ابعاد جريمة غسيل الاموال و انعكاساتها على الاقتصاد العراقي

 أ د . بلاسم جميل خلف

كلية الادارة والاقتصاد

جامعة بغداد

تطور ظاهرة غسيل الاموال خلال الالفية الثالثة:

قبل التطرق الى الالية التي تتم من خلالها عملية غسيل الاموال غير الشرعية او الاموال القذرة لابد لنا من معرفة حجم هذة الافة الخطيرة ووعائها واهم الدول التي تحصل فيها هذه الجريمة.

لقد اتسعت ظاهرة غسيل الاموال عالميا نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين من حيث الاساليب المعتمدة والمصادر وطبيعة الاعمال الاجرامية وعائدتها المالية .

ونتج عن هذه الاعمال والانشطه الاجرامية غير القانونية اموال طائله تقدر بمليارات الدولارات ، حيث اشارت مجموعة حملة العمل المالي الدوليـــــه

(FATF)forcetaskactionfinancial– وهي منظمه عالـــــــــمية متخصصة في مجال مكافحة غسيل الاموال – ان ما يتم غسله من الامــوال المحصله من مختلف انواع الانشطة والاعمال غير القانونية حول العـــــالم ( استنادا الى تقريرات صندوق النقد الدولي انها بين 2 % – 5 % مــــن اجمالي الدخل القومي العالمي )أي يتراوح بصورة تقريبية ‘ بيــــــن 590 مليار – 500/1ترليون دولار سنويا من واقع احصائيات عـــــام 1996 ، حيث يمثل هذا الرقم اجمالي المـــــيزانيات السنوية لنحو 30 او 40 دوله صغيره تقريبا ويكفي لسداد اكثر من نصــــف ديون دول العـــــالم الثالث .

في حين تقدر هـــــــيئة الامـــم المتحده حجم الامــــوال المغسولة ســـــنويا 800 مليار – 500/1 ترليون دولار حيث يعادل هذا المبلغ ضـعف الانتاج النفطي العالمي السنوي تقريبا ، كما تقدر نفس الهيئه ان ما يتم غســـــــله من الاموال المكتسبه من التجاره غير المشروعه للمخدرات فقط يبلغ نحــو120 مـــليار دولار سنويا.

وتشــــــير المعلومات المتوفرة ان عمليات غسيل الاموال في روسيا وحدها تتراوح ما بيــــن 25% – 50 % من الناتج المحلي الاجمالي لروسـيا وحــــوالي 10% لجمهــورية و13 % لبريطانيا كما تعتبر كلا من سويسرا والولايات المتحدة الامريكيه والمكسيك ملاذا كبيرا لغســــــيل الاموال .

جدول يوضح حجم الاموال المغسولة سنويا في بلدان مختارة وعبر القطاع المصرفي

اسم الدولة

المبلغ مليار دولار

سويسرا

345

منطقة الكاريبي

342

لوكسنبورج

327

امريكا

300

جزر البهاما

155

المجموع

1469

هــــذا وقد اشارت ندوة مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية والتي عقـــــدت بالقاهرة في 30/ 10 / 2000 الى ان حجم الاموال التي يتم غسلها سنويا على مستوى العالم يعادل 25 % من اجمالي التعاملات في اسواق المال العالمية ، التي يجد فيها غاسلوا الاموال فرصــــهم باعادة تدوير الاموال دون الاهـــتمام بالتوظيف الجيد وهذا يؤدي الى اخــــــتلال الاسواق المالية .

هذا وتشير الدراسات الى ان 70 % من حجم الاموال المغســـولة ياتي من تجارة المخدرات والباقي من انشطة اخرى مثل تجارة الســلاح والزئبق الابيض وتزييف العملات .

وتعد نيويورك اكبر مركز عالمي لغسيل الاموال الا ان لندن تعتبر منافســــا قويا لها وترجع زيادة الاقــــبال على لندن الى عدم تعقد النظام فيها وزيادة قــــدرته على اجراء التعاملات الضخمة المرتبطة بغسيل الاموال . وقد اشارت تقديرات الامـــم المتحدة الى ان حجم الاموال القذرة التي تتعرض لعملية الغســـــــل في العالم اصــــبح من الضخامة .بحيث يتجاوز حجم التجارة الدولية للبترول وياتي في المـــــرتبه الثانية لحجم التجارة الدولية للاسلحة .
تعد جرائم غسيل الاموال (Money Laundering ) اخطر جرائم عصر الاقتصاد الرقمي، انها التحدي الحقيقي امام مؤسـسات المال والاعمال ، وهي ايضا امتحــــان لقدرة القواعد القانونية على تحقيق فعالية مواجهة الانشطـــــة الجرمية ومكافـــحة انماطها المستجدة،وغســـــل الاموال ، جريمة ذوي الياقات البيضاء ، تماما كغيرها من الجرائم الاقتصادية التي ترتكب من محترفي الاجرام الذين لاتتوائم ســماتهم مع السمات الجرمية التي حددتها نظريات علم الاجرام والعقاب التقليدية ،وغســـــــــيل الاموال ايضا ، جريمة لاحقة لانشطة جريمة حققت عوائد مالية غير مشــــــروعة .

فكان لزاما اسباغ المشروعية على العائدات الجرمية او مايعرف بالامـــوال القذرة، ليتاح استخدامها بيسر وسهولة ، ولهذا تعد جريمة غســــيل الاموال مخرجا لمازق المجرمين المتمثل بصعوبة التعامل مع متحصلات جرائمهم خاصــــــة تلك التي تدر اموالا باهظة،كتجارة المخدرات وتهريب الاسلحة والرقيق وانشطــــة الفساد المالي ومتحصلات الاختلاس وغيرها وتجدر الاشارة هنا ان الذهن العام بخصوص جـرائم غسيل الاموال ارتبط بجرائم المخدرات بل ان جهود المكافحة الدولية لغســـــــــــيل الاموال جاءت ضمن جهود مكافــــــحة المخدرات ولهذا نجد ان موضع النص دوليا على قواعد واحكام غسيل الاموال جاء ضمن اتفاقية الامم المتحدة المتعلقة مكافحة المخدرات،ومبرر ذلك ان انشطة المخدرات هي التي اوجدت الوعاءالاكبر للامـــوال القذرة بفعل متحصلات عوائدها العالية ،غير ان هذه الحقيقة اخـــــذة في التغيير،اذ تشير الدراسات التحليلية الى ان انشطة الفساد المالي والوظيفي خاصـــة في الدول النامية من قبل المتنفذين والمتحكمين بمصائر الشعوب ادت الى خلق ثروات باهظة غير مشروعة تحتاج لتكون محلا لغسيل الاموال كي يتمكن اصحابها من التنعم بها وكذلك، اظهر التطور الحديث لجرائم التقنية العالية (جرائم الكمبيوتر والانترنت) ان عائدات هذه الجرائم من الضخامة بمكان تتطلب انشطة غسيل الاموال خاصـــــة ان مقترفيها في الغالب ليس لديهم منافذ الانفاق الموجودة لدى عصــــابات المخدرات، وذات القول يرد بخصوص انشطة الارهاب وتجارة الاسلحة وتجارة الرقيق والقمار خاصة مع شيوع استخدام الانترنت التي سهلت ادارة شبكات عالمية للانشطـــــــــة الاباحية وانشطة القمار غير الشرعية.

وبالرغم من ان اشكال وانماط ووسائل غسيل الاموال متغيرة وعــــديدة،وثمة اتجاه عريض لتحويل الاموال القذرة الى اصول مالية (مواد ثمينة) ،وموجودات عـقارية او نحو ذلك، فان البيئة المصرفية تظل الموضع الاكثر استهدافالانجاز انشطــــــــة غسيل الاموال من خلالها، واذا كانت البنوك مخزن الما، فانه من الطبيعي ان توجه انشطة غاسلي الاموال القذرة الى البنوك على امل اجراء ســـــــلسلة من عـــمليات مصرفية تكتسي بنتيجتها الموال القذرة صفة المشروعية .

ولهذا تعد البنوك المستهدف الرئيسي في عمليات غسيل الاموال ، ويرجع ذلك الى دورالبنوك المتعاظــــــم في التقديم مختلف الخدمات المصـــــرفية وتحديدا عمليات الصرف والتحويل النقدي بواسطة الشيكات والشيكات السياحية (الاجنبية) لحوالات المالية خاصة بالوسائل الالكترونية وبطاقات الائتمان والوفاء وعــــمليات المقاصة وادارة المحافظ الاستثمارية وتداول العملات والاسهم وغـــــــيرها ، وهذه الخدمات يتسع مداها ونطاقها في عصر المعلومات وتتحول الى انماط اكثر سهولة من حــيث الاداء واقل رقابة من حيث الية التنفيذ خاصة في ميدان البنوك الالكترونية او بنوك الويب على شبكة الانترنيت،ومثل هذه العمليات بشكليها التقليدي والالكتروني خــير وسيلة لتستغل بغرض من اجـــــل اخفاء المصدر غير المشـــــروع للمال.

ومن جهة اخرى ، فان البنوك ذاتها، تعد راس الحربة في مكافحة انشطة غســــيل الاموال، لحماية نفسها اولا من المخاطر المالية والمسؤوليات القانونية المــــترتبة على خوضها اومشاركتها في هكذا انشطة، وللمشاركة الفاعلة في الجهـــــد الدولي لمكافحة جرائم غسيل الاموال.