الاختصاص بتفسير النصوص القانونية – سوابق قضائية مصرية .

شروط اختصاص المحكمة الدستورية العليا بتفسير النصوص القانونية

الطلب 1 لسنة 37 ق “تفسير”

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السابع من نوفمبر سنة 2015م، الموافق الخامس والعشرين من المحرم سنة 1437هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عدلي محمود منصور رئيس المحكمة
وعضـوية السادة المستشارين: عبدالوهاب عبدالرازق والسيد عبدالمنعم حشيش وسعيد مرعى عمرو ورجب عبدالحكيم سليم وبـولـس فهمـى إسـكندر والدكتور محمد عماد النجار نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عبدالعزيز سالمان رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجى عبدالسميع أمين السر
أصدرت القرار الآتى
فى الطلب رقم 1 لسنة 37 قضائية “تفسير”.
المقدم من
السيد المستشار وزير العدل

الإجراءات
بتاريخ 14/4/2015، ورد إلى المحكمة الدستورية العليا كتاب السيد المستشار وزير العدل المؤرخ 12/4/2015، بطلب تفسير نص الفقرة الأخيرة من المادة (188) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003؛ وذلك بناء على طلب السيد رئيس مجلس الوزراء.
وبعد تحضير الطلب، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظر الطلب على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار القرار فيه بجلسة اليوم.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
تخلص الوقائع – على ما يتبين من الأوراق المرفقة بطلب التفسير – في أن نزاعًا قد ثار بين فرع “شركة أيوك بروداكشن – بى في – الهولندية” في مصر، والعاملين فيها، بسبب رفض طلب العاملين صرف حصتهم في الأرباح التي حققها فرع الشركة في مجال التنقيب واستخراج البترول في مصر، وقد رفع الأمر إلى النقابة العامة للعاملين بقطاع البترول، إلا أنه لم تفلح مساعي التفاوض والوساطة في التوصل لصيغة مرضية، ومن ثم تقدم رئيس النقابة العامة للعاملين بالبترول بطلب بتاريخ 9/3/2014 للجهة الإدارية المختصة لاتخاذ إجراءات التحكيم إعمالاً للمادتين (179 و180) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، حيث قيد الطلب أمام محكمة استئناف القاهرة برقم 1 لسنة 2014، وتدوول نظر الطلب، وبجلسة 6/12/2014 قدم محامى الشركة مذكرة دفاع أورد فيها دفعًا بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (187) من قانون العمل المشار إليه، كما ضمن المذكرة رأى الشركة في شأن نص الفقرة الأخيرة من المادة (188) من القانون ذاته، بمقولة أنه يكتنفه الغموض وعدم وضوح قصد المشرع من الحكم الوارد به ويثير العديد من التساؤلات حول أسباب النقض في حكم التحكيم العمالي، وبجلسة 2/3/2015 قررت المحكمة التأجيل لجلسة 3/5/2015 مع التصريح للشركة بإقامة دعوى أمام المحكمة الدستورية العليا لتفسير نص الفقرة الأخيرة من المادة (188) من قانون العمل المشار إليه، وبتاريخ 26/2/2015 تقدم وكيل الشركة المدعية بالتماس للسيد رئيس مجلس الوزراء لاتخاذ إجراءات طلب تفسير النص المشار إليه من المحكمة الدستورية العليا، وأعقبه بطلب آخر مؤرخ 10/3/2015 للسبب ذاته، أرفق به محاضر جلسات محكمة الاستئناف، وبتاريخ 5/4/2015 أرسل السيد رئيس مجلس الوزراء مذكرة للسيد وزير العدل لتقديم طلب إلى المحكمة الدستورية العليا، لتفسير نص الفقرة الأخيرة من المادة (188) من قانون العمل المشار إليه؛ إعمالاً لنص المادتين (26 و33) من قانونها؛ تأسيسًا على أن التصريح الصادر من محكمة استئناف القاهرة للشركة المحتكم ضدها في دعوى التحكيم رقم 1 لسنة 2014 بإقامة دعوى التفسير، مؤداه أن محكمة الاستئناف ارتأت أنه لا يستقيم الحكم في دعوى التحكيم المعروضة عليها إلا بتفسير النص التشريعي المشار إليه، فضلاً عن أنه لا صفة لوكيل تلك الشركة في تقديم طلب التفسير، ومن ثم فإنه لا يوجد ما يمنع قانونًا من الموافقة على تقديم طلب التفسير إلى المحكمة الدستورية العليا.
وبتاريخ 14/4/2015، ورد للمحكمة طلب التفسير المعروض من السيد المستشار وزير العدل مرفقًا به مذكرة مؤرخة 12/4/2015 أورد فيها أن الفقرة الأخيرة من المادة (188) من قانون العمل المشار إليها قد شابها الغموض الشديد وعدم الوضوح، وانطوت على تعارض يثير اللبس، ويستلزم بيان حقيقة مقصد المشرع من الحكم الوارد بها، وأن هذا التعارض “يظهر جليًّا في نص الفقرة ذاتها”، فبينما تنص بدايتها على أن: “يطعن في الحكم أمام محكمة النقض” – وذلك على أساس أن حكم هيئة التحكيم صادر من محكمة استئنافية – إذ بها تنص في نهايتها على أن: “ويتبع في الإعلان والطعن الشروط والأوضاع والإجراءات المقررة في قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية”، وذلك مع اختلاف شروط وأوضاع وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض عن الشروط والأوضاع المقررة في قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية، وعلى ذلك فإن الفقرة المذكورة بهذه الصياغة تثير بعض المشاكل القانونية في التطبيق، وانتهت مذكرة السيد وزير العدل إلى أنه بناء على الطلب المقدم من السيد رئيس مجلس الوزراء، وعملاً بنص المادتين (26 و33) من قانون المحكمة الدستورية العليا، فإنه يتقدم إلى المحكمة بطلب تفسير نص الفقرة الأخيرة من المادة (188) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003.
وحيث إن المادة (192) من الدستور تنص على أن “تتولى المحكمة الدستورية العليا، دون غيرها، الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، وتفسير النصوص التشريعية …. ويعين القانون الاختصاصات الأخرى للمحكمة، وينظم الإجراءات التي تتبع أمامها”.
وتنص المادة (26) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 على أن “تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية وفقًا لأحكام الدستور، وذلك إذا أثارت خلافًا في التطبيق، وكان لها من الأهمية ما يقتضى توحيد تفسيرها”. كما تنص المادة (33) من القانون ذاته على أن “يقدم طلب التفسير من وزير العدل بناء على طلب رئيس مجلس الوزراء أو رئيس مجلس الشعب أو المجلس الأعلى للهيئات القضائية.
ويجب أن يبين في طلب التفسير: النص التشريعي المطلوب تفسيره، وما أثاره من خلاف في التطبيق، ومدى أهميته التي تستدعى تفسيره تحقيقًا لوحدة تطبيقه”.
وحيث إن مؤدى النصوص المتقدمة، أن إعمال هذه المحكمة لسلطتها في مجال التفسير التشريعي المنصوص عليه في قانونها – وعلى ما جرى به قضاؤها– يخولها تفسير النصوص القانونية تفسيرًا ملزمًا، نافذًا في شأن السلطات العامة، والجهات القضائية على اختلافها، تكشف فيه عن إرادة المشرع الذى صاغ على ضوئها هذه النصوص، وحقيقة ما أراده منها، وتوخاه بها، محددًا لدلالتها تحديدًا جازمًا لا تعقيب عليه، ولا رجوع فيه، وقوفًا عند الغاية التي استهدفها من تقريره إياها، بلوغًا إلى حسم ما ثار من خلاف بشأنها، حتى تتحدد نهائيًّا المراكز القانونية للمخاطبين بأحكامها على ضوء هذا التفسير الملزم.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن اختصاصها بتفسير النصوص القانونية مشروط بأمرين، أولهما: أن يكون للنص التشريعي المطلوب تفسيره أهمية جوهرية – لا ثانوية أو عرضية – تتحدد بالنظر إلى طبيعة الحقوق التي ينظمها، ووزن المصالح المرتبطة بها، وثانيهما: أن يكون هذا النص – فوق أهميته – قد أثار عند تطبيقه خلافًا حول مضمونه تتباين معه الآثار التي يرتبها فيما بين المخاطبين بأحكامه، بما يفضى عملاً إلى الإخلال بوحدة القاعدة القانونية الصادرة في شأنهم، والمتماثلة مراكزهم القانونية إزاءها، ويهدر بالتالي ما تقتضيه المساواة بينهم في مجال تطبيقها، الأمر الذى يحتم رد هذه القاعدة إلى مضمون موحد يتحدد على ضوئه ما قصده المشرع منها عند إقرارها ضمانًا لتطبيقها تطبيقًا متكافئًا بين المخاطبين بها.
وحيث إن مذكرة السيد المستشار وزير العدل وكتاب السيد رئيس مجلس الوزراء ومذكرة الشركة المحتكم ضدها – خلت جميعها من أية إشارة إلى أن النص المطلوب تفسيره قد أثار خلافًا فعليًّا في التطبيق سواء بين جهات القضاء المختلفة المنوط بها إنزال حكم القانون وتطبيقه أو حتى بين دوائر محكمة النقض، وإنما هو محض خلاف نظري وتساؤلات مطروحة حول أحكام تطبيق ذلك النص، وتصورات في شأن الأبعاد المحتملة لتطبيقه، فضلاً عن أن النص – محل طلب التفسير- غير لازم للفصل في النزاع التحكيم الذى مازال معروضًا على هيئة التحكيم، ولم يصدر فيه حكم بعد، ومن ثم فإن طلب التفسير الماثل يكون قد افتقد مناط قبوله لعدم توافر شرائطه القانونية، متعينًا معه – والحال كذلك – التقرير بعدم قبوله.
وحيث إنه لا ينال مما تقدم ما ورد في كتاب السيد المستشار وزير العدل من أن النص التشريعي – محل طلب التفسير الماثل- قد شابه الغموض وعدم الوضوح وانطوى على تعارض واضح يثير اللبس مما يستلزم بيان حقيقة مقصد المشرع من الحكم الوارد به، ذلك أن الغموض والتعارض المدعى به لم يثر بشأنه خلاف بين القائمين بإعمال حكمه، وإنما أثارته الشركة المحتكم ضدها في المذكرة التي تقدمت بها إلى محكمة استئناف القاهرة حال نظرها طلب التحكيم رقم 1 لسنة 2014.

فلهذه الأسباب
قررت المحكمة عدم قبول الطلب.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .