعقيب الأحكام والقرارات….بناء على….أو خرق القانون أو الخطأ في تطبيقه “.

و يفهم من هذا النص هو أن خرق هذه القاعدة ومخالفتها يمثل وجها من أوجه الطعن ويتمثل الخرق في ثلاث حالات إما أن يكون في تفسير القانون أو في الخطأ في تطبيقه سواء على مستوى التجريم أو على مستوى العقاب.

-الخطأ في تأويل القانون الجنائي :

الخرق للقواعد الموضوعية للقانون الجنائي يمكن أن يقع عن طريق الخطأ في التأويل ويتخذ هذا الأخير عدة أشكال ن فقد يتمثل الخرق في رفض تطبيق النص القانوني الواضح والذي لا يحتاج إلى تفسير أو تأويل لواقعة معينة أو يقع تطبيق نص قانوني واضح لكن لا يتكيف مع الوقائع، وهنا يكون خطأ في تكيف الأفعال.

عندما تقضي المحكمة بعدم سماع الدعوى على أساس أن الفعل مباح ولا ينطبق عليه نص القانون والحال أن الفعل مجرم، فهذا ترفع النيابة العمومية طعنا بالتعقيب تطلب فيه إلغاء حكم بالبراءة وتطبيق نصوص القانون وتوقيع العقوبة اللازمة([228]).

في صورة وضوح النصوص التشريعية ولكن عندما تكون غامضة وغير واضحة فإنه يقع الالتجاء إلى التفسير الضيق للنص الجنائي وهو مبدأ يقوم عليه القانون الجنائي، ويقوم مبدأ التفسير الضيق للنص على خضر القياس والالتجاء إليه قي المادة الجزائية لأن ذلك يساعد على خلق جرائم جديدة لم يقصدها المشرع والذي يتعارض مع مبدأ الشرعية،

فلا يجوز محاكمة إلا الأفعال المحدد في القانون، فالقاضي لا يمكنه أن يقيس أو يتلافى النقص أو السكوت الموجود بالقانون أو يوسع في الحالات المحددة بصورة حصرية في نصوصه([229]).

أما عند ما يكون النص غامضا، في هذه الصورة إن القاعدة العامة هو ” ترجيع التفسير الذي يحقق مصلحة المتهم وهي قاعدة اتفق عليها أن الشك يجب أن يفسر لمصلحة المتهم وذلك لأن الأصلي الأشياء الإباحة فإن لم يستطع القاضي الجزم بما يخالف ذلك تبين اعتبار الفعل مباحا “([230]).

-الخطأ في تطبيق نصوص التجريم :

يقوم القاضي الجزائي بالتأكد من الأفعال والوقائع المرتكبة من قبل المتهم ثم يكيفها تكييفا يتناسب مع القانون الجنائي، لكن العملية التي يقوم بها القاضي الجزائي عند تعهده بالوقائع لا تخضع لرقابة محكمة التعقيب ذلك أن هذه الأخيرة ليست درجة ثالثة من درجات التقاضي بل إن عملية التحقق ومراجعة الوقائع التي من اختصاص قاضي الأصل([231]).

أما عملية التكيف القانوني للوقائع فهي المرحلة التي ينتهي فيها القاضي إلى قيام العلاقة بين الوقائع والقانون فيختار القالب الذي يتطابق مع مفهومه “([232]).

التكيف القانوني للأفعال إذن هو الذي يميز بين الجرائم وقد حدد القانون الجنائي الجرائم وعقوبتها، وقد ذهب الشراح الفرنسيون إلى أن محكمة التعقيب لا يمكن لها مراقبة التكيف إلا إذا تعلق الأمر بجرائم وقع تعريفها من قبل المشرع. أما التي لم يقع تعريفها فلا شأن لمحكمة التعقيب بها، وكتب بريس منذ 1822 ” إن القضاة هم الحكام الحقيقيين في حكمهم فيمكنهم أن يفصلوا في كل الذي لم يقع فصله بالقانون وليس لهم إلا أن يتبعوا قناعتهم “([233]).

و لقد اعتبر فقه القضاء الفرنسي أن محكمة التعقيب تمارس رقابتها على تكييف أركان الجريمة الثلاث، الركن الشرعي والمادي والمعنوي([234]).

على مستوى الركن الشرعي للجريمة: قد يقع خرقه عندما يكون للجريمة عدة أوصاف في هذه الصورة لا بد من الأخذ بالتكيف الجرمي الأشد وتطبيق العقاب الأشد([235]).

أما على مستوى الركن المادي فإن رقابة محكمة التعقيب يكون في جريمة المواقعة مثلا تراقب مفهوم الإيلاج([236]).

و أخيرا على مستوى الركن المعنوي فإذا كان للقاضي سلطة تقديرية مطلقة في استخلاص الركن القصدي ولا معقب عليه في ذلك إلا أن محكمة التعقيب يمكن لها أن تمارس رقابة حقيقية وإن كان ذلك متخذا لتعلة التناقض في الإثبات([237]).

-الخطأ في تطبيق نصوص العقاب :

يعتبر فقه القضاء التونسي أنه لا يؤاخذ شخص لجريمة ارتكبها غيره([238])، وهذا ما يطلق عليه مبدأ شخصية العقوبة يجعل القاضي مجبرا على تطبيق العقوبة المنصوص عليها بالقانون وهي تلك التي نص عليها الفصل الخامس من المجلة الجنائية وبالتالي لا يجوز الحكم بعقوبة وقع إلغائها والقرار المخالف للقانون يكون عرضه للنقض.

أما فيما يخص ظروف التخفيف والتسديد والإعفاء فقد نظمها القانون وظروف التخفيف هي التي من شأنها أن تخفف من العقاب وهي قانونية منصوصا عليها قانونيا وتستوجب تخفيف العقوبة كالعذر الوارد بالفصل 207 م.إ.ج قبل إلغاءه، أما القضائية وهي التي تعود إلى تقدير القاضي وحده وقد جاء بها الفصل 53 من م.ج. إذن فظروف التخفيف القضائية هي من أنظار سلطة القاضي وحده ولا معقب عليه في ذلك([239]).

أما ظروف التسديد وهي التي تؤدي إلى الارتفاع في العقوبة به، فلا يمكن اعتمادها إلا بمقتضى نص قانوني مثال العود([240]).

أما الإعفاء من العقوبة فقد نص الفصل 65 م.ج الفرنسية أنه لا عذر بدون نص في القانون التونسي لا يوجد نص عام بل وردت أسباب الإعفاء متعددة مثال الفصل 80 و93 من المجلة الجنائية، وهي تنص على إعفاء الجاني في صورة الكشف عن بعض أنواع الجرائم قبل حصول التتبعات ومرتكبيها.

خلاصة الجزء الأول:

إن إجراءات التعقيب الجزائي لها خصوصيات تجعلها متميزة عن بقية طرق الطعن الأخرى سواء على صعيد نطاق ممارستها التي تخضع إلى قواعد خاصة ذلك أن التعقيب الجزائي يتسلط على أحكام نهائية الدرجة، ولا يمارسه إلا من له صفة في الطعن وله مصلحة في ذلك فهو لا يمارس إلا في أحوال تتعلق بخرق القوانين، وهذا ما يجعل إجراءاته تختلف عن إجراءات الاستئناف.

لأن هذا الأخير يقوم ويتسلط على أسباب قانونية وواقعية باعتباره درجة ثانية من دراجات التقاضي.

فالتعقيب الجزائي يكون إلا إذا وجد خرق للقانون إضافة إلى رفعه يخضع إلى شروط إجرائية خاصة خاصة ودقيقة سواء كانت على مستوى الآجال أو تقديم العريضة أو تامين الخطية، كل هذه الشروط تكرس صبغة الطعن الاستثنائية.

إن هذه المميزات والخصوصيات التي يتمتع الطعن بالتعقيب الجزائي سوف تمتد لتتضمن الآثار الناجمة عن هذا الطعن على الحكم الجزائي وقد تكون أثار ناجمة على مستوى تقديم عريضة الطعن أو على مستوى السلطة الممنوحة المحكمة التعقيب للنظر في الطعن.

الجزء الثاني آثار إجراءات التعقيب الجزائي

إن الطعن بالتعقيب في الأحكام الجزائية هو طريق غير عادي فعلى الرغم من خصوصية من ميزة إجراءاته فان ذلك لا يمنعه من ترتيب آثار معينة وهي بالتالي تكون مختلفة عن غيره من طرق الطعن العادية، فالاستئناف من شانه أن يعلق تنفيذ الحكم المطعون فيه وينقل الدعوى لإعادة النظر فيها واقعا وقانونا، أي أن له مفعول انتقالي الاستئناف، نجد أن التعقيب لا يعلق التنفيذ مبدئيا ولا ينقل الدعوى بصفة مطلقة، وكل ما يقوم به التعقيب هو المراجعة من الناحية القانونية، كما محكمة التعقيب بالنقض والإحالة إلى محاكم الأصل للنظر مجددا في الدعوى إذا كان ما يستوجب النظر ([241]).

لذا يمكن أن نتعرض لدراسة رفع الطعن ( الفصل الأول) وآثار القرار التعقيبي ( الفصل الثاني).

الفصل الأول: آثار رفع مطلب الطعن بالتعقيب:

إن تقديم عريضة الطعن إلى كتابة المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه لا بد أن تنتج أثارا هامة سواء كانت على مستوى تنفيذ الحكم ( المبحث الأول) أو على مستوى المفعول الانتقالي للطعن بالتعقيب ( المبحث الثاني).

المبحث الأول: الأثر على تنفيذ الحكم:

عملا بإحكام الفصل 265 م.إ.ج الذي ينص على أن” الطعن لا يوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه إلا في صورة الحكم بالإعدام أو إذا كان الأمر يتعلق بحكم قاضي بإتلاف حجة مرمية بالزور أو بمحو آثاره أو ببطلان الزواج”.

المبدأ إذن هو أن التعقيب لا يوقف التنفيذ ( فقرة أولى) لكن هناك بعض الاستثناءات ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : المبدأ التعقيب لا يوقف التنفيذ:

عملا بأحكام الفصل 265 م.إ.ج نلاحظ أن هنا الفصل جاء بمبدأ عام تبناه المشرع في المجال الإجرائي لذا يتعين علينا عرض هذا المبدأ( أ) ثم تناول تبريرات هذا المبدأ(ب).

أ – عرض المبدأ:

القاعدة في مادتي الاعتراض والاستئناف إن الطعن يوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه ([242])، أما بالنسبة للتعقيب فإنه يواصل التنفيذ.و ذلك علاوة على طبيعة الحكم المطعون فيه.

يعتبر عدم وقف التنفيذ بالنسبة للطعن بالتعقيب امتداد لما كان معمول به في قانون المرافعات الجنائية قبل دخول مجلة الإجراءات الجزائية حيز التنفيذ، إذ نص الفصل 173 منها على أن مطلب التعقيب لا يوقف التنفيذ كما نجد هذا المبدأ في المادة المدنية ذلك أن رفع الطعن بالتعقيب لا يوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه ([243]). كما يشمل هذا المبدأ الأحكام والقرارات الصادرة بصفة نهائية.

و تجدر الإشارة إلى أن تشريعنا يختلف في هذا الإطار عن نظيره الفرنسي الذي وضع في الفصل 569 م.إ.ج مبدأ يقضي بتعليق تنفيذ الأحكام والقرارات عند الطعن فيها بالتعقيب، وقد كرس فقه القضاء الفرنسي ذلك في عدة قرارات ([244]).

و هذا يهني أن تشريعنا والتشريع المصري درج نفس الاتجاه، إذ لم يجعلا للطعن بالتعقيب أثرا موقف للتنفيذ. كما ذهب المشرع الجزائري ضمن المادة 499 من قانون الإجراءات الجزائية إلى أنه يوقف تنفيذ الحكم خلال ميعاد الطعن.

إن قصد المشرع التونسي من جعل الطعن غير مؤثر على تنفيذ الحكم المطعون فيه يعود إلى تدعيم الطبيعة الاستثنائية للطعن بالتعقيب باعتباره طعنا مرفوعا إلى محكمة قانون. وبالتالي تجنب المحكوم عليهم الإفراط في رفع الطعن غير جدية لمجرد تعطيل تنفيذ الحكم ([245]).

ما يمكن استخلاصه هو أن هناك اتجاهين مختلفين، الأول لا يجعل من الطعن بالتعقيب أثرا تعليقيا من حيث المبدأ وهو اتجاه المشرع التونسي والمصري، أما الاتجاه الثاني تبنى العكس حيث جعل من الطعن أثرا تعليقيا للتنفيذ وهو المشرع الفرنسي والجزائري ([246]). لكن تبنى المشرع التونسي هذا المبدأ وفق تبريرات.

ب – مبررات المبدأ:

إن عدم منح المشرع التونسي الأثر التعليقي للطعن بالتعقيب هو تدعيم للطبيعة الاستثنائية للطعن بالتعقيب باعتبار وأن محكمة التعقيب ليست درجة ثالثة من درجات التقاضي فهي تتعهد بمراقبة ومراجعة صحة تطبيق القانون ولا تخوض في الوقائع والأصل، فالمشرع منح الطرق العادية الأثر التوقيفي، أما الطرق غير العادية فلم يمنحها هذا الأثر من جهة أولى.

و من جهة أخرى أن تعطيل تنفيذ الأحكام بعد أن أصبحت نهائية خاصة أن الأمر يتعلق بأحكام جزائية. فليس من المصلحة تعليق تنفيذ حكم نهائي على الفصل في طعن غير عادي نفس الشئ بالنسبة لتنفيذ الحكم في المادة المدنية([247]).

و لذا فإن القانون المصري يرى ان إقرارهذا المبدأ قد لا يهدف إلا إلى المماطلة فنجده في سنة 1900 يقر بأن الطعن بطريق النقض لا يوقف التنفيذ الا في حالة الحكم بالاعدام.

لكن أدخل مجلس شورى للقوانين تعديلا يقضي بوجوبية إيقاف التنفيذ لكن المصري يرى أن نتائج أمر 29 نوفمبر 1900 كانت سلبية ذلك ارتفع عدد الطعون ورفعها يكون إلا للمماطلة، واستقر المشروع الصادر في المادة 231 من قانون تحقيق الجنايات على إيقاف تنفيذ الحكم لا يكون إلا إذا الحكم صرا بالإعدام ([248]).

المشرع التونسي عندما اعتمد اتجاه يقوم على أساس المبدأ العام القائل بأن الطعن بالتعقيب في المادة الجزائية لا يوقف التنفيذ كان هدفه الإسراع بتنفيذ الأحكام بعدما أصبحت نهائية، فالأمر يتعلق بأحكام جزائية فليس من المصلحة تعليق تنفيذ حكم نهائي على الفصل في طعن غير عادي سواء يهم الجانب الجزائي أو المدني إذا جاء فيها الطعن بالنقض ([249]).

إضافة إلى أن إقرار وقف التنفيذ في الطعن بالتعقيب يؤدي إلى الإفراط من جانب أطراف الخصومة إلى رفع الطعن بدون أسباب جدّية وهذا يسام في المماطلة والإطالة في تنفيذ الأحكام ([250]).

و لذا كان الأجدر بالمشرع التونسي أن يتبع مسلك القانون الفرنسي ويضع أثرا تعليقي لتنفيذ الحكم عند الطعن بالتعقيب، لكن نجد بعض الاستثناءات لهذا المبدأ.

لذا نجده يجرنا إلى التعرض إلى معرفة الاستثناءات الواردة على هذا المبدأ موضوع الفقرة الثانية.

الفقرة الثانية: الاستثناءات:

لقد عرّف المبدأ أن التعقيب لا يوقف التنفيذ عدّة استثناءات وردت متفرقة منها ما ورد بمجلة الإجراءات الجزائية،( أ) والبعض الأخر ورد خارج المجلة (ب).

أ – الاستثناءات الواردة ضمن مجلة الإجراءات الجزائية:

وردت هذه الاستثناءات على المبدأ المقر بأن التعقيب لا يوقف التنفيذ بالفصل 265 م.إ.ج حيث ينص أن” الطعن بالتعقيب لا يوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه إلا في صورة الحكم بالإعدام أو إذا كان الأمر يتعلق بحكم قاضي بإتلاف حجة مرمية بالزور أو بمحو آثارها ببطلان زواج.” إذن وردت حالات مختلفة بهذا الفصل سنتولى دراستها.

الحكم بالإعدام: هذه العقوبة هي سالبة للحرية لذا اقتضى الفصل 265 م.إ.ج تعليق تنفيذ تنفيذ هذا الحكم إلى حين النظر في القضية وإن أيدت محكمة التعقيب الحكم بالإعدام، فقد أوجب الفصل 342 م.إ.ج أنه إذا صدر حكم الإعدام فإنه يقع إعلام الوكيل العام للجمهورية به كاتب الدولة للعدل الذي يعرضه على رئيس الجمهورية لممارسة حقه في العفو مع العلم انه لا يمكن تنفيذ إلا إذا لم يمنح العفو([251]).

و قد أخل المشرع المصري هذا الاستثناء في تشريعه الإجرائي إذا اعتبر أن إيقاف التنفيذ في هذه الحالة يكون وجوبي ([252]).

الحكم بإتلاف حجة مرمية بالزور أو بمحو أثارها: عند الطعن بالتعقيب في هذا الحكم فإنه يقع تعليق تنفيذ هذا الحكم إلا حين النظر في مطلب التعقيب. ويعود ذلك إلى أن إتلاف الحجة أو محو آثارها من شأنه أن يمس من استقرار الأوضاع.

الحكم ببطلان الزواج: عند صدور حكم جزائي يقضي ببطلان الزواج، فإن الطعن بتعقيب هذا الحكم يوقف التنفيذ إلى حين البت في القضية سواء كانت قضية تعدد الزوجات أو الزواج على خلاف الصيغ القانونية.

لكن الإشكال يكمن في أن إيقاف التنفيذ هل يشمل بطلان الزواج والعقوبة الجزائية معا؟

بالرجوع إلى أحكام الفصل 265 م.إ.ج نجد أن وقف التنفيذ لا يشمل إلا الحكم ببطلان الزواج فقد ذلك أن هذا الأمر يتعلق باستثناء وبالتالي فلا يمكن التوسع فيه ونجعل من العقوبة الجزائية تحضى بإيقاف التفيذ.

الاستثناء الوارد بالفصل 337 م.إ.ج ينص هذا الفصل على أنه” يسوغ للوكيل العام للجمهورية ([253]) وفي الأحوال الخطيرة والاستثنائية أن يمنح المحكوم عليه غير الموقوف تأجيل تنفيذ العقاب ويعلم كاتب الدولة للعدل فورا ذلك.”

ما تجدر الإشارة إليه في هذا الفصل هو أن تأجيل التنفيذ يهم فقط العقوبة أي الجانب الجزائي من الحكم دون الجانب المدني الذي يتواصل التنفيذ فيه.

و تأجيل التنفيذ معلق على شرطين، الأول أن يكون المحكوم عليه غير موقوف، أما إذا كان موقوف فلا يجوز ذلك، والثاني يتعلق بوجود أحوال خطيرة واستثنائية.

لكن المشرع في الشرط الثاني لم يحدد ما المقصود بالأحوال الخطيرة والاستثنائية، ربما هذا الغموض والسهو يفتح مجال للتوسع في دائرة تأجيل الأحكام.

إن الاستثناءات التي وردت على مبدأ أن التعقيب لا يوقف التنفيذ لم تكن حرا على مجلة الاجراءات الجزائية بل نجد قوانين خاصة وخارج عن إطار هذه المجلة تبنت فكرة أن التعقيب يوقف التنفيذ.

ب – الاستثناءات خارج الاجراءات الجزائية:

كرّست كل من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية ومجلة حماية الطفل الاستثناء القائم على أن التعقيب يوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه.

الأحكام الواردة عن القضاء العسكري: نص الفصل 35 من م.م.ع.ع على أن ” التعقيب يوقف التنفيذ.”

ما يلاحظ مبدئيا هو أن الاحكام العسكرية تصدر جميعها نهائية ولا تقبل الاستئناف، غير أن الطعن بالتعقيب لا يوقف التنفيذ إذا كان المحكوم عليه في حالة إيقاف.

ونظرا لخصوصية الفضاء العسكري التي يتميز بها يضعنا المشرع أمام هذا الاشتثناء بأن تعقيب الاحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية توقف التنفيذ إلا إذا كان المحكوم عليه بحالة سراح.

الاحكام الواردة بالسجن في حق الطفل: نص الفصل 106 م.ح.ط على أن طلب التعقيب يوقف التنفيذ إذا كان الحكم صادر بعقاب السجن.” يفيد هذا الفصل أن الاحكام القاضية بعقوبة سجن الطفال، فإن الطعن فيها بالتعقيب يوقف التنفيذ، أما في صورة حكم ضد الطفل يقضي بعقوبة غير سالبة للحرية، كالحكم بوضع الطفل بإحدى مراكز الاصلاح، أو خطية مالية، فالطعن في هذه الاحكام لا يوقف التنفيذ ([254]).

و قد أورد المشرع هذا الاستثناء مراعيا في ذلك مصلحة الطفل الفضلى حتى يقع إعادة النظر في الحكم القاضي بالسجن مع العلم أن هذه العقوبة تطبق في الجرائم ذات الصبغة الجنائية ([255]).

كل هذه الاستثناءات الواردة على المبدأ القائم على أن التعقيب يوقف التنفيذ تمثل الأثر الأول لرفع الطعن لكن يحتوي هذا الطعن على أثر ثاني.

المبحث الثاني “الاثر الانتقالي” للطعن بالتعقيب:

إن الطعن بالتعقيب له مفعول انتقالي ([256]) يمكن للمحكمة التعقيب من التعهد بالحكم موضوع الطعن، إن كان هذا الاثر متسعا وشاملا في جانب الاستئناف، فإنه في الطعن بالتعقيب يبدو أقل إتساعا وغير مطلق.

لكن نرى أن محكمة التعقيب على خلاف محكمة الاستئناف يمكن أن تتعهد بموضوع الطعن من جهة (فقرة أولى) وبشخص الطاعن من جهة ثانية (فقرة ثانية).

الفقرة الاولى: تقيد محكمة التعقيب بموضوع الطعن:

إن الطعن بالتعقيب له مفعول انتقالي يمكن محكمة التعقيب من تعهد بالحكم ويكون هذا التعهد إلا على الأجزاء المسلط عليه (أ) مع إمكانية امتداد هذا التعهد(ب).

أ – المبدأ اقتصار التعهد على أجزاء محل الطعن:

لقد اقتضى الفصل 269 م.إ.ج أن محكمة التعقيب تنظر في حدود المطاعن المثارة وهذا ما يجعل محكمة التعقيب مقيّدة بالمطاعن التي يتمسك بها الطاعن. وقد تبنت محكمة التعقيب هذا المبدأ في العديد من قراراتها فجاء في أحدهم ” أن محكمة التعقيب ليست لها قانونا أن تنظر إلا في حدود ما يثار لديها من مطاعن وليس لها أن تثير وتنظر في غير ذلك ومن تلقاء نفسها”.([257]) فالطاعن عدة ما يقوم بتحديد الأجزاء التي يسلط عليها طعنه. وعملا بالمبدأ القائم على أن محكمة التعقيب يقتصر نظرها على الأجزاء المسلط عليها الطعن وبالتالي لا يمكن لها أن تتوسع ويشمل نظرها بقية أجزاء الحكم.

و قد كرّس فقه القضاء الفرنسي هذا الاتجاه، حيث أكدت محكمة التعقيب الفرنسية في قرارلها صادر بتاريخ 30 أكتوبر 1980 أن للطاعن الذي يرفع الطعن أمام محكمة التعقيب أن يوجه طعنه إلى جميع أجزاء الحكم أو يحدد طعنه بوجه أو جزء من أجزاء الحكم، أو القرار المطعون فيه ومحكمة التعقيب في الحالة الاخيرة لا تتعهد إلا بأجزاء أو الأوجه الواردة في الطعن ([258]).

و الاجزاء التي يشملها الطعن تكتسب قوة الشئ المحكوم به وتصبح باتة سواء تعلقت بالاجراءات التي لم يقع تحديدها في الطعن، أو بالأشخاص الذين لم تشملهم عريضة الطعن ([259]).

و بناءا عليه فإن تحديد الطاعن لطعنه في الجانب المدني دون الجانب الجزائي، أو العكس فإن كان الحكم القاضي بالإدانة من أجل عدة جرائم فوجه الطعن إلى الجانب المتعلق ببعض الجرائم دون غيرها فهنا ليس للمحكمة أن تنظر في الجانب من الحكم المتعلق بالدعوى العمومية، أما إذا كان رافع الطاعن هي النيابة العمومية فالمحكمة لا يجوز لها النظر في الجانب المدني ([260]).

و بناءا على ذلك فإن تحديد الطاعن طعنه لمناقشة مسألة معينة في القرار المطعون فيه فإن نظر محكمة التعقيب يقتصر على الأجزاء التي يسلط عليها الطعن، غير أن هذا المبدأ يخضع للاستثناءات يجعل نظر محكمة التعقيب يشمل مطاعن لم يقع إثارتها من قبل الطاعن.

ب –الاستثناء: إمتداد سلطة محكمة التعقيب في التعهد:

يمكن أن يمتد نظر محكمة التعقيب ويشمل بقية أجزاء الحكم أو القرار المطعون فيه ويكون ذلك في حالات معينة.

حالة خرق قواعد النظام العام: لقد اقتضى الفصل 264 م.إ.ج ” على الكاتب أن يحيل ملف القضية على وكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب الذي يتولى بنفسه أو بواسطة أحد المدعين العموميين لدى المحكمة المذكورة تحرير ملحوظاته الكتابية ولا يثير أي مطعن لم يتمسك به الأطراف إلا إذا كان متعلق بالنظام العام.”

كما أوجب الفصل 269 م.إ.ج أن محكمة التعقيب تنظر في حدود المطاعن المثارة ويحب عليها أن تثير من تلقاء نفسها عند الاقتضاء المطاعن المتعلقة بالنظام العام.”

و من خلال هذه النصوص نتبين أن محكمة التعقيب يمكن أن يتجاوز نظرها المطاعن المثارة أمامها من قبل الطاعن ويكون ذلك عندما يتبين لها أن هناك مطاعن تتعلق بالنظام العام، وذلك من تلقاء نفسها.

و قد كرّست محكمة التعقيب هذا الاستثناء في عدّة قرارات، حيث أكدت محكمة التعقيب أنه ” من مشمولات محكمة التعقيب بوصفها محكمة رقابة التأمل في الحكم المعقب لمعرفة ما إن كان به أخطاء في الإجراءات الأساسية أو خرق النصوص القانونية وبإمكانها إثارتها تلقائيا يترتب عليها النتائج القانونية المفترضة ([261])“.

كما جاء في قرار آخر أنه ” ليس للمحكمة أن تثير من تلقاء نفسها أمرا لا يهم النظام العام……”. ([262])” ما يمكن ملاحظته أنه أصبح لمحكمة التعقيب إمكانية أن تثير من تلقاء نفسها ما تضمنه الحكم المطعون فيه من اخلالات بالنظام العام ([263]).

كما يمكن لمحكمة التعقيب أن تثير مطعنا متعلقا ببطلان إجراءات التحقيق إذا خالفت النظام العام ([264]).

حالة عدم تحديد المطاعن: يمتد نظر محكمة التعقيب ليشمل جميع أجزاء الحكم المطعون فيه وذلك عند عدم تحديد الطاعن موضوع طعنه بصفة دقيقة، وقد كرّست محكمة التعقيب ذلك في عدة قرارات ” أن عدم تقديم المعقب مطاعنه في حدود أحكام الفصل 285 م.إ.ج لا يمنع المحكمة من إجراءات الرقابة على حسن تطبيق القانون ([265]).”

كما جاء في قرار آخر ” أن تجرد مطلب التعقيب من الأسباب يتعين معه على محكمة التعقيب النظر في الحكم المطعون فيه هل أنه اشتمل على خلل له ارتباط بالنظام العام، بم يجب على المحكمة إثارته من تلقاء نفسها.” ([266])

حالة الغموض في المطاعن : إن كان لمحكمة التعقيب أن تقبل الطعن غير المحدد لموضوعه.

فمن الأجدر أن يكون الطعن الذي حدد فيه الطاعن الجزء محل الطعن دون إيضاح يكون مقبولا، فتجتهد المحكمة في تفسير الغموض وذلك بإعتبار أن الطعن مستهدفا لكافة أجزاء الحكم المطعون فيه، وأكدت محكمة التعقيب ذلك في عدّة قرارات ([267]).

و قد استقر فقه القضاء التونسي على اعتبار أن محكمة التعقيب يمكنها أن تتعهد بجميع أجزاء الحكم المطعون.

كما ذهبت محكمة التعقيب الفرنسية إلى نفس الإتجاه من خلال امكانية اجتهاد المحكمة في حالة الغموض والإبهام ([268]).

لكن نظر محكمة التعقيب في البت في المطاعن المثارة من طرف طالب الطعن أو تلك التي تثيرها من تلقاء نفسها فإنها تتقيد أيضا بشخص الطاعن ( الفقرة الثانية).

الفقرة الثانية: تقيد محكمة التعقيب بشخص الطاعن:

علاوة على تقيد الأثر الانتقالي لموضوع الطعن فإنه يمكن التحديد من خلال صفة رافع الطعن (أ) من جهة ومصلحة الطاعن (ب) من جهة ثانية.

أ – تقيد المحكمة بصفة الطاعن:

إن صفة رافع الطاعن تضع نظر محكمة التعقيب محمول على جانب معين من القرار المطعون فيه حتى لو لم يحدد الطاعن موضوع طعنه ونجد أطراف مختلفة تقوم برفض الطعن وسنتناولها تباعا:

النيابة العمومية : عندما يرفع الطعن من قبل النيابة فإنه ينحصر في الدعوى العمومية، والأثر الانتقالي هنا يكون الطعن عرضة للرفض إذا كان مسلطا على الجانب المتعلق بحقوق القائم بالحق الشخصي ومصلحته الخاصة ([269])، أو المسؤول المدني.

و تقوم النيابة العمومية من تلقاء نفسها بأن المطعن يكون ماسا بالنظام العام حتى وإن كان هذا المطعن لصالح المحكوم عليه ([270])، بما أن مهامها الدفاع عن مصلحة المجتمع وتسعى إلى تحقيق العدالة الجزائية وحسن تطبيق القانون.

المحكوم عليه: إن طعن المحكوم عليه يمكن أن يوجه إلى كامل الحكم بحيث تتعهد محكمة التعقيب بالدعوى الجزائية المدنية، ويمتد نظر إلى جميع الفروع المطعون فيها، كما يمكن أن يقتصر على إحدى الدعوتين وتكون المحكمة مقيدة بما تسلط عليه الطعن ([271]).

القائم بالحق الشخصي: إن الطعن الذي يرفعه القائم بالحق الشخصي ليس له أثر انتقالي إلا من حيث الجانب المدني فقط، وقد اعتبر فقه القضاء الفرنسي أن القائم بالحق الشخصي له أن يثير جميع المطاعن المتعلقة بالنظام العام ([272]).

المسؤول المدني: إن الطعن المرفوع من قبل المسؤول المدني نجده يشترك مع الطعن القائم من القائم بالحق الشخصي من حيث تعهد محكمة التعقيب على الجانب المدني، لكن الاختلاف يبرز في أن المسؤول المدني أن يثير الطعن في الجانب المتعلقة بالإدانة الجزائية باعتبارها شرط لازم لثبوت مسؤوليته المدنية ([273]).

الإدارات العمومية: لقد خول القانون لهذه الإدارات العمومية حق ممارسة الدعوى العمومية فالأثر الإنتقالي القائم من طرفها ينحصر في تعويضات وغرامات المحكوم بها لفائدتها دون غيرها.

ب- تقيد المحكمة بمصلحة الطاعن:

تتقيد محكمة التعقيب بمصلحة الطاعن التي قد تكون النيابة العمومية أو أطراف خاصة.

*مصلحة النيابة العمومية: تمثل النيابة العمومية مصالح المجتمع وينتج طعنها أثرا انتقاليا عام للدعوى العمومية إذ لم تحدد طعنها وهو ما تبناه فقه القضاء الفرنسي([274]).

* مصلحة الأطراف الخاصة: القاعدة هي أن لا يضار الطاعن بطعنه وقد كرّسها المشرع في مادتي الاستئناف والاعتراض لكن تعرض لها في باب التعقيب بصفة ضمنية، إذ جاء بإحدى القرارات ” إن الطاعن لا يضار بطعنه وتأسيسا على هذة القاعدة لا يكون مقبولا المطعن الذي تثيره وكالة الدولة العامة بالمحكمة بحجة ارتباطها بالنظام العام إذ يترتب عن قبوله تعكير حالة الطعن القانونية مع العلم الإدعاء العمومي لم يطعن في الحكم ([275]).

كما تبنى هذة القاعدة المشرع المصري الذي نص بالمادة 43 من قانون النقض على أنه ” إذا كان نقض الحكم شاملا بناءا على طلب أحد من الخصوم غير النيابة العمومية فلا يضار بطعنه.”

إذا كانت مصلحة رافع الطاعن تقيد محكمة التعقيب فإن هذه الأخيرة تسترجع حريتها في وجه الفصل عندما يرفع الطعن من جميع الأطراف، أما إذا تعارضت مصلحة الطاعن مع المصلحة العامة بحيث تسبق الثانية على الأولى([276]).

إن دراسة جملة الآثار المترتبة على تقديم مطلب التعقيب تجرّنا إلى التعرض إلى سلطة محكمة التعقيب في الطعن وهو موضوع الفصل الثاني لهذا الجزء تحت عنوان آثار القرار التعقيبي.

الفصل الثاني: آثار القرار التعقيبي

يعتبر الفقيه قارو أن محكمة التعقيب لا تتفحص الأفعال بل القانون، ولا الدعوى الحكم المطعون فيه الصادر في الدعوى ([277]). ولذا فعندما تنظر في الطعن قد تقرر رفضه إذا توفرت موجباته أو النقض عندما يكون هذا الأخير يغنى عن إعادة النظر فإنها تنقض بدون إحالة ( المبحث الأول ) أما في صورة قبول الطعن فإنها تقرر إرجاع القضية إلى محاكم الأصل لإعادة النظر فيه مجددا وتكون هناك قرارات إحالة ( المبحث الثاني).

المبحث الأول: قرارات عدم الإحالة:

لا تعتبر محكمة التعقيب درجة ثالثة من درجات التقاضي فهي محكمة قانون، فهي عند تعهدها بالحكم قبل كل شئ تراقب مدى توفر الشروط الشكلية ثم تقرر الرفض أو النقض (فقرة أولى) كما يمكن أن يكون قرار محكمة التعقيب قاضي بالنقض بدون إحالة (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى: قرارات الرفض أو النقض:

قد تقرر محكمة التعقيب عند تفحصها للطعن إحدى القرارين إما أن تقرر عدم قبول الطعن فتقضي برفض المطعن (أ) وأما أن تقبل الطعن وتصدر قرار بالنقض (ب).

قرارات الرفض :
قد تقضي محكمة التعقيب بالرفض شكلا أو أصلا، ويرتب هذا القرار آثار معينة.

أسباب الرفض: تصدر محكمة التعقيب نوعين من الرفض إما أن يكون شكلا أو أصلا.

الرفض شكلا: تقوم محكمة التعقيب بممارسة سلطتها في رقابة الطعن المرفوع إليها من حيث الشكل. فتراقي مدى توفر شكليات مطلب التعقيب من حيث المصلحة ([278]) والأجل أوعدم مراعاة الشروط المتعلقة بتأمين الخطية ([279])، ومن الشروط الشكلية الموجبة للرفض شكلا عند عدم توفرها أو الإخلال بها هي طبيعة الأحكام أو القرار المطعون فيه ([280])، صفة الأطراف المعقبة.

كما تتيقن من صحة الإجراءات في الاستدعاء لتسلم نسخة الحكم أو القرار وحضور المعقب لتسلم النسخة من عدمه وتقديم المستندات وتبليغها في الآجال، وفي صورة ثبوت أي خلل في جميع هذه الشروط فإنها تقضي برفض المطلب شكلا([281]).

و عند قبول الطعن شكلا فإنه ليس من الضروري إصدار قرار خاص بذلك بل تنتقل المحكمة مباشرة إلى دراسة الطعن من حيث الموضوع.

الرفض أصلا: بعد التثبت من الشروط الشكلية تمر محكمة التعقيب إلى التدقيق ومراقبة أصل الطعن. ويمكنها أن ترفض الطعن في هذا المستوى وذلك عندما ينبني الطعن على مطاعن غير وجيهة وغير مؤسسة، إضافة إلى عدم وجود مخالفة للنظام العام أو للإجراءات الأساسية أو لمصلحة المتهم الشرعية، فإن المحكمة تصدر قرارها بالرفض أصلا بعد أن قبلت مطلب التعقيب شكلا([282]).

ويمكن أن نجد عدّة أسباب ينجر عليها رفض الطعن أصلا، إذا جاءت المطاعن المثارة مرتكزة على أسباب واقعية، أو أن تكون الأسباب قانونية ثم يتضح للمحكمة أن الحكم المطعون فيه سليم من الناحية القانونية فتصدر قرار بالرفض([283]). أو عندما يتضح من مراجعة المحكمة للحكم أن الأسباب التي قام عليها الطعن هي من النوع التي لا يمكن إثارتها لأول مرة أمام محكمة التعقيب([284]).

آثار الرفض: إن قرارت محكمة التعقيب القاضية بالرفض شكلا أو أصلا يترتب عليها أثار مختلفة.

فعندما تقرر محكمة التعقيب رفض الطعن شكلا أو أصلا فإنه يقع حجز ومصادرة الخطية المؤمنة عملا بمقتضيات الفصل 263 م.إ.ج. وقد اقتضى القانون المصري أنه تسلط على الطاعن الذي رفض طعنه والمحكوم عليه بعقوبة مقيّدة للحريّة خطية فضلا عن مصادرة الكفالة المؤمنة([285]).

كما نص الفصل 266 م.إ.ج ” من رفض طعنه في حكم ليس له أن يطعن فيه مرة ثانية ولو أن أجل الطعن مازال جاريا أو أن الطعن قد رفض شكلا.”

و على أساس هذا الفصل يصبح الحكم المطعون فيه باتا محرزا على قوة ما اتصل به القضاء إزاء المعنيين بالقرار التعقيبي الصادر بالرفض.

و قد كرّس فقه القضاء هذه القاعدة حيث اعتبر أن الحكم الذي سبق رفض طعنه لا يقبل الطعن فيه مرة ثانية من نفس المطاعن([286]). تصدر محكمة التعقيب قرارات رفض كما تصدر قرارات نقض.

ب – قرارات النقض:

تقضي محكمة التعقيب بقبول مطلب التعقيب شكلا وأصلا ونقض الحكم المطعون فيه من شأنه أن يبطل ويلغي الحكم المطعون فيه، كما له أن يعفي الطان من معلوم الخطية المؤمنة، فإذا كان النقض جزئيا نظرا لقابلية الحكم المطعون. وقد طبق فقه القضاء ذلك في عدة قرارات ([287]).

فعندما يرفع الطعن من قبل النيابة العمومية لفائدة المجتمع من شأنه أن ينقض الحكم بالنسبة لجميع الأطراف المطعون ضدّهم في الدعوى العمومية سواء كان النقض لصالحهم أو ضدهم.

أما المحكوم عليه فيستفيد هو من دون سواه من النقض.

لكن المشرع التونسي وضع قيدا أورده بالفصل 270 م.إ.ج “….ما لم تكن الأوجه التي بني عليها النقض تتصل بغيره ممن شملتهم القضية، وفي هذه الحالة يحكم بالنقض بالنسبة إليهم أيضا ولو لم يقدّموا طعنا”.

هذا الاستثناء الذي جاء به قانون الإجراءات الجزائية تبناه المشرع التونسي عن التشريع المصري من المادة 42 من قانون النقض المصري ([288]).

و قد تصدر محكمة التعقيب قرارات نقض بدون إحالة ( الفقرة الثانية).

الفقرة الثانية: قرارات النقض بدون إحالة:

بالرجوع إلى أحكام الفصل 269 م.إ.ج نتبين أن هناك حالتان تستدعي النقض بدون إحالة وهي حالة النقض اذي لا يترك شيئا يستوجب الحكم ( أ) والحالة الثانية هي النقض بطريق الحذف (ب).

أ – نقض لا يترك ما يستوجب الحكم:

لم يحدد المشرع على وجه الدقة الحالات التي يستوجب فيها النقض لكن بالرجوع إلى الفصل 33 من م.م.ع.ع نجده يتحدث عن هذه الحالات وهي أن يكون الفعل لا يشكل جناية أو جنحة، سقوط الدعوى بالتقادم وأخير بالعفو العام.

و ما نستخلصه من هذا النص هو أن النقض بدون إحالة يكون في صورة عدم وجود جريمة متوفرة الأركان. عند ما تبين لمحكمة التعقيب أن الحكم المطعون فيه غير قائم على أساس قانوني لانتفاء الجريمة فإن المحكمة هنا تقضي بالنقض دون إحالة طالما أن ذلك النقض لم يبقي شيئا ما يستوجب الحكم ([289]). وقد انتقد الأستاذ الفرشيشي الدور الموكول لمحكمة التعقيب، حيث أنها في هذه الحالة تؤدي بها إلى الانغماس في ماديات القضية وتفاصيلها مجتهدة باذلة قصار جهدها لمعرفة الفعل الموجه للمتهم يكون جناية أو جنحة، فلا فلاق إذا بين عملها هذا والدور الموكول بعهدة قضاة الواقع.

فعندما يتبين لها أن أركان الجريمة مفقودة سواء كانت جناية أو جنحة بما في ذلك الركن المادي فإنها تقضي بالنقض بدون إحالة مما يجعلها تنقض أمام الأحكام المنتقدة بمثابة درجة ثالثة للتقاضي، يجعلها تحيد عن وظيفتها التقليدية في مراقبة الأحكام([290]).

يعتبر هذا الرأي وجيها ذلك أن محكمة التعقيب تبقى محكمة قانون تتميز وظيفتها عن مهام محاكم الأصل.

انقضاء الدعوى العمومية: اقتضى الفصل 33 من م.م.ع.ع أن النقض بدون إحالة إذ اعتبرت المحكمة أن الفعل المنسوب للمتهم سقط بمرور الزمن أو بعفو عام، لكن لا شئ يمنع من تطبيق هذه القاعدة على بقية صور انقضاء الدعوى العمومية الواردة بالفصل4 من م.إ.ج.

مرور الزمن: تقضي محكمة التعقيب بالإدانة أو العقوبة، فإنها تقرر النقض بدون إحالة ([291]).

العفو العام: تقضي محكمة التعقيب بالنقض دون إحالة بتسليط العقوبة على المتهم رغم وجود نص قانوني ألغى الجريمة المنسوبة له ([292]).

وفاة المتهم: عند وفاة المتهم تقرر محكمة التعقيب النقض دون إحالة ضرورة أن النقض لم يبق ما يستوجب الحكم، وهذا ما أكدته محكمة التعقيب الفرنسية ([293]).

اتصال القضاء: عندما يقع محاكمة المتهم من أجل فعل واحد مرتين، فإن محكمة التعقيب تقضي بإبطال أحد الأحكام وتنقضه دون إحالة وهذا ما أكده فقه القضاء في عدة قرارات إذ جاء به أنه ” بما أن النقض لانقراض الدعوى العمومية بموجب اتصال القضاء لم يترك ما يستوجب الحكم فيه يتعين حينئذ النقض بدون إحالة ([294]).

الصلح: لقد نص القانون على أن الصلح المبرم بين الإدارات العمومية والمتهم يؤدي إلى انقضاء الدعوى العمومية فإذا واصلت المحكمة النظر رغم ابرام الصلح فإن حكمها يكون عرضة للنقض دون إحالة وطبقت محكمة التعقيب هذا الإجراء في عدة قرارات([295]).

نسخ النص الجزائي: يؤدي نسخ النص الجزائي إلى انقضاء الدعوى العمومية وإذا واصلت محكمة الأصل النظر في القضية على أساس النص المنسوخ فإن الحكم مآله النقض بدون إحالة.

الرجوع في الشكاية: العدول عن الشكاية يوقف التتبعات الجزائية وقد اقتضى الفصل 218 م.ج “أن إسقاط السلف أو الزوج المعتدي عليه حقه يوقف التتبعات أو المحاكمة أو تنفيذ العقاب.” وقد كرّست محكمة التعقيب ذلك في عدّة قرارات ([296]).

إضافة إلى هذه الصور يضيف فقه القضاء سببا جديد للنقض بدون إحالة وهو احتواء الحكم المطعون فيه على خلل إجرائي.

وجود خلل إجرائي: عندما يكون الحكم المطعون فيه مشوبا بعيب إجرائي تقرر محكمة التعقيب النقض بدون إحالة من ذلك مثلا أن تكون عريضة الدعوى الإستئنافية غير محترمة لشروطها الشكلية ([297]).

و بصفة استثنائية يمكن لمحكمة التعقيب أن تقرر النقض بدون إحالة، إذا كان حذف الجزء المنقوض يغني عن إعادة النظر.

ب النقض بطريق الحذف:

لقد اقتضى الفصل 269 م.إ.ج ” النقض يكون بدون إحالة إذا كان الجزء المنقوض يغني عن إعادة النظر.” هذا النوع من النقض لا يكون إلا جزئيا، “فالحكم المعقب يبقى سليما وصحيحا من حيث المبدأ بيّد أن فقرة من فقراته تبطل بسبب خرقها للقانون([298]). ”

يكون النقض ضمنيا عادة عند مباشرة محكمة التعقيب مهمتها في مراقبة حسن تطبيق القانون فتجد نفسها أحيانا مضطرة لاستبدال السند أو الأساس القانوني الذي يقوم عليه الحكم المطعون فيه دون إحالة على محكمة الموضوع([299]).

و النقض الضمني تم الاستناد إليه اعتمادا على الفصل 271 م.إ.ج.

استنادا إلى هذا الفصل فإن عمل محكمة التعقيب يقوم على تصحيح الخطأ الذي وقعت فيه محكمة الموضوع دون إعادة، وعادة تكون الأخطاء واقعة على المستوى القانوني أو خطأ في وصف الفعل ([300]).

و قد يكون النقض صريحا، ولقد كرّست فقه القضاء الجزئي وذلك بإبطال جزء من الحكم دون إحالة كأن يتسلط النقض على الدعوى الخاصة دون الدعوى العمومية.

إن النقض بدون إحالة حالة خاصة واستثنائية، منحت لمحكمة التعقيب وذلك لغاية اختصار الوقت وتسهيل عمل المحكمة، فالمبدأ هو الإحالة على محاكم الأصل (المبحث الثاني).

المبحث الثاني: قرارات الإحالة.

القاعدة أن محكمة التعقيب لا تنظر في أصل الدعوى بل عملها المراجعة والمراقبة للأحكام المطعون فيها من حيث احترامها للقانو ن وقد تحيل القضية على المحكمة عندما يعقب الطاعن وهي محكمة الإحالة ( الفقرة الأولى) فتنظر محكمة التعقيب في الطعن للمرة الثانية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: محكمة الإحالة:

اقتضى الفصل 272 م.إ.ج بتحديد محكمة الإحالة التي ستنظر في القضية مجددا (أ) وأشار الفصل 273 م.إ.ج إلى مشمولات وسلطات هذه المحكمة (ب).

أ- تعيين محكمة الاحالة:

اقتضى الفصل 272 م.إ.ج كيفية تعيين محكمة الإحالة حيث أن تعيينها يخضع لعدّة شروط ينبغي أن تقع الإحالة على المحكمة التي أصدرت الحكم المعقب وإن كان هذا الأخير صادر عن الدائرة الجنائية فلا بد أن تكون محكمة الإحالة هي نفس الدائرة.

أما عند صدور الحكم عن محكمة الاستئناف أو الناحية فينبغي أن تكون الإحالة على ذلك تلك المحكمة.

أما المشرع الفرنسي فقد إختار عكس ذلك حيث جعل المبدأ هو إحالة القضية على محكمة أخرى غير تلك المصدرة للحكم بشرط التساوي في الدرجة الطبيعية مما يضمن أكثر حياد المحكمة ([301]).

لكن المشرع اشترط في الفصل 272 م.إ.ج أن تعيد محكمة الإحالة النظر في القضية” بواسطة حكام لم يسبق لهم الحكم في القضية.” يعني يقع تعويض الهيئة المصدرة للحكم المعقب بهيئة جديدة من نفس المحكمة لم يسبق لها النظر في القضية ([302]).

كما منح الفصل 272م.إ.ج لمحكمة التعقيب إحالة القضية على محكمة أخرى غير التي أصدرت الحكم المطعون فيه، بشرط أن تكون هذه المحكمة متساوية في الدرجة مع الحكمة الأولى.

نجد الفصل 294 م.إ.ج ينص على الحالات التي تقرر فيها محكمة التعقيب إحالة القضية على محكمة أخرى وكرّس فقه القضاء هذا الاستثناء في عدة قرارات ([303]).

إذا كانت محكمة الاحالة هي المصدرة للحكم أم لا، فلا ينبغي لها الحياد عن مهامها.

ب – سلطات محكمة الاحالة:

عملا بأحكام الفصل 273 م.إ.ج في فقرته الأولى نجد أن محكمة الإحالة تنقل لها القضية لتعيد النظر فيها مجددا إذ يلغي القرار المطعون فيه بالتعقيب وتعيد محكمة الإحالة النظر في الملف لتحديد موقفها منه.

لكن سلطتها عند التعهد بالقضية غير مطلقة بل تبقى مقيّدة بالنظر فيما تسلط عليه النقض ولا يجوز لها الامتداد في النظر وإلا يكون حكمها عرضة للنقض وقد أكد فقه القضاء ذلك في عدّة قرارات([304]).

لقد أكدت محكمة التعقيب في قرار لها أن محكمة الإحالة يمكنها استرجاع سلطتها في النظر في القضية إذ كان النقض مسلطا على الحكم المطعون فيه برمته،فتتعهد من جديد بالدعوتين المدنية والجزائية.

كما يمكنها أن تتعهد بالبحث في مدى توفر أركان الجريمة أن يطبق القانون الأرفق بالمتهم.

إذا كانت هذه السلطة الممنوحة لمحكمة الإحالة بصفة عامة، فإن درجة هذه المحكمة ترتب تطبيق قواعد خاصة بتلك الدرجة.

فعندما تصدر محكمة الإحالة أحكام ابتدائية نهائية الدرجة كأحكام المحكمة فإن سلطتها تكون مطلقة في تحديد موقفها.

أما عندما تصدر محكمة الإحالة أحكام بصفتها درجة ثانية فنجد الحالتين.

إذا كان الحكم الابتدائي مستأنفا من قبل النيابة العمومية فإن محكمة الإحالة تحافظ على حريتها دون التقيد بمصلحة الطاعن وعلى ذلك الأساس يمكن أن تعكر وضع الطاعن حتى وإن لم تكن النيابة العمومية طرفا في الطعن بالتعقيب.

و عندما يكون الطعن بالاستئناف موضوعا من قبل المحكوم عليه دون النيابة العمومية فإن محكمة الإحالة تكون مقيّدة بمبدأ لا يضار الطاعن بطعنه ([305]).

لئن كان الحكم الصادر عن محكمة الإحالة هو حكم كغيره الأحكام، فإنه يمكن أن يكون عرضة للطعن.

الفقرة الثانية: الطعن للمرة الثانية:

اقتضت الفقرة الثانية من الفصل 273 من م.إ.ج أن الطعن للمرة الثانية يكون من أنظار تعهد الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب(أ) ثم محكمة الإحالة الثانية (ب).

أ-تعهد الدوائر المجتمعة:

اقتضى الفصل 273 م.إ.ج فقرة ثانية أن تعهد الدوائر المجتمعة يكون وفق شروط ويترتب هذا التعهد آثار.

فالشرط الأول يكون بإصرار محكمة الإحالة على مخالفة رأي محكمة التعقيب، ويفهم من ذلك أنه لو لم تخالف محكمة الإحالة رأي محكمة التعقيب لما اجتمعت الدوائر المجتمعة ([306]).

كما اشترط الفصل 273 م.إ.ج أن يكون الطعن الثاني مستندا على نفس المطاعن التي انبنى عليها الطعن الأول وفي صورة اختلاف الأسباب فإن الطعن يكون من أنظار محكمة التعقيب.

و قد اعتبر فقه القضاء أن المطاعن التي تقتضي التئام الدوائر المجتمعة هي التي تسلط فيها النقض مع الإحالة على مخالفة قواعد قانونية أو الإخلال بقاعدة تهم النظام العام ([307]).

و أما الآثار التي تنجر عن تعهد الدوائر المجتمعة إما تأييد موقف محكمة الإحالة فترفض الطعن الثاني أصلا، وإما بنقض الحكم الصادر عن محكمة الإحالة إذا تبين للدوائر المجتمعة أن موقف محكمة هو الأنجع فتحيل القضية ثانية على محكمة إحالة ثانية.

ب –محكمة الإحالة الثانية:

عملا بالفقرة الثانية من الفصل 273 م.إ.ج نجده يقضي أن قرار الدوائر المجتمعة يكون واجب الإتباع من طرف محكمة الإحالة الثانية، مما يجعل سلطتها في تقدير الحكم المستوجب للفصل محدودة وهذا ما أكدته الدوائر المجتمعة ([308]).

لكن محكمة الإحالة الثانية تسترجع حريتها في النظر في الدفوعات التي لم تبد الدوائر المجتمعة رأيها فيها.

و قد اعتبر أحد الفقهاء الفرنسيين أنه باستثناء المسائل القانونية التي حسمتها الدوائر المجتمعة، تكون لمحكمة الإحالة الثانية نفس صلاحيات محكمة الإحالة الأولى ([309]).

لكن الإشكال يكمن في مدى إمكانية تعهد الدوائر المجتمعة لإصلاح الخطأ البيّن الوارد في قرار صادر عن الدوائر التعقيبية ([310]).

بالرجوع إلى الفصل 192 م.م.م.ت نجده يكرّس إمكانية تعهّد المجتمعة عند وجود خطأ بيّن في قرار تعقيبي.

عملا بأحكام الفصلان 273 و275 م.إ.ج اللذان حددا حلات تعهّد الدوائر المجتمعة بصفة حصرّية فإن هاته الأخيرة لا يمكن أن تتعهّد في وجود خطأ بيّن ذلك لأن اختصاصها لا يكون إلا في صورة الخلاف القائم بين محكمة التعقيب ومحكمة الإحالة، أو عندما يكون هناك ما يدعو لتوحيد الآراء القانونية بين مختلف الدوائر.

لكن اعتبر إبراهيم العسكري أنه يمكن إصلاح الخطأ البيّن في القضاء المدني وذلك عند توفر شروطه ونفس الشأن بالنسبة للقضاء الجزائي ([311]).

خلاصة الجزء الثاني:

تعتبر محكمة التعقيب محكمة قانون تتميّز عن غيرها من المحاكم من خلال سلطتها في المراجعة والمراقبة على حسن تطبيق القانون، فاختصاصها محدود مقارنة مع سلطة الاستئناف أو المحكمة الابتدائية، فهي لا تبت في الموضوع بل تعيد القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم للنظر فيه مجددا واقعا وقانونا دون أن تكون مقيّدة برأي محكمة التعقيب إلا في صورة صدور قرار عنها بدوائرها المجتمعة لحسم الخلاف بين محكمة التعقيب ومحكاكم الأصل في حالة رفع طعن ثان لنفس أسباب الطعن الأوّل.

إن هذه المهام التي تتمتع بها محكمة التعقيب هي من الوظائف الأساسية والهدف منها تحقيق عدالة سليمة وضمان حقوق وحرّيات المجتمع وفق إجراءات قانونية منظمة.

الخـاتمــة

إن التنقيح المدّخل على مادّة الطعن الغير العادي في القرار الجزائي بمقتضى قانون عدد 75 لسنة 2008 المؤرخ في 11 ديسمبر 2008 والمتعلق بالإجراءات الجزائية في مرحلة التعقيب.

ولا يخفى ما لهذا التنقيح من أهميّة، إذ ساهم في تعزيز حقوق المضنون فيه ومركزه في الخصومة الجزائية، مما جعل تشريع الإجراءات الجزائية التونسي في مقدّمة التشاريع الإجرائية.

و قد سعى المشرّع عند تنظيمه وتعديل بعض فصول مجلة الإجراءات الجزائية للتقاضي على درجتين في المادّة الجنائية فقد شمل هذا التنقيح الفصل 261م.إ.ج وأضاف له فقرتان ثالثة ورابعة لبيّان مدى إلزام كاتب المحكمة التي أصدرت الحكم باستدعاء المعقب لتسلم نسخة من الحكم أو القرار المطعون فيه، وجعل لهذا الإجراء آثار هامّة.

فعلى كاتب المحكمة التي الحكم المطعون فيه استدعاء الطاعن أو محاميه حسب الحالة بالطريقة الإدارية وتسليمه نسخة من الحكم المطعون فيه مقابل وصل يتضمن تاريخ التسليم يضيفه إلى ملف القضية.

ثمّ إن آجال ممارسة الطعن بالتعقيب تبقى محل انتقاد سواء على مستوى مدّة أجل الطعن أو تاريخ انطلاق احتسابه. فالأجل هنا هو عشرة أيّام، وهو أجل قصير نسبيا مقارنة مع أجل الطعن بالتعقيب في المادّة المدنية الذي يقدّر بعشرون يوما خاصّة وأن يوم بدايّة العدّ لا يكون معدودا منه، ومن المثير للانتباه أن أجل الطعن بالتعقيب يزداد عندما يكون الحكم المطعون فيه قاضيا بالإعدام، إذ نجده لا يتجاوز خمسة أيّام.

و تبريّر المشرّع في التقليص في هذه الآجال هو عدم تطويل نشر القضايا الجزائية والسعي للفصل فيها في أقرب أجل ممكن.

لكن هذا التبرير غير كاف ولا يتماشى مع مصلحة المتهم في أ يقع الفصل في الجريمة المنسوبة إليه في وقت قصير، لذا يكون من الضروري الترفيع في مدّة احتساب أجل الطعن بالتعقيب في المادّة الجزائية وجعل الأحكام القاضية بالإعدام خاضعة لنفس مدّة أجل الطعن في بقية الأحكام الجزائية.

أما على مستوى الإجراءات عند تقديم مطلب التعقيب فقد أضاف المشرع فقرة خامسة من الفصل 261 م.إ.ج اقتضت أنه في صورة عدم حضور الطاعن أو محاميه لتسلم نسخة الحكم المطعون فيه في أجل شهر من تاريخ استدعائه بأية وسيلة تترك أثرا كتابيا وإذ تخلف عن تقديم مستندات التعقيب سقط طعنه.

كما أضاف هذا التنقيح الفصل 263 م.إ.ج الذي استثنى النيابة العمومية وألزم محامي الطاعن أن يقدم إلى كتابة المحكمة في أجل أقصاه ثلاثون يوما من تاريخ تسلمه نسخة من الحكم المطعون فيه من كتابة المحكمة التي أصدرته مذكرة في أسباب الطعن تبين الاخلالات المنسوبة للحكم المطعون فيه ونسخة من محضر إبلاغ مذكرة الطعن بواسطة عدل منفذ إلى المعقب ضدّهم، وعند تخلف المعقب عن تقديم المستندات في الأجل يكون الطعن عرضة للسقوط.

أما على مستوى حالات الطعن الممكنة في الأحكام والقرارات االجزائية والأشخاص المخوّل لهم حق ممارسته، يلاحظ أن الفصل 258 م.إ.ج مثلا لم يتعرض لحالة الطعن بالتعقيب المؤسس على الخطأ البيّن، رغم تنصيص مجلة المرافعات المدنية على ذلك.

كما ضبط نفس الفصل قائمة حصرية للأشخاص المخوّل حق ممارسة الطعن بالتعقيب، ولم يضم لهذه القائمة الإدارات العمومية. وفي التطبيق استقر فقه القضاء على قبول الطعن بالتعقيب المرفوع من قبل هذه الإدارات.

أما على مستوى طبيعة الأحكام الخاصة بآثار ممارسة الطعن بالتعقيب في المادّة الجزائية فقد اقتضى الفصل 258 م.إ.ج أن تكون نهائية الدرجة وصادرة في الأصل.

و أخيرا نلاحظ على مستوى تأمين الخطية الواردة بالفصل 263 م.لإ.ج فمن المتعين أن يقع إلغائها كما فعل المشرع الفرنسي في التوسيع في دائرة الإعفاء.

إن دراسة إجراءات التعقيب الجزائي جعلتنا نتعرض إلى مجمل الأحكام والقواعد القانونية المتعلقة بالطعن بالتعقيب الجزائي، لكن ما يمكن ملاحظته في خصوص الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب، فمن الواجب أن يقع إعادة تنظيمها وتطويرها في مهامها بأن تكون أكثر شمولية عند تعهدّها.

1– حسين بن فلاح. الإجراءات الجزائية المعهد الأعلى للقضاء[1]

[2] – حاتم البرهومي: الطعن بالتعقيب في المحاكم الجزائية، مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في الحقوق علوم جنائية، كيفية كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس. 1997

[3] – الدكتور علي كحلون: دروس في الإجراءات الجزائية – تونس 2009 ص 353

[4] – أحمد فتحي سرور، أصول الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة 1969، ص 786

[5] – عبد الوهاب حومد، أصول المحاكمات الجزائية نظريا و عمليا، مطبعة الجامعة السورية، الطبعة الثالثة، دمشق، 1957، ص 667.

[6] – المنصف بن المختار الزين: اعتراض المتهم على الحكم الغيابي – مذكرة للحصول على شهادة الدراسات المعمقة – كلية الحقوق – تونس 1981.

[7] -Soyer (j). Manuel de droit pénale et procédure pénale.L.G.D.J.Paris 403

[8] – الأستاذ نورالدين الغزواني. الجديد في وظائف محكمة التعقيب. محاضرة منشورة بمجموعة لقاءات الحقوقيين. العدد الثاني. التعقيب. أعمال ملتقى من 4 إلى 7 أفريل 1988، تونس 1989

[9] – Ben Aammou Nadhir: , le pouvoir de contrôle de la cour de cassation , thèse , Tunis 1996. p 2.

– جاء بالمادة 45 من قانون النقض أنه: ” انعدام ثانية في الحكم الصادر من المحكمة المحالة إليها الدعوى تحكم محكمة النقض في الموضوع و في هذه الحالة تتبع الإجراءات المقررة في المحاكمة على الجريمة التي وقعت ”

[10] – الأستاذ نور الدين الغزواني: المرجع السابق، ص 23.

[11] – قرار تعقيبي جزائي عدد 190 مؤرخ في 11 جوان 1925، م.ق.ت، 1963 ص 323.

[12] – Bouraoui (s) et Mchri (f) la cour de cassation en Tunisie page 30 RTD 1987 , page 299.

[13] – Garraud (R) , precis de droit criminel , la rose , éditeur , paris , 195 page 757.

[14] – Garraud (R) : traite théorique et pratique d’instruction criminelle et procédure pénale. Larme paris 1928 page 282.

– Merle et vitu op. cit , p 834

[15] – حاتم البرهومي: الطعن بالتعقيب في الأحكام الجزائية. مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في الحقوق. كلية الحقوق بتونس. 1997 ص 5.

[16] – الفصل 120 م إ ج ينص على أن ” يقع الإعلام بقرارات دائرة الاتهام طبق أحكام الفصل 109. ويمكن الطعن فيها بالتعقيب حسب الشروط المقررة للفصول 258 و ما بعدها من هذا القانون.

[17] – انظر الفصلان 269 و 260 م إ ج.

[18] – قرار تعقيبي جنائي عدد3899 مؤرخ في 24 مارس 1965 ن م ت ق ج 1966 ص 90.

[19] – حاتم البرهومي: الطعن بالتعقيب في الأحكام الجزائية، مذكرة نيل شهادة الدراسات المعمقة في الحقوق، كلية الحقوق بتونس، 1997، ص 7

[20] – Zine (M). cours de procédure publié 1978-1979

[21] – في رسالة عمر بن الخطاب إلى موسى الأشعري “…لا يمنعك قضاء قضيتك بالأمس لا يبطله شيء و الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل “.

[22] – حسين السالمي، تطور التقاضي على درجتين، ص 18 و 19، أعمال ملتقى الإستئناف كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس من 18 إلى 20 ماي 1989، تونس 93، ص 15.

[23]– حسين السالمي، التعقيب ووحدة القضاء، أعمال ملتقى التعقيب، كلية الحقوق و العلوم السياسية، تونس، من 4 إلى 7 أفريل 1988، تونس 1989، ص 82.

[24] – Merle et vitu op. cit. page 834

[25] – الفقرة الثانية من الفصل 176 م م م ت و الفصل 191 المتعلق بالفصل في الموضوع من قبل الدوائر المجتمعة.

[26] – نورالدين الغزواني، الجديد في وظائف محكمة التعقيب أعمال ملتقى التعقيب كلية الحقوق و العلوم السياسية، تونس 1989. ص 21.

[27] – Ben Ammou Nadhir , le pouvoir de contrôle de la cour de cassation thèse , Tunis 1996. page 7

[28] – الدكتور علي كحلون، دروس في الإجراءات الجزائية تونس 2009. ص 367

[29] – R. Garrand. traite théorique et pratique d’instruction criminelle et procédure pénale. 1928 Tome 5. page 293

-قرار تعقيبي جزائي عدد 6626 في 12 مارس 1969، ن.م.ت.ت.ج 169 ص 119

[30] – قرار تعقيبي عدد 1585 مؤرخ في 17 أفريل 1936 م.ق.ت عدد 3 ص 196 ص 175

[31] – الفصل 301 م إ ج ينص” القرار الصاد ر بشأن التجريح لا يقبل الطعن بأية وسيلة من الوسائل…”

[32] – الدكتور علي كحلون، دروس في الإجراءات الجزائية تونس 2009، ص 361

[33] – قرار تعقيبي جزائي عدد 14582 مؤرخ في 23 جوان 1987، ق م ت، سنة 1988، ص 19 المبدأ ص إن الأحكام والقرارات التي مازالت قابلة للطعن بإحدى الطرق الاعتيادية مثل اٌستئناف والاعتراض، القيام في شأنها بطلب التعقيب من جانب أي طرف”.

[34]– هذا المبدأ العام جاء في الأمر الفرنسي عدد 1738 المتعلق بالإجراءات أمام مجلس الملك والذي ينص « La voie de la cassation n’est ouverte que lorsque toutes les autres sont fermées”.

[35]– نص الفصل 68 من الدستور على إحداث المحكمة العليا. فجاء قانون عدد 10 لسنة 1970 المؤرخ في 1افريا 1970 ناصا في الفصل الثاني عشر على انه “لا تقبل قرارات المحكمة العليا للطعن بالاستئناف و لا بالتعقيب”.

[36]– الفصل 127 م إج.

[37]– الفصل 128 م إج.

[38]– قرار تعقيبي جزائي عدد 16953 مؤرخ في 15 جانفي 1987، ن.م.ت.ق.ج 1987، ص 16

[39] – قرار جنائي عدد 1125 مؤرخ في 14 نوفمبر 1957، م.ق.ت، ماي 1963، ص 439

[40] – الفصل 29 م.م.ع. ينص على ” أن تطعن في القرارات الصادرة عن دائرة الإتهام و الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية لدى محكمة التعقيب على أن يعوض أحد مستشاريها بضابط من رتبة سامية يعينه وزير الدفاع الوطني لمدة عام “.

[41]– الفصل 123 م.إ.ج

[42]– محمود محمود مصطفى شرح قانون الإجراءات الجنائية ن الطبعة الحادي عشر القاهرة 1988.

[43]– عبد الرحيم صدفي، قانون الإجراءات الجنائية طرق الطعن في الأحكام، دار النهضة العربية، القاهرة ص 101

[44] – الفصل 207 فقرة ثانية م. إ.ج

[45] – الفصل 124 فقرة ثانية م. إ.ج

[46] – الفصل 83 من م. إ.ج

[47] – الفصل 103 فقرة ثانية م. إ.ج.

[48] – الفص 123 م.إ.ج

[49] – قرار تعقيبي عدد 12505 مؤرخ في 29 ديسمبر 1986 ن.م.ت.ق.ج عدد 1 س 86 ص 100

[50] – الفصل 124 م.إ.ج.

[51] – يلاحظ أن القانون السوري في قانون أصول المحاكمات الجزائية كان الطعن بالتعقيب في الأحكام الصادرة بالدرجة الإبتدائية عند تفويت أجل الإستئناف دون الطعن فيها و كانت على هذه الصورة تصبح نهائية و لكن المشرع السوري عدل عن ذلك بعد صدور المرسومين الأول عدد 99 لسنة 1691 و الثاني عدد 161 لسنة 1962.

[52] – قرار تعقيبي عدد 9552 بتاريخ 2 جانفي 1974، ن.م.ت.ق.ج عدد 1 لسنة 1974 ص 38.

[53] – قرار تعقيبي عدد 36553 بتاريخ 20 أفريل 1993، ن.م.ت.ق.ج سنة 1993 ص 3.

[54] – محمد صبحي نجم – الوجيز في قانون المحاكمات الجزائية الجامعة الأردنية س 2006 ص 499.

[55] – قرار تعقيبي جزائي عدد 11201 مؤرخ في 22 أكتوبر 1986 ن.م.ت سنة 1987 ص 34 عدد1.

[56] – عبد الله الهلالي، مقال تعقيب الأحكام الغيابية، م.ق.ت جانفي 1988 ص 23.

[57] – قرار تعقيبي جزائي عدد 6939 مؤرخ في 14 أفريل 1975 ن.م.ت.ق.ج سنة 1975 ص 154.

[58] – حاتم البرهومي، الطعن بالتعقيب في الأحكام الجزائية مذكرة نيل شهادة الدراسات المعمقة في الحقوق سنة 1997 ص 23.

[59] – يزيد الرياحي تعقيب وكيل الدولة العام في المادة الجزائية رسالة نيل شهادة ختم الدروس المعهد الأعلى للقضاء سنة 2004 ص 62.

[60] – قرار تعقيبي جزائي عدد 10939 مؤرخ في 18 ديسمبر 1974، ن.م.ت.ق.ج سنة 75 من 186.

[61] – المنصف بن مختار الزين، اعتراض المتهم، ص 151.

[62] – حاتم البرهومي، مرجع سابق ص 25.

[63] – المادة 338 قانون أصول المحاكمات الجزائية ق لا يقبل الطعن بطريق النقض ما دام الحكم فيه بطريق الإعتراض جائزا “.

[64] – حسن الجوندار، شرح أصول المحاكمات الجزائية مكتبة دار الثقافة للنشر و التوزيع، عمان 1992، ص 175.

[65] – قرار تعقيبي جزائي عدد 1585 مؤرخ في 17 أفريل 19387 ن.م.ت 1963 ص 175.

[66] – قرار جنائي عدد 393 مؤرخ في 17 ديسمبر 1928 م.ق.ت 1963 ص 40.

[67] – قرار جنائي عدد 2988 مؤرخ في 19 أفريل 1950، م.ق.ت 1963، ص 232.

[68] – جوندوبلار مختصر في شرح قانون المرافعات الجنائية التونسي، الطبعة السريعة ص 673.

[69] – قرار تعقيبي عدد 5256 مؤرخ في 19 أفريل 1967 م.ق.ت.جانفي 1968 ص 51.

[70] – قرار تعقيبي جزائي عدد 33393 مؤرخ في 15 أكتوبر 1991 ن.م.ت 1991 ص 41.

[71] – حاتم البرهومي مرجع سابق ص 29.

[72] – Crim , 6 jouillet 1966 B.N° 191

[73] – Crim. 23 janvier 1973.B.n° 28

[74] – Bore.op.cit.page 65

[75] – الفصل 143 م.إ.ج الفقرة الأخيرة.

[76] – الفصل 157 م.إ.ج.

[77] – حاتم البرهومي، مرجع سابق ص 29.

[78] – قرار تعقيبي عدد 1585 مؤرخ في 7 أفريل 1963 م.ق.ت عدد3 س 1963 ص 175.

[79] – حسن الجوندار، مرجع سابق ص 629 و630.

[80] – حاتم البرهومي، مرجع سابق ص 30.

[81] – حسن الجوخدار، مرجع سابق ص 629 و630.

[82] – قرار تعقيبي عدد 5256 مؤرخ في 19 أفريل 1967 م.ق.ت جانفي 1968 ص 51.

[83] – قرار تعقيبي جزائي عدد 5253 مؤرخ في 21 جوان 1966 م.ق.ت 1986.

[84] – D. jellouli A. les corditions préalables à l’introduction du pouvoir en cassation mémoire pour le D.E.S de science criminelle. 1975- 1976 page 69.

[85] – قرار تعقيبي جزائي عدد 141 مؤرخ في 13/ نوفمبر 1957 غير منشور.

[86] – قرار تعقيبي جزائي عدد 3610 مؤرخ في 31 ديسمبر 1979 ن.م.ت.ق.ج.س 1979 ص 103.

[87] – قرار تعقيبي جزائي عدد 10841 مؤرخ في 13 جويلية 1974 ن.م.ت.ق.ج 1974 ص103.

[88] – قرار تعقيبي جزائي عدد 56018 مؤرخ في 10 أكتوبر 1994 ن.م.ت.ق.ج 94 ص75.

[89] – سلوى التباسي ،الطعون في الأحكام و القرارات الجزائية، رسالة لنيل شهادة ختم الدروس بالمعهد الأعلى للقضاء ص 48.

[90] – قرار تعقيبي جزائي عدد 26613مؤرخ في 6 مارس 1990 ن.م.ت.ق.ج س 90 ص 61.

[91] – قرار تعقيبي جزائي عدد 15824 مؤرخ في 26 جانفي 1988 ن.م.ت.ق.ج عدد1 سنة 1988.

[92] – Crim.24 mai 1960.B n°277

[93] – Crim.10 janvier 1946 B n° 7

[94] – قرار تعقيبي جزائي عدد 4842 مؤرخ في 22 مارس 1967 ن.م.ت.ق.ج سنة 19688 ص 106.

[95] – Crim.30 octobre 1946.Bn° 192

[96] – الفصل 276 م.إ.ج.

[97] – سلوى التباسي، مرجع سابق ص 50.

[98] – قرار تعقيبي جزائي عدد 717 مؤرخ في 6 جويلية 1961 ن.م.ت.ق.ج سنة 1962 ص 564.

[99] – قرار تعقيبي جزائي عدد 9137 مؤرخ في 7 فيفري 1973 ن.م.ت.ق.ج سنة 1974 ص 398.

[100] – قرار تعقيبي جزائي عدد 3533 مؤرخ في 14 ماي 1965 ن.م.ت.ق.ج سنة 1965 ص 678.

[101] – Faustin Helie pratique criminelle.code d’instruction criminelle page 280

[102] – Contribution indirects – crim. 11 mars 1886

– Crim. 24 janvier 1929

[103] – الأستاذ محمد الهادي الأخوة، تعقيب القائم بالحق الشخصي حق أم مجرد إمكانية أعمال ملتقى التعقيب، كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس من 4 إلى 7 أفريل 1988 تونس 1989، ص 400.

[104] – قرار تعقيبي جزائي عدد 15824 مؤرخ في 26 جانفي 1988 ن.م.ت عدد 1 س 1988 ص30.

[105] – قرار تعقيبي جزائي عدد 9386 مؤرخ في 30 جانفي 1974 ن.م.ت عدد 1 س 1974 ص 162.

[106] – الأستاذ محمد الهادي الأخوة، المرجع السابق، ص 405

[107] – قرار تعقيبي جزائي عدد 6791 مؤرخ في 9 جويلية 1969 ن.م.ت عدد 69 ص189.

[108] – قرار تعقيبي جزائي عدد 31206 مؤرخ في 22 ماي 1969 ن.م.ت.ق.ج سنة 1991، ص 101. ص189.

[109] – قرار تعقيبي جزائي عدد 8754 مؤرخ في 19 فيفري 1973 .م.ت.ق. سنة 1975 ص 237.

[110] – قرار تعقيبي جزائي عدد 97562 مؤرخ في 23 جانفي 1998، أنظر ملاحق.

[111] – Crim. 30 octobre et 15 novembre 1973.B391

[112] – Crim. 25 juin 1913 B. n° 296

[113] – Crim. 25octobre 1960 n° 472

[114] – المنصف بن المختار الزين مقال بعنوان هل ترضى النيابة العامة بالحكم و تحرر من الطعن ” سنة 1996، 155.

[115] – قرار تعقيبي جزائي عدد 388 مؤرخ في 18 ماي 1966 .م.ت.ق. سنة 1966 ص 493.

[116] – قرار تعقيبي جزائي عدد 11169 مؤرخ في 11 جوان 1986 .م.ت.ق. عدد1 سنة 1987 ص 119.

[117] – قرار تعقيبي جزائي عدد 5578 مؤرخ في 14 فيفري 1968 .م.ت.ق. سنة 1981 ص 137.

[118] – سلوى التباسي، الطعون في الأحكام و القرارات الجزائية رسالة لنيل شهادة ختم الدروس بالمهعد الأعلى للقضاء ص 53.

[119] – الأستاذ محمد الهادي الأخوة المرجع السابق ص 404.

[120] – الأستاذ محمد الهادي الأخوة المرجع السابق ص 403.

[121] – قرار تعقيبي جزائي عدد 1942 مؤرخ في 11 ماي 1978 .م.ت.ق. سنة 1978 ص21.

[122] – الأستاذ محمد الهادي الأخوة المرجع السابق ص 405.

[123] – قرار تعقيبي جزائي عدد 97562 مؤرخ في 23 جوان 1998 .غير منشور.

[124] – Faustin Helie d. 1875.i227 page 282

[125] – Faustin Helie d. 1875.i227 page 282

[126] – Crim. 6 decembre 1929 B. n° 274

[127] – Crim. 29 janvier 1948 B. n° 32

[128] – Crim. 29 janvier 1948 B. n° 32

[129] – Ali Jallouli op. cit. page 25

[130] – قرار تعقيبي جزائي عدد 6791 مؤرخ في 9 جويلية 1969 .م.ت.ق. عدد 69 ص189.

[131] – قرار تعقيبي عدد 98096 مؤرخ في 23 جوان 1998 غير منشور.

[132] – قرار تعقيبي جزائي عدد 28510 مؤرخ في جانفي 2009 (غير منشور ).

[133] – الفصل 195/ م.م.م.ت.

[134] – art 568 « le ministère public et les parties ont cinq jours francs après celui ou la décision attaquée a été prononcée pour se pouvoir en cassation.

[135] – الفصل 702 من م.إ.ج الفرنسية.

[136] – الفصل 276 م.إ.ج.

[137] – الفصل 258 م.إ.ج

1-قرار تعقيبي جزائي عدد 5388 مؤرخ في 29 جانفي 1966، ن.م.ت، ص 127.

[139]- الدكتور علي كحلون،مرجع سابق،354.
[140] – يزيد الرياحي تعقيب وكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب، رسالة لنيل شهادة ختم الدروس يالمعهد الأعلى للقضاء، سنة 2003، ص 70.

[141] – قرار تعقيبي جزائي عدد 6041 مؤرخ في 16 أكتوبر 1966،م.ق.ت، سنة 1969، ص 299.

[142]– الفصل 801 من م.إ.ج الفرنسية.

« Le délai qui expirerait normalement un samedi ou un dimanche ou un jour férié ou chôme est prorogé jusqu’au premier jour ouvrable suivant. »

[143]– قرار تعقيبي جزائي عدد 8245 مؤرخ في 23 جانفي 1974، ن.م.ت،عدد 1 ص 300.

[144]– قرار تعقيبي جزائي عدد 1253 مؤرخ في12 أكتوبر 1961،.م.ق.ت 1962.

[145]– crim 28 mars 1977 Bull,n°113

[146]- قرار تعقيبي جزائي عدد 9236 مؤرخ في12 ديسمبر 1973، ن.م.ت، 1974، ص 193.

[147]- crim 4 janvier 1963 Bull,n°2.

[148]- crim 8 juillet 1864 Bull,n°182.

[149]- Jacques Boré, op, cit, P 165.

[150]- فصل 578 م.إ.ج الفرنسية.

[151]- قرار تعقيبي عدد 35674 مؤرخ في16 ماي 2009 ( غير منشور).

[152]- مصطفى الصخري، طرق الطعن في الأحكام الجزائية، ص184.

[153]- الفصل 261 م.أ.ج فقرة ثانية.

[154]- قرار تعقيبي جزائي عدد 23923 مؤرخ في 11 جانفي 1988 ن.م.ت.ق.ج، 1988 ص 31.

[155]- قرار تعقيبي جزائي عدد 21748 مؤرخ في 23 جانفي1989

[156]- الدكتور علي كحلون، مرجع سابق.

[157]- سلوى التباسي، مرجع سابق، ص 104.

[158]- قرار تعقيبي جزائي عدد 7321 مؤرخ في 19 ماي 1971، ن.م.ت، سنة 1972، ص 161.

[159]- قرار تعقيبي جزائي عدد 1897 مؤرخ في 27أكتوبر 1967، ص 132.

[160]- قرار تعقيبي جزائي عدد 8492 مؤرخ في 15 جانفي 1974، ن.م.ت، 1975 ج 1 ص 18.

[161]- crim, 6 mai 1980, Bull, n°137.

[162]- حاتم البرهومي، مرجع سابق، ص 93.

[163]- المنصف بالزين، اعتراض المتهم، ص 150.

[164]- قرار تعقيبي جزائي عدد 9953 مؤرخ في 21 ماي1975، ن.م.ت،عدد1 / 1975.

[165]- « LA déclaration de pouvoir est faire oralement devant le greffier par le demandeur ou par l’avoué ou le mondataire spéciale qui le représente » Jacques Boré, Pourvoi en cassation, p15

[166]- الفصل 211 م.إ.ج.

[167]- الدكتور علي كحلون، مرجع سابق، ص 364.

[168]- الفصل 261 م.إ.ج أضيفت الفقرة الرابعة بموجب القانون عدد 75 لسنة 2008 المؤرخ في 11 ديسمبر 2008.

[169]- الفصل 261 م.إ.ج الفقرة الخامسة أضيفت بموجب قانون 75 لسنة 2008 الصادر في 11 ديسمبر 2008.

[170]- الدكتور علي كحلون، مرجع سابق، ص366.

[171]- الفصل 263 م.إ.ج مكرر بموجب قانون 26 لسنة 2007 الصادر في 7 ماي2007 ثم نقح بموجب القانون 75 لسنة 2008 الصادر في 11 ديسمبر 2008.

[172]- الفصل 263 م.إ.ج.

[173]- – قرار تعقيبي جزائي عدد 97140 مؤرخ في 30 جوان 1998، أنظرملاحق.

[174]- سلوى التباسي، مرجع سابق، ص 107.

[175]– قرار تعقيبي جزائي عدد 9911 مؤرخ في 23 جانفي1974، ن.م.ت، سنة 1975، ص 36،ج2.

[176]– المادة 52 من قانون الأحداث الجانجين.

[177] – الدكتور علي كحلون، دروس في الإجراءات الجزائية طبعة 2009، ص 356.

[178] – Jean Pradel. droit pénal Tome II.procédure p.6éme édition.1990 édition page 624

– Merel et vitu opcit page 845 et 46

[179] – R.Garraud precis de droit criminel 1885 page 759 « Tous les cas d’ouverture à cassation peuvent être ramenés à un type unique la violation de la loi »

[180] – جون دوبلار مختصر في شرح قانون المرافعات الجنائية التونسي المطبعة السريعة ص 687.

[181] – قرار تعقيبي جزائي عدد 4688 مؤرخ في 20 أفريل.م.ت.ق. لسنة 1967 ص83.

[182] – Crim. 27 octobre 1932 B. n° 222

[183] – Crim. 7 mai 1909 B. n° 245

[184] – Crim. 7 mai 1909 B. n° 245

[185] – الفصل 168 من م.إ.ج.

[186] – قرار تعقيبي جزائي عدد 48420 5 مؤرخ في 09 جانفي1995.م.ت.ق. لسنة 1995 ص11.

-قرار تعقيبي جزائي عدد 1482 مؤرخ في 19أكتوبر 1935.

[187] – Crim. 12 janvier 1933 B. n° 16

[188] – قرار تعقيبي جزائي عدد 2549 مؤرخ في 23 ديسمبر 1963 ن..م.ت.ق. ج سنة1963 ص150.

[189] – قرار تعقيبي جزائي عدد 58455 مؤرخ في 21 فيفري 1995 ن..م.ت.ق. ج سنة1995 ص163.

[190] – Crim. 26 juillet 1983 1853 .B n° : 288

[191] – Crim. 19 janvier 1954 .B n° : 17

[192] – قرار تعقيبي جزائي عدد 37685 مؤرخ في 20 نوفمبر 1995 ن..م.ت.ق. ج سنة1991 ص 60.

[193] – قرار تعقيبي جزائي عدد 58455 مؤرخ في4 فيفري 1995 ن..م.ت.ق. ج سنة1991 ص 63.

[194] – Crim. 15 decembre 1965 .B n° : 276

[195] – حاتم البرهومي المرجع السابق، ص 60.

[196] – حسن الجوندار، أصول المحاكمات الجزائية الجزء الثاني ص 81 مطبعة خالد بن الوليد سنة 1988.

[197] – Jacque Boré ,op. cit.page 636

[198] – قرار تعقيبي جزائي عدد 346 مؤرخ في 10 ديسمبر 1929 م.ق.ت. ماي لسنة 1963.

[199] – الفصل 123 م.إ.ج.

[200] – سلوى التباسي، مرجع سابق ن ص 69.

[201] – الفصل 171 م.إ.ج.

[202] – قرار تعقيبي جزائي عدد 4564 مؤرخ في 23 أكتوبر 1968 ن.م.ف لسنة 1968 ص 247.

-قرار تعقيبي جزائي عدد 2993 مؤرخ في 30 أكتوبر 1979.ن.م.ت.لسنة 1979، ص 212.

[203] – الفصل 72 من مجلة حماية الطفل.

[204] – قرار تعقيبي جزائي عدد 2617 مؤرخ في 03 فيفري 1979.

[205] – قرار تعقيبي مدني عدد 307 مؤرخ في 27 ديسمبر 1994 ن.م.ت لسنة 1994 ص 54.

[206] – Ben Ammou Nadhir.op cit. page 71

[207] – جون دوبلار مختصر في شرح قانون المرافعات الجنائية، ص 690.

[208] – Jacque Boré ,op. cit.page 655

[209] – قرار تعقيبي جزائي عدد 362 مؤرخ في 11 مارس 1930 م.ق. ت ماي 1963.

[210] – Crim. 21 ovtobre 1848 .B n° : 242

[211] – قرار تعقيبي جزائي عدد 2418 مؤرخ في 5 جوان 1978.

[212] – قرار تعقيبي جزائي عدد 8590 مؤرخ في 13 ديسمبر 1972 ن.م.ت.ق.ج سنة 1972 ص 138.

[213] – Crim. 17 avril 1956 .B n° : 309

[214] – قرار تعقيبي مدني عدد 1913/40 مؤرخ في 4 جويلية 1960.

[215] – Crim. 17 février 1900 .B n° : 73.

[216] – الأستاذ العجمي بالحاج حمودة، دائرة الاتهام / ص 211، ملتقى حول الاستئناف كلية الحقوق والعلوم السياسية، تونس 1993.

[217] – الدكتور علي كحلون، دروس في الإجراءت الجزائية ن طبعة 2009، ص 358.

[218] – قرار تعقيبي جزائي، عدد 1722 ن مؤرخ في 14 جوان 1962 ن.م.ت.ق.ج سنة 1963، ص130.

[219] – قرار تعقيبي جزائي، عدد 670 مؤرخ في 30 جويلية ن. م.ت. ق. ج لسنة 1963.

[220] – قرار تعقيبي جزائي عدد 15467 مؤرخ أكتوبر 1985 ن.م.ت.ق.ج عدد 1 لسنة 1986، ص 95.

[221] – قرارا تعقيبي جزائي عدد 5967 مؤرخ في 7 أوت 1968، ن.م.ت سنة 1968، ص 223.

[222] – Cass 17 Novembre 1955. B.n° : 493.

[224] – قرار تعقيبي جزائي عدد 2066 مؤرخ في 21 جوان 1978.ن.م.ت، 1978 ص286.

[225] – قرار تعقيبي جزائي عدد 67061 مؤرخ في 1 نوفمبر 1995 ن.م.ت.ق.ج. سنة 1995، ص 78.

[226] – قرار تعقيبي جزائي 2809 مؤرخ في 23 سبتمبر 1964 ن.م.ت.سنة 1964 ص 103.

[227] – قرار تعقيبي جزائي عدد 57515 مؤرخ في 10 أكتوبر 1994 ن.م.ت.ق.ج سنة 1994، ص 117.

[228] – حاتم البرهومي، مرجع سابق ص 76.

[229] – الأستاذ محمد الهادي الأخوة، دروس في القانون الجنائي، 1980، ص 24.

[230] – الأستاذ محمد الهادي الأخوة، مرجع سابق، ص 27.

[231] – حاتم البرهومي، مرجع سابق ص 77.

[232] – الهادي الجديدي سلطة محكمة التعقيب في تقرير الخطأ الجزائي، ـعمال ملتقى التعقيب كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس من 4 إلى 17 أفريل 1988، ص 420.

[233] – Jacqu Boré , op,cit,page 765

[234] – Crim 28 janvier 1969 Bull.n°51

[235] – قرار تعقيبي جزائي عدد 68831 مؤرخ في 11 ديسمبر 1993 ص 131.

[236] – قرار تعقيبي جزائي عدد 6197 مؤرخ في 2 ماي 1995 ن.م.ت 1995 ص 199.

[237] – Boré , op.cit.p.777

[238] – قرار تعقيبي جزائي عدد 38487 مؤرخ في 6 ماي 1991 ن.م.ت سنة 1991 ص 158.

[239] – قرار تعقيبي جزائي عدد 31754 مؤرخ في 29 ماي 1991 ن.م.ت.سنة 1991 ،ص 30.

[240] – الفصل 50 م.ج.

[241]- حاتم البرهومي، مرجع سابق، ص 104.

[242]- الفصل 214 م.إ.ج.

[243]– الفصل 194 من م.م.م.ت.

[244]-. Crim, 6 février 1959, Bull, n°136.

[245]– سلوى التباسي، مرجع سابق، ص 121.

[246]– المادة 499 من قانون الإجراءات الجزائية، التشريع الجزائري.

[247] – الدكتور رؤف عبيد، مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري الطبعة التاسعة 1972 مطبعة النهضة مصر بالفجالة، ص 769.

[248] – زكي العرابي باشا، المبادئ الأساسية للتحقيقات و الإجراءات الجنائية، ص 535.

[249] – رؤف عبيد، مرجع سابق، ص 769.

[250] – –حمادي العرابي، تعقيب قرارات دائرة الاتهام، كلية الحقوق و العلوم السياسية، بتونس، ص 86.

[251] – حاتم البرهومي، مرجع سابق، ص 112.

[252] – المادة 469 من قانون الاجراءات الجنائية، التشريع المصري.

[253] -حذفت خطة الوكيل العام للجمهورية بمقتضى القانون عدد80 لسنة 1987 المؤرخ في 29 ديسمبر1987، أسندت اختصاصاتها القضائية للوكلاء العامين لدى محاكم الاستئناف.

[254] – حاتم البرهومي، مرجع سابق، ص 118.

[255] – سلوى التباسي، مرجع سابق، ص 124.

[256] – جان دوبلار، مختصر في شرح قانون المرافعات الجنائية التونسي، ص 692. ” و للقيام بطلب النقض مفعول ثان وهو مفعول الانتقالي.”

[257] – قرار تعقيبي جزائي عدد13557، مؤرخ في 10 فيفري 1987،ن.م.ت،ق.ج لسنة 1987، ص 112.

[258] – يزيد الرياحي، مرجع سابق،ص 95.

[259] – حاتم البرهومي، مرجع سابق، ص 123.

[260] – سلوى التباسي، مرجع سابق، ص 146.

[261] – قرار تعقيبي جزائي عدد14159، مؤرخ في 15 أفريل 1987، ن.م.ت، 1987، ص 14.

[262] – قرار تعقيبي جزائي عدد6708، مؤرخ في 4مارس 1971، ن.ق.ت، عدد 10، 1971 ،ص47.

[263]– سلوى التباسي، مرجع سابق، ص 147.

[264] – الفصل 199 م.إ.ج.

[265] – قرار تعقيبي جزائي عدد19139، مؤرخ في 18 أكتوبر 1986، ن.م.ت، عدد1، 1987، ص 90.

[266] – قرار تعقيبي جزائي عدد9141، مؤرخ في 4 ديسمبر 1974، ن.م.ت، ق.ج ،عدد 74.

[267] – قرار تعقيبي عدد11487، مؤرخ في 27 مارس 1975، ن.م.ت 1975، ص 95.

[268] – Jacque Boré, op, cit, p209.

[269] – قرار تعقيبي جزائي عدد5905، مؤرخ في 24 مارس 1969، ن.م.ت، ق.ج 1970 ،ص120.

[270] – crim,16 juin, 1904, Bull, n°256.

[271]- عرابي حمادي مرجع سابق ص93.

[272] – crim,28 février, 1974, Bull, n°89.

[273] – حاتم البرهومي، مرجع سابق، ص 129.

[274]- crim,29 janvier, 1975, Bull, n°33.

[275]- قرار تعقيبي جزائي عدد4334، مؤرخ في 26 ديسمبر 1966، ن.م.ت، ق.ج 1967، ص132.

[276] – سلوى التباسي، مرجع سابق، ص 49.

[277] – R .Garraud, op,cit, p 464.

[278] – قرار تعقيبي جزائي عدد1942، مؤرخ في 11 ماي 1978، ن.م.ت، ق.ج، سنة 1978، ص 211.

[279] – قرار تعقيبي جزائي عدد26613، مؤرخ في 6مارس 1990، ن.م.ت، ق.ج، سنة 1990، ص 61.

[280] – قرار تعقيبي جزائي عدد9912، مؤرخ في 13 نوفمبر 1974، ن.م.ت، ق.ج، سنة 1974، ص151.

[281] – قرار تعقيبي جزائي عدد12505، مؤرخ في 29 ديسمبر 1986، ن.م.ت، ق.ج، سنة 1986، ص 100.

[282] – الدكتور علي كحلون، مرجع سابق، ص 373.

[283] – يزيد الرياحي، مرجع سابق، ص 104.

[284] – قرار تعقيبي جزائي عدد51728، مؤرخ في 19 ديسمبر 1995، ن.م.ت، ق.ج، سنة 1995، ص 91.

[285] – المادة 36، الفقرة الثانية من قانون النقض المصري,

[286]- قرار تعقيبي جزائي عدد8492، مؤرخ في 26 جانفي 1983، ن.م.ت، سنة 1983، ص 121.

[287] – قرار تعقيبي جزائي عدد58535، مؤرخ في 18 أكتوبر 1994، ن.م.ت، سنة 1994، ص 47.

[288] – حاتم البرهومي، مرجع سابق، ص 145.

[289] – قرار تعقيبي جزائي عدد493، مؤرخ في 19 فيفري 1971.

[290] – الأستاذ البشير الفرشيشي ،مرجع سابق، ص 340.

[291] – قرار تعقيبي جزائي عدد57866، مؤرخ في 23 ماي 1995، ن.م.ت، ق.ج، سنة 1995، ص 58.

[292] – قرار تعقيبي جزائي عدد25370، مؤرخ في 27 مارس 1991، ن.م.ت، ق. ج، سنة 1991، ص 183.

[293] – crim, 22 décembre, 1972, Bull, n°404.

[294] – قرار تعقيبي جزائي عدد46628، مؤرخ في 3 فيفري 1993، ن.م.ت، سنة 1993، ص 12.

[295] – قرار تعقيبي جزائي عدد52810، مؤرخ في 12 ديسمبر1995، ن.م.ت، سنة 1995، ص 65

[296] – قرار تعقيبي جزائي عدد56623، مؤرخ في 7 مارس 1995، ن.م.ت، ق.ج سنة 1995، ص 89.

[297] – قرار تعقيبي جزائي عدد11263، مؤرخ في 1 مارس1996، ن.م.ت، سنة 1996، ص 180.

[298] – الأستاذ الفرشيشي، المرجع السابق، ص 32.

[299] – الاستاذ الفرشيشي، المرجع السابق، ص 31.

[300] – -قرار تعقيبي جزائي عدد1755، مؤرخ في 7 جوان1962، ن.م.ت، سنة 1962، ص 124

[301]– سلوى التباسي، مرجع سابق، ص 165.

[302]– قرار تعقيبي جزائي عدد20970، مؤرخ في 6 ديسمبر1995، ن.م.ت، ق.ج، سنة 1995، ص 53.

[303]– قرار تعقيبي جزائي عدد149، مؤرخ في 6 أفريل1993، ن.م.ت، ق. ج، سنة 1995، ص 66.

[304]- قرار تعقيبي جزائي عدد8170، مؤرخ في 30 أكتوبر 1982، ن.م.ت، سنة 1982، ص 318.

[305]- قرار تعقيبي جزائي عدد1848، مؤرخ في 28 ماي 1962،ن.م.ت، سنة 1963، ص 120.

[306]– قرار تعقيبي جزائي عدد1897، مؤرخ في 27 أكتوبر 1962، ن.م.ت، ق.ج، سنة 1963، ص 132.

[307]– قرار تعقيبي جزائي عدد20131، مؤرخ في 9 فيفري 1989، ن.م.ت، ق.ج، سنة 1989، ص 80.

-الفصل 274 م.إ.ج.

[308]– قرار تعقيبي جزائي عدد12، مؤرخ في 12 نوفمبر1981، ن.م.ت، ق.ج، سنة 1981، ص 13.

[309]– Boré, op,cit,p,369.

[310]- الأستاذ نوالردين الغزواني، مرجع سابق، ص 39 و ما يليها.

[311]- قضاء الدوائر المجتمعة بمحكمة التعقيب، مرجه سابق