أحكام سبق الإصرار و الترصد وفقاً لقانون العقوبات الاتحادي

المحامية / منال داود العكيدي
نصت المادة 406 من قانون العقوبات الاتحادي رقم 111 لسنة 1969 على انه (يعاقب بالاعدام من قتل نفسا عمدا: إذا كان القتل مع سبق الإصرار والترصد..).

ويمكن تعريف سبق الاصرار على انه التفكير الهادئ بالجريمة قبل التصميم عليها وتنفيذها .

ويقوم سبق الاصرار على عنصرين هما:

العنصر النفسي : اي ان يكون الفاعل هادئ البال ومستقر العواطف بحيث يكون وضعه النفسي يسمح له بالتردد بين الأقدام على الجريمة وبين التراجع عنها ولكنه مع ذلك يرجح الأمر الأول ،وفي حالة انعدام العنصر النفسي بمعنى إذا لم يكن الفاعل في حالة هدوء واستقرار نفسي وانما كان في حالة اضطراب وانفعال ففي هذه الحالة لا وجود لسبق الإصرار مما يجعل مسؤولية الجاني عن جريمة القتل العمد البسيط على وفق المادة 405 عقوبات .

ويتضح من مفهوم العنصر النفسي انه يتضمن العنصر الزمني – وهو العنصر الثاني الذي يقوم عليه سبق الاصرار-، وذلك لأن التفكير الهادئ أو التروي والتدبير يتطلب أن يكون في فتره زمنية سابقة على الأقدام على تنفيذ الجريمة طالت هذه المدة او قصرت فالمهم هو وجود وقت لان يفكر الجاني في مشروعه الاجرامي.

وتطبيقا لذلك قضت محكمة التمييز بأنه يكون القتل واقعا بسبق الإصرار إذا صمم القاتل على تنفيذه قبل يوم واحد من وقوعه وفي قرار آخر قضت بأنه ليست العبرة في تحقق أو عدم تحقق سبق الإصرار بالزمن الذي يمضي بين التصميم على ارتكاب الجريمة وبين تنفيذها طال هذا الزمن ام قصر بل العبرة أن يكون الجاني قد اعد العدة لارتكاب الجريمة وخطط لها وهو هادئ البال بعيدا عن ثورة الغضب الاني والهياج النفسي.

وبناء على ذلك فان سبق الإصرار يتطلب توفر العنصرين النفسي والزمني معا .

وسواء أخطأ الجاني في توجيه الفعل أم في شخصية المجنى عليه فاصاب شخصا آخر غير من صمم على قتله وفي هذا قضت محكمة التمييز أن ظرف سبق الإصرار ينسحب على الجريمة التي وقعت نتيجة الخطأ في التصويب لأن هذا الظرف يتعلق بشخص الجاني كما قضت بأنه لا يغير من حالة اختلاف شخصية المحنى عليه لان سبق الاصرار حالة موضوعيه تكمن في نفس الجاني وتفصح عنها ظروف الحادثة ووقائعها وسواء أكان قصد الجاني موجها الى شخص معين ام شخص غير معين وجده او صادفه الجاني وسواء أكان القصد محدد ام غير محدد وذلك على وفق احكام 33 فقره 4 عقوبات وسواء ما كان معلق كان معلقا على حدوث أمر أو شرط.

ومن الجدير بالذكر أن سبق الإصرار يقتصر على حادثه القتل التي صمم الجاني على ارتكابها ولا ينسحب على حوادث القتل والشروع فيها التي نشأت عرضا أثناء إطلاق النار على المجنى عليه من دون أن يكون المتهم قد صمم على ارتكابها مسبقا ويدان الجاني عن الجريمة الأولى على وفق المادة 406 فقره 1 / أ وعن جريمة القتل التي نشأت عرضا على وفق الفقرة 1/ز .

ولابد من القول انه لا يجوز افتراض سبق الإصرار لقرائن قابلة للتأويل بل يجب إثباته في الحكم اي يقوم الدليل عليه أو تؤيده قرائن أو أن يقر به المتهم بمعنى ثبوت وجوده على الوجه القانوني وفي ذلك قضت محكمة التمييز ان سبق الإصرار لا يمكن افتراضه لمجرد إطلاق المتهم النار من دون سابق نزاع أو مشاجرة لأنه من الأمور الموضوعية التي يجب أن تتوفر لاثباتها الادلة الكافية ، وقد يجتمع مع ظرف سبق الإصرار ظرف آخر كالباعث الدنيء وفي هذا قضت محكمة التميز بأنه إذا كانت الادلة المتحصلة من شهادات الشهود التي جاءت مطابقة مع بعضها والدافع الدنيء لارتكاب الجريمة فإن الادانة على وفق المادة 406 /1/و ج عقوبات تعتبر صحيحة لأن الجريمة هي قتل عمد مع سبق الإصرار بدافع دنيء.

واخيرا فان سبق الإصرار يعدّ ظرفا شخصيا يتعلق بشخص الجاني مما يترتب عليه أن أثره يقتصر على من توافر لديه فقط ، بخلاف الترصد الذي يقصد به : انتظار الإنسان في مكان ما لمدة من الزمن بقصد قتل شخص أو ايذائه وهو ظرف عيني متعلق بماديات الجريمة مما يترتب على ذلك أن أثره يمتد إلى جميع المساهمين في الجريمة فاعلين أو شركاء وقد يجتمع الطرفان معا غير أن الترصد قد يكون متضمنا للعنصر الزمني عن طريق انتظار المجنى عليه في مكان ما ولكن لا يفترض في جميع الاحوال هدوء النفس واستقرار العواطف فقد يكون لاحقا لمشاجره آنية لا يزال الجاني تحت تأثير الهياج النفسي وثورة الغضب المسببة عنها ومع ذلك فقد يكون الترصد دليلا على توافر سبق الإصرار.