التدبير الإحترازي في القانون الجنائي المصري

ماهية التدبير الاحترازى وخصائصه

تعريف :

التدبير الاحترازى هو مجموعة الإجراءات التى يقررها القانون ويوقعها القضاء لمواجهة الخطورة الإجرامية الكامنة فى شخصية مرتكب الجريمة ، بهدف حماية المجتمع من هذه الخطورة.
خصائص التدبير الاحترازى :

أولا : شرعية التدبير الاحترازى : ومعنى ذلك أن التدبير الاحترازى يخضع لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات .

ثانياً : التدبير الاحترازى لا يوقع إلا بحكم قضائى : أى أن القضاء وحده هو الذى يجوز له توقيع التدبير على مرتكب الجريمة الذى ثبتت خطورته الإجرامية على المجتمع .

ثالثاً : أنه يتسم بطابع الإجبار والقسر : ومؤدى ذلك ، أن تطبيق التدبير الاحترازى لا يتوقف على إرادة الجانى، وإنما يوقع عليه ، رغما عنه ولو كان يتضمن إجراءات مساعدة أو تدابير علاجية ، وأعلن من سيوقع عليه عن رغبته فى عدم الاستفادة منها .

رابعاً : التدبير الاحترازى يرتبط بالخطورة الإجرامية : لأن المشرع يقرره لمواجهة هذه الخطورة . فهى سبب وجوده ، ويدور – من ثم – معها وجوداً وعدماً ، بحيث أنه لا محل لتوقيعه إلا إذا ثبت توافرها لدى مرتكب الجريمة.

خامساً : التدبير الاحترازى غير محدد المدة : وهذه الخاصية مرتبطة بالسابقة عليها . وتعنى أن القاضى لا يمكنه أن يحدد سلفاً مدة التدبير الذى يوقعه على الجانى ، لأنه لا يعلم متى ستزول الخطورة الإجرامية التى يسعى التدبير إلى القضاء عليها .

سادساً : التدبير الاحترازى يتجرد من اللوم الأخلاقى : إذ هو مجرد وسيلة لحماية المجتمع من الخطورة الإجرامية الكامنة فى شخصية المجرم ، سواء عن طريق إصلاح هذا المجرم والقضاء على العوامل الإجرامية التى قد تدفعه إلى ارتكاب الجريمة مرة أخرى فى المستقبل أو عن طريق تحييد خطورته الإجرامية ، أى وضعه فى ظروف تمنعه من الإضرار بالمجتمع .

سابعاً : التدبير الاحترازى لا يوقع إلا بعد ارتكاب الجريمة : فهو يواجه الخطورة الإجرامية لشخص قد ارتكب جريمة بهدف منع هذا الشخص من ارتكاب جريمة أخرى فى المستقبل.

الأحكام التى تخضع لها التدابير الاحترازية

أولا الأحكام الموضوعية :

تتلخص أهم الأحكام الموضوعية التى تخضع لها التدابير الاحترازية فيما يلى :
‌أ) التدابير الاحترازية تخضع – كما قدمنا – كالعقوبات لمبدأ الشرعية .
‌ب) التدبير الاحترازى لا تطبق بشأنه الظروف المخففة .
‌ج) لا يخضع التدبير الاحترازى لنظام إيقاف التنفيذ .
‌د) التدبير الاحترازى لا يعد سابقة فى العود .
‌ه) التدبير الاحترازى غير محدد المدة .

ثانيا : الأحكام الإجرائية :

أ) التدبير الاحترازى لا يوقع إلا بحكم قضائى .
‌ب) ينبغى الحد من علانية محاكمة الشخص الذى يراد توقيع التدبير الاحترازى عليه .
‌ج) إن إجراءات التحقيق والمحاكمة تخضع لمبدأ «تفريد التدبير».
‌د) الحكم الصادر بالتدبير قابل للرجوع فيه .
‌ه) الطعن فى الحكم الصادر بالتدبير الاحترازى لا يترتب عليه وقف تنفيذه .

شروط توقيع التدبير الاحترازى

سبق ارتكاب جريمة :

أهمية اشتراط ارتكاب جريمة سابقة لتوقيع التدبير الاحترازى :يذهب غالبية علماء العقاب إلى القول بوجوب أن يكون المتهم قد ارتكب جريمة سابقة لكى يجوز توقيع التدبير الاحترازى عليه . والحجة الأساسية التى يستند إليها هذا الرأى فى ذلك هى أن شرط الجريمة السابقة يعتبر ضمانة هامة لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم .

الخطورة الإجرامية :

المقصود بالخطورة الإجرامية :الخطورة الإجرامية هى احتمال عودة المجرم إلى ارتكاب جريمة أخرى فى المستقبل .ومؤدى ذلك، أن هذه الخطورة هى حالة تتعلق بشخص المجرم ولا ترتبط بماديات الجريمة ، وإن كانت هذه الأخيرة تساعد فى الكشف عنها. وهى (الخطورة) تفترض أن يكون هناك «احتمال» وينبغى أن ينصب هذا الاحتمال على موضوع معين هو وقوع جريمة تالية من المجرم نفسه الذى سبق أن ارتكب جريمة .

‌أ) تعريف الاحتمال :الاحتمال هو حكم موضوعه بيان علاقة السببية بين مجموعة من العوامل موجودة فى الواقع وبين واقعة مستقبلية من حيث مدى مساهمة تلك العوامل فى إحداث هذه الواقعة .
وبتطبيق ذلك على الخطورة الإجرامية ، وهى لا تقوم إلا بالاحتمال ، يمكن القول بأن احتمال ارتكاب المجرم جريمة أخرى فى المستقبل يفترض أن يعلم القاضى بالعوامل الإجرامية ، داخلية كانت أو خارجية ، المتوافرة فى الواقع لدى هذا المجرم ويحدد مدى مساهمتها فى أحداث النتيجة المستقبلة وهى الجريمة. فإذا توقع القاضى حدوث هذه النتيجة كأمر غالب ، لأنه قد علم بعدد كبير من العوامل الإجرامية التى تساهم فى حدوثها ووجد أن هذه العوامل (أى العوامل التى قد تدفع المجرم إلى ارتكاب جريمة أخرى فى المستقبل تتفوق على العوامل التى تمنعه من ارتكابها) ، فإن الخطورة الإجرامية تكون متوافرة لدى المجرم ، ومن ثم يجوز توقيع التدبير الاحترازى عليه .

‌ب) الجريمة التالية :الموضوع الذى يجب أن ينصب عليه الاحتمال الذى تقوم به الخطورة الإجرامية .

أنواع التدابير الاحترازية :

التقسيمات العامة للتدابير الاحترازية
تعدد معايير التقسيم :نظراً لأن الخطورة الإجرامية تختلف من مجرم لآخر ، سواء من حيث طبيعتها أو درجتها ، كان طبيعياً أن تتعدد أنواع التدابير الاحترازية حتى يمكن اختيار التدبير الملائم لنوع ودرجة الخطورة الكامنة فى شخصية المجرم بهدف القضاء عليها . وتنقسم التدابير إلى عدة أنواع وفقاً للمعيار الذى يتبع فى التقسيم :
من حيث موضوعها :تنقسم التدابير الاحترازية وفقا لهذا الأساس إلى تدابير شخصية وتدبير عينية .
من حيث علاقتها بالعقوبة :تنقسم التدابير الاحترازية من هذه الناحية إلى تدابير يمكن أن توقع على مرتكب الجريمة إلى جانب العقوبة ، وذلك إذا كان الجانى أهلا للمسئولية الجنائية . ومثالها اعتقال المجرم المعتاد على الإجرام ، وتدابير تطبيق بمفردها على الجانى كما هو الشأن فى حالات انتفاء المسئولية الجنائية مثل اعتقال المجرم المجنون .
من حيث وسيلتها فى القضاء على الخطورة الإجرامية :وتنقسم التدابير الاحترازية وفقا لهذا المعيار إلى تدابير تتضمن أساليب تهذيبية ، ومن أبرز أمثلتها معظم التدابير التى توقع على المجرمين الأحداث ، وبعض التدابير التى تطبق على المتسولين والمتشردين والعاهرات . وتدابير علاجية كإيداع الحدث المجرم فى إحدى المستشفيات المتخصصة أو المجرم المجنون فلا إحدى المصحات المعدة لذلك .

التدابير الاحترازية فى التشريع المصرى

أولا : التدابير الواردة فى قانون العقوبات:

يلاحظ أن المشرع المصرى ، رغم أنه يعترف بنظام التدابير الاحترازية كوسيلة هامة تستخدم إلى جانب العقوبة فى مكافحة الإجرام ، إلا أنه لم يضع لها تنظيماً متكاملاً أو نظرية عامة كما سبق أن ذكرنا ، وإنما نص عليها فى مواضع متفرقة ، ويصفها أحياناً بأنها عقوبات تكميلية أو تبعية ، بل وينص عليها فى بعض الأحوال كعقوبة أصلية مثل مراقبة البوليس فى الحالات المنصوص عليها بالمرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945 بشأن المتشردين والمشتبه فيهم ، كما سبق أن ذكرنا. ومن أمثلة التدابير الاحترازية المنصوص عليها فى قانون العقوبات ما يلى :
1) المصادرة المنصوص عليها فى الفقرة الثانية من المادة 30 من قانون العقوبات . وهى تفترض أن تكون الأشياء محل المصادرة من التى يعد صنعها أو استعمالها أو حيازتها أو بيعها أو عرضها للبيع جريمة فى ذاته .
2) الإيداع فى إحدى مؤسسات العمل المنصوص عليه فى المادتين 53 و 54 من قانون العقوبات لمواجهة الخطورة الإجرامية الكامنة فى شخصية المجرم معتاد الإجرام .
3) التدابير المقررة لمرتكبى الجرائم الإرهابية إلى جانب العقوبة . حيث نصت المادة 88 مكرراً (د) من قانون العقوبات على أنه : «يجوز فى الأحوال المنصوص عليها فى هذا القسم ، فضلاً عن الحكم بالعقوبة المقررة الحكم بتدبير أو أكثر من التدابير الآتية :
1- حظر الإقامة فى مكان معين أو فى منطقة معينة 2 – الإلزام بالإقامة فى مكان معين . 3 – حظر التردد على أماكن أو محال معينة .

ثانياً : التدابير المنصوص عليها فى قانون الطفل :

لعل أهم التدابير الاحترازية فى التشريع المصرى هى تلك المقررة للأطفال المجرمين والمعرضين للإنحراف وقد تناولها المشرع فى القانون رقم 12 لسنة 1996 بشأن الطفل . وقد سبق أن ذكرنا الأطفال الذين يوقع عليهم التدبير هم الذين بلغ سنهم سبع سنوات ويقل عن خمس عشرة سنة . فنصت المادة 101 من قانون الطفل. على أنه : يحكم على الطفل الذى لم يبلغ سنه خمسة عشرة سنة – إذا ارتكب جريمة – بأحد التدابير الآتية :

(1) التوبيخ ، (2) التسليم ، (3) الإلحاق بالتدريب المهنى ، (4) الإلزام بواجبات معينة ، (5) الاختبار القضائى ، (6) الإيداع فى إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية ،

(7) الإيداع فى إحدى المستشفيات المتخصصة .

وعدا المصادرة وإغلاق المحل لا يحكم على الطفل بأى عقوبة أو تدبير منصوص عليه فى قانون آخر