ليس هناك شك في أن حق تأديب الموظف العام يعد بمثابة مظهر من مظاهر السلطة الرئاسية التي يباشرها الرؤساء الاداريين اذ يعود هذا الحق الى الجهة الادارية التي يتبعها الموظف في حالة ارتكابه جريمة تأديبية . اذ ذهبت بعض التشريعات الى التقرير بسلطة التأديب كاملة للرئيس الاداري بوصفه المسؤل عن تحقيق أهداف الجهاز الاداري وتولي الرئيس الاداري الرقابة على أعمال وتصرفات هؤلاء المرؤوسين والكشف عن الأخطاء التي يقترفونها واتخاذه ما يلزم من اجراءات حال ذلك .

وتضمن قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 78 : 

1- لشاغلي الوظائف العليا كلاً في حدود اختصاصه فقط التحقيق أو توقيع جزاء الانذار أو الخصم من المرتب بما لا يجاوز 30 يوم في السنة بحيث لا تزيد في المرة الواحدة عن 15 يوم .

2- للسلطة المختصة حفظ التحقيق أو الغاء القرار الصادر بتوقيع الجزاء أو تعديله ولها اذا ألغت الجزاء أن يحال العامل الى المحكمة التأديبية ذلك خلال 30 يوم من تاريخ ابلاغها بالقرار .

ويتضح من ذلك أن الرئيس الاداري والسلطة المختصة المتمثلة في الوزير المختص أو المحافظ أو رئيس مجلس ادارة الهيئة العامة المختص سلطات واسعة في توقيع الجزاء أو حفظ التحقيق كما جاء في القانون لما يراه جانب من الفقه الى تفضيل ذلك النظام على أساس أن اختصاص السلطة الرئاسية دون غيرها بتقدير الجريمة التأديبية ومحاسبة مرتكبها بالجزاء الملائم أياً كانت درجة جسامة الخطأ .

حيث يستند انصار هذا الاتجاه الى الحجج الأتية : 

1- عدم قيام المخالفة التأديبية على الاعتبارات القانونية فقط المعمول بها في الوحدة الادارية على اعتبار أن الرئيس الاداري يعد الأكثر قرباً من الظروف المحيطة بجهة عمله وما ينتج عن مباشرة العمل من حدوث أخطاء وتجاوزات فهو الأقدر على الوقوف على ما هو مناسب من اجراءات وجزاءات نظير ارتكاب تلك الجرائم التأديبية ، فقد يرى الرئيس الاداري أن المصلحة العامة في ظل ظروف معينة تقضي التجاوز عن المخالفة رغم ثبوتها في حق مرتكبيها وهو ما يستحسن معه حفظ التحقيق ، فلقد أثبت الواقع العملي أن التحقيق في بعض الأمور قد يكون قليل الأهمية ويسبب آثار ضارة لمصلحة المرفق .

2- قد تتأثر هيبة الرئيس الاداري اذا ما اقتصر حقه على مجرد الاتهام دونما اعطائه الحق في توقيع الجزاء المناسب وهذا الأمر يؤثر بالسلب على حسن سير العمل بالمرفق الاداري اذ أن وزن الرئيس الاداري وهيبته محل اعتبار لا يستهان بهما .

3- قيام الجهة الادارية بتوقيع الجزاء التأديبي يؤدي الى الحسم والسرعة في اتخاذ القرار وهو ما يعود بالمنفعة على تلك الجهة من وراء تحقيق الردع العام والخاص من جراء توقيع العقوبة بصورة سريعة وحاسمة وذلك على اعتبار أن الموظف المذنب هو بمثابة جزء من الكيان الاداري للجهة التي يتبعها .

4- لا يقتصر الهدف من التأديب على مجرد توقيع العقاب بل يمتد الهدف الى سد الثغرات ومعالجة أوجه القصور في أداء الجهاز الاداري والجهة الادارية هي الأقدر على ادراك ذلك الهدف لأن الجهة الادارية تكون أكثر الماماً بظروف العاملين وسائر شئون المرفق .

الا أن هناك جانب من الفقه قد رتب على ذلك جمع الرئيس الاداري بين صفتي الخصم والحكم بما يتنافى مع مقتضيات العدالة حيث تم الاعتراض على النظام التأديبي الرئاسي موجهاً انتقادات أهمها : 

1- التخوف من تعسف جهة الادارة في استخدام السلطة التأديبية الممنوحة لها بما يخل بالضمانات الممنوحة للمتهم في المجال التأديبي ذلك أن للموظف المخطئ الحق في محاكمة عادلة .

2- قد ترتعش يد جهة الادارة في استعمال سلطاتها التأديبية خشية اثارة الرأي العام الوظيفي وخشية من احداث قلاقل في المجتمع الوظيفي ذلك الأمر من المتصور حدوثه في الظروف العادية كما يمكن حدوثه في ظروف غير عادية بصورة مبالغ فيها كتلك التي تمر بها جمهورية مصر العربية منذ قيام ثورة 25 يناير 2011 وحتى تاريخه ومن أبرز الاحتجاجات المتكررة للعاملين بقطاع السكك الحديدية ومترو الأنفاق بالقاهرة وهيئة النقل العام على مستوى محافظات الجمهورية .

3- يرى جانب من المعارضين لنظام التأديب الرئاسي أن اسناد أمر التأديب للسلطة الرئاسية قد يؤدي الى انشغال جهة الادارة بأمور التأديب عن أعمالها الأصلية وهو ما يؤدي الى اخلال المرفق العام وعدم تقديمه للخدمة الموجودة للجمهور وهذا من أهم أسباب النظام التأديبي الذي يقوم على ضرورة تقديم الخدمات للأفراد .

4- التخوف من جمع السلطة الادارية لدى ممارستها لأمر التأديب لسلطة الاتهام والحكم وهو ما قد يؤدي الى الجور على مبدأ الحيدة والعدالة . اذ أن اعمال مبدأ حيدة الجهة التأديبية يقتضي أن يستقل سلطة الحكم عن سلطة الاتهام لكي لا تتأثر الأولى بالثانية ، فتكون سلطة الحكم متأثرة بسلطة الاتهام  فلابد أن يكون حكمها صادراً مجرداً من أي شائبة فيشترط في من يجلس مجلس الحكم ألا يكون قد سمع أو تكلم أو كتب في الموضوع محل النظر .