يتحدد محل الالتزام بالأعلام السابق على التعاقد بتقديم البيانات والمعلومات الخاصة بالعقد المنوي أبرامه، وقد كان للفقيه الفرنسي Juglart دور كبير في اظهار هذا الالتزام الى حيز الواقع على الرغم من افتقار القانون المدني الفرنسي لنص يقرر مثل هذا الالتزام(1). وكان هناك عدد من الاعتبارات التي دفعت باتجاه أقرار هذا الالتزام لعل من ابرزها ان هذا الالتزام السابق على التعاقد يعمل على حماية الرضا من العيوب بمساهمته في تكوين الرضاء الواع المتبصر، ففي القرن الماضي كان الاعتبار لمبدأ حرية الارادة، اما في الوقت الحاضر فان الحاجة تزداد لمبدأ الوقاية خير من العلاج، واعطاء الأهمية للجوانب الوقائية والاحترازية قبل الوقوع اكثر من اعطاء هذه الأهمية للموضوع بعد الوقوع، ويعد الالتزام بالاعلام السابق على التعاقد خير تطبيق لهذا المبدأ بتوقي حدوث عيوب الرضاء(2). ويحمي الاعلام السابق على التعاقد حسن النية والثقة المتبادلة بين الطرفين في مرحلة تكوين العقد، بالزام الطرفين في مرحلة المفاوضات العقدية بعدم كتمان المعلومات الضرورية للتعاقد، وضرورة قيام الطرف الذي يعلم بنوايا الطرف الاخر بامداده بكل المعلومات التي تؤدي الى تنوير رضائه، وتنبيهه لما سيعود عليه من نفع وما قد يلحق به من ضرر حين استعمال محل العقد او الانتفاع به بعد التعاقد (3). وهو في الاخير يساهم في اعادة التوازن العقدي، وخاصة في العلاقة ما بين المستهلك والمهني عندما يكون عرضة للاختلال نتيجة الفجوة في المعرفة بين المتعاقدين (4).

وقد فرض هذا الالتزام على عاتق الطرف الملم بالمعلومات والبيانات الخاصة بالعقد المنوي ابرامه سواء من ناحية شروطه أم أوصاف الشيء محله أم مدى سعة التعهدات المتبادلة الناشئة عنه لصالح الطرف الاقل معرفة ودراية بهدف تكوين الرضاء المستنير الشامل لكل عناصر العقد، وهذه المعرفة بعناصر التعاقد لابد ان تصل الى درجة من السعة والشمولية بحيث تجعل لدى الطرف الاقل معرفة امكانية العدول عن التعاقد أو عدم الاقدام عليه الا بشروط مناسبة (5). والبيانات التي يلتزم المدين بهذا الالتزام بالادلاء بها قد تتعلق بالوضع القانوني لمحل العقد بقصد تكوين العلم الكافي لدى الطرف الاخر، ففي عقد البيع مثلاً يلتزم البائع المحتمل بتزويد المشتري بالمعلومات التي تتعلق بحقيقة الشيء المبيع ووضعه القانوني وما يرد عليه من حقوق أياً كانت طالما ان تلك الحقوق تتعلق بانتفاع المشتري بهذا الشيء(6). وقد يكون الادلاء بالبيانات منصباً على الوضع المادي لمحل العقد وذلك في العقود التي تتضمن التزاماً باداء شيء او نقل حق، كما في البيع والايجار والعارية، ذلك ان الالتزام بالاعلام السابق على التعاقد يعتبر التزاماً مستقلاً في تلك العقود في مرحلة ابرام العقد(7). وقد ادرك المشرع الفرنسي اهمية الالتزام بالاعلام السابق على التعاقد وما يوفره من حماية من شانها ان تجعل كلا المتعاقدين-المهني والمستهلك-على قدم المساواة من حيث العلم بموضوع العقد وشروطه، لذا نصت المادة(111-1)من قانون الاستهلاك الفرنسي على انه:((كل مهني، بائع للسلع او مجهز للخدمات، يجب عليه عند ابرام العقد ان يضع المستهلك في موضع يسمح له بمعرفة الخصائص الاساسية للسلع والخدمات))(8). وعلى الرغم من وضوح التفرقة بين الالتزام بالاعلام قبل ابرام العقد، والالتزام بالاعلام بعد ابرام العقد، فان التمييز بينهما قد يدق في كثير من الاحيان، فقد يحدث الاخلال بواجب العلم السابق على التعاقد ويؤدي الى عدم تنفيذ العقد، لذا فان من المناسب ان نشير الى نقاط التفرقة بينهما فيما يلي:

1- من حيث الاساس :

فالالتزام بالاعلام قبل التعاقد يجد اساسه في نظرية صحة وسلامة الرضا، فهو يتعلق بابرام العقد ويستهدف ايجاد رضاء حر واعٍ مستنير لدى المتعاقد بحيث يكون على علم بحقيقة العقد الذي يبرمه وبياناته التفصيلية، ومدى ملائمته لغرضه الرئيس من ابرام هذا العقد(9). اما الالتزام العقدي بالاعلام اثناء تنفيذ العقد، فهو التزام تابع مرتبط بالالتزامات الاصلية الناشئة من العقد، على الرغم من عدم وجود نص قانوني صريح يقرر وجود مثل هذا الالتزام بين النصوص القانونية الخاصة بتنظيم كل عقد على حدة، وقد قام القضاء بتأسيس هذا الالتزام استناداً الى نص (م1135) من القانون المدني الفرنسي بوصفه من مستلزمات العقد(10). فالتمييز بين الالتزام بالاعلام السابق على التعاقد واللاحق عليه ينبغي ان يستند الى معيار وظيفي ينظر الى الغاية من هذين الالتزامين، فإذا كان الاعلام يتناول عناصر لها تأثير في رضا المتعاقد بحيث ان الاخير لو قدمت له المعلومات بصورة وافية لما اقدم على ابرام العقد، وبعبارة أخرى، ان المتعاقد لو كان على علم بالبيانات المتعلقة بالعقد لتصرف بشكل مختلف وأتخذ قراراً مغايراً، وهنا نكون ازاء التزام بالاعلام سابق على التعاقد، اما اذا كان الاعلام يتناول عناصر لها تأثير في تنفيذ العقد، فعدم تقديم هذه المعلومات لن يؤثر في رضا المتعاقد ولكن قد يؤدي الى عدم تنفيذ العقد، وهنا نكون ازاء التزام عقدي بالاعلام(11).

2- من حيث الوقت :

فالالتزام بالاعلام السابق على التعاقد ينشأ في ذمة الشخص في المدة السابقة للتعاقد، لأن فائدته تتجلى في اعلام الطرف الاخر بمعلومات وبيانات تساعد في تكوين رضائه وقراره الاخير بابرام العقد أو عدم ابرامه، فهذا الالتزام يتعلق بتكوين العقد، اما الالتزام العقدي بالاعلام فانه يتعلق بتنفيذ العقد، أي انه يكون مرتبطاً بالالتزامات الاصلية الناشئة من العقد ويقصد منه حسن تنفيذها(12). والملاحظ على بعض قرارات القضاء الفرنسي عدم تحديدها لطبيعة الالتزام بالأعلام وفيما اذا كان عقدياً أم سابقاً على التعاقد، مما أدى الى خلاف في الفقه، ونسوق التطبيق القضائي الاتي مثلاً على ذلك، فقد قضت محكمة النقض الفرنسية بمسؤولية بائع الاسقف المصنوعة من القرميد عن ضمان رجوع رب العمل على المقاول الذي اقام له منزلاً مصنوعاً من هذه الأسقف في منطقة جبلية بسبب التشققات والتصدعات التي حدثت بها من جراء الثلوج والانهيارات، ومع تسليم محكمة النقض بأن أسقف القرميد التي سلمت كانت هي التي سبق طلبها اصلاً، ومن ثم يكون البائع قد قام بتنفيذ التزامه بالتسليم، ومع ذلك قضت بمسؤولية البائع أستناداً الى انه:(( كبائع محترف يعلم ان هذه الاسقف القرميدية ستستخدم في منطقة جبلية، لايمكن له أطلاقاً ان يدعي جهله بعدم ملائمتها للغرض المطلوب، ومن ثم فانه يكون مديناً بالالتزام بالادلاء بهذه المعلومات للمتصرف اليه))(13). وقد ذهب رأي في الفقه الفرنسي الى ان الالتزام بالاعلام الوارد في الحكم السابق الذكر هو التزام تعاقدي بالادلاء بالبيانات اثناء تنفيذ العقد (14). بينما يذهب البعض الاخر، بحق، ان معيار التمييز بين الالتزامين يستند الى وقت تطلب توافر هذا الالتزام وتنفيذه، فاذا كان هذا الالتزام قائماً على عاتق الشخص ومطلوب منه ان ينفذه قبل ابرام العقد، فانه يكون عندئذ التزاماً قبل تعاقدي بالادلاء بالبيانات، اما اذا كان تنفيذ هذا الالتزام يرتبط بسائر الالتزامات التي تقع على عاتق المتعاقد بعد ابرام العقد واثناء تنفيذه، فانه يكون التزاماً تعاقدياً بالاعلام ببيانات معينة تختلف حسب طبيعة العقد ومضمونه، وبذلك فان الالتزام قبل التعاقدي بالاعلام يجد اساسه ووقته في الوقت الذي يتبادل فيه الطرفان التعبير عن الارادة بقصد انشاء العقد، اذ يجب ان يدلي احد المتعاقدين للأخر في هذا الوقت بكافة البيانات اللازمة لانارة ارادته، وجعل رضاؤه بالعقد يصدر عن ارادة حرة ومستنيرة، من هنا فان التزام بائع الاسقف القرميدية في – القرار السابق – باعلام المشتري بطبيعتها وعدم ملائمتها للغرض المطلوب، هو التزام قبل تعاقدي وكان يقع على عاتق البائع تنفيذه والادلاء بالبيانات المطلوبة قبل ابرام العقد، لانه لو علم المشتري بهذه المعلومات وبعدم ملائمة الاسقف لغرضه الاصلي من الشراء وهو اقامة منزل في الجبال لما أقدم على ابرام العقد، فهو التزام يتعلق بتكوين العقد لا بتنفيذه(15).

3- من حيث جزاء الاخلال به :

الالتزام بالاعلام العقدي يرتبط بتنفيذ الالتزامات الاصلية الناشئة من عقد معين اثناء تنفيذ هذا العقد، لذا فان جزاء الاخلال به لا يثير أي صعوبة اذ ستطبق الاحكام العامة في المسؤولية العقدية والمتعلقة بتنفيذ العقد، فيستطيع الدائن به طلب التنفيذ العيني للالتزام اذا كان ممكناً، كما يستطيع التمسك بعدم التنفيذ بان يمتنع عن تنفيذ التزامه حتى يبادر الطرف الاخر لتنفيذ ما بذمته من التزام بالاعلام، ويمكنه ايضاً طلب فسخ العقد اذا لم يقم المدين بالاعلام بتنفيذ التزامه وتوافرت شروط الفسخ الاخرى(16). اما الالتزام بالاعلام السابق على التعاقد فان الاخلال به يثير مسؤولية المدين به التقصيرية، ويتم تعويض الدائن تعويضاً كاملاً عما قد يلحق به من ضرر بسبب الاخلال بهذا الالتزام وهذا التعويض لا يقدر بالخسارة التي اصابت الدائن وانما عما فاته من كسب أيضاً(17).والواقع ان المعيار الوظيفي قد يكون المعيار الأفضل في التمييز ما بين الالتزام بالاعلام السابق على التعاقد واللاحق عليه، فالاعلام الذي يهدف الى تعريف المتعاقد بعناصر العقد المنوي ابرامه لتكوين رضاء واعٍ مستند الى ارادة حرة مستنيرة يكون اعلاماً سابقاً على التعاقد يهدف الى مساعدة المتعاقد الاقل معرفة في اتخاذ قراره النهائي بالتعاقد عن بصيرة من أمره. في حين يكون الالتزام بالاعلام عقدياً اذا كان يهدف الى احاطة المتعاقد علماً ببيانات ومعلومات تيّسر عليه تنفيذ الالتزامات الناشئة من العقد او تساعده في الاستفادة من محل العقد الذي يتصف بالتعقيد أو الخطورة. اضف الى ان الالتزام بالاعلام السابق على التعاقد هو التزام عام يقع على عاتق كل مهني عند تعامله مع زبائنه المحتملين، اذ يلتزم باطلاعهم على كل ما يرتبط بالعقد المنوي ابرامه، اما الالتزام بالاعلام العقدي فهو التزام ثانوي يرتبط بالالتزامات الاصلية الناشئة من العقد الذي يكون احد طرفيه مهنياً متخصصاً في مواجهة متعاقد عادي، ويتحدد مضمونه بقيام المهني بتوفير قدر من البيانات والمعلومات التي تمكن المتعاقد الاخر من الاستفادة من محل العقد او تيسر عليه تنفيذ الالتزامات الناشئة منه، وقد أضافه القضاء الفرنسي استناداً الى المادة 1135من القانون المدني باعتباره من مستلزمات العقود ذات الطابع المهني. اما الاستناد الى جزاء الاخلال بالالتزام بالاعلام، فلا يسعفنا في عملية التمييز بين الالتزام بالاعلام السابق على التعاقد والالتزام بالاعلام العقدي، لان جزاء الاخلال بالالتزام وفيما اذا كان يخضع لقواعد المسؤولية التقصيرية أم العقدية لا يعدو ان يكون نتيجة مترتبة على عملية التمييز بين هذين الالتزامين.

_________________

-1 juglart ، I ‘obligation de renseignement densles contrats ، Rev – trim. De . civ ،1945 ، p .I ets

نقلاً من د. صبري حمد خاطر، الالتزام قبل التعاقد بتقديم المعلومات، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية، تصدر من كلية القانون جامعة بغداد، ع1، س11، 1996، ص166 حاشية رقم1.

2- انظر: د. احمد محمد الرفاعي، الحماية المدنية للمستهلك ازاء المضمون العقدي، دار النهضة العربية – القاهرة، 1994، ص107.

3- انظر د. صبري حمد خاطر، مرجع سابق، ص168.

4- انظر: د. سعيد سعد عبد السلام، مرجع سابق، ص11.

5- انظر: جاك غستان، تكوين العقد، مرجع سابق، ص692.

وتطبيقاً لذلك ردت محكمة النقض الفرنسية في قرار لها في 6كانون الثاني 1981، طلباً بالتعويض عن الاخلال بالالتزام بالاعلام السابق على التعاقد، كان قد استند الى (( صمت البائعين عن اخبار المشتري بوجود ارتفاق حديقة، لان مكتسبي الملكية الذين كانت إمكانيتهم المالية ضعيفة لم يشتروا شقة في الطابق الخامس من عقار في ملكية مشتركة من اجل اقامة بناء جديد في عقار معد للهدم وانما لكي يؤمنوا سكنهم بتجهيز مكان مهني، وقد أستنتج قضاة الاستئناف بوجه حق، ان مكتسبي الملكية، حتى ولو كانوا على علم بالارتفاق، كانوا سيقدمون على الشراء )) مجلة قصر العدل، 16 حزيران، 1981 اشار اليه جاك غستان، تكوين العقد، مرجع سابق، ص693 حاشية رقم3.

6- انظر د. احمد محمد الرفاعي، مرجع سابق، ص118. وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض الفرنسية بمسؤولية البائع عن تعويض المشتري عن الضرر الذي لحق به بسبب عدم اعلام البائع له عند البيع بان(( ترخيص البناء الموجود لا يسمح له بالبناء على كل المساحة وهذا أدى بالمشتري الى تصحيح هذا الترخيص حتى يلائم المساحة الفعلية مما أدى الى تعطيل البناء وما نتج عنه من أضرار)).

Cass .civ .24 mai ،1972 ، Bull . civ . 1972 ، p . 333.

اشار اليه د. احمد الرفاعي، مرجع سابق، ص118 حاشية رقم 1.

7- انظر: د. احمد الرفاعي، مرجع سابق، ص131.

-8 Article L 111-1(( Tout professionnel vendeur de biens ou prestataire de services doit، avant la conclusion du contrat، mettre le consommateur en mesure de connaître les caractéristiques essentielles du bien ou du service)).

9- انظر: د. نزيه المهدي، مرجع سابق، ص24.

10- انظر: جاك غستان، تكوين العقد، مرجع سابق، ص635.

-11 Fabre – Magnan ، De l’obligation d’information dans les contrats ، Essai d’une théorie ، L .G . D. J 1992 مقدمة الى chestin No ، 282.

نقلاً من جاك غستان، تكوين العقد، مرجع سابق، ص606 حاشية رقم 1-4.

12- انظر د. نزيه المهدي، مرجع سابق، ص32.

13- الغرفة المدنية الاولى في محكمة النقض، 4 تشرين الاول 1977، مجلة قصر العدل، 1978، 1، 262 ملاحظةA. planQueel نقلاً من جاك غستان ، تكوين العقد ، مرجع سابق ،ص653 حاشية رقم 3.

14- انظر: جاك غستان، تكوين العقد، مرجع سابق، ص721.

15- انظر: د. نزيه المهدي، مرجع سابق، ص36-38.

16- انظر: د. نزيه المهدي، مرجع سابق، ص39.

17- انظر: د. صبري حمد خاطر، مرجع سابق، ص185.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .