إعداد البحث العلمي في ميدان العلوم القانونية

مقال حول: إعداد البحث العلمي في ميدان العلوم القانونية

إعداد البحث العلمي في ميدان العلوم القانونية

تخضع عملية إنجاز وإعداد البحث العلمي في ميدان العلوم القانونية والإدارية مثل بقية فروع وأنواع العلوم الطبيعية والرياضية والاجتماعية الأخرى، إلى إجراءات وطرق وأساليب عملية وفنية ومنطقية صارمة ودقيقة، يجب الالتزام بإتباعها بعناية ودقة حتى يمكن إعداد البحث العلمي وانجازه بصورة سليمة وناجحة ورشيدة وفعالة.
وتعتبر هذه الإجراءات والطرق العملية والفنية والمنطقية المتعلقة بإعداد البحث العلمي من صميم تطبيقات علم المنهجية في مفهومه الواسع العام. كما تجب الإشارة –هنا- إلى اصطلاع البحث العلمي، اصطلاع واسع يشمل كل التقارير العلمية المنهجية والموضوعية مثل مذكرات التخرج في مستوى الليسانس، وأبحاث رسائل الماجستير والدراسات العليا، وتقارير الأخرى.
ومن هذه الدراسة، فإن هذا الفصل الأول من الباب الثاني ينصب كلية على دراسة مراحل وأجزاء البحث العلمي في ميدان العلوم القانونية والإدارية، فيشمل هذا الفصل على مبحثين هما:
المبحث الأول: مراحل إعداد البحث العلمي في ميدان العلوم القانونية والإدارية.
المبحث الثاني: أجزاء البحث العلمي في ميدان العلوم القانونية والإدارية.

تتدرج عملية إعداد البحث العلمي وإنجازه بعدة مراحل متسلسلة ومتتابعة ومتكاملة ومتناسقة في تكوين وبناء البحث العلمي وإنجازه.
فلابد من الاضطلاع بهذه المراحل مرحلة بعد مرحلة بكل عناية وجدية وصبر وهدوء ودقة وعمق من طرف الباحث العلمي، حتى يصل إلى نتيجة إعداد البحث العلمي الكامل.
ومراحل البحث العلمي هي مرحلة تحديد المشكلة واختيار الموضوع، مرحلة حصر وجمع الوثائق العلمية المتعلقة بالموضوع، مرحلة القراءة والتفكير، مرحلة تقسيم وتبويب الموضوع، مرحلة تخزين المعلومات، مرحة الصياغة والتحرير. وستعالج هذه المراحل في المطالب التالية:
• المطلب الأول: مرحلة اختيار الموضوع.
• المطلب الثاني: مرحلة البحث عن الوثائق وجمعها.
• المطلب الثالث: مرحلة القراءة والتفكير.
• المطلب الرابع: مرحلة تقسيم وتبويب الموضوع.
• المطلب الخامس: مرحلة جمع وتخزين المعلومات.
• المطلب السادس: مرحلة الكتابة.

 المطلب الأول: مرحلة اختيار الموضوع

عملية اختيار موضوع البحث العلمي هي عملية تحديد القضية أو المشكلة العلمية التي تتطلب حلا علميا لها من عدة فرضيات علمية، بواسطة الدراسة والبحث والتحليل لاكتشاف الحقيقة أو الحقائق العلمية المتعلقة بالمشكلة وتفسيرها واستغلالها في حل ومعالجة القضية و المشكلة المطروحة للبحث العلمي.
وتعتبر مرحلة اختيار موضوع البحث العلمي من أولى مراح إعداد البحث العلمي والأكثر صعوبة ودقة، نظرا لتعدد واختلاف عوامل ومقاييس الاختيار، حيث توجد عدة عوامل ومعايير ومقاييس ذاتية نفسية وعقلية واجتماعية واقتصادية ومهنية، وموضوعية علمية وقانونية وإدارية تتحكم في عملية اختيار موضوع البحث العلمي بصفة عامة وموضوع البحث العلمي في ميدان العلوم القانونية والإدارية بصفة خاصة(1).
ومن أجل ترشيد عملية اختيار موضوع البحث العلمي، وتوجيه الباحث الناشئ وارشاده في نطاق عملية الاختيار هذه يجب التطرق لبيان العوامل والمعايير الذاتية والموضوعية التي تقود وتتحكم في عملية اختيار موضوع البحث العلمي بصفة عامة، وموضوع البحث العلمي في ميدان العلوم القانونية والإدارية بصفة خاصة.

 أولا: العوامل والمعايير الذاتية لاختيار موضوع البحث العلميLes Critères Subjectifs

تسود عملية اختيار موضوع البحث العلمي وتتحكم فيها عدة عوامل ومعايير ومقاييس ذاتية متصلة وخاصة بنفسية الباحث، ومدى استعداداته ومقدرته العلمية، ونوعية تخصصه العلمي، وطبيعة موقفه ومركزه الوظيفي والمهني، وكذا ظروفه الاجتماعية والاقتصادية.

أ‌- عامل ومعيار الرغبة النفسية الذاتية في اختيار موضوع البحث العلميLa Préférence Personnelle
عامل ومعيار الرغبة النفسية الذاتية لدى الباحث في الميل والتفضيل في اختيار موضوع دون غيره من الموضوعات ليكون محل ومحور البحث العلمي الذي سيقود ويعده عامل أساسي وجوهري من عوامل ومقاييس اختيار موضوع البحث العلمي التي يجب احترامها ومراعاتها في مرحلة اختيار موضوع البحث العلمي من طرف الباحث ذاته ومن طرف كل من الأستاذ المشرف ومؤسسات التكوين العالي والبحث العلمي العامة والخاصة.
تعد الرغبة النفسية الذاتية معيارا ومقياسا معتبرا وأساسيا في اختيار موضوع البحث العلمي، لأنه يحقق عملية الاندماج والارتباط النفسي والعاطفي بين الباحث العلمي وموضوع البحث العلمي، الأمر الذي يؤدي إلى توفير وتحقيق العديد من العوام والقدرات النفسية التي تخدم عملية إعداد البحث العلمي بصورة قوية وحية وجدية وخلاقة.
فهكذا تؤدي عملية الارتباط النفسي والعاطفي بين الباحث العلمي وموضوع البحث العلمي إلى توليد وتوفير عدة مزايا وعناصر ومكنات الإبداع والخلق، والمثابرة والصبر والمعاناة والتؤددة والتحمس المعقول والإخلاص المطلق والتضحية الكاملة للبحث العلمي الذي يقوم بإعداده.

فإذا كانت عملية البحث العلمي عملية شاقة وقاسية تتطلب التضحية بالاجتهاد والأعصاب وبقوة الحواس وكذا التضحية بملذات الحياة النفسية والاجتماعية، وبالمال وبالوقت الثمين من عمر الإنسان، فإن عامل احترام الرغبة النفسية الذاتية لدى الباحث العلمي في اختيار موضوع البحث العلمي الذي سيضطلع بإعداده، يؤدي خلق عنصر الارتباط النفسي والعاطفي بينه وبين الموضع، الأمر الذي يولد لديه روح القبول النفسي التلقائي لكافة ضروب التضحية من أجل إعداد بحثه العلمي إعدادا علميا ممتازا.

وإذا كانت مواهب الإبداع والخلق والابتكار والمثابرة والصبر والشجاعة والهدوء والإخلاص للبحث العلمي هي أمور نفسية ذاتية لدى الباحث العلمي.
فإن احترام ومراعاة عامل ومعيار الرغبة النفسية الذاتية وتوليد عامل الارتباط النفسي والعاطفي بين الباحث العلمي وموضوع البحث العلمي يدغدغ ويحرك كوامن هذه المواهب لخدمة عملية إعداد البحث العلمي بصورة علمية وموضوعية مبدعة وكاملة.
ولتحقيق عملية التوافق بين متطلبات سياسية البحث العلمي المعتمدة رسميا لدى مؤسسات التكوين والبحث العلمي العامة والخاصة، يجب اعتماد قائمة الموضوعات العلمية المتخصصة المنتقاة والمدروسة بعناية ودقة في نطاق سياسة التكوين العالي والبحث العلمي الوطنية، ويترك بعد ذلك- للرغبة النفسية الذاتية للباحث العلمي – حرية التحرك والاختيار أو تبني الموضوعات المختارة تلقائيا من طرف الباحث العلمي في نطاق عمليات التوجيه والتبصير والترغيب المختلفة من دن الأستاذ المشرف ومؤسسات التكوين العالي والبحث العلمي العامة والخاصة.
فعامل ومعيار الرغبة النفسية الذاتية في اختيار موضوع البحث العلمي يعتبر مقياسا هاما من المقاييس الذاتية والموضوعية الأخرى التي يجب على الباحث العلمي والأستاذ المشرف ومؤسسات التكوين العالي والبحث العلمي العامة والخاصة أن تحترمه بعناية.

ب‌- عامل ومعيار مدى الاستعدادات والقدرات الذاتية:Les Capacités et Les Compétences Personnelles

من العوامل والمقاييس الذاتية التي تتحكم في عملية اختيار موضوع البحث العلمي، عامل ومعيار مدى توفر الاستعدادات والقدرات الذاتية لدى الباحث العلمي، التي يجب احترامها ومراعاتها بعناية وجدية من طرف الباحث العلمي أولا، ومن طرف الأستاذ المشرف ومؤسسات التكوين العالي والبحث العلمي العامة والخاصة ثانيا، وذلك من أجل ضمان السير الحسن والنجاح لعملية البحث العلمي حول موضوع معين من الموضوعات.
فيجب أن تكون لدى الباحث العلمي استعدادات وقدرات ذاتية تمكنه من إعداد البحث العلمي إعدادا ممتازا وفقا لقواعد وإجراءات وقوانين وشروط المنهجية العلمية المطلوب احترامها وتطبيقها في مجال البحث العلمي.
لذا يجب أن يتأكد كل من الباحث العلمي والأستاذ المشرف، والمؤسسات العلمية والتربوية المختصة في مرحلة اختيار موضوع البحث العلمي، من مدى ملائمة وتناسب استعدادات وقدرات الباحث المختلفة مع الموضوع المختار والمقرر لعملية البحث العلمي لضمان الانطلاقة المنطقية والموضوعية لإنجاح عملية إعداد البحث العلمي(1). ومن بين مظاهر وأنواع القدرات والاستعدادات الذاتية التي يجب توافرها ومراعاتها بعناية وجدية ما يلي:

 القدرات والمكنات العقلية التي تجعل الباحث قادرا على التعمق في الفهم والتحليل والربط والمقارنة
والاستنتاج في معالجة ودراسة جوانب وعناصر وحقائق الموضوع محل الدراسة والبحث العلمي(2)
ويكتسب الباحث العلمي هذه القدرات والمكنات بواسطة سعة الاطلاع وكثرة القراءة والتفكير والتأمل في
شتى الوثائق والمصادر المتعلقة بالموضوع، ومن سنوات الدراسة المتخصصة التي اهلته لإعداد البحث
العلمي، ومن تجارب الحياة العملية والمهنية في بعض الحالات، وكذا من مصادر الثقافة والمعرفة
المختلفة.

 الصفات والأخلاقيات التي يتطلب وجودها في الباحث العلمي، مثل هدوء الأعصاب وقوة الملاحظة،
وشدة الصبر والاحتمال، والموضوعية والشجاعة وقدرة التضحية ومواهب الخلق والمبدأة والابتكار، إلى
غير ذلك من الخصال والصفات التي يجب التأكد من مدى وجودها أو تربيتها وتنميتها في روح الباحث
العلمي، وكذا مراعاتها بدقة وعناية اختيار طبيعة الموضوع الذي سيبحث فيه. وذلك بهدف تحقيق
عناصر ومقومات الملائمة بين قدرات واستعدادات الباحث ونوعية وطبيعة الموضوع المختار للبحث
العلمي(3).

 القدرات الاقتصادية، فهناك أنواع من الموضوعات تتطلب من الباحث قدرة مالية جوهرية ومعتبرة أثناء
القيام بإعداد البحث العلمي، مثل إجراء التجارب والترحال لاقتناء الوثائق والمصادر من أماكن بعيدة
ومتباعدة، وشراء وتصوير الوثائق والآلات والأدوات المطلوبة لعملية إعداد البحث العلمي وإنجازه،
فضلا عن ضرورة الاستقرار الاقتصادي لحياة وعائلة الباحث العلمي، حتى يتحرر من قيود الفقر
والحاجات وأنواع الحرمان الاقتصادية هادئة وبال مرتاح وقب قوي، لذا يجب الاستناد إلى معيار القدرة
الاقتصادية في اختيار الموضوع، مراعاة هذا المعيار جيدا وبعناية من طرف الباحث العلمي نفسه، ومن
لدن الأستاذ المشرف ومؤسسات التكوين العالي والبحث العلمي العامة والخاصة(1).

 الاستعدادات والقدرات اللغوية، تتحكم مدى قدرات واستعدادات الباحث العلمي اللغوية في اختيار موضوع
البحث العلمي، حيث هناك موضوعات تتطلب الدراسات المقارنة وتتطلب الباحث أن يجيد العديد من
اللغات الأجنبية، كما توجد موضوعات مصادرها ووثائقها مكتوبة بلغات معينة، الأمر الذي يجب أن
يؤخذ في الاعتبار هذا المعيار من طرف الباحث العلمي نفسه ومن طرف الأستاذ المشرف وهيئات
ومؤسسات التكوين العالي والبحث العلمي عند اختيار موضوع البحث العلمي(2).

 الوقت المتاح، حيث تتحكم مدة الوقت المحددة لإنجاز البحث العلمي في عملية اختيار نوعية موضوع
البحث العلمي، حيث فترات زمنية مقررة رسميا وواقعيا لأنواع معينة من البحوث العلمية. فهناك البحوث
العلمية للتخرج من مرحلة الليسانس (مرحلة التدرج) التي يجب على الطلبة الباحثين أن يعدونها
وينجزونها خلال شهور فقط حتى يتحصلوا على شهادة التخرج، وهناك أبحاث درجة الماجستير
والدراسات العليا التي يجب إعدادها في فترة زمنية لا تتجاوز أصلا سنة ونصف سنة، وهناك أبحاث
رسائل الدكتوراه التي تتراوح مدة إعدادها ما بين سنتين وخمس سنوات داخل البلد وثلاثة سنوات للطلبة
المبعوثين للدراسة في الخارج فضلا المدة الزمنية المحددة للباحثين من طرف مكاتب الدراسات وهيئات
البحث العلمي الوطنية والدولية والخاصة.

فعامل الوقت المحدد للبحث يعد معيارا لاختيار نوعية وطبيعة الموضوع الي سيكون محل الدراسة والبحث، يجب مراعاته بدقة وعناية من طرف الباحث والأستاذ المشرف وهيئات مؤسسات التكوين العالي والبحث العلمي في مرحلة اختيار موضوع البحث العلمي، حتى يمكن اختيار الموضوع الذي يعطيه الوقت المقرر بصورة كافية وسليمة، وحتى يستطيع الباحث إعداد البحث في ظروف زمنية جيدة وملائمة، وتجنب مخاطر الإخلال والاختلال والارتجال بسبب عامل الوقت المحدد.
هذه هي بعض مظاهر ومقومات الاستعدادات والقدرات الذاتية التي تتحكم في عملية اختيار موضوع البحث العلمي.

ج-عامل ومعيار التخصص La Spécialisation

كما يتحكم عامل نوعية تخصص الباحث في أحد فروع العلوم والشعب المتخصصة في عملية اختيار نوعية وطبيعة موضوع البحث العلمي(1). فالباحث في العلوم الطبيعية او الرياضية أو علم النفس والتربية أو علم الاجتماع، أو علم التاريخ أو في الفلسفة أو في العلوم الاقتصادية والمالية أو في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أو في العلوم القانونية والإدارية و في العلوم الطبية، يختار موضوع البحث في نطاق التخصص العام، ثم تضيق دائرة التخصص والاختيار داخل التخصص.
فهكذا نجد الباحث العلمي في نطاق العلوم القانونية والإدارية، يختار موضوع بحثه في نطاق تخصص العلوم القانونية والإدارية، كتخصص عام ثم نجده يختار موضوع بحثه في نطاق شعبة أو فرع تخصصه الخاص الضيق. فقد يكون الباحث متخصص في قسم القانون العام أو متخصص في قسم القانون الخاص – وفقا للتقسيم التقليدي للقانون، وقد يكون متخصص في فرع القانون الدولي والعلاقات الدولية، أو في فرع القانون الإداري والعلوم الإدارية، المتخصص في فرع القانون الجنائي والعلوم الجنائية، وقد يكون متخصصا في القانون الدستوري والعلوم السياسية، وقد يكون متخصصا في الشريعة الإسلامية، وقد يكون متخصصا في القانون المدني أو في القانون التجاري، فيجب أن يختار الموضوع في نطاق التخصص العام والضيق الخاص للباحث.
فعامل تخصص الباحث العلمي معيار أساسي في اختيار موضوع البحث العلمي يجب على الباحث والأستاذ المشرف وهيئات مؤسسات التكوين العالي والبحث العلمي أن تحترم بعناية وجدية هذ المعيار في مرحلة اختيار موضوع البحث العلمي.

د- عامل ومعيار العمل والتخصص المهني:L’Utilité Pratique Et professionnel

تتحكم وتؤثر طبيعة مركز العمل والتخصص المهني للباحث في عملية اختيار نوعية موضوع البحث، حيث يختار الموضوع من نطاق الوظيفة المهنية للباحث لأسباب ذاتية بالدرجة الأولى حتى يعمق معلوماته ومعارفه حول مهنته، وحتى يستغل نتائج بحثه في تحسين وتطوير مهنته وعمله بصورة تتيح له سبل الارتقاء والمجد المهني والاجتماعي والاقتصادي(1).
فالأستاذ الجامعي الباحث يختار موضوعاته من ضمن المواد المقررة على مستوى الليسانس (مرحلة التدرج) وعلى مستوى الدراسات العليا والدكتوراه (مرحة ما بعد التدرج)، ليقوم بعملية البحث العلمي للتكوين، والمحامي والقاضي يقوم بأبحاثه في النطاق العملي والتطبيقي للقانون، (البحث العلمي التطبيقي في نطاق القانون)، والباحث في نطاق هيئات البحث العلمي المتخصصة فهو يختار موضوع البحث العلمي الذي يناسب مركزه ووظيفته المهنية كباحث أساسي… وهكذا.
فعامل التخصص العلمي والمهني يلعب دورا كبيرا كمعيار في اختيار موضوع البحث العلمي، فعلى الباحث نفسه والأستاذ المشرف وهيئات التكوين والبحث العلمي أن تراعي هذا الاعتبار بكل عناية وجدية.
هذه هي أهم العوامل والمعايير الذاتية التي تتحكم – بالإضافة إلى العوامل والمعايير الموضوعية- في عملية اختيار الموضوع العلمي.

 ثانيا: العوامل والمعايير الموضوعية لاختيار موضوع البحث العلميLes Critères Objectifs

بالإضافة إلى العوامل والمعايير الذاتية، هناك مجموعة من العوامل والمعايير الموضوعية التي تتوقف عملية اختيار موضوع البحث العلمي عليها، ومن أهم هذه العوامل الموضوعية القيمة العلمية للموضوع محل البحث، وأسس وأهداف ومحاور سياسة البحث العلمي للهيئات والجهات والمؤسسات العلمية التي تشرف رسميا على عملية إعداد البحث العلمي، ومكانة ونوعية البحث العلمي بين أنواع البحوث والدراسات العلمية، ومدى توفر الوثائق والمصادر العلمية لموضوع البحث العلمي، فهذه العوامل والمقاييس الموضوعية تتحكم في كل من الباحث والأستاذ المشرف، وهيئات مؤسسات التكوين العالي والبحث العلمي في مرحلة اختيار موضوع البحث.

أ‌- عامل ومعيار القيمة العلمية لموضوع البحث العلمي La Valeur Scientifique

إن القيمة العلمية لموضوع البحث العلمي وقيمة نتائج البحث العلمي فيه في الحياة العملية مثل التكوين، وحل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية القائمة تتحكم في عملية اختيار موضوع البحث العلمي(1).
حيث يتم الاختيار في مجال عمليات البحث العلمي للموضوعات ذات القيمة العلمية النظرية والتطبيقية الممتازة، وذلك وفقا لمقاييس ومعايير موضوعية تنبثق من طبيعة التخصص العلمي، ومن مجموع القيم والمزايا والفوائد التي تحققها نتائج بحث الموضوع والكشف عن الحقائق العلمية المتعلقة به والتحكم فيها واستغلالها في الحياة العملية.
ويتعاون كل من الباحث والأستاذ المشرف وهيئات مؤسسات التكوين العالي والبحث العلمي العامة والخاصة في انتقاء الموضوع العلمي القيم الجدير بعملية البحث العلمي فيه وببذل الوقت والمال والجهد الثمين من أجل دراسته وبحثه علميا من طرف الباحث.
وفي نطاق العلوم القانونية والإدارية توجد العديد من الموضوعات الجديدة والمتجددة ذات قيم علمية نظرية وعملية حية ومفيدة في كافة مجالات الحياة العامة والخاصة، يجب ترصدها باستمرار ومعالجتها في صورة أبحاث علمية.
فنظرا لارتباط العلوم القانونية والإدارية وتفاعلها الشديد بمجالات الحياة الوطنية والدولية والاقتصادية والاجتماعية، فإن ذلك يؤدي باستمرار إلى توليد العديد من المشكلات الدولية والوطنية ذات الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقانونية تتطلب حلولا علمية قانونية بالإضافة إلى الحلول العلمية الأخرى، ومن ثم يجب ترصد هذه المشكلات وتبنيها كموضوعات حية لبحوث علمية قيمة ومفيدة للباحث نفسه وللحياة العامة الإنسانية والوطنية، وذلك في نطاق مقاييس علمية واضحة ودقيقة، وفي ظل سياسة بحث علمي معلومة.

ب‌- عامل ومعيار أسس وأهداف ومحاور سياسة البحث العلمي المعتمدةLa Politique Générale de la Recherche Scientifique

ويعتبر أيضا من العوامل والمعايير الموضوعية التي تتحكم وتؤسس عملية اختيار موضوع البحث العلمي سياسة البحث العلمي العامة والرسمية بكل أسسها وأهدافها ومحاورها، عن وجدت بطبيعة الحال، فنظرا لارتباط البحث العلمي بكل أنواعه وصوره ومستوياته بالحياة العامة الوطنية والدولية، ونظرا لارتباط ولتكامل وتفاعل عمليات التكوين والبحث العلمي بالحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الدولة، توجد سياسات عامة وخاصة للبحث العلمي لتربط وتدمج وسائل وجهود ونتائج البحوث العلمية بتوجيهات سياسة البحث العلمي السائد وتوجه عمليات البحث العلمي التي تشرف عليها – بطريقة مباشرة أو غير مباشرة- لتتجاوب مع أسس وأهداف ومحاور وسياسة البحث العلمي العامة والخاصة.
لذا فإن عامل وجود سياسة عامة وطنية ودولية أو خاصة للبحث العلمي تقوم كمعيار يتحكم في اختيار موضوع البحث العلمي(1).
والدولة الجزائرية تتبنى في مواثيقها وسياساتها وبرامجها العامة ومخططاتها الوطنية مبدأ ارتباط وتفاعل وتكامل عمليات التكوين والبحث العلمي ومتطلبات الحياة العامة وبرامج وسياسات التنمية الوطنية في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ومن ثم كان على مؤسسات التكوين والبحث العلمي والأستاذ المشرف والباحث العلمي الأخذ بعين الاعتبار عند اختيار موضوع البحث أسس وأهداف ومحاور سياسة البحث العلمي في الجزائر، وذلك دون التضحية بقيم حرية الفكر والحياة العلمية في الوطن، وبدون التضحية بقيم التفتح على عالم الخلق والإبداع الإنساني العالمي(2).

ج-عامل ومعيار مكانة البحث بين أنواع البحوث العلمية الأخرىLa Place de la Recherche Dans les divers Recherches

كما تتحكم نوعية ومكانة البحث العلمي المراد إعداده بين أنواع البحوث العلمية الأخرى في تحديد واختيار موضوع البحث العلمي، فالبحث العلمي قد يكون إعدادا لمدركة التخرج والحصول على درجة الليسانس في بعض التخصصات، وقد يكون البحث العلمي في صورة إعداد بحث رسالة الماجستير أو الدراسات العليا، ودكتوراه الدرجة الثالثة، وقد يكون في صورة بحوث علمية للترقية في بعض الوظائف والدرجات العلمية والمهنية، وقد يكون في صورة دراسة خبرة مقدمة لمكاتب الدراسات ومؤسسات ومخابر الأبحاث والإنتاج والعمل المختلفة(1).
وتختلف بطبيعة الحال – موضوعات مذكرات التخرج في مستوى الليسانس (مرحلة التدرج) عن موضوعات أبحاث رسائل الماجستير والدراسات العليا والدراسات المعمقة ودكتوراه الدرجة الثالثة، وهذه الأخيرة تختلف بدورها عن موضوعات أبحاث رسائل الدكتوراه وموضوعات الأبحاث العلمية الأكاديمية تختلف عن موضوعات الأبحاث العلمية المعدة لمخابر ومؤسسات الأبحاث العلمية ومكاتب الدراسات وورشات العمل والإنتاج.
فنوعية ومكانة البحث المزمع إعداده وانجازه بين أنواع البحوث العلمية والدراسات الأخرى تتحكم في تحديد الموضوع الصالح للبحث العلمي المقرر إعداده.

د- عامل ومعيار مدى توفر الوثائق العلمية المتعلقة بموضوع البحث:Le Critère De La Documentation

كثيرا ما تتحكم مسألة مدى توفر أو عدم توفر الوثائق العلمية المختلفة المتعلقة بموضوع البحث العلمي في تحديد واختيار نوعية موضوع البحث العلمي، فالموضوعات والمسائل والمشاكل المطروحة تختلف بدرجات متفاوتة من حيث كمية الوثائق والمصادر العلمية المختلفة المتعلقة بها وبكافة جوانبها العلمية الصحيحة، حيث توجد الموضوعات النادرة المصادر والوثائق العلمية التي تكشف عن الحقيقة العلمية المتصلة بها، وهناك الموضوعات التي تقل الوثائق العلمية المتعلقة بحقائقها وأسرارها العلمية، وتوجد الموضوعات الغنية بالوثائق والمصادر العلمية الأصلية التي تغرى باختيارها ودراستها وبناء بحثا علميا جديدا ابتكاري من خلال استغلال وفحص ونقد وتحليل كافة الوثائق العلمية المتعلقة بها(2).
وعامل ومعيار مدى توفر الوثائق والمصادر العلمية المتعلقة بالموضوع عامل ومعيار أساسي وجوهري في تحديد واختيار موضوع البحث العلمي، لأنه بدون توفر الوثائق والمصادر والمراجع العلمية المتضمنة لكافة جوانب وحقائق وأسرار الموضوع لا يمكن للباحث أن يكون ما يعرف منهجيا (بنظام التحليل) أي مجموعة المعارف والمعلومات والأفكار والحقائق المختزنة والمتخرمة في ذهنية الباحث، تمكنه من دراسة وتحليل وتركيب الموضوع محل الدراسة والبحث العلمي دراسة وبحثا علميا عميقا وكاملا وموضوعيا.
لذا يجب احترام عامل ومعيار مدى توفر ووجود الوثائق والمصادر العلمية المتعلقة بالموضوع من طرف الباحث والأستاذ المشرف والهيئات العلمية المسؤولة في مؤسسات التكوين والبحث العلمي العامة والخاصة.
هذه هي أهم العوامل والمقاييس الذاتية والموضوعية المتحكمة في عملية اختيار موضوع البحث العلمي، والتي يجب مراعاتها بدقة وعناية وجدية في مرحلة اختيار الموضوع.

 المطلب الثاني: مرحلة البحث عن الوثائق العلمية وجمعهاLa Documentation

بعد مرحلة اختيار موضوع البحث العلمي، والقيام بكافة الإجراءات الإدارية لتسجيله رسميا لدى الجهات المختصة، تأتي مرحلة البحث عن الوثائق المختلفة والتي تتضمن كافة المعلومات والمعارف المتعلقة بموضوع البحث، والقيام بجمع هذه الوثائق وتنظيمها على أسس منهجية مدروسة لاستغلالها بعد ذلك عن طريق حصر واستخلاص جميع المعلومات والحقائق والمعارف التي يتكون منها موضوع البحث.
وتسمى مرحلة البحث عن الوثائق وتجميعها وترتيبها باسم ” عملية التوثيق” أو “الببليوجرافيا Bibliographie” وهي عملية لها أصولها وأسسها وأهدافها، وطرقها وأساليبها وإجراءاتها الفنية والعملية المختلفة(1).ليس هنا مجال للتعرض لتفاصيل هذه العملية، وإنما سوف يقتصر التركيز والاهتمام ببيان أنواع الوثائق والمصادر والمراجع التي تحتوي على معلومات وحقائق ومعارف الموضوع محل البحث العلمي وأماكن تواجدها، ووسائل الحصول عليها في البحوث العلمية بصفة عامة والبحوث العلمية في ميدان العلوم القانونية والإدارية بصفة خاصة.
وسوف يتم توضيح مرحلة البحث عن الوثائق وجمعها عن طريق التعرض أولا لمعنى الوثائق العلمية، وبيان أنواع الوثائق العلمية، ثم تحديد أماكن وجود الوثائق العلمية، وكذا بيان وسائل الحصول على الوثائق العامة، وذلك على النحو التالي:
• أولا: معنى الوثائق العلمية.
• ثانيا: أنواع الوثائق العلمية.
• ثالثا: أماكن وجود الوثائق العلمية.
• رابعا: وسائل الحصول على الوثائق العلمية.

 أولا: معنى الوثائق العلمية

لقد سبق التعرض لبيان المدلولات اللغوية والاصطلاحية والمنهجية لاصطلاح الوثائق، وذلك في الفصل الخامس من الباب الأول من هذه الدراسة، ويكفي هنا إضافة المدلول العام للوثائق العامة، عن طريق التقرير بأن الوثائق العلمية لموضوع من موضوعات البحث العلمي، هي جميع المصادر والمراجع الأولية والثانوية التي تحتوي أو تتضمن على جميع المواد والمعلومات والحقائق والمعارف المكونة للموضوع، والتي تشكل في مجموعها طاقة للإنتاج الفكري والعقلي والإعلامي في ميدان التعليم والبحث العلمي، وهذه الوثائق العلمية قد تكون مخطوطة أو مطبوعة أو مسموعة أو مرئية(1).

 ثانيا: أنواع الوثائق العلمية

الوثائق العلمية المتعلقة بموضوع البحث العلمي في فرع من فروع التخصص العلمي كثيرة ومتنوعة، مثل الكتب والوثائق الرسمية، والدوريات، والقواميس، والموسوعات ودوائر المعارف، وتقارير ونتائج الأبحاث الميدانية، وتسجيلات المقابلات ونتائج الاستطلاعات، والمذكرات والرسائل العلمية والمراسلات العلمية الخاصة…الخ.
وهناك عدة أسس ومعايير يتم على أساسها ترتيب وتصنيف الوثائق العلمية، مثل المعيار الهاجائي والمعيار الزمني، والمعيار الموضوعي الغائي، ومعيار الجدة والأصالة والقيمة الإعلامية في بناء موضوع البحث العلمي* …الخ(1).

أ‌- الوثائق الأولية والأصلية والمباشرة:

الوثائق العلمية الأصلية أو المباشرة، هي تلك الوثائق التي تتضمن مبدئيا ومباشرة الحقائق والمعلومات الأصلية المتعلقة بالموضوع، وبدون استعمال وثائق ومصادر وسيطة في نقل هذه المعلومات، ويطلق البعض على هذا النوع من الوثائق اصطلاح “المصادر”.
وأنواع الوثائق الأولية والأصلية والمباشرة في ميدان العلوم القانونية والإدارية هي:
1- المواثيق القانونية العامة والخاصة، الوطنية والدولية.
2- محاضر ومقررات وتوصيات هيئات المؤسسات العامة الأساسية مثل المؤسسة السياسية، والمؤسسة التشريعية، والمؤسسة التنفيذية.
3- التشريعات والقوانين والنصوص التنظيمية المختلفة.
4- العقود والاتفاقيات والمعاهدات المبرمة والمصادق عليها رسميا.
5- الشهادات والمراسلات المعتمدة رسمية.
6- الأحكام والمبادئ والاجتهادات القضائية الرسمية.
7- نتائج وتقارير التحقيقات والمقابلات وسبر الرأي العام.
8- الإحصائيات الرسمية.

ب‌- الوثائق غير الأصلية وغير المباشرة ” الوثائق الثانوية”:
وهي الوثائق والمراجع العلمية التي تستمد قوتها الإعلامية العلمية ومعلوماتها من مصادر ووثائق أصلية ومباشرة أو غير أصلية ومباشرة من الدرجة الأولى أو من الدرجة الثانية أو الثالثة… وهكذا. أي أنها الوثائق والمراجع التي نقلت الحقائق والمعلومات والمعارف العلمية عن الموضوع محل البحث والدراسة أو على بعض جوانبه من مصادر ووثائق أخرى، ويقول البعض بأن الوثائق العلمية غير المباشرة أو الثانوية، هي التي يجوز أن يطلق عليها اصطلاح ” المراجع Les Références”(1).
ومن أمثلة الوثائق والمراجع العلمية غير الأصلية وغير المباشرة، أي الوثائق الثانوية في ميدان العلوم القانونية والإدارية ما يلي:

1- الكتب والمؤلفات القانونية الأكاديمية العامة والمتخصصة في موضوع من الموضوعات مثل كتب ومؤلفات القانون الدولي والعلاقات الدولية، ومؤلفات القانون الإداري والعلوم الإدارية العامة والمتخصصة، ومؤلفات القانون الدستوري والعلوم السياسية العامة والمتخصصة، ومؤلفات القانون الجنائي والعلوم الجنائية العامة والمتخصصة، وكتب القانون المدني ومؤلفات القانون التجاري العامة والمتخصصة.

2- الدوريات والمقالات العلمية المتخصصة وأحكام القضاء والنصوص القانونية والتنظيمية التي تتضمنها، ومن أمثلة الدوريات الشائعة المعروفة في مجال العلوم القانونية المجالات المتخصصة في العلوم القانونية والإدارية التي تصدرها أكاديميات ومعاهد العلوم القانونية والإدارية الوطنية والدولية ونشريات وزارة العدالة “نشرة القضاء”، والدوريات المتخصصة الصادرة عن نقابات المحاميين، واتحادات الحقوقيين الوطنية والدولية، والمنظمات الدولية المتخصصة، والمعاهد الدولية المتخصصة في ميدان العلوم القانونية والإدارية.

3- الرسائل العلمية الأكاديمية، ومجموع البحوث والدراسات العلمية الابتكارية والجامعية التي تقدم من أجل الحصول على درجات علمية أكاديمية مثل أبحاث الدراسات العليا والماجستير ورسائل الدكتوراه، وأبحاث الترقية الخاصة بسلك الأساتذة الجامعيين، وهناك كشفات وفهارس خاصة للكشف عن الرسائل العلمية في المكتبات.

4- المطبوعات الرسمية الحكومية في ميدان العلوم القانونية والإدارية.

5- الموسوعات دائرة المعارف والقواميس التي تتعلق بالعلوم القانونية والإدارية.
هذه أهم أنواع الوثائق العلمية التي تتضمن المعلومات والحقائق حول الموضوعات المطروحة للاهتمام بالبحث والدراسة.

 ثالثا: أماكن وجود الوثائق العلمية

توجد الوثائق العلمية في عدة أماكن مختلفة وفقا لنوعيتها ودرجة قيمتها العلمية الإعلامية، في هذا توجد بعض الوثائق لدى الجهات والدوائر الحكومية والرسمية الوطنية والدولية، وتوجد في المكتبات العامة والخاصة، الشاملة والمتخصصة، الثقافية والعلمية والتجارية، تدل عليها كشافات وفهارس المكتبات ودور النشر، وكشوف الوثائق المتخصصة.
وتوجد وثائق العلوم القانونية والإدارية بالجرائد الرسمية وفي المكتبات العامة الوطنية والدولية، وفي المكتبات المتخصصة مثل مكتبات كليات ومعاهد العلوم القانونية والإدارية على المستوى الوطني والدولي، كما توجد بالمكتبات التجارية في الأسواق، ومؤسسات النشر والتوزيع الوطنية والدولية، ومكتبات المؤسسات الرسمية في الدولة.

 رابعا: وسائل الحصول على الوثائق العلمية

يتحصل الباحث على الوثائق العلمية المتعلقة بموضوع البحث بوسائل الشراء أو التصوير أو الإعارة العامة والخاصة، أو بوسائل النقل والتلخيص.
وبعد عملية حصر وجمع كافة الوثائق العلمية المتعلقة بموضوع البحث تأتي مرحلة القراءة والتأمل والتفكير.

 المطلب الثالث: مرحلة القراءة والتفكير

مرحلة القراءة والتفكير هي عمليات الاطلاع والفهم لكافة الأفكار والحقائق والمعلومات التي تتعلق وتتصل بالموضوع محل الدراسة والبحث العلمي، وتأمل وتحليل هذه المعلومات والأفكار والحقائق عقليا وفكريا حتى تولد في عقل وذهن الباحث النظام التحليلي للموضوع.
فمرحلة القراءة والتأمل هذه لابد أن تتحقق كافة أهدافها وتجعل الباحث مسيطرا ومستوعبا لكل أسرار وحقائق ومعلومات الموضوع ومتعمقا في فهمها وقادرا على استنتاج اللأفكار والفرضيات والحقائق والنظريات منها.
ومرحلة القراءة والتفكير لا يمكن أن تحقق أهدافها إلا إذا تحققت وتمت وفقا لشروطها وقواعدها المنهجية والموضوعية المختلفة، ويجب التطرق في لمامة موجزة إلى تحديد أهداف مرحلة القراءة، وبيان شروطها وقواعدها الأساسية، ثم تحديد أنواع القراءة المختلفة، وذلك على النحو التالي:

 أولا: أهداف مرحلة القراءة والتفكير

تستهدف عملية القراءة الواسعة والشاملة والمتعمقة والواعية لكل الوثائق العلمية المتعلقة بالموضوع واستيعاب وفهم كافة المعلومات والحقائق والأفكار الموجودة في الوثائق العلمية المتصلة بالموضوع، تستهدف هذه العملية تحقيق الأهداف التالية(1).:
1- التعمق في التخصص وفهم الموضوع والسيطرة على جوانبه الإعلامية والعلمية والفكرية، بواسطة الاطلاع وفهم والعلم بكافة أسراره وحقائق ومعلومات وأفكار الموضوع، الموجودة في الوثائق العلمية المختلفة المتعلقة بالموضوع.
2- اكتساب نظام التحليل “متخصص وقوى حول موضوع البحث، أي اكتساب ذخيرة كبيرة من المعلومات والحقائق والأفكار المختزنة في ذهنية وعقل الباحث والمتخمرة والمرتبة والمترابطة والمتكاملة نتيجة القراءة الواسعة والفهم الشامل والعميق والواعي، وفترات التأمل والتفكير والتحليل الباطني، ونظام التحليلي هذا هو وسيلة الباحث العلمي في ملاحظة وتجريب وتحليل وبناء واستنتاج جوانب الموضوع محل الدراسة والبحث عن طريق وضع الفرضيات واستخلاص النتائج والنظريات والقوانين العلمية(1).
3- كذلك تستهدف عملية القراءة الواسعة والتفكير السليم اكتساب أسلوبا علميا قويا من طرف الباحث يساعده في إعداد ممتازا.
4- تكسب مرحلة القراءة والتفكير الباحث القدرة المنطقية والعلمية والمنهجية في إعداد خطة الموضوع، حيث أن سعة الاطلاع وقوة فهم واستيعاب كافة جوانب وحقائق ومعلومات الموضوع، الاطلاع على تجارب الآخرين الموجودة في الوثائق المشمولة بعملية القراءة، تجعل الباحث قادرا على إقامة خطة موضوعية جيدة وتقسيم الموضوع على أسس موضوعية ومنطقية صائبة وإلى أجزاء متوازنة ومتناسقة ومتكاملة في بناء هيكل الموضوع منهجيا(2).
5- تكسب عملية القراءة والتفكير الباحث ثروة لغوية فنية متخصصة، تمكنه من صياغة البحث بلغة علمية سليمة وقوية، الأمر الذي يزيد في القيمة الجمالية والعلمية والفنية للبحث.
6- تدعم عملية القراءة الناجحة كافة الوثائق العلمية المتعلقة بالموضوع مبدأ الشجاعة الأدبية لدى الباحث وتقوى من شخصيته في البحث، حيث يعتد الباحث بالثروة والرصيد الكبير من الأفكار والمعلومات والحقائق والطرق والأساليب التي اكتسبها بفعل القراءة الواسعة والفهم المتعمق والتفكير الرصين.
هذه هي أهم الأهداف والمزايا التي تحققها عملية القراءة والتأمل السليمة والناجحة.

 ثانيا: شروط وقواعد القراءة
هناك عدة شروط وقواعد تتطلبها عملية القراءة السليمة والناجحة، يجب احترامها حتى تحقق أهداف القراءة السابقة البيان، ومن أهم شروط وقواعد القراءة العلمية السليمة ما يأتي:
1- أن تكون القراءة واسعة وشاملة لكافة الوثائق والمصادر والمراجع المتعلقة بالمضوع، ويجب أن تكون هذه القراءة متعددة وعميقة الفهم والاطلاع(1).
2- يجب أن يكون الباحث القارئ ذكيا وقادرا على تقييم قيمة الوثائق والمصادر والمراجع التي يقرأؤها، حتى يكسب عملية القراءة والتفكير مقومات الرشادة والفاعلية(2).
3- يجب الانتباه والتحفز والتركيز في القراءة وفي فهم ما يقرأ فهما تاما وواضحا(3).
4- يجب أن تكون عملية القراءة مرتبة ومنظمة لا أرتجالية وعشوائية(4).
5- يجب احترام القواعد الصحية والنفسية أثناء عملية القراءة، فيجب أن تكون عملية القراءة والباحث القارئ في كامل قواه الصحية العقلية والنفسية والعصبية، حتى تكون عوامل وفرص الاستفادة والتحصيل من عملية القراءة مؤكدة وكثيرة، لذا يجب على الباحث القارئ الاهتمام بظروفه الصحية السليمة جسميا وعقليا ونفسيا واجتماعيا(5).
6- يجب اختيار الأوقات المناسبة للقراءة الناجحة والرشيدة، فلقد أثبتت التجارب ليست كل الأوقات صالحة للقراءة والفهم، حيث نتأكد أن الأوقات المناسبة والصالحة لعملية القراءة والفهم الصحيح هي ساعات الصباح خصوصا، وساعات ما بعد الراحة والنوم على عموما، حيث يكون عقل وفكر القارئ أكثر استعدادا وقدرة وتقبلا للقراءة والفهم والاستيعاب والتحصيل(6).
7- يجب اختيار الأماكن الصحية والمريحة والهادئة للقراءة المتانية والمتعمقة، فلابد من اختيار أماكن أو مكان القراءة الذي تتوفر فيه الشروط والظروف الصحية والنفسية اللازمة لراحة وهدوء القارئ الباحث(7).
8- يجب ترك فترات للتأمل والتفكير خلال أو ما بين القراءات المختلفة، وذلك لتمحيص وغربلة وتحليل ما يقرأ ويستوعب من معلومات وأفكار وحقائق في هدوء وصفاء الذهن والفكر وصحوة العقل وجيدة الخيال العلمي المطلوب(8).
9- يجب الابتعاد عن عملية القراءة والتفكير خلال فترات الأزمات النفسية والاجتماعية والصحية للباحث.
هذه بعض الشروط والقواعد التي يطالب من القارئ الباحث احترامها حتى تتم عملية القراءة بصورة سليمة وناجحة ومحققة لأهداف القراءة والتفكير.

 ثالثا: أنـواع القراءة

تنقسم القراءة – على أساس مدى عمقها ودقتها وتركيزها- إلى ثلاثة أنواع من القراءات، لكل نوع وظائفه وأهداف، وهي القراءة السريعة والفاحصة، والقراءة العادية، والقراءة العميقة والمركزة والمتخصصة.

أ‌- القراءة السريعة الكاشفة: وهي القراءة الخاطفة والسريعة والتي تحقق عن طريق الاطلاع على فهارس الوثائق وعنوينها وموضوعات في قوائم المراجع والمصادر المختلفة وكشفات الوثائق المختلفة، كما تشمل القراءة السريعة الاطلاع على مقدمات وبعض فصول وعنوانين المراجع والوثائق والمصادر المتعلقة بالموضوع والخاتمة وفهارس الموضوعات والخاتمة، وقائمة الوثائق والمصادر والمراجع. وأهداف ووظائف القراءة السريعة والاستطلاعية، وهو تحديد الموضوعات والمعلومات المتعلقة بالموضوع،، وتقدير وتقييم الوثائق المجمعة من حيث درجة ارتباطها بالموضوع محل الدراسة والبحث، درجة قيمة المعلومات والأفكار التي تحتويها كل وثيقة أو مصدر من حيث جدة المعلومات وحيويتها في بناء البحث، كما تستهدف القراءة السريعة والاستطلاعية تغذية وتدعيم قائمة الوثائق والمصادر والمراجع المجمعة بوثائق جديدة، وكذا معرفة سعة وآفاق الموضوع وجوانبه المختلفة، كما تستهدف القراءة السريعة الاستطلاعية ترشيد عملية القراءة والتفكير، حيث تكشف القيم والجديد والمتخصص والخاص من الوثائق والعام السطحي والقديم من الوثائق، فتنحصر وتتركز كل من القراءتين العادية والمتعلقة على الوثائق القيمة فقط(1).

ب‌- القراءة العادية: والقراءة تتركز حول الموضوعات التي تم اكتشافها بواسطة القراءة السريعة والاستطلاعية، يقوم بها الباحث القارئ بعمق بتؤدة وهدوء، وفقا لشروط وقواعد القراءة السابقة البيان، واستخلاص النتائج واستخراج الأفكار والحقائق والمعلومات، وتدوينها بعد ذلك في البطاقات والملفات المعدة لذلك، أو القيام بالاقتباسات اللازمة وفقا لقانون الاقتباس(1).

ج- القراءة العميقة والمركزة: وهي القراءة التي تنصب وتتركز حول بعض الوثائق والمصادر والمراجع والمعلومات ذات القيمة الاعلامية والعلمية والمنهجية الممتازة وذات الارتباط الشديد بجوهر الموضوع محل الدراسة والبحث، الأمر الذي يتطلب التعمق والتركيز في القراءة المتكررة والتمعن والتأمل للاقتداء بالحقائق والأفكار والمعلومات الموجودة في هذه الوثائق كأفكار وحقائق ومعلومات قائدة ومحركة وموجهة في عملية إعداد البحث العلمي(2). وتتطلب القراءة العميقة والمركزة أكثر من غيرها من أنواع القراءة صرامة الالتزام بشروط وقواعد القراءة السابقة البيان.

هذه أنواع القراءة التي يجب انجازها خلال مرحلة القراءة والتفكير.
وبمجرد الانتهاء من عملية القراءة يستوجب الأمر الاختلاء والتفرغ لعملية التأمل والتفكير في ما تمت قراءته وتحصيله خلال فترة زمنية معقولة، وذلك حتى تتحقق عملية تخمر المعلومات والحقائق والأفكار والأساليب والصيغ المكتسبة بفعل القراءات وتتفاعل وتتقولب في عقل وذهنية الباحث، ولتتحرك وتنطلق عمليات الاستنتاج والتخريجات والتصورات لعناصر وأجزاء وفروع بناء وهيكل موضوع البحث، وإقامة الفرضيات التي تستند إليها، وتصور آفاق خطة بناء هيكل إعداد بناء الموضوع(3).
ثم بعد ذلك تتحرك وتنطلق المرحلة التالية، وهي مرحلة بناء هيكل الموضوع وخطة العامة عن طريق تقسيمه وتبويبه إلى عناصر متدرجة ومتسلسلة على أسس ومعايير علمية ومنهجية منطقية واضحة ومتكاملة.

المطلب الرابع: مرحلة تقسيم وتبويب الموضوع

بعد مرحلة القراءة والتأمل والتفكير، تكون فكرة الموضوع الأساسية وآفاقها وجوانبها وعناصرها الأصلية والأساسية والثانوية، والكلية والجزئية والعامة والخاصة، قد نضجت وتجمعت ملامحها في ذهنية وعقلية الباحث، الأمر الذي يساعد الباحث في هيكلة وتخطيط عملية دراسة وبحث الموضوع.
وعملية هيكلة وتخطيط وتقسيم موضوع البحث، هي عملية جوهرية وحيوية للباحث لإعداد بحثه، مثل حيوية وحتمية عمليات إعداد وتصاميم البناء والعمران لإتمام وإقامة البناءات، وخرائط العمليات الحربية بالنسبة لقيادة الأركان العسكرية التي تترقب الانتصار في المعارك الحربية. حيث أن تخطيط وتقسيم موضوع البحث تعني البناء الهيكلي والعظمي للبحث، قبل كسوه لحما وبعث الروح والحياة فيه بالصياغة والتحليل والتركيب العلمي والتحرير.

فعملية تقسيم وتبويب الموضوع والبحث والتي تتضمن تقسيمات الموضوع الأساسية والكلية والعامة والفرعية والجزئية والخاصة، على أسس ومعايير علمية ومنطقية منهجية واضحة ودقيقة، هي عملية حتمية وحيوية لإعداد البحث العلمي، حيث يقوم الباحث على هدى الخطة والتقسيم والتوبيب المرسوم بأمجاز وإعداد بحثه خطوة خطوة ومرحلة مرحلة، في حركات وتنقلات منتظمة ومتناسقة ومتكاملة حتى يصل إلى النتيجة العلمية المقصود كشفها وتفسيرها وإعلامها في نهاية البحث.
ولتوضيح مضمون ومقومات مرحلة التقسيم والتبويب، يستوجب الأمر التطرق أولا لمضمون ومعنى تقسيم وتبويب البحث، ثم بيان شروط وقواعد تحقيق عملية التقسيم والتبويب ثم تحديد وتوضيح الأسس العلمية، والمنطقية والمنهجية للتقسيم والتبويب، وأخيرا بيان قوالب أطر التقسيم والتبويب.

 أولا:معنى ومضمون التقسيم والتبويب للبحث

إن مضمون ومعنى تقسيم وتبويب موضوع البحث، يعني ويتضمن تحديد المشكلة أو الفكرة الأساسية والكلية لموضوع البحث تحديدا جامعا مانعا وواضحا، وإعطائها عنوانا رئيسيا، ثم تحديد مدخل الموضوع في صورة مقدمة البحث، والقيام بتفتيت وتقسيم وترتيب الفكرة أو الموضوع الأساسي والرئيسي في مشكلات وموضوعات فرعية وجزئية وخاصة، ثم تقسيم الموضوعات والأفكار الفرعية والجزئية والخاصة إلى موضوعات ومشكلات أقل فرعية وجزئية وخصوصية … وهكذا، وذلك على أسس ومعايير منطقية وعلمية منهجية دقيقة وواضحة، بحيث يشكل التقسيم والتبويب هيكلة وبناء البحث الكامل، ثم القيام بإعطائها عنوانين جزئية فرعية وخاصة في نطاق قوالب وصور منهجية معلومة ( فصول ومباحث وفروع ومطالب، وأولا وثانيا … وأدب… و 1، 2، 3..) حسب قوالب وصور التقسيم المعتمدة من طرف الباحث والأستاذ المشرف(1).

 ثانيا: شروط وقواعد التقسيم والتبويب
هناك مجموعة من الشروط والقواعد والإرشادات تتبع وتحترم لإقامة وتحقيق خطة تقسيم وتبويب البحث بصورة سليمة وناجحة، ومن هذه الشروط والقواعد والإرشادات ما يلي:

• التعمق والشمول في قراءة وتأمل كافة جوانب وأجزاء وفروع ونقاط الموضوع بصورة جيدة.
• ضرورة الاطلاع والاستفادة من خطط وتقسيمات الأبحاث العلمية الممتازة الناجحة في ميدان العلوم القانونية والإدارية(2).
• الاعتماد الكلي على المنطق والموضوعية والمنهجية في التقسيم والتبويب المؤسس والمقبول لموضوع البحث(3).
• حتمية الأخذ في الحسبان الموضوعات والعناصر المستحدثة المتوقعة وغير المتوقعة والمتعلقة بموضوع البحث، لذا لابد من احترام مبدأ مرونة خطة وتقسيم البحث(4).
• يجب أن يكون التقسيم والتبويب تحليليا وحيا ودالا، وليس تجميعا لموضوعات وعناوين فارغة، فلابد أن يذكر التقسيم والتبويب في موضوعاته وعناوينه الأساسية والكلية والفرعية والجزئية والعامة والخاصة وفرضيات وأفكار ذات دلالات وإيحاءات علمية(5).
• يجب تحاشي التكرار والتداخل والاختلاط بين مضامين ومحتويات العناصر والموضوعات والعناوين الأساسية والفرعية والجزئية والعامة والخاصة أثناء تقسيم وتبويب البحث(6).
• ضرورة تحقيق التقابل والتوازن بين التقسيمات الأساسية والفرعية والجزئية أفقيا وعموديا، كأن يتساوى ويتوازن عدد أبواب الأقسام والأجزاء، وكذا عدد فصول الأبواب، وعدد فروع الفصول، وعدد مباحث الفروع، وعدد مطالب المباحث وهكذا(1).

 ثالثا: أسس ومعايير التقسيم
لقد سبقت الإشارة إلى الحقيقة العلمية والمنهجية المقررة لحتمية استناد عملية تقسيم وتبويب موضوع البحث العلمي إلى أسس ومعايير علمية ومنطقية ومنهجية سليمة ودقيقة وواضحة، حتى لا تكون خطة الموضوع وتقسيم وتبويب البحث العلمي عبارة عن قائمة من العناوين المكدسة والمختلطة لا تدل على أية دلالات ومعاني وفرضيات وعناصر الموضوع وأجزائه وفروعه وخصوصياته، الأمر الذي يعتم ويعقد عملية الدراسة والبحث، ويتوه الباحث في متاهات عديدة ويضيع طاقاته ووقته وإمكانيته المادية، وتبعده عن الوصول إلى الحقيقة العلمية الصحيحة في نهاية الأمر. فلكي يسير الباحث ويصل إلى النتائج العلمية والحقيقة العلمية في بحثه على هدى بين ويخطئ ويئدة ورؤية واضحة لآفاق وجوانب موضوع بحثه، لابد أن تؤسس الخطة وعملية تقسيم وتبويب الموضوع والبحث على أسس ومعايير واضحة وفاصلة للأجزاء والفروع والعناصر الأساسية –أفقيا- والفرعية والجزئية- عموديا- للموضوع محل البحث والدراسة.

فإذا كانت الحقيقة العلمية المنطقية والمنهجية تقرر أن لكل شيء فكرة أو ظاهرة أوامر من الأمور والظواهر والأفكار والأشياء لمفهوم ما صدق، وأن مفهوم الشيء أو الفكرة أو الظاهرة، أو الأمر يعني بيان وتوضيح جنس ونوع وفصل وخاصية وعرض عام للفكرة أو الظاهرة أو الأمر، أما ما صدق الأشياء والأفكار والظواهر والأمور، فهو بيان الصفات والخصائص المشتركة للشيء أو الفكرة أو الظاهرة أو الأمر، والتي تشكل مفهوم التصور(2).
وللأشياء والظواهر والأفكار والأمور القانونية والإدارية مفاهيم وما صدق وأحكام وآثار قانونية، لذا يجب على الباحث العلمي أن يفتت ويقسم المشكلة الرئيسية أو الموضوع الرئيسي إلى أجزاء وفروع متساوية أفقيا، ثم يقوم بتفتيت كل الموضوعات والمشاكل الفرعية والجزئية إلى عناصر ونقاط أقل تجزئة وتفريعا –عمود- وهكذا حتى يشمل التقسيم والتبويب كل الأفكار والموضوعات والعناصر والخصائص والتفاصيل التي يتكون منها هيكل بناء موضوع البحث العلمي(1).
وأسس ومعايير التقسيم الموضوعي والمنهجي والمنطقي قد تكون المفهوم والأحكام، وقد تكون النظري والتطبيقي، وقد تكون نظم الدراسة المقارنة، وقد المراحل التاريخية المتعاقبة والمتواترة، وقد تكون ترتيب مصادر النظام القانوني والإداري للشيء أو الفكرة أو الظاهرة القانونية، الفقه، القضاء، التشريع،- التأسيس والدستوري والقانون العادي بكافة فروعه، ثم التشريع التنظيمي (اللوائح الإدارية)…، وقد تكون أسس ومعايير التقسيم والتبويب الكل والجزء، والأصل والفرع، والعام والخاص، والأسبق والسابق والحاضر واللاحق من الأشياء والأمور والظواهر القانونية والإدارية محل الدراسة والبحث العلمي، فهذه بعض الأمثلة فقط عن الأسس والمعايير الموضوعية والمنطقية والمنهجية لتقسيم وتبويب موضوع البحث العلمي التي يكتشفها عقل وفكر الباحث العلمي بفعل فهمه العميق والواسع لموضوع البحث العلمي نتيجة مرحلة القراءة والتفكير والتأمل، حيث تتولد لديه عبقرية التمييز والفصل بين الفكرة الرئيسية والأساسية لموضوع البحث العلمي، والأجزاء والفروع والعناصر الفرعية والجزئية والخاصة والتفصيلية.

فتقسيم وتبويب موضوع البحث العلمي يجب أن يقوم ويستند إلى أسس ومعايير علمية وموضوعية ومنطقية ومنهجية دقيقة وواضحة، ثم إعطاء كل فكرة أو موضوع أساسي أو ثانوي أصلي أو فرعي، عام أو خاص كلي أو فرعي، عنوانا دالا عليه وموحيا لمحتواه، ثم صبه ووضعه في قالب وأطار من أطر وقوالب التقسيم والتبويب (قسم أو جزء أو باب أو فصل أو مبحث أو مطلب أو أولا وثانيا، أو أدب، أو 1 و 2 …).

 رابعا: أطر وقوالب التقسيم والتبويب
المقصود بأطر وقوالب وصور التقسيم والتبويب – هنا- هو تحديد وتوزيع الأطر والقوالب المنهجية المعروفة للتقسيمات المختلفة التي تشملها خطة دراسة وبحث الموضوع، وهي الأجزاء والأقسام، والأبواب، والفصول، والفروع، والمباحث، والمطالب، وأولا وثانيا،…، في ميدان العلوم القانونية التي تتفرع وتتعقد ظواهرها وأفكارها، بالقياس إلى فروع العلوم الأخرى.
فهكذا بعد أ يحدد الباحث العنوان الأساسي والأصلي لموضوع بحثه، وبعد التقديم والتمهيد له، وبعد تقسيم الموضوع إلى العناصر التي يتكون منها، وحصرها أفقيا وعموديا يقوم بصبها وإفراغها في القوالب والأطر المنهجية المعروفة في ميدان العلوم القانونية على وجه التخصيص، والتي تترتب وتتدرج وتسلسل على النحو التالي: الأجزاء، الأقسام، الأبواب، الفصول، الفروع، المباحث، المطالب، أولا وثانيا وثالثا،…(1).

وتتحكم في عملية تحديد نقطة البداية في اختيار الأطر والقوالب المنهجية المعروفة في عالم القانون –بصفة خاصة- من حيث هل يبدأ الباحث بالأجزاء، أو يبدأ بالأقسام، أو يبدأ بالأبواب، ثم يتسلسل ويتدرج في بقية عقود أطر وقوالب التقسيم والتبويب، وهي المباحث، والفروع، والمطالب، وأولا وثانيا، و اوب، 1 و 2…، يتحكم في ذلك حجم وكمية ونوعية الدراسة والبحث، من حيث الضخامة والصغر، والطول والقصر، والاتساع والضيق، كما يتحكم في ذلك عدد تقسيمات وعناصر وعناوين هيكل التقسيم والتبويب الذي توصل إليه الباحث أثناء عملية تفتيت وتقسيم موضوع البحث.
هذه بعض الحقائق المتعلقة بعملية تقسيم وتبويب موضوع البحث العلمي.

 المطلب الخامس: مرحلة جمع وتخزين المعلومات

تتمحور مرحلة جمع وتخزين المعلومات حول عملية استنباط وانتقاء المعلومات والحقائق والأفكار المتعلقة بموضوع البحث من شتى أنواع الوثائق والمصادر والمراجع المتصلة بالموضوع، وذلك وفقا لطرق وإجراءات تقنية ومنهجية دقيقة ومنظمة، تمهيدا لعملية كتابة وصياغة البحث وإخراجه النهائي.
وعملية جمع وتخزين المعلومات هي عملية حيوية ومصيرية في إعداد البحث العلمي، حيث أنها تجسد مسألة سيطرة الباحث على العملية الإعلامية المتعلقة بموضوع البحث، حيث يجب على الباحث أن يستخلص ويلتقط كل المعلومات والمعارف والحقائق المتصلة بالموضوع المتناثرة في وثائق ومصادر ومراجع متنوعة وعديدة ومتفرقة، ويحصرها كلها بإيجاز مركز ومقيد ومرتب في أوراق أو بطاقات أو ملفات منتظمة وكحدود جدا، حتى يمكنه استغلالها برشادة وبفاعلية في تحرير وصياغة البحث فيما بعد.
إن الباحث الذي يجمع العديد من الوثائق المختلفة، ويطلع بالقراءة على لأفكار والحقائق والمعلومات الكثيرة يحتاج إلى عملية استخلاص وجمع وتخزين هذه الذخيرة والثروة من المعلومات والحقائق والأفكار بطريقة منظمة ودقيقة لإخضاعها للتحليل والتركيب والاستنتاج وفقا لمنهج معين من مناهج البحث العلمي السابقة البيان، وذلك أثناء مرحلة التحرير والصياغة.
ولتوضيح مرحلة جمع وتخزين المعلومات، يجب بيان أساليب تخزين المعلومات، وبيان بعض القواعد والإرشادات لكيفية جمع المعلومات وحصرها وتسجيلها في وسائل خزن المعلومات وذلك على النحو التالي:
أولا: أساليب جمع وتخزين المعلومات.
ثانيا: بعض القواعد والإرشادات المتعلقة بكيفية جمع المعلومات وتسجيلها.

 أولا: أساليب جمع وخزن المعلومات

هناك أسلوبان أساسيان لجمع وتخزين المعلومات المحصلة من مرحلتي جمع الوثائق والقراءة والتفكير، وهما أسلوب البطاقات Les fiches ou les cartes- وأسلوب الملفات، كما أسلوب ثانوي وتكميلي دور استخدامه محدود جدا وهو أسلوب التصوير(1).

أ‌- أسلوب البطاقات:
يعتمد أسلوب البطاقات Les fiches ou les cartes في جمع وتخزين المعلومات على إعداد بطاقات صغيرة الحجم أو متوسطة الحجم، قد تكون هذه البطاقات معدة مسبقا ويتم الحصول عليها من المكتبات والقرطاسيات أو يعدها الباحث بنفسه من ورق جيد(1).
ثم يقوم بتنظيمها عن طريق تصنيفها وترتيبها طبقا لأجزاء وأقسام وعناوين خطة تقسيم وتبويب موضوع البحث، ويشترط في البطاقات أن تكون متساوية الحجم، وتكون مجهزة للتسجيل والكتابة فيها على وجه واحد فقط ووضع مجموعات البطاقات المتجانسة من حيث عنوانها الرئيسي في ظرف أو صندوق خاص(2).
ويجب أن يكتب في البطاقة كافة المعلومات المتعلقة بالوثيقة أو المصدر أو المرجع الذي نقلت منه المعلومات والأفكار والحقائق، مثل اسم المؤلف، ، وعنوان الوثيقة، وبلد ودار الإصدار والنشر، ورقم الطبعة وتاريخها ورقم الصفحة أو الصفحات(3).
ويجب أن يكتب في البطاقة بخط واضح، وتترك فراغات لاحتمالات تسجيل أفكاره مستجدة حول الموضوع.
ويتصف أسلوب البطاقات بالدقة والتعقيدية والصعوبة في استعماله، بالقياس إلى أسلوب الملفات، ولكن عملية المفاضلة في اختيار أي الأسلوبين يجب اعتماده ترجع إلى اعتبارات وعوامل نفسية لدى الباحث(4).

ب‌- أسلوب الملفات:
أسلوب الملفات يتكون من غلاف سميك ومعد لاحتواء أوراق مثقوبة متحركة، فيقدم الباحث بتقسيم الملف أو الملفات وفقا لأجزاء وأقسام خطة تقسيم وتبويب الموضوع المعتمدة (أقسام وأبواب وفصول وفروع ومباحث ومطالب وأولا وثانيا، و أ و ب، مع ترك فراغات لاحتمالات الإضافة وتسجيل معلومات مستجدة أو احتمالات التغيير والتعديل(1).
ويمتاز أسلوب الملفات بعدة مزايا بالقياس إلى أسلوب البطاقات أهمها(2):
1- ميزة السيطرة الكاملة على معلومات الموضوع من حيث الحيز.
2- ميزة ضمان حفظ المعلومات المدونة وعدم تعرضها للفقد.
3- ميزة المرونة، حيث يسهل على الباحث أن يعدل أو يغير أو يضيف في المعلومات.
4- ميزة سهولة المراجعة والمتابعة من طرف الباحث لما تم جمعه وتخزينه من المعلومات والحقائق والأفكار.

هذا هما الأسلوبان الأساسيان لجمع وتخزين المعلومات من الوثائق والمصادر والمراجع، ويوجد إلى جانبهما أسلوب التصوير كأسلوب استثنائي جدا، حيث ينحصر استعماله في الوثائق التي تحتوي على معلومات قيمة وهامة، ولكنها مكتوبة بصورة مختصرة ومركزة جدا(3).

 ثانيا: بعض القواعد والإرشادات حول كيفية جمع المعلومات وتسجيلها

إلى حقيقة دقة وصعوبة مرحلة جمع المعلومات وتخزينها، لذا يجب على الباحث أن يتسلح ويتزود بمجموعات المبادئ والإرشادات والتوجيهات التي تساعده في جمع أكبر وأنسب كمية من المعلومات حول موضوع البحث بطريقة منظمة وواضحة، ومن هذه القواعد والإرشادات والتوجيهات:

1- حتمية الدقة والتعمق في فهم أراء ومحتويات الوثائق والفقهاء، والحرص واليقظة في التقاط وتسجيل الأراء والأفكار والحقائق في البطاقات أو الملفات مسنودة ومدعمة بالحجج الكافية(4).
2- يجب أن ينتفي الباحث بعناية ودقة ويقظة ما هو هام وجوهري ومرتبط بموضوع البحث من المعلومات والحقائق والأفكار فقط، ويترك ما يعتبر حشوا وتزيدا(1).
3- يجب أن ينتفي الأفكار والحقائق الأساسية والقائدة والوحية ببقية معلومات وأجزاء الموضوع(2).
4- يجب احترام قواعد ومنطق تصنيف وترتيب البطاقات أو الملفات المستخدمة في جمع وخزن المعلومات(3).
5- قاعدة احترام الترابط والتسلسل المنطقي بين المعلومات والحقائق والأفكار(4).

هذه مرحلة جمع وخزن المعلومات استعدادا لمرحلة صياغة وتحرير البحث بأسلوب علمي ومنهجي كامل.

 المطلب السادس: مرحـلـة الكتـابـة

بعد مراحل اختيار الموضوع، جمع الوثائق والمصادر والمراجع، القراءة والتفكير والتأمل تقسيم تبويب موضوع البحث ومرحلة جمع وخزن المعلومات، تأتي المرحلة الأخيرة والنهائية وهي مرحلة صياغة وكتابة البحث في صورة نهائية.
وتتجسد عملية كتابة البحث العلمي في صياغة وتحرير نتائج الدراسة والبحث، وذلك وفقا لقواعد وأساليب وإجراءات منهجية وعلمية ومنطقية دقيقة، وإخراجه وإعلامه بصور وأساليب واضحة وجيدة للقارئ بهدف اقناعه بمضمون البحث العلمي المعد.
فعملية كتابة البحث العلمي تتضمن أهدافا معينة ومحددة، وتتكون من مجموعة من المقدمات والدعائم يجب على الباحث احترامها والالتزام بها أثناء مرحلة الكتابة، كما تحكم عملية كتابة وصياغة البحث العلمي جملة من القواعد والمبادئ العلمية والمنهجية والمنطقية تقود وترشد الباحث إلى الطريقة العلمية والمنهجية الصحيحة والواضحة والدقيقة والتي توصله في نهاية الأمر تحقيق أهداف تحرير وصياغة نتائج بحثه العلمي.
فلبيان معنى ومضمون مرحلة كتابة البحث العلمي، يستوجب الأمر التعرض إلى النقطتين التاليتين:
أولا: أهداف كتابة البحث العلمي.
ثانيا: مقومات كتابة البحث العلمي.

 أولا: أهداف كتابة البحث العلمي
تستهدف عملية كتابة وصياغة البحث العلمي، عدة أهداف علمية ومنهجية، أهمها الأهداف التالية:
أ‌- أهداف إعلان وإعلام نتائج البحث العلمي

إن الهدف الأساسي والجوهري من عملية صياغة وكتابة البحث العلمي هو إعلام القارئ بطريقة علمية ومنهجية ومنطقية دقيقة ومنظمة عن مجهودات وكيفيات إعداد البحث وانجازه، وإعلان النتائج العلمية التي توصل إليها الباحث.
فكتابة وصياغة البحث العلمي، لا يستهدف التشويق وتحقيق الإشباع والمتعة الفنية والأدبية والجمالية والأخلاقية لدى القارئ كما تفعل القصص والروايات والمسرحيات والمقالات الأدبية، بل تستهدف كتابة وصياغة البحث العلمي تحقيق عملية الإعلام العلمي عن جهود ومراحل ونتائج عملية البحث العلمي التي قام بها الباحث العلمي وأنجزها(1).
ب‌- هدف عرض وإعلان أراء وأفكار الباحث الشخصية:

كما تستهدف عملية تحرير وصياغة البحث العلمي إعلام اجتهادات وآراء الباحث الشخصية مدعمة بالأسانيد والحجج المنطقية والعملية، وذلك بصورة منهجية مضبوطة ودقيقة وواضحة، وذلك لإبراز شخصية الباحث العلمي الجديد في الموضوع محل الدراسة والبحث العلمي.(2)
ج- هدف استنباط واكتشاف النظريات والقوانين العلمية
وذلك عن طريق الملاحظة العلمية ووضع الفرضيات العلمية المختلفة ودراستها وتحليلها وتقييمها، بهدف استخراج نظريات قانونية أو قوانين علمية حول موضوع الدراسة والبحث العلمي وإعلانها(3).

 ثانيا:مقومات كتابة البحث العلمي
لكتابة وصياغة البحث العلمي، كتابة وصياغة علمية ومنطقية ناجحة، وبطريقة علمية سليمة، وأسلوب علمي ممتاز، من أجل تحقيق أهداف البحث العلمي السابقة البيان، لابد من توفر مقومات كتابة وصياغة البحث العلمي الجيد، واحترامها والالتزام بها من طرف الباحث العلمي.
ومن أهم مقومات كتابة البحث العلمي، تحديد واعتماد منهج – البحث العلمي المعروفة وتطبيقه في الدراسة والبحث، والأسلوب العلمي والمنهجي الجيد، واحترام قانون الاقتباس، وقانون الاسناد والتوثيق والأمانة العلمية، ووجود وظهور شخصية الباحث، ومقدم الخلق والتجديد والابتكار الجديد في موضوع البحث العلمي.
وبهدف توضيح مقومات كتابة وصياغة البحث العلمي بصورة جيدة ودقيقة وأكثر عمقا، يتطلب الأمر عرض وتفسير كل مقوم من هذه المقومات، وذلك على النحو التالي:
أ‌- تحديد وتطبيق منهج البحث العلمي المعتمدة في الدراسة والبحث.
ب‌- الأسلوب في كتابة وصياغة البحث العلمي.
ج- قوانين الاقتباس.
د- قواعد الإسناد وتوثيق الهوامش.
هـ- الأمانة العلمية.
و- الإبداع والابتكار والخلق والتجديد والإضافة.

أ‌- تحديد وتطبيق منهج البحث العلمي المعتمدة في الدراسة والبحث
من المقومات الجوهرية والأساسية لكتابة وصياغة البحث العلمي بصورة جيدة وعلمية تطبيق منهج أو أكثر من مناهج البحث العلمي، والالتزام بمبادئها ومراحلها وقوانينها وأدواتها، بدقة وصرامة، حتى يصل ببحثه العلمي إلى النتائج العلمية الصحيحة بطريقة منتظمة ودقيقة وواضحة.فلقد سبقت محاولة تحديد وتعريف معنى المنهج العلمي، باعتباره حسن السير بالعقل للبحث عن الحقيقة في العلوم(1)، أو باعتباره:”الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة تهيمن على سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة”(2).
وقد سبق التعرف على مناهج البحث العلمي وهي المنهج الاستدلالي، المنهج التجريبي، المنهج الدياليكتيكي ” الجدلي” والمنهج التاريخي.
فتطبيق منهج أو أكثر من مناهج البحث العلمي في عملية إعداد البحث العلمي، يعتبر مقوم جوهري وحيوي للكتابة والصياغة العلمية الصحيحة والجيدة للبحث العلمي، حيث يسير الباحث وينتقل بطريقة علمية ومنهجية منتظمة ودقيقة في ترتيب وتحليل وتركيب وتفسير الحقائق والأفكار العلمية،، حتى يصل إلى النتائج العلمية النهائية لبحثه بطريقة مؤكدة ومضمونة.
فهكذا يؤدي المنهج الاستدلالي بكل نظامه، ومبادئه “المبدهيات، المصادرات، والتعريفات”، وأدواته “القياس، التجريب العقلي، والتركيب”، وتطبيق المنهج التجريبي بكافة خطواته (خطوة التعريف، خطوة التحليل، وخطوة التركيب)، وعناصر أو مقوماته (الملاحظة العلمية، ووضع الفرضيات العلمية، والتجريب العلمي)، وتطبيق المنهج الجدلي “الدياليكتيكي” بكل قوانينه العلمية ( قانون التحول من التغيرات الكمية إلى التغيرات الكيفية والنوعية، قانون وحدة وصراع الاضداد، وقانون نفي النفي).وتطبيق المنهج التاريخي بكافة عناصره، ومراحله الأساسية (عنصر ومرحلة تحديد المشكلة العلمية التاريخية، عنصر ومرحلة جمع وحصر الوثائق العلمية التاريخية، عنصر ومرحلة نقد وتقييم الوثائق العلمية التاريخية، وعنصر ومرحلة عملية التركيب والتفسير التاريخي).
يؤدي تطبيق منهج أو مناهج البحث العلمي هذه بدقة وصرامة من طرف الباحث العلمي إلى اكتساب عملية الصياغة والكتابة في البحث العلمي مزايا الدقة والوضوح والعلمية والمنطقية والموضوعية، وفت ترتيب وتوضيح الحقائق والأفكار العلمية المتعلقة بموضوع البحث العلمي، يوفر ضمانات السير المتناسق والمنتظم والدقيق والواضح في بحث وتحليل وتركيب وصياغة وتحرير البحث عبر أجزائه المختلفة.

ب‌- الأسلوب في كتابة البحث العلمي:
الأسلوب في صياغة وتحرير البحوث العلمية، له مفهوم أوسع من المفهوم اللغوي للأسلوب في النظرية الأدبية، حيث يتضمن مدلول الأسلوب –هنا- العديد من العناصر والخصائص حتى يكون أسلوبا علميا مفيدا ودالا وإعلاميا موضوعيا، مثل سلامة اللغة وفنيتها ودقتها وسلامتها ووضوحها، والإيجاز والتركيز الدال والمفيد، وعدم التكرار، والقدرة على تنظيم المعلومات والأفكار والحقائق العلمية، وعرضها وإعلامها بطريقة منطقية وفق أنماط وأسس ومقاييس محددة، والدقة والوضوح والتحديد والبعد عن الغموض والإبهام والعمومية في العرض، وتدعيم الأفكار والحقائق والفرضيات المعروضة بأكبر وأقوى الأدلة القوية والمناسبة، والتماسك والتسلسل والتناسق بين أجزاء وفروع وعناصر الموضوع، وكذا قوة وجودة الربط في عمليات الانتقال من كلمة إلى كلمة ومن جملة إلى جملة، ومن فقرة إلى فقرة، ومن موضوع إلى موضوع، ومن فكرة إلى أخرى، ومن دليل إلى آخر ومن جزء أو فرع إلى آخر من أجزاء وفروع موضوع البحث العلمي(1).

فأسلوب كتابة صياغة البحوث العلمية بطريقة موضوعية ومنطقية جيدة وسليمة يشتمل على العناصر التالية:
1- اللغة الفنية المتخصصة السليمة والقوية في دلالتها ومعانيها وتركيبها(1).
2- الاتجاه والتركيز المباشر حول حقائق وأفكار وفرضيات الموضوع محل الدراسة والبحث، بتعابير موجزة ومركزة ودالة، والبعد تماما عن الأسلوب الخطابي والإطناب والمبالغة في عرض الفرضيات والحقائق والأفكار المتعلقة بموضوع البحث(2).
3- حسن وفن تنظيم المعلومات والحقائق والأفكار العلمية المتعلقة بموضوع البحث العلمي عند عرضها على أسس ومعايير منطقية وعلمية منهجية موضوعية(3).
4- الدقة والتماسك والتناسق الجيدين عناصر وأجزاء وفروع الموضوع(4).
5- تسلسل وترابط عملية الانتقال بين الكلمات والجمل والفقرات والأفكار، والحقائق وأجزاء وفروع موضوع البحث(5).
6- البساطة والوضوح والدقة في عرض الأفكار والحقائق والمعلومات والابتعاد عن كافة مظاهر التعقيد والإبهام والغموض والاستطراد(6).
7- التكييف والاسناد والتدليل القوي والمنتظم للحقائق والأفكار والمعلومات والفرضيات العلمية المعروضة والمتعلقة بموضوع البحث العلمي(7).
8- تلافي التكرار والحشو والاطناب والتناقض في الصياغة والعرض لأفكار وحقائق ومعلومات موضوع البحث العلمي(8).
هذه بعض عناصر وخصائص الأسلوب العلمي الجيد والسليم اللازم لصياغة وكتابة البحث العلمي.

ج- قواعد الاقتباس:
كثيرا ما ينقل الباحث ويقتبس نصوص وأحكام رسمية أو أراء وأفكار الآخرين بهدف اسناد وتأسيس وتدعيم فرضياته وآرائه العلمية، أو بغرض نقدها وتحليلها وتقييمها، أو بغاية بيان الآراء والأفكار والأحكام المختلفة والمتعارضة بخصوص الموضوع محل الدراسة والبحث(1).
ولكي تتحقق عملية الاقتباس هذه، وتحقق أهدافها في نطاق حدود أخلاقيات النزاهة والموضوعية، والأمانة العلمية، وتأكيد وجود الكفاءة والشخصية العلمية للباحث العلمي، توجد مجموعة من الضوابط والقواعد المنهجية، يجب على الباحث العلمي احترامها والتقيد بها عند القيام بعملية الاقتباس(2).

 بعض الإرشادات والقواعد المتعلقة بعملية الاقتباس:

هناك بعض القواعد والإرشادات تتعلق بعملية الاقتباس في البحوث العلمية يتطلب من الباحث العلمي والالتزام بها بدقة وعناية، حتى يستفيد –علميا- من عملية الاقتباس، وحتى تتم عملية الاقتباس هذه بصورة مشروعة وسليمة وموضوعية.
ومن هذه القواعد والإرشادات ما يلي:
• الدقة والفطنة التامة في فهم القواعد والأحكام والفرضيات العلمية وآراء الغير المراد اقتباسها(3).
• عدم التسليم والاعتقاد بأن القواعد والأحكام والفرضيات والآراء هي حجج ومسلمات مطلقة ونهائية بخصوص الموضوع، بل يجب اعتبارها دائما أنها مجرد فرضيات تتطلب عملية التجريب والنقد والتحليل والتقييم(4).
• الدقة والجدية والموضوعية في اختيار ما يقتبس منه، وما يقتبس، يوصي ويطلب من الباحث العلمي دائما أن يختار العينات الجديرة بالاقتباس في البحوث العلمية، أي أن يختار الأفكار والأحكام والآراء والمواقف الأصلية والقيمة، والتي تعتبر حجة علمية جوهرية، مثل النص القانوني، والحكم القضائي والوثائق الأصلية في الموضوع، وآراء وأفكار ونظريات الفقهاء والعلماء الكبار والذين يعتبرون حجة علمية في ميدان تخصصهم العلمي المتعلق بالموضوع محل الدراسة والبحث(1).
• الفطنة والدقة والعناية الكاملة أثناء عملية النقل والاقتباس، وتجنب الأخطاء والهفوات في عملية النقل والاقتباس هذه(2).
• حسن الانسجام والتوافق بين المقتبس وبين ما يتصل به، وتحاشي عوام التنافر والتعارض وعدم الانسجام بين العينات المقتبسة وسياق الموضوع المتصل بها(3).
• عدم التطويل والمبالغة في الاقتباس، والحد الأقصى المتفق هو ألا يتجاوز الاقتباس الحرفي المباشر على ستة أسطر(4).
• عدم ذوبان واختفاء شخصية الباحث العلمي بين ثنايا الاقتباسات، بل لابد من تأكيد وجود شخصية الباحث العلمية أثناء عملية الاقتباس ذاتها، عن طريق دقة وحسن الاقتباس، والتقديم والتعليق، والنقد والتقييم للعينات المقتبسة.
هذه بعض الإرشادات والتوجيهات والقواعد المرشدة للباحث أثناء القيام بعملية الاقتباس أثناء تحرير وصياغة بحثه.

 كيفيات وضوابط عملية الاقتباس:

النقل والاقتباس نوعان، نقل واقتباس حرفي ومباشر، ونقل واقتباس غير مباشر غير حرفي يعتمد على نقل الأفكار والآراء والفرضيات ولكن تعاد صياغة بأسلوب ولغة الباحث(5).

وفي حالة الاقتباس الحرفي والمباشر للعينة المقتبسة، سواء كانت نص قانوني رسمي، أو حكم قضائي، أو رأي فقهي،يجب أن ينقل بعناية ودقة – كما سبقت الإشارة إلى ذلك- ويكتب بين قوسين “بين ظفرين”، وبطريقة واضحة وبشكل مختلف ومتميز عن سياقة كتابة الموضوع، كأن يكتب في وسط الصفحة، وبحروف صغيرة جدا، وفي سطور جد متقاربة، ويرقم الاقتباس ثم يشار في الهامش إلى كافة المعلومات المتعلقة بالمصدر المقتبس منه، وفقا لقواعد وإجراءات الإسناد وتوثيق الوثائق والمصادر والمراجع، الذي سيأتي شرحه بعد قليل(1) وهذا مثال يجسد معنى الفقرة السابقة.

“الميثاق الوطني هو المصدر الأساسي لسياسة الأمة وقوانين الدولة وهو المصدر الأيديولوجي والسياسي المعتمد لمؤسسات الحزب والدولة على جميع المستويات. الميثاق الوطني مرجع أساسي أيضا لأي تأويل لأحكام الدستور”(2).

و” إن مسؤولية الأب تقوم على أساس خطأ مفترض فيه، إنه أهمل مراقبة وتربية ولده، ولا تسقط هذه القرينة إلا إذا أثبت أنه قام بواجب الرعاية والتوجيه…
أما في الاقتباس غير الحرفي وغير المباشر، فإن الباحث مطلوب منه صياغة الآراء والأفكار والفرضيات التي اقتبسها، بأسلوبه الخاص، وأن يسند ويشير في الهامش إلى أصحاب هذه الآراء والأفكار والفرضيات ومصادرها، وذلك وفقا لقواعد وإجراءات الإسناد وتوثيق الهوامش، ودون وضع العينات المقتبسة بين قوسين أو ظفرين، كما هو الحال في الاقتباس المباشر والحرفي(3).

د- قواعد الإسناد وتوثيق الوثائق في الهوامش:

المقصود –هنا- بقواعد الإسناد وتوثيق الوثائق، من وثائق بالمعنى الخاص الضيق، ومصادر، ومراجع في الهوامش، هو إسناد وإلحاق المعلومات المقتبسة اقتباسا مباشرا وحرفيا أو اقتباسا غير مباشر وغير حرفي إلى أصحابها الأصليين، وبيان الوثائق التي وجدت فيها هذه المعلومات، وذلك في الهوامش ووفقا للقواعد والأساليب المنهجية المقررة لذلك.
فما دامت البحوث والدراسات العلمية هي مجموعة معلومات مستقاة من مختلف الوثائق والمصادر والمراجع بالدرجة الأولى، وليست مثل المقالات العلمية والأدبية التي تعتبر عن الآراء الشخصية لكاتبيها، فإنه لابد من استخدام قواعد الإسناد وتوثيق الوثائق في الهوامش طبقا لقواعد وأساليب المنهجية الحديثة في توثيق الوثائق وتنظيم الهوامش عند كتابة البحث العلمي.

فهكذا يجب على الباحث عندما يعتمد ويقتبس معلومات أو أفكار وحقائق من وثائق ومصادر ومراجع مختلفة، أن يوضع في نهاية الاقتباس رقما في متن الصفحة، ثم يعطي في الهامش كافة المعلومات المتعلقة بهذه الوثائق، مثل اسم المؤلف، وعنوان الوثيقة، وبلد ومدينة الطبع والنشر، ثم رقم الطبعة، وتاريخها، ورقم الصفحة التي توجد فيها المعلومات المقتبسة… وهكذا(1).
ونظرا لاختلاف أنواع الوثائق التي تحتوي على المعلومات المتعلقة بموضوع البحث، من مؤلفات وكتب عامة، ومقالات علمية منشورة في مجلات دورية، ووثائق رسمية، ورسائل وأبحاث الماجستير والدراسات العليا والدكتوراة، ونظرا لاختلاف حالات الاقتباس، مثل تعدد الاقتباس من وثيقة واحدة عدة مرات، والاقتباس من أكثر من وثيقة واحدة لذات المعلومات، فإن قواعد وكيفيات الإسناد وتوثيق الوثائق والمصادر والمراجع في الهوامش تختلف من حالة إلى حالة أخرى(2).

1- الإسناد وتوثيق الهوامش في حالة الاقتباس من المؤلفات والكتب العامة:

هنا لابد من ذكر المعلومات التالية والمتعلقة بالكتاب أو المؤلف العام، الذي نقلت واقتبست منه المعلومات:
• اسم الكاتب أو المؤلف
• عنوان المؤلف أو الكتاب
• بلد ومدينة ودار الطبع والنشر.
• عدد الطبعة.
• تاريخ الطبعة.
• رقم الصفحة أو الصفحات.
مثال ذلك1:
1/ يوسف نجم جبران، درسات في القانون، لبنان، بيروت، دار الثقافة، الطبعة الأولى، 1962، ص 7 وما بعدها
J.M Auby, droit administratif, Paris, Sirey, 1957, P19 et S.
هذا في حالة ذكر المرجع أو المصدر لأول مرة، وفي حالة استخدام ذات المرجع ولنفس المؤلف فإنه يكتفي بذكر المرجع على النحو التالي(1).
2/ يوسف نجم جبران، المرجع السابق، أو المرجع السابق الذكر، ص 20.
J.M Auby, op, cit, p31.
اصطلاح op. cit أي In the work cited opero citato
ما سبق ذكره، كما قد يستعمل باللغة الأجنبية المختصر IBID ومعناه في ذات المكان.

وإذا ما استخدمت عدة كتب أو مؤلفات لكاتب واحد، فإن الأمر يتطلب ذكر عنوان كل كتاب على حدة في كل مرة يستخدم فيها اسم الكاتب الذي اعتمد عليه في نقل المعلومات. وذلك قبل ذكر عبارة المرجع السابق، وذلك لتجنب الخط والغموض في تحديد الكتاب الذي تضمن المعلومات المقتبسة من بيت الكتب المتنوعة المختلفة لكاتب واحد(2).

2- الإسناد وتوثيق الهوامش في حالة الاقتباس من مقال منشور في مجلة دورية:

وفي حالة الاقتباس من مقال علمي متخصص منشور في دورية من الدوريات، فإن عملية ترتيب المعلومات وتوثيق الهامش تكون كالتالي:
– اسم المؤلف أو الكاتبن عنوان المقال بين قوسين، المجلة، وتحتها خط، ثم اسم الهيئة التي تصدرها، بلد ومدينة ودار الطبع والنشر، والسنة ورقم العدد، ثم تاريخ ورقم الصفحة أو الصفحات الموجودة فيها المعلومات المقتبسة، مثال ذلك(1):
وإذا ما تكرر استخدام ذات المقال، ولنفس الكاتب، فإنه يكتب اسم الكاتب، ثم تذكر عبارة المقال السابق، المرجع السابق، ص؟.

3- الإسناد وتوثيق الهوامش في الاقتباس من أبحاث ورسائل الماجستير والدراسات العليا والدكتوراة غير منشورة:

أما في حالة الاقتباس والاستفادة من المعلومات المتعلقة بموضوع البحث والموجودة في أبحاث علمية أكاديمية، جامعية متخصصة، وفي صورة أبحاث ورسائل لنيل درجات وألقاب علمية، مثل أبحاث ورسائل دبلومات الدراسات العليا، والماجستير، والدكتوراة باختلاف أنواعها، فإن عملية الإسناد وتوثيق الهوامش بشأنها، فإنها تكون كالتالي(2):
• اسم الباحث مقدم البحث او الرسالة.
• عنوان البحث أو الرسالة ويوضع تحته خط.
• بيان صورة البحث من حيث هل هو بحث دبلوم الدراسات العليا، أو بحث لنيل درجة الماجستير أو لنيل درجة الدراسات المعمقة، أو رسالة دكتوراة الدرجة الثالثة، أو رسالة دكتوراه دولة، ثم ذكر اسم الجامعة والكلية او المعهد أو الأكاديمية التي تم إعداد ومناقشة البحث أو الرسالة بها.
• تاريخ المناقشة.
• ثم رقم الصفحة أو أرقام الصفحات(3).

وفي حالة الاعتماد على ذات البحث أو الرسالة مرة أو مرات أخرى متكررة، فإنه يكتفي بذكر اسم الباحث، وذكر لفظ البحث أو الرسالة السابقة حسب نوعية وصورة البحث من حيث هل هو بحث أم رسالة دكتوراة، ثم بيان رقم الصفحة أو أرقام الصفحات(1).

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.