دراسة وبحث قانوني هام عن القياس في القانون الجنائي

(تعليق على قرار محكمة استئناف بابل الاتحادية ـ بصفتها التمييزية)

حكمة التشريع الجنائي تكمن في سعيه لحماية القيم الجوهرية للمجتمع والمصالح الاساسية للإفراد، وعنت الحاجة اليه بعد ان اتسعت الحياة وانتقلت من الفردية الى الاجتماعية وتشابك العلاقات بين الافراد مما ادى الى حصول اعتداء او خرق لحقوق احد الافراد ولم يقتصر الامر على القواعد القانونية الوضعية، بل الشرائع السماوية التفتت الى ذلك، فظهرت فكرة التشريع الجنائي وفي الشريعة الاسلامية نجد اثرها اكثر وضوحا من خلال افراد باب خاص بالحدود او الجنايات ولم يغفله اي فقيه من فقهاء المسلمين للأهمية التي يتمتع بها من جهتين الاولى غايته في حفظ الحقوق وصيانتها والثانية جسامة الاثر الذي يترتب عليه العمل بهذا الباب، لان بعض الحدود تصل الى الاعدام حد القاتل في سورة البقرة الاية (187) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ) او قطع جزء من جسد الانسان مثل عقوبة السارق في سورة المائدة الاية (38) (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) وتقييد حرية الانسان في عقوبة الحبس والسجن وغيرها من العقوبات، ومن ذلك ظهر مبدأ المشروعية (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص او بناء على نص) الذي يقرر ان ليس للقاضي ان يعاقب شخصا ما بعقوبة او يعد فعله جريمة إلا اذا نص عليه قانون تشرعه السلطة المختصة بتشريعه، لكن البعض يرى ان هذا المبدأ قيد حرية القضاء في تدارك المستحدثات في الجرائم من خلال التطور الحاصل في التقنيات والوسائل المستخدمة في ارتكاب الجرائم وظهور جرائم جديدة لم يتحسب لها المشرع عند اصدار القانون، وفي العراق المثل على ذلك الجرائم التي تقع عبر الانترنت او بالوسائل الالكترونية ويرى بعض شراح وفقهاء القانون الجنائي ان وسيلة هذا المبدأ هو التكييف والمطابقة بمعنى البحث في قانون العقوبات والقرارات العقابية التي لها قوة القانون عن الوصف الجنائي الذي ينطبق على الفعل الواقع[1]، وهذا التكييف يستدعي اجراء تفسير للنص الجنائي بهدف المطابقة مع الفعل الذي اتى به الانسان وتكون لعملية التفسير الاهمية القصوى في عملية التكييف، إلا ان جميع من كتب وشرح القانون الجنائي انكر على القضاء والقاضي اللجوء الى القياس في تكييف القانون مع الوقائع وان تفسير النصوص الجنائية وهو ضرب من ضروب التفسير القانوني وحيث ان التفسير هو عمل ذهني محفوف بالمخاطر والإقدام عليه لابد وان يكون لغاية محددة في كشف الغموض عن النص القانوني وان كان الامر متاح للقاضي في القانون المدني إلا ان اغلب فقهاء القانون الجنائي يرى الحذر منه في مجال القانون الجنائي سواء كان التفسير ضيقا او مُضيقا مثلما يستبعد كليا التفسير الموسع او القياس[2] ، ومن خلال العرض اعلاه اجد ان محكمة استئناف بابل بصفتها التمييزية عند اصدار قرارها العدد (445/456/ت/جزائية/2012 ) في 30/10/2012 جاء على وفق القياس بما ورد فيه من اشارة واضحة الى ذلك على وفق العبارة الاتية (فوطئ حرمة المسكن بالعين نتيجة النظر إليها بوقاحة و سوء أخلاق لا تختلف مطلقا ً عن وطئها بالقدم و دخولها بدون أذن صاحبها ما دامت الغاية المرجوة منها واحدة في كلا الحالتين ألا و هي انتهاك حرمة مسكن الآخرين) ولغرض بيان قابلية النصوص الجنائية للتفسير الواسع وقياس الاحكام فيها ارى ان التعليق على الحكم الملمع عنه سيكون بعرض المبدأ الذي جاء فيه الحكم القضائي والنتيجة التي خلص اليها مع بيان الية الاستدلال التي اتبعتها المحكمة في اجتهادها لاستنباط الحكم وعلى وفق الاتي :-
القرار

رئاسة محكمة استئناف بابل الاتحادية بصفتها التمييزية

العدد / 445 / 456 / ت / جزائية / 2012 التأريخ / 30 / 10 / 2012

المميزان / 1- نائب المدعي العام أمام محكمة جنح الحلة

2- المتهم ( ع . ح . ع )

المميز ضده / قرار محكمة جنح الحلة

القرار

لدى التدقيق و المداولة وجد بأن الطعنين التمييزين مقدمين ضمن المدة القانونية قرر قبوله شكلا ً و التي تركزت خلاصته على أن فعل المتهم المدان و المتمثل بقيامه بأستراق النظر الى زوجة و أبنة المشتكي عن طريق الحائط الفاصل بين داريهما كونهما جارين ينطبق و أحكام المادة ( 400 ) من قانون العقوبات لأن نظره لهن قد أخل بحيائهن و من خلال نص المادة أعلاه و التي جاء فيها ( من أرتكب مع شخص ذكر أو أنثى فعلا ً مخلا ً بالحياة بغير رضاه أو رضاها يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة و بغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بأحدى هاتين العقوبتين 9- فأنه لا ينطبق على وقائع الدعوى . أو بالأدق فأن فعل المتهم أقرب إليه بالأنطباق نص المادة ( 428 / 1 ) من قانون العقوبات و ليس نص المادة ( 400 ) من قانون العقوبات لأن قيام شخص ما بالنظر بعينيه الى محارم و عورات نساء جاره يكون قد أنتهك حرمه مسكنه بكل أبعاده و حرمة المساكن من الحقوق الدستورية العتيدة . فقد نص الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 على حرمة المسكن في المادة السابعة عشر / ثانيا ً و التي جاء فيها ( حرمة المساكن مصونة و لا يجوز دخولها أو تفتيشها أو التعرض لها إلا بقرار قضائي و وفقا ً للقانون ) . كما أن المادة ( 428 ) بفقراتها من قانون العقوبات العراقي قد عاقبت بالحبس مدة لا تزيد عن سنة كل من دخل محلا ً مسكونا ً أو أحد ملحقاته بدون رضى صاحبه و مقتضى فلسفة حرمة المساكن تقوم على جملة من الأهداف يسعى النص الدستوري و النص العقابي لتحقيقها و في مقدمتها حماية حق الأنسان بالعيش بأمان في مسكنه و في سلامة جسده و شرفه و عرضه و أسرار حياته الشخصية مع عائلته و هذه الغايات الرئيسية التي قررت لمصلحة الشخص ناتجة عن مبدأ حرمة المساكن . و أي شخص يحاول أن ينتهك هذه الحرمة ينال جزاءه العادل في العقوبة المقررة في المادة ( 428 / 1 ) من قانون العقوبات كما أن أشتراطه ركن الدخول في دار السكن أو أحد ملحقاته وفقا ً لما يقتضيه نص المادة المذكورة سلفا ً متحقق في هذه القضية . لأن الدخول الذي قصده المشرع أما دخول حقيقي أو دخول حكمي لدار السكن فأما الدخول الحقيقي فيتحقق بدخول الشخص بكامل كيانه الجسدي و بقدميه الى دار السكن أو أحد ملحقاته العائدة للغير بدون أذنه . و أما الدخول الحكمي فيتحقق بقيام الشخص بسوء نيه بالأطلاع على الحياة الشخصية لأصحاب المسكن و بالنظر إليهم بريبة الى عوراتهم ضاربا ً بهذا الفعل الشنيع عرض الحائط حقوق الجار . فوطئ حرمة المسكن بالعين نتيجة النظر إليها بوقاحة و سوء أخلاق لا تختلف مطلقا ً عن وطئها بالقدم و دخولها بدون أذن صاحبها ما دامت الغاية المرجوة منها واحدة في كلا الحالتين ألا و هي أنتهاك حرمة مسكن الأخرين و السعي بتصميم الى تحقيق ذلك زد على ذلك فأن الجدار الفاصل و الذي يعتبر من ملحقات دار السكن ما بين داري المشتكي و المتهم و قيام الأخير بالنظر من خلاله و تسلقه يعتبر الركن المادي المتمثل بالدخول متحقق وفقا ً للمعيار المادي في جريمة أنتهاك حرمة السكن و تأسيسا ً على ما تقدم يكون أتجاه محكمة جنح الحلة بأدانة المتهم وفقا ً لأحكام المادة ( 428 / 1 ) من قانون العقوبات قد جاء تطبيقا ً سليما ً لروح القانون لذا قررت المحكمة تصديق كافة القرارات المميزة و رد اللائحتين التمييزية و صدر القرار بالأتفاق وفق القرار 104 لسنة 1988 في 14 / ذي الحجة / 1433 هـ الموافق 30 / تشرين الأول / 2012 م .

اولا : المبدأ (الدخول الحكمي لدار السكن)
جاء في الحكم اعلاه ادانة متهم بارتكابه جريمة انتهاك حرمة مسكن على وفق حكم الفقرة (1) من المادة (428) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل والتي جاء فيها الاتي (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار او بإحدى هاتين العقوبتين.ا – من دخل محلا مسكونا او معدا للسكنى او احد ملحقاته وكان ذلك بدون رضاء صاحبه وفي غير الاحوال التي يرخص فيها القانون بذلك. ب – من وجد في محل مما ذكر متخفيا عن اعين من له حق في اخراجه منه. ج – من دخل محلا مما ذكر بوجه مشروع وبقي فيه على غير ارادة من له الحق في اخراجه منه. ) ولابد من بيان عناصر وأركان الجريمة اعلاه على وفق الاتي:ـ
1- الركن المادي للجريمة ويتمثل بالدخول حيث ان ركن الجريمة المادي هو دخول المتهم الى مسكن لا يعود له دون اذن او علم مالكه او الحائز له وان يدخل الشخص المحل المذكور في النص اعلاه بصورة غير مشروعة ويبقى الدخول محتفظا بالصيغة غير المشروعة حتى لو لم يكن يعارض فيه حائز المحل[3] .
ولتحليل عناصر الفعل المادي لابد من توفر عنصرين الاول الدخول والثاني المسكن وساعرض لتعريف هذين العنصرين على وفق الاتي :-
‌أ. المسكن : والمحل الذي خصص للسكنى اصلا ويدخل في مفهومه كل مكان لم يخصص للسكنى وإنما يعتبر مسكونا مثل المتاجر والمخازن التي يتواجد فيها اصحابها لغرض حراستها او المدرسة التي يتواجد فيها الحارس بمعنى ان المسكن هو عقار او عقار بالتخصيص والدخول لغير هذين المحلين لا يعد محلا للسكنى ولا يندرج ضمن منطوق المادة 428 عقوبات مثال ذلك سيارات النقل التي يلحق فيها كرفان للسكنى ، لان المسكن له اكثر من تعريف على وفق النطاق الذي يرد فيه مثلا يرى البعض ان المسكن يعبّر عن الإقامة وعن استمراريتها وديمومتها وارتباطها بمحيط ومناخ اجتماعي وآخر يرى المسكن ليس مكاناً ننزل فيه أو نحل فيه بصورة عابرة ومؤقتة بل هو الموئل الذي نجد فيه أنفسنا، ارتباطنا ببيت الطفولة، نعيش فيه حياتنا باستقرار وهدوء يعطي حالة نفسية تخطط وتبني للمستقبل، فلم يعد خيمة تقرب منا لأيام أو لموسم فقط. إنه المساحة الأكثر ارتباطاً بكيان ووجدان الإنسان يدافع عنها حتى الشهادة في بعض الاحيان ليس دفاعاً عن حجر وطيف بل عن تاريخ تتفاعل فيه وتندمج جملة علاقات وممارسات وأحلام ومشاريع… إنه بنية نفسية تعبر عن شخصية صاحبها وعن إمكانياته الخاصة كونه فرداً في مجتمع له خصائص وسامت اقتصادية وسلطوية محددة هي بحد ذاتها تطلق أو تعيق هذه الإمكانيات بينما اعتبر Bachelard أن المسكن هو المساحة المحببة الأولى إلينا وهو حامي القيم والحميمية، هو مثير الذكريات والأحلام وهو المعاش والتخيّل. وحثّ Lefebvre على الاهتمام بالمجال المبني واستبعاد العلاقات [4]لكن هل نستطيع ان نقيس على هذه التعاريف مسكن غير المسكن الذي يشكل حيز في الفضاء وله حدود مرئية ونجعل فعل الاعتداء على اثار كان لنا فيها موطن وذكريات طفولة او الدخول اليها فعل يعاقب عليه على وفق حكم المادة (428) عقوبات الجواب بالتأكيد سيكون بالنفي لان القياس غير فاعل في القانون الجنائي ولا يجوز العمل به اطلاقا,

‌ب. الدخول : ونقصد به دخول الشخص بكيانه الجسدي الذي له حيز مادي وعند الاطلاع على قواميس ومعاجم اللغة العربية نجد ان الدخول بمعنى الذي هو نقيض الخروج وفي لسان العرب (عند قولك دَخَلْتُ البيت، والصحيح فيه أَن تريد دَخَلْت إِلى البيت وحذفت حرف الجر فانتصب انتصاب المفعول به، لأَن الأَمكنة على ضربين: مبهم ومحدود، فالمبهم نحو جهات الجسم السِّتِّ خَلف وقُدَّام ويَمِين وشِمال وفوق وتحت، وما جرى مجرى ذلك من أَسماء الجهات نحو أَمام ووراء وأَعلى وأَسفل وعند ولَدُنْ ووَسَط بمعنى بين وقُبَالة، فهذا وما أَشبهه من الأَمكنة يكون ظرفاً لأَنه غير محدود، أَلا ترى أَن خَلْفك قد يكون قُدَّاماً لغيرك؟ فأَما المحدود الذي له خِلْقة وشخص وأَقطار تَحُوزه نحو الجَبَل والوادي والسوق والمسجد والدار فلا يكون ظرفاً لأَنك لا تقول قعدت الدار، ولا صليت المسجد، ولا نِمْت الجبل، ولا قمت الوادي، وما جاء من ذلك فإِنما هو بحذف حرف الجر نحو دخلت البيت وصَعَّدت الجَبَل ونزلت الوادي) وان الدار التي هي رديف المسكن على وفق ما تقدم من الامكنة المحددة لان لها خِلْقة وشاخص وأَقطار تَحُوزها ولا يفترض فيه الوهم او التصور وإنما الدخول الحقيقي بكتلة الشيء الذي له حائز فضائي على وفق منطق الفيزيائيين ويرى بعض من فقهاء القانون ترد حالات في الدخول الافتراضي ( الحكمي) وإنما فقط في اثبات الدخول في عقد الزواج وفي تطبيقات القانون المدني نجد للافتراض محلا في التسليم الحكمي في عقد البيع او الايجار في المواد (538،539) مدني وغيرها في القوانين الاخرى ونجد انها تعني الافتراضي غير الحقيقي او هو الشكل الصوري في الذهني او وهم يتصوره الشخص دون ان يكون له اثر مادي كتلوي في حيز الوجود ويسمى احيانا العالم الافتراضي مثل الشبكة العنكبوتية فيها موانع تسمى مساكن الا انها عبارة عن افتراض وجود مسكن وليس مسكن حقيقي لذلك فان الدخول مناط الفعل الجرمي على وفق حكم المادة 428 عقوبات هو الدخول الحقيقي بان تكون كتلة الجسم المادية قد دخلت في حيز المسكن المادي .

ثانيا : آلية استنباط الحكم (الاستدلال والاستقراء)
الحكم القضائي، كما يرى المرحوم عبدالرحمن علام، له معان مختلفة في اللغة القانونية ومعناه العام كل امر او قرار يصدر من السلطة القضائية لأنه في العادة لا تُعرف ارادة المحكمة في امر من الامور الا بالحكم الذي تصدره[5] ، وفي قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل نجد ان الحكم هو الذي يصدر على وفق احكام المواد(181، 182، 232، 283) اصول جزائية وهو بمثابة ابداء راي المحكمة في موضوع الدعوى بشكل حاسم على وفق مايراه المرحوم القاضي جمال محمد مصطفى[6]، والحكم القضائي هو خاتمة المطاف في الخصومة ونقطة النهاية في سباق تصارعَ وتناضلَ فيه ذوو الشأن بأساليب وأدوات وحجج قانونية ، وهو تتويج لجهود كبيرة وإجراءات طويلة قام بها الخصوم وممثلوهم والقاضي وأعوانه[7]كما يرى المرحوم القاضي ضياء شيت خطاب بان الخدمة القضائية فإنها تكمن في العملية القضائية، التي هي مقياس منطقي، مقدمته الكبرى النص التشريعي ومقدمته الصغرى الواقعة محل الخصومة والنزاع ، ونتيجة الحكم الذي يصدره القاضي[8]، وبهذا التوصيف فان المحكمة ملزمة ببيان منطق استنباطها للحكم لان اصدار الحكم هو تفهم واقعي لمعنى الغرض في القاعدة القانونية ، ولمعنى الصدق في الواقعة بهدف تحقيق العدالة وليس مجرد طرح مشيئي خارجي مرهون بمصادفات التقدير الشخصي[9]، والاحكام لابد لها ان تتمتع بمنطق الذي عرفه كتاب المنطق بانه آلة تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر[10]وصورته في الاحكام تكون بتسبيب الاحكام القضائية التي تبين المنهج المنطقي الذي سارت عليه المحكمة في بناء عقيدتها، ويرى البعض بان التسبيب اما يكون جدلي وهو بمعنى تقابل الضدين ويكون تسبيبا جديلا او تسبيبا منطقيا يعتمد على البرهان ويرى القاضي الفرنسي (بيير هيرو) في بحثه الموسوم منطق الاحكام بان اغلب الاحكام القضائية افرغت في اسلوب القياس القضائي[11]، وبمان التعليق ينصب على قرار محكمة استئناف بالب الاتحادية بصفتها التمييزية فانها محكمة قانون وليس محكمة وقائع ولابد لها ان تراعِ المنطق القانوني فضلا عن القضائي عند الاستدلال لان القاعدة القانونية معلومة ومسلم بها[12]وثباتها ومعلوميتها تمكن الفكر من جعلها النموذج المقاس عليه لبيان الحكم تجاه وقائع لم يرد لها حكم في القانون وهو واجب على القاضي العمل به في القانون المدني رقم 40 لينة 1951 المعدل على وفق حكم المادة (1) منه التي جاء فيها الاتي (تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها او في فحواها. 2 – فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكمت المحكمة بمقتضى العرف فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الاسلامية الاكثر ملائمة لنصوص هذا القانون دون التقيد بمذهب معين فإذا لم يوجد فبمقتضى قواعد العدالة.3 – وتسترشد المحاكم في كل ذلك بالأحكام التي اقرها القضاء والفقه في العراق ثم في البلاد الاخرى التي تتقارب قوانينها مع القوانين العراقية.) وفي قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة على وفق حكم المادة (1) منه التي جاء فيها الاتي (1 – تسرى النصوص التشريعية في هذا القانون على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها او في فحواها 2 – اذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الاسلامية الاكثر ملائمة لنصوص هذا القانون3- تسترشد المحاكم في كل ذلك بالاحكام التي اقرها القضاء والفقه الاسلامي في العراق وفي البلاد الاسلامية الاخرى التي تتقارب قوانينها من القوانين العراقية) اما في القانوني الجنائي فان محاكم التمييز ومنها محكمة استئناف بابل بصفتها التمييزية ليس لهنا ان تتبع منطق القياس لان القاعدة القانونية فيه لا يجوز افتراضها وإنما النص عليها في قانون على وفق حكم الفقرة (ثانيا) من المادة (19) من دستور العراق لعام 2005[13]، والمادة (1) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل[14]، وما يلاحظ على السياسة الجنائية العراقية انها حصرت تجريم الافعال بنص قانوني يصدر عن سلطة تشريعية حصرا حيث لم يرد ذكر (بناء على نص) وإنما فقط (بنص القانون) في كل دساتيره التي صدرت وقوانينه الجنائية منذ تأسيس الدولة العراقية ولغاية الان ، وحيث ان القياس كما عرفه اهل المنطق بأنه (قول مؤلف من قضايا متى سلَمت لزم عنه لذاته قول اخر) بمعنى المركب الخبري للعبارة او الكلمة يعم القضية واحدة او اكثر من قضية وهذه العبارة ان سلمت أي تم التسليم بصحة وجودها تكون مقياسا لأخرى غير معلومة فيخرج منها وصفا له ذاته المستقلة عن العبارة المقاس عليها[15]، وعرفه فقهاء القانون الجنائي الاسلامي بان القياس هو (الحاق ما لا نص فيه بما فيه نص في الحكم الشرعي المنصوص عليه لاشتراكهما في علة هذا الحكم إلا ان الاعم الاغلب من فقهاء المسلمين لم يعملوا القياس في الجنايات والحدود، لكن يزعم البعض بان الشريعة الاسلامية اخذت بالقياس في وضع حد لشارب الخمر فان هذه الواقعة لا تعد من باب القياس لان الامام علي حينما افتى بها كان جميع الصحابة قد قبل بها ولم ينكرها احد وكانت من باب الاجماع وليس القياس[16] ، ومن هذا الباب لم يأخذ المشرع العراقي ولا فقه القانون الجنائي بمبدأ القياس في قانون العقوبات وهو من اوصاف القانون الجنائي حيث يحظر على القاضي ان يتبع القياس لان فيه استحداث قاعدة قانونية لم ترد بتشريع وان كان البعض من فقها القانون الجنائي جواز الاخذ بالتفسير الضيق جدا للنصوص الجنائية[17]، إلا ان التفسير ليس القياس لان التفسير عند اهل اللغة بمعنى الكشف والبيان وفي الاصطلاح فهو شرح وتوضيح معنى النص القانوني[18]، وفي تطبيقات القضاء العراقي نجد العديد من الاحكام في القضائية الجنائية تنكر العمل بأسلوب القياس ومنها ما جاء في قرار محكمة استئناف بابل بصفتها التمييزية في قرارها العدد 363/ت/جزائية/2012 في 26/9/2012 الذي جاء في حيثياته (مبلغ الغرامة الواردة في المادة ( 27/فقرة خامسا ً ) من قانون الأسلحة و لكون الفقرة (ثانيا) من القرار 206 لسنة 1994 قد جاءت على سبيل الحصر فلا يجوز القياس عليها لأن القياس محظور في الج مبلغ الغرامة الواردة في المادة ( 27/فقرة خامسا) من قانون الأسلحة و لكون الفقرة (ثانيا) من القرار 206 لسنة 1994 قد جاءت على سبيل الحصر فلا يجوز القياس عليها لأن القياس محظور في الجريمة و العقاب لأن مثل هذا الفرق يؤدي الى المساس بمبدأ دستوري و جنائي بمبدأ ألا وهو مبدأ لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص لذا فأنريمة و العقاب لأن مثل هذا الفرق يؤدي الى المساس بمبدأ دستوري و جنائي بمبدأ ألا وهو مبدأ لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص) لذا فأن فهذه المحكمة هي من تنكر العمل بمبدأ القياس في فقه القانون الجنائي مما يكون السير في قياس حالة الدخول الى المسكن بمجرد النظر هو دخول حكمي ارى انه قياس غير موفق من جهة الية استعماله ونتائج العمل به.

ثالثا : القياس في الفقه الجنائي الاسلامي

وجدت من اللازم ان اعرج على القياس في الفقه الجنائي الاسلامي لان الحكم القضائي محل التعليق كان يتعلق بالمادة (428) عقوبات التي تجد لها اصل في الشريعة الاسلامية اذ نهى القران الكريم عن دخول بيوت الناس دون اذن اهلها على وفق الاية الكريمة (27) من سورة النور (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا) وهو نهي يرتب عقوبة على من يخالفه في الفقه الجنائي الاسلامي وأعطى لولي الامر سلطة التعزير إلا ان الشريعة الاسلامية تفرق بين دخول المسكن والإطلاع على ما في داخله ففي الاولى يعد انتهاك لحرمة المسكن ويجوز الدفاع عنه وإباحة قتل المعتدي بينما في الثانية وتسمى الاطلاع على المسكن فان عقوبتها تختلف اذ لصاحب الدار ان يفقئ عين المطلع دون جناية او قصاص[19]، وكما اسلفت فان الفقه الجنائي الاسلامي يحظر القياس في الجنايات، ويكون حكم محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية قد اختلف مع الاصل في الشريعة الاسلامية الذي استمدت من المادة (428) عقوبات.

الخاتمة

لابد من التوضيح ان القرار فيه جهد واجتهاد واضح يستحق الثناء والتقدير والاختلاف في وجهة النظر معه لا تقدح بثرائه في الفكرة والعرض ، ومهما بلغ منا الاختلاف معه يبقى القرار اعلاه عنوان الحقيقة ذو حجية وثبات عند التنفيذ وهو المعول عليه في قياس المشروعيه دون سواه ويبقى التعليق وسيلة لإعلان الاماني تجاه افكار زعمنا انها صحيحة ، وهاجسنا البحث في ثنايا الاحكام للوصول الى افضل نتائج لان الحاجة إلى قرارات مسببة ومعللة تعلٌيلا صحٌيحاً حاجة أساسٌية ومطلب مهم يحتم على قضاتنا الافاضل الالتفات إلٌيها وجعل أحكامها وسائل بحث وصحف حق تتعطر بعبق العلم المرتبط بحقوق الناس الذٌين حباهم الله بعدله المنصف .

القاضي

سالم روضان الموسوي

المصادر

1. القرآن الكريم

2. انطوان شمعون ـ الخطة الوطنية لحقوق الانسان ـ حق السكن ـ اصدار مجلس النواب اللبناني

3. جمال محمد مصطفى ـ شرح قانون اصول المحاكمات الجزائية ـ طبعة بغداد عام 2005

4. ضياء شيت خطاب ـ فن القضاء ـ منشورات مركز البحوث القانونية في وزارة العدل

5. الدكتور سليمان عبدالمنعم ـ النظرية العامة لقانون العقوبات ـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ طبعة بيروت عام 2003

6. عبدالرحمن العلام ـ شرح قانون المرافعات المدنية ـ توزيع المكتبة القانونية طبعة القاهرة عام 2009

7. الدكتور عبدالرسول الجصاني ـ المنطق القضائي ـ طبعة بغداد عام 1989

8. الدكتور عبدالقادر عودة ـ التشريع الجنائي الاسلامي مقارناً بالقانون الوضعي ـ دار الكتاب العربي بيروت

9. الدكتور فخري الحديثي ـ شرح قانون العقوبات القسم الخاص ـ المكتبة القانونية

10. محمد بن أبي بكر بن ايوب بن سعيد الزرعي الدمشقي ـ اعلام الموقعين ـ دار الجيل للنشر والتوزيع بيروت

11. الشيخ محمد رضا المظفر ـ المنطق ـ مطبعة حسام الطبعة الرابعة بغداد عام 1982

12. الدكتور محمد سعيد عبدالرحمن ـ الحكم القضائي اركانه وقواعد اصداره ـ منشورات الحلبي الحقوقية طبعة بيروت الاولى عام 2011

13. الدكتور محمد شريف احمد ـ نظرية تفسير النصوص المدنية ـ مطبعة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ـ طبعة عام 1979

الهوامش

[1] الدكتور سليمان عبدالمنعم ـ النظرية العامة لقانون العقوبات ـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ طبعة بيروت عام 2003 ـ ص320

[2] الدكتور سليمان عبدالمنعم ـ مرجع سابق ـ ص 345

[3] الدكتور فخري الحديثي ـ شرح قانون العقوبات القسم الخاص ـ المكتبة القانونية ـ ص 236

[4] المهندس انطوان شمعون ـ الخطة الوطنية لحقوق الانسان ـ حق السكن ـ اصدار مجلس النواب اللبناني ـ ص 7

[5] عبدالرحمن العلام ـ شرح قانون المرافعات المدنية ـ توزيع المكتبة القانونية طبعة القاهرة عام 2009ـ ج3 ص161

[6] جمال محمد مصطفى ـ شرح قانون اصول المحاكمات الجزائية ـ طبعة بغداد عام 2005 ـ ص 141

[7] الدكتور محمد سعيد عبدالرحمن ـ الحكم القضائي اركانه وقواعد اصداره ـ منشورات الحلبي الحقوقية طبعة بيروت الاولى عام 2011 ـ ص17

[8] ضياء شيت خطاب ـ فن القضاء ـ منشورات مركز البحوث القانونية في وزارة العدلـ ص 17

[9] الدكتور عبدالرسول الجصاني ـ المنطق القضائي ـ طبعة بغداد عام 1989 ـ ص3

[10] الشيخ محمد رضا المظفر ـ المنطق ـ مطبعة حسام الطبعة الرابعة بغداد عام 1982 ـ ص 10

[11] للمزيد انظر الدكتور عبدالرسول الجصاني ـ مرجع سابق ـ ص 14

[12] للمزيد انظر الدكتور عبدالرسول الجصاني ـ مرجع سابق ـ ص 78

[13] نص الفقرة (ثانيا ) من المادة (19) من دستور العراق لعام 2005 التي جاء فيها الاتي (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، ولا عقوبة إلا على الفعل الذي يعده القانون وقت اقترافه جريمة، ولا يجوز تطبيق عقوبة اشد من العقوبة النافذة وقت ارتكاب الجريمة)

[14] نص المادة (1) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل (لا عقاب على فعل او امتناع الا بناء على قانون ينص على تجريمه وقت اقترافه ولا يجوز توقيع عقوبات او تدابير احترازية لم ينص عليها القانون)

[15] الشيخ محمد رضا المظفر ـ المنطق ـ مطبعة حسام الطبعة الرابعة بغداد عام 1982 ـ ص 229

[16] الدكتور عبدالقادر عودة ـ التشريع الجنائي الاسلامي مقارناً بالقانون الوضعي ـ دار الكتاب العربي بيروت ـ ج 1 ص183

[17] الدكتور سليمان عبدالمنعم ـ مرجع سابق ـ ص 348

[18] للمزيد انظر الدكتور محمد شريف احمد ـ نظرية تفسير النصوص المدنية ـ مطبعة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ـ طبعة عام 1979 ـ ص 56

[19] محمد بن أبي بكر بن ايوب بن سعيد الزرعي الدمشقي ـ اعلام الموقعين ـ دار الجيل للنشر والتوزيع بيروت ـ ص 218