تحقيق صحفي يكشف: أكثر من 269 حالة لـ” الابتزاز الإلكتروني” منذ 2011 والإناث يتحفظن عن الإبلاغ
تحقيق: ياسر الشبيبي

تعرفت فتاة جامعية تدعى (س. ف) على أحدهم عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي وكان ذلك الشاب ماهرا في كسب ثقتها لمعرفة أدق تفاصيل حياتها ومعلوماتها الشخصية وصولا إلى مشاركته صورها الخاصة ومقاطع الفيديو وهو ما جعله ينتقل الى المرحلة التالية بطلب الخروج معه في موعد غرامي مقابل عدم نشر ما لديه من صور ومقاطع؛ فانهارت الفتاة وكانت على وشك الانتحار لولا تمكن الجهات المختصة من كشفه وإيقافه.

في تحقيقنا التالي نستعرض وضع الابتزاز الإلكتروني في السلطنة مرورا بالتدابير القانونية للتصدي لمرتكبي جريمة الابتزاز ووصولا إلى الإجراءات الواجب اتخاذها للتصدي لعمليات الابتزاز الإلكتروني والتعامل مع ضحاياه.

الابتزاز في السلطنة

حذر المهندس بدر بن علي الصالحي مدير عام المركز الوطني للسلامة المعلوماتية بهيئة تقنية المعلومات من تزايد حالات الابتزاز الإلكتروني داخل السلطنة حيث يقول: “بلغت عدد حالات الابتزاز الإلكتروني المسجلة في المركز منذ عام 2011 أكثر من 269 حالة، منها 161 حالة في هذا العام، وتلك الحالات ما نسبته 45% من إجمالي القضايا التي ترد إلينا سواء من الجهات الأمنية كالادعاء العام وشرطة عمان السلطانية أو بصفة شخصية من الأشخاص الذين تعرضوا للابتزاز. يضيف الصالحي:” بلغت نسبة الذكور المبلغين لدينا في المركز الوطني للسلامة المعلوماتية عن حالات الابتزاز ما نسبته 90% من عدد حالات الابتزاز الالكتروني ولكننا نعتقد بأن نسبة الإناث أكثر من تلك النسبة، وذلك نظرا لتحفظ الاناث عن الإبلاغ عن هذا النوع من القضايا”.

مشكلة دولية

وحول تزايد حالات الابتزاز الالكتروني على المستوى المحلي مقارنة بالمستوى الدولي يقول الصالحي: ”مشكلة الابتزاز الالكتروني لا تقتصر على دولة بعينها، وإن كان المؤشر العالمي للأمن السيبراني يشير إلى أن السلطنة في المركز الأول عربيا في مجال الأمن السيبراني وفي المركز الثالث دوليا؛ إلا أن عدد حالات الابتزاز في تزايد مستمر وأصبحت تطال الجميع بمن فيهم الموظفين العاملين في أماكن حساسة في الدولة ناهيكم عن الابتزاز الذي يتعرض له الشباب والفتيات بشكل يومي، قد تصل ببعضهم إلى الانتحار”.

دوافع المبتزين

ويتحدث الصالحي عن دوافع المبتزين حيث يقول: “بناء على الحالات التي نستقبلها في المركز فإن هناك دافعين أثنين للمبتزين؛ الأول: هو الابتزاز المادي للحصول على مبالغ مادية مقابل عدم إفشاء أو نشر المعلومات وهذا النوع يستهدف الذكور بشكل أكبر بينما النوع الثاني فهو: الابتزاز الجنسي ويستهدف غالبا الفتيات وهو نوع من أنواع التحرش الجنسي ويمكن تعريفه بأنه أي عرض جنسي غير مرغوب فيه أو طلب خدمة جنسية ‏أو أي تصرف آخر له طبيعة جنسية سواء كان شفوي أو جسدي”.

عصابات منظمة

وعن الدول التي تنطلق منها عمليات الابتزاز الإلكتروني يقول الصالحي :”لا يمكن الاشارة الى دول محددة تنطلق منها هذه الاعتداءات وذلك نظرا لاستخدام المبتزين لتقنيات حديثة في اخفاء عناوين بروتوكولات الانترنت وموقعهم أو القيام باختراق أجهزة أخرى يتم من خلالها ابتزاز الضحايا مما يصعب تعقب موقع المبتز الحقيقي.، لذا لا يمكن تحديد الدول التي تنطلق منها عمليات الابتزاز الالكتروني، بل تعدى الأمر إلى أن أصبحت هناك عصابات منظمة تستهدف مختلف الفئات، وهذا ما استرعى اهتمام القيادات العليا في العديد من دول العالم ومنها السلطنة للتنسيق والتعاون مع الدول الأخرى في مجال الأمن السيبراني والتصدي لهذه الاعتداءات”.

جهل وتهور

ويصف حسن بن علي العجمي (متخصص في الأمن المعلوماتي) بأن الابتزاز الإلكتروني سواء في السلطنة أو غيرها في تزايد مستمر؛ وذلك بسبب الجهل بسلبيات التعامل مع تقنيات المعلومات والاتصالات أو بسبب التهور وغياب الوازع الديني والأخلاقي مع كثير من الشباب”.

وعن الجهات المعنية بالتوعية بجرائم الابتزاز الإلكتروني يقول العجمي:” تقع مسؤولية التوعية على جميع الجهات الحكومية والخاصة والأسرة والمجتمع عموما، ولكن هيئة تقنية المعلومات هي الجهة المعنية بمجتمع عمان الرقمي وبتوفير البنى الأساسية لقطاع تقنية المعلومات والاتصالات وبالتالي فهي مسؤولة بدرجة أكبر عن التوعية بإيجابيات هذه التقنيات ومخاطرها، وعلى الجهات الأخرى كشرطة عمان السلطانية والادعاء العام والمدرسة والأسرة أن تقوم بدور مكمل ومساند لدور الهيئة”.

قوانين عمانية

ويستعرض الدكتور حسين بن سعيد الغافري (استشاري قانوني) جهود السلطنة في ما يتعلق بالتشريعات القانونية لمواجهة الابتزاز الإلكتروني حيث يقول:” تصدت القوانين العمانية لجريمة الابتزاز التي تستخدم من تقنيات المعلومات والاتصالات وسيلة لارتكابها وذلك من خلال النصوص التشريعية الواردة في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات والصادر في عام 2011 بموجب المرسوم السلطاني رقم 12 وذلك لمواجهة الجرائم المرتكبة من خلال وسائل تقنية المعلومات أو عليها، ومن الجرائم التي تصدى لها القانون جريمة الابتزاز التي تتم باستخدام وسائل تقنية المعلومات ، فالمادة 18 من القانون نصت على ” يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ألف ريـال عماني ولا تزيـد علـى ثلاثـة آلاف ريـال عمانـي أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يستخدم الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات في تهديد شخص أو ابتزازه لحمله على القيام بفعل أو امتناع ولو كان هذا الفعل أو الامتناع عنه مشروعا”.

ابتزاز دولي

ويتطرق الغافري للابتزاز الإلكتروني من خارج السلطنة حيث يقول: إذا تعرض شخص للابتزاز من خارج النطاق الإقليمي لسلطنة عمان فإن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات هو الذي يحميه ويجرم الفعل وذلك استنادا للمادة الثانية من القانون والتي نصت على: “تسري أحكام هذا القانون على جرائم تقنية المعلومات ولو ارتكبت كلياً أو جزيئاً خارج السلطنة متى أضرت بأحد مصالحها، أو إذا تحققت النتيجة الإجرامية في إقليمها أو كان يراد لها أن تتحقق فيه ولو لم تتحقق”.

وفيما يتعلق بملاحقة المبتز إن كان من خارج السلطنة وإحضاره للمحاكمة في أراضي السلطنة فهذا الأمر تحكمه الاتفاقيات الدولية والثنائية بين الدول سيما تلك المتعلقة بتسليم المجرمين وعليه نستطيع القول أنه: إذا كان الابتزاز وقع من شخص خارج السلطنة فإنه متى ما كانت السلطنة مرتبطة باتفاقية تسليم المجرمين مع تلك الدولة ويوجد تعامل بالمثل بينهما فسيتم طلبه بالطرق والإجراءات المنصوص عليها في تلكم الاتفاقيات وبالطرق الدبلوماسية.

صمت وخوف

وتشاركنا الدكتورة آمال بنت عبدالله أمبوسعيدي (استشاري طب نفسي في مستشفى جامعة السلطان قابوس) رأيها وتقول:” إن ظاهرة الابتزاز الإلكتروني في تزايد مقلق وهناك من يعانون من آثارها النفسية بصمت خوفا من الإشهار وتبعاته. ولقد أصبح من السهل على مضطربي الشخصية وذوي النزعات الإجرامية تصيد ضحاياهم على الشبكات الإلكترونية واستهدافهم للإيقاع بهم وبالتالي ممارسة ضغوط نفسية عليهم للانصياع لرغباتهم”.

وتضيف الدكتورة آمال:” الابتزاز الإلكتروني لا يلتزم بوقت محدد؛ فالضحية عرضة للابتزاز على مدار الساعة وقد يتم الابتزاز من قبل مجموعة من الأفراد مما يزيد من وطأة الأثر النفسي الأفراد والجهات التي تمارس الابتزاز الإلكتروني والتي عادة ما تعمل وفق نهج محدد يعتمد على الابتزاز العاطفي بتعميق إحساس الضحية بالضعف وقلة الحيلة والذنب والخزي ثم يلجئون للتهديد والتخويف فلا يجد مفرا من الامتثال لمطالبهم”.

أساسيات العلاج

وتنصح الدكتورة آمال بعدد من الخطوات لمعالجة الحالات التي تعرضت للابتزاز حيث تقول: “إن آثار الابتزاز الإلكتروني تتجاوز كونها حدثا نفسيا صادما وحسب، بل إن ما يعمق أثرها على الفرد هو عدم مقدرته على طلب المساعدة لإحساسه بالإحراج وأحيانا لجهله بوجود من هو قادر على مساندته والتخفيف عنه، ولهذا فإن علاج هذه الحالات تبدأ بالتعامل مع الأعراض النفسية التي يعاني منها ضحايا الابتزاز الإلكتروني بكل جدية وسرعة انتشالهم من عزلتهم. كما أن من أساسيات العلاج النفسي بشكل عام أن تتم معاملة المرضى بسرية تامة وإظهار الاحترام لهم وتفهم أعراضهم وكسب ثقتهم وتقديم الدعم والمساعدة بمهنية وخصوصا من يعانون من صدمات نفسية ناجمة عن الاعتداء الجسدي أو النفسي. ونصيحتي لكل من يعاني بصمت من الابتزاز الإلكتروني ألا يتردد في طلب المساعدة من الجهات المختصة التي تتعامل مع الأمر باحتراف وسرية واللجوء لمختص في العلاج النفسي أو طبيب نفسي للتقييم والتوجيه لطرق التأقلم والعلاج إن لزم الأمر.

إرشادات

وتستعرض عزيزة بنت سلطان البراشدية (مدير خدمات الأمن السيبراني الاحترافية بالمركز الوطني للسلامة المعلوماتية) بعض الإرشادات التي تساعد على تجنب الوقوع في شرك الابتزاز الإلكتروني حيث تقول :”إن التعامل مع جرائم الابتزاز الإلكتروني يتطلب تعزيز الوعي بالأمن المعلوماتي لدى مؤسسات وأفراد المجتمع؛ ولهذا فإننا حريصون في هيئة تقنية المعلومات على نشر تلك الثقافة بين مختلف شرائح المجتمع من خلال المحاضرات وحملات التوعوية المستمرة وعلى المجتمع أن يساندنا في هذا الواجب فالمدرسة والأسرة والمعلم والأب جميعهم مسؤولون معنا في توعية بناتنا وأبنائنا بمن يتربصون بهم خلف شاشات حواسيبهم وأجهزتهم الذكية”.

تضيف الراشدية:” إن من الأخطاء التي يقوم بها البعض: قبول صداقة أشخاص مجهولين بالنسبة لهم والرد عليهم ومحادثتهم سواء بالكتابة أو عبر محادثة الفيديو وهي منافذ جيدة للمبتزين، كما أن مشاركة المعلومات والصور الشخصية مع الآخرين -حتى وإن كانوا معروفين- في فضاء الأنترنت يمثل مشكلة أخرى؛ حيث يمكن للآخرين اعتراض تلك الصور أو الوصول إليها بسهولة ومن ثم استخدامها بأشكال سيئة”. وتستطرد الراشدية بقولها:” ومن الثغرات الأخرى التي يجب الانتباه لها: استخدام كلمات مرور سهلة (الرقم السري) وخاصة في شبكات التواصل الاجتماعي كالفيس بوك و تويتر أو تصفح المواقع الغير موثوقة وبالأخص المواقع الإباحية حيث غالبا ما يكون هدف هذه المواقع تتبع المستخدمين وسرقة بياناهم”.

ما بعد الابتزاز

وحول كيفية التصرف عند حدوث الابتزاز تقول الراشدية:” نحن دائما ما ننصح بالوقاية قبل حدوث الابتزاز، ولكن إذا ما وقع الابتزاز فإننا ننصح بسرعة إبلاغ لدى الجهات المعنية ومنها شرطة عمان السلطانية و الادعاء العام أو المركز الوطني للسلامة المعلوماتية بهيئة تقنية المعلومات، كما ننصح بعدم التواصل مع المبتز حتى عند التعرض للضغوطات الشديدة وعدم تحويل أي مبالغ مالية أو الإفصاح عن أرقام البطاقات المصرفية وكذلك تجنب المشادات مع المبتز وعدم تهديده بالشرطة وفي ذات الوقت الاحتفاظ برسائل البريد الإلكتروني أو أي نوع من الرسائل لاستخدامها كدليل في وقت لاحق”.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت