المخبر السري وفقاً لقانون أصول المحاكمات الجزائية الاتحادي

المحامية / منال داود العكيدي
لم ياخذ المشرع العراقي بنظام المخبر السري في قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 وكذلك فانه لم ياخذ به في قانون اصول المحاكمات البغدادي ولكن هذا النظام اي نظام تحريك الدعوى الجزائية بناء على شهادة المخبر السري شرع بموجب التعديل الذي ادخل على المادة ( 47 ) من قانون اصول المحاكمات الجزائية النافذ بموجب القانون رقم 119 لسنة 1988 حيث نص على : ( للمخبر في الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي او الخارجي وجرائم التخريب الاقتصادي والجرائم الاخرى المعاقب عليها بالاعدام او السجن المؤبد او المؤقت ان يطلب عدم الكشف عن هويته وعدم اعتباره شاهدا” .

وللقاضي ان يثبت ذلك مع خلاصة الاخبار في سجل خاص يعد لهذا الغرض ويقوم باجراء التحقيق وفق الاصول مستفيدا” من المعلومات التي تضمنها الاخبار من دون بيان هوية المخبر في الاوراق التحقيقية ) وبموجب هذا النص فان الاخبار السري هو احدى صور الاخبار عن الجريمة اذ يترتب عليه تحريك الدعوى الجزائية ولذلك فقد وضع له المشرع العراقي حدودا وضمانات معينة .

ويسمى المخبر السري في القانون بالشاهد الا ان شهادته تكون على درجة بالغة من الاهمية والحساسية لذلك فانها غالبا ماتجري بسرية تامة كونها تمس حياة المواطن وحريته لاسيما ان كانت تتعلق بعمل ارهابي او سرقات المال العام وفي كل الاحوال فان مايدلي به المخبر السري يخضع لسلطة القاضي كشاهد الا ان شهادته يجب ان تكون معززة بالادلة والوثائق القانونية والا فانها تكون غير معتبرة قانونا كما ان القانون العراقي يشترط في الشهادة ان لا تكون مبنية على اساس عداوة شخصية او مصلحة ذاتية كما ان لاتكون متناقضة او منقوصة والا فانها تكون غير ذات قيمة وكأنها لم تكن وعند ذلك يكون للقاضي احالة المخبر السري الى القضاء لمحاكمته ، وقد جاء في المادة ( 47 الفقرة 2 ) من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل بانه من الممكن عدم الكشف عن هوية المخبر وعدم اعتباره شاهدا في الامور التي تتعلق بامن الدولة الداخلي والخارجي والتخريب الاقتصادي والجرائم التي يعاقب عليها بالاعدام ولكنه في كل الاحوال يكون خاضعا لسلطة القضاء .

ومن الناحية القانونية فان شهادة المخبر السري لا يعتد به قانونا لانه لا بد ان يعلن عن اسم ذلك المخبر وهويته وهذا هو الحال في المحاكم العراقية حيث يعامل المخبر السري معاملة الشاهد كما اسلفت الا في الحالة المذكورة في نص الفقرة 2 من المادة 47 اذ لابد من التحقق من هوية المخبر لمعرفة ما اذا كان لديه عداء شخصي مع المتهم او ان شهادته مبنية على اساس حقد دفين او مصلحة خاصة وهذا الامر ذو علاقة وثيقة بحق الدفاع المقدس اذ لابد ان تكون الجريمة المنسوبة الى الفاعل معززة بادلة وبراهين معتبرة قانونا بحيث تكون صالحة لتوجيه الاتهام وبخلافه يعتبر الاخبار ناقصا وغير معتبر قانونا .

ويجب على المخبر السري ان يدلي بشهادته في مرحلتي التحقيق الابتدائي والقضائي اذ ان شهادته المدونة امام المحقق يجب ان يتم تصديقها امام قاضي التحقيق المتخصص ولا يتم حجب اسمه وهويته الا بناء على طلب يقدم من قبله وبموافقة قاضي التحقيق اذا كانت هناك اسباب تستدعي ان تكون شهادته سرية .

وتعد شهادة المخبر السري من الشهادات التي يترتب عليها اثار كبيرة تتعلق بمصير الدعوى الجنائية لذلك فهي حتما تعد من الشهادات الخطيرة التي تستدعي الحماية من قبل قاضي التحقيق. ويختلف المخبر السري عن المخبر الخاص في ان الثاني هي مهنة يزاولها شخص وفق شروط وضوابط معينة ولقاء اجر معين اما المخبر السري فهي صورة من الصور التي يتم تحريك الدعوى الجزائية بوساطتها ولا تكون مقابل اجر حتى وان تم الاخبار مقابل مكافأة مالية فانه يبقى الاختلاف قائما بينه وبين مهنة المخبر الخاص .

فالمخبر السري تنتهي مهمته في حدود الشكوى التي تم الاخبار عنها ولا يتعدى ذلك الى دعوى اخرى في حين ان المخبر الخاص يمارس مهمته في اية دعوى توكل مهمة البحث والتحري فيها اليه وكذلك يختلف نطاق الجرائم التي يرد عليها الاخبار السري فهو يرد غالبا على جرائم معينة من دون سواها وهي الجرائم التي نصت عليها المادة 47 فقرة 2 اما عمل المخبر السري فانه يشمل كل الجرائم مالم ينص القانون على خلاف ذلك .

كما ان هناك اختلافاً كبيراً بين وظيفة المخبر السري والمرشد اذ ان المرشد هو : ( الفرد من الاهالي الذي يستخدمه رجال المباحث في عمل ابحاثهم السرية وتحرياتهم في نظير اجر يعطى له ) وقد يكون المرشد دائمياً يتم تجنيده بصورة سرية من قبل اجهزة الامن لجمع المعلومات اما المرشد المؤقت فهو غالبا ما يكون شخصاً عادياً من بين افراد المجتمع يسعى لتقديم معلومات طواعية بخصوص حادثة معينة وينتهي دوره بانتهاء تلك الحادثة او الواقعة وايا كان المرشد سواء دائمياً ام مؤقتاً فانه يتعامل مع اجهزة الشرطة ولا يتعدى ذلك الى المحقق او قاضي التحقيق بينما يكون اتصال المخبر السري بالمحقق وقاضي التحقيق والاول يكون عمله مقابل اجر ايضا بينما المخبر السري يكون عمله بلا مقابل كما اسلفنا فضلا عن ان المرشد يتلقى تدريبا وتأهيلا معينا للقيام بعمله بينما المخبر السري لا يتلقى اي تدريب و يتم اختيار المرشد من بين الافراد المحكومين الذين اخلي سبيلهم او اطلق سراحهم بكفالة بينما المخبر السري يتقدم للاخبار من تلقاء نفسه.

ويبقى الاخبار السري ضرورة حتمية في بعض الحالات ذات الطابع العام او تلك التي تتعلق بامن الدولة الداخلي او الخارجي وهو في نفس الوقت استثناء من الاصل العام الذي يتطلب العلانية في الدعوى الجزائية ولعل ذلك يرجع الى الخشية على المخبر السري من الاعمال الانتقامية او التصفيات التي قد يتعرض لها لذلك كان لابد من السرية للحفاظ على مصلحة المجتمع التي تعلو على مصلحة الفرد وهو من ناحية كونه استثناء فلا يجوز التوسع فيه لان ذلك قد يكون من شأنه المساس بالضمانات الدستورية والقانونية المكفولة للمتهم ، فضلا عن المشرع وفي سبيل صيانة الحريات ايضا وعدم فتح المجال للاخبار الكيدي او المبني على المصالح الشخصية او العداوات التي قد يحملها المخبر ضد المتهم ما يدفعه الى الادلاء باخبار كاذب فكان ان شدد العقوبة بحقه فبعد ان كانت جنحة وفق المادة 243 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 اصبحت في العام 2009 جناية يحكم المتورط بها من 10 – 15 سنة وحسب الدعوى القضائية التي وقع بشانها الاخبار الكاذب .

واخيرا لا بد من القول ان الاخبار السري هو ليس حالة تفرد بها المشرع العراقي وانما هناك الكثير من التشريعات التي اخذت به بدرجات متفاوتة وان الخلل لا يكمن في الفكرة القانونية للاخبار السري وانما في طريقة استعماله وبرغم كل السلبيات والاخطار التي يحملها الاخبار السري الا انه يمكن الارتقاء بها لتصبح شهادة يعول عليها في المحاكم وجهات التحقيق سواء من قبل المجتمع ام من قبل الجهات التحقيقية والقضائية.