المحامي عبدالله الحمداني
المحاكم مكتظة بقضايا الطلاق
المصدر : (حوار: مجدي زهرالدين)

المحامي عبدالله الحمداني شخصية نذرت نفسها للدفاع عن الحق وخدمة العدالة وتحقيق الأمن في المجتمع، وذلك بفضل نشأته الأصيلة في مدينة العين في كنف أسرة خيرة ومعطاءة غرست في نفس ابنها حب الوطن والإخلاص له .

وبما أن الوطن هو أغلى شيء في الوجود بالنسبة إلى عبدالله الحمداني، فقد اختار أن يلتحق بعد إتمام دراسته الثانوية بصفوف القوات المسلحة لينال شرف الدفاع عن الوطن وحمايته من كل شر يتربص به، فكان ضابطاً لامعاً يشهد له الزملاء بالكفاءة والإخلاص .

وعقب التقاعد رفض الحمداني الاستكانة والجلوس جانباً، بل قرر متابعة المسيرة من خلال الالتحاق بمهنة المحاماة التي رأى فيها رسالة راقية لا يعرف قدرها إلا من يريد أن يقيم العدل ويدافع عن الحق ويحارب الظلم والفساد، فكان محامياً لامعاً صال وجال في أروقة المحاكم الإماراتية مترافعاً في أعقد وأصعب القضايا ومحققاً نجاحات يشهد له بها القاصي والداني .

تتميز شخصية الحمداني بالغنى والتنوع، فبجانب حبه لمهنة المحاماة وقبلها عمله ضابطاً في القوات المسلحة، يبرز اهتمامه بالشعر والأدب، وعشقه للرياضة خصوصاً كرة القدم، إضافة إلى حضوره الاجتماعي في العديد من الأنشطة والمبادرات الاجتماعية والأهلية، التي يعبّر فيها عن التزامه الأخلاقي والأدبي تجاه مجتمعه الذي ترعرع فيه .

ولإلقاء المزيد من الضوء على تجربته المهنية والشخصية كان لنا اللقاء التالي معه:

أين ولد عبدالله الحمداني وكيف كانت طفولته؟

– ولدت في العام 1962 في مدينة العين وكانت طفولتي مثل كل الأطفال في تلك الحقبة، حيث كنا نقضي أوقاتنا بين النخيل (المزارع) نساعد أهلينا في الزراعة، خاصة في فصل الصيف الذي يسمى المقيظ، أما في الأيام العادية فكنا نرتاد بيت (المطوع) الذي يدرّس القرآن، ولأن والدي كان يعمل في أبوظبي، فقد انتقلنا إليها وأدخلني مدرسة الغزالي في منطقة البطين، ولأني كنت مولعاً بالزي العسكري فقد ألحقني والدي بعد إلحاح مني بمدرسة عسكرية في الظفرة في المنطقة الغربية قضيت فيها معظم أيام الدراسة حتى المرحلة الثانوية، ثم رجعت إلى أبوظبي لإكمال الثالث الثانوي في العام ،1987 وفي العام نفسه التحقت مرشحاً بالقوات المسلحة .

حدثنا عن حياتك العملية وتسلسلها .

– بدأت حياتي العملية مرشحاً في القوات المسلحة وتم ابتعاثي إلى إحدى الدول لدراسة تخصصي، وبعد رجوعي تمت ترقيتي إلى رتبة ملازم، ثم تدرجت في الرتب حتى وصلت إلى رتبة مقدم، وخلال تلك الفترة التحقت بدورات تخصصية وعسكرية، حتى إحالتي على التقاعد في 2008 . وبعد فترة وجيزة عملت مدير مشاريع في إحدى الشركات لخبرتي في إدارة المشاريع، ولكن نظراً لحبي للقانون، خاصة مهنة المحاماة، تركت العمل وفتحت مكتبي الخاص في سنة 2010 في إمارة أبوظبي .

أصعب القضايا

ما أصعب قضية ترافعت فيها ونجحت في كسبها؟

– أصعب قضية هي القبض على شخص كان قادماً من إحدى دول الجوار وقد تعاطى مخدر الحشيش، حيث قدم هذا الشخص جوازه إلى موظف الجمرك وكان الجواز في حافظة، وعندما قام الموظف بإخراج الجواز من الحافظة وجد كمية من الحشيش وتم تقديمه إلى المحكمة بثلاث تهم (التعاطي وجلب وحيازة الحشيش والقيادة تحت تأثير مخدر)، ما استوجب جهداً إضافياً وحكم عليه في المحكمة الابتدائية بالسجن لمدة ستة أشهر والإبعاد لأنه وافد، واستأنف الحكم فحكم له بالبراءة، وكان والداه موجودين عند النطق بالحكم فطارا فرحاً .

هل تترافع عن شخص تحس أنه مذنب؟ ولماذا؟

– قد أترافع عنه، فربما يريد الله له الخير، بحيث يتم تخفيف الحكم عنه أو حتى يحكم ببراءة، وقد يكون مظلوماً أو أنه ارتكب الجرم نتيجة مؤثر خارج عن إرادته، فالإنسان معرض للخطأ وخير الخطائين التواوبون، وما من أحد يعلم المؤثر الذي أدى إلى ارتكاب هذا الشخص لجريمته .

هل تذكر أول قضية لك؟

– نعم أتذكرها جيداً، فهي كانت الخطوة العملية الحقيقية الأولى في مهنة المحاماة، ولقد كانت قضية مدنية، أما عن الأتعاب فلا أتذكر حقاً كم كانت .

الربح والخسارة

صف لنا مشاعرك عندما تربح قضية، وكذلك في حال خسارتها؟

– قد أفرح أكثر من الموكل نفسه عندما أربح قضية، لأن الربح يعطيك الثقة بنفسك وقدراتك، ولأن جهدك لم يذهب سدى، أما إذا خسرت القضية فقد أتضايق، خاصة إذا كنت مقتنعاً بأن الموكل صاحب حق أو بريء، وقد ألوم نفسي وأقول: ربما لم أبذل الجهد المناسب رغم أنني أهتم بكل قضية، ولكن في جميع الحالات يجب أن نؤمن بأن الأحكام تكون مقدرة من الله، فقد يدان بريء لحكمة عند الله، وقد يبرأ ظالم أيضاً لحكمة ربانية لا يعلمها إلا هو، ومجمل القول إن الله تعالى هو الذي يدبر الأمور ولسنا نحن المحامين إلا وساطة تبين للقاضي جوانب قد يأخذ بها أو يتركها، وبعبارة أخرى فإن المحامي ما هو إلا سوى شخص يساعد القاضي على بيان الحق .

متى ترفض الترافع في قضية ما؟

– أرفض في حالة واحدة هي أن يكون الطرف الآخر ضعيفاً أو صغيراً، خاصة إذا كان المجني عليه طفلاً صغيراً أو طفلة تم هتك عرضها أو الاعتداء عليها وأحسست بأن المتهم هو الجاني، وقد جاءتني قضية لشخص متهم بهتك عرض طفلة وأحسست من أوراق الدعوى بأنه ارتكب هذه الجريمة بالفعل فرفضت أخذها .

هل تؤيد وجود امرأة في مهنة القضاء؟

– الآن هناك قاضيات تحت التدريب ويمكن أن تجدهن في الأحوال الشخصية والمحكمة المدنية، وهناك أيضاً عدد من القاضيات اللاتي بدأن العمل في القضاء، وأنا لا أعارض ولا أؤيد وجود المرأة في السلك القضائي، وأرى أن هذا الأمر يرجع إلى ما يراه الفقه والدين، وما يقرره ولاة الأمر .

من هو مثلك الأعلى في المهنة وفي الحياة عموماً، ولماذا؟

– مثلنا الأعلى في كل الأمور هو سيدنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو الذي علمنا الالتزام وإقامة العدل وإعطاء الحقوق لأصحابها والصفات التي يجب أن يتحلى بها كل مسلم من الصدق والأمانة وغيرهما . أما بالنسبة إلى مهنة المحاماة فإن مثلي الأعلى هو كل محام صادق أمين في تعامله مع موكليه، يسعى بالصلح قبل رفع الدعوى ولا ينصر ظالماً على مظلوم ولا يستخدم الأساليب الخبيثة ضد الخصوم ولا يتلاعب بعواطف موكليه وحاجتهم لحل قضاياهم . فمهنة المحاماة هي من أشرف المهن على الأرض، ولذا يجب على كل محام أن يكون صاحب مبادئ وقيم ويحترم هذه المهنة .

بين الجهات الأربع

ما الدول التي سافرت إليها وما أكثر شيء لفت نظرك فيها؟

– أول سفر لي كان عن طريق المدرسة، وكنت في الصف الثاني الإعدادي، حيث كان يتم اختيار الطلاب المتميزين من المرحلتين الإعدادية والثانوية في نهاية العام الدراسي على مستوى الثقافة العسكرية وإرسالهم إلى بريطانيا لدراسة اللغة الإنجليزية خلال فترة الصيف، وقد تم إلحاقي مع زملائي المتميزين بإحدى العائلات وإشراكنا في معهد لغات لمدة شهرين، وبحكم عملي في القوات المسلحة ثم عملي مديراً للمشاريع في إحدى الشركات كان عليّ السفر إلى دول مختلفة من أقصى الشمال في روسيا وحتى أقصى الجنوب في جنوب إفريقيا، ومن أقصى الغرب في الولايات المتحدة وحتى أقصى الشرق في الصين، إضافة إلى الدول الأوروبية وبعض الدول العربية، وقد أعجبني التطور التكنولوجي في بعض الدول الأوروبية وكيفية وضع ميزانيات التطوير واستقطاب العقول للحصول على أفضل تطوير للمعدات التكنولوجية، كما يعجبني التنظيم الإداري والمكتبي للشركات الأوروبية .

كيف هي علاقتك بأسرتك وأولادك؟

– أحب أسرتي كثيراً وأحاول قضاء أطول وقت ممكن معها، فقد كنت سابقاً كثير السفر، والآن تتطلب مهنة المحاماة مني قضاء وقت طويل في المكتب، لأن هذه المهنة أمانة تتعلق بحقوق الموكلين، ومشكلة المحامي أنه قد ينفصل بعض الأوقات عن المجتمع وقد يكلفه ذلك عدم قيامه بواجباته الأسرية أو عدم تواصله مع أصدقائه بصفة دائمة لأنه يكون طوال الوقت مشغولاً بتحضير صحف الدعاوى ومتابعتها والأحكام والقراءة بصفة مستمرة في القانون والاطلاع على الجديد من أحكام النقض، وبالنسبة إليّ فإنني أقضي مع أسرتي الإجازات الأسبوعية وأصحابها إلى مناطق الترفيه أو أسافر بها إلى إحدى الدول الأوروبية في الإجازات الطويلة حتى لا يشعروا بالملل، كما أن زيارة الأرحام من أهم الأمور التي على الإنسان القيام بها، ولذا أزورهم كلما تسنى لي الوقت وأشاركهم أفراحهم وأتراحهم .

أمور غريبة

ما رأيك في شباب ونساء اليوم؟

– لا أعرف ماذا أقول عن شباب اليوم، فنحن في المحكمة نرى أموراً غريبة تحدث هذه الأيام لم نكن نعرفها سابقاً، فهناك من يضرب والديه أو يطردهما من دون سبب أو يهمل الاهتمام بهما، خاصة إذا كانا كبيرين في السن، وإضافة إلى ذلك فإن التطور التكنولوجي كان له أثر سيئ في شباب هذا الجيل، فمعظمهم أصبحوا مطلعين على أشياء لم نكن نعرفها ونحن في أعمارهم ويستغلون التكنولوجيا في أمور تافهة، وهذا كله يرجع إلى أسلوب التربية الخاطئ وعدم متابعة أولياء الأمور لأولادهم في المدرسة، وإني لأعتب على بعض مدرسي هذا الزمن فهم لا يفكرون إلا في النواحي المادية دون النواحي الأخلاقية، وأصبحوا يدرسون وكأن ذلك مفروض عليهم، وفي المقابل لم يعد الشباب يحترمون المدرسين كما أنهم لا يقدرون الكبير ولا يوقرون الوالدين، بل إن بعض الشباب لا يتورع عن توجيه الإهانات إلى والديه أمام الناس، وهنا لابد من الإشارة إلى أن التدليل الزائد للأولاد لا ينفع، وكذلك القسوة حيث تزيد العزلة بين الأبناء ووالديهم، ولذا لابد من الوسطية في التربية .

أما النساء فقد طالتهن تطورات سلبية أيضاً، فنحن نرى أن المرأة أصبحت لا تهتم بتربية الأطفال على عكس نساء الماضي، فهي تخرج للعمل وتسعى وراء الموضة وتهمل واجبات زوجها وأولادها إلا من رحم ربي، وقد طفحت قضايا الطلاق في أروقة المحاكم حتى اكتظت بالمطلقات . إن النساء يسعين إلى الحصول على أكثر من حقوقهن، حتى أصبح الرجل عاجزاً عن إرضاء زوجته، فهي تريد منزلاً خاصاً ونفقة وشراء الماركات حتى ولو كان الزوج من ذوي الدخل المحدود، ويلاحظ أن العدد الأكبر من قضايا الطلاق هي بين أبناء الجيل الذي يتراوح عمره بين ال20 و،25 وربما يعود ذلك إلى حداثة سنهم وعدم توجيههم التوجيه الصحيح من قبل الوالدين، وإضافة إلى ما سبق أصبحنا نرى أنواعاً من قضايا الأحداث وأغلبيتها جنح منها الأخلاقي ومنها الشجار .

هل تحب القراءة؟ وما آخر كتاب قرأته؟

– أنا من المولعين بالقراءة، ومع أن شبكة الإنترنت تمدنا بكم هائل من المعلومات التي نحتاج إليها، إلا أن هذا لا يغني عن قراءة الكتب لزيادة المعرفة، فالشبكة العنكبوتية لا توفر كل شيء، وهناك مؤلفون لا يتم نشر كتبهم على الشبكة، وبالتالي لا يمكن الاكتفاء بالإنترنت فقط، ولذا لابد من اقتناء الكتب التي تصدر حديثاً، خاصة إذا ما كانت تتناول موضوعات جديدة، وبالنسبة إليّ فإنني أهتم بقراءة كل ما هو جديد من تشريعات وأحاكم، إضافة إلى ما يستجد من معلومات في التكنولوجيا والعلوم .

حدث في فرنسا

ما أصعب موقف تعرضت له؟

– ذهبت إلى فرنسا في زيارة عمل، وفي يوم عودتي إلى الدولة بعد انتهاء مهمتي اكتشفت فقداني لجواز السفر وبحثت عنه في غرفة الفندق وفي حقيبة اليد الخاصة بي ولم أجده، وعندما عجزت عن العثور عليه ذهبت مع زملائي إلى المطار لكي أودعهم وبعد أن ودعتهم جلست مع مديرة الخدمات الأرضية لطيران الإمارات لأن تذكرتي صادرة عن شركة طيران الإمارات أحاول إقناعها بالسماح لي بالسفر والعودة إلى الدولة، وطلبت مني إثبات شخصية باللغة الإنجليزية ولكن لم يكن يتوفر لديّ أي وثيقة باللغة الإنجليزية، وبعد جدال قامت باتصالاتها، ثم فوجئت بكابتن الطائرة يأتي إليّ ويمسك بيدي ويأخذني حتى أدخلني إلى مكتب أمن المطار وتكلم معهم ولم أعرف ما الذي قاله، وما إن أتم كلامه حتى أشار إليه أحدهم بالموافقة وفتح لنا باب آخر وبمجرد عبوره وجدت نفسي في الطائرة وعندها اتصلت بأحد الأصدقاء في باريس وطلبت منه أن يأخذ حقيبة الوثائق وحقيبة الملابس من الفندق ويرسلها عن طريق الشحن، وعندما وصلت إلى مطار دبي ذكرت لهم ما حدث وكانوا متفهمين حقاً وسمحوا لي بالمغادرة على أن أحضر صورة الجواز المتوافرة لديّ للتعميم، إلا أن المفاجأة كانت في اليوم التالي حيث اتصل بي الصديق الفرنسي ليخبرني بأنه وجد الجواز في حقيبة الوثائق، ففرحت كثيراً وطلبت منه إرسال الجواز عن طريق السفارة والحقيبتين عن طريق الشحن .

كيف ترى المرأة الإماراتية في مهنة المحاماة؟

– تبوأت المرأة الإماراتية أعلى المناصب ونافست الرجل في مهن كثيرة منها المحاماة، وقد أثبتت المحاميات الإماراتيات كفاءتهن والكثيرات منهن يترافعن في المحاكم، وتربطنا بهن علاقة ثقة وتعاون، فهن أولاً وأخيراً أخواتنا .

علاقة عبدالله الحمداني مع الرياضة؟

– أحب لعب كرة القدم وممارسة رياضة المشي كلما وجدت الوقت المناسب، فالمحامي يعمل لساعات طويلة قد تمتد حتى منتصف الليل ويحضر صباحاً إلى المحكمة تحت ضغط ذهني وعصبي سببه سعيه إلى إيجاد حلول مناسبة للقضية التي يعمل بها، حيث يقوم بمراجعة تفاصيل القضية ومستنداتها إذا ما كانت دعوى مدنية أو تجارية أو أحوال، ويراجع أوراق الضبط وأقوال المتهم إذا ما كانت الدعوى جنائية، أي أن وقت المحامي ليس ملكه، وبالتالي قد لا يجد الوقت الكافي لممارسة الرياضة بشكل مستمر .

ما أهم الشخصيات التي أثرت في شخصية عبدالله الحمداني؟

– والدي، رحمه الله، حيث كان يتابع تحصيلي الدراسي وينصحني، وشدته معي نفعتني في الاعتماد على نفسي في أمور الحياة ومواجهتها، وكذلك عمي شقيق والدي الذي كنا نخشاه ولم يكن يسمح لأي منا بأن يتجاوز العادات أو يخل بالأخلاق، إضافة إلى جدي الذي كان يشجعنا على العلم والاطلاع وكان عالماً ومطلعاً، خاصة في الفقه .