أحكام الوقف في ظل التشريع المدني الاتحادي

المحامية: منال داود العكيدي
يعد الوقف من اهم التصرفات القانونية التي يقوم بها الفرد لانه يؤدي الى حل الكثير من المشاكل ذات الطابع الاقتصادي الى جانب المزايا غير المباشرة التي تترتب على تلك المشاكل ومنها انخفاض معدلات الجريمة والقضاء على البطالة وتحسين المستوى المعيشي والتعليمي للفرد فضلا على تخفيف العبء الاقتصادي عن الدولة، ومن هنا لا بد لنا قبل القاء الضوء على احكام الوقف وانواعه والتنظيم القانوني له في ظل القوانين الاتحادية.

من تعريف الوقف فهو في اللغة معناه: ) مصدرٌ من الفعل الماضي وقف، والوقف ُ في اللغة يدَّل ُ على التمكث في الشيء ، و المنع ) .

اما في الإصطلاح الفقهي: (حبس العين على حكم ملك الله تعالى ، على وجهٍ تعود منفعته للعباد ، فيلزم ُ ولا يباع ُ ولا يوهب ُ ولا يورث ُ) .

وقد عرفه فقهاء القانون على انه (حبس العين المملوكة على حكم ملك الله تعالى ، والتصدق بالمنفعة على جهة خير تهدف إلى البر والنفع العام ، أو على جهة ذرية ، أو على كليهما) .

و قد اتجه الامام ابي يوسف في تكييف الوقف اعتباره من الاسقاطات فهو كالعتق و يقول في ذلك: (… فالواقف إنما يسقط حقوق ملكيته في الموقوف .

وحيث ُ أنَّ الإسقاطات لا تحتاج إلى القبول كما هو الحال في العقود ، عليه فإنَّ ركن الوقف هو الإيجاب فقط من دون قبول ، و يكون الوقف صحيحاً وإن لم يقبل الموقوف عليه ، ولكن الموقوف عليه إن كان معيناً ، فلا يستحق المنفعة إلاّ بالقبول ).

وقد تطور نظام الوقف الذي ظهر ابتداء في عهد النبي ( ص ) ثم الخلافة الراشدة حيث ان ادراة الاوقاف كانت تتم من قبل المتولي نفسه اي الواقف او من يعينه حيث انه لم يكن هناك جهاز مستقل في الدولة الاسلامية يتولى ادارة الوقف كون ان الوقفيات قليلة اما في عهد الخلافة الاموية فقد تولى القضاء ادارة شؤون الاوقاف وهذا ادى الى تمتعها بالاستقلالية تبعا لاستقلال القاضي الذي يسير على نهج الشرع.

وفي العهد العباسي آلت ادارة الاوقاف الى اعلى سلطة قضائية في الدولة وهو قاضي القضاة وكانت لادارة الاوقاف ميزانية مستقلة وتعاونه جهة اخرى في ذلك وهي ناظر المظالم، وفي العهد المغولي انيطت هذه المهمة الى موظف خاص عين لهذا الغرض يسمى (صدر الوقوف) الا ان هذا الحال لم يستمر اذ كانت ادارة الاوقاف تتنقل بين صدر الوقوف و والي بغداد و قاضي القضاة .

اما في العهد العثماني و نتيجة لتوسع الاوقاف في هذه المرحلة الى جانب صدور الكثير من التنظيمات المتعلقة بادارة واستثمار اموال الوقف التي اتسمت بكونها ذات صياغة قانونية عالية فضلا على توفير غطاء الحماية لتلك الاوقاف لذلك تم انشاء وزارة مستقلة في اسطنبول (الاستانة) تدعى (نظارة الاوقاف) ترتبط بها مديريات الاوقاف في الولايات التابعة للدولة العثمانية.

وقد تضمن قانون ادارة الاوقاف الاتحادي رقم 64 لسنة 1966 ومرسوم ُ جوازِ تصفية الوقف الذريّ رقم 1 لسنة 1955 اقسام الوقف حيث قسمت الاوقاف الى عدة اقسام استنادا على اعتبارات معينة ادت الى ظهور تقسيمات عديدة للوقف ، فهناك تقسيم استند الى اعتبار مصرف الوقف وهو : الوقف الذري و الوقف الخيري والوقف المشترك .

وهناك تقسيم اخر على اعتبار العين الموقوفة وهو يقسم الى: الوقف الصحيح ، والوقف غيرِ الصحيح .

وتقسيم ثالث يقوم على اعتبار من يتولى ادارة الوقف وهو : الوقف المضبوط والوقف الملحق.

وهذه التقسيمات ترجع في اغلبها الى التنظيمات القانونية للوقف المتبعة في الدولة العثمانية و التي طبقت في العراق عندما كان يقع تحت حكم الدولة العثمانية .

اما بالنسبة للتنظيم القانوني للوقف فقد صدرت عدة قوانين تعالج مواضيع شتى ضمن نظام الوقف في القانون الاتحادي ومن اهم تلك القوانين هو قانون ادراة الاوقاف رقم ( 64 ) لسنة 1964 والذي تناول الوقف الصحيح والوقف غير الصحيح والوقف الملحق وقد عدل هذه القانون بموجب القانون رقم ( 40 ) لسنة 1999 و الذي اجاز ( لرئيس ديوان الوقف او من يخوله وضع اليد على العقار الموقوف و تخليته وفق الإجراءات التنفيذية بعد انتهاء مدة 30 يوماً من تأريخ تبليغ المستأجر بأمر التخلية ، وخوله كذلك (تضمين المستأجر ضعف قيمة الأضرار التي أحدثه بالعقار الموقوف أو بموجوداته).

اما مرسوم جواز تصفية الوقف الذري رقم ( 1 ) لسنة 1955 و الذي تناول بالتنظيم الوقف الذري و الوقف المشترك ، و قد نص في المادة الرابعة منه على ان ( محكمة البداءة التي يقع فيها الوقف هي الجهة المتخصصة بتصفيتها ) ، اما المادة الرابعة عشرة فقد نصت على ان ( الواقف إذا كان حياً فله حق الرجوع عن وقفه بطلب يقدمه إلى محكمة البداءة لاستحصال قرار بابطال حجة الوقف و إعادة الموقوف إلى ملكه ) .

و كذلك صدر نظام المتولين رقم ( 46 ) لسنة 1970 و الذي تناول تنظيم كيفية توجيه التولية و طريقة تعيين المتولي في الوقف الذري و المشترك فضلا عن نظام المزايدات والمناقصات الخاص بالاوقاف رقم ( 45 ) لسنة 1969 المعدل و الذي بين فيه طريقة بيع الوقف وتعيين لجنة التقدير ولجنة المزايدات والمناقصات .

و قد جاء هذا النظام باستناء مهم و هو عدم شمول الدوائر الحكومية وشبه الحكومية بالمزايدة في حالة ايجار او استبدال الموقوف.