ان مسألة معرفة ما إذا كان المشروع العام يمكن ان يكسب صفة التاجر هي مسألة دقيقة للغاية لأنها تؤدي إلى سلسلة من النتائج تتعلق بالآثار المرتبطة بمفهوم التاجر مثل عنصر المتجر وتطبيق التشريعات الخاصة بالتجار . ان الصعوبة في الإجابة ليست واردة فيما يتعلق بالمشروعات التي تدار في شكل شركات مثل البنوك وشركات التأمين ، حيث ان تطبيق هذه المفاهيم ليست محل جدل(1) . كما ان الرأي متفق على ان المرفق الذي يدار بوساطة الريجي لا يستهدف صفة التاجر حتى لو اعتاد القيام بالأعمال التجارية الذاتية ، لانه (المرفق) يستهدف غايات عامة تتضاءل إلى جانبها غايات التاجر ، ولانه من غير المستساغ أو الممكن خضوع الدولة لنظام التجار وخاصة نظام الإفلاس(2) .

وفيما يتعلق بالمؤسسات العامة التجارية فهناك رأيين الأول منهما ينكر(3). صفة التاجر :

بحجة قيام التعارض بين مباشرتها للنشاط التجاري وطبيعة سلطاتها بوصفها شخصا معنويا من أشخاص القانون العام ، إذ تباشر هذه المؤسسات سلطاتها لصالح الجماعة في حين تعتبر التجارة نشاطا خاصا أو نفعيا يستهدف تحقيق الربح المالي . فضلا عن ان النشاط التجاري والصناعي يقتضي الاستقلال ويقوم على المنافسة ، ويستتبع المسؤولية الشخصية في حين تزاول المؤسسات العامة نشاطها بوساطة موظفين يعملون بغية تحقيق المصلحة العامة ، ويستهدفون في عملهم غايات غير نفعيـة ، ويخضعون في ذلك لرقابة من جانب الجهة المنشئة(4) . واخيرا فان المشرع الفرنسي وان أوجب خضوع المؤسسات الاقتصادية في إدارتها المالية والمحاسبية للقواعد التجارية السارية على الشركات الصناعية والتجارية إلا ان ذلك لا يعني منح المؤسسة صفة التاجر ولكن قد يعني ـ في نظر البعض ـ أمرا من امرين ، إما ان المشرع أراد تحرير المؤسسة من قواعد المحاسبة العامة فقط دون ان يصل الأمر إلى إخضاعها للقانون التجاري ، واما ان اراد إخضاع المؤسسات للقانون الخاص فيما يتعلق بجوانب ثلاثة فقط هي علاقتها بالمنتفعين ، وعلاقاتها بالغير الذي أصابه الضرر من نشاطها وعلاقاتها بالمستخدمين ، أما القواعد الأخرى الذي ينص عليها القانون الخاص فلا يتصور سريانها على هذه المؤسسات(5).

أما الرأي الثاني فهو يرد على الحجج التي ساقها أصحاب الرأي الأول :

فمن حيث القول بالتعارض بين سلطات المؤسسات العامة التجارية وممارسة التجارة فهو قول مدحوض لان هذه المؤسسات وان كانت من أشخاص القانون العام إلا أنها لا تمارس ـ غالبا ـ السلطات الاستثنائية المعترف بها لأشخاص القانون العام الأخرى ، ومن ثم ليس هناك ما يمنع من القول بان هذه المؤسسات تحترف التجارة بل أنها لم تنشأ إلا من اجل ذلك(6) . وحيث انه لا جدال في قيام المؤسسات العامة التجارية بالنشاط التجاري فانه يلزم القول بضرورة سعيها إلى تحقيق الربح لاستخدامه في توسيع نشاطها ورفع جودة منتجاتها ، بما يؤدي في النهاية إلى تحقيق الصالح العام وهو ما يدحض أي تعارض بين هدف تحقيق الربح وهدف تحقيق الصالح العام باعتبارهما هدفين متصلين تسعى هذه المؤسسات إلى تطبيقهما في الوقت ذاته(7). والقول بان المؤسسات العامة لا تتمتع بالاستقلال وبالآتي لا تكتسب صفة التاجر ، فهو قول مدحوض عليه بأنه لا يستند إلى أساس قانوني سليم ، إذ ان المؤسسة تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة وبالذمة المالية المستقلة وهذا ما يضمن لها الاستقلال عن الجهة التي أنشأتها . حين يتوفر للمؤسسة الاستقلال وعنصر الاحتراف واستهداف الربح حينئذ لا يمكن لاحد ان ينكر صفة التاجر عن هذه المؤسسات(8) ، ومن حيث خضوع المؤسسة للرقابة من الجهة المنشئة فان التجار أفرادا كانوا أو شركات يخضعون لرقابة الدولة دون ان ينكر عليهم أحد صفة التاجر(9).

وهكذا في فرنسا طالما نشأت المؤسسة العامة التجارية متمتعة بالشخصية المعنوية وبالذمة المالية المستقلة ، واحترفت الأعمال التجارية كان من الحق القول بأنها تكتسب صفة التاجر وتثبت هذه الصفة على الرغم من عدم إعمال بعض النتائج المترتبة عليها ، كالخضوع لنظام الإفلاس(10). أما في مصر ، عندما تقوم الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة كالبلديات أو غيرها بالعمل التجاري على وجه الاحتراف ، كما إذا قامت الدولة باستغلال مرفق النقل بالسكك الحديدية ، أو إذا افتتحت إحدى البلديات بعض المحال في الأحياء المختلفة لبيع السلع الضرورية بأسعار مخفضة للحد من موجة الغلاء ، فهل يظل العمل بصفته التجارية ويكتسب القائم به صفة التاجر إذا قام به على وجه الاحتراف(11). ؟. يذهب جانب من الفقهاء(12). إلى ان العمل يفقد الصفة التجارية إذا قام به الشخص المعنوي العام ، لان العمل التجاري لا يدخل ضمن أغراضه ، إلا ان هناك رأيا آخر نؤيده يذهب إلى ان العمل يحتفظ بصفته التجارية بصرف النظر عن صفة القائم به سواء أكان شخصا طبيعيا أو شخصا معنويا خاصا أو شخصا معنويا عاما ، إذ متى باشر الشخص المعنوي العام نشاطا من نوع النشاط الذي يباشره الأفراد ونزل إلى ميدانهم فقد وجب ان يعامل معاملتهم(13).

وتطبيقا لذلك تنص المادة 101 من القانون التجاري المصري على تطبيق أحكام الفصل الخامس من مجموعة القانون التجاري الخاص بالنقل على هيئة السكك الحديدية ، وهو ما يعني ان المشرع يعتبر قيام الدولة بمقاولة النقل من قبيل الأعمال التجارية(14). وفي العراق فان الشركات العامة تخضع لقوانين تأسيسها ، الا ان هذه الشركات في الغالب تمارس نشاطا تجاريا ، وبالتالي تخضع في نشاطها الى القانون التجاري اذا مارست احد الأعمال التجارية المنصوص عليها في قانون التجارة المرقم 30 لسنة 1984 على سبيل الاحتراف(15). فإنها تكتسب صفة التاجر حيث كان يعد تاجرا كل شخص طبيعي او معنوي يزاول باسمه ولحسابه وعلى وجه الاحتراف عملاً تجاريا وفق احكام هذا القانون(16) . وقد نصت المادة العاشرة من قانون التجارة صراحة على تطبيق الأحكام المتعلقة بالتاجر على مؤسسات القطاع الاشتراكي اذ تنص على ان ” تسري على مؤسسات القطاع الاشتراكي الأحكام المتعلقة بالتاجر المنصوص عليها في هذا القانون بالقدر الذي لا يتعارض مع طبيعة الخدمات التي يؤديها ” .

________________________

1- د. حسني المصري ، نظرية المشروع العام وقانون شركات القطاع العام المصري ، مصدر سابق ، ص74.

2- Linotte (D) ، Mestre (A) : services pullics et droit public economique litec، 1982. N419.

3-G. Ripert : le declin du droit ، L.G.D.J.،Paris 1949، p.82.

4-Chavanon : op.cit،p.69 et suiv. ،et G ، Ripert : op.cit ،p.155.

5-La Rouque : op.cit، p199.

6- Escra : principes de droit commercia، T.1.p380 sq ، p.102.

اشار اليه د. عزت فوزي حنا ، المصدر السابق ، ص204

7- (J.D) Bredin : L’ entreprise semi-publique et publique et le droit prive، L.G.D.J. 1957 ، pp.96-97.

8- د. علي جمال الدين عوض ، النظام القانوني للنشاط التجاري العام ، المجلة المصرية للعلوم السياسية ، ابريل ، 1963 ، ص90 وص 91.

9- D. Linotte ، A.Mestra : op.cit. n.419.

10- د. عزت فوزي حنا ، المصدر السابق ، ص256.

11- د. علي حسن يونس ، القانون التجاري ، الاعمال التجارية والتجارة ، بلا دار نشر ، 1959 ، ص165 .

12- د. حسني المصري ، نظرية المشروع العام وقانون شركات القطاع العام المصري ، مصدر سابق ، ص77 .

13- د. عزت فوزي حنا ، المصدر السابق ، ص256.

14- المادتين 5 و 6 من قانون التجارة العراقي المرقم 30 لسنة 1984 .

15- الفقرة الاولى من المادة 7 من قانون التجارة العراقي المرقم 30 لسنة 1984 .

المؤلف : حسن محمد علي البنان
الكتاب أو المصدر : مبدا قابلية قواعد المرافق العامة للتغيير والتطوير

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .