حكم تمييز امن دولة : أعانت عمدًا العدو بدعمها قواته

محكمة التمييز
طعن بالتمييز رقم (6/93) أمن دولة
جلسة 27/ 6/ 1994
برئاسة السيد المستشار محمد يوسف الرفاعي رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين يوسف غنام الرشيد، مغاوري شاهين، جلال الدين أنسي، محمد فؤاد بدر.

الوقائع
أقامت النيابة العامة الدعوى الجزائية ضد المتهمة طالبة معاقبتها بالمادة (6 / أ ج) من القانون رقم 31/ 1970 المعدل لبعض أحكام قانون الجزاء، وذلك بوصف أنها في الفترة من 2/ 8/ 1990 حتى 26/ 2/ 91 بدائرة دولة الكويت تدخلت لمصلحة القوات العراقية المعادية خلال فترة احتلالها البلاد في اتخاذ تدابير لإضعاف الروح المعنوية للمواطنين، وقوة المقاومة عندهم ونقلت إليها أخبارًا، وكانت لها مرشدة، وذلك بإبلاغها لتلك السلطات عن العسكريين والمدنيين من أفراد المقاومة وأعضاء خلاياها والمبينة أسماؤهم بالتحقيقات مما أدى لاعتقالهم وتعذيبهم وإعدام البعض منهم على النحو المبين بالتحقيقات، ومحكمة أمن الدولة العليا قضت في 30/ 1/ 1993 حضوريًا بإعدام المتهمة، فطعنت في هذا الحكم بطريق التمييز، وعرضت النيابة القضية على محكمة التمييز مشفوعة بمذكرة أبدت فيها الرأي بإقرار الحكم، وبتاريخ 21/ 2/ 94 حكمت محكمة التمييز بتمييز الحكم المطعون فيه، وحددت جلسة لنظر الموضوع.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة،

وحيث إن الواقعة – على ما يبين من الاطلاع على الأوراق والتحقيقات التي أجرتها المحكمة بالجلسات تتحصل في أن المتهمة – (……) – وهي عراقية الأصل اكتسبت الجنسية الكويتية بزواجها من (….) تعرفت أثناء فترة الاحتلال العراقي للبلاد بضابط من استخبارات العدو ينادى باسم (…..)، ووطدت علاقتها به بتكرار لقاءاتها معه ومصاحبته وآخرين من زملائه إلى منزل أقارب أحد أفراد المقاومة تريد سلطات الاحتلال القبض عليه للتحري عنه، وتتمكن من الإيقاع به، وكان سلوكها مع هؤلاء الأفراد من القوات المعادية فيه ما يظهر تأييدها لهم، وهي كويتية مما من شأنه أن يوقع في نفوسهم أن من المواطنين من لا يضمر لهم الكراهية، ويدعم نشاطهم بما يمكن لهم من الاستقرار بالبلاد، وذلك مما يثير روح الإقدام في جنود العدو ويحثهم على الصمود، فقد شهد كل من (….) و(….) و(….) الأولى والدة زوج المتهمة والأخيرين أخواه – أن المتهمة كانت قبل الغزو تخاصمهم، ولا تعودهم، وبعده صارت تتردد على دارهم مع أفراد من استخبارات العدو أحدهم يدعى (…..) تتسمع الأخبار منهم، وأن شقيق زوجها المدعو (….) ذات يوم كان يزورها بمنزلها فطلبت إليه أن يغادره بدعوى أن الأعداء يبحثون عنه، فلما خرج كانت عناصر من الاستخبارات بتدبير معها يرقبونه وتتبعوا تحركاته حتى إذا التقت بأفراد مجموعة من رجال المقاومة ألقوا القبض عليهم، فلجأ الشهود إليها يطلبون منها العمل على إطلاق سراحه فكانت تطالبهم بتسليم (….) أحد عناصر المقاومة، وزوج إحدى بنات الشاهدة الأولى إلى سلطات الاحتلال مقابل إطلاق سراح (….)،

ثم علموا بإعدام (…..) ومجموعته، وشهد (…..) أن (…..) وقع في أيدي الأعداء على نحو ما صور الشهود السابقين وأضاف أن زوج المتهمة أخبره أن لها علاقة باستخبارات العدو، وأنها توعدته بتطهير الديوانية ممن يلقاهم فحذر (…..) منها لعلاقتها بـ (….)، وبعد القبض على (…..) كانت تطلب من أصهاره أن يسلموه هو ليتم الإفراج عن ابنهم (…..)، وقال أنه يعتقد أنها هي التي أبلغت عن الخلية التي كانت ينتمي هو و(…..) إليها لأنها كانت تراقبهما، وربما حصلت من الأخير على معلومات عنهم، وشهد (….) أن زوج المتهمة نصحه بمغادرة البلد لأن المتهمة وأختها أبلغتا سلطات الاحتلال أن أبناءه من العسكريين لكنه لم يأبه، فألقت تلك السلطات القبض على ولديه (….) و(…..) فذهب إلى الضابط (….)، وقدم إليه ما يفيد أن الاثنين مدينين فتخاطب بطريق الهاتف مع من دل صوتها على أنها أنثى، وعرفها بذلك وأجابته بأن الشاهد ولدًا يدعى (…..)، وقد حدثه زوج المتهمة عن علاقتها بـ (…..) ذاكرًا له أنه سيكون له معها وأختها حسابًا – وقرر الشاهد أنه يعتقد أن المتهمة هي التي عرفت الضابط قريبها بأولاده.

وشهد (…..) أنه صديق زوج المتهمة، وقد قبض عليه وقام بالتحقيق معه الضابط (….) الذي عرفه بقرابته للمتهمة وأختها (…..)، وأثناء تعذيبه بمعرفة هذا الضابط أجرى اتصالاً هاتفيًا بمن ناداها باسم (….)، وقال لها أن ابن (…..) ليس شرطيًا، وفي اليوم التالي سأله عن (…..) مقررًا أنه من أفراد المقاومة، وبعد إطلاق سراحه علم من زوجها أنها وأختها المبلغتين عنه كما سمع من والده (….) أن المتهمة سعت لإطلاق سراحه، وطلبت لقاء ذلك مبلغًا وتسليم (….) لسلطات الاحتلال وشهد (….) و(…..) أنهما بينما كانا في خيمة لزوج المتهمة أمام مسكنها معهما (…..) و(….) قامت قوة يرافقها الضابط (…..) بإلقاء القبض عليهم، وكانت المتهمة تقف بجاب سيارتها ترقبهم ويعتقد أنها هي المبلغة عنهم لعلاقتها بذلك الضابط، وقد أطلق سراح (…..) بعد أن اتصل أهله بالمتهمة، وطلبوا وساطتها.

وشهد (…..) بما لا يخرج عن أقوال الشاهدين السابقين وأضاف أنه كان يطلب من خادمة المتهمة الفلبينية تزويده بالمعلومات لما يدور بمسكنها لعلاقتها بـ (…..)، وقد قالت له الخادمة أنها سمعتها تطلب من هذا الأخير الإطاحة بمن يدعى (…..)، وأضاف أنه يعتقد أن المتهمة المبلغة عنهم، وأنها من تحدث إليها (…..) للعلاقة التي تربطهما – كما قال أن العراقيين كانوا يحضرون إليها أشياء مسروقة.
وشهد (…..) أن علاقة المتهمة بأصهاره كانت سيئة ثم صارت تتردد عليهم يرافقها الضابط (…..)، وتتهددهم، وقد قبضت عليه سلطات الاحتلال، وهو ذاهب لأصهاره لاعتقادهم بأنه (…..).
وشهد (…..) أن زوج المتهمة حذر والده من احتمال القبض عليهم لأن له أخوة عسكريين، وقد عرف من الضابط أن (…..) متزوج من قريبة له وتوسط لصالحه.
وشهدت (…..) أنها كانت تعمل في خدمة المتهمة، وإن (….) كان يتردد على المنزل، ويقضي الليل مع مخدومتها ويحادثها بما لم تتبين مضمونه.

وشهد (….) – زوج المتهمة – أنه لما ألقي القبض على ابنه (….) طلبت منه المتهمة بالاتصال بـ (….) ابن خالتها لإطلاق سراحه، ثم سافرت إلى العراق، وكان (….) هناك في إجازة، ولما رجع أخلى سبيل ابنه، وقال أن القبض على (….) ورفاقه حصل أثر مشاجرة، وكانت زوجته آنذاك تقف قرب سيارتها، وكان مع القوة شخص ملثم، وأن زوجته توسطت لـ (….) استجابةً لرجاء من والدته، وبعد مدة قبض عليه هو لاتهامه بحيازة سلاح وقد سئل حينئذ عن (….) فنفى معرفته بمكان تواجده، ونفى أن (….) طلب إلى المتهمة أن تعاونه في القبض على (…..)، كما قال أن اتهام (…..) لزوجته يرجع إلى أنها شاهدته من قبل خادمتها، وقد كانت استضافة المتهمة لـ (…..) بناءً على رغبة أبداها أهله في محاولة لإطلاق سراح أخوه (…..)، وقد قال لهم أن سلطات الاحتلال تشترط لذلك أن يقوموا بتسليم (…..)، ونفى ما نقله عنه (…..) من أن المتهمة توعدته بإلحاق الأذى برواد الديوانية وقال إن أهله هم الذين حرضوه على اتهامها لكراهيتهم لها وكذلك نفي إبلاغه (…..) أنها وشت بأولاده، وأضاف أنه كان يحوز بمنزله سلاحًا، ولم تبلغ عنه المتهمة، وأن أهله أكرهوه على تطليقها.

وشهد (…..) – ابن المتهمة – بأن قبض عليه وطلق سراحه بمعرفة (…..) الذي عرفته بقرابتهما – ولما ألقي القبض على (…..) ورفاقه بالخيمة طلب والده (…..) من المتهمة التدخل لإخلاء سبيله فاستجابت وتم ذلك، ثم ألقي القبض على والده ليرشد عن زوج أخته (…..) أحد أفرد المقاومة.

وشهد (……) أنه لما قبض على ثلاثة من إخوته طلب إليه أبوه الاتصال بالمتهمة بشأن إطلاق سراحهم، فلما كلمها أعطته رقم هاتف (……) ليتصل به ويعرفه أنه من قبلها وبذلك أخلى سبيل إخوته.
وشهدت (……) و(……) و(……) و(……) – شهود نفي المتهمة – بما ينفي تعاونها مع الأعداء وقالوا أنها كانت تمد يد المساعدة لمن يلوذ بها.

وحيث إن المتهمة أنكرت الاتهام المسند إليها، وقالت أن أختها عرفتها بـ (……) إذ التقتا به عرضًا باعتباره ابن خالتهما، وأنها لجأت إليه لإطلاق سراح أشخاص ممن اعتقلوا، وأن اتصالها به بشأن (……) كان استجابة لرجاء من والدته، وقد كان رد (……) الذي أبداه بنفسه أن سلطات الاحتلال تطلب أن يقوموا بتسليم (……) لتجاب رغبتهم.
وحيث إن الدفاع عن المتهمة قام على أن ما أسنده الشهود لها من وقائع محض استنتاجات لا دليل عليه، ولا تتوافر به أركان الاتهام الذي أسندته النيابة إليها.

وحيث إن النيابة أسندت للمتهمة أنها تدخلت في تدبير لإضعاف الروح المعنوية للمواطنين لصالح القوات العراقية أثناء فترة احتلالها البلاد، وهي جريمة يلزم لتوافر ركنها المادي تدخل الجاني في التدبير إما بالمساهمة في ترتيبه بوضع الخطة أو التنظيم الذي يستهدف إضعاف تلك الروح أو المساهمة في تنفيذه بأية وسيلة أو على أي وجه ولو لم يتحقق ذلك الغرض أو لم يكن من شأن فعل الجاني تحقيقه، كما يتطلب ركنها المعنوي أن يقوم مرتكبها على ذلك، وهو عالم بالتدبير أو المشروع المنظم وبالغرض منه، وأن يتغيا بفعله المساهمة في هذا التدبير لإعانة العدو، كما أسندت النيابة للمتهمة تهمة نقل الأخبار إلى العدو وإرشاده بإبلاغها سلطاته عن عسكريين ومدنيين من أفراد المقاومة مما أدى إلى اعتقالهم وتعذيب وإعدام بعضهم، ولما كانت المحكمة لا تطمئن لما قرره شهود الإثبات من أن المتهمة دبرت مع سلطات الاحتلال للإيقاع بـ (…..)، ومجموعته وإبلاغها عمن تم أسرهم بالخيمة أمام منزلها إذ خلت الأوراق من دليل مقنع على مقارفتها تلك الأفعال فلا يكفي للقول بثبوتها في حقها مجرد أنه ربطتها بضباط الاستخبارات (……) علاقة كما لم تفصح التحقيقات عن حقيقة كيفية ضبط (……)،

ومجموعته ولا يعدو ما قال به هؤلاء الشهود من أنها أوحت إليه بمغادرة دارها بينما كان أفراد من استخبارات العدو بالخارج يرقبونه وتابعوه حتى إذا التقت برفاقه ألقوا القبض عليهم أن يكون استنتاجًا لمجرد اعتقاد لدى القائلين به بنوه على علاقتها بضباط الاستخبارات مما قد تجانبه الحقيقة، كما أن وجودها أمام مسكنها قريبًا من مكان الخيمة التي قامت قوة من الأعداء يرافقها الضابط (……) باعتقال روادها قد يكون من محض الصدفة، ولم يكن وليد تدبير مسبق، هذا إلا أن (……) نفى ما نقل عنه من قول بتعاونها مع الأعداء وتحذيره آخرين من تلك العلاقة، وأنها سوف تبلغ عنهم، ومن ثم فإنه ينتفي دليل اشتراكها في تدبير لصالح العدو أو نقلها أخبارًا إليه وعملها مرشدة له، ولا يكون ثمة محل لإنزال العقاب بها على مقتضى نص المادة (6/ أ – ج) من القانون رقم 31/ 1970 المعدل لبعض أحكام قانون الجزاء، على أنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة (7)من هذا القانون نصت على أن (يعاقب بالحبس المؤبد أو المؤقت الذي لا تقل مدته عن خمس سنوات كل من أعان عمدًا العدو بأية وسيلة أخرى غير ما ذكر في المواد السابقة، وكانت المحكمة تطمئن إلى شهادة كل من (……) و(……) و(……) بأن المتهمة ترددت على دارهم صحبة ضابط استخبارات العدو (……)،

وأحيانًا يصاحبهما آخرين من زملائه، وأن الضابط المذكور كان من خلال حديثه إليهم يجمع معلومات عن أفراد من المقاومة تطلبهم سلطات الاحتلال، ومن إقرار المتهمة بعلاقتها بالضابط المذكور أنها كانت بمرافقتها لهؤلاء الأعداء الذين عرفت مقصدهم مما كان الضابط (….) يفصح عنه في حديثه مع أفراد عائلة (……) من التحري عن رجال المقاومة والإيقاع بهم تدعم قوات العدو وتدفعها إلى الصمود، وهو ما يكشف عنه تكرار التقائها بهم ومصاحبتهم رغم ما بدا لها من قصدهم إلى إلحاق الأذى بالمواطنين ووقف نشاطهم في مناهضة قوات الاحتلال، وهو أمر من شأنه إشعار هؤلاء الأعداد بالطمأنينة، وأن الأمر استقر لهم ورفع إحساس بغضاء المواطنين لهم من نفوسهم، وهو ما تتوافر به أركان جناية إعانة العدو طبقًا لنص المادة (7/ 1) سالفة الذكر، فإنه يكون قد ثبت في حق المتهمة أنها في غضون المدة من 2/ 8/ 90 حتى 26/ 2/ 91 بدائرة دولة الكويت أعانت عمدًا العدو بدعمها قواته ودفع هذه القوات إلى الصمود على النحو السابق بيانه ويتعين من ثم عقابها طبقًا لنص المادة (7/ 1) من القانون رقم 31/ 1970 المعدل لبعض أحكام قانون الجزاء.