أبحاث قانونية ورسائل حول المسؤولية المدنية للمصحات الخاصة

مقال حول: أبحاث قانونية ورسائل حول المسؤولية المدنية للمصحات الخاصة

الطبيعة القانونية للمسؤولية المدنية للمصحات الخاصة للطالب الباحث : ياسين نجاري
 محمد الامام العزاوي بحوث قانونية 

الطبيعة القانونية للمسؤولية المدنية للمصحات الخاصة

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

أجمع الفقه والقضاء على تعريف المسؤولية المدنية بصفة عامة على أنها الالتزام بتعويض الضرر المترتب عن الإخلال بالتزام أصلي سابق وهذا الالتزام إما أن يكون مصدره خطأ يتمثل في الإخلال بالتزام عقدي، أو أن الالتزام يجد سنده في نص من نصوص القانون فيكون الخطأ متمثلا في الإخلال بالتزام يفرضه القانون يتمثل في واجب الحيطة والتبصر وعدم الأضرار بالغير ويرتب بالتالي المسؤولية التقصيرية عن الفعل الشخصي أو عن فعل الغير أو عن فعل الأشياء، ومما سبق فإن المسؤولية المدنية تنقسم إلى مسؤولية عقدية وإلى مسؤولية تقصيرية، ومما لا شك فيه أن المسؤولية المدنية للمصحات الخاصة لا يمكن أن تخرج عن إطار المسؤولية العقدية أو المسؤولية التقصيرية .

وإذا كانت المسؤولية المدنية للمصحات، شأنها شأن المسؤولية المدنية للأطباء، صورة من صور المسؤولية المدنية، إلا أنها تكتسي أهمية كبرى على الصعيدين الفقهي و القضائي، فضلا على أنها تتصل بالطب وبالصحة العامة.

وقد تم حصر موضوعنا هذا في مسؤولية المصحات الخاصة دون غيرها من مرافق الصحة العمومية أو المصحات العامة أيا كانت التسمية التي تطلق عليها[1].

هذا ولم يكن ظهير 19 فبراير 1960 [2] يعرف المصحة الخاصة في الوقت الذي لجأ فيه الفصل 18منه إلى تعداد ما يدخل تحت مفهوم المؤسسات التي يتم اللجوء إليها قصد الاستشفاء حيث ذكر في الفقرة الأولى من الفصل المذكور “مصحة أو مستوصف أو مؤسسة علاجية أو مستشفى خصوصي “، وهي التي سماها الفصل 16 منه ” المنظمات الخصوصية التي يعالج فيها المرضى“.

في حين أن القانون رقم 13-131 المتعلق بمزاولة مهنة الطب [3] تدارك هذا النقص التشريعي وعرف المصحة في المادة 59 منه، حيث جاء فيها مايلي :

” يراد في مدلول هذا القانون بالمصحة، أيا كان الاسم المطلق عليها وسواء كان الغرض منها تحقيق ربح أم لا، كل مؤسسة صحية خاصة تهدف إلى تقديم خدمات التشخيص والعلاج للمرضى والجرحى والنساء الحوامل أو بالمخاض في إطار الاستشفاء، طوال المدة التي تستدعيها حالتهم الصحية و/أو تقوم بتقديم خدمات تتعلق بإعادة تأهيلهم.ويجوز للمصحة أيضا المساهمة في ” مصلحة الاستعجال الطبي” وفق النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل في مجال تنظيم العلاجات….”

ولقد أثير نقاش فقهي كبير بين رجال الفقه والقضاء حول تكييف المسؤولية المدنية للطبيب بصفة عامة والمسؤولية المدنية للمصحات بصفة خاصة، ولكل رأيه وحججه وهذا ما سنتطرق إليه من خلال هذا المقال عن طريق تقسيمه إلى مطلبين، سنتناول في (المطلب الأول) الاتجاه القائل بالأساس العقدي لمسؤولية المصحة الخاصة، على أن نتناول في (المطلب الثاني) للاتجاه القائل بالأساس التقصيري لمسؤولية المصحة الخاصة .

المطلب الأول: الاتجاه القائل بالأساس العقدي

يوجد من الفقه والقضاء من بين أحكام المسؤولية المدنية للمصحات الخاصة على الأساس العقدي وذلك بالاستناد على عدة مبررات وعلى رأسها عقد الاستشفاء الرابط بين المريض والمصحة، وذلك على مستوى الفقه (الفقرة الأولى)، على أن نتناول بعدها للاتجاه القضائي المؤيد للأساس العقدي (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: موقف الفقه من الطبيعة العقدية لمسؤولية المصحات الخاصة

يميل الفقه العربي الغالب نحو تأسيس مسؤولية المصحات الخاصة على النظرية العقدية، ويرى محمود جمال الدين زكي [4] أن المريض الذي يبرم العقدين (عقد الاستشفاء والعقد الطبي) مع شخص واحد يكون طبيبا يمتلك المصحة أو غير طبيب، ويوكل إدارتها إلى طبيب آخر، وفي كلتا الحالتين تقوم المسؤولية العقدية على عاتق المصحة.

غير أنه في كل الأحوال، المسؤولية التي يمكن للمصحة أن تتعرض لها لا تعدو أن تكون مسؤولية عقدية، وفي هذا الإطار يقول الأستاذ مصطفى جمال:”أن الطبيب المتعاقد يسأل مسؤولية تعاقدية عن أعمال من يستعين به من المساعدين وأخصائي التحليل وموردي الدم، والمستشفى الخاص يسأل مسؤولية تعاقدية عن أعمال الأطباء ومساعديهم العاملين فيه”. [5]

وغالبا ما يلجأ المريض إلى طبيب أخصائي الذي يتفق معه لإجراء عملية جراحية معينة له في مصحة خاصة لا يملكها هذا الأخصائي، فهنا يطرح التساؤل التالي: هل تسأل المصحة عن خطأ هذا الأخصائي مسؤولية عقدية أم لا؟

فالأخصائي قد تعاقد مــــــــــــــــــــــــــــع المريض في حين أن الطاقم الطبي العامل في المصحة لا تربطهم بالمريض أية علاقة عقدية [6] ، وإذا ما وقع خطأ من طرف أخصائي فإن هذا الأخير هو المسؤول عن الأضرار التي ارتكبها دون المصحة على اعتبار أن هاته الأخيرة لم تلتزم في مواجهة المريض بضمان عمل الأخصائي، وأن العقد الطبي لم يتم ابرامه في المصحة وإنما خارج نطاق إدارة المصحة التي يقتصر دورها هنا في تقديم المعونة للأخصائي، بتخصيص غرفة تحت عهدته، فهذا الأخير لا يمارس نشاطه الطبي باسم المصحة، وإنما باسمه الخاص وهنا تثار مسؤوليته الشخصية المباشرة.

وهذا الاتجاه تبناه أحد الباحثين المصريين الذي أكد بأن الخطأ الذي يقع من الطبيب لا صلة له بالالتزام الواقع على عاتق المصحة بتقديم الرعاية للمريض. [7]

أما إذا نجم خطأ من قبل الطاقم الطبي العامل في المصحة فهل تسأل المصحة هنا في هذه الحالة؟

وفي هذا الصدد يرى أحد الفقهاء بأنه في حالة ما لم يوجد شرط صريح ينص على المسؤولية التضامنية بين الطبيب والمصحة فإنه لا بد من التمييز بين العمل الطبي والعمل العلاجي أي الرعاية الطبية أو الخدمة المقدمة من طرف المصحة، حيث يقول بأنه يمكن التفرقة بين حدود الالتزام الذي تعهد به الجراح أو الطبيب وحدود الالتزام الذي تعهدت به المصحة تبدو لا مبررة تماما، فالتقدم الذي حدث في مجال العلاج يسمح للطبيب بأن يستعين بالمصحة للقيام بهذه الرعاية، وهنا تكون المصحة مسؤولة عن أخطاء المساعدين الذين تستعين بهم في تنفيذ ما التزمت به. [8]

وذهب اتجاه فقهي إلى القول بأن تكييف مسؤولية المصحة في هذه الحالة على الأساس العقدي أمر مجانب للصواب، لأن العلاقة العقدية نشأت بين الأخصائي والمريض وليس باسم المصحة والمريض، وأن المصحة ما هي إلا منفذة للعقد الطبي، وأنه يمكن مساءلتها على الأساس التقصيري أو الرجوع مباشرة إلى الطبيب الأخصائي باعتباره مسؤولا عن فعل الغير (المصحة) .[9]

ومن منظورنا المتواضع فإننا لا أتفق مع الرأي الذي يسائل المصحة على الأساس التقصيري، لأن المصحة حتى ولو كانت لا تتدخل في الأصول الفنية لعمل الطبيب الزائر، فإنها تعتبر مسؤولة عن أخطائه الطبية، وهذا ما أكده الاجتهاد القضائي المغربي في أكثر من مرة،فإذا كان الطبيب الزائر يحتفظ بحريته واستقلاله من الناحية التنظيمية أو الإدارية فيستقل وحده بتحديد مكان ووقت إجراء العمليات والفحوصات الطبية، وينعدم أي إشراف عليه في هذا الشأن فيمتنع حينها القول باعتباره تابعا للمصحة،فإن هذا الأمر يكاد لا يتحقق في الغالب لأن الطبيب الزائر في علاقته مع المصحة، يجب عليه أن يحترم نظامها الداخلي الذي يعتبر بمثابة قانون أو قاعدة عامة تتضمن الشروط المتعلقة بشروط العمل وتنظيمه، وعليه فالموافقة المطلقة من طرف المصحة على السماح للطبيب الزائر بالممارسة داخلها في الحالة التي يحضر مرضاه لعلاجهم بها، تعد قرينة كافية تجعل المصحة تقبل مسبقا بتحمل تبعة أخطائه، نظرا لاعتباره تابعا تنظيميا لها، وبالتالي يمكـن مساءلة المصحة على الأساس العقدي بناء على الإخلال بعقد الاستشفاء أو طبقا لقواعد المسؤولية العقدية عن فعل الغير.

وبالتالي نستنتج أن عقد الاستشفاء يجب عقد ممارسة المهنة، كما يجب كذلك العقد الطبي.[10]

الفقرة الثانية : موقف القضاء من الطبيعة العقدية لمسؤولية المصحات الخاصة

سنتعرف من خلال هذه الفقرة على المؤيدات العقدية لمسؤولية المصحات انطلاقا من الاجتهاد والقضاء المقارن (أولا) على أن نتناول (ثانيا) التوجه القضائي المغربي في الموضوع.

أولا: القضاء المقارن

سنتناول توجه القضاء الفرنسي (1)، ثم القضاء في الدول العربية (2).

:القضاء الفرنسي -1

بنت محكمة النقض الفرنسية المسؤولية المدنية للمصحات على أساس عقدي،وذلك منذ منتصف القرن الماضي بقرار مشهور صادر بتاريخ 6 مارس 1945 [11]، وهو القرار المعروف بـ (arrêt clinique sainte croix) نسبة إلى اسم المصحة.[12]

وقد تمكن القضاء الفرنسي من تقعيد المقتضيات المنظمة والمحددة للمسؤولية ضمن وسط علاجي، والقاعدة العامة المستقر عليها هي أن الأطباء ومن في حكمهم وأعوانهم سواء كانوا أجراء أو مسيرين أو شركاء، يعتبرون تابعين للمصحة، وهي المسؤولة عن الأضرار التي يتسببون فيها للمرضى وللغير[13]،بحيث يمكننا أن نقول بأن عقد الاستشفاء يجب العقد الطبي وبالتالي لم تعد هناك أهمية للتمييز بينهما فيما يتعلق بالمسؤولية، وله في هذا المجال تفصيل يؤخذ من مصادره.[14]

أما في حالة الممارسة الحرة لمهنة الطب داخل المصحة من طرف طبيب غير أجيرأو مالك أو مسير أو شريك لها بناء على اتفاق بينه وبين مالكها أو مسيرها، فقد استقر الفقه والقضاء هناك على التمييز بين مسؤولية الطبيب عن الأضرار التي تلحق بالمريض الذي يلجأ إليه طالبا للعلاج القائمة على أساس العقد الطبي،وبين مسؤولية المصحة الخاصة القائمة على أساس عقد الاستشفاء، وهذا ما سنحاول توضيحه في مرحلتين أساسيتين ::

المرحلة الأولى: المسؤولية العقدية للمصحات عن الأعمال العلاجية فقط

صدر قرار عن محكمة النقض الفرنسية في 06 ابريل 1946[15] يقر الطبيعة العقدية لمسؤولية المصحات الخاصة، وأن هذه الأخيرة مسؤولة عقديا عن فعل الممرضة في الفترة اللاحقة عن التدخل الجراحي.

وتميزت هذه المرحلة بازدواجية العقد الطبي وعقد الاستشفاء، فالمريض الذي يدخــــــل المصحة يبرم عقدين مع شخصين مختلفين: الأول عقد الاستشفاء موضوعه الخدمات العلاجية والتمريضية [16]، والثاني عقد العلاج الطبي يبرم مع الطبيب المعالج موضوعه الأعمال الطبية .[17]

وبالتالي ذهب القضاء الفرنسي إلى كون المصحة لا تسأل عن فعل الأطباء والجراحين [18]، وقد تسأل فقط مسؤولية عقدية عن إخلالها بعقد الاستشفاء الرابط بينها وبين المريض والذي ليس من ضمنه الأعمال الطبية الخاصة بالأطباء.[19].

المرحلة الثانية: المسؤولية العقدية للمصحات عن الأعمال العلاجية والأعمال الطبية

تميزت هذه المرحلة بصدور قرار عن محكمة النقض الفرنسية في4يونيو1991.[20]

وتعود وقائع النازلة في كون أحد المرضى يدعى بوكسمبومBoksembnaum ذهب إلى مصحة Fondation Adolphe de Rothochild لعلاج تمزق حصل له في طبل أذنه، نتج عنه كذلك إكزيما « Eczéma » وصف له الدكتور بوعزيز (Bouaziz) دواء على شكل قطرات الأذن تم تجديد هذا الدواء من طبيب أخر كرامبس (Kraimps )يعمل في المصحة.

غير أن تفاقم الآلام جعله يعود للمصحة للمرة الثالثة حيث قام الدكتور جنان (Guenin) بفحصه وإدخاله المصحة، تبين بعد ذلك أن الضرر الذي أصاب المريض نتج عنه عجز مؤقت محدد في 15 يوما، وأن التعويض المستحق تبعا لذلك هو 120.000 فرنك فرنسي.

ذهبت محكمة باريس في 2 مارس 1987 إلى إلقاء المسؤولية على عاتق كل من المصحة والأطباء التابعين لها ..

غير أن محكمة الاستئناف استبعدت مسؤولية المصحة، وحملت المسؤولية للأطباء فقط.

وقد تم الطعن في هذا الحكم فقضت محكمة النقض الفرنسية بنقض القرار الاستئنافي واعتبرت أن عقد العلاج إنما يبرم بين المريض والمصحة، وبأن الأخيرة مسؤولة عن الأضرار التي يسببها الأطباء التابعين لها، وأن محكمة الاستئناف لما قضت بخلاف ذلك تكون قد خرقت المادة 1147 من القانون المدني الفرنسي.[21]

نستنتج من خلال قرار محكمة النقض المشار إليه أعلاه خروجه عن القاعدة العامة المشار إليها في المرحلة الأولى، فتبثث فكرة وحدة عقد الاستشفاء الذي يبرمه المريض مع المصحة ويشمل بالإضافة إلى الأعمال العلاجية، الأعمال الطبية التي هي من اختصاص الأطباء..

غير أن الأمر لم يقف عند هذا الحد بل ذهب القضاء الفرنسي في قرار صادر عن محكمة الاستئناف بباريس بتاريخ 25 فبراير 1994 [22] إلى إقرار مسؤولية المصحة عن فعل الطبيب حتى ولو كان يمارس هذا الأخير عمله الطبي في إطار ما يعرف بعقد ممارسة المهنة داخل المصحة وهذا يعني أن محكمة باريس اعتبرت عقد الاستشفاء يجب العقد الطبي فتكون المصحة مدينة بالالتزام بتقديم الاعمال العلاجية وكذا الأعمال الطبية وان كانت تقدم هذه الاخيرة من قبل الأطباء غير دائمين لدى المصحة أي في إطار عقد ممارسة المهنة داخلها [23] إلا أن محكمة النقض لم تساير موقف محكمة الاستئناف بباريس وقضت في قرار صادر عنها في 26 ماي1999 [24] أن مساءلة المصحة تقتضي أن يكون الطبيب تابعا لها.

إضافة إلى ما تقدم فإن المصحة تسـأل مسؤولية عقدية عن إخلالها بمراقبة المريض وهو التزام بوسيلة.[25]

2– موقف القضاء بالدول العربية

إذا كان القضاء الفرنسي ملتزما بالطبيعة العقدية للمصحات الخاصة منذ قرار 6 مارس 1945،فإن القضاء في الدول العربية انقسم إلى ثلاثة طوائف إزاء طبيعة مسؤولية المصحة فمنهم من أسسها على الطابع العقدي كأصل، وتقصيرية استثناء في حالات محددة ومنه من أسسها على الطابع التقصيري، ومنه من صمت وأحجم عن تحديد طبيعتها، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن غالبية الفقه العربي [26] يميل إلى الطبيعة العقدية لمسؤولية المصحة مسايرا في ذلك قضاء النقض الفرنسي، لذا نستعرض في هذه النقطة للقضاء اللبناني والقضاء الأردني والقضاء التونسي كأمثلة لقضاء بعض الدول العربية التي تأخذ بالطبيعة العقدية لمسؤولية المصحات الخاصة عن الأضرار التي تلحقها بمرضاها.

ففي لبنان، أصدرت محكمة بداية بيروت حكما أقرت فيه مبدأ المسؤولية العقدية للمصحة الخاصة وتتلخص وقائع القضية في أن سيدة مسنة دخلت مصحة قصد العلاج، وبعد أن انتهى الطبيب من فحصها حاولت هذه السيدة النزول عن طاولة الفحص فسقطت وأصيبت بكسر فرفعت دعوى ضد المصحة تطالب بتعويض الضرر على أساس المسؤولية العقدية لإخلال الطبيب بواجباته المهنية، والمسؤولية الجرمية لإهماله في معاينتها ولكونه أيضا حارسا لطاولة الفحص التي سقطت عنها، وبتاريخ 11/4/1973 أصدرت محكمة بداية بيروت (الغرفة المدنية) حكما في هذه القضية قررت فيه:” أن الضرر حصل للمدعية أثناء وجودها بالمصحة وأثناء قيام الطبيب بواجباته المهنية التعاقدية أو في معرضها باعتبار أن العلاقة التي تــــــــــــــــــربط بينهما هي علاقة تعاقدية”.[27]

أما في الأردن، فإن محكمة بداية الزرقاء [28] قد تصدت للأمر، وتوصلت إلى أن مسؤولية الطبيب عقدية في قضية تتلخص وقائعها في كون أحد المرضى كان يعاني في ألم في ظهره، حيث تم تصويره شعاعيا وشخصه الطبيب المعالج على أنه يعاني من بروز دسك مركزي بين الفقرتين الرابعة والخامسة حيث قام هذا الطبيب بإجراء عملية لهذا المريض وتبين بعدها أن الحركة في الكاحل وأصابع القدم اليسرى معدومة، وعلى الرغم من ذلك بادر الطبيب إلى إخراج المريض من المصحة وتبين بعد ذلك أن العملية لم يتم إجراؤها في مكان التشخيص الصحيح بين الفقرتين الرابعة والخامسة، وإنما أجريت في ما بين الفقرتين الثالثة والرابعة وهو موقع سليم خال من الانزلاقات الغضروفية وهو الأمر الذي تطلب إجراء عملية في المكان الصحيح بعد ذلك فقد أدى إجراء العملية الأولى إلى عجز في القوى العامة للمريض بواقع 5% .

وهكذا يتضح أن محكمة الزرقاء قد أقرت صراحة المسؤولية العقدية في هذه القضية حيث ورد بحيثيات حكمها مايلي:

” إن المطلوب من الطبيب وفقا للمسؤولية العقدية مع المريض وذويه هو بذل العناية التي تستدعيها الحالة والتي تبذل بمثلها ويبذلها الطبيب وهذا يستدعي التزاما بتقديم كافة ما يتوجب من العناية وفقا للقواعد المقررة طبيا ووفقا للأصول الطبية“.

كما قضت محكمة التمييز الأردنية، بأن العاهة التي أصيبت بها الطفلة نتجت عن كسر في إحدى عظام الرقبة لم يتم علاجه في أوانه بسبب عدم تصوير رقبتها، رغم أن حالتها كانت تشير إلى وجود مثل هذا الكسر المتوقع، مع أن المعالجة تمت تحت إشراف الطبيب ومساعديه، وهذا يشكل خطأ في التشخيص أدى إلى خطأ في المعالجة، حيث ألزمت المحكمة المصحة وصاحبها (وهو الطبيب) بالتعويض عن الضرر الذي أصاب الطفلة.[29].

أما في تونس، فقد اعترف القضاء التونسي [30] بالطبيعة العقدية للمسؤولية المدنية للمصحة حيث قررت محكمة الاستئناف بتونس بتاريخ 29 أبريل 1998 “حيث لا جدال في ثبوت الأضرار الحاصلة للمستأنف ضد المدعي في الأصل من جراء عملية التصوير

وحيث إن التجاء المريض للمصحة يكون في إطار عقد يحصل بمجرد أن يعرض المريض نفسه للعلاج دونما حاجة إلى حصول ذلك الاتفاق في نطاق شكل معين وتختلف طبيعة التزام الطبيب تجاه المريض بحسب مضمون العقد المبرم بينهما فهو التزام ببذل العناية إذا ما تعلق الأمر بالعلاج في حد ذاته باعتبار عمل الطبيب يتضمن في هذا الخصوص دائما جانبا من الافتراض ومن الحكمة أن لا يقع تحميله تبعة هذا الجانب وهو الالتزام بتحقيق نتيجة إذا ما تعلق الأمر بتشخيص المريض ومؤداه أن الطبيب لا يجب أن يعرض المريض لأي خطر متأتي مما يستعمله من أدوات علاج وأجهزة ومما يسلمه له من أدوية وبأن ينقل إليه مرضا آخر نتيجة ما ينقله له من دم أو غير ذلك.

وحيث ينتج عن طبيعة التزام المصحة وهو حالة الحال أن عدم توفر النتيجة تكفي لقيام مسؤوليتها ولا تستطيع حينها المصحة أن تدفع عندها تلك المســؤولية إلا إذا أثبتت أمرا طارئا أو قوة قاهرة أو خطأ المريض المتضرر نفسه“.

وهكذا نخلص مما سبق أن القضاء في الدول العربية اعتبر العلاقة بين المريض والمصحة هي علاقة عقدية، وأن مجرد إخلال هاته الأخيرة بالتزاماتها يرتب حتما مسؤوليتها التعاقدية.

ثانيا: موقف القضاء المغربي

استقر القضاء المغربي على اعتبار مسؤولية المصحات مسؤولية عقدية ويتجلى هذا من خلال الاطلاع على بعض القرارات المهمة الصادرة عنه، ونخص بالذكر هنا :

قرار للمجلس الأعلى [31]( محكمة النقض حاليا) الذي اعتبر فيه بأن المصحة مسؤولة عما يرتكبه الأطباء من أخطاء ولو كانوا يمارسون مهامهم بصفة عرضية، حيث ورد في حيثيات هذا القرار ما يلي ::

“وحيث إنه لما أجرى العملية القيصرية للمشتكية في مصحة سلا كان بموافقة ادارة المصحة المذكورة التي وضعت غرفة تحت عهدته، وكذا أدوات الجراحة والممرضة المساعدة وحيث إن ذلك ينم عن رضا تام وموافقة يصبح معها الدكتور تابع لمصحة المقام الجميل ولو خلال هذه العملية فقط، الشيء الذي يستدعي اعتبار المصحة مسؤولة مدنيا عما يحدث من أخطاء من الدكتور الاختصاصي الذي أصبح تابعا لها بمقتضى هذه العقدة الخاصة لهذه العملية، يكون قد جاء مبنيا على أساس قانوني سليم ومعللا تعليلا كافيا، مما تكون معه الوسيلة غير مجدية“.

وفي نفس السياق فقد أكد المجلس الأعلى(محكمة النقض حاليا) في قرار آخر ما يلي :

” لكن حيث إن المحكمة عندما عللت قرارها بكون الدكتور العراقي هو الذي أجرى العملية الجراحية للمطلوبة بمقر المصحة…

وبموافقة إدارة هذه الأخيرة…تكون بهذا التعليل، قد اعتبرت الطبيب المعالج تابعا للمصحة فيما يخص العمل الذي قام به، وحملت المصحة نتائج الأخطاء الصادرة عنه…

وجاء بذلك قضاؤها مرتكزا على أساس، وقرارها معللا بما فيه الكفاية وما بالوسيلة عديم الأساس… “[32]

انطلاقا مما سبق يتضح أن المجلس الأعلى(محكمة النقض حاليا) لم يكتف بتطبيق القانون بل عمل على تطويره وأضاف إليه عنصر علاقة التبعية الذي هو مكان ممارسة العمل في القرارين أعلاه، وعليه فالموافقة المطلقة من طرف المصحة ورضاها التام على سماحها للطبيب الزائر بالممارسة داخلها، تعد قرينة كافية تجعل المصحة تقبل مسبقا بتحمل تبعة أخطائه، نظرا لاعتباره تابعا تنظيميا لها.

كذلك نستشف من القرارين أعلاه أن عقد الاستشفاء يجب عقد ممارسة المهنة داخل المصحة ويجب كذلك العقد الطبي وبذلك تكون مسؤولية المصحة مسؤولية عقدية عن فعل الأطباء الزائرين كذلك من بين القرائن التي اعتمدها القضاء المغربي لاعتبار الطبيب الزائر تابعا للمصحة هناك قرينة تقديم الفاتورة للمريض من طرف إدارة المصحة وإجباره على أدائها وهذا ما قضت به المحكمة الابتدائية بالرباط في حكمها السابق حيث اعتبرت المصحة مسؤولة مدنيا عن الخطأ الذي ارتكبه الطبيب الزائر على اعتبار انه أجرى العملية داخل المصحة واستعان بأدواتها الطبية، كما أن جميع الواجبات المتحصلة من اجل العملية الجراحية أديت بها بما فيها أتعاب الطبيب الجراح المتابع [33]، ونستنتج من خلال هذه القرينة أن الطبيب الزائر يعمل لصالح ولفائدة المصحة وليس لحسابه الخاص كما لا توجد هناك علاقة مباشرة بين الطبيب ومرضى المصحة فهو يقوم بأداء عمله لصالح ولفائدة المصحة على اعتبار أن هذه الأخيرة تحله محلها في تنفيذ جزء من التزامها المتمثل في تقديم العلاجات الطبية للمرضى بمقتضى عقد الاستشفاء الذي يربطهم بها.

وهذا الموقف هو ما أثاره حكم المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء الصادر بتاريخ 27/3/2006 والذي جاء فيه مايلي :

” وحيث يستخلص من ذلك أن المصحة المذكورة التزمت اتجاه المدعية بإجراء عملية جراحية بواسطة فريق طبي قامت بتشكيله ولا يوجد بالملف ما يفيد بصفة مؤكدة أن المدعية تدخلت أو ساهمت في هذا التشكيل وبذلك فان الضرر الذي تسبب فيه الدكتور القادري تبقى المصحة مسؤولة عنه مدنيا باعتبارها المؤسسة العلاجية التي تعاقدت مع المدعية واحتضنت العملية الجراحية… ” .[34]

وعليه نستنتج أن المصحة بقبولها بالمريض فإنها تعتمد على نفسها في مراجعته بالتزامات متعددة وهي لا تستطيع تنفيذ هذه الالتزامات إلا عن طريق الاستعانة بأطباء وجراحين ومعاونين لهم سواء يعملون بصفة دائمة أو في إطار ممارسة المهنة.

فالمصحة تكون مسؤولة عن عدم تنفيذ هذا الالتزام العقدي المتمثل في ضمان عناية طبية مناسبة لحالة المريض الصحية، وتكون مسؤولة أيضا عن تنفيذه تنفيذا معيبا وتقوم هنا مسؤولية المصحة تجاه المريض على أساس الفصلين 233 [35] و 739[36] من ق.ل.ع، وهي لا تسأل على أساس أن فاعل الضرر في مركز تابع بالنسبة لها كما هو الحال في المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير، ففي دائرة المسؤولية العقدية، وطبقا للمبادئ المعروفة في مجال هذه المسؤولية، لا يكون من حق المتعاقد أن يختار أو ينيب تابعيه في التنفيذ دون أن يكون مسؤولا عنه خصوصا إذا ما ارتكب أخطاء في تنفيذ هذا الالتزام المتفق عليه.[37]

وهكذا يتبين لنا أن وجود عقد الاستشفاء بين المصحة والمريض يكون له تأثير على فكرة المسؤولية العقدية عن فعل الغير إذ تكون المصحة مسؤولة عن فعل وخطأ الطبيب الذي حل محلها، وبتعبير أدق فإن المصحة تسأل عن عدم تنفيذ التزامها العقدي في مواجهة من تعاقدت معه، ولو كان عدم التنفيذ هذا ناتجا عن فعل أو خطأ الطبيب الزائر الذي أدخلته المصحة نفسها لتنفيذ العقد.

المطلب الثاني : الاتجاه القائل بالأساس التقصيري

لئن كان المستقر عليه حاليا في الفقه والقضاء هو اعتبار المسؤولية المدنية للمصحات مسؤولية عقدية، تستند أساسا إلى العقد الذي يربط المصحة بالمريض، فإن هذا لم يمنع من وجود اتجاه آخر يدافع عن الأساس التقصيري لهذه المسؤولية وسنحاول بداية في هذا المطلب أن نلقي الضوء على موقف الفقه بشأن الأساس التقصيري لهذه المسؤولية (الفقرة الأولى)، على أن نقوم بعرض موقف القضاء لإثبات صحة هذا التوجه (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : الاتجاه الفقهي القائل بالاتجاه التقصيري

يرى الفقيه الفرنسي كاربونييه[38] (Carbonnier) إلى أن العلاج يتعلق بالمساس بحياة الأشخاص وسلامة جسمهم وبمصلحة المجتمع، وأن تلك الاعتبارات تجعل المساس بها مساسا بالنظام العام الذي يوجب خضوع المخالف له إلى قواعد المسؤولية التقصيرية وليس العقدية.

وينادي الاتجاه الفقهي المذكور أعلاه بتطبيق أحكام المسؤولية التقصيرية على الأخطاء الطبية رغم وجود علاقة عقدية بين المصحة والمريض، ويرى أن التزام هذا الأخير بموجب هذا العقد هو دفع الأجر المستحق للمصحة فقط، وليس من أثر يقابل هذا الالتزام تلتزم بمقتضاه المصحة إزاء المريض[39].

ويضيف أنصار هذا الاتجاه أن ما جاءت به محكمة النقض الفرنسية بإقرارها المسؤولية العقدية للطبيب وكذلك المصحة في قرارها الشهري الصادر عام 1936، كانت الغاية من إصداره هي إخضاع الدعوى المدنية للتقادم الطويل وليس للتقادم الثلاثي، وأنه ليس ثمة سبب فني آخر لتبني ما قضت به المحكمة المذكورة حسب هذا الفقه والذي أدى إلى التناقض، فالفعل الواقع من الطبيب فعل واحد مكون لجريمة ذات مسؤولية جنائية ومسؤولية مدنية في آن واحد، ولا يوجد أساس للتمييز بين هاتين المسؤوليتين عن الفعل المرتكب، كما أن تطبيق المسؤولية العقدية بدلا من المسؤولية التقصيرية، لا يحقق أية فائدة للمجني عليه، وأن العقد هنا مفترض وغير موجود في جميع الحالات [40] ويلاحظ أن هذا الاتجاه لقي ترحيبا لدى الفقه المصري كذلك حيث ذهب جانب منه إلى القول أن مسؤولية المصحة المدنية، مسؤولية تقصيرية، على اعتبار أن طبيعة العمل الطبي تستمد أصولها من القواعد القانونية المتعلقة بالتزام الطبيب في علاج المريض. والتي تفرض عليه التقيد بالحيطة والحذر أثناء أدائه لعمله الطبي وإخلاله بهذا الالتزام يستوجب تطبيق أحكام المسؤولية التقصيرية.

ويذهب البعض إلى أن الحالة التي يكون فيها الالتزام الأصلي الناشئ عن العقد التزاما عاما، فإن الطبيب يكون مطالبا في هذه الحالة بالتزامين: أولهما بذل العناية والحيطة في السلوك اتجاه الآخرين وثانيهما إلتزام آخر مصدره العقد ويلتزم الطبيب أيضا ببذل العناية والحيطة أثناء علاج المريض، ويضيف هذا الفقه أن العقد لم يضف شيئا جديدا لأن القانون سبق أن عالج نفس المسألة، وأن القانون بالأصل أنشأ الالتزام بعدم الإضرار بالغير، فمن الصواب اعتبار المسؤولية الناجمة عن خرق هذا الالتزام مسؤولية تقصيرية.[41]

وفي هذا الإطار ذهب أوليفي لونتر( Olivier Lanters ) إلى اعتبار أن الأساس العقدي لمسؤولية المصحات سيصبح في المستقبل غير ملائم وأن مسؤولية المصحات ستنتقل من الأساس العقدي إلى الأساس التقصيري.[42]

كما ذهب سيريل كليمون( Cyril Clément) في أطروحته أن خطأ الطبيب التابع للمصحة قد يكون خطأ تقصيريا على أنه في باقي الحالات الأخرى يظل الخطأ عقديا.[43]

أما الأستاذ مصطفى جمال [44]، فيؤكد أن “مسؤولية المؤسسة الطبية عن أعمال منسوبيها من غير الأطباء المعالجين تكون مسؤولية عقدية عن فعل الغير، أما مسؤوليتها عن أعمال الطبيب المعالج فلا تكون إلا مسؤولية تقصيرية في حدود ما تسمح به قواعد مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعيه نظرا لأنها ليست طرفا في عقد العلاج الذي يفترض انه أبرم مع الطبيب، وتبعا لذلك فالمؤسسة لا تكون مسؤولة عن عمل الطبيب إلا إذا توافرت علاقة التبعية بينهما وبينه وهو ما يتطلب أن يكون مرتبطا بها بعقد عمل”.

ومن منظورنا المتواضع نرى أن استدعاء المصحة للطبيب قصد تقديم العلاج لمرضى المصحة تحكمه قواعد المسؤولية العقدية عن الأفعال الضارة الصادرة عن الأطر الطبية وغير الطبية، وهذا ما يتضح من خلال وجود عقد الاستشفاء بين المصحة والمريض الذي له تأثير على فكرة المسؤولية العقدية عن فعل الغير، وأن تكون هنا المصحة مسؤولة عن فعل وخطا الطبيب الذي حل محلها، وبتعبير أدق فان المصحة تسأل عن عدم تنفيذ التزامها العقدي في مواجهة من تعاقدت معه، هذا من جهة، ومن جهة ثانية إذا اعتبرنا أن المصحة تسأل مسؤولية تقصيرية باعتبارها كمتبوع عن الأعمال الضارة للأطباء العاملين بها فإنه من باب أولى أن تسأل كذلك عن أعمال الأطر الغير الطبية فإنه ليس من الغريب في المجـــــــــــــــــــال الطبي أن تطبق القواعد العامة في المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير خصوصا إذا لم تسعف المسؤولية العقدية عن فعل الغير المضرور في الحصول على تعويض [45].

الفقرة الثانية : الاتجاه القضائي القائل بالاتجاه التقصيري

دأبت المحاكم الفرنسية ردحا من الزمن على تطبيق القواعد العامة للمسؤولـــية التقصيرية على المسؤولية المهنية، وخاصة منها مسؤولية المصحات، بعلة أن الالتزام المهني لا ينشأ عن الاتفاق مع العميل نظرا لجهله بهذه الالتزامات وهذا هو حال التزام المصحة مع المريض، ومن تم فلا يفترض أن مثل هذه الالتزامات تدخل دائرة التعاقد لا صراحة ولا ضمنا، علاوة على أن هذه الالتزامات تتعلق بقواعد المهنة التي تفرض على المهنيين، فهي بتلك السمات تقترب من الالتزامات القانونية منها للالتزامات العقدية وأن العقد المبرم بين المصحة والمريض أمام القضاء الفرنسي لا يتضمن إلا التزام المريض بدفع الأجر للمصحة، وليس له من اثر على المصحة يقابل ذلك.[46]

ومسؤولية المصحة إذا كانت في الغالب عقدية فإنها يجب أن تبقى أيضا تقصيرية لاعتبارها مسؤولة دائما بإتباع الأصول العلمية المستقرة في علم الطب وهذا يعني أن مسؤوليـــــــة المصحة عقدية وتقصيرية معا، والغالب أن المسؤولية التقصيرية قائمة قبل حصول التعاقد. [47]

وذهبت محكمة باريس في حكم صادر في18/03/1938 على أن المسؤولية التي تتعرض لها المصحات ذات طابع تقصيري بصفة عامة، وذلك لانعدام حرية المريض في اختيار الطبيب.[48]

وفي الأخير نرى أن طبيعة المسؤولية المدنية للمصحات الخاصة تجاه زبنائها، قد عرفت جدلا فقهيا وقضائيا، حيث هناك من الفقه والقضاء من يرى على أنها مسؤولية عقدية، وبين من يرى على أنها مسؤولية تقصيرية.

فكان من الأهمية بمكان، دراسة أهمية التمييز بين نوعي المسؤولية وأثرها في المجال الطبي، وخلصنا إلى أن المسؤولية المدنية للمصحات الخاصة، إذا كانت في بعض الحالات تتخذ طابعا تقصيريا، فإنه عند التدقيق فيها يتضح أنها ذات أصل عقدي نظرا للعقد الرابط بين المصحة و المريض، وهو ما يعرف في الممارسة التعاقدية بعقد الاستشفاء .

[1] _ للتوسع أكثر في الموضوع يراجع :أحمد ادريوش، مسؤولية مرافق الصحة العمومية، سلسلة المعرفة القانونية، الكتاب السابع، البوكيلي للطباعة والنشر و التوزيع، القنيطرة، الطبعة الأولى، 1999.

[2] _ ظهير شريف رقم1.59. 367 مؤرخ في 21 شعبان 1379الموافق ل19 فبراير 1960 تنظم بمقتضاه مزاولة مهن الأطباء و الصيادلة وجراحي الأسنان و العقاقير والقوابل منشور، ج.ر.عدد2470 بتاريخ 1960/02/26، ص 674، كما وقع تغييره بموجب عدة نصوص لاحقة.

[3] _ الظهير الشريف رقم 26.15.1 الصادر في 29 ربيع الآخر 1436(19 فبراير 2015) القاضي بتنظيم المصحات الخاصة و المؤسسات المماثلة لها، منشور في ج.ر.عدد 6342، بتاريخ 12 مارس 2015،ص 1607.

[4] _ محمود جمال الدين زكي، مشكلات المسؤولية المدنية، مطبعة جامعة القاهرة، 1978، ص396.

[5] _ مصطفى جمال ، المسؤولية المدنية عن الأعمال الطبية في الفقه والقضاء، المحاضرة الأولى من المجموعة المتخصصة في المسؤولية القانونية للمهنيين، الجزء الأول المسؤولية الطبية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 2004، ص95.

[6] _ طاهر آل الشيخ العلوي، م.س، ص13.

[7] _ عبد الرشيد مأمون، عقد العلاج بين النظرية والتطبيق، دار النهضة العربية،س.غ.م، ص233.

[8] _ أنظر في هذا الصدد :

– عبد الرشيد مأمون، م.س، ص234 و238 .

[9] _محمد الحجوجي ، المسؤولية المدنية للمصحات الخاصة بالمغرب ، مطبعة الأمنية ، الرباط ، الطبعة الأولى ، 2013 ، ص 75.

[10] _ ياسين نجاري ، المسؤولية المدنية للمصحات الخاصة : أخطاء الأطباء ومساعديهم نموذجا ، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ، جامعة ابن زهر ، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية ،أكادير ، السنة الجامعية ، 2016/2015 ، ص 59.

[11] _ اعتبر بعض الفقه أن هذا القرار يوازي في أهميته قرار محكمة النقض الشهير الصادر سنة 1936 والمعروف بقضية زوجة الأستاذ Mercier والتي أصيبت في وجهها بالتهاب نتيجة علاجها بأشعة إكس، حيث أصدرت حكمها بتاريخ 20/5/1936 بالقول بأن الخطأ الناتج عن إهمال الطبيب شكل إساءة في تنفيذ العقد الطبي المبرم بينه وبين المريضة بتاريخ سابق على وقوع الجرم ولذلك اعتبرت المسؤولية مسؤولية عقدية لا تسقط بسقوط الدعوى العمومية، وهاته حيثيات القرار:

Attendu qu’il se forme entre le médecin et son client un véritable contrat comportant pour le praticien l’engagement, si non bien évidemment de guérir le malade, ce qui n’a d’ailleurs jamais été allégué du moins de lui donner des soins non par quelconques, mais consciencieux, attentifs et conformes au donnés acquises de la science, que la violation même involontaires de cette obligation contractuelle est sanctionnée par une responsabilité de même nature également contractuelle.

-Cass.Civ.20 Mai 1936 D.

– أورده أحمد ادريوش، مناهج القانون المدني المعمق. م.س، ص323.

[12] _- L’arrêt «Clinique saint Croix » du 6Mars 1945 est le corollaire pour les établissements de santé privés de l’arrêt « Mercier » ,Il affirme le caractère contractuel de la responsabilité d’une clinique vis-à-vis de ses clients alors qu’une patiente, madame Micheli, avait engagé une action en responsabilité sur le fondement de l’article 1384 alinéa 3 du code civil mettant en jeu la responsabilité des commettants du fait de leur préposés vis-à-vis des tiers. L’arrêt énonce que « les cliniques ne donner avec prudence et diligence des soins attentifs et consciencieux, à l’exclusion de toute obligation de sécurité » , Bernard lecas, les préjudices liés aux soins de la recherche de la faute à la gestion des risques, mémoire en vue de l’obtention du DEA de droit privé, l’université de Rennes1, Faculté de Droit et science politique, année universitaire 2010-2011, p7.

[13] _ أحمد أدريوش، الخطأ الطبي والمسؤولية عرض الاشكالية والتقييم المقارن للقوانين الوطنية، مجلة القضاء المدني، العدد الرابع، 2011، ص74 و75.

[14] _ للتوسع أكثر راجع التقارير السنوية لمحكمة النقض الفرنسية، وهي منشورة على صفحات موقعها على شبكة الأنترنت www.courdecassation.fr وخاصة منها تقارير سنوات 1999 و 2002 و2007.

[15] _ Barbara Michel-xister, « les relations juridiques entre les participants de santé, les cliniques privés et les patients», thèse pour le doctorat en droit soutenue le 4 avril 2000,éd, les études hospitalières, p258.

[16] _ عقد الاستشفاء هو الذي يحكم العلاقة بين المريض وإدارة المستشفى وموضوعه تقديم الخدمات الطبية للمريض أثناء قيامه وعلاجه بالمستشفى وتقديم المعاونة للعمل الطبي مثل أعمال الرعاية الصحية والتغذية.

– سمير عبد السميع الأودن، مسؤولية الطبيب الجراح وطبيب التخذير ومساعديهم، منشأة المعارف، الاسكندرية، 2004،ص277.

[17] _ هو اتفاق بين الطبيب والمريض على أن يقوم الأول بعلاج الثاني في مقابل أجر معلوم”.

يراجع في هذا الإطار عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، الجزء السابع، المجلد الأول، الطبعة الثالثة الجديدة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 1998، ص18.

[18] _ C.A LIMOGES , 25 OCT. 1955 JC P1956 II. 9021 note R. Savatier « Aux-termes des status de cette société, la partie purement médicale et chirurgicale est assure par les seuls médecins, qui agissent en pleine et totale Independence à l’égard de leurs maladies ».

راجع كذلك العديد من القرارات الصادرة في هذا الاتجاه نذكر منها على سبيل المثال:

-Cass. Civ. 1èr décembre 1978 D.1980 « Le tribunal avait relevé que la direction de la clinique n’était pas responsable des erreurs de traitement qu’araient du commettre les médecins psychiatres attachés à l’établissement » Cyril Clément. op. cit , P334.

[19] _- Cass. Civ 1ère 20 Mars 1989 RDSS, 1990 p109 « l’aiguille de perfusion est sortie de la veine du malade répondant les produits à injecter sur les tissus a eu lieu à l’occasion de soins relevant de la seule clinique qu’il appartenait aux infirmières de donner sous l’autorité de celle-ci » Cyril Clément. op. cit , P334.

[20] _ محمد الحجوجي. م.س،ص 80.

[21] _ – Art.1147 du code civil Français dispose que :

« le débiteur est condamné s’il y a lieu, au paiement de dommages et intérêts, soit à raison de l’inexécution de l’obligation, soit à raison du retard dans l’exécution, toutes les fois qu’il ne justifie pas que l’inexécution provient d’une cause étrangère qui ne peut lui être imputée, encore qu’il n’y ait aucune mauvaise foi de sa part»

[22] _ Cour d’appel de paris le 25 février 1994 « l’établissement est tenu en vertu de contrat qui le lie à la personne malade de la faire bénéficies de soins consciencieux attentifs et conformes aux données de la science, et c’est bien avec la clinique que Mme SIKHRA a traité concluant avec celle-ci contrat de soins qui incluait un contrat médicale »

– cyril clément, op cit, p 364.

[23] _ طاهر آل الشيخ العلوي، مسؤولية المصحات عن أخطاء الأطباء الزائرين، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية أكدال، س.ج،2011/2010، ص28.

[24] _-_ « si un établissement de santé peut (…) être déclaré responsable de fautes commises par un praticien (…) c’est à la condition que son médecin soit salarié ».

– Cass.Civ 1ère 26 Mai 1999, Olivier lantres , « la responsabilité des établissements de santé privés ,les études hospitalières ,Bordeaux ,2001, p 307.

[25]_ Arrêt N° 1311 du 18 Juillet 2000. C de Cass. 1ère ch. Civ « en vertu du contrat d’hospitalisation et de soins le liant à son patient, un établissement de santé privé est notamment tenu de prendre les mesures nécessaires pour veiller à sa sécurité les exigences afférentes à cette obligation étant fonction de l’état du patient. »

(www.legifrance. gouv.fr) consulté le (9/10/2015) à 11 :00 .

[26] _- كالقضاء المصري والقضاء التونسي والقضاء الإماراتي والقضاء الجزائري فكل هذه الدول تأخذ بالطبيعة العقدية لمسؤولية المصحات الخاصة عن الأضرار التي تلحقها بالمرضى.

للتوسع في الموضوع يراجع ياسين نجاري ، م .س ، ص 50.

[27] _صفاء خربوطلي ، المسؤولية المدنية للطبيب و الخطاء المهنية المترتبة عليه ، المؤسسة الحديثة للكتاب ، طرابلس ، 2004 ، ص 45 و 46.

[28] _ قرار محكمة الزرقاء، رقم 190 /1984 بتاريخ 16/06/1988.

– أورده طلال عجاج. المسؤولية المدنية للطبيب، المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس، 2004، ص 46و 47.

[29] _ قرار محكمة التمييز الأردنية رقم 1246/1990 بتاريخ 12/5/1991.

– أورده طلال عجاج،م.س ص256 و257.

[30] _ قرار محكمة الاستئناف تونس رقم 48780 بتاريخ 29 ابريل 1998.

– أورده فريحة كمال. م س.ص24.

و تتلخص وقائع القضية بأن رجلا أجري له الكشف الإشعاعي الذي نتج عنه حادث عصبي وحيث إن الخبرة الطبية لم تتوصل إلى التثبت من الخطأ الفني حيث قضت محكمة الدرجة الأولى بالتزام المصحة بتعويض 24000 دينار تونسي عن الأضرار الجسمانية، 6000 دينار تونسي عن الضرر المعنوي، 200 دينار تونسي عن أتعاب المحامي، وتم تأييد هذا الحكم من قبل الجهة الاستئنافية، وحيث قامت المصحة بطعن تعقيبي في هذا القرار قامت محكمة التعقيب بإحالة القضية من جديد وبهيئة أخرى أمام الجهة الاستئنافية.

[31] _ قرار المجلس الأعلى(محكمة النقض حاليا)، عدد 1087/9، ملف جنحي عدد 41986/98، الصادر بتاريخ 4/7/2001، منشور بمجلة القضاء والقانون عدد 46. ص123.

[32] _ قرار المجلس الأعلى عدد1327، ملف مدني عدد 530/1/3/2004، الصادر بتاريخ 4/5/2005 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 63 ص46.

[33] _ أحمد ادريوش، العقد الطبي، م. س، ص 12 .

[34] _ حكم المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء، عدد1294 صادر بتاريخ 27/2006 في الملف الجنحي ع 224 / 01(غير منشور) .

[35] _ ينص الفصل 233 من ق ل ع على ما يلي :

“يكون المدين مسؤولا عن فعل نائبه او خطئه وعن فعل أو خطأ الأشخاص الذين يستخدمهم في تنفيذ التزامه، في نفس الحدود التي يسال فيها عن خطأ نفسه وذلك مع حفظ حقه في الرجوع على الأشخاص الذين يتحمل المسؤولية عنهم وفقا لما يقضي به القانون”.

[36] _ ينص الفصل 739 من ق ل ع على ما يلي :

“يسأل أجير العمل عن فعل وعن خطأ الأشخاص الذين يحلهم محله في أدائه أو يستخدمهم أو يستعين بهم فيه في نفس الحدود التي يسال فيها عن فعل أو خطأ نفسه”.

[37] _- أسامة أبو الحسن مجاهد، الأساس القانوني للمسؤولية عن فعل الغير، دار النهضة العربية القاهرة 2004، ص 45و46.

[38] _ دافع الفقيه Carbonnier هو الاخر عن فكرة الخطأ المؤدي إلى المساس بجسم الانسان أي أن الأضرار البدنية تكون خارج نطاق العقد وتطبق قواعد المسؤولية التقصيرية .

-للتعمق أكثر في هذا الإطار راجع رأي الفقيه كاربونييه :

-Olivier lantres , op . cit ,p253.

[39] _ جودية خليل، المسؤولية عن الخطأ الطبي، قراءة في قرار صادر عن محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا)، محاضرة ضمن أشغال الملتقى الدولي الذي نظمه مختبر الدراسات القانونية المدنية والعقارية بكلية الحقوق بمراكش ونادي قضاة المغرب،مراكش، 2013، ص272.

[40] _محسن عبد المجيد البنيه، خطأ الطبيب الموجب للمسؤولية المدنية، مكتبة الجلاء الجديدة، المنصورة، 1993، ص 13.

[41] _أحمد حسن عباس الحياري، م.س، ص19.

[42] _« Le fondement contractuelle sera peut-être à l’avenir inadapté, et que des lors, la responsabilité contractuelle de l’établissement de santé privé glissera vers une responsabilité délictuelle ».

-voir Olivier lantres op. cit, p253.

[43] _« Il est coûteux que la faute médicale du praticien soit abandonnée. Peut-être que dans le cas du salariat sa faute sera quasi délictuelle mais pour le reste, elle sera toujours contractuelle et surtout existera toujours… ».

– voir Cyril Clément, op.cit, p365.

[44] _ مصطفى جمال، م.س، ص96.

[45] _ياسين نجاري ، م .س، ص 69.

[46] _ جودية خليل، م.س، ص274.

[47] _ راجع حكم محكمة النقض الفرنسية في 10 يناير 1990 الذي اعتبر سقوط المريض داخل مركز علاجي لا يمكن أن يترتب عليه بأي حال من الأحوال مسؤولية عقدية .

مشار إليه لدى :

-Olivier Lantres op. cit, p253

[48] _ جودية خليل، م.س، ص 275.

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.