أراء قانونية حول مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية المغربي

مقدمة

المسطرة الجنائية هو القانون الذي ينظم الاجراءات التي تتبعها اليات تنفيذ العدالة الجنائية في التحري عن الجرائم والمتابعة والحكم من اجلها وتنفيذ العقوبات وطرق الطعن.
فهي مرتبطة بحاجيتين مجتمعيتين اساسيتين هما :

مكافحة الجريمة من جهة

ومراعاة قرينة البراءة المخول لكل شخص لم يثبت ادانته بحكم حائز لقوة الشيء المقضي به من جهة اخرى.
ان محاربة الجريمة تتطلب بالضرورة انتهاك بعض الحقوق وتقييد بعض الحريات من اجل البحث والتحري او من اجل المتابعة والمحاكمة. حيث يتطلب البحث توقيف بعض الاشخاص واعتقالهم او تفتيش مساكنهم او التقاط مكالماتهم ومواصلاتهم او تقييد تحركاتهم. ولان القوانين الحديثة تقدس الحريات والحقوق الاساسية للإنسان فإنها تتشدد في فرض الشروط التي يتم على اساسها انتهاك الحريات واستباحة الحقوق ولاتسمح بذلك الا بالمقدار الضروري واللازم لمكافحة الجريمة, التي تعتبر من اكثر الاخطار التي تهدد الانسان لأنه في غياب الامن لايمكن للانسان ان يمارس حرياته ولا ان يستمتع بحقوقه.

ولذلك فنجاح قوانين الاجراءات الجنائية يقاس بمدى نجاحها في توفير مساحة كافية لتحرك اجهزة واليات العدالة الجنائية من اجل التصدي للجريمة دون ان تستبيح هذه المساحة حقوق الاشخاص وتهدر حقوقهم وحرياتهم.
ويمكن القول انها معادلة صعبة يراد بها توفير الشروط المناسبة لاشتغال اليات العدالة الجنائية وهي تمسك باحد طرفي شعرة معاوية التي هي طرفها الاخر هو حريات وحقوق الاشخاص وينبغي ان تستقيم الشعرة ولا تتقطع بحيث يتم تقليص حركة اليات العدالة الجنائية كلما كان تهديد الجريمة بسيطا واطلاقها كلما اصبح التهديد شديدا ووشيكا بالقدر اللازم لتلافي الخطر والحد منه.[1]
وبقراءة مضامين مسودة المشروع يتضح انه حاول تغليب جانب الحريات والحقوق والانتصار لقرينة البراءة والسماح في نفس الوقت باستباحة قدر منها لمتطلبات البحث والمحاكمة الجنائية تحت اعين الرقيب القضائي الذي يراقب تطبيق الاجراءات ويمنع كل تجاوز غير مسموح به.

وقد وجهت لمشروع المسطرة موضوع التحليل انتقادات كبيرة اهمها انه لايراعي بالقدر الكافي كنه قرينة البراءة وانتقادات اخرى ترى انه لا يوفر لآليات العدالة الجنائية الوسائل الكافية لوقية المجتمع من الجريمة وحمايته من خطورتها.
ولاشك ان هذا المشروع عمل واضعوه جيدا على ملاءمته مع مقتضيات الدستور الجديد وتنزيل توصيات ميثاق اصلاح منظومة العدالة مما يجعل وقاية المواطنين وحرياتهم نصب عينيه.
من خلال ماسبق سنعمل على تحليل بعض المقتضيات المهمة في المشروع لتقريب الفهم وربطها بالواقع الحالي للمملكة وماتعيشه من تطورات على شتى المستويات وبالخص المجال الحقوقي وكذلك لمعرفة اهمية التعديلات المدخلة على ق م ج التي لتى بها المشروع وذلك وفق التصميم التالي :

المبحث الاول : التعديلات اللاحقة بأجهزة العدالة الجنائية
المبحث الثاني : المقتضيات الرامية لحماية الحقوق والحريات خلال مرحلة التحري والبحث عن الجرائم

المبحث الاول : التعديلات اللاحقة بأجهزة العدالة الجنائية

لاشك ان استتباب الامن في المجتمع رهين بتوفر اليات للعدالة الجنائية منسجمة في عملها وقائمة على استراتيجية جنائية واضحة وهو ما سنرى كيف تعامل معه واضعو المشروع.

المطلب الاول : تعزيز المراقبة القضائية على عمل الشرطة القضائية

لقد جاء في المادة 1.17 ان الشرطة القضائية توضع تحت مراقبة النيابة العامة وقضاء التحقيق بما يخدم مصلحة العدالة الجنائية بحيث تتلقى تعليمات رؤسائها وتنفذ اوامر البحث والتحقيق بما يضمن فعالية هذه الابحاث.
وتم منع اعطاء تعليمات لضباط الشرطة القضائية في مهامهم القضائية من غير رؤسائهم القضائيين تحت طائلة العقوبات وذلك في المادة2.17 وهذا فيه فلسفة تشريعية تروم الحد من الازدواجية التي يتبع لها ضباط الشرطة القضائية خاصة عند مزاولتهم لمهام قضائية من قبيل الانابة القضائية.
اخذ راي ونظرية النيابة العامة بعين الاعتبار في المسار المهني لضباط الشرطة القضائية وذلك في المادة 45 من المشروع وتم تحدي معايير تنقيط الضباط بمرسوم استنادا للمادة 45 السلف الذكر.

المطلب الثاني : تعزيز حكامة جهاز النيابة العامة

فيما يتعلق بالتعديلات اللاحقة بجهاز النيابة العامة كاهم الية لتنفيذ العدالة الجنائية فقد تم اسناد رئاسة النيابة العامة للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض الذي ستنقل اليه سلطات وزير العدل في الدعوى العمومية و ذلك موضوع المادة 1.51, فتبليغ المضامين العامة للسياسة الجنائية من طرف وزير العدل الى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض وذلك تنفيذا للتوصية 38 من ميثاق اصلاح منظومة العدالة.

اشراف الوكيل اعام للملك على تنفيذ السياسة الجنائية وتبليغها للوكلاء العامين لتطبيقها وفقا للقانون وذلك بصريح المادة 2.51 من المشروع تنفيذا للتوصية 39 من الميثاق.
الزامية رفع الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض تقريرا سنويا للمجلس الاعلى للسلطة القضائية الذي يراسه الملك حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابات العامة وهو تنزيل للتوصية 41 من ميثاق منظومة العدالة.
الية جديدة تروم احاطة العموم بوضع السياسة الجنائية ومفادها وضع تقرير رهن اشارة العموم وهي امكانية اتت بها المادة 2.52 من مسودة المشروع.

المبحث الثاني : المقتضيات الرامية لحماية الحقوق والحريات خلال مرحلة التحري والبحث عن الجرائم

المطلب الاول : مقتضيات تروم عقلنة الوضع تحت الحراسة النظرية

لقد اكد المشروع بدون ليس ان الحراسة النظرية تدبير استثنائي ووضع له اسباب وحددها في المادة 67 و 1.67 وهي محددة في سبعة اسباب اهمها :

-الحفاظ على الادلة والحيلولة دون تغيير معالم الجريمة
ويمكن وضع المشتبه فيه تحت الحراسة النظرية من اجل القيام بالأبحاث والتحريات التي تستلزم حضوره او مشاركته في الابحاث وايضا من اجل ابقائه رهن اشارة اجهزة العدالة والحيلولة دون فراره.

وكذلك الحيلولة دون ممارسة ضغوطات على الشهود والضحايا واسرهم واقاربهم ولمنعهم من التواطؤ مع الاشخاص المساهمين معهم في الجريمة او احيانا من اجل حمايته او وضع حد للاضطراب الذي قد احدثه الفعل بسبب خطورته او بسبب الظروف التي ارتكبت فيها او بسبب الوسيلة التي استعملت في ارتكابه. او لأهمية الضرر الناتج عن الجريمة او بالنظر لخطورة المشتبه فيه.
ايضا خلال مرحلة البحث عن الجرائم وفي الحراسة النظرية تم التأكيد بشكل جلي على حق الاتصال بمحامي ابتداء من الساعة الاولى للحراسة النظرية في مخفر الشرطة القضائية وذلك في المادة 1.66 من المشروع,علاوة على امكانية حضور المحامي للاستنطاق او الاستجواب الذي تجريه وتتولاه الشرطة القضائية تحت رقابة النيابة العامة وذلك اذا تعلق الامر بمتهم حدث او مصاب بعاهة او اعاقة وذلك في المواد 1.66 و 460 من المشروع.

النص على تحمل الدولة لتغذية الاشخاص الموضوعين رهن الحراسة النظرية اضافة الى ضرورة اشارة محضر الشرطة القضائية الى هوية الشخص الموضوع رهن الحراسة الذي يبلغ بطريقة مفهومة بانه موضوع رهن الحراسة النظرية.
ان اهم ما جاء به المشروع هو التسجيل الصوتي السمعي البصري للاستجواب اذا كان الامر يتعلق بجناية او جنحة وكانت العقوبة المقررة لها سنتان فاكثر وهذا لاشك فيه ضمانات كثيرة للمشته فيهم ومن شانه وضع حد للخروقات المرتكبة من ضباط الشرطة القضائية.[2]

المطلب الثاني : المقتضيات المتعلقة بترشيد الاعتقال الاحتياطي

لقداعتبر المشروع ان الاعتقال الاحتياطي تدبير استثنائي ولايلجا اليه الا اذا تعذر تطبيق تدبير بديل عنه, فهذه اذا تعتبر اضافة ذات اهمية كبيرة بحيث لايمكن اللجوء للاعتقال الاحتياطي الا اذا لم تكن التدابير البذيلة ناجعة فبي البحث والتحقيق مع المشتبه فيه وهذا ما نصت عليه المواد 1.73 و74 والمادة 175 من المشروع.
وقد تطرق المشرع ايضا لشروط ومعايير الوضع رهن الاعتقال الاحتياطي وذلك في المواد 47 و 1.47 و 1.175 وذلك سواء كان الوضع تحت الحراسة النظرية من طر النيابة العامة ام من طرف قاضي التحقيقوقد حدد المشروع هذه الاسباب في تسعة منها :

الخشي من عرقلة سير اجراءات التحقيق
وضع حد للجريمة ومنع تكرارها
الحفاظ على الادلة والحيلولة دون تغيير معالم الجريمة من اجل القيام بالابحاث والتحريات اذا كانت تستلزم حضور المشتبه فيه او المتهم.
وضع المشتبه فيه رهن اشارة العدالة والحيلولة دون فراره.

وعموما فان اسباب الاعتقال الاحتياطي هي اسباب الحراسة النظرية نفسها ينضاف اليها فقط الخشي من عرقلة سير اجراءات التحقيق ووضع حد للجريمة ومنع تكرارها. من اهم ما جاء به المشروع امكانية الطعن في قرار الايداع حيث ان وضع الشخص رهن الاعتقال الاحتياطي فانه يمكنه ان يتقدم بطعن ينازع فيه اسباب الاعتقال وهذا الطعن مختلف عن طلب السراح المؤقت ولذلك فقرار الاعتقال الاحتياطي يخضع وجوبا للتعليل وتراقبه محكمة الاستئناف ممثلة في الغرفة الجنحية. فإضافة للسراح المؤقت فهناك طعن جديد هو الطعن في اسباب الاعتقال الاحتياطي حيث يمكن للشخص ان ينازع في اسباب هذا الاعتقال, ويقول للقضاء ان الجهة التي اوقعت الاعتقال الاحتياطي اوقعته خارج الاسباب المحددة قانونا.
وقد تم تحديد اجل قصير للبت في هذا الطعن وهو يوم واحد من تاريخ الاحالة.

علاوة على ذلك فقد تم تقليص عدد التمديدات بالنسبة للاعتقال الاحتياطي لدى قاضي التحقيق من خمس مرات الى ثلاث مرات باستثناء الجرائم المنصوص عليها في المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية التي تعتبر اخطر الجرائم في المنظومة الجنائية المغربية التي تمت المحافظة عليها في حد خمس تمديدات كما في القانون الساري المفعول.
وقد تم وضع قيد شديد للتمديد بحيث يجب لكي يمدد السيد قاضي التحقيق الاعتقال الاحتياطي ان تكون الاسباب التي ادت الى ايقاع الاعتقال الاحتياطي مازالت قائمة يوم التمديد وايضا ان تتطلب ضرورة التحقيق هذا الاعتقال.
ومن اجل ترشيد الاعتقال الاحتياطي والحد من اللجوء اليه تم منح امكانية الاحالة المباشرة على غرفة الجنايات في حالة سراح او باستعمال تدابير المراقبة القضائية من طرف الوكيل العام للملك وهي امكانية لم تكن متاحة في القانون الحالي الساري المفعول.

المطلب الثالث : مقتضيات ترمي الى تعزيز نجاعة وفعالية الاجراءات القضائية وترشيدها

هناك مجموعة من المقتضيات التي تم اعادة النظر في مضامينها ولعل ابرزها مجال الصلح حيث تم توسيع وعاء الجرائم القابلة للصلح اضافة للجرائم المعاقب عليها بسنتين او اقل اضيفت جرائم على سبيل الحصر وهي قائمة تتضمن اكثر الجرائم شيوعا ويوجد فيها متضررون من قيبل العنف, التهديد, السرقة وخيانة الامانة, جرائم الشيك.
وقد تم تخويل وكيل الملك امكانية اقتراح الصلح على الاطراف, فالقانون الحالي لا يخول له اقتراح الصلح وهو يتسم بدور سلبي لا يساهم في التصالح اما في المشروع فاصبح بإمكانه ان يقترحه على الاطراف واصبح بامكانه ان يعين وسيطا او يطالب من الاطراف اختيار وسيط للقيام بذلك ويمكن ان يستعين بالمساعدين الاجتماعيين بالمحاكم الموجودين بخلايا التكفل بالنساء والاطفال من اجل اقامة الصلح ولاسيما اذا تعلق الامر بنزاعات اسرية وهذا فيه تشجيع للعدالة التصالحية من اجل التقليل من النزاعات امام القضاء.
اضافة الى ذلك استغنى المشروع عن موافقة القاضي على الصلح التي تبين ان الجدوى فيها لأنها تطيل المسطرة وتعقد الاجراءات التي تجعل اللجوء للصلح قليلا وايضا تم فتح الباب لامكانية اجراء الصلح امام قاضي التحقيق في نفس الجرائم ويؤدي في هذه الحالة الى ايقاف سير الدعوى العمومية وكما نعلم فالمادة 371 من قانون المسطرة الجنائية الحالي تتيح هذه الامكانية امام هيئة الحكم.

خاتمة

لاشك ان هذا المشروع فيه تعزيز وتكريس لمبادئ المحاكمة العادلة واحترام حقوق الانسان كما هي متعارف عليها دوليا مما يستلزم الاسراع بادخال هذه التعديلات وادخالها حيز التنفيذ لتنزيل توصيات ميثاق اصلاح منظومة العدالة

(( منقول للامانة العلمية ))

[1] محمد عبد النباوي : محاضرة القيت في اليوم الدراسي الذي خصص لدراسة مشروع مسودة قانون المسطرة الجنائية
[2] محمد بنعليلو :واقع عمل النيابة العامة في المغرب بين الممارسة القضائية وضمان الحقوق والحريات,المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة ,الصفحة 66