آثار عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بالحق على المدعي

واضح من نص قاعدة [ عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بالحق ] أن آثارها على المدعي تتمثل في منعه من الجمع بين الدعوييـن في وقت واحد ، ويمـكن أن يجمع الـمدعي بين الدعويين في ثلاث صور :
الصورة الأولى : أن يرفع المدعي دعوى الحيازة ويطالب فيها بأصل الحق :
فالمدعي يقيم الدعوى في الأصل بقصد حماية الحيازة ، ولكنه يطلب في ذات الدعوى إثبات أصل الحق لما يطلب حماية حيازته ، بمعنى أن المدعي لا يطالب بأصل الحق بدعوى مستقلة ، بل يطالب بأصل الحق في نفس دعوى الحيازة ، وهنا ليس للمدعي الذي يطالب بحماية حيازته أن يقرن بهذا الطلب طلب الحكم له بأصل الحق في موضوع النزاع ؛ لأن المنظم يريد ألا تخلط المحكمة نظرها لدعوى الحيازة بمسألة أصل الحق خشية أن تتأثر بثبوته لهذا الخصم أو ذاك ، فكانت أول خطوة للوقاية من ذلك منع المدعي في دعوى الحيازة من المطالبة بالحق في نفس الوقت ، وبذلك تفصل المحكمة في مسألة الحيازة وحدها دون أن تتأثر بمكمن الحق ، وبعد الحكم في دعوى الحيازة يتحدد الحائز الشرعي ، وبالتالي يتحدد المدعى عليه في دعوى أصل الحق ، فالمحكمة تبدأ أولاً بفض النزاع على الحيازة ، فالحكم الذي يصدر بشأنها قد يغني المدعي عن رفع دعوى الحق ، أو يمكّنه من الوقوف موقف المدعى عليه فيها وهو موقف أصلح له.

وهذه الصورة أعمل فيها نظام المرافعات السعودي قاعدة [ عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بالحق ] في جميع دعاوى الحيازة الثلاث – دعوى استرداد الحيازة ، ودعوى منع التعرض للحيازة ، ودعوى وقف الأعمال الجديدة – ، فإذا رفع المدعي دعوى الحيازة ، ثم طالب بأصل الحق في نفس الدعوى فإنه يجب على القاضي أن ينظر في شأن الحيازة ومن يستحقها ويستحق أن تُحمى لأجله ، ويجب عليه أن يعرض عن أصل الحق ؛ لأن القاضي الذي ترفع أمامه دعوى الحيازة يمنع من التعرض لأصل الحق ، بل يحكم بحماية الحيازة لمن يستحقها ، ويبين أن لمن يطالب بأصل الحق أن يرفع دعوى مستقلة يُطالب بأصل الحق ، وهذا ما يُفهم من نص المادتين السابعة والثامنة والثلاثين بعد المائتين ، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة التاسعة بعد المائتين على أنه : [لا يجوز أن يجمع المدعي في دعوى الحيازة بينها وبين المطالبة بالحق وإلا سقط ادعاؤه بالحيازة، ولا يجوز أن يدفع المدعى عليه دعوى الحيازة بالاستناد إلى الحق، ولا تقبل دعواه بالحق قبل الفصل في دعوى الحيازة وتنفيذ الحكم الذي يصدر فيها، إلا إذا تخلى بالفعل عن الحيازة لخصمه] ، ونصت المادة العاشرة بعد المائتين على أنه : [يجوز لمن يضار من أعمال تقام بغير حق أن يتقدم إلى المحكمة المختصة بالموضوع بدعوى مستعجلة لوقف الأعمال الجديدة ، وعلى القاضي أن يصدر أمراً بالمنع إذا اقتنع بمسوغاته ولا يؤثر هذا الأمر بالمنع على أصل الحق ولا يكون دليلاً عليه ولمن ينازع فيه أن يتقدم للقضاء وفق أحكام هذا النظام] (2) ، فيتبين من هاتين المادتين أن المدعي إن طالب في دعوى الحيازة بإثبات أصل الحق فإن القاضي يعرض عن ذلك ، وينظر القاضي إلى من يستحق حماية الحيازة فيصدر الأمر الذي يقضي بحماية حيازته ثم يبين للخصوم أن النزاع في أصل الحق ليس محله هذه الدعوى ، فمن ينازع في أصل الحق يتقدم بدعوى مستقلة ، وهذا ما يُفهم من نص المادتين السابقتين : [ ولا يؤثر هذا الأمر بالمنع على أصل الحق ولا يكون دليلاً عليه ولمن ينازع فيه أن يتقدم للقضاء وفق أحكام هذا النظام ].

الصورة الثانية : أن يرفع المدعي دعوى الحيازة وقبل الفصل فيها يرفع دعوى أصل الحق :
ففي هذه الصورة يعد رفع دعوى أصل الحق نزولاً من المدعي عن دعوى الحيازة ، فيُقضى بعدم قبول دعوى الحيازة بالرغم من أنها قد رفعت قبل دعوى المطالبة بالحق وتُنظر دعوى أصل الحق ، فالمدعي في دعوى الحيازة حين يرفع دعوى المطالبة بأصل الحق – اعتزازاً بتمكنه من الحق وتعجلاً له – تسقط دعواه بالحيازة ؛ لأنه يكون بذلك قد أفصح عن رغبته في الحصول على حماية حاسمه لحقه لا مجرد حماية مؤقتة تستند إلى الحيازة فقط ، فلا يكون هناك مبرر قوي للإبقاء على دعوى الحيازة.

الصورة الثالثة : أن يرفع المدعي دعوى أصل الحق وقبل الفصل فيها يرفع دعوى الحيازة :
ففي هذه الصورة يُقضى بعدم قبول دعوى الحيازة ، حتى لو تنازل المدعي عن دعوى الملكية ؛ لأن رفع دعوى أصل الحق يعد نزولاً عن دعوى الحيازة ، ويُلاحظ أن هذه الصورة يُحظر فيها على المدعي الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى أصل الحق في حالة حصول التعرض للحيازة قبل رفع دعوى أصل الحق ، أما إذا حصل التعرض بعد رفع دعوى أصل الحق فينتفي الجمع بين الدعويين ، ويجوز رفع دعوى الحيازة بعد رفع دعوى أصل الحق.

وبعد أن تم بيان الصور التي يجمع فيها المدعي بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بأصل الحق ، وبيان الإجراء الواجب في كل صورة نخلص إلى ما يلي :
الواجب أن يقتصر المدعي على رفع دعوى الحيازة أو على رفع دعوى المطالبة بأصل الحق ، فإذا كانت حيازته ثابتة وتوافرت شروطها اقتصر على رفع دعوى الحيازة ، فإذا ما قُضي لصالحه في دعوى الحيازة بقي على حيازته وعلى خصمه أن يرفع دعوى المطالبة بأصل الحق ، فيكون هو باعتباره حائزاً مدعى عليه فيها ، أما إذا لم تكن حيازته ثابتة أو غير متوافرة الشروط اقتصر على رفع دعوى المطالبة بأصل الحق على الحائز ، وعليه في هذه الحالة أن يثبت أصل الحق لا الحيازة.
كما نخلص إلى أن رفع دعوى المدعي لدعوى المطالبة بأصل الحق وإن كان لا يتضمن اعترافاً منه بأن الحيازة عند خصمه ولا نزولا منه عن التمسك بمزايا الحيازة إلا أن يتضمن نزولاً منه عن استعمال دعوى الحيازة ، ويلاحظ في هذا الصدد :

1- أن رفع دعوى المطالبة بأصل الحق هو الذي يتضمن النزول عن دعوى الحيازة ، فأية دعوى أخرى يرفعها المدعي لا تتضمن هذا النزول ، وعلى ذلك لا يتضمن نزولاً عن دعوى الحيازة رفع طالب الحيازة دعوى بالشفعة ضد من سلب حيازته ، أو رفع دعوى مستعجلة باتخاذ بعض الإجراءات التحفظية ، ولكن يكفي أن ترفع دعوى المطالبة بأصل الحق ليتضمن رفعها نزولاً عن دعوى الحيازة حتى لو رُفعت الدعوى أمام محكمة غير مختصة ، وحتى لو ترك المدعي الخصومة بعد رفع الدعوى.

2- أن رفع دعوى المطالبة بأصل الحق إنما يكون نزولاً عن دعوى الحيازة التي يكون سببها راجعاً إلى تاريخ سابق على رفع دعوى المطالبة بأصل الحق ، أما إذا كان سبب دعوى الحيازة لاحقاً لدعوى المطالبة بأصل الحق فبديهي أن دعوى المطالبة بأصل الحق لا تتضمن نزولاً عن سبب جد بعد رفعها.

آثار عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بأصل الحق على المدعى عليه

تظهر آثار عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بأصل الحق على المدعى عليه من ناحيتين :
الناحية الأولى : عدم جواز دفع دعوى الحيازة بالاستناد إلى الحق :
فالمدعى عليه إذا رُفعت عليه دعوى الحيازة فإنه يجوز له أن يدفع هذه الدعوى بدفع مستمد من الحيازة ذاتها ، فيقول مثلاً بأن الحيازة غير ثابتة للمدعي ، أو بأنها لا تتوافر فيها الشروط النظامية ، أو بغير ذلك من الدفوع التي ترجع إلى الحيازة لا إلى أصل الحق ، ولكن لا يجوز له أن يدفع هذه الدعوى بأن ينكر على المدعي حيازته بدعوى أنه هو صاحب الحق وأن المدعي ليس صاحب الحق وإنما هو غاصب ؛ لأن الشرع يحمي الحيازة لذاتها بغض النظر عن كون الحائز صاحب الحق أو لا ، فلا يجوز للمالك أن يبرر اعتدائه على الحيازة بكونه صاحب الحق ؛ ولأن في هذا الدفع من المدعى عليه جمعاً بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بأصل الحق ؛ ولأن الحكـم في دعوى الحيازة يجب أن يبني على اعتبارات متعلقة بالحيازة دون الحق ، فالدفع من المدعى عليه بأنه صاحب الحق غير مقبول ؛ فحتى لو كان هو صاحب الحق فعلاً في المحوز فلا مانع من أن تكون الحيازة لخصمه ، ويكون اعتداؤه عليها أمراً يستوجب تدخل القضاء لحماية الحائز مؤقتاً ولو ضد صاحب الحق.

وهذه الصورة أعمل فيها نظام المرافعات السعودي قاعدة [ عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بالحق ] في جميع دعاوى الحيازة الثلاث – دعوى استرداد الحيازة ، ودعوى منع التعرض للحيازة ، ودعوى وقف الأعمال الجديدة – ، فإذا رفع المدعي دعوى الحيازة ، وطالب بحماية حيازته ، ثم دفع المدعى عليه دعوى المدعي بأنه صاحب الحق في الشيء المحوز ، فإنه يجب على القاضي أن ينظر في شأن الحيازة ومن يستحقها ويستحق أن تُحمى لأجله ، ويجب عليه أن يعرض عن أصل الحق ؛ لأن القاضي الذي ترفع أمامه دعوى الحيازة يُمنع من التعرض لأصل الحق ، بل يحكم بحماية الحيازة لمن يستحقها ، ويبيّن أن من يطالب بأصل الحق له أن يرفع دعوى مستقلة يُطالب فيها بأصل الحق ، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة التاسعة بعد المائتين على أنه : [لا يجوز أن يجمع المدعي في دعوى الحيازة بينها وبين المطالبة بالحق وإلا سقط ادعاؤه بالحيازة، ولا يجوز أن يدفع المدعى عليه دعوى الحيازة بالاستناد إلى الحق، ولا تقبل دعواه بالحق قبل الفصل في دعوى الحيازة وتنفيذ الحكم الذي يصدر فيها، إلا إذا تخلى بالفعل عن الحيازة لخصمه] ، ونصت المادة العاشرة بعد المائتين على أنه : [يجوز لمن يضار من أعمال تقام بغير حق أن يتقدم إلى المحكمة المختصة بالموضوع بدعوى مستعجلة لوقف الأعمال الجديدة ، وعلى القاضي أن يصدر أمراً بالمنع إذا اقتنع بمسوغاته ولا يؤثر هذا الأمر بالمنع على أصل الحق ولا يكون دليلاً عليه ولمن ينازع فيه أن يتقدم للقضاء وفق أحكام هذا النظام] فيتبين من هاتين المادتين أن المدعي إذا طالب بحماية حيازته ، ثم دفع المدعى عليه بأنه صاحب الحق ، فإن القاضي لا يبني على دفع المدعى عليه ؛ لأنه دفع في غير محله ، وينظر القاضي إلى من يستحق حماية الحيازة فيصدر الأمر الذي يقضي بحماية حيازته ، ثم يبين للخصوم أن النزاع في أصل الحق ليس محله هذه الدعوى ، فمن ينازع في أصل الحق يتقدم بدعوى مستقلة ، وهذا ما يُفهم من نص المادة السابقة : [ ولا يؤثر هذا الأمر بالمنع على أصل الحق ولا يكون دليلاً عليه ولمن ينازع فيه أن يتقدم للقضاء وفق أحكام هذا النظام ].

الناحية الثانية : عدم جواز رفع دعوى المطالبة بالحق قبل الفصل في دعوى الحيازة وتنفيذ حكمها :
إذا رُفعت دعوى الحيازة فإن المدعى عليه لا يستطيع في القانون المصري قبل الفصل في هذه الدعوى وتنفيذ الحكم الصادر فيها– إن كان صادراً ضده – أن يرفع هو دعوى المطالبة بالحق على المدعي في دعوى الحيازة ، بل يجب أن ينتظر صدور الحكم في دعوى الحيازة ؛ حتى لا يجمع بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بأصل الحق ، فإذا حُكم في دعوى الحيازة لصالح المدعي وجب عليه أيضاً أن ينفذ الحكم كاملاً وألا يضيع على خصمه الحيازة التي قُضي له بها ، وبعد ذلك بعد أن يستقر خصمه في حيازته يستطيع هو أن يرفع عليه دعوى المطالبة بالحق ، فإن رفعها قبل ذلك – أي قبل الفصل في دعوى الحيازة ، أو قبل أن ينفذ الحكم الصادر لمصلحة خصمه في هذه الدعوى – فإن دعوى المطالبة بالحق التي رفعها لا تكون مقبولة إلا إذا تخلى بالفعل عن الحيازة لخصمه، فالفصل في دعوى الحيازة اُعتبر مسالة أولية بالنسبة للفصل في دعوى المطالبة بالحق ، لكي يتحدد مركز الخصوم في دعوى المطالبة بالحق ، ولأن صدور الحكم في دعوى الحيازة قد يغني عن مطالبة المدعى عليه بأصل الحق إذا صدر لمصلحته، وعليه فالمدعى عليه في دعوى الحيازة إذا أراد المطالبة بالحق في القانون المصري فليس أمامه إلا خيارين :

1- أن ينتظر حتى يُفصل في دعوى الحيازة وينفذ الحكم الصادر فيها.

2- أن يتخلى عن الحيازة بالفعل للمدعي إذا تعجل المطالبة بالحق قبل الفصل في دعوى الحيازة.

أما إذا كانت الدعوى المرفوعة هي دعوى المطالبة بالحق فإن المدعى عليه في هذه الدعوى يستطيع قبل الفصل فيها أن يرفع دعوى الحيازة سواء كان سبب دعوى الحيازة سابقاً على رفع دعوى المطالبة بالحق ، أو لاحقاً لرفع هذه الدعوى ، وهذا بخلاف المدعي في دعوى المطالبة بالحق ، فقد سبق معنا أنه لا يستطيع رفع دعوى الحيازة إلا إذا كان سبب هذه الدعوى لاحقاً لرفع دعوى المطالبة بالحق ، إذ أن رفع المدعي لدعوى المطالبة بالحق يتضمن نزولاً منه عن دعوى الحيازة كما سبق ، وترجع العلة في التفريق في دعوى المطالبة بالحق ما بين المدعي والمدعى عليه على النحو المتقدم أن المدعي هو الذي رفع دعوى المطالبة بالحق باختياره فيُحمل هذا منه على نزول ضمني عن دعوى الحيازة بخلاف المدعى عليه ، فهو لم يرفع دعوى المطالبة بالحق ، بل رفعها عليه المدعي ، فلا يجوز أن يحرمه المدعي بفعله من حقه في رفع دعوى الحيازة.
أما نظام المرافعات السعودي فلم يبيّن الإجراء الواجب اتخاذه في هذه الحالة ، فلم يبيّن ما يجب اتخاذه في حالة قيام المدعى عليه برفع دعوى المطالبة بالحق قبل الفصل في دعوى الحيازة التي اُدعي عليه بها ، فلم يبيّن هل ترفض دعوى المطالبة بالحق ، أم تقبل ، وإذا قبلت فهل يجوز الفصل فيها قبل الفصل في دعوى الحيازة أم لا ، كل هذا لم يبيّنه نظام المرافعات السعودي ولا لوائحه التنفيذية.

آثار عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بالحق على القاضي

يمتنع على القاضي في دعوى الحيازة أن يتعرض لأصل الحق محل الحيازة ، وهذا المنع تقتضيه القواعد العامة ؛ لأن دعوى الحيازة تختلف عن دعوى الملكية من حيث السبب والموضوع ، فدعوى الحيازة يرفعها الحائز لحماية حيازته بصرف النظر عن ثبوت حقه في الملكية ، لذلك قد يتصور رفعها ضد المالك الحقيقي ، بل يتصور أن يكون الحكم في دعوى الحيازة لمصلحة الحائز الشرعي ضد المالك الحقيقي ؛ لأن نفي ملكية الحائز لا ينفي حقه في منع التعرض لحيازته ، وتظهر آثار قاعدة [ عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بالحق ] بالنسبة للقاضي من ثلاث نواحٍ :

الناحية الأولى : لا يبني القاضي الحكم في دعوى الحيازة على أسباب مستمدة من موضوع الحق :
يحمي المنظم الحيازة لذاتها بصرف النظر عن كون الحائز صاحب الحق موضوع الحيازة أو ليس صاحبه ، كما أنه يحميه من اعتداء صاحب الحق ، فلا يُقبل من صاحب الحق أن يبرر اعتداءه على الحيازة بأنه صاحب الحق ، ولذلك مُنع المدعى عليه من دفع دعوى الحيازة بالاستناد إلى الحق، وينبني على ذلك أن القاضي لا يجوز له وهو يبحث دعوى الحيازة أن يبحث في الحق؛ لأنه إذا ثبت له من بحثه هذا أن مدعي الحيازة ليس صاحب الحق فلا يمنع ذلك من الحكم له باعتباره حائزاً ، ولا يجوز له أن يحكم بالحق لخصمه ولو طلب ذلك ؛ لأن المدعى عليه في دعوى الحيازة ممنوع من طلب الحق ما دام النزاع على الحيازة قائماً ، كما أنه إذا ثبت له أن مدعي الحيازة هو صاحب الحق فلا يحوز له أن يحكم له بالحق ؛ لأنه لم يطلبه

.
فالقاضي في دعوى الحيازة لا يبني حكمه في دعوى الحيازة قبولاً أو رفضاً على أساس ثبوت الحق أو نفيه ، بل يجب أن يبني الحكم على أسباب مستمدة من الحيازة ذاتها ، ومن أنها استوفت شروطها ، فإذا استند في إجابته لطلب المدعي في دعوى الحيازة على أنه هو صاحب الحق ، أو على أن حيازته تستخلص من سند الملكية ، أو على أنه قد قُضي له بالملكية بموجب حكم سابق كان هذا جمعاً غير جائز بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بالحق ويعد هذا الحكم الصادر في دعوى الحيازة غير مسبب إذا استند على أسباب تتعلق بأصل الحق فقط ، كذلك يعد جمعاً بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بالحق أن يرفض القاضي دعوى الحيازة بعد أن ثبتت له الحيازة مستوفية لشرائطها مستنداً في ذلك إلى أن المدعى عليه إنما كان يستعمل حقاً ثابتاً له ، أو أنه لم يلحق المدعي أي ضرر من تعرضه ، كما أنه ليس للقاضي أن يـحكم لرافع دعوى الحيازة بناء على ما ثبت أنه صاحب الحق موضوع الحيازة.
ولا يعد جمعاً بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بالحق القيام بالأعمال الأعمال التالية :

1- فحص مستندات الملكية والحق على سبيل الاستئناس وبالقدر الذي يقتضيه التحقيق من توافر شروط الحيازة والتعرف على طبيعتها.

2- التحري من المعاينة والمستندات عما إذا كان العقار المرفوع بشأنه دعوى الحيازة ملكاً عاماً أم لا ، وليس في هذا جمعاً بين دعويي اليد والمطالبة بالحق ؛ لأن المقصود به هو أن تستبين المحكمة حقيقة وضع اليد.

3- بحث مستندات الملكية لاستخلاص ما يعين على وصف وقائع اليد ، ولمعرفة أي الحيازتين أحق بالتفضيل ؛ لأن الحيازة التي تستند إلى سند أحق بالتفضيل من الحيازة التي لا تستند إلى سند.

4- ندب خبير لتطبيق مستندات الملكية على العقار محل النزاع للتثبت من ذاتية هذا العقار وبيان ماهيته.

5- التعرض لادعاء الملكية في دعوى الحيازة للاستئناس في حصول التعرض.

6- الأمر بإجراءات وقتيه في دعوى المطالبة بالحق للمحافظة على الشيء محل النزاع.

7- كما يتعين على القاضي فحص مستندات الخصوم المتعلقة بالحق عندما يدعي المتعرض أنه شريك على الشيوع ، وذلك ليتحقق القاضي من أن الحيازة واردة على ملك شائع ، وليحدد قدر ومدى المنفعة التي يجوز لكل شريك أن يجنيها من المال الشائع وفقاً لاتفاق الشركاء ، ليستخلص من ذلك كله ما إذا كان الشريك يعد متعرضاً لشركائه أم أنه يمارس حيازته عند حدود حصته مراعياً حصة غيـره.

فالخلاصة في ذلك أن القاضي إذا استند في دعوى الحيازة إلى أن الحيازة ثابتة مستوفية لشرائطها ، وأضاف مع ذلك أسباباً أخرى مستمدة من موضوع الحق ، واقتصر في منطوق الحكم على الحيازة دون موضوع الحق لم يكن هذا جمعاً بين الدعويين ، فما دام أن الحكم لم يبنى على ما يتصل بأصل الحق فإن هذا لا يعد جمعاً بين الدعويين.

وهذه الناحية أعمل فيها نظام المرافعات السعودي قاعدة [ عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بالحق ] في جميع دعاوى الحيازة الثلاث – دعوى استرداد الحيازة ، ودعوى منع التعرض للحيازة ، ودعوى وقف الأعمال الجديدة – ، فقد بيّن النظام أن القاضي لا يتعرض لأصل الحق في حكمه في دعوى الحيازة ، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة التاسعة بعد المائتين على أنه : [لا يجوز أن يجمع المدعي في دعوى الحيازة بينها وبين المطالبة بالحق وإلا سقط ادعاؤه بالحيازة، ولا يجوز أن يدفع المدعى عليه دعوى الحيازة بالاستناد إلى الحق، ولا تقبل دعواه بالحق قبل الفصل في دعوى الحيازة وتنفيذ الحكم الذي يصدر فيها، إلا إذا تخلى بالفعل عن الحيازة لخصمه] ، ونصت المادة العاشرة بعد المائتين على أنه : [يجوز لمن يضار من أعمال تقام بغير حق أن يتقدم إلى المحكمة المختصة بالموضوع بدعوى مستعجلة لوقف الأعمال الجديدة ، وعلى القاضي أن يصدر أمراً بالمنع إذا اقتنع بمسوغاته ولا يؤثر هذا الأمر بالمنع على أصل الحق ولا يكون دليلاً عليه ولمن ينازع فيه أن يتقدم للقضاء وفق أحكام هذا النظام] ، فيتبين من هاتين المادتين أن القاضي لا يتعرض لأصل الحق ، ويتبيّن هذا من قوله في نص المادة السابقة: [ ولا يؤثر هذا الأمر بالمنع على أصل الحق ولا يكون دليلاً عليه ولمن ينازع فيه أن يتقدم للقضاء وفق أحكام هذا النظام ] ، فهذا يدل على أن حكم القاضي في دعوى الحيازة يجب أن يكون مبيناً على الحيازة ، وأن يكون الحكم فيما يتعلق بالحيازة ، أما أصل الحق فمن ينازع فيه ومن يطالب به فإن القاضي يبيّن أن له أن يتقدم للقضاء بدعوى مستقلة يطالب فيها بأصل الحق.

الناحية الثانية : لا يتعرض القاضي في منطوق الحكم لأصل الحق :
فيعد جمعاً غير جائز بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بالحق جعل الحيازة متوقفة على أصل الحق بأن يقضي بوقف الفصل في دعوى الحيازة إلى حين صدور الحكم في دعوى أصل الحق ، أو يرفض دعوى الحيازة تأسيساً على أن الحيازة لا تنفصل عن الملكية ، أو الفصل في الملكية كمسألة أولية تسبق الفصل في دعوى الحيازة ، فلو أن القاضي في منطوق حكمه في دعوى الحيازة لم يقتصر على الحيازة ذاتها ، بل قضى للمدعي بحقوق أوسع مدى أو أشد قوة استناداً إلى موضوع الحق كان هذا جمعاً غير جائز بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بالحق.

ونظام المرافعات السعودي منع القاضي من التعرض لأصل الحق في منطوق جميع دعاوى الحيازة الثلاث – دعوى استرداد الحيازة ، ودعوى منع التعرض للحيازة ، ودعوى وقف الأعمال الجديدة – ، فقد بيّن النظام أن القاضي في دعوى الحيازة إذا اقتنع بمبررات المدعي فإن يصدر أمراً بما يدعيه المدعي ، ولا يتعرض في منطوق حكمه لأصل الحق ، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة التاسعة بعد المائتين على أنه : [لا يجوز أن يجمع المدعي في دعوى الحيازة بينها وبين المطالبة بالحق وإلا سقط ادعاؤه بالحيازة، ولا يجوز أن يدفع المدعى عليه دعوى الحيازة بالاستناد إلى الحق، ولا تقبل دعواه بالحق قبل الفصل في دعوى الحيازة وتنفيذ الحكم الذي يصدر فيها، إلا إذا تخلى بالفعل عن الحيازة لخصمه] ، ونصت المادة العاشرة بعد المائتين على أنه : [يجوز لمن يضار من أعمال تقام بغير حق أن يتقدم إلى المحكمة المختصة بالموضوع بدعوى مستعجلة لوقف الأعمال الجديدة ، وعلى القاضي أن يصدر أمراً بالمنع إذا اقتنع بمسوغاته ولا يؤثر هذا الأمر بالمنع على أصل الحق ولا يكون دليلاً عليه ولمن ينازع فيه أن يتقدم للقضاء وفق أحكام هذا النظام] ، فيتبين من هاتين المادتين أن القاضي لا يتعرض في منطوق حكمه لأصل الحق ، ويتبيّن هذا من قوله في نص الفقرة الأولى من المادة التاسعة بعد المائتين : [وعلى القاضي أن يصدر أمراً بمنع التعرض أو باسترداد الحيازة إذا اقتنع بمسوغاته، ولا يؤثر هذا الأمر على أصل الحق ولا يكون دليلاً عليه، ولمن ينازع في أصل الحق أن يتقدم للقضاء وفق أحكام هذا النظام] ، ونص المادة العاشرة بعد المائتين : [وعلى القاضي أن يصدر أمراً بالمنع إذا اقتنع بمسوغاته ولا يؤثر هذا الأمر بالمنع على أصل الحق ولا يكون دليلاً عليه ولمن ينازع فيه أن يتقدم للقضاء وفق أحكام هذا النظام] فهذا يدل على أن منطوق حكم القاضي في دعوى الحيازة لا يتعدى الأمر برد الحيازة ، أو بمنع الحيازة ، أو بوقف الأعمال الجديدة فقط ، ثم يبيّن للخصوم أن من ينازع في أصل الحق فله أن يتقدم للقضاء بدعوى مستقلة يطالب فيها بأصل الحق.

الناحية الثالثة : عدم حجية الحكم الصادر في دعوى الحيازة بالنسبة لدعوى المطالبة بالحق :
بما أن الحكم الصادر في دعوى الحيازة لا يفصل في الحق ولا يقوم على أسباب متعلقة بالحق فإنه ينبني على ذلك أن الحكم الصادر في دعوى الحيازة لا تكون له حجية في دعوى المطالبة بالحق ؛ لأنه لا يقوم على أسباب تتعلق بأصل الحق ، وبمعنى آخر فإن الحكم الصادر في دعوى الحيازة يحوز حجية مؤقتة ، ويجوز لمن أصدره العدول عنه إذا تغيرت الظروف ، كما أن الحكم الصادر في دعوى الحيازة لا يتقيد به القاضي الذي يُعرض عليه النـزاع على أصل الحق ولو كان هو من أصدر الـحكم في دعوى الحيازة.
واستثناء مما سبق فإن الخصم إذا حصل على حكم من قاضي الحيازة بأنه هو الحائز فإن هذا الحكم تكون له حجية في ثبوت الحيازة له ، ويجعله في مركز المدعى عليه في دعوى المطالبة بالحق.

وعدم حجية الحكم الصادر في دعوى الحيازة بالنسبة لدعوى المطالبة بالحق هو مـا بيّنته المادتان التاسعة والعاشرة بعد المائتين ، فقد نصت المادة التاسعة بعد المائتين على أنه : [كل صاحب حق ظاهر أن يتقدم إلى المحكمة المختصة بالموضوع بدعوى مستعجلة لمنع التعرض لحيازته أو لاستردادها، وعلى القاضي أن يصدر أمراً بمنع التعرض أو باسترداد الحيازة إذا اقتنع بمسوغاته، ولا يؤثر هذا الأمر على أصل الحق ولا يكون دليلاً عليه، ولمن ينازع في أصل الحق أن يتقدم للقضاء وفق أحكام هذا النظام] ، ونصت المادة العاشرة بعد المائتين على أنه : [جوز لمن يضار من أعمال تقام بغير حق أن يتقدم إلى المحكمة المختصة بالموضوع بدعوى مستعجلة لوقف الأعمال الجديدة ، وعلى القاضي أن يصدر أمراً بالمنع إذا اقتنع بمسوغاته ولا يؤثر هذا الأمر بالمنع على أصل الحق ولا يكون دليلاً عليه ولمن ينازع فيه أن يتقدم للقضاء وفق أحكام هذا النظام]، فقوله : [ ولا يؤثر هذا الأمر على أصل الحق ولا يكون دليلاً عليه ] ، و [ ولا يؤثر هذا الأمر بالمنع على أصل الحق ولا يكون دليلاً عليه ] بيان جلي وواضح في أن الحكم الذي يصدره القاضي في دعوى الحيازة لا يؤثر على أصل الحق ولا يكون دليلاً عليه ، ولا يلتزم به القاضي في دعوى المطالبة بالحق.

موقف الفقه الإسلامي من آثار عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بالحق

سبق معنا أن أثار قاعدة [ عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بالحق ] في نظام المرافعات السعودي تتلخص فيما يلي :

1- يُمنع المدعي من المطالبة بأصل الحق في دعوى الحيازة.

2- يُمنع المدعي من رفع دعوى أصل الحق قبل الفصل في دعوى الحيازة ، وهذا خاص في دعوى استرداد الحيازة.

3- يُمنع المدعي من رفع دعوى الحيازة بعد رفع دعوى أصل الحق وقبل الفصل فيها ، وهذا خاص في دعوى استرداد الحيازة.

4- يُمنع المدعى عليه من دفع دعوى الحيازة بالاستناد إلى أصل الحق.

5- لا يبني القاضي في دعوى الحيازة حكمه على أسباب مستمدة من موضوع الحق.

6- لا يتعرض القاضي لموضوع الحق في منطوق حكم دعوى الحيازة.

7- عدم حجية الحكم الصادر في دعوى الحيازة بالنسبة لدعوى المطالبة بالحق.

وهذا من أعمال السياسة الشرعية التي يقوم بها إمام المسلمين لتنظيم أعمال المحاكم بما يحقق المصلحة للقضاة والخصوم ، والتي يجب فيها السمع والطاعة ما لم تخالف شيئاً من الشرع ، وهذا التنظيم في إعمال [ عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بالحق ] لا يخـالف أمراً من الشرع ، إضافة إلى أنه يحقق مصالح منها :

1- إعمال قاعدة [ عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الـمطالبة بالحق ] في الصور السابقة يحقق تلافي الازدواجية في النظر ، فلا تنظر دعويين في وقت في مدعى به واحد.

2- أن النظر في أصل الملك يغني عن النظر في الحيازة ؛ لأن الملك من أقوى أسباب الحيازة.

3- في تخصيص الحيازة بدعوى مستقلة مستعجلة مزيد حماية للحائز الشرعي ، وذلك أن إجراءات دعوى المطالبة بالحق قد تطول وتصعب ، وهذا يترتب عليه ضرر على الحائز الشرعي ؛ لأنه يظل طول هذه المدة محروماً من حيازته ، ولتجاوز هذه الصعوبات والطول أوجد المنظم للحيازة دعوى مستقلة عن المطالبة بالحق ، وجعل دعوى الحيازة أقصر وقت وأسهل إجراءات من دعوى المطالبة بالحق ؛ ليحصل الحائز الشرعي على حيازته الشرعية ويتمتع بها بشكل أسرع ، ثم بعد ذلك ترفع دعوى المطالبة بالحق ليُفصل في أصل الحق ، وهنا حتى لو طالت الدعوى فإن الحائز الشرعي لن يتضرر من ذلك ؛ لأنه متمتع بحيازته طول هذه المدة ، وإمعاناً في حماية الحائز الشرعي منع المنظم من إقامة دعوى المطالبة بالحق قبل الفصل في دعوى الحيازة ، حتى لا تتأثر دعوى الحيازة بدعوى المطالبة بالحق.

ولا يعارض ما قرره المنظم من منع القاضي من الاعتداد بدفع المدعى عليه بالاستناد إلى أصل الحق ما قرره الفقهاء من أن غاصب حيازة العين تسمع دفوعه إذا كان محقاً ويُقضي له بحقه وحيازته ؛ ذلك لأن الأمر هنا يتعلق بتوزيع الاختصاص وعدم تداخله ؛ صيانة للحيازة ، فالقاضي في الدعوى المستعجلة إذا نظر دعوى الحيازة لم يسمع الدفع في أصل الحق ، بل يَفْصِلُ في الحيازة ، ولمن شاء من الخصمين إقامة الدعوى في أصل الحق لدى القاضي المختص.

التطبيق القضائي لآثار عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بالحق

الحمد لله وحده ، أما بعد لدي أنا … القاضي فـي المحكمة العامة بالرياض حضر … وكيلاً عن … وعن … بموجب الوكالتين المدونتين في الضبط وحضر لحضوره … بالوكالة عن … ، وعن … بموجب الوكالة المدونة بالضبط ، فادعى الأول قائلاً :
بموجب قراري التخصيص الصادرين من وزارة الزراعة رقم (063590) ، ورقم (063591) ، وتاريخ 21 / 9 / 1406هـ تم تخصيص قطعتين من الأرض في المخطط رقم (6819) ، وتاريخ 5 / 9 / 1415هـ باسم موكلي … وولده … ، ومنذ ذاك التاريخ قام موكلي بإحياء الأرضين ، بتسويرها ، وحفر الآبار فيها ، واستصلاحها ، وزراعتها بالنخيل ، وتزويدها بالمرافق من شبكات ري ، وكهرباء ، وعمل فيها سنوات طويلة ، وانفقا عليها مبالغ طائلة حتى أصبحت واحة غناء ، وبتاريخ 2 / 2 / 1422هـ فوجئ موكلي بقيام المدعى عليهما بالاعتداء على الأرضين مستخدمين الرجال والسلاح والجرافات ، وقاما بتدمير أملاك موكلي الثابتة والمتحركة ، وتخريب ما في الأرض من مرافق ، وإتلاف ما بها من زرع ونخيل ، لذلك التمس من فضيلتكم بأحقية موكلي دون المدعى عليهما في الأرض المخصصة لهما من الجهة المختصة ؛ لكون الصك الذي يستند إليه المدعى عليهما قد تم إلغاءه وأصبح هو والعدم سواء ، والحكم بتمكين موكليّ من أرضهما ، وعدم التعرض لهما من قبل المدعى عليهما ، هذه دعواي.

فأجاب المدعى عليه وكالة قائلاً : القطعتان الزراعيتـان اللتان صدرا بهما القراران الزراعيان المذكوران هما ملك لموكلتي … ، فتكون قرارات التسليم الصادرة من وزارة الزراعة في غير محلها ؛ لأنها أراضٍ غير منفكة عن الاختصاص ، فسألته متى علموا بوضع المدعي يده على هاتين القطعتين فقال في عام 1419هـ وهي بداية عمله فيما ظهر لموكليّ وبقيت تحت يده حتى تصرف موكليّ بإزالة إحداثاته على أرضهما وبعدها رفعت يد الجميع عنها من قبل الدولة ، والأرض موضع النزاع كانت مملوكة لـ … بموجب وثيقة عطاء صادره من الملك سعود في 25 / 3 / 1376هـ ، وقد قام بإحيائها وأُعطي حجة استحـكام على غالبها بـموجب الصك الصادر من مـحكمة الـخرج برقم (550) في 3 / 7 / 1393هـ ، ثم آلت ملكية تلك الأرض لموكليّ بموجب الصك رقم (33) في 27 / 1 / 1394هـ الصادر من كتابة عدل الخرج ، ثم تصرف موكليّ في أكثر تلك الأرض بالبيع والهبة ، وقد أصدر المدعيان قرارين زراعيين باسمهما على جزء من جنوب أرض موكليّ موضع النزاع من وزارة الزراعة والمياه ، وهو مشروط بانفكاكها عن الاختصاص وعندما بدأ المدعي بالإحداث في ذلك الجزء من أرضنا طلبنا منه التوقف فرفض ، وتقدمنا للإمارة بإيقافه فأوقف ، وشكلت لجنة لدراسة الموضوع ، ولكنه استمر في الإحداث.
وقرر الطرفان أنه ليس لديهما سوى ما ضُبط ، وقد جرى الإطلاع على برقية المقام السامي رقم 1865 / ب / م / 4 ، في 16 / 11 / 1425هـ ، الموجهة لصاحب السمو الملكي وزير الداخلية والذي تتضمن اعتماد ما يلي :

1- إحالة قضية إطلاق النار إلى مجلس القضاء الأعلى.

2- التأكيد على مصادرة الأسلحة التي استخدمها أطراف القضية.

3- الاسـتـعـجال فـي إنفاذ ما قـضـى بـه الأمر رقم (9087) ، فـي 26 / 7 / 1421هـ من إحالة النزاع بيـن الطرفيـن إلى المحكمة المختصة ، وحث المـحكمة على سرعة النظر فـي القضية ، وإفهام … ووالدته … [ المدعى عليهما ] بأنهما إن تخلفا عن المراجعة لدى المحكمة أو وكيلهما فسوف تمكن الدولة … وابنه … [ المدعيان ] من العمل في الأرض المخصصة لهما بموجب قرارات زراعية.

4- تعميد الجهات المختصة بالمحافظة على الأرض محل النزاع.

5- إحالة المطالبات بالحقوق الخاصة لهذه القضية إلى المحكمة المختصة.

وقد جرى الإطلاع على قرار توزيع أرض صادر من وزارة الزراعة والمياه برقم (063590) ، في 21 / 9 / 1416هـ المتضمن تسليم … [ المدعي ] القطعة رقم (2) من الأرض البور على بعد تسعة وعشرين كيلو متر على طريق الخرج ، وغرب حرم الطريق مباشرة في المخطط رقم (7918) ، وتاريخ 5 / 9 / 1415هـ توقيع معالي وزير الزراعة والمياه ومساحتها مائتان وعشرة آلاف وثلاثمائة وستة عشر متراً ، كما جرى الإطلاع على قرار وزارة الزراعة رقم (062591) فـي 21 / 9 / 1416هـ الـمتضمن تسليم … [ المدعي ] القطعة رقم (1) في الموقع المذكور ومساحتها خمسمائة وثلاثة وعشرون ألفاً ، وخمسمائة وسبعة وتسعون متراً مربعاً ، توقيع معالي وزير الزراعة والمياه.

فبناء على ما تقدم من الدعوى والإجابة ، وما أدلى به الطرفان وما قرره المدعى عليه وكالة من كون القطعتين المذكورتين كانتا تحت يد المدعيين أصالة حتى قاما موكلاه بإزالة إحداثاتهما ، ونظراً إلى أن ما حصل من رفع الدولة أيدي الطرفين إنما هو تصرف سلطاني لمنع المزيد من الاعتداءات ، وأن هذا لا يمنع إعمال مقتضى المادة (31) من نظام المرافعات ولائحته التنفيذية في التعرض للحيازة واستردادها ، ونظراً إلى اعتبار تسلسل نظر مثل هذه الدعاوى وهو وجود واضع اليد لليد ومطالب بإثبات الملكية حتى يتحدد بها المدعي من المدعى عليه ، وحيث أن المدعيين قد وضعا أيديهما بموجب قرارات من وزارة الزراعة المذكورة ، ونظرا للآثار المترتبة على التصرف الفردي في استرداد الحقوق من شيوع الفوضى والافتيات على الحاكم ، مما لأجله نص النظام على موضوع الحيازة واستردادها ، وضرورة تحقيق مقاصده ، فقد قررت ما يلي :

1- أن يسلم المدعيان الأرضان المذكورتان.

2- أن يمنع المدعى عليهما من التعرض لحيازة المدعيين لهاتين الأرضين.

3- أن للمدعى عليهم إقامة الدعوى على المدعيين للمطالبة بتسليم الأرضين المذكورتين ، ولهما أن يثبتا حين ذاك ملكيتهما للقطعتين.

4- أن تشكل لجنة من المحكمة والإمارة والشرطة لحصر التلفيات التي نسبها المدعيان للمدعى عليهم ، وبيان قيمتها قبل التسليم.

5- إن هذا الإجراء لا يدل على صحة تملك ولا عدمها.

وبذلك حكمت وقنع به المدعي وكالة ، ولم يقنع المدعى عليه وكالة ، وبذلك انتهت هذه الدعوى.

وصلى الله على نبينا محمد

حرر في 15 / 4 / 1427هـ.

تطبيق آثار عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بالحق في هذا الحكم القضائي :
رأينا فـي هذا التطبيق القضائي أن كلاً من الخصمين تضمن ما أدلى به في الدعوى جمعاً بين دعوى الحيازة ودعوى المطالبة بالحق ، فالمدعي استند في دعواه إلى أصل الحق وأنه هو صاحب الحق ، ثم دفع المـدعى عليه بالاستناد إلى أصل الحق كذلك وأنه صاحب الحق وتطبيقاً للقاعدة السابقة جرى العمل بما يلي :

1- أعرض فضيلة القاضي عن استناد المدعي إلى أصل الحق ولم يعتد به ، بل اعتبر أن الأرض كانت في حيازته وذلك بقوله : [ وما قرره المدعى عليه وكالة من كون القطعتين المذكورتين كانتا تحت يد المدعيين أصالة ].

2- أعرض فضيلة القاضي عن دفع المدعى عليه دعوى المدعي بأنه صاحب الحق في المدعى به ، ولم يعتد به ، بل اعتبر أن الأرض كانـت في حيازته وذلك بقوله : [ وما قرره المدعى عليه وكالة من كون القطعتين المذكورتين كانتا تحت يد المدعيين أصالة ].

3- لم يبنِ فضيلة القاضي حكمه على أي أمر له علاقة بأصل الحق ، بل بنى حكمه على أمور تتعلق بالحيازة

4- بيّن فضيلة القاضي في منطوق الحكم : [ إن هذا الإجراء لا يدل على صحة تملك ولا عدمها ] ، وهذا يتضمن أثرين من الآثار السابقة :

أ‌- أن فضيلة القاضي لم يتعرض في منطوق الحكم لأصل الحق.

ب‌- أن الحكم الصادر في دعوى الحيازة ليس حجة على القاضي في دعوى المطالبة بالحق ولا يلتزم به.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت