جرم الشهادة الكاذبة…أركانها – عقوبتها

ينطوي جرم الشهادة الكاذبة ضمن جرائم التزوير بالقول ولم يعرّف القانون الشهادة الكاذبة أو شهادة الزور ، وانما نص عليها وعلى الاحكام التي تتصل بها في الفصل الأول من الباب الرابع من قانون العقوبات تحت اسم الجرائم المخلة بسير القضاء .

لكن شراح القانون عرفوا الشهادة الكاذبة ” هي فعل الشخص الذي يكلف امام القضاء للادلاء بأقواله بصفة شاهد في دعوى مدنية أو جزائية ، فيقر عمداً ما يخالف الحقيقة بقصد تضليل القضاء ” والشهادة الكاذبة تتفق مع التزوير بالمحررات بتغيير الحقيقة والضرر الحقيقي أو المحتمل وبالنسبة للنية الجرمية ولكنها تختلف عنه في الطرق المستعملة لان التزوير يقع في المحرر بالطرق التي حددها القانون . أما الشهادة الكاذبة فانها تقع في أقوال يدلي بها الشاهد في مجلس القضاء فيحرف فيها الحقيقة على شكل معين . ولدى الرجوع الى المادة /398/ من قانون العقوبات نستنتج من هذا النص ان لجريمة الشهادة الكاذبة أربعة اركان هي : أولاً – أداء الشهادة :

الشهادة هي اخبار شفوي يدلي به الشاهد في مجلس القضاء العادي أو الاستثنائي أو الاداري أو امام هيئة قضائية أخرى ، وذلك بعد يمين يؤديها الشاهد بأن يقول الصدق .. كما يمكن معاقبة المدعي الشخصي على شهادة الزور فيما لو استمعت له المحكمة بصفته شاهداً للحق العام إذا حنث في يمينه وأدلى بأقوال تخالف الحقيقة . والاصل في الشهادة ان تكون لها قوة الاقناع وان تكون صادرة عن شخص شاهد الواقعة بنفسه ، أما اذا كان الشاهد قد ادلى بأقواله بناء على ما وصل الى مسامعه من الغير فان الكذب وتحريف الحقيقة فيها لا يشكل جرما .

ثانياً – تحريف الحقيقة : الركن الثاني لجريمة الشهادة الكاذبة هو أن تكون الشهادة مغايرة للحقيقة ، وأن تكون من شأنها أن تؤثر في الفصل في الدعوى الجزائية أو المدنية التي استمع الى الشاهد فيها . فإذا كان الكذب حاصلاً في واقعة لا تأثير لها في موضوع الدعوى وليس من شأنها أن تفيد أو تضر أحد من الخصوم فلا عقاب عليها .

ثالثاً – وقوع الضرر أو احتمال وقوعه : إن وقوع الضرر أو احتمال وقوعه هو عنصر مشترك بين جريمتي تزوير المحررات والشهادة الكاذبة . ويشترط للعقاب على شهادة الزور أن يكون من شأنها أن تسبب ضرراً هو عقاب البريء أو تبرئة المجرم . ولا يشترط للعقاب على شهادة الزور أن يكون الضرر قد تحقق فعلاً بعقاب البريء أو تبرئة المجرم ، بل يكفي ان يكون الضرر محتملاً . وعليه فلا يتوقف العقاب وعدمه على النتيجة الفعلية التي ترتبت على شهادة الزور ، بل يكون العقاب واجباً ولو برئ المتهم على الرغم من شهادة الزور التي اداها الشاهد . رابعاً – النية الجرمية : شهادة الزور من الجرائم المقصودة التي يجب فيها توفر القصد الجرمي ، ويعتبر القصد الجرمي متوفراً . متى تعمد الشاهد تغيير الحقيقة بقصد تضليل القضاء .

ولا عبرة بعد ذلك للبواعث التي تقف وراء هذا الكذب وطبيعتها . والقانون لايعاقب الشاهد اذا أخطأ ، وانما يعاقبه اذا كذب عن علم وارادة . ذلك ان الشاهد قد يخطئ في شهادته إما لضعف ذاكرته أو ضعف ادراكه وتصوره للوقائع ، وقد يكون كذب الشاهد ناتج عن تسرعه وعدم احتياطه وميله للمبالغة عن حسن نية . ففي هذه الاحوال لايعاقب الشاهد بعقوبة شاهد الزور ، وان كان من الممكن أن يسأل مدنيا ً اذا ثبت وقوع خطأ جسيم من جانبه . العقوبة : تختلف عقوبة جريمة شهادة الزور باختلاف طبيعة الدعوى التي اديت فيها الشهادة الكاذبة , وما اذا قد اديت في جنحة أو جناية والاصل أن من شهد امام سلطة قضائية شهادة كاذبة يعاقب بالحبس من ثلاثة اشهر الى ثلاث سنوات .

سواء أكانت السلطة القضائية التي اديت امامها الشهادة هي سلطة عادية أو عسكرية أو ادارية أو مدنية أو شرعية وبالتالي فهي عقوبة جنحية. أما اذا اديت شهادة الزور اثناء تحقيق جنائي أو امام محكمة جنائية فإن عقوبة شهادة الزور تعتبر جنائية . ومن المتفق عليه لدى شراح القانون انه يعود في تعيين نوع الجريمة , الى وصف التهمة التي قدم بها المتهم الى المحكمة بغض النظر عن نتيجة المحاكمة وعن العقوبة المحكوم بها وعن المحكمة التي فصلت في هذه التهمة . وعلى هذا الاساس يعتبر شاهد الزور متهماً بجناية متى ادلى بشهادة الزور أثناء تحقيق جنائي أو محاكمة جنائية ولو حكمت هذه المحكمة ببراءة المتهم أو بعقوبة جنحية.‏

ولقد استقر الاجتهاد القضائي في هذا الصدد:
قرار 436 / 2002 – أساس 96 – الهيئة العامة لمحكمة النقض – سورية
قاعدة 268 – اجتهادات الهيئة العامة لمحكمة النقض 2001 – 2004 – الألوسي –
استقر الاجتهاد على انه في جرم الشهادة الكاذبة لا بد من وجود شهادتين مختلفتين للمدعى عليه و يجب ان يحدد الفرق بينهما ليصلح اقامة الدعوى الجزائية بجرم الشهادة الكاذبة حيث يكون ثبت كذب احدى الشهادتين.