مبادئ سير المرافق العامة

المحامية: منال داود العكيدي
تتميز المرافق العامة بخضوعها لطائفة من المبادئ العامة التي كانت نتاجا للاجتهاد القضائي ثم استخلصها الفقه من احكامه وحولها الى مبادئ اساسية لابد لاي مرفق عام ان يسير عليها بغض النظر عن نوع ذلك المرفق وطبيعة نشاطه التي تصب في النهاية في المصلحة العامة وتلبية حاجات الافراد من الخدمات العامة .

وقد وضع الفقه ثلاث مبادئ تحكم سير المرافق العامة اولهما هو مبدا المساواة بين المنتفعين امام المرافق العامة ويعد هذا المبدا من المبادئ العامة في القانون ، وبالرغم من عدم ورود نص صريح به في التشريعات الفرنسية الا ان احكام مجلس الدولة الفرنسي اعطت لهذا المفهوم ابعادا خاصة وحددت مفهمومه بصورة لا تقبل اللبس وهذا ما اشار اليه العميد فيدل في كتاباته .

ويشير مبدا المساواة بين المنتفعين امام المرافق العامة الى (معاملة جميع الافراد الذين يوجدون في مراكز متماثلة معاملة واحدة دون تمييز) وبمعنى اخر هو التزام السلطة القائمة على ادارة المرافق العامة بمعاملة المنتفعين من خدمات هذه المرافق على قدم المساواة ومن دون تمييز بينهم في الانتفاع من هذه الخدمات ، وهذا المبدا يجد اساسه في مبدا دستوري اعم واشمل هو مبدا المساواة امام القانون الذي اقرته غالبية الدساتير الحديثة .

ومن نتائج هذا المبدا هو ان على الهيئة التي تقوم بادارة المرفق العام تسييره بما يحقق مصلحة مجموع الافراد الذين تتكون منهم الجماعة وعدم قصر منافع هذا المرفق على فئة او فئات معينة من المنتفعين على حساب مصالح الفئات الاخرى ويعرف هذا بمبدا حياد المرافق العامة .

ولا ينتقص من هذا المبدا اشتراط توفر مواصفات معينة في المنتفعين على ان يكون ذلك بموجب قواعد عامة امرة مجردة تحددها القوانين والانظمة والتعليمات اللازمة للانتفاع بنشاط ذلك المرفق كتحديد رسم معين لمن يريد الحصول على خدمة معينة لمرفق ما او تحديد مؤهلات خاصة لمن يروم الالتحاق بالجامعة مثلا ، ولا ينال من هذا المبدأ ايضا اعفاء بعض فئات المنتفعين من بعض المرافق العامة من الرسوم التي تفرضها هذه المرافق مقابل الانتفاع من خدماتها او التمييز بين المنتفعين بسبب اختلاف ظروف المكان واختلاف انواع الخدمة او الغرض منها من ذلك مثلا اختلاف اجور الكهرباء للمناطق البعيدة عن مراكز المدن حيث تكون تسعيرة الوحدة اكثر من اجور الكهرباء في المدن او ان اجور الكهرباء للمصانع تختلف عن اجور الكهرباء بالنسبة للمضخات الزراعية .

وفي بعض الاحيان تبرز ضرورة معينة للتمييز بين فئات المنتفعين بالمرافق العامة وهي صورة من صور التمييز يطلق عليها التمييز الايجابي مثل منح بعض الفئات امتياز معين في الانتفاع بنشاط مرفق معين بهدف تحسين ظروفها والنهوض بواقعها المتردي بهدف تحقيق العدالة مع الفئات الاخرى في المجتمع .

وقد يرد على مبدا المساواة استثناءات لاعتبارات اجتماعية او وطنية كما في حالة معوقي الحرب او ذوي الشهداء وغيرهم .

اما في حالة مخالفة السلطة او الهيئة القائمة على ادارة المرفق العام مبدا المساواة بين المنتفعين من خدمات المرفق فان للمتضرر رفع دعوى امام القضاء الاداري لالغاء قرار الادارة بهذا الشأن .

وتجدر الاشارة الى انه حتى في حالة كون ان المرفق العام يدار بصورة غير مباشرة من قبل الادارة كان تعهد بادارته الى فرد او شركة فان هذا الاخير يكون ملزما ايضا بتطبيق مبدا المساواة بين المنتفعين فاذا خالفه فان للمتضرر اللجوء الى الادارة لاجبار ملتزم المشرف العام على تطبيق مبدا المساواة فاذا امتنعت الاخيرة فان للمتضرر عندئذ اللجوء الى القضاء الاداري لرفع دعوى الالغاء ضد قرار الادارة الممتنعة عن التدخل كما ان للغير المتضرر من مخالفة الادارة لهذا المبدا المطالبة بالتعويض وفقا لقواعد المسؤولية الادارية .

اما المبدأ الثاني الذي يحكم سير المرافق العامة فهو مبدا سير المرافق العامة بانتظام واستمرار فاذا كان الغرض الاساس من انشاء المرافق العامة هو اشباع الحاجات العام للافراد وتقديم الخدمات العامة لهم – وهو كذلك – فانه لابد للسلطة القائمة على ادارة المرفق العام من العمل على متابعة نشاط المرفق العام بصورة دائمة ومنتظمة بحيث تتمكن من تلبية حاجات الافراد اليومية المتجددة كون ان الافراد قد رتبوا شؤونهم على استمرار نشاط ذلك المرفق فاذا حدث اي تلكؤ او توقف في تلبية خدمات الافراد من قبل مرفق ما فان هذا سيؤدي بالطبع الى الحاق الضرر بمصالحهم كونهم لم يتخذوا الاحتياطات اللازمة للاستغناء عن ذلك المرفق كما ان اي توقف في خدمات مرفق ما سيؤدي بالنتيجة الى الاضرار بمصالح البلاد عموما مثال ذلك مرفق ماء الشرب ومرفق الكهرباء ومرفق النقل وبناء عليه فان معظم التشريعات تقوم بمنع عمال المرافق العامة من الاضراب بقصد العمل على تحقيق هذا المبدأ .

وقد استقر هذا المبدأ ولم يعد بحاجة الى تأكيد بموجب نصوص الدستور او القانون واصبح قاعدة عامة تسري على كل المرافق العامة سواء كانت ادارية او اقتصادية او اجتماعية ، كما ان الادارة تكون مسؤولة عن مراقبة وتوجيه سير المرافق العامة حتى بالنسبة لتلك التي تدار من قبل شخص من اشخاص القانون الخاص (افرادا او شركات ) والا فان الادارة نسال عن عدم قيامها بدور الرقابة الفعالة بهذا الخصوص .

واخيرا فانه لابد للمرافق العامة من مواكبة الظروف المستجدة وهو المبدأ الثالث من المبادئ التي تحكم سير المرافق العامة ومقتضى هذا المبدأ هو بما ان المصلحة العامة تتطور بتطور الزمن كما ان حاجات الافراد متجددة وهذا يقتضي مواكبة المرافق العامة لمقتضيات هذا التطور لكي تستطيع المرافق العامة تلبية الخدمات التي وجدت من اجلها على اكمل وجه ، ويترتب على ذلك ان على الادارة اختيار طريقة ادارة المرفق العامة للاستجابة للتطورات الاقتصادية والتقنية التي تؤدي الى اتساع نطاق الخدمات وازدياد حاجات المواطنين كما انه يجب الاعتراف للمرافق العامة بتعديل النظام الذي وضع في ظروف معينة الى نظام جديد يحقق الاغراض المرجوة منه في الظروف الجديدة كاستعمال وسائل حديثة للاستجابة للطلبات المتزايدة على خدمات المرفق العام او استعمال وسائل حديثة تحل محل الاساليب القديمة التي لم تعد قادرة على مواكبة التطور كما ان للادارة ان تقوم بتعديل القواعد الضابطة لسير المرافق العامة دون التقيد بحقوق الافراد التي تتاثر بهذا التعديل اذ لايحد من حريتها في هذا المجال سوى اعتبارات المصلحة العامة .

وقد يصل الامر بالادارة في بعض الاحيان وتطبيقا لمبدا مواكبة المرفق العام للظروف المستجدة الى الغاء المرفق العام ذاته دون ان يكون لاي احد حق الاعتراض على هذا الاجراء وقد ذهبت محكمة القضاء الاداري المصرية الى ذلك في حكمها الصادر في 10/ كانون الثاني من عام 1956 حيث تقول ( من المسلم قانونا ان للجهة الادارية سلطة وضع الانظمة التي تراها ملائمة لسير المرافق العامة والخدمات العامة التي تتولاها سيرا منتظما ومنتجا وكذلك لها تعديل هذه الانظمة بما تراه يتفق مع الصالح العام دون ان يكون لاحد من الناس الادعاء بقيام حق مكتسب في استمرار نظام معين ..).