النظام القانوني للسرية المصرفية: رؤية على القانون الليبي

The legal system of bank secrecy in view of the Libyan Law

عبد السلام أحمد حسين إمحمد، كلية القانون، جامعة سبها، ليبيا.

الملخص
تعد السرية المصرفية هي جوهر العمل المصرفي في جميع الدول في العالم، و بدونها لا يفترض أن تتأسس على الاطلاق العلاقة بين المصرف و العميل. دأبت أغلب التشريعات على تضمين السرية المصرفية ضمن تشريعاتها المصرفية، ليبيا كانت واحدة من هذه الدول حيث نظمت أحكام السرية المصرفية في قانون المصارف الصادر سنة 2005 وتعديلاتها للاحقة. توصلت هذه الورقة إلي عدة نتائج من أهمها أن بعض أحكام هذا القانون تمتاز بعدم الوضوح و الشمولية الكافية، مما سبب في العديد من الاشكاليات القانونية التي تعتري التطبيق الصحيح لهذه الأحكام، مما أدى في النهاية إلي ظهور مظاهر الإعفاء من المسؤولية في بعض الحالات. إضافة إلي ذلك، خلصت الورقة إلي نتيجة أخرى مهمة، بأن موقف المشرع الليبي من السرية المصرفية هو موقف غير متشدد؛ وخير دليل على ذلك إفراغ هذا المبدأ من مضمونه، و ذلك من خلال التوسع في الاستثناءات الواردة على هذا الالتزام، وعدم صياغتها بالطريقة الملائمة، مما أدى إلى إضعاف من قوة وفعالية هذا الالتزام من الناحية العملية.

Abstract

The duty of confidentiality is a rationale the banking system in the world; this is because without this duty, a customer and a banker relationship cannot be established. A number of countries have begun regulating this duty in their national banking legislations, including Libya. The rules of the duty have regulated under the Banking Act (BA) that issued in 2005. The paper has reached a number of outcomes. Firstly, some provisions in this Act were uncertainty, and ambiguous, which caused a number of legal issues, including weak of enforceability which resulted at the end in some cases a waiver from the liability. Secondly, the paper has concluded that the position of the current legislation on duty of confidentiality is not strict. An evidence can be noted throughout the extension of the exceptions on the duty of confidentiality, and also not well drafted its exceptions have caused a lack of efficiency in implanting this duty in practice.

المقدمة:

تضطلع المصارف بدور حاسم و جوهري في تنمية النشاط الاقتصادي، حيث تتجلى أهمية هذا القطاع من خلال الخدمات الائتمانية التي يقدمها للعملاء؛ والتي تتمثل في منح القروض بمختلف أجالها، وأيضا تقديم خدمات التمويل للمشروعات التجارية والخدمية والعقارية.

فالقطاع المصرفي من خلال تقديمه لهذه الخدمات، يكون قد ساهم في خلق الائتمان، و توزيعه لأجل المساهمة الفعالة في الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية. و لأجل اضطلاعها بكافة هذه الوظائف، توجب عليها الالتزام بالمحافظة على السرية فيما يتعلق بتعاملاتها مع عملائها؛ والتي تشمل حساباتهم وأرصدتهم وجميع معاملاتهم المالية، وعدم الاطلاع عليها وإفشائه للغير؛ لأنه بدون التزام المصرف بذلك ستصبح العلاقة بينه وبين العملاء مهددة بالزوال.

في حقل المعاملات المصرفية، يعد التزام المصارف بالسرية من المبادئ المستقر عليها عرفاً و قانوناً، و هو يشكل أهم قواعد التعامل المصرفي لارتباطه الوثيق بجوهر النشاط المصرفي. و في هذا السياق تعهد المصرف بهذا الالتزام، يساهم في خلق بيئة ملائمة للاستثمار من خلال جذب الرؤوس الاموال الاجنبية، ومن ثم المساهمة في دفع بعجلة التنمية، و النمو في البلاد.

و قد شهد هذا المبدأ الكثير من التطورات التي لحقت عليه، و اْثرت على فعاليته من الناحية التطبيقية. فمن هذا المنظور، هناك بعض الدول تبنت هذا الالتزام، وأوردت عليه حزمة من الاستثنائيات التي قيدت من فعاليته. بالمقابل، هناك بعض الدول تشددت في الأخذ بهذا المبدأ على اطلاقه.

و بهذا، تعد السرية المصرفية الوسيلة القانونية التي منحها المشرع لحماية الحقوق والمصالح الناشئة عن السر المصرفي محل الالتزام. و من هذا المنطلق، حرصت أغلب التشريعات على سن قوانين تُجبر المصارف على الالتزام بالسرية المصرفية وعدم إفشاء أسرار عملائها. ليبيا كغيرها من الدول التي سارت على هذا النهج، وأصدرت أحكام خاصة في التشريع المصرفي تنظم السرية المصرفية وحددت الإطار القانوني لها، وذلك من خلال قانون المصارف رقم (1) لسنة 2005 المعدل بالقانون رقم (46) لسنة 2012،حيث تناولت بعض مواد هذا القانون التنظيم القانوني للسرية المصرفية.

أهمية الدراسة :

1 . تعتبر السرية المصرفية من أهم الوسائل التي ليست فقط تحافظ على رؤوس الأموال المحلية من إيداع أموالهم بالخارج، بل أيضا تساعد على النهوض بالاقتصاد وذلك عن طريق جذب رؤوس الأموال الخارجية وزيادة الاستثمارات، مما يؤدي في النهاية إلى زيادة حجم الودائع لدى المصارف ومن ثم يساعد على زيادة تدفق الأموال، وهذا ينعكس ايجاباً على النهوض بالاقتصاد الوطني.

السرية المصرفية تساعد على خلق بيئة مناسبة للنزاهة المصرفية؛ لأنها تعتبر الوجه الآخر للثقة، فبدون سرية مصرفية لا وجود للثقة وبدون ثقة لا وجود للعملاء، و بدون السرية تتعطل منظومة النشاط الاقتصادي الذي يعتبر قطاع المصارف هو عصبه.
إشكالية البحث:

على الرغم من أهمية هذا الموضوع، إلا أنه لم يأخذ حقه الكافي من البحث والاهتمام، مما أدى إلى ظهور إشكاليات على الصعيد القانوني (الأساس القانوني، الطبيعة القانونية للعلاقة بين المصرف و العميل)، وأيضا من حيث تحديد نطاق المجال الموضوعي للسرية المصرفية، ومن هم الأشخاص الذين يسري عليهم نطاق هذا القانون، وهل هناك استثناءات واردة على هذا الالتزام، وماهي المسؤولية المترتبة على انتهاك أحكام السرية المصرفية، و أخيراً ما هو الجزاء المترتب على انتهاك هذا الالتزام؟

فرضية البحث

يستند هذا البحث إلى فرضية ألا وهي أن المشرع الليبي قام بتنظيم أحكام السرية المصرفية بالشكل الذي يحقق الهدف المرجو منه.

منهجية الدراسة

سنعتمد في هذه الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي القائم على تحليل النصوص والمقتضيات القانونية المختلفة التي عالجت إشكالية السرية المصرفية لأجل الوصول إلى نتائج محددة.

حدود الدراسة

تتمثل حدود هذه الدراسة في مناقشة وتحليل السرية المصرفية في التشريع الليبي وذلك من خلال دراسة وتحليل النصوص الموجودة في قانون المصارف رقم (1) لسنة 2005 المعدل بالقانون رقم( 46) لسنة 2012.

وللإجابة على إشكالية هذه الدراسة، تم تقسيم هذه الورقة إلى مبحثين :

المبحث الأول الإطار النظري للسرية المصرفية.

المبحث الثاني الالتزام بالسرية المصرفية في التشريع الليبي .

المبحث الأول : الإطار النظري للسرية المصرفية

لأجل تحديد الإطار النظري لمفهوم السرية يتوجب علينا تأصيل مفهوم السرية، و ذلك من خلال تعريفه، و إبراز الاختلاف الفقهي و القضائي في تحديد هذا المفهوم من قبل الانظمة القانونية المختلفة. فعلى اعتبار أن مفهوم السرية بالأساس هو مفهوم واسع، فهولا يسرى فقط على السرية المصرفية، بل يشمل جميع المهن التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمفهوم السرية- فعلى سبيل المثال- مهنة الطب، و المهنة المحاماة.

ومن خلال هذا المبحث سنسلط الضوء على ماهية السرية المصرفية (المطلب الأول)، ومن ثم ننتقل بالحديث عن الأساس القانوني للسرية المصرفية (المطلب الثاني).

المطلب الأول : ماهية السرية المصرفية

و للإحاطة بمفهوم السرية من جميع الجوانب، يتوجب علينا التعرض ماهية السرية المصرفية، و من ثم تميز هذا المفهوم عن غيره من المفاهيم الاخرى المتشابهة، و اْخيرا، التعرض إلي نشأة السرية المصرفية.

السرية لغة : هي كتمان الشيء أي كل ما يكتمه الشخص في نفسه، وهو خلاف الإعلان أي الإفصاح أو الإخبار، بحيث أن العلم بهذا السر يقتصر فقط على شخص أو أشخاص معينين.[1] و هي أيضا، ما يسره الإنسان في نفسه من الأمور، فيجعلها قاصرة عليه فقط. قال تعالى “ فأسرها يوسف في نفسه و لم يبدها لهم”. أي بمعنى أن ما يسره الشخص في نفسه يسمى “سر”.

السرية في الاصطلاح القانوني: هي عبارة عن وصف لأمر ما علمه شخص معين، بحكم مهنته أو وظيفته ومن ثم وجب عليه عدم أفشاء هذا السر للغير.[2]فيمكن القول في هذا الصدد بأن مفهوم السرية يقضى بالتزام المصرف ليس فقط بعدم الافصاح (الكتم) فيما يتعلق بالمعلومات المالية المتعلقة بحسابات العملاء، بل أيضا يشمل بالضرورة عدم إفشائها و البوح بها للغير. والسرية في هذا الاطار مقترنة بالعديد من المهن، مثل ( الطب، المحاماة، الوساطة و غيرها) بحيث يُمنع افشاء الأسرار المتعلقة بالعميل سواء للغير، بدون الحصول على إذن من صاحب الحق فيها.

و من خلال استقراء نصوص القانون المصارف، وجدنا بأن المشرع الليبي لم يعرف السرية المصرفية، حيث ترك الباب مفتوحا أمام اجتهاد الفقه والقضاء لإدلاء بدلوهم في هذا المجال وحسن فعل المشرع بعدم وضع تعريفاً للسرية المصرفية. على اعتبار أن مفهوم السرية ذو طبيعة خاصة كونه مفهوم واسع و متغير يحوى بين طياته بعض الغموض، حيث عكس بوضوح ذلك اختلاف التعريفات الواردة من كل من الفقه و القضاء المقارن في تعريف هذا المفهوم. اختلف آراء الفقه بإعطائهم تعريفات مختلفة للسرية المصرفية، بناء على ذلك نعرض بعض هذه التعريفات.

عرف الفقه السويسري السرية المصرفية بأنها ” التزام جميع العاملين في المصرف من أعضاء مجلس إدارة، ومدراء تنفيذيين والموظفين وجميع من لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة مع الزبائن بحفظ السر فيما يتعلق بجميع أعمال أو شؤون الشخصية لعملاء البنك”.[3] وعرف أيضا الفقه الانجليزي السرية المصرفية هي ” عبارة عن الأسرار المودعة لدى المصرف من له مركز أو وضع خاص في النظام القانوني”.[4] بعض الفقه العربي وخصوصاً في مصر، عرف السرية المصرفية بأنها ” ذلك الالتزام الملقى على عاتق المصرف عند ممارسة نشاطه والذي يستفيد منه الأشخاص الذين يتعاملون مع المصرف وهم بالأساس العملاء”.[5] و في هذا الصدد، فقد ذهب جانب اخر من الفقه المصري على رأسها الدكتورة سميحة القليوبي على التأكيد على الطابع الجنائي الذى يجب أن يلحق الجزاء المرتب على عدم كتمان المعلومات التي تتعلق بشؤون العميل؛ من حيث معاملاته المالية التي يصبغ عليها صفة السرية في الاحوال التي يجب عليه (المصرف) فيها الالتزام بالكتمان.[6]

أما على صعيد القضاء، فلم يختلف القضاء الفرنسي كثيرا عن الفقه في تحديده لمفهوم السرية المصرفية، حيث استقرت محكمة النقض الفرنسية في كثير من أحكامها على اشتراط في اعتبار أي واقعة ما سراً؛ أنها يجب أن لا تكون بالأساس من الأمور أو الشؤون المعروفة و المألوفة للكافة، وأن يكون من شأن الاطلاع عليها إعطاء المطلع اطمئنانا أو تأكيد لم يكن لديه من قبل.[7]

من خلال هذه التعريفات المسردة، يستطيع الباحث أن يستنتج أن الفقه السويسري يعتبر أكثر المتشددين بين نظرائه من ناحية الالتزام بالسرية، حيث أن نطاق السرية لا يمتد فقط إلى العاملين في المصارف بل أيضا يشمل كل من لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالعميل، وليس كل ما يتعلق بمعاملاته المالية، بل أيضا فيما يتعلق بالشؤون الشخصية للعميل. بينما الفقه في مصر يؤيد إلحاق الصفة الجنائية فيما يتعلق بالفصح عن المعلومات التي تتعلق بأرصدة و حسابات العملاء في الاحوال التي لا يجيز فيها القانون للمصرف الافشاء.

و من خلال ما سبق، يمكن إعطاء تعريف للسرية المصرفية فهي عبارة عن التزام قانوني (التزام سلبي بالامتناع عن القيام بعمل)يقع على عاتق المصرف، وعلى جميع العاملين في المصرف، والأشخاص الذين يطلعون على معلومات العملاء بحكم وظيفتهم أو مهنتهم بحفظ الأسرار التي تتعلق بأرصدتهم أو حساباتهم المصرفية أو معاملاتهم المالية لعملائهم، و عدم إفشائها للغير، عدا الحالات التي يجيز فيها القانون ذلك.

أولا : توضيح بعض المفاهيم المتشابهة مع السرية المصرفية

بعد التعرض إلى مفهوم السرية المصرفية، يتوجب علينا توضيح اللبس بين السرية المصرفية وغيرها من المفاهيم المتشابهة وهي سرية الحسابات، و السر المهني.[8]

سرية الحسابات
سرية الحسابات هي العملية التي يهدف من خلالها المصرف إلى إخفاء اسم الزبون وراء رقم أو رمز أو اسم مستعار، بحيث تكون هوية صاحب الحساب مجهولة و غير معلومة للغير ( تكون معلومة فقط لمدير المصرف و بعض الموظفين)، ولا تعرف إلا عن طريق ادراج الرمز أو الرقم الخاص الملحق بالحساب. وفي غالب الاحيان يكون المصرف ملتزم بقيد اسم صاحب الحساب في الدفتر، لكن شخصية صاحب الحساب تكون مجهولة أي غير معروفة بالنسبة للغير، حيث يتم وضع رموز أو أرقام معينة أو حتى وضع اسم مستعار حتى يتم التميز بين هذه الحسابات.[9] يتضح لنا مما سبق بيانه، أن سرية الحسابات مفهوم أشد قسوة و صارمة من مفهوم السرية المصرفية؛ و يمكن الاستدلال على ذلك من سلوك بعض الدول مثل سويسرا و لوكسمبورغ التي تبنت مفهوم السرية المصرفية على إطلاقه، و الذى يشمل بين طياته سرية الحسابات. فهذه الدول تتمسك بمفهوم السرية المصرفية حتى لو حصل اشتباه بوجود عمليات غسيل أموال أو تهرب ضريبي لدى الحسابات السرية المودعة لديها.[10]

السر المهني
يقصد بالسر المهني بأنه مجموعة من الأخلاقيات و القيم التي تشكل الإطار العام لكل مهنة. و في كثير من الأحيان، تتأثر المهن بالعادات والتقاليد والقيم والقوانين السائدة لدى المجتمع.[11] فالمصرف هنا بحكم مهنته يطلع على أسرار العملاء المالية، ومن ثم يفرض عليه التزام بكتمان هذه الأسرار بحكم مهنته،[12] حيث تتطلب مقتضيات العمل المهني من الناحية التطبيقية الالتزام بالسرية وعدم إفشاء أسرار العملاء؛ لأنه بدون هذا الالتزام كل هذه العلاقات بين أصحاب المهن والعملاء مهددة بالانتهاء.

و على نحو متصل، تتشابه السرية المصرفية مع السرية المهنية في أن كلاهما عنصر جوهري لا يمكن الاستغناء عنه، و أن بدون السرية لا يمكن الحديث عن وجود علاقة بين هؤلاء الأطراف، ولذلك لا يتوقع من المحامي الكشف عن أسرار موكله للغير أو الطبيب بالبوح بأسرار مريضه أو الموظف بالكشف عن أسرار رب عمله للغير، وكذلك بالنسبة للعميل مع المصرف فلا يتوقع العميل أن يقوم المصرف بالإفصاح عن معلومات تتعلق بأرصدته أو حسابه المصرفي أو معاملاته المالية للغير.

و من ناحية، تختلف السرية المهنية، عن السرية المصرفة من حيث مصدر التزام كل منهما، و الهدف الذى تسعى إليه كل منهما. في حين أن مصدر اللاحق هو قانون المصارف في المواد ( 95-96)، أما فيما يتعلق بالسرية المهنية تجد أساسها في الأحكام العامة المنظمة لقانون العقوبات عموما، و بعض القوانين الأخرى مثل قانون العمل و قانون المسؤولية الطبية. و من ناحية أخرى، يختلفان من حيث الغاية، فبنسبه للسرية المصرفية هدفها حماية المصلحة العامة المتمثلة في دعم الاقتصاد الوطني، من خلال تقوية الائتمان العام لدى المصارف، علاوة على تعزيز الثقة مع العملاء، مما يسهم في جذب رؤوس الأموال الاجنبية، مما يؤدى في النهاية على الدفع بعجلة النمو الاقتصادية في البلاد. أما بالنسبة للسرية المهنية، فالمصلحة التي تحميها هي مصلحة خاصة متعلقة بالشخص على اعتبار أن إفشائها يمكن تصنيفه على أنه اعتداء على الحقوق اللصيقة بشخص الإنسان.[13]

و من نافلة القول، تجدر الإشارة في هذا الإطار إلي أنه وعلى الرغم من الصلة التي تربط السرية المهنية بالسرية المصرفية، إلا أن السرية المصرفية استقلت عن السرية المهنية، و مع مرور الزمن تحولت تبلورت التزام قانوني وذلك من خلال أحكام خاصة نظمت السرية المصرفية. وفي هذا السياق تعرضت العديد من القوانين الليبية للسرية المهنية منها؛ قانون المسؤولية الطبية، فيما يتعلق بعلاقة الطبيب بالمريض من ناحية التزام الطبيب بعدم إفشاء أسرار مريضه، إلا للجهات القضائية وفقا للقانون[14]، و أيضا قانون علاقات العمل فيما يتعلق بالتزام العامل بعدم إفشاء أسرار رب العمل.[15]

و تجدر الإشارة هنا أن المشرع الليبي اعتبر افشاء أسرار الوظيفة، دون تخصيص جريمة يعاقب عليها القانون وفقا لنص المادة (236) من قانون العقوبات الليبي ” يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر كل من موظف عمومي يخل بواجبات وظيفته أو يسيء استعمالها بأن يفشي معلومات رسمية يلزم بقاؤها سرية، أو يسهل بأي طريقة كانت الوصول إلى الإفشاء بها.”[16]

ثانيا : نشأة السرية المصرفية

ترجع نشأة السرية المصرفية إلى القضية المشهورة في القضاء الإنجليزي عام 1924 Tournier v National Provincial & Union Bank of England[17]كان السيد (توينر)عميل لدى البنك الاتحاد الوطني البريطاني، حيث تحصل على قرض من البنك، وبعد ذلك قام مدير فرع البنك بإبلاغ الموظف التابع له بالاتصال بالسيد (توينر) لأجل معرفة عنوانه لأنه أصبح غير قادر على تسديد دفعات القرض في المواعيد المحددة، السيد (تونير) لم يكن لديه عنوان محدد، حيث أنه أتخذ من مكان عمله كعنوان له، وبناء على ذلك تم الاتصال بمدير عمله (رب العمل) وإعلامه بأن السيد (توينر) عليه التزامات مع البنك وقد أخل بها، وكان سبب عجزه عن دفع المبالغ المستحقة عليه من القرض، بأنه كان يلعب القمار، علماً بأن لعب القمار تعتبر في ذلك الوقت يعتبر جريمة وفقاً للقانون الانجليزي .

بناء على هذه المعلومات لم يتم تجديد عقد السيد (تونير) مع رب عمله ومن ثم فقد وظيفته. وعلى إثر ذلك قام السيد (تونير) بمقاضاة البنك؛ لأنه قد أفشى معلومات سرية كان ينبغي أن لا تفشى، ومن ثم قضت المحكمة بأن البنك قد أخل بالتزامه القانوني المتولد عن العلاقة التعاقدية بين الطرفين بإفشاء المعلومات السرية التي تتعلق بحسابه ووضعه المالي.

رغم أن البنك قدم استئناف للحكم لكن المحكمة العليا رفضت الاستئناف وأيدت الحكم السابق، حيث جاء في حيثياته أن الالتزام البنك بالسرية هو التزام قانوني مستمد من العلاقة التعاقدية بين البنك السيد (تونير) وأنه ليس التزام أخلاقي، حيث أن البنك قد أخل بالتزامه تجاه العميل مما سبب له ضرر المتمثل في فقده لوظيفته، فيستوجب أن يتحصل العميل على تعويض مناسب عن كل الأضرار التي لحقت به.

المحكمة العليا (House of Lords ) في انجلترا ضمنت في حكمها أيضا المدة التي يجب أن يسري عليها هذا الالتزام، حيث قالت أن التزام البنك بالسرية يسري من اللحظة التي يدخل فيها العميل في علاقة تعاقدية مع البنك، أي بمعني آخر عندما يفتح العميل حساب مع البنك، وأن هذا الالتزام يسري حتى بعد نهاية العقد الموقع بين الطرفين أي بعد إغلاق العميل لحسابه مع البنك. مع ذلك المحكمة لم تترك هذا المبدأ من دون قيود، حيث قيدت هذا المبدأ بأربع استثناءات.[18]

المطلب الثاني: الأساس القانوني للسرية المصرفية

لأجل تحديد الأساس القانوني للسرية المصرفية، يتوجب علينا تحديد ما المقصود بكل من المصرف و العميل ( أولا) و من، ثم تحديد الطبيعة القانونية للعلاقة بين المصرف والعميل (ثانيا)،ومن ثم توضيح بشيء من التفصيل الأساس القانوني الذى تبني عليه السرية المصرفية ( ثالثا).

أولا : تعريف كل من المصرف و العميل

المصرف
من خلال الاطلاع على قانون المصارف تبين أن المشرع الليبي لم يعرف المصرف، بالمقابل حدد الأنشطة التي يجب على المصارف الاضطلاع بها لاكتساب الوصف القانوني للمصرف. حددت المادة (65) الوظائف أو المهام التي تقوم بها المصارف التجارية، حيث نصت يعتبر مصرفا تجاريا كل شركة تقوم بصفة معتادة بقبول الودائع في حسابات جارية تدفع عند الطلب ، أو حسابات لآجل ومنح قروض و تسهيلات الائتمانية، و غير ذلك من أعمال الصرافة . و في نفس السياق، حددت الفقرة الثانية من نفس المادة الأعمال و الأنشطة التي تضطلع بها المصارف التجارية. و على نحو متصل حددت المادة (67) من نفس قانون بقولها،عدا مكاتب الصرافة يشترط في جميع المصارف الخاضعة تحت رقابية مصرف ليبيا المركزي أن تؤسس في شكل شركة مساهمة ليبية. [19]

و تجدر الإشارة في هذا الصدد، على أهمية التفرقة بين كل من المصرف و المؤسسة المالية لإزالة اللبس بينهما هل هما مصطلحان مترادفان، أو يوجد فارق كبير بينهما ؟. في الواقع، أن المؤسسة المالية هي التي تضطلع بكافة الأنشطة و الأعمال المصرفية عدا تلقي الأموال و إيداعها بالنسبة للعامة ( الجمهور)، و وضعها تحت الطلب لهم. بالمقابل، المصرف يقوم بكافة الأنشطة و الأعمال المصرفية، علاوة على تلقي الأموال و إيداعها و وضعها تحت الطلب للجمهور. و بهذا يمكن القول بأن كل مصرف هو مؤسسة مالية، ولكن ليس كل مؤسسة مالية يمكن أن تكون مصرف.

العميل
لم يعرف أيضا المشرع الليبي العميل في قانون المصارف. و بالمقابل تم تعريفة في القرار ( المنشور) رقم (7) لسنة 2012 الصادر من مدير إدارة النقد بمصرف ليبيا المركزي فيما يتعلق بسياسة مكافحة الاموال و تمويل الإرهاب و العناية الواجبة تجاه العملاء، في المادة (1/ 4) “هو الشخص الطبيعي أو الاعتباري الذى يقوم المصرف بفتح حساب باسمه، أو تقديم خدمة له.”

يفهم من هذا التعريف، تبني المشرع الليبي المفهوم الواسع في منح الوصف القانوني “للعميل”، ليشمل ليس فقط من الذين يتعاملون بشكل مباشر مع المصرف ( لديهم حسابات لدى المصرف)، بل يسرى على كل من يتعامل مع المصرف حتى و لو بطريقة غير مباشرة من خلال شراء المنتجات و الحصول على استشارات أو نصائح استثمارية ، أو تحصل على خدمة من المصرف و لو بشكل عرضي، بحيث لم تتجه إرادته لكى يصبح عميل لدى المصرف.

ثانيا : الطبيعة القانونية للعلاقة بين المصرف و العميل

اختلاف الفقهاء في تحديد الطبيعة القانونية لعلاقة المصرف بالعميل إلي عدة اتجاهات و مذاهب :

يرى اتجاه من الفقه، بأن العلاقة بين المصرف و العميل هي بالأساس علاقة تعاقدية قائمة بناء على العقد المبرم بين المصرف و العميل. فتكيف هذه العلاقة على أنها علاقة مديونية بين دائن ( العميل) و المدين ( المصرف). و يبدأ نطاق سريان هذه العلاقة من اللحظة التي يصبح فيها دائنا للمصرف، و ذلك يتحقق بممارسة عمل مادى، ألا و هو ايداع مبالغ نقدية في الحساب الجاري للعميل لدى المصرف و الذى يعتبر “العنصر الحاسم” في تأسيس العلاقة.[20]فبناء على هذه العلاقة، تتولد حقوق و التزامات في مواجهة الاطراف المتعاقدة؛ فيصبح المصرف مالكا لهذه الأموال بمجرد إيداعها في الحساب الجاري للعميل و يتعهد بتسديدها إليه لدى الطلب، و بالمقابل، يستحق العميل هذه الأموال لدى الطلب و ذلك عن طريق خصم صكوك على المصرف.

يرى فريق اخر، بأن الطبيعة القانونية للعلاقة بين المصرف ( المودع لديه) و العميل (المودع) هي عبارة عن عقد وديعة، بموجب ذلك يودع العميل المبلغ في حسابه المصرفي، و يستحق هذا المال المودع إما لدى الطلب أو لدى الاطلاع ،أو لأجل يتم تحديده بناء على اتفاق أطراف التعاقد. [21]

يرى جانب اخر من الفقه، بان الطبيعة القانونية لعلاقة المصرف بالعميل هي نفس العلاقة التي تجمع بين الأصيل ( موكل) و الوكيل(المصرف). و في هذا الصدد يعرف الوكيل بأنه الشخص الذي يقوم بعمل قانوني لحساب الأصيل، بناء على السلطة الممنوحة إليه بموجب عقد الوكالة سواء كانت صريحة أو ضمنية. ففي هذا السياق المصرف ( الوكيل) يقوم بالنيابة عن العميل ( الأصيل) بخصم الصكوك و الاوراق التجارية، و شراء الاوراق المالية، و القيام بتسديد جميع المبالغ و الاقساط المستحقة لدى العميل. علاوة على ذلك، يلتزم المصرف بتعليمات العميل، ولا يستطيع مخالفتها بأي حال من الأحوال. بناء على ذلك، يمكن الحاق صفة الوكيل للمصرف باعتباره يقوم بجميع الخدمات المالية المتعلقة بحساب العميل و شؤونه، بالنيابة عن العميل ( الأصيل) في مقابل أجر.[22]

يرى بعض الفقه، أن الطبيعة القانونية للعلاقة بين المصرف والعميل هي ذات العلاقة بين الوصي و المستفيد بموجبها يملك الوصي ( المصرف) ممتلكات المستفيد ( العميل) ، والربح الناشئ من هذا المنقول ينتمي إلى المستفيد. إذا قام العميل بإيداع الأوراق المالية أو الأشياء الثمينة لدى المصرفي لإجراء الحجز الآمن ، يصبح مصرفيًا أمينًا على هذه المنقولات. فالملكية هنا تبقي للمستفيد. [23]

و بناء على ما تقدم، ووفقا لمنظرنا الخاص نرى أن الطبيعة العلاقة القانونية بين المصرف و العميل هي علاقة تعاقدية؛ قد تكون صريحة عن طريق القيام العميل بعمل مادي ألا و هو فتح حساب لدى المصرف ،أو قد تكون ضمنية، عندما يشترى العميل من المصرف بعض المنتجات التي يقدمها المصرف، و بالمقابل لا يكون لديه حساب لدى المصرف. و عندما تؤسس هذه العلاقة يصبح العميل في المركز القانوني (الدائن) و المصرف في المركز القانوني (المدين)، و بموجب ذلك تنتقل ملكية الاموال المودعة لدى المصرف بمجرد إيداعها، و يستخدم المصرف هذه الاموال في المعاملات المصرفية اليومية التي يقوم بها من خلال إعادة إقراضها و استثمارها. وبالمقابل، يتعهد المصرف بتقديم الأموال المودعة لديه لدى الطلب. و تبعاً لذلك، تتأسس العلاقة بين المصرف و العميل و بموجبها تتولد حقوق و التزامات في مواجهة كل من الطرفين.

ثالثا : الأساس القانوني للسرية المصرفية

اختلفت آراء الفقهاء القانونيين في تحديد الأساس القانوني للسرية المصرفية، حيث نتج عن ذلك اقتراح العديد من النظريات التي يمكن ان تصلح لأن تكون الأساس القانوني للسرية المصرفية؛ والتي من أهمها: النظرية العقدية، الالتزام القانوني، نظرية المصلحة العامة، مبادئ وقواعد حماية الخصوصية.

1- النظرية العقدية

من الممكن تكييف الأساس القانوني للسرية المصرفية بناء على العلاقة التعاقدية التي بموجبها يدخل العميل مع المصرف في علاقة تعاقدية صرفة، حيث أن هذه العلاقة قد تأخذ أشكال مختلفة ففي بعض الأحيان يتم النص صراحة على هذا الالتزام في العقد، وفي أحيان أخرى يفهم ذلك ضمناً من بنود العقد. ولكن وفي غالب الأحيان العقود التي يبرمها المصرف مع عملائه هي عقود إذعان.[24]

تقوم العقود علي مبدأ مهم و جوهري ألا وهو مبدأ حرية التعاقد،[25] بموجب هذا المبدأ يكون أطراف العلاقة التعاقدية لهم الحرية المطلقة أن يضمنوا ما يشاؤون في العقد، بشرط عدم مخالفة هذا العقد النظام العام و الآداب. ففي هذه الحالة يكون بمقدور العميل التفاوض مع المصرف على تضمين شرط الالتزام بالسرية المصرفية قبل توقيعه العقد مع المصرف. وفي هذا الإطار نستطيع أن نستنتج أن الحرية التعاقدية لا تعدو كونها نظرية فقط، إذ أنه من الناحية العملية نجد مبدأ الحرية في التعاقد يضمحل و يندثر خصوصاً في العلاقة التعاقدية بين المصرف والعميل، حيث أغلب المصارف تلجأ إلى عقود الإذعان حيث لا تعطي للعميل أي مجال للمفاوضة على شروط وبنود العقد، بل أيضا لا تعطي له أي مجال لمناقشة بنود العقد، ومن ثم يكون العميل مجبر على خيارين، إما بالموافقة على كامل بنود العقد أو رفضها. بمعنى آخر أنه في هذه الحالة لا تتساوى المراكز القانونية والاقتصادية للمتعاقدين، وبهذه الطريقة يستطيع المصرف التنصل من المسؤولية من خلال عدم النص على الالتزام بالسرية المصرفية أو النص عليها ولكن يضمن بند بتخفيف المسؤولية أو إعفائه من أي مسؤولية.[26]

وبناء على ما تقدم، نستنتج أنه بسب لجوء أغلب المصارف إلى عقود الإذعان يتضح لنا أن النص على هذا الالتزام (بشكل صريح ) يعتبر نادرا. غير أنه في بعض الأحيان لا يتم النص عليه صراحة، حيث يفهم ضمنياً من بنود العقد، وأيضا من الواقع العملي وموضوع العقد. هذا ما أكدته محكمة الاستئناف البريطانية في قضية Tournier v National Provincial & Union Bank of England[27]

حيث قضت المحكمة أن التزام بنك الاتحاد الوطني البريطاني بالسرية هو التزام قانوني ناتج عن العلاقة التعاقدية بين الأطراف، وعلى الرغم من عدم النص صراحة في العقد الذي وقع بين الأطراف إلا أن هذا الالتزام يفهم ضمناً من خلال الواقع العملي( التطبيق العملي لهذه الوظيفة)، حيث بدون هذا الالتزام لا يتصور أن تكون هذه العلاقة قد وجدت أصلاً.[28]

وفي هذا الصدد، نجد أنه ما يعاب على النظرية العقدية بأنها نظرية محدودة. بمعنى آخر، أنه ينحصر نطاق تطبيقها في حالة وجود علاقة تعاقدية بين المصرف والعميل. لكن السؤال الذي يثور هنا في حالة عدم وجود عقد بين المصرف والعميل و كانت هناك مفاوضات جارية بين الطرفيين ولكن في النهاية لم تترجم إلى مرحلة إبرام العقد، بناء على هذه المفاوضات قد يكون المصرف تحصل على معلومات تتعلق بالعميل المحتمل، وبعد مدة قصيرة المصرف قد أفشى هذه المعلومات، في هذه الحالة لا يستطيع أن يقاضى المصرف على أساس المسؤولية العقدية، وذلك لعدم وجود العقد، ولكن يستطيع بناء على أحكام المسؤولية التقصيرية وفقا للقواعد العامة الواردة في القانون المدني.

2- المسؤولية التقصيرية (الواجب قانوني)

بناء على ما سبق بيانه وشرحه لاحظنا بعض الارهاصات التي تعتري العلاقة التعاقدية كأساس للسرية المصرفية، وذلك بسبب الصعوبات من الناحية العملية المتعلقة بتضمين بند السرية المصرفية في العلاقة التعاقدية، مما يكفل للعميل الحفاظ على حقوقه في حالة انتهاكها من قبل المصرف، حيث وجدنا أن المصرف لا يدخل في مفاوضات مع العميل، أبعد من ذلك ان الاخير يملي عليه شروطه عن طريق ما يسمى بعقد الإذعان. علاوة على ذلك قد لا يحدد العميل مع المصرف الخطوط العريضة للسرية المصرفية) في حالة عدم وجود عقد)، و أيضا في حالة نهاية العقد بين الطرفين، حيث لا يستطيع العميل الاستناد إلى العلاقة التعاقدية. بناء علي ذلك، يمكن للعميل الالتجاء في هذه الحالة إلى القواعد العامة التي تنظم المسؤولية التقصيرية( الفعل الضار)، حيث تحل هذه القواعد محل العقد كأساس قانوني للعلاقة بين الطرفين.

بناء علي ما سبق، يمكن القول أن التزام المصرف بالسرية هو التزام قانوني أي أن مصدره هو القانون، حيث تنص المادة 166 من القانون المدني الليبي” كل من ارتكب خطأ سبب ضرر لغير يلزم مرتكبه بالتعويض”.[29]ففي حالة أن المصرف قد أفشى أسرار عميله، يستطيع هذا الأخير الاستناد على أحكام المادة 166 من القانون المدني الليبي لأجل مقاضاة المصرف، لأنه قد أفشي واجب قانوني يمنع عليه كشفه أو البوح به للآخرين، في ما عدا الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك.

نظرية المصلحة العامة
يري فريق آخر، بأنه يمكن تكييف الأساس القانوني للسرية المصرفية على أساس حماية المصلحة العامة على وجه العموم، و حماية المصالح الاقتصادية للدولة على وجه الخصوص، فمن خلال توفير ضمانات كافية للعملاء عن طريق سن تشريعات تحمي مصالحهم الخاصة التي من أهمها عدم إفشاء أسرارهم ومعاملاتهم المالية.[30]و أيضا عمدت كثير من الدول على تأسيس أحكام السرية المصرفية لأجل توفير مناخ اقتصادي ملائم، الأمر الذى يشجع أصحاب رؤوس الأموال الضخمة المتمثلة في المستثمرين الأجانب والمحليين من إيداع أموالهم لدى المصارف المحلية، حيث من خلال القيام بذلك؛ تضمن الدولة أيضا عدم خروج رؤوس الأموال المحلية، مما ينتج عنه توفير سيولة كافية لتمويل كافة المشاريع التجارية، السكنية والتنموية، مما يؤدي في النهاية إلي المساهمة بالدفع بعجلة النمو الاقتصادي للدولة.

من ناحية أخرى أن احتفاظ المصارف بالسرية ليس فقط له تأثير ايجابي من الناحية الاقتصادية، بل أيضا من الناحية الاجتماعية، حيث أن الاحتفاظ بالأسرار المصرفية يعود بالنفع ليس فقط على العملاء بل على المجتمع ككل؛ طالما أن هذا الاتفاق قد تم تحديده باتفاق جميع أفراد المجتمع عن طريق ممثليهم في السلطة التشريعية، بل أيضا تعتبر السرية المهنية ككل من الأسباب الجوهرية التي تساهم في المحافظة علي النظام العام.

نظرية مبادئ و قواعد حماية الخصوصية ( الحياة الخاصة )
بعض من الفقه يرجح الاتجاه القائل بأن أساس الالتزام بالسرية هو التزام ليس جديد على الاطلاق، بل هو التزام قديم جديد على اعتبار أنه يحمى الخصوصية. أي بمعنى أن هذا الالتزام ولد وترعرع في ظل المبادئ الدستورية والمواثيق الدولية باعتباره جزء لا يتجزأ من خصوصية الفرد، و على اعتبار أن الذمة المالية تشكل جزء مهم من مفهوم حماية الخصوصية. و من المعلوم، أن حق الفرد في حماية حياته الخاصة مكفول على اعتبار أنه يصنف من الحقوق الشخصية اللصيقة بالإنسان فهو محمى على ليس فقط المستوى الدولي بل أيضا على الصعيد المحلي. فبالنسبة لليبيا فإن الإعلان الدستوري الصادر سنة (2011) نص في المادة (12) على أن” لحياة المُواطنين الخاصة حُرمة يحميها القانون، ولا يجوز للدولة التجسس عليها، إلا بإذن قضائي وفقاً لأحكام القانون”.[31]

أما على الصعيد الدولي، فقد تعرضت العديد من الإعلانات و المواثيق الدولية على خصوصية و أهمية حماية هذا الحق؛ و من أهم هذه الاعلانات و المواثيق ما نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في سنة1948 في المادة (12) على أنه” لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة، أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته ولا لحملات تمس شرفه وسمعته، ولكل شخص حق في أن يحميه القانون من مثل ذلك التدخل أو تلك الحملات”.[32]

إذاً، يفهم من المواد آنفة الذكر أنها تحمي الخصوصية بما لا يسمح للغير بالاطلاع خلسة على ما قد يرغب الآخرون في إخفائه عن الناس من أسرار شخصية لا تخص أحد سواهم، كما تلزم المادة الدول بضرورة توفير الحماية القانونية اللازمة لذلك.

وبناء على ما تقدم، فإن الحق في السرية و الحياة الخاصة يعتبر مظهر من مظاهر الحرية الشخصية المشمولة بالحماية، فاحترام خصوصية المركز المالي، و الملكية الخاصة للأشخاص يعد مظهرا من مظاهر الحماية؛ و أي اعتداء يقع عليها يعد اخلالا بهذا الحق يستوجب التعويض المضرور عن ذلك. و حق الخصوصية محميي على ليس فقط على المستوى الدولي، بل أيضا على الصعيد المحلي ( دستوريا)، ويعد حق من الحقوق الأساسية اللصيقة بشخص الانسان التي لا يجوز انتهاكها، حيث من هذه الحقوق تولد هذا الالتزام، و تبلور بعد ذلك حتى وصل إلي مرحلة النضج و استقل كمفهوم بذاته.

و من نافلة القول، يمكن الاشارة إلي أن الأساس القانوني للسرية المصرفية هو أساس مشترك مبني على العقد والقانون. فمن ناحية العلاقة التعاقدية بين المصرف والعميل يكون هنا بند السرية من ضمن بنود العقد حيث يفهم ذلك إما صراحة أو ضمنا. وقد رأينا خصوصية العقود التي يتم إبرامها مع العملاء تأخذ شكل عقود الإذعان وعلى الرغم من ذلك نجد أن المادة (153/2) من القانون المدني الليبي منحت للقاضي السلطة في تعديل بنود العقد وإعادة التوازن، وهذا يعتبر اختصاص استثنائي من اختصاص القاضي في تفسير العقد. علاوة على ذلك، يشارك القانون(المسؤولية التقصيرية) كأساس للسرية المصرفية، حينما لا يوجد عقد بين المصرف والعميل أو زوال العقد الذي يربطهم، أو في حالة إفشاء الأسرار في مرحلة المفاوضات بين الأطراف، تدخل هنا أحكام المسؤولية التقصيرية حيز التنفيذ لتشكل الأساس القانوني للسرية المصرفية.

بالمقابل، فيما يتعلق بكل من نظرية المصلحة العامة، و نظرية مبادئ و قواعد حماية الخصوصية ( الحياة الخاصة )، على الرغم من أهميتهما في إثراء مفهوم السرية المصرفية من حيث أساسها القانوني، إلا أنهما من الناحية التطبيقية يصعب اعتبارهما أنهما يشكلان أساس قانوني للسرية المصرفية. فبالنسبة لنظرية المصلحة العامة لا يمكن الاستناد عليها كأساس قانوني للسرية المصرفية و يمكن ارجاع ذلك لعدة أسباب؛ و الي من أهمها أنها أخدت بعين الاعتبار الجانب الاقتصادي للسر المصرفي، المتمثل في تحقيق مصالح ومكاسب اقتصادية للدولة، وبالمقابل أهملت بشكل واضح الجانب القانوني. أما فيما يتعلق قواعد حماية الخصوصية قد تصلح كأساس للسرية المصرفية، و لكن بظهور مفهومي الرابطة العقدية و القانون فقدت أهميتها.

المبحث الثاني: الالتزام بالسرية المصرفية في التشريع الليبي

و لأجل الإحاطة بمجال نطاق السرية المصرفية وفقا لقانون المصارف، يقتضي علينا أن نحدد نطاق سريان هذه السرية من حيث كل من الموضوع، الأطراف ذوى العلاقة الذين يسرى عليهم واجب الكتمان، و بعد ذلك التطرق الاستثناءات الواردة على الالتزام بالسرية.

ومن خلال هذا المبحث سنتناول نطاق تطبيق السرية المصرفية من حيث الموضوع، و الأشخاص(المطلب الأول)، ومن ثم ننتقل بالحديث عن المسؤولية المدنية للمصرف في حالة انتهاك السرية المصرفية ( المطب الثاني).

المطلب الأول : نطاق تطبيق السرية المصرفية

لأجل تحديد نطاق السرية المصرفية يتوجب علينا التطرق للإطار الموضوعي لها( أولا)، وكذلك تحديد الأشخاص الذين يسري عليهم نطاق تطبيق السرية المصرفية،( ثانيا) وأخيراً التطرق إلي الاستثناءات الواردة على هذا الالتزام.

أولا : الاطار الموضوعي للسرية المصرفية

يشمل الإطار الموضوعي للسرية المصرية تحديد نطاق المعلومات المشمولة بالسرية، و التي تنقسم إلي حسابات الزبائن و أرصدتهم، و كافة عملياتهم المصرفية.

المعلومات المشمولة بالسرية
لم يعرف المشرع الليبي المعلومات السرية التي يجب أن تكون مشمولة بالحماية، ولكن بالمقابل حدد الأشياء المشمولة بالسرية في المادة (94)من القانون المصارف “ على المصارف الاحتفاظ بسرية حسابات زبائنها وأرصدتهم، و كافة عملياتهم المصرفية، ولا يجوز أن تسمح بالاطلاع عليها أو الكشف أو إعطاء بيانات عنها للغير، إلا بإذن كتابي من صاحب الحساب أو من جهة قضائية مختصة.“[33]يفهم من هذا النص أن الأشياء المشمولة بالحماية القانونية هي في الآتي :

حسابات زبائنها و أرصدتهم
تعتبر بموجب أحكام هذا القانون حسابات الزبائن وأرصدتهم سواء كانت حسابات جارية أو ودائع بكافة أنواعها أو دفاتر توفير من الأشياء المشمولة بالحماية القانونية، حيث يمكن التمييز بين نوعين من الزبائن الأشخاص العاديين أو التجار، والشركات التجارية والمؤسسات المالية.[34] حيث تشمل ذلك جميع الأموال المودعة في حساباتهم وأرصدتهم، من ثم لا يجوز للمصرف إفشاء أي معلومات تتعلق بحسابات العملاء و أرصدتهم للغير، وفي حالة حدوث ذلك فإن المصرف يعتبر قد أخل بالتزامه تجاه العميل، ومن ثم يكون من حق هذا الأخير مقاضاة المصرف بناء على اخلال بهذا الالتزام وعدم المحافظة على سرية حسابات الزبائن و أرصدتهم الخاصة.

كافة عملياتهم المصرفية
نطاق الحماية القانونية لا يشمل فقط حسابات الزبائن وأرصدتهم، بل أيضا يشمل كافة العمليات المصرفية التي يقوم بها العملاء، و على الرغم من عدم تعريف وتوضيح المشرع الليبي للعمليات المصرفية. وفي هذا السياق يمكن تعريفها بأنها ” كل العمليات المصرفية التي يقوم بها العميل والتي تشمل كافة المراسلات التي تكون ما بين المصرف والعميل والمتعلقة بتحويل الأموال أو توديعها أو استلامها أو فيما يتعلق بمركز المالي للعميل، و مركزه الائتماني(ميزانيته، حجم مديونيته، و حجم رأس ماله، تأجير الخزائن، وجميع القروض والتسهيلات المصرفية، و أيضا التأمينات المترتبة عليها سواء كانت تأمينات شخصية أو تأمينات عينية ).[35] وإضافة إلى جميع العمليات المتعلقة بوضع حسابه وتدفقات النقدية إلى حسابه كل هذه المعاملات مشمولة بالحماية القانونية.[36]

و لكن ماذا عن المعاملات المصرفية التي يتم إبرامها عبر الإنترنت، فيما يتعلق بحسابات العميل و شؤونه المالية، هل هي مشمولة بالسرية بنطاق الحظر يمتد سريان الحظر عليها أو لا ؟ و ماذا أيضا عن المسؤولية الناتجة عن انتهاك ذلك؟. المشرع الليبي لم يتطرق إلي ذلك على الاطلاق في قانون المصارف لهذا الأمر، حيث أنه لم يواكب على الاطلاق التطورات المعلوماتية و التكنلوجيا الحاصلة في الحقل المعاملات المصرفية التي تتم عن طريق شبكة المعلومات الدولية، مما ترتب عليه عدم التطرق لعلاقة المصرف بالعميل الناشئة عن إبرام العقود الالكترونية، ولم يعالج التزام بالسرية الذى يتولد عن هذه العلاقة.[37]

و على نحو متصل، تقتضي الطبيعة الائتمانية للمصرف أن يلتزم المحافظة على سرية جميع المعلومات المتعلقة بحساب العميل وشؤونه، و يمتد ذلك ليشمل كافة المعلومات التي يملكها البنك عن العميل والتي قد تتضمن المعلومات المتعلقة بنشاط العميل، وتفاصيله الشخصية، وتفاصيل تاريخه المصرفي، وتفاصيل صفقاته الخاصة به.[38]

علي الرغم من أن المادة(94) وفرت الحماية القانونية فيما يتعلق بعدم إفشاء أو الكشف عن هذه المعلومات المصرفية للغير والتي لها صلة بحسابات الزبائن وأرصدتهم، وأيضا كافة العمليات المصرفية إلا أنها أجازت الافصاح عن هذه المعلومات في حالتيوجود إذن كتابي من صاحب الحساب، أو بناء على طلب الجهات القضائية المختصة.

وما يميز المشرع الليبي في هذا السياق هو تحديده للإطار الموضوعي للسرية المصرفية. ولكن ما يأخذ عليه هو أنه لم يحدد مدة السرية المصرفية أي بمعنى متى تبدأ و متى تنتهي، هل تبدأ من خلال شراء أي خدمة أو منتج من المصرف، أو من خلال توقيع العقد، أو من خلال فتح حساب مع المصرف ؟. وهل لها مدة معينة تنتهي بانتهاء العلاقة التعاقدية مع العميل، أو تستمر أبعد من ذلك ؟. أمترك للمصارف حرية تضمين المدة في العقد أو عدم تضمينها. وفي ظل سكوت المشرع عن ذلك وأيضا ندرة الأحكام القضائية التي تتعلق بالسرية المصرفية، نقترح بأن يتم تحديد المدة التي يلتزم بها المصرف بالسرية من لحظة إبرام عقد مع العميل. فمنذ دخول العميل في علاقة تعاقدية مع المصرف وذلك بقيامه بفعل مادي بفتح حساب بالمصرف ويسري هذا الالتزام ليس فقط إلى نهاية العقد، بل أيضا بعد إغلاق العميل حسابه المصرفي بمدة معينة.

ثانيا : نطاق سريان السرية المصرفية من حيث الأشخاص

من المعلوم أن أطراف العلاقة هما المصرف(الطرف الأول) و العميل(الطرف الثاني)، وبما أن الطرف الأول يأخذ الشكل القانوني للشخص المعنوي، أو بالأحرى الشكل القانوني لشركة المساهمة أي أنه غير قادر على مباشرة التصرفات القانونية بنفسه، فلابد من أشخاص يمثلوا المصرف في معاملاته تجاه الغير وهم العاملون في المصرف والذين من ضمنهم رئيس مجلس الإدارة والمدير العام و الموظفين العاديين.

وفي هذا السياق، حددت المادة(95)الفئات المشمولة بالسرية حيث ذكرت بأنه “يحظر على رؤساء وأعضاء مجالس الإدارة ومديري المصارف والعاملين بها إعطاء أو كشف أي معلومات أو بيانات عن زبائن المصرف أو حساباتهم أو أرصدتهم أو تمكين الغير من الاطلاع عليها في غير الحالات المرخص بها بمقتضى أحكام هذا القانون. ويسرى هذا الحظر على كل من يطلع، بحكم مهنته أو وظيفته أو عمله، بطريق مباشر أو غير مباشر، على البيانات والمعلومات المشار إليها .“[39]

بناء على هذه المادة نجد بأنها حددت الأشخاص الذين يسرى عليهم هذا الحظر وهم :

رؤساء و أعضاء مجلس الإدارة و مديري المصارف
من الملاحظ أن هذا النص حدد نطاق الحظر للأشخاص الذين لهم علاقة بإدارة المصرف سواء كانوا رؤساء مجلس الإدارة أو أعضاء مجلس إدارة أو مدراء عاميين، حيث يلاحظ أن المشرع قد بدأ في الحظر من أعلى الهرم ثم استمر إلى الفئات الأخرى. ولكن هل ينطبق هذا الحظر على أعضاء مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي والمحافظ و نائبه أم لا؟. و أيضا هل يسري هذا الحظر على مدراء وأعضاء إدارة المصارف التجارية فقط، أم يشمل جميع المؤسسات المالية بما فيها المصارف المتخصصة الخاضعة لإشراف ورقابة مصرف ليبيا المركزي؟. نلاحظ هنا؛ عدم وضوح النص وغموضه مما قد يسبب بعض المشاكل القانونية التي يترتب عليها إعفاء بعض الأشخاص العاملين بالمصرف ليبيا المركزي وبعض المؤسسات المالية التي تأخذ شكل المصرف من المسؤولية.

العاملون بالمصرف
حددت المادة (95) الفئة الثانية وهم العاملون في المصارف، حيث أنها لم تتطرق إلى تعريف واضح للعاملين في المصارف، و لكن يفهم من عموم النص أن مفهوم العاملين في المصارف يشمل جميع الأشخاص العاملين في المصارف الليبية الخاضعة لإشراف ورقابة مصرف ليبيا المركزي بموجب أحكام قانون المصارف. و من الملاحظ هنا أن المشرع الليبي قد سلك نهج التوسع في تحديد الفئات العاملة بالمصرف، بمعنى أنه لا يقصد بسريان الحظر على كافة العاملون في المصارف فقط، بل أيضا كل الأشخاص الآخرين غير العاملين بالمصارف، بشرط أن يكونوا هؤلاء قد خولت لهم صفتهم أو وظيفتهم بالاطلاع على هذه المعلومات السرية للزبائن مثل : الجهات القضائية، والمراجعين الماليين، والمراجعين الحسابات، والمراجعين القانونيين، وموظفين التفتيش وغيرهم.

ولكن هناك تساءل يثور حول فئة العاملين في المصارف هل يشمل أيضا المساهمين في المصارف باعتبارهم يملكون أسهم في المصرف، الرأي الراجح في هذه المسالة أن الحظر يشمل هؤلاء المساهمين فهم من ضمن العاملين بالمصارف، على اعتبار أنهم سيطلعون على بعض المعلومات أثناء تأدية أعمالهم المنوطة لهم( ممارسة حقوقهم) سواء علموا بها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.[40] ولكن هل يسرى نطاق هذا الحظر حتى على العاملين في مصرف ليبيا المركزي أو فقط العاملين في المصارف الخاضعة تحت إشراف ورقابة المصرف المركزي، حيث أن النص هنا لم يوضح ذلك و ترك الباب مفتوحاً أمام الفقه والقضاء.

ثالثا : الاستثناءات الواردة علي الالتزام بالسرية

نصت المادة (94) والمادة (96) على الاستثناءات الواردة على الالتزام بالسرية المصرفية، حيث جاءت على سبيل الحصر وهي كالتالي :

في حالة وجود أذن كتابي من صاحب الحساب أو من جهة قضائية مختصة
بموجب العلاقة التعاقدية يحق للعميل الاطلاع والحصول على جميع المعلومات التي تتعلق بجميع معاملاته المالية وهذا حق مكفول له.

و مع ذلك منح القانون الحق للعميل في الكشف عن معلوماته المصرفية السرية بناء على طلبه للغير( طرف ثالث) من خلال الموافقة الخطية صريحة، لا لبس فيها و لا غموض) تم ارسالها للمصرف لأجل إبلاغهم بذلك.[41]وقد تكون هذه الموافقة الخطية من صاحب الحساب لتمكين وكيله من الاطلاع على معلوماته وحساباته وأرصدته وجميع معاملاته المالية، وذلك حسب ما هو مبين في عقد الوكالة، ففي هذه الحالة لا يعتبر الافصاح هو اخلال بالالتزام.

ولكن ماذا عن الموافقة الضمنية هل يأخذ بها في هذه الحالة، نستطيع الاستنتاج من مضمون الاستثناء أن الأمر مقصور فقط على الموافقة الصريحة وذلك لأنه لم يشر على الإطلاق للموافقة الضمنية.[42]

و منح هذا الاستثناء منح أيضا للجهة قضائية[43]المختصة بالاطلاع على المعلومات المصرفية للعميل في حالة كانت هذه المعلومات مهمة في إجراءات التحقيق وسير الدعوي و الحكم فيها، وأن العميل قد أصبح طرف في خصومة.

الواجبات المنوط أداؤها قانوناً بمراجعي المصارف والاختصاصات المخولة لمصرف ليبيا المركزي
نصت المادة (85) من نفس القانون على أن جميع المصارف الخاضعة تحت إشراف ورقابة مصرف ليبيا المركزي ملزمة أن تتعهد بفحص حساباتها سنوياً إلي مراجعين قانونيين، حيث يتم تعيينهم من قبل الجمعية العمومية للمصرف نفسه لمدة سنتين، قابلة للتجديد مرة واحدة ويجب اعتماد قرار تكليفهم من محافظ مصرف ليبيا المركزي.[44]فمن طبيعة عمل المراجع القانوني أن يطلع على المعلومات المصرفية التي تخص الغير وذلك خلال ممارسته لمهامه التي حددها له القانون.

و فيما يتعلق بالشق الأخير من الاستثناء، منحت المادة (5) من قانون المصارف مصرف ليبيا المركزي سلطة الرقابة على المصارف الخاضعة تحت رقابته .كما منحت أيضا المادة (61) من نفس القانون لمصرف ليبيا المركزي حرية الاطلاع في أي وقت على كافة المستندات ودفاتر الجهات الخاضعة لرقابته والحسابات المفتوحة من قبل المصارف، والمنظومات والملفات الإلكترونية المتعلقة بها. و يكون الاطلاع في مقر كل منها، حيث يقوم به مفتشو المصرف الذين يتم ندبهم لهذا الغرض. وعلى الجهة الخاضعة للمراجعة أن تقدم إلى هؤلاء المتفشيين جميع المعلومات والتسهيلات اللازمة لأداء مهمتهم، ويحظر على المتفشيين اطلاع الغير أو إفشاء لهم على المعلومات المتعلقة بالتفتيش، إلافي الأحوال المرخص بها قانوناً أو عندما يكون ذلك لازماً لتحقيق قضائي.[45]

ولكن ما يجب الإشارة إليه في هذا الإطار، هو أن مصرف ليبيا المركزي بحكم وظيفة الرئاسية و الرقابية على جميع المصارف التجارية لم يحدد طبيعة حدود واختصاص المراجعين القانونيين وكيفية أداء عملهم وذلك فيما يتعلق باطلاع الغير على معلومات العملاء وطريقة الحفاظ عليها.

التزام المصرف بإصدار شهادة بأسباب رفض صرف صك بناء على طلب صاحب الحق
ألزم القانون المصارف بإصدار شهادة توضح أسباب رفضها عن صرف الصك بناء على طلب صاحب الحق.[46] في حالة أن المصرف لم يستطع الوفاء بالدين الذي هو مخصص لصاحب الحق، هنا يقوم المصرف بناء على طلب المتضرر الإفصاح عن المعلومات السرية المتعلقة بحساب الزبون ومعاملاته المالية، مع بيان الأسباب التي دفعته إلي رفض صرف الصك.

حق المصرف في الكشف عن كل أو بعض البيانات الخاصة بمعاملات الزبون اللازمة لإثبات حقه في نزاع قضائي ينشأ بينه و بين زبونه بشأن هذه المعاملات

القانون ألزم المصارف بالكشف عن كافة المعلومات المصرفية والمعاملات المالية التي تخص العميل أو على جزء منها في حالة حدوث نزاع قضائي بين المصرف والعميل، ففي هذه الحالة يضطر المصرف إلى الكشف عن هذه المعلومات أو المعاملات المالية وذلك في سبيل الدفاع عن مصلحته في هذا النزاع القضائي.[47]

الإجراءات التي تتخذ في شان الصكوك الراجعة ومكافحة غسيل الأموال و تمويل الإرهاب
لم يرد أي نص في قانون المصارف ما يعرف صكوك المراجعة. لذلك يمكن الاعتماد هذا التعريف للصكوك الراجعة في أنها ” تلك الصكوك التي لا يتم دفعها إلي حامل الصك وذلك بسبب عدم وجود رصيد كافي يغطي قيمة هذا الصك، أو كان أقل من قيمة الصك، أو تم سحب المبلغ بعد إعطاء الصك بحيث أصبح الرصيد غير كافي لتغطية قيمة الصك”.[48]

يتم استخدام صكوك الراجعة من قبل التجار والأفراد كوسيلة لضمان دين أو ائتمان في المعاملات التجارية على خلاف الوظيفة الأصلية التي يجب أن تستخدم من أجلها وهي أداة للوفاء وليس للائتمان. يعتبر قانون مكافحة الإرهاب وقوانين مكافحة غسيل الأموال من أهم القوانين التي تجيز للجهات المختصة الاطلاع على المعلومات المصرفية للعملاء، و أيضا على جميع معاملتهم المالية وذلك خوفاً من أن تساهم هذه الأموال في تمويل الإرهاب، أو انتقالها إلى الجماعات الإرهابية المنتشرة في العالم. خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر سنة (2001)، حيث عمدت الكثير من الدول على سن تشريعات تجيز للحكومات الاطلاع علي معلومات العملاء ومعاملاتهم المالية في حالة الاشتباه بوجود تمويل للإرهاب أو الجماعات الإرهابية، حيث قد تمس وتضر هذه الأعمال المشبوهة أمن المواطنين بصفة خاصة والأمن القومي للدولة بصفة عامة. إضافة إلي ذلك، لم يحدد هذا القانون طبيعة الإجراءات المتخذة في حالتي مكافحة غسيل الأموال أو تمويل الإرهاب، حيث يفهم من ذلك ضمنا وجود قوانين مستقلة تنظم طبيعة هذه الإجراءات.

من الملاحظ أن المشرع الليبي قد سلك مسلك التوسع في تقييد الالتزام بالسرية المصرفية وذلك من خلال ما جاء في العديد من الاستثناءات للسرية المصرفية، هذا الأمر أضعف من قوة الالتزام بالسرية من القيام بوظيفته على أكمل وجه.

المطلب الثاني :المسؤولية المدنية للمصرف في حالة انتهاك السرية

تقوم المسؤولية بمجرد إخلال المصرف بالتزاماته سواء كانت ناشئة عن العقد او مصدرها القانون. و يقصد بالمسؤولية المدنية هي الالتزام بالتعويض عن الضرر الناتج عن اعتداء على حق أو واجب عام، ويتجلى ذلك في صورها (المسؤولية التقصيرية)، أو المسؤولية الناتجة عن عدم الالتزام بتنفيذ بنود العقد ( المسؤولية العقدية ). والمسؤولية المدنية بشقيها لا تقوم إلا بتوافر أركان المسؤولية وهي : الخطأ، الضرر، والعلاقة السببية.

أولا : المسؤولية العقدية تجاه المصارف

كما وضحنا سابقاً، أن العلاقة بين المصرف والعميل هي علاقة تعاقدية ناتجة عن العقد الذي وقع بين الطرفين، وبناء على هذه العلاقة تقوم المسؤولية العقدية وفي حالة أن المصرف لم يضمن شرط السرية صراحة، حيث يفهم ذلك ضمناً من بنود العقد التزام المصرف بالسرية تجاه العميل. و حتى ينتج العقد آثاره يجب أن يكون صحيحاً، حيث تقع المسؤولية بمجرد انتهاك المصرف التزام السرية والبوح عن المعلومات المصرفية والمعاملات المالية التي تخص العميل. و لأجل قيام المسؤولية المدنية بشقيها ( العقدية، التقصيرية) لابد من توافر أركانها؛ و هي الخطأ، الضرر، و العلاقة السببية.

– أركان المسؤولية العقدية

الخطأ
يعرف الخطأ في القانون المدني بأنه إما مخالفة سواء لواجب أو قانون أو التزام تعاقدي.[49] يقع الخطأ في المسؤولية العقدية بمجرد عدم التزام المدين بتنفيذ التزامه سواء كان راجع ذلك إلى غش أو إهمال أو حتى عدم قدرة المدين علي تنفيذ التزامه.[50] ومن هنا يثور التساؤل حول نوع الالتزام الذي على أساسه يتم تحديد الالتزام المطالب به المدين، هل هو التزام بتحقيق نتيجة أو التزام ببدل عناية. ففي حالة تطبيق الالتزام بنتيجة يكون هنا على(دائن) العميل عبء اثبات إخلال المصرف بالتزامه. وفي حالة تطبيق الالتزام ببذل عناية أن مسؤولية المدين لا تقوم إلا في حالة تم إثبات أن المدين (المصرف) لم يقم ببذل العناية الكافية باستخدام جميع الوسائل الممكنة للحيلولة دون حدوث الانتهاك الالتزام الملقي على عاتقه، والمعيار هنا الذى تبناه المشرع الليبي في تحديد المسؤولية هو المعيار الموضوعي.[51]

أحكام المسؤولية العقدية ليست من النظام العام،[52] بناء على ذلك، يجوز تعديل أحكام المسؤولية العقدية سواء بالتخفيف منها أو التشديد في أحكامهما، فمن ناحية تخفيف أحكامها يكون عندما يتفق الطرفين على تحويل الالتزام بتحقيق نتيجة إلى الالتزام ببذل عناية، وبتخفيف درجة الالتزام ببذل عناية المطلوبة من المدين، أو في حالة الاتفاق على تشديد أحكام المسؤولية فيتم جعل الالتزام ببذل عناية إلى التزام بتحقيق نتيجة.[53] و مع ذلك لا يجوز الاعفاء من المسؤولية في حالتي الغش و الخطأ الجسيم من قبل المدين.[54]

الضرر
لا يكفي الخطأ فقط لقيام المسؤولية العقدية، بل يجب ايضا توفر ركن آخر وهو الضرر الذى ينقسم إلى قسمين : الضرر المادي حيث يتحقق في حالة أن المصرف قد أفشى معلومات سرية تتعلق بالمركز المالي للزبون لجهة أخرى، مما تسبب في امتناع الجهة الأخرى من التعامل معه بناء على المعلومات التي قدمت من المصرف. الضرر المعنوي وهو الذي يقع للعميل في مركزه الاجتماعي أو عاطفته أو شرفه أو سمعته ويتحقق في حالة إفشاء المصرف بمعلومات سرية للعميل تضر بسمعته مما تؤدي إلى خسارة زبائنه. و يجب أيضا أن تتحقق شروط الضرر وهي يجب أن يكون الضرر حالاً ومباشراً وشخصي.[55]

ج- العلاقة السببية

يجب أن يكون هناك علاقة بين الخطأ الذي ارتكبه المصرف والضرر الذي وقع على العميل، و أن يكون نفس الخطأ هو الذي سبب الضرر، وفي حالة ما إذا تم إثبات عكس ذلك يكون الخطأ من الغير أو بسبب حادث مفاجئ فتنتفي المسؤولية بسبب قطع العلاقة السببية.

آثار المسؤولية التعاقدية
في حالة ما إذا تم إثبات أن الخطأ المرتكب من قبل المصرف قد نتج عنه ضرر للعميل يكون له الحق في المطالبة بالتعويض عن ما لحقه من أضرار متوقعة نتيجة عدم احترام(عدم تنفيذ العقد) وذلك بسماح للغير على الاطلاع على معلومات الواجبة الكتمان، تتعلق بأرصدته وحساباته وجميع معاملاته المالية، وفي حالة عدم وجود شرط جزائي يكون القاضي هو المسئول الوحيد عن تقدير قيمة التعويض على حسب ما يراه مناسب.[56]

فسخ العقد
في بعض الأحيان قد يتفق أطراف العقد على تضمين بند يسمح لهم بفسخ العقد في حالة أخل به أحد الأطراف، فهنا في حالة أخل المصرف ببند السرية المصرفية للعميل يتم فسخ العقد بحكم القانون وإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل بداية العقد، إما إذا كان ذلك مستحيل؛ فللقاضي أن يحكم بالتعويض لطرف المضرور.[57]

ثانيا : المسؤولية التقصيرية

في حالة عدم وجود علاقة تعاقدية بين المصرف و العميل، أو في مرحلة المفاوضات السابقة على توقيع العقد، أو عندما تنتهي الرابطة العقدية بين الطرفين، نجد أن أحكام المسؤولية التقصيرية واجبة النفاذ.

وبناء على ما تقدم، سنحاول توضيح المسؤولية الناتجة عن الأفعال الشخصية، والمسؤولية الناتجة عن فعل الغير، وأخيرا، ًسنتحدث عن المسؤولية الناتجة عن الأشياء.

1 – المسؤولية الناتجة عن الفعل الشخصي

يرجع الأساس القانوني لهذه المسؤولية إلى المادة (166) من القانون المدني عندما نصت على أن ” كل خطأ سبب ضرر للغير يلزم مرتكبه التعويض.”[58]المصارف تقدم خدمات و تعرض العديد من منتجات للبيع فهذه الخدمات و المنتجات ليست مقصورة علي العملاء بل أيضا تكون متاحة للغير. و من أمثلة هذه الخدمات و المنتجات النصائح الاستثمارية أو شراء عملات أجنبية أو بوصيلة تأمين لأشخاص ليسوا عملاء لدى المصرف ( الذين ليس لديهم حساب مصرفي مع المصرف)وعليه، مسؤولية المصرف هنا تقع بمجرد وقوع الخطأ سواء وقع هذا الخطأ للعميل أو شخص من الغير الذي قد تحصل علي خدمة ما، أو اشتري منتج ما من المصرف.[59] وفي هذا الإطار فإن المصرف يعتبر مسؤول على اعتبار أن الموظف أو مدير المصرف مسؤول عن تصرفاته بما له من مؤهلات علمية وخبرة في مجال عمله، بناء على ذلك تم تعيين هم في المصرف. وفي حالة قيام أي منهم بإفشاء الأسرار المتعلقة بالمعاملات المالية يكون المصرف المسؤول على نتيجة هذا الإفشاء.

ويقع إثبات الخطأ في هذه الحالة على المضرور( العميل أو غير)، أن المصرف قد أرتكب الخطأ نتج عليه ضرر، حيث يجوز إثبات الخطأ بكافة طرق الإثبات المنصوص عليها في القانون المدني.[60] وأيضا يجب أن يكون العلاقة السببية بينهما كما تم التوضيح في السابق حتى تكتمل أركان المسؤولية.

2 – المسؤولية الناتجة عن فعل الغير

تتخذ المصارف التجارية الشكل القانوني للشركة المساهمة، وبما أن المصارف يقوم بمهامها أعضاء مجلس الإدارة والمديرين والعاملين في المصرف، فهؤلاء بحكم طبيعة عملهم داخل المصارف بإمكانهم الاطلاع على المعلومات التي تخص العملاء، ومن ثم قد يتركبوا أخطاء (الإفشاء) قد تلحق بالعملاء الأضرار، ومن هنا تقع المسؤولية على المصرف عن أعمال تابعيه وهم (العاملين). تتحقق مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعيه إذا كانت هناك علاقة تبعية بين شخصين ( المتبوع ، التابع ) و أرتكب التابع الخطأ أثناء قيامه بوظيفته أو بسبسها، مما أدى إلى حدوث ضرر للغير و يجب أن يكون الخطأ أثناء الوظيفة أو بسبسها. هذا ما أكدته المادة(177) من القانون المدني و التي حددت ثلاثة شروط لقيام هذا النوع من المسؤولية : الشرط الأول علاقة تبعية بين المصرف والعامل في المصرف بحيث يكون المتبوع (المصرف) له سلطة الرقابة والتوجيه على التابع ( العامل في المصرف)، حيث يمارس عليه سلطة التوجيه والرقابة أثناء عمله. و الشرط الثاني خطأ من التابع يضر بالغير بمجرد خطأ التابع (العامل في المصرف) فإن المتبوع (المصرف ) يصبح مسئولا عن فعل تابعه. الشرط الثالث يجب أن يكون خطأ التابع على صلة بتأدية الوظيفة أو بسبسها. [61]

وبناء على ما سبق ذكره، يكون من حق المضرور هنا المطالبة بالتعويض عن الضرر الناتج عن الإفشاء، و بالمقابل يلتزم المصرف بالتعويض على أساس مسؤوليته تجاه أعمال تابعيه، حيث يكون للمضرور الحق في المطالبة بالتعويض من المتبوع (المصرف). ولا يستطيع المصرف في هذا السياق الدفع بعدم مسؤوليته بإثبات أنه لم يرتكب أي خطأ يذكر في تعيين موظفيه أو لم يكن تحت اشرافه، ولكن يستطيع أن يدفع بعدم مسؤوليته في حالة إثبات وجود السبب الأجنبي. و يستطيع أيضا المضرور الرجوع على التابع ( موظف في المصرف) على أساس المسؤولية الناتجة عن فعله الشخصي.

من الناحية العملية يلجئ المضرور إلى مقاضاة المصرف والمطالبة بالتعويض بدلاً من التابع وذلك بسبب الإمكانيات المادية للمصرف أكبر بكثير مما لدى الموظف. ولكن بعد ذلك قد يستطيع المتبوع ( المصرف) الرجوع بدعوى على التابع ( موظف أو المدير المصرف) عما تكبده من تعويضات للمضرور.

المسؤولية الناتجة علي الأشياء
تنص المادة (181) من القانون المدني ” كل من تولي حراسة أشياء تتطلب حراستها عناية خاصة أو حراسة الآلات الميكانيكية يكون مسئولا عما تحدثه هذه الأشياء من ضرر مالم يثبت أن وقوع الضرر كان بسبب أجنبي لا يد له فيه.”[62]هنا يجب على المصرف توفير الحماية الكاملة للأشياء التي يستخدمها في حفظ المعلومات المتعلقة بالزبائن مثلاً : توفير الحراسة اللازمة لشبكة المعلومات الخاصة بالمصرف ورقابتها. ويمكن أن يعفي المصرف من المسؤولية في حالة أثبت أن وقوع الضرر كان بسبب أجنبي ليس له دخل فيه. بناء علي ما سبق، يستطيع الطرف المضرور( العميل) في حالة توافر أركان المسؤولية بنوعيها سواء كانت مسؤولية التقصيرية أو المسؤولية العقدية أن يرفع دعواه على الطرف المتسبب في الضرر(المصرف)،والمطالبة بالتعويض عن الضرر، وهنا نقصد بالتعويض عن الضرر المتوقع، باستثناء حالتي الغش والخطأ الجسيم، أما في حالة المسؤولية التقصيرية فنطاق التعويض يكون أشمل، حيث أن نطاق التعويض يكون عن كل الأضرار سواء كانت متوقعة أو غير متوقعة.

ثالثا : أحكام انتهاك السرية المصرفية في التشريع الليبي

تقرير الجزاءات على الانتهاك السرية المصرفية تختلف باختلاف النظام القانوني المتبع لدى الدول ، ففي بعض الدول لا يوجد قانون مستقل ينظم مسألة السرية المصرفية، حيث نلاحظ أنها تترك مسألة تنظيمها إلى الأحكام العامة الموجودة في قانون العقوبات. على النقيض من ذلك، هناك بعض الدول التي يوجد فيها قانون خاص أو أحكام خاصة تتعلق بتوقيع الجزاءات في حالة انتهاك السرية المصرفية و التي من ضمنها مصر و ليبيا.

وفي هذا السياق، نصت المادة (110) من قانون المصارف على الجزاءات المترتبة على انتهاك السرية المصرفية، فذكرت بأنه” يُعَاقَبُ بغرامة لا تقلُّ عن ألف دينار، ولا تزيد على عشرة آلاف دينار، كلُّ من يُخالف أحكام (95) من هذا القانون . وتُضَاعَفُ العقوبة في حالة العَوْد”.[63]يتضح من نص هذه المادة أن المشرع الليبي لجأ اسلوب العقوبة مالية التي تتخذ شكل الغرامة، بحيث لا يجب أن لا تقل على ألف دينار ولا تزيد عن عشرة آلاف دينار كل من أعطى أو كشف أي معلومات أو بيانات عن زبائن المصرف أو حساباتهم أو أرصدتهم أو تمكين الغير من الاطلاع عليها، سواء كانوا رؤساء مجالس إدارات و مدريين المصارف و العاملين بها، و كل من يطلع بحكم وظيفته أو مهنته أو عمله سواء كان بطريق مباشر أو غير مباشر، وذلك مع مراعاة الاستثناءات الواردة على هذا الالتزام وفقا لأحكام هذا القانون. وفي حالة ارتكبوا هؤلاء نفس المخالفة السابقة تتضاعف العقوبة المالية عليهم لتصبح لا تقل على عشرة آلاف، وألا تزيد على عشرين ألف دينار.

الخاتمة

تناولت هذه الورقة البحثية بالشرح والتحليل النظام القانوني للسرية المصرفية وفق ما جاء في أحكام القانون المصارف الصادر سنة 2005 و تعديلاته اللاحقة، حيث توصلت إلي حزمة من النتائج :

أن الالتزام المصارف بالسرية المصرفية هو التزام نشأ بموجب الأعراف المصرية، و تطور بمرور الزمن، و من ثم استقر القانون عليه. علاوة على أنه تولد من خلال الواقع العملي لممارسة النشاط المصرفي لأنه بدون وجود السرية لا يفترض على الاطلاق أن تأسس العلاقة بين المصرف و العميل.

موقف المشرع الليبي في قانون المصارف من السرية المصرفية من حيث نطاق سريانها على الأشخاص غير واضح بدقة، حيث أنه نص من جهة على حظر فئات محدودة ولم يشمل نطاق هذا الحضر على فئات أخرى، فهذا الفراغ التشريعي سبب في خلق مظاهر اعفاء من المسؤولية.

لم يحدد المشرع الليبي المدة الذى يجب أن تسرى عليها الحماية القانونية، فهو لم ينص على الاطلاق على ذلك، وتبعا لذلك، لم يحدد ميعاد سريان مدة الحماية القانونية (بدايتها و نهايتها).

المشرع الليبي توسع في سرد الاستثناءات الواردة على الالتزام بالسرية، مما أدى إلي إفراغ هذا الالتزام من محتواه، و عدم فعاليته من الناحية التطبيقية، فضلا على عدم صياغتها بالطريقة الملائمة التي تحفظ لهذا الالتزام قوته و فعاليته.

أن السرية المهنية هي الأخلاقيات و المبادئ والقيم المرتبطة بالمهن، وهي مفهوم واسع يشمل السرية المصرفية، و لكن نظرا لتجلي أهميتها فقد استقلت عن السرية المهنية.

أن المشرع الليبي لم يواكب التطورات الحاصلة في مجال المعاملات المصرفية الالكترونية، و عدم تحديده لآلية حماية السر المصرفي في حقل المعاملات المصرفية الالكترونية.

أن التزام بالمحافظة على السر المصرفي هو واجب قانوني، يستند أساسه على كل من الرابطة العقدية و الأحكام العامة المنظمة للمسؤولية التقصيرية.

أن التزام بالمحافظة على السر المصرفي هو التزام سلبي ( امتناع عن القيام بعمل) يقع على عاتق المصرف، بموجبه يلتزم بعدم الافشاء عن السر المؤتمن للغير.
التوصيات

1- إلزام المصارف العاملة في ليبيا على تضمين السرية المصرفية في جميع العقود المصرفية، على اعتبار أن هذا الالتزام يعتبر من أهم المبادئ المستقرة في العرف المصرفي وعلى أن هذا الالتزام هو التزام اقره العرف المصرفي قبل القانون، حيث يستشف ذلك من الواقع العملي لهذه المهنة.

2- ينبغي تحديد المدة التي يجب على المصرف الاحتفاظ بالسرية المصرفية لعملائه متى تبدأ ومتى تنتهي، وذلك من خلال النص على ذلك في القانون أو على إلزام المصارف بتضمين مدة سريان الالتزام بالسرية في العقود التي يتم إعدادها، حيث نوصي بضرورة سريان الالتزام بالسرية من الوقت الذى يفتح العميل حسابه مع المصرف، مع استمرار هذا الالتزام إلى بعد زوال العقد بمدة كافية.

3- شمول تطبيق نطاق السرية ليس فقط على المدراء العامين رؤساء و أعضاء مجلس الإدارة و العاملين في المصارف العاملة في ليبيا، بل أيضا حتى على المحافظ ونائب المحافظ وأعضاء مجلس الإدارة و العاملين بمصرف ليبيا المركزي، على اعتبار أن تطبيق السرية يبدأ من أعلى مؤسسة مصرفية إلى المؤسسات المصرفية الأخرى التابعة لها.

4- جواز رفع السرية المصرفية عن الحسابات والأرصدة المصرفية في حالات التهرب الضريبي، وذلك من أجل حماية المصلحة العامة للمجتمع.

قائمة المراجع :

أولا : المراجع باللغة العربية

الكتب:

المنجد في اللغة والأعلام، تاريخ النشر 1986 ط18دارالمشرق بيروت.
إلياس ناصيف الكامل عمليات البنوك في قانون التجارة، الجزء الثالث، منشورات عويدات بيروت (1985) الطبعة الثانية.
حسن لفته، صدام رميش، النظام القانوني للمصارف الالكترونية، مجلة ميسان للدراسات الاكاديمية، العدد 30، 2016 ،ص 284-285.
سميحة القليوبي، الأسس القانونية لعمليات البنوك، دار النهضة العربية، الطبعة الثالثة، 1998.
محمد علي البدوي الأزهري النظرية العامة للالتزام، مصادر الالتزام الجزء الأول، الطبعة الرابعة تاريخ النشر (2003) .
محي الدين إسماعيل علم الدين، موسوعة عمليات البنوك من الناحية القانونية والعملية دار النهضة العربية، القاهرة(1973).
عبد القادر العطير، سر المهنية المصرفية في التشريع الأردني، لا يوجد دار للنشر، الأردن 1996.
علي جمال الدين عوض، عمليات البنوك من الوجهة القانونية، دار النهضة العربية، الطبعة الثانية القاهرة، 1993.
هيام الجرد، المد والجزر بين السرية المصرفية وتبييض الأموال، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت الطبعة الأولي (2003).
الرسائل العلمية:

المتولي عبد المولى علي ،النظام القانوني للحسابات السرية دراسة مقارنة، رسالة دكتوراه جامعة القاهرة، صادرة سنة (2011)منشورة في المكتبة القانونية لشبكة المحامين العرب.
التشريعات الوطنية والمواثيق الدولية

قانون المصارف رقم (1) لسنة 2005 والمعدل بالقانون رقم (46) لسنة 2012،نشر في الجريدة الرسمية 05/07/2012.
القانون المدني الليبي، صدر في سنة 1953 الجريدة الرسمية، عدد خاص.
قانون الإجراءات الجنائية الليبي الصادر سنة 1954، الجريدة الرسمية عدد خاص.
قانون العقوبات الليبي صدر في سنة 1953 ، الجريدة الرسمية، عدد خاص.
القانون رقم (17) لسنة 1986 بشأن، المسؤولية الطبية.
القانون رقم (12) لسنة 2010 بشأن، علاقات العمل الفردية الجريدة الرسمية العدد السادس، السنة العاشرة.
الإعلان الدستوري الليبي الصادر في سنة 2011.
الإعلان العالمي للحقوق الإنسان الصادرعن الأمم المتحدة سنة
ثانيا المراجع الأجنبية

Tournier v National Provincial & Union Bank of England [1924] 1 KB 461 at 471-473.
Libyan Foreign Bank v Bankers trust (1989) QB 728.
Sunderland v Barclay’s Bank { 1938} 5 LDAB 163.
P Ellinger, E. Lomnicka& C. V. M. Hare Elliner’s Modern Banking Law 5th edn. ( Oxford University Press,2011).
D. CrerarThe Law of Banking in Scotland 2ndedn. (Tottel Publishing , 2007).
Sylvain Bessonو Le Secret Bancaire, Collection le savoir suisse, Presses polytechniqueset universitaires romandes, 1er édition, 2004.
A, Alqayem, the banker, customer confidential relationship, PHD thesis, University of Brunel, 2014.
Islam, “Banker’s Reference and the Bank’s Duty of Confidentiality under Common Law Reappraised”, Jahangirnagar University Journal of Law, Vol. IV, 2016.
J. Negal, & J.T. Pretorius “The bank and customer relationship, combination of accounts and set-off” National Research Foundation. 2016 (79) THRHR.
J. Nisha, Secret reserve accounting: a critical review of Bangladesh, Int. Accounting and Finance, Vol. 6, No. 4, 2016.
Sankalp, Legal Aspects of Banker-Customer Relationship: Loans and Advances )2012). Available at SSRN: https://ssrn.com/abstract=2209333 or http://dx.doi.org/10.2139/ssrn.2209333
Murugiah& H. A. Akgam, “Study of Customer Satisfaction in the Banking Sector inLibya”, Journal of Economics, Business and Management, Journal of Economics, Business and Management, Vol. 3, No. 7, July 2015 Vol. 3, No. 7, July.P674-675.
Godfery, Godfrey, D. Newcomb, B. Burke, G. Chen N, Schmidt,E. Stadler, D, Coucouni, W. Johnston, W. H Boss, Bank Confidentiality – A Dying Duty,ut But Not Dead Yet? Business Law International Vol 17 No 3 September 2016.
Internet sources

Banker, customer relationship :
http://kalyan-city.blogspot.com/2012/04/banker-customer-relationship-explained.html

[1]. المنجد في اللغة والأعلام، دار المشرق، بيروت، 1986 ،الطبعة 18،ص 312.

د. عبدالقادر العطير، سر المهنة المصرفية في التشريع الأردني، لا يوجد دار النشر، الأردن ،ط 1996 ،ص 20.

[3]. Sylvain Besson : Le Secret Bancaire, Collection le savoir suisse, Presses polytechniques et

universitaires romandes, 1er édition, 2004 p15.

[4]. E.P Ellinger, E. Lomnicka& C. V. M. Hare Elliner’s Modern Banking Law 5th edn. ( Oxford University Press,2011), P 115.

[5]هيام الجرد، المد و الجزر بين السرية المصرفية وتبييض الأموال، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، الطبعة الأولى، 2003،ص 35.

د سميحة القليوبي، الأسس القانونية لعمليات البنوك، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1998،ص 224-225. [6]

د علي جمال الدين عوض، عمليات البنوك من الوجهة القانونية، دار النهضة العربية، الطبعة الثانية القاهرة، ص927. [7]

[8]. المتولي عبد المولي علي، النظام القانوني للحسابات السرية ،دراسة مقارنة ، رسالة دكتورة جامعة القاهرة، منشورة في المكتبة القانونية لشبكة المحامين العرب 2001، ص 70-74.

Law-book.net/BookIndex.asp?productID=3486&CategoryID=1

[9] . بعض الدول مثل سويسرا ولوكسمبورغ و بنما أصدرت تشريعات تحمي تقنية الحسابات المشفرة حيث أن هذه الحسابات المرقمة لا يعلم هويتها أصحابها إلا أشخاص معينين في المصرف دون الباقيين .مع ملاحظة أن المشرع الليبي ليس فقط ، لم ينظم هذا النوع من الحسابات و إنما لم ينص عليه إطلاقا في القانون المصارف.

[10]N, Nisha, Secret reserve accounting: a critical review of Bangladesh, Int. J. Accounting and Finance, Vol. 6, No. 4, 2016, p3-4.

[11]A, Alqayem, the banker, customer confidential relationship, PHD thesis, University of Brunel, 2014, p 10-12.

[12]. محي الدين إسماعيل علم الدين، موسوعة عمليات البنوك من الناحية القانونية و العملية دار النهضة العربية ، القاهرة 1973 ص172.

د . عبدالقادرالعطير،سرالمهنةالمصرفيةفيالتشريعالاردني،دراسةمقارنة،عمان،الطبعةالأولى،1996 ،ص 32 . [13]

القانون رقم (17) لسنة 1986 الذي يتعلق بتنظيم أحكام المسؤولية الطبية. المادة (13) تنص على لا يجوز افشاء أسرار المريض التي يطلع عليها بسبب مزاولة المهنة إلا للجهات القضائية وفقا للقانون.
القانون رقم (12) لسنة 2010 بشأن تنظيم علاقات العمل الفردية الجريدة الرسمية العدد السادس، السنة العاشرة. انظر المواد ( 10، 73).
[16]. قانون العقوبات الليبي، الصادر سنة 1953،الجريدةالرسمية،عددخاص، أنظر المادة (263).

[17]. Tournier v National Provincial & Union Bank of England [1924] 1 KB 461 at 471-473.

. [18]أولا : الإفصاح تحت القوانين الإلزامية مثل قوانين التهرب الضريبي سنة 1970 ، قانون مكافحة غسيل الأموال الصادر سنة 2003 و قوانين مكافحة الإرهاب. ثانيا : الإفصاح لغرض حماية العامة ( المواطنين ) في حالة ما إذا كان الخطر يهدد الأمن القومي البريطاني و مثال ذلك العقوبات الاقتصادية التي تفرضها منظمة الأمم المتحدة عن طريق مجلس الأمن علي بعض الدول ومن أبرز التطبيقات العملية لهذا الاستثناء القضية التي كانت بين المصرف الليبي الخارجي مع بنك الثقة حيث أن المحكمة في حكمها الصادر سنة (1989) لم تمنع الحكومة الأمريكية من الحصول علي المعلومات المالية المتعلقة بحسابات الحكومة الليبية الموجود في البنك. ثالثا : الإفصاح لمصلحة البنك هذا الاستثناء وجد التطبيق العملي له في قضية ساندرلاند ضد باركليز بنك، حيث ان السيد ة سندرلاند اشتكت للبنك من عملية رفض شيكها المصرفي وذلك بسبب عدم وجود الأموال كافية في حسابها ،حيث أن البنك قد أعلم زوجها عن قيامها بأعمال المقامرة بدون أذنها فقامت بمقاضاة البنك علي إفشاء هذه المعلومات السرية فجاء حكم المحكمة في صف البنك حيث قالت المحكمة أن البنك في هذه الحالة قام بإفشاء هذه المعلومات السرية و أنه ملزم بالكشف عن المعلومات البنكية للعميل لان العميل قد رفع دعوى على البنك وأن البنك وجب عليه الإفصاح عن معلومات العميل حتى يستطيع الدفاع عن نفسه لان هذه المعلومات تتعلق بمصلحة البنك فوجب عليه الكشف عنها حماية لمصلحته. رابعا : الإفصاح بناء علي طلب العميل حيث أن الإفصاح في هذه الحالة قد يكون صريح و قد يكون ضمني يفهم من طبيعة العقد في حالة الوكالة أو الضامن لصاحب الحساب .

قانون المصارف رقم (1) الصا در سنة 2005 وتعديلاته،اللاجقةالصادرةسنة،2012 نشرفيالجريدةالرسمية05/07/.2012 . وعلى نحو متصل تم تعريف المؤسسة المالية في القرار( المنشور) رقم (7) لسنة 2012 الصادر من مدير إدارة النقد بمصرف ليبيا المركزي فيما يتعلق بسياسة مكافحة الاموال وتمويل الإرهاب و العناية الواجبة تجاه العملاء في المادة (1/ 9) “ هي المنشآت المالية المرخص لها بممارسة نشاطها من قبل مصرف ليبيا المركزي، وتشمل أي مصرف أو شركة تمويل أو سوق مالية أو محل صرافة أو وسيط مالي أو نقدى وغيرها، كما تشمل المنشآت المالية والاقتصادية والتجارية المرخص لها بممارسة نشاطها من قبل جهات اخرى ،غير مصرف ليبيا المركزي كشركات التامين ،ومكاتب الخدمات وغيرها”.
[20]C. J. Negal, & J.T. Pretorius “The bank and customer relationship, combination of accounts and set-off” National Research Foundation. 2016 (79) THRHR, P661, 662.

[21]J. Sankalp, Legal Aspects of Banker-Customer Relationship: Loans and Advances 2012P, 4-5. Available at SSRN: https://ssrn.com/abstract=2209333 http://dx.doi.org/10.2139/ssrn.2209333

[22] Banker, customer relationship see http://kalyan-city.blogspot.com/2012/04/banker-customer-relationship-explained.html

[23] Ibid.

[24]. تختلف عقود الإذعان عن الشروط العامة الموجود في العقود المختلفة كالبيع والنقل والتامين وغيرها . الشرط العامة للبيع هي شروط معدة مسبقا تتضمن شروط العقد حيث يقتصر علي أطراف العقد تكملة الثمن و الشيء المبيع وكيفية الاستلام ومكان التسليم وغيرها. هذه الشروط يمكن أن يضعها طرف أجنبي ليس من أطراف التعاقد مثل اللجان المتخصصة التي تعيينها الأمم المتحدة مثل لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولي والغرفة التجارة الدولية في باريس وغيرها . بينما في عقود الإذعان في اغلب الأحيان يتم وضع الشروط من نفس الجهة سواء كانت مصرف ، شركة تامين أو شركات الاتصالات. و في حالة وجود عقد الإذعان أعطي المشرع الليبي للقاضي الحق بتعديل بنود عقود الإذعان في حالة طلب ذلك من لهم المصلحة في ذلك حيث يعتبر ذلك خروج عن الاختصاص القاضي هو تفسير العقد هذا ما وضحته المادة (135) الفقرة الثانية.

.[25]مبدأ حرية التعاقد هو مبدأ أساسي و جوهري التي تقوم عليه كل العقود و بموجب هذا المبدأ يكون لأطراف التعاقد الحرية الكاملة في تضمين ما يشاءان من بنود و شروط علي شرط ألا تكون مخالفة للنظام العام والآداب.

. [26]حددت المادة 270 من القانون المدني أمكانية إعفاء المدين من المسؤولية حيث وضحت بأنه يجوز تخفيف أو تشديد مسؤولية المدين ولكن لا يجوز الإعفاء من المسؤولية في الحالة الغش أو الخطأ الجسيم.

[27]. See also Tournier v National Provincial & Union Bank of England [1924].

[28]. See leading case in English law. Tournier v National Provincial & Union Bank of England [1924].

.[29]القانون المدني الليبي، الصادر سنة 1953، عدد خاص ، أنظر مادة 166.

[30]. بوساعة ليلي، السرية في البنوك ( السر المصرفي)، رسالة دكتوراه، جامعة الجزائر واحد يوسف بن خدة، كلية القانون، عام 2011، ص 141-142.

[31]. الإعلان الدستوري الليبي الصادر في سنة 2011 المادة (12).

[32]. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة سنة 10/12/1948 المادة (12).

[33] . أنظر قانون المصارف رقم (1) الصادر سنة 2005 و تعديلاته، مرجع سبق ذكره.

. [34]د إلياس ناصيف الكامل في عمليات البنوك في قانون التجارة ، الجزء الثالث ،منشورات عويدات بيروت 1985 الطبعة الثانية ص 415.

[35]. L. D. Crerar, The Law of Banking in Scotland2ndedn. (Tottel Publishing , 2007) P, 205 -23.

[36]Ibid, p 206.

[37] L. Murugiah& H. A. Akgam, “Study of Customer Satisfaction in the Banking Sector in Libya”, Journal of Economics, Business and Management, Journal of Economics, Business and Management, Vol. 3, No. 7, July 2015 Vol. 3, No. 7, July.P674-675.

[38] R. Islam, “Banker’s Reference and the Bank’s Duty of Confidentiality under Common Law Reappraised”,Jahangirnagar University Journal of Law, Vol. IV, 2016, p84.

أنظر قانون المصارف، المادة (95).
40.ولكن ماذا عن حراس الأمن في المصرف وعمال النظافة الرأي الراجح يري أنهم لا يسري عليهم الحظر لان عملهم لا يرتبط بخدمة مصالح الزبائن أو بمعني آخر أنهم لا يستطيعون بحكم وضيفتهم الاطلاع علي معلومات المصرفية التي تخص الزبائن فعملهم يقتصر علي توفير الحماية للمصرف بالنسبة لحراس و القيام بعمل النظافة داخل المصرف بالنسبة للعمال النظافة.

[41]G. Godfery, Godfrey, D. Newcomb, B. Burke, G. Chen N, Schmidt,E. Stadler, D, Coucouni, W. Johnston

& W. H Boss, Bank Confidentiality – A Dying Duty, But Not Dead Yet? Business Law International Vol 17 No 3 September 2016, p 5.

24 . في غير حالات الموافقة الصريحة ، يمكن استخلاص هذه الموافقة من خلال الموافقة الضمنية للعميل عن طريق موافقته بشكل غير مباشر حيث يفهم ذلك من خلال سلوكه في حالة ما إذا كان العميل قام بالسحب علي الأحمر من حسابه وكان قد عين ضامنا له في حالة عدم قدرته علي سدادا المبلغ المسحوب ، في هذه الحالة قد يستطيع البنك إفشاء معلومات الزبون للضامن حتى يتمكن من سداد المبلغ حيث يفهم من ذلك إن الزبون قد أعطي موافقة ضمنية للضامن للاطلاع علي معلوماته المصرفية . علاوة علي ذلك تعتبر موافقة ضمنية في حالة ما إذا وكل صاحب الحساب شخص آخر للقيام ببعض المعاملات المالية ، حيث أنه يعتبر التوكيل بمثابة موافقة الموكل لوكيله باطلاع علي كافة المعلومات التي تتعلق بمعاملاته المالية متى كان من واجب معرفة ذلك حتى يستطيع إتمام العمل الموكل به علي أكمل وجه.

3 الجهة القضائية المختصة وفقا لقانون الإجراءات الجنائية كل من يمثل القضاء سواء من النيابة ، قاضي التحقيق ، المحكمة الجنائية في حالات تحقيق مقتضيات العدالة مادام أن الأمر مرتبط بالنظام العام.
44. تشترط نفس المادة لكي يصبح المراجع القانوني مؤهل للعمل يجب ألا يكون عضو مجلس إدارة المصرف أو من الموظفين أو من الوكلاء أو من الحاصلين علي تسهيلات مصرفية مثل القرض سواء بضمان أو بدونه . و يشترط أيضا عدم وجود أي صلة قرابة بين المراجع القانوني وأي من أعضاء مجلس الإدارة أو بأي مراجع قانوني آخر حتى الدرجة الرابعة.
45. أنظر إلي قانون المصارف، مرجع سبق ذكره .

.[46]صاحب الحق ممكن أن يكون في هذه الحالة دائن لصاحب الحساب ( الزبون) أو يطالب بالمقاصة.

[47]. هذا الاستثناء وجد التطبيق العملي له في قضية سندرلاند وبنك باركليز حيث أن السيدة سندرلاند اشتكي للبنك من عملية رفض صكها المصرفي وذلك بسبب عدم وجود الأموال كافية في حسابه حيث أن البنك قد أعلم زوجها عن قيامها بأعمال المقامرة بدون أذنها فقامت بمقاضاة البنك علي إفشاء هذه المعلومات السرية فجاء حكم المحكمة في صف البنك حيث قالت ان البنك في هذه الحالة قام بإفشاء هذه المعلومات السرية في هذه الحالة أن البنك ملزم بالكشف عن المعلومات البنكية للعميل لان العميل قد قام بمقاضاة البنك وأن البنك وجب عليه الإفصاح عن معلومات العميل حتى يستطيع الدفاع عن نفسه لان هذه المعلومات تتعلق بمصلحة البنك فوجب عليه الكشف عنها حماية لمصلحته.

48.المادة 462 من قانون العقوبات الليبي الصك دون مقابل الوفاء “عاقب بالحبس أو بغرامة لا تتجاوز مائة جنيه كل من أعطى بسوء نيَّة صكاً (شيك) لا يقابله رصيد قائم قابل للسحب أو كان الرصيد أقل من قيمة الصك أو سحب، بعد إعطاء الصك، الرصيد كله أو بعضه بحيث أصبح الباقي لا يفي بقيمة الشيك، أو أمر المسحوب عليه عن سوء نية بعدم الدفع.

حسن لفته، صدام رميش، النظام القانوني للمصارف الالكترونية، مجلة ميسان للدراسات الاكاديمية، العدد 30، 2016 ،ص 284-285[49]

[50]. يدخل أيضا السبب الأجنبي ضمن أسباب التي تنتج الخطأ حيث يعتبر خطأ هنا قد وقع و لكن قد يتم قطع الرابطة السببية وذك بسبب انتفاء الرابطة السببية بين الخطأ و الضرر و بناء عليه يعفي المدين من التزامه.

51. هناك معياريين يتم تحديدهما في هذا الصدد لمسؤولية المدين عن وقوع الخطأ وهما المعيار الشخصي و المعيار الموضوعي إلا أن المعيار الأول لم يأخذ به المشرع الليبي في القانون المدني وإنما أخد بالمعيار الموضعي بناء علي أحكام المادة 214 من القانون المدني الليبي. والذي يعني بكل بساطة معيار الرجل العادي حيث أن هذا المعيار لا ينظر إلى شخص المدين و ما يبذله من عناية فيما يتعلق بشؤونه الخاصة بل بالمقابل ينظر إلي أن العناية التي تم بذلها في تنفيذ التزامه هي عناية الرجل المعتاد في الظروف المعتادة.
[52]. د محمد علي البدوي الأزهري النظرية العامة للالتزام مصادر الالتزام الجزء الأول الطبعة الرابعة ، تاريخ النشر 2003 ص 233.

[53]. نفس المرجع، ص 233.

المادة (220) وضحت الحدود الإعفاء من المسؤولية بالنسبة للمدين حيث نصت على أنه” وكذلك يجوز الاتفاق على إعفاء المدين من أية مسئولية تترتب على عدم تنفيذ التزامه التعاقدي إلا ما ينشأ عن غشه أو عن خطئه الجسيم، ومع ذلك يجوز للمدين أن يشترط عدم مسئوليته عن الغش أو الخطأ الجسيم الذي يقع من أشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه. “.
[55]. مرجع سبق ذكره د محمد علي البدوي الأزهري : النظرية العامة للالتزام مصادر الالتزام الجزء الأول ص 339-340.

[56]. أعطت المادة (244) من القانون المدني الليبي الحق للقاضي بتقدير قيمة التعويض و يشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة و ما فاته من كسب ويكون التعويض علي الضرر المتوقع في وقت التعاقد”.

[57]. تنص المادة 162 من القانون المدني علي انه إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلي الحالة التي كانا عليها قبل العقد ، فإذا استحال ذلك جاز الحكم بالتعويض “.

[58]. القانون المدني الليبي مرجع سبق ذكره.

أنظر حسن لفته، صدام رميش، النظام القانوني للمصارف الالكترونية مرجع سبق ذكره ص-287.[59]

طرق الاثبات الحق في القانون المدني تنقسم إلي الأثبات بطريق الكتابة و الإثبات بغير طريق الكتابة. الأولي تشمل الأوراق الرسمية، و الأوراق العرفية. و الثانية تشمل البينة ( شهادة الشهود) القرائن، الإقرار، اليمين. أنظر المواد من (377 إلى 406).
[61]. مرجع سبق ذكره القانون المدني الليبي أنظر إلى المادة (177).

[62]. القانون المدني الليبي مرجع سبق ذكره أنظر إلى المادة (181).

[63]. القانون الموحد للمصارف مرجع سبق ذكره أنظر إلي المادة (95- 110).

إعادة نشر بواسطة محاماة نت