التصفية والافلاس

يخلط العديد بين التصفية والإفلاس لتحقق التشابه بينهما في الإجراءات وبعض المراحل وأحياناً بالنتائج خصوصاً عندما يكون الإجراء واقعاً على الشركات وشركات الأموال تحديداً، فالتصفية قد تكون إختيارية أو إجبارية (قانونية أو قضائية). إذ التصفية يقصد بها العمليات المادية والقانونية التالية لإنقضاء الشركة وتكون لحصر موجودات الشركة وتحديد خصومها وتحصيل ما لها من حقوق والوفاء بما عليها من إلتزامات تمهيداً لتوزيع باقي الموجودات -إن وجد -على الشركاء/المساهمين بحسب نسبة مشاركة/تملك كل منهم.

فالشركة قد تنقضي اختيارياً بقرار من الشركاء أو المساهمين، أو إجبارياً بتحقيق غرضها الذي تأسست لأجله أو لإستحالة تحقيقه أو إنتهاء مدتها المقررة نظاماً في عقدها أو نظامها الأساس أو عدم الإلتزام بنظام الشركات كحالة عدم إكتمال الإكتتاب برأس المال خلال المدة النظامية أو عدم إتخاذ قرار بشأن الخسائر في رأس المال خلال المدة النظامية، أو بموجب حكم قضائي بإدخال الشركة مرحلة التصفية الإجبارية بناءً على طلب أحد الشركاء/المساهمين أو دائني الشركة.

وعند تحقق أي نوع من أنواع التصفية فتبدأ شخصية الشركة الإعتبارية بالزوال حتى إنتهاء أعمال التصفية وتمامها، وفي مرحلة التصفية يكون لها مصفي أو أكثر يتولى مهام عملية التصفية وعندما تنتهي وتكتمل أعمال التصفية تنتهي صفة الشركة القانونية ولا يُعد لها وجود وتطوى سجلاتها الرسمية.

أما التصفية للتاجر الفرد فهي إما أن تكون تصفية اختيارية أو إجبارية، فالتاجر الفرد عندما يقرر ترك أعمال تجارته نهائياً نكون أمام تصفية إختيارية، أما في حالة إفلاسه أو وفاته – ما لم يقرر الورثة أو أحدهم إستمرار أعماله مورثهم التاجر بحلول أحدهم محل التاجر المورث أو تحويل عمله التجاري لشركة بين الورثة -فنكون أمام تصفية إجبارية. أما الإفلاس فكما تم تعريفه بالمادة (103) من نظام المحكمة التجارية بأن المفلس (فرد أو شركة) من استغرقت الديون جميع أمواله فعجز عن تأديتها أي توقف عن سدادها، فالإفلاس هو إضطراب في حال التاجر الفرد أو الشركة مادياً يرتب عدم القدرة على الوفاء بالإلتزامات تجاه الخصوم أو الغير.

والإفلاس يكون بطلب من التاجر فيتقدم للمحكمة طالباً إعلان إفلاسه أو أحد الدائنين، لتباشر المحكمة إجراءات إعلان الإفلاس فيتم تعيين أمين تفليسه للتاجر فتحجز أموال التاجر المنقولة والغير منقولة ويحجر عليه فلا يعتد بتصرفاته الفعلية والقولية من تاريخ قرار إعلان الإفلاس، ويتم بعدها التحقق من السجلات والدفاتر التجارية من تاريخ مزاولته للعمل التجاري وحتى تاريخ قرار إعلان الإفلاس، وبعد الفحص والتمحيص من أمين التفليسة بالدفاتر سيظهر له ويرفع للمحكمة والتي ستقرر حينها أحد الأحوال التالية أن: الافلاس الحقيقي، أو تقصيري، أو إحتيالي.

فالمفلس حقيقي: هو الذي مارس في أعمال التجارة على رأس مال معلوم يعتبره العرف كافياً للعمل التجاري الذي يزاوله ووجدت له دفاتر تجارية منضبطة ومنظمة ولم يبذر في مصروفاته ووقع على أمواله حرق أو غرق أو خسارة ظاهرة فإذا توفرت فيه هذه الشروط يكون مفلسا حقيقة، وعليه فالمفلس الحقيقي هو من تحققت له ظروف خارجة عن إرادته رتبت توقفه عن سداد حقوق الغير.

والمفلس المقصر: هو التاجر المبذر في مصاريفه ولم يُبيّن عجزه في وقته للغير بل أخفاه عنغرمائه واستمر مزاولاً لأعماله التجارية حتى أستهلك كامل رأس ماله وأصوله وإن وجدت له دفاتر منظمة.

والمفلس الإحتيالي: فلا يعبر عنه بمفلس إلا لتوزيع موجوداته على غرمائه، وتقرير أنه محتال لإستعماله الحيل والدسائس في رأس ماله أو قيد بدفاتره ديوناً عليه باسم شخص آخر بصورة كاذبة أو حرر بها سندات أو أخفى أمواله أوأملاكه بنقل الملك للغير حيلة أو شيء منها ومارس التجارة بطريق التمويه والإحتيال أو تغفيل التجار على أي صورة كانت وسواء كان مبذرا أو لم يكن مبذرا أو لم توجد له دفاتر أو وجدت وكانت غير منظمة.

وخطورة الإفلاس على التاجر الفرد والشريك المتضامن أن الإفلاس يقيد بسجلاته التجارية كما تقرر بنظام السجل التجاري فترسل المحكمة نسخة من حكم الإفلاس، وتبقي صفة الإفلاس قائمة حتى وإن سدد ديونه ويلزم لرد اعتباره التجاري صدور حكم قضائي لرد اعتباره التجاري من المحكمة بذلك، فالمفلس الحقيقي إن سدد ما عليه من ديون ومصاريف يجوز رد اعتباره أو مرور زمن خمسة عشر عاماً، أما المفلس المُقصر فيلزم أن يسدد جميع ديونه والمصاريف قبل رد اعتباره التجاري ولا يعتد للمقصر بمرور الزمن كسبب لرد اعتباره، أما الإحتيالي فلا يعاد له اعتباره نهائياً ولا من حكم عليه بسرقة أو خيانة أو إخفاء شيء من أمواله ومن أمتنع عن تقديم حساباته للمحكمة.

ولقسوة نظام الإفلاس على التاجر صدر نظام التسوية الواقية من الإفلاس عام 1416هـ والذي قرر للتاجر الذي اضطربت أوضاعه المالية أن يتقدم بطلب الصلح مع الدائنين ودياً فإن تعذر رفع الأمر للقضاء ويبقى التاجر على أمواله قائما مديراً ومسيراً لها، ونظام التسوية الواقية من الإفلاس جاء معالجاً للنقص الواقع في نظام المحكمة التجارية في مواده الخاصة بالإفلاس ولا تزال البيئة التجارية بحاجة لتنظيميات أوسع للإفلاس ومواكبة للتطور الاقتصادي. ومما سبق لمحة بسيطة وعجالة عن التصفية والإفلاس لبيان الفروق الجوهرية بينهما، كما أن التصفية قد تتحول لإفلاس إن تحقق التوقف عن سداد الديون أثناء فترة التصفية، وإن كانت التصفية والإفلاس للشركات ترتبان نتيجة إنهاء الصفة الإعتبارية للشركة ولا تمتد آثار الإفلاس للشركاء أو المساهمين إلا أن في شركات التضامن والتوصية البسيطة فنرى بأنه يلحق بالشريك الضامن صفة المفلس ويناله ما ينال التاجر الفرد فتحجر تصرفاته وأقواله وقد يوصم بالمقصر أو الإحتيالي بحسب ما تقرره المحكمة في حكمها. إن وفقت وأصبت فمن الله وفضله، والحمدلله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولوالديّ وأتوب إليه.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

عبدالعزيز بن عبدالله الخريجي
محامي مستشار