مقال قانوني بعنوان هل خالف الوزير القضاة أحكام الدستور ؟

المحامي الدكتور ليث كمال نصراوين*

تفاجأ المشاهد الاردني قبل أيام بظهور وزير الشباب الدكتور محمد نوح القضاة على شاشة التلفزيون الاردني ليتحدث عن إضراب المعلمين, حيث تناول هذه القضية تارة من ناحية دينية وشرعية وتارة أخرى من ناحية سياسية وحكومية. فقد أعلن الوزير القضاة عن تبنيه هذه القضية شخصيا, وأنه قد قام بإنشاء صفحة خاصة به على موقع التواصل الجماعي “فيسبوك” تحت عنوان “إنصاف المعلم” كي يتمكن المعلمون من إيصال شكواهم عن طريقها, متعهدا بأنه سيرفع مطالبهم مباشرة إلى جلالة الملك.

وبعيدا عن أية عواطف أو مشاعر تجاه عدالة قضية المعلمين في مطالبهم المشروعة, الا أن ما قام به الوزير القضاة من ظهور علني على وسائل الاعلام يثير تساؤلا حول مدى مخالفته أحكام الدستور وتحديدا مفهوم مسؤولية الوزراء السياسية. فمن أهم المبادئ التي يقوم عليها النظام الدستوري الاردني مبدأ المسؤولية الوزارية بشقيها الفردية والجماعية أمام مجلس النواب وفقا لأحكام المادة (51) من الدستور والتي تنص على أن رئيس الوزراء والوزراء مسؤولون أمام مجلس النواب مسؤولية مشتركة عن السياسة العامة للدولة, وأن كل وزير مسؤول أمام مجلس النواب عن أعمال وزارته. فالمسؤولية الوزارية الفردية تعني أن كل وزير فرد يعد مسؤولا أمام مجلس النواب عن إدارة الشؤون المتعلقة بوزارته جميعها. فإذا أخطأ أي وزير أو قصر في مهام عمله الحكومي فإنه يتم محاسبته أمام مجلس النواب من خلال طرح الثقة به, وعندئذ يجب عليه الاستقالة عملا بأحكام المادة (54/3) من الدستور.

أما المسؤولية الوزارية الجماعية فتعني أن الحكومة بكاملها مسؤولة مسؤولية تضامنية أمام مجلس النواب عن إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية جميعها, وعن تنفيذ بيانها الوزاري التي حصلت بموجبه على ثقة مجلس النواب. فثقة مجلس النواب بالحكومة وبيانها الوزاري المقدم خلال ثلاثين يوما من تشكيلها كقاعدة عامة يجب أن تستمر ما دامت الحكومة قائمة. فإذا ما فقدت الحكومة ثقة مجلس النواب في أية مرحلة من مراحل حياتها, وجب عليها أن تتقدم باستقالتها الخطية إلى جلالة الملك عملا بأحكام المادة (54/2) من الدستور.

ومن مظاهر المسؤولية الوزارية الجماعية أن يكون جميع الوزراء صفا واحدا خلف رئيس الوزراء, وأن يدعم ويساند كل وزير قرارات مجلس الوزراء في العلن وأمام وسائل الاعلام وذلك بهدف المحافظة على وحدة الحكومة وتماسكها. فهذا المبدأ لا يعني بأي حال من الاحوال أنه لا يحق للوزير أن يخالف أيا من توجهات أو سياسات الحكومة, فهو يملك أثناء اجتماعات مجلس الوزراء أن يبدي تحفظا أو رأيا مغايرا لسياسات الحكومة. الا أنه وبمجرد أن يصدر قرار بالاغلبية من مجلس الوزراء في أمر معين, فإنه يجب على الوزير المعارض أن يتوقف عن معارضته وأن يساند قرار الحكومة ويدعمه أمام وسائل الاعلام. فإذا ما رغب الوزير في الاستمرار في معارضته لقرار لمجلس الوزراء والاحتجاج عليه بعد صدوره, وجب عليه أن يستقيل من منصبه الوزاري ليعبر عن معارضته بكل حرية لقرار الحكومة.

أما الوزير القضاة, فقد ظهر على شاشة التلفزيون الاردني ليناقش قضية طرحت على جدول أعمال مجلس الوزراء وصدر حولها مجموعة من القرارات الحكومية بكل ما يتعلق بمقدار زيادة رواتب المعلمين وآلية الزيادة بما يتناسب مع الاوضاع المالية الصعبة التي تعاني منه ميزانية الدولة. لذا فقد كان الاجدر بالوزير القضاة أن يدعم سياسة الحكومة وقراراتها التي صدرت أمام وسائل الاعلام بدلا من أن يغرد خارج السرب الحكومي من خلال اقتراح آليات خاصة به للتعامل مع القضية, وهو يعي تمام الوعي أنه لن يتمكن بمفرده من حل أزمة على مستوى وطني تمس شريحة كبرى من العاملين في مدارس وزارة التربية والتعليم. فلا يحق للوزير القضاة أن يتخذ موقفاً مغايرا لسياسة الحكومة مهما كان ذلك الموقف نبيلاً لأن في ذلك مخالفة لمبدأ المسؤولية الوزارية الجماعية. فإذا كان للوزير القضاة توجها معينا في التعامل مع قضية إضراب المعلمين, فقد كان الاجدر به أن يعرضه على مجلس الوزراء لمناقشته وأن يبدي رأيه الخاص إزاءه, ولمجلس الوزراء بأغلبية أعضائه أن يتخذ القرار المناسب الذي لا يملك الوزير الا أن يحترمه ويدافع عنه في العلن.

كما أن الوزير القضاة قد خالف الدستور وتحديدا أحكام المادة (47) منه والتي تعتبر كل وزير مسؤولا عن إدارة جميع الشؤون المتعلقة بوزارته جميعها, وأن عليه أن يعرض على رئيس الوزراء أية مسألة خارجة عن اختصاصه. فقضية إضراب المعلمين والمطالبة بزيادة رواتبهم تقع في صميم اختصاص وزير التربية والتعليم بشكل أساسي ووزير المالية فيما يتعلق بمدى توفر المخصصات المالية في الموازنة العامة. فمن خلال تبني وزير الشباب لقضية المعلمين, يكون قد حقق مكاسب شعبية غير مستحقة على حساب وزير التربية والتعليم الذي سيزداد السخط الشعبي عليه بأنه لم يتعامل بجدية مع حيثيات القضية. كما يمكن أن يكون لتطاول الوزير القضاة على مهام وزير التربية والتعليم تبعات سياسية بأن يتم حجب الثقة عن وزير التربية والتعليم في مجلس النواب بحجة تقصيره في القيام بواجبات وزارته استنادا لأحكام المادة (51) من الدستور والتي تعتبر كل وزير مسؤول أمام مجلس النواب عن أعمال وزارته.

ولا يغير في حقيقة الامر أن الوزير القضاة قد ظهر أمام عدسات التلفزة بصفته داعية إسلامية وليس بصفته وزيرا في حكومة عون الخصاونة, ذلك أنه قد خصص جزءا كبيرا من مداخلته المتلفزة للحديث عن الجهود الحكومية التي تبذل داخل مجلس الوزراء للتعامل مع قضية إضراب المعلمين وقضايا وطنية أخرى داعيا المواطنين إلى منح الحكومة الفرصة والوقت الكافي للقيام بالاصلاحات السياسية التي يتطلع إليها الشعب الاردني, وهو ما أضفى على مداخلته المتلفزة طابعا حكوميا لا يمكن إنكاره. كما أن الدكتور محمد القضاة قد أصبح شخصية وطنية معروفة للمواطن الاردني بعد تسلمه حقيبة وزارة الشباب في الحكومة الحالية, ما يجعل أية محاولة للفصل بين شخصيته كداعية اسلامية والتي ظهر فيها على شاشة التلفزيون الاردني وبين شخصيته الحكومية كأحد أعضاء الفريق الوزاري غير مجدية ولا تقوم على أساس دستوري سليم.

* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الاردنية