الأحداث الجانحون

الأحداث الجانحون juvenile delinquents مصطلح يهتم به القانون الجزائي، وبصفة خاصة قانون الأحداث الجانحين، ويطلق على الذين يرتكبون جرائم قبل بلوغهم سن الرشد القانوني، ويلاحق جزائياً منهم أولئك الذين يرتكبون جرائم وهم في سن التمييز.

ويقصد بالحدث كل ذكر أو أنثى لم يبلغ بعد سن تحمل المسؤولية الجزائية، أي لم يصل بعد إلى سن الرشد الجزائي الذي يعدّ بداية مرحلة المسؤولية الجزائية الكاملة، وعلى ذلك تفرق التشريعات الجزائية في مختلف الدول بين الحدث والراشد من حيث المعاملة الجزائية ومن حيث القواعد التي تحكم المسؤولية الجزائية.

ومناط التفريق بين الحداثة والرشاد هو العقل أو الإدراك أو التمييز، فالإنسان لا يعد مسؤولاً جزائياً إلا في الوقت الذي يصبح فيه قادراً على فهم الطبيعة غير المشروعة للفعل وتوقع الآثار أو النتائج التي تترتب على هذا الفعل. وعندما يصل إدراكه إلى هذا الحد يمكن القول إنه بلغ سن العقل، ويعامل معاملة إنسان راشد لأن قدراته العقلية تكون قد اكتملت إلى درجة تترتب عليه معها المسؤولية الجزائية كاملة بتوافر ركنيها: حرية الاختيار والإدراك أو التمييز. أما إذا انعدم الإدراك أو التمييز أو لم يكتمل بعد فلا يمكن القول إن الإنسان قد بلغ سن العقل أو الرشد. وعلى ذلك فإن الإدراك أو التمييز هو في الوقت نفسه علة وضابط: فهو علة التمييز في المعاملة الجزائية بين الحدث والراشد، وهو فوق ذلك ضابط التمييز بين الحداثة والرشاد. وهذا ما اتفقت عليه التشريعات الجزائية في مختلف الدول ومنها قانون العقوبات السوري الذي ينص في المادة 209/1 على مايلي: «لا يحكم على أحد بعقوبة ما لم يكن قد أقدم على الفعل عن وعي وإرادة».

وما دام الانتقال من الحداثة إلى الرشاد يتم باكتمال الوعي أي النضج العقلي للإنسان، أي عندما تكتمل قدراته العقلية، فهل يمكن للمشرع تحديد سن معينة للقول بتوافر الرشد؟ يتبادر إلى الذهن أول وهلة ترك هذه المسألة لسلطة القاضي التقديرية، إذ إن الانتقال من حالة عدم الإدراك أو حالة الإدراك الناقص إلى حالة الإدراك الكامل لا يتم فجأة أو دفعة واحدة، كما أنه لا يتم لدى الأفراد في سن واحدة مجردة، لكنه يتم بالتدريج، ويخضع لعوامل كثيرة لا يمكن إغفالها ولا إغفال الدور الذي تؤديه في تكوين الحدث من الناحيتين الجسدية والمهنية. ومن هذه العوامل: البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الإنسان وما يكتسبه من تعاليم وعادات، والجنس الذي ينتمي إليه، والموقع الجغرافي للإقليم الذي نشأ فيه وتأثير العوامل الطبيعية. فقد يختلف النمو وتختلف العادات والأخلاق بحسب طبيعة الإقليم جبلياً كان أو صحراوياً أو سهلياً، كما يختلف ذلك باختلاف الجو والمناخ، يضاف إلى ذلك العوامل الذاتية في تكوين الحدث وعوامل الوراثة والعوامل الاقتصادية. إن كل ذلك يوحي بترك مسألة تحديد سن الرشد إلى تقدير القاضي في كل حالة على حدة، لكن ذلك مدعاة لاختلاف الرأي والتحكم وعدم تماثل درجات التقدير لاختلاف اجتهادات القضاة، مما جعل غالبية التشريعات الجزائية في مختلف الدول، تحت ضغط الظروف العملية، تلجأ إلى تحديد سن مجردة للرشد. وهي في معظم هذه التشريعات تمام سن الثامنة عشرة. وسار قانون الأحداث السوري على هذا النهج عندما عرف الحدث بأنه: «كل ذكر أو أنثى لم يتم الثامنة عشرة من عمره». وفي ضوء ما تقدم يمكن استخلاص التعريف القانوني للحدث على الوجه التالي: «الحدث هو الصغير في المدة منذ ولادته حتى بلوغه السن التي حددها القانون للرشد، وهي في تشريع الأحداث السوري ثماني عشرة سنة». وبالمقابل فإن الراشد هو الشخص الذي أتم الثامنة عشرة من عمره.

ثم إن التشريعات في مختلف الدول تفرق بين طورين أساسيين من أطوار الحداثة، طور عدم التمييز وطور التمييز، وتخصص لكل منهما أحكاماً خاصة، وقد كانت التشريعات القديمة تعترف بالبلوغ الجسدي الطبيعي حداً بين الطورين المذكورين. أما التشريعات الجزائية الحديثة فلا تقرن التمييز بالبلوغ الجسدي، بل تهبط بسن التمييز إلى ما دون ذلك، ولكنها لا تتفق جميعها على سن واحدة. وقد حددت غالبية التشريعات، ومنها تشريعات الدول العربية، سن السابعة فيصلاً مجرداً بين طور عدم التمييز والتمييز، ويطلق على الطور الأول اصطلاحاً «مرحلة الطفولة» أو «مرحلة عدم التمييز» إذ يكون فيها الحدث غير مميّز قانوناً، وعلى الطور الثاني «مرحلة التمييز». وفي سورية، أجمعت التشريعات المتعاقبة على تحديد بدء سن التمييز، التي تنتهي بها مرحلة الطفولة، بتمام السابعة من العمر.

ويكون الحدث في مرحلة الطفولة عديم التمييز من وجهة نظر القانون، وهو أيضاً عديم الأهلية، فلا يتحمل التبعة الجزائية للفعل الجرمي، وتنعدم مسؤوليته الجزائية، ولا يصح أن تتخذ الإجراءات القانونية في مواجهته، ولا أن توقع عليه عقوبة عن فعل تتوافر فيه أركان الجريمة. ولهذا نصّ قانون الأحداث الجانحين في سورية: أنه لا يلاحق جزائياً الحدث الذي لم يتم السابعة من عمره حين ارتكابه الجريمة.

وانعدام التمييز لدى الحدث في هذه المرحلة لا يقتصر أثره على عدم إنزال عقوبة به، بل إنه يجاوز ذلك إلى عدم جواز اتخاذ تدابير إصلاحية بحقه، وعدم جواز رفع الدعوى العامة عليه. ويدل كل ذلك على أن أعمال الحدث غير المميز لا تعني القانون الجزائي في شيء. ويتضح من كل ما تقدم أن الحدث الذي يسري عليه قانون الأحداث الجانحين، ويجوز أن تقام عليه الدعوى العامة ويواجه بتدبير إصلاحي، إنما هو الحدث الذي يرتكب جريمة في وقت يكون فيه قد أتم السابعة ولم يتم الثامنة عشرة من عمره. ويلاحظ من ذلك أن ثمة شرطين يجب توافرهما حتى يعد الحدث جانحاً: أن يرتكب جريمة يعاقب عليها القانون، وأن يكون قد أتم السابعة ولم يتم الثامنة عشرة من عمره حين ارتكاب الجريمة.

أسباب جنوح الأحداث

بذل الباحثون جهوداً ضخمة للكشف عن أسباب إجرام الأحداث والوصول إلى جذور هذه المشكلة المهمة وإرساء الحلول الكفيلة بالقضاء عليها أو الحد منها ما أمكن. ومع تعدد التقسيمات التي وضعها الباحثون، فإن من الممكن وضع الأسباب في فئتين: ما هو داخلي خاص بالحدث نفسه، وما هو خارجي يتعلق بالوسط الذي يعيش فيه.

الأسباب الخاصة بشخص الحدث: يرى الباحثون أن اضطرابات النموّ لدى الحدث، والعاهات، والأمراض البدنية والنفسية، والدوافع ومنها دافع الجنس، هي عوامل تؤثر في السلوك الاجتماعي للحدث وتنعكس في تصرفاته وقد تكون وراء ارتكابه الجريمة. ولا يمكن في هذا المجال الجزم بحتمية أثر الوراثة في الإجرام، وهي النظرة التي قال بها لومبروزو[ر]، ولكن يمكن القول إن التكوين الجسمي أو العقلي للأبوين قد ينعكس على الطفل، فإذا كان الوالدان، أو أحدهما، من مدمني المسكر أو المخدرات، أو من المصابين ببعض الأمراض الخاصة، فإن هذا الوضع يحتمل أن يؤثر في تكوين ابنهما جسمياً ونفسياً.

الأسباب الخارجية المحيطية: إن للبيئة التي يعيش فيها الحدث تأثيراً واضحاً وكبيراً في سلوكه وتصرفاته، وتحتل العوامل الاجتماعية والاقتصادية مكان الصدارة بين العوامل التي تنطوي عليها البيئة والتي يمكن أن تؤدي إلى جنوح الأحداث. فالجانح مصنوع لا مولود، وإجرام الصغار حادث يسهم الكبار في صنعه، والحدث المنحرف هو في الغالب ضحية وسط اجتماعي اقتصادي سيئ.

الوضع الاقتصادي: يحتمل أن يكون الفقر حافزاً على التفوق والنبوغ، ولكنه، من جهة ثانية، كثيراً ما يكون السبب في الانحراف والجريمة. وفي جملة ما يعنيه الفقر فقر الأسرة والسكن الحقير، وسوء التغذية والجوع والمرض والملبس المزري. وقد يؤدي الفقر في الأسرة إلى تفكك الروابط بين أفرادها، وإلى أشكال من القلق والكآبة واليأس. ويؤثر ذلك كله في أحوال الحدث الجسمية والنفسية والتربوية والثقافية. وقد يكون من شأنه إسقاطه في بؤرة الانحراف. لكن الفقر في حد ذاته ليس السبب الحتمي، فقد يقدم على الجريمة أناس ليسوا من الفقراء، وكثيراً ما يحجم عنها أناس في حضيض الحياة. وقد ثبت من فحص الحالة الاجتماعية لبعض الطلاب الذين ارتكبوا أخطر الجرائم وأخلوا بالأمن إخلالاً خطيراً انفعل له سكان بعض المدن أنهم ينحدرون من الفئات الاجتماعية الغنية المترفة. وعلى ذلك فإن الانحراف قد ينشأ عن سوء الرعاية الذي يغلب أن يلازم الحياة الفقيرة. ومن هنا يكون من الضروري التنبه إلى عوامل أخرى اجتماعية وصحية وغيرها تسهم وحدها، أو مع الفقر، في جنوح الأحداث.

تفكك الأسرة: من المؤكد أن البيئة الأسرية تؤدي دوراً مهماً في صنع شخصية الحدث ولاسيما في السنين الأولى من حياته، فالبيت المتداعي اجتماعياً يعدّ من العوامل الرئيسة التي تفتح السبيل لجنوح الأبناء، ويكفي أن يشب الصغير في رحاب الانحراف لدى الأبوين، أحدهما أو كليهما، أو انحراف أكبر الأبناء أو البنات، حتى يستمرئ الانحراف ويصبح ارتكاب الجريمة عنده أمراً مستساغاً ومقبولاً. ومن ناحية أخرى إن الإسراف في اللين والتدلّل، أو في الصرامة والقسوة، أو في التهاون والسلبية وعدم الاكتراث من جانب الوالدين أو أحدهما، قد يؤدي بالحدث إلى النتيجة نفسها. وقد بينت إحدى الدراسات الفرنسية لأحوال مئة سجين محكوم عليهم بعقوبة الإبعاد أن 52 منهم عاشوا في طفولتهم في بيئة أسرية مضطربة: من بينهم 21 سجيناً عاشوا فاقدين أحد الوالدين، ومنهم 5 عاشوا فاقدين الوالدين معاً، و12 وجدوا في أسرة كان يسودها الشقاق الأسري، و6 نشؤوا في معاهد إصلاحية، و4 كانوا قد عهد بهم إلى مؤسسات الإسعاف العام لتربيتهم.

الصحبة السيئة: إن اتصال الأحداث الذين لم تتكون شخصيتهم بعد بفئة من المجرمين قد يوصلهم إلى الجريمة، وهذا تفسير لما نسمعه اليوم عن عصابات الأحداث، مثل عصابات القمصان السود في فرنسة، والقمصان المذهبة في السويد.

وسائل التسلية والإعلام: إن السينما والمسرح والصحافة والكتب والمذياع وغيرها من وسائل التسلية والإعلام، إذا لم تكن قائمة على أسس سليمة في طريقة، أو مضمون، ما تعرض، قد تساعد على انسياق الأحداث إلى ارتكاب الجريمة، ويحدث هذا أحياناً نتيجة إبراز مقترفي بعض الجرائم بمظهر البطولة مما يبدو أثره في تغير القيم الاجتماعية لدى الأحداث والمراهقين بصورة خاصة فيندفع بعضهم وراء الجريمة متأثرين بالتقليد.

الفراغ والبطالة والعمل غير المناسب: إن هذه العوامل كثيراً ما تمهد للحدث طريق الانحراف. فالأشخاص الذين يعمل معهم كثيراً ما يكونون مصدر خطر معنوي وأخلاقي جسيم عليه، وكثيراً ما يتسببون بتوجيهه توجيهاً سيئاً ينتهي به إلى الانحراف والجريمة. ويصدق هذا القول على شروط العمل: فالمناطق التي تولد الجنوح، أو ما يمكن تسميتها « مناطق الجنوح»، مثل بعض دور اللهو والحانات، من شأنها تغذية عوامل الانحراف الخلقي والسلوك المضاد للمجتمع لدى الحدث.

ويبدو من هذا العرض السريع للأسباب الداخلية والخارجية المحيطية التي تدفع بالأحداث إلى هوة الجريمة أن سبباً أو عاملاً واحداً منها ليس كافياً، في حد ذاته، لتكوين الانحراف، وأن الواقع يكشف عن تضافر عدد من العوامل، علماً بأن العامل الاجتماعي بأشكاله المختلفة، والعامل الاقتصادي، واستعداد الحدث للانحراف، وهو الاستعداد الذي ينطوي عليه تكوينه الشخصي هي عوامل تتصدر قائمة الأسباب التي يمكن أن تؤدي بالحدث إلى الجنوح.

الأحكام الموضوعية الخاصة بالأحداث الجانحين

يقف الحديث هنا عند ما يخص هذه الأحكام من صفات، وعند التدابير التي تتخذ بحق الحدث الجانح.

السمة الخاصة لهذه الأحكام: تبرز في مجال الأحكام الموضوعية الخاصة بالأحداث الجانحين السمة الخاصة لقانون الأحداث الجانحين التي تمنحه نوعاً من الاستقلال عن قانون العقوبات لتحقيق أغراضه في حماية المجتمع من الخارجين على أحكامه، في حين يلجأ قانون الأحداث الجانحين، من حيث المبدأ، إلى مواجهة الأحداث الجانحين بتدابير خاصة تختلف تماماً عن العقوبات العادية المقررة في القانون العام للمجرمين الراشدين، وهي تدابير تستهدف إصلاح الحدث الجانح، ولا تفرض بالمقابل وفقاً للجريمة ومدى جسامتها، بل وفقاً لحالة الحدث الفردية وضرورة إصلاحه. وعلى ذلك فإن قانون الأحداث الجانحين يتمتع بذاتية خاصة به فيما يتصل بسياسة الجزاء تبعده عن قانون العقوبات العام. ولا يرجع القاضي إلى القانون الأخير إلا عند فقدان أي نص في قانون الأحداث الجانحين ينظم الواقعة المعروضة، وحتى في هذه الحالة لا يؤخذ بالأحكام العامة إذا كانت لا تتمشى مع السياسة الخاصة التي انتهجها المشرّع في مجال إصلاح الأحداث.

التدابير المقررة للأحداث الجانحين: إذا ارتكب الحدث الذي أتم السابعة ولم يتم الثامنة عشرة من عمره جريمة ما فيمكن أن تفرض عليه محكمة الأحداث واحداً أو أكثر من بين عدد من التدابير.

تدبير التسليم: يعدّ تدبير تسليم الحدث من تدابير الحماية والإصلاح، وهو مقرر لمن يرتكب أية جريمة، جناية أو جنحة أو مخالفة، في مرحلة الحداثة بين سن السابعة والخامسة عشرة، وهو جائز كذلك في حال الأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة ولم يتموا الثامنة عشرة في الجنح والمخالفات فحسب. وقد يتم التسليم إلى واحدة من عدة جهات.

التسليم إلى الوالدين أو لأحدهما أو للولي الشرعي: بشرط أن تتوافر فيمن يسلم إليه الحدث الضمانات الأخلاقية، وأن يكون في إمكانه القيام بتربية الحدث بحسب إرشادات المحكمة أو مراقب السلوك.

التسليم إلى أحد أفراد الأسرة: ويكون التسليم إلى أحد أفراد الأسرة غير الوالدين إذا لم تتوافر في والدي الحدث، أو في وليه الشرعي، الشروط المنوه بها في الفقرة السابقة.

تسليم الحدث إلى غير ذويه: إذا لم يكن بين ذوي الحدث من هو أهل لتربيته أمكن وضعه لدى مؤسسة أو جمعية صالحة لتربية الحدث، وعلى مراقب السلوك أن يراقب تربية الحدث وأن يقدم له وللقائمين على تربيته الإرشادات اللازمة.

تدبير الوضع في مركز للملاحظة: تقرر هذا التدبير تطبيقاً لمبدأ تحقيق شخصية الحدث والوقوف على حالته النفسية والاجتماعية، هذا المبدأ الذي يعد‍ّ بمنزلة العمود الفقري في محاكمة الحدث، لأن اهتمام قاضي الأحداث ينصرف بالدرجة الأولى إلى دراسة شخصية الحدث قبل توجيه اهتمامه إلى دراسة الفعل المرتكب من الناحية المادية. وانطلاقاً من هذا المبدأ يجوز لقاضي الأحداث أن يقرر في أثناء النظر بالقضية، وقبل إصدار حكمه النهائي، وضع الحدث مؤقتاً في مركز الملاحظة مدة لا تتجاوز ستة أشهر إذا رأى أن حالته الجسمية أو النفسية تستلزم دراسة وملاحظة واسعتين بغية تقرير التدبير الملائم. ويجب على القاضي في هذه الحال تأجيل البت في القضية إلى ما بعد انتهاء مدة الملاحظة والدراسة. ويتصف هذا التدبير بأنه عام يجوز فرضه حتى على الأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة من عمرهم في الجنايات.

تدبير الوضع في معهد إصلاحي: وهو تدبير إصلاحي مقرر للأحداث الذين أتموا السابعة ولم يتموا الخامسة عشرة في جميع الجرائم، وللأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة ولم يتموا الثامنة عشرة في المخالفات والجنح فحسب. ويحكم الحدث بوضعه في معهد إصلاح الأحداث مدة لا تقل عن ستة أشهر إذا تبين للمحكمة أن حالته تستدعي ذلك. وعلى مدير المعهد الإصلاحي أن يقدم تقريراً للمحكمة بعد انقضاء ستة أشهر على وضع الحدث في المعهد يبين فيه حالة الحدث، وله أن يقترح في التقرير إعفاءه من باقي المدة أو فرض أي تدبير إصلاحي آخر يراه ضرورياً، وعليه أن يقدم تقارير دورية إلى المحكمة في كل ثلاثة أشهر حتى يتم إخلاء سبيل الحدث. وتنتهي مدة تدبير وضع الحدث في معهد إصلاحي حتماً بإتمام الحدث السنة الحادية والعشرين من عمره.

تدبير الحجز في مأوى احترازي: يلجأ القاضي إلى وضع الحدث في مصحّ ملائم إذا تبين له أن جنوحه ناشئ عن مرض عقلي، ويستمر هذا الحجز حتى يتم شفاء الحدث.

تدبير الحرية المراقبة: الحرية المراقبة تدبير يهدف إلى مراقبة سلوك الحدث الجانح والعمل على إصلاحه بإسداء النصح له ومساعدته على تجنب السلوك السيئ وتسهيل امتزاجه بالمجتمع، ويقوم بهذه المراقبة موظف تكلفه وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أطلق عليه القانون اسم «مراقب السلوك». ويجوز فرض هذا التدبير على الأحداث في جميع الجرائم. ويجوز فرضه حتى على الأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة عند ارتكابهم جناية وذلك كتدبير تكميلي إضافة إلى العقوبات المخففة المقررة لهم في هذه الحالة. ويجوز للمحكمة أن تمنع الحدث المفروض عليه تدبير الحرية المراقبة من ارتياد كل محل أو مكان ترى فيه خطراً على سلوكه، ولها أن تفرض عليه الحضور في أوقات معينة أمام أشخاص أو هيئات تعينهم، وأن تأمره بالدوام على بعض الاجتماعات التوجيهية المفيدة، أو أي أمر آخر تراه ضرورياً لإصلاحه.

ومدة الحرية المراقبة من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات. ولا يحول إتمام الحدث الثامنة عشرة من عمره من دون الاستمرار في تنفيذ هذا التدبير إذا لم تكن المدة التي حددتها المحكمة قد انتهت ببلوغه سن الرشد وعلى مراقب السلوك أن يرفع إلى محكمة الأحداث تقريراً دورياً كل شهر عن حالة الحدث الموضوع تحت رقابته وعن سلوكه وتأثير المراقبة فيه. وعليه أن يرفع للمحكمة تقريراً عن كل حالة تدل على سوء سلوك الحدث أو يرى من المفيد إطلاع المحكمة عليها.

تدبير منع الإقامة: للمحكمة أن تمنع إقامة الحدث في أماكن معينة، كالمنطقة التي وقعت فيها الجريمة أو مكان سكن المجني عليه، على أن يكون الحدث قد تجاوز عند الحكم عليه بهذا التدبير الخامسة عشرة من عمره.

تدبير منع ارتياد المحلات المفسدة: يمنع الحدث الجانح من ارتياد الخمارات والمقامر والمحلات المفسدة عموماً وكل مكان آخر ترى المحكمة أن المنع من ارتياده مفيد له.

تدبير المنع من مزاولة عمل ما: إذا تبين لمحكمة الأحداث أن سبب جنوح الحدث هو مزاولته لمهنة معينة، أو أن مزاولته لتلك المهنة قد تسبب جنوحه مرة أخرى، جاز لها أن تمنعه من ذلك.

تدبير الرعاية: وهو تدبير إصلاحي يوفر للذي فرض عليه التعليم والتدريب المهني والعمل المناسب وتلقي النصح والإرشاد ليباشر حياته أو يكسب عيشه بطريقة شريفة. ويتخذ هذا التدبير مع جميع الأحداث في جميع الجرائم ويعد تدبيراً تكميلياً إضافة إلى العقوبة إذا كان الحدث قد ارتكب جناية وأتم الخامسة عشرة من عمره. ويفرض تدبير الرعاية على كل حدث وجد متشرداً أو متسولاً لا معيل له ولا يملك مورداً للعيش، أو كان يعمل في أماكن أو يمارس أعمالاً منافية للأخلاق والآداب العامة. ويعهد بالرعاية إلى معاهد إصلاحية معترف بها من الدولة. وعلى المعهد تقديم تقرير إلى محكمة الأحداث عن حالة المحكوم عليه بتدبير الرعاية كل ثلاثة أشهر. وإذا تعذر وضع الحدث الذي فرض عليه تدبير الرعاية في إحدى مؤسسات الرعاية جاز لمحكمة الأحداث أن توفر له عملاً في إحدى المهن الصناعية أو التجارية أو الزراعية حيث يتولى رقابته مراقب السلوك.

طبيعة التدابير الإصلاحية: لم تعد التشريعات الحديثة الخاصة بالأحداث الجانحين قائمة على تحديد المسؤولية الجزائية للحدث وفرض العقاب عليه، وإنما أصبحت تقوم على أساس تعويض الحدث عمّا فقده من رعاية صالحة، وعلى إصلاح ما أفسده التوجيه الخاطئ الذي تعرض الحدث له والذي أدى به إلى الإجرام. وتطبيقاً لذلك فإن المشرّع السوري أفرد قانوناً خاصاً بمرحلة الحداثة وأحاطها بمعاملة خاصة في ضوء سياسة اجتماعية تهدف إلى توفير الرعاية والحماية للجيل الناشئ. وقد كان واضع قانون الأحداث الجانحين سنة 1953 صريحاً حين قال في الأسباب الموجبة: إن القصد من هذه التدابير هو إصلاح الحدث فعلاً لا التضييق عليه كما هو الأمر في العقوبات التي تفرض على غير الأحداث.

فالتدابير المقررة للأحداث الجانحين ليست عقوبات بالمعنى التقليدي، وهناك اختلاف بين الإجرائين من حيث كل من الطبيعة والهدف:

فالتدبير الإصلاحي يختلف عن العقوبات من حيث طبيعته، إذ تقوم العقوبة في جوهرها على الإيلام المقصود للجاني عن طريق مسّها حريته أو ماله أو اعتباره، ولتحقيق ذلك يجب أن تكون متناسبة مع مدى جسامة الجريمة. أما التدبير الإصلاحي فإنه لا يقوم مطلقاً على هذا الإيلام المقصود، بل يقوم في جوهره على مدّ العون إلى الحدث الجانح لإصلاحه وإعادة بنائه اجتماعياً، وإذا نتج عن تنفيذ التدبير الإصلاحي إيلام شخص الحدث، كإيداعه في معهد الإصلاح أو في مأوى احترازي، فإن هذا الإيلام يحدث عرضاً وعلى نحو غير مقصود.

ثم إن التدبير الإصلاحي يختلف عن العقوبة من حيث الهدف: فلم تزل العقوبة تهتم بتحقيق الردع العام، إذ إن الإيلام الذي تقوم عليه يؤدي إلى تخويف الآخرين وتهديدهم ومنعهم من محاكاة المجرم. بيد أن هذا الأمر ليس من شأن التدبير الإصلاحي الذي يهدف بصورة أساسية إلى تحقيق الردع الخاص عن طريق إصلاح الحدث فعلاً لا التضييق عليه كما هو الأمر في العقوبات التي تفرض على غير الأحداث.

الاستثناء من فرض التدابير: الأصل أن الحدث مهما كان عمره، أتم السابعة ولم يتم الثامنة عشرة، ومهما كانت الجريمة التي ارتكبها، جناية أو جنحة أو مخالفة، لا تفرض عليه سوى التدابير الإصلاحية المذكورة من قبل. لكن المشرّع السوري وضع استثناء من هذا الأصل، وهو يتناول فئة من الأحداث ونوعاً معيناً من الجرائم: فإذا ارتكب الحدث الذي أتم الخامسة عشرة من عمره جريمة من نوع الجناية[ر] تطبق عليه في هذه الحالة عقوبات مخففة، ويجوز للمحكمة أن تفرض عليه بالإضافة إلى العقوبة بعض تدابير الإصلاح.

الأحكام الإجرائية الخاصة بالأحداث الجانحين

أفرد قانون الأحداث الجانحين قواعد إجرائية خاصة بالأحداث الجانحين تتفق والغرض الاجتماعي المتمثل في إصلاح حالة الحدث، وتتميز هذه القواعد الخاصة مما ورد في أصول محاكمة الراشدين بالمرونة والبعد عن الشكليات المفرطة والخروج في كثير من النقاط على القواعد العامة.

قضاء الأحداث: كان الأحداث الجانحون يحاكمون في ظل التشريع العثماني أمام محاكم القضاء العادي كسائر المجرمين من دون تفريق. ولقد ظل هذا الوضع على حاله حتى نفاذ قانون العقوبات السوري في سنة 1949 الذي حقق بعض التقدم. ولما صدر قانون الأحداث الجانحين سنة 1953 جاء بتعديلات في هذا الخصوص أهمها إحداث محاكم خاصة تسمى محاكم الأحداث. وأحدث هذا القانون محكمتين للأحداث إحداهما في دمشق والأخرى في حلب، على أن تتولى قضايا الأحداث في بقية المحافظات المحاكم الابتدائية، كما عهد هذا القانون إلى محاكم الجنايات العادية النظر في الجنايات التي يرتكبها الأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة ولم يتموا الثامنة عشرة. وقد غير قانون الأحداث الجانحين لسنة 1974 الوضع بصورة جذرية، إذ عمم محاكم الأحداث، على جميع المحافظات من ناحية، وأطلق اختصاصها لتشمل جميع الجرائم التي يرتكبها الأحداث، وفيها الجنايات التي يرتكبها من أتم منهم الخامسة عشرة من عمره.