يعد النظام القانوني للشركة بوجه عام اكثر الانظمة القانونية تاثرا بالتطورات الاقتصادية، وبقدر ما يكون النظام القانوني للشركة متناغما مع طبيعة تطور المشروعات ومستوعبا لهذا التطور وحركته بقدر ما يساعد ذلك على عمليات التنمية الاقتصادية وانطلاقتها(1)، لهذا فقد اعتبر شكل الشركة المساهمة من انسب الاشكال القانونية التي يفرغ فيها نشاط الشركات متعددة الجنسية. وتعد الشركة المساهمة على وفق هذا الوصف الأداة القانونية المثلى لتحقيق سيادة النظام الراسمالي وابراز ظاهرة التركز الاقتصادي وسيطرة راس المال اجتماعيا وسياسيا(2).وترجع اهمية اتخاذ الشركات متعددة الجنسية شكل الشركة المساهمة ليس لان لها القدرة على تجميع رؤوس الاموال وتركيزها فحسب، بل لان لها وظائف اقتصادية مهمة وخطيرة، ومن بين هذه الوظائف ما تحدثه الشركة المساهمة من عملية الفصل بين راس المال ووظيفة المنظم الراسمالي، وهذا يبدو واضحا من خلال ان راس مال الشركة يتمثل في حصص المساهمين العاديين، بينما وظيفة المنظم الراسمالي يعكسها تركز تلك الوظيفة في ايدي قلة من المساهمين الذين تكون لهم السيطرة شبه الكاملة على مجلس الادارة(3)، فضلا عن ان الشركة المساهمة تشبه الدولة ممثلة بسلطاتها الثلاث(4)، كل هذه الاساليب مجتمعة او فرادى جعلت من الشركة المساهمة الشكل القانوني المناسب الذي يفرغ فيه نشاط الشركات متعددة الجنسية. وتفضيل الشركات متعددة الجنسية اتخاذ هذا الشكل القانوني يجد اساسه فيما يمثله السهم من اداة قانونية يعد المحور الذي يرتكز عليه البناء القانوني للشركة ككل، فالسهم يمثل حصص المساهمين في الشركة وبقدر ما يزداد عدد الاسهم بقدر ما يزداد راس مال الشركة. ويعرف السهم بانه “الصك الذي تمنحه الشركة للمساهم نتيجة اكتتابه في الشركة”(5)، وهو بهذا يعتبر اهم الادوات القانونية التي تملكها الشركة المساهمة لتجميع رؤوس الاموال وتوظيفها بمشاريع كبرى ممثلة بالشركات متعددة الجنسية. وللسهم بصورة عامة ثلاث قيم، كل قيمة منها مختلفة عن الأخرى وكالاتي :

1- القيمة الاسمية للسهم : “وهي القيمة التي تكتب على ذات الصك، أي الشهادة المثبتة لقيمته وفقا للبيان المدون بها، ويقدر راس مال الشركة المساهمة على اساس القيمة الاسمية لمجموع الاسهم”(6).

2- القيمة الحقيقية للسهم: “وهي قيمة ما يمثله من موجودات الشركة، أي نصيب السهم في صافي اصول الشركة بعد خصم ما عليها من ديون”(7).

3- القيمة التجارية للسهم : وتعني القيمة التي يحققها السهم في الاسواق المالية، وهذه تأتي من الأرباح التي تحققها الشركة وبقيمة موجوداتها وبسمعتها التجارية ومقدار النجاح او الفشل في أنشطتها التجارية والاقتصادية، وكذلك مدى الإقبال على شراء أسهمها في بورصات الأسواق المالية (8). ويعتبر السهم راس المال المجازي للشركة المساهمة، فيما يتمتع به من قدرة ذاتية على الحركة يؤهله ان يؤدي وظائف اقتصادية مهمة تندرج ضمن تحقيق الاستراتيجية الكونية للشركات متعددة الجنسية، اذن فالسهم يعد المنبع الاساسي الذي تستمد منه الشركة المساهمة متعددة الجنسية حيويتها وقدرتها على القيام بالمشاريع الراسمالية الضخمة(9).وللسهم خصائص ذاتية تمكنه من تجميع رؤوس الاموال وتركيزها في مشاريع كبرى بواسطة الشركات متعددة الجنسية وهذه الخصائص هي :

1- ضالة القيمة الاسمية للسهم :

تمثل هذه الخاصية مركز استقطاب وجذب صغار المدخرين وكبارهم نحو توظيف مدخراتهم في الشركات المساهمة عن طريق مقدرتهم في شراء اسهمها. ويمكن القول ان انخفاض القيمة الاسمية للسهم تجعل منه سلاحاً ذا حدين، فهو من ناحية يعمل على جذب صغار المدخرين نحو المشروعات الكبرى، ومن ناحية اخرى هيمنة قلة من المساهمين على مجلس الادارة لعدم اكتراث صغار المدخرين في الرقابة بأعمال الشركة، فكل ما يهمهم هو الحصول على الربح في اقرب وقت ممكن.

2- قابلية السهم للتداول :

تعتبر هذه الخاصية من اهم الخصائص التي يمتاز بها السهم، فقدرته الحركية بالانتقال من يد الى يد هو الذي شجع قيام الشركات متعددة الجنسية، فهو السبب الحقيقي وراء وجودها، لهذا فقد قيل عن السهم بانه عامل زمني لديمومة الشركة(10). ومن الاثار التي تتمخض عن قابلية السهم للتداول زيادة حدة الانفصال بين المساهم والشركة، فالمساهم الصغير لا يابه بامور الشركة، فكل ما يهمه هو مدى ارتفاع قيمة سهمه في الاسواق المالية تمهيدا لبيعه والحصول على فارق السعر، عليه فقابلية السهم للتداول قد القت بالمساهم بعيدا عن الشركة(11). وعلاوة على ما تقدم فان للسهم في الشركات متعددة الجنسية قابليته للتداول على المستوى الدولي، وهذا يتم عن طريق عرضه في الاسواق المالية العالمية، اذ اصبح بامكان الشركات الاجنبية طرح اسهمها وسنداتها للاكتتاب في الاسواق المالية المحلية، وكذلك اصبح بالمقابل بالامكان للمستثمرين المحليين ان يطرحوا اسهمهم للبيع في الاسواق المالية الدولية او ان يشتروا منها، مما يعني انتقال السهم من مالكيه في دولة الى مالكين جدد في دولة اخرى مما يشكل خطورة على الشركات بصفة عامة. حيث انه يؤدي الى سيطرة شركة متعددة الجنسية على شركة اخرى، وخاصة اذا كانت تلك الاخيرة من الشركات الصغيرة او المتوسطة الحجم، وعملية السيطرة تكون عن طريق الاسهم، سواء بطريقة مباشرة في الاسواق المالية العالمية او بطريقة غير مباشرة بواسطة وسطاء وبصورة سرية، وكذلك يتم في نفس الاسلوب نقل اموال شركة تابعة لشركة تابعة اخرى او الى الشركة الام نفسها(12).

3- مسؤولية المساهم المحدودة :

ان ما يميز الشركة المساهمة عن باقي انواع الشركات وخاصة شركات الاشخاص هو ان مسؤولية الشريك فيها محددة بقيمة ما يملكه من اسهم في الشركة، فالمساهم غير مسؤول عن ديون الشركة الا في حدود ما يملكه من حصة مالية في راس مال الشركة، وهذا له اهميته في انه يساعد على اجتذاب المدخرين في توظيف اموالهم في الشركة المساهمة، فضلا عن انه يساهم في زيادة الانفصال بين المساهم والشركة، فالمساهم عندما تكون مسؤوليته عن ديون الشركة محدودة بقيمة ما يملكه من اسهم فيها، فانه لا يهتم كثيرا في ادارة هذه الشركة او رقابتها مما يعني تركز السلطة بايدي قلة من المساهمين الذين ياخذون على عاتقهم ادارتها بالشكل الذي يحقق لهم استثمارات ضخمة وارباحاً عالية(13). ومن الجدير بالذكر انه في الاونة الاخيرة بدات الشركات متعددة الجنسية تصدر اسهما ذات طابع خاص، بحيث ان كل فئة منها يخص قسماً من اقسام الشركة، وتكون مرتبطة معه من حيث الارباح الى جانب الاسهم الخاصة بنشاط الشركة كلها، ويعود لشركة (General Motors) فضل السبق، اذ انها اول شركة متعددة الجنسية استخدمت هذه الاسهم حيث انها اصدرت اسهما خاصة بانتاج قسم الطائرات من نوع (G.M.H) والنوع الاخر من الاسهم خاص بقسم انتاج انظمة المعلومات الالكترونية وهي من نوع(G.M.E) (14)، وهكذا بدات الشركات متعددة الجنسية تتفنن في كيفية اصدار اسهمها بما يحقق لها تركيز سلطة الاقتصاد الدولي بيدها.

____________

1- انظر د. محمد شوقي شاهين، الشركات المشتركة : طبيعتها واحكامها في القانون المصري والقانون المقارن، من دون ناشر، بدون سنة طبع ، ص6.

2- انظر د.محمد شوقي شاهين، المصدر السابق ، ص7.

3- انظر د. حسام عيسى، الشركات المتعددة القوميات، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، بدون سنة طبع ، ص74.

4- انظر د.لطيف جبر كو ماني، القانون التجاري، ط1، مطبعة الانتصار، الجامعة المفتوحة، طرابلس، 1993، ص246.

5- د. سميحة القليوبي، مبادئ القانون التجاري، مركز كومبيوتر كلية الصيدلة-جامعة القاهرة، 1993، ص275.

6- د.سميحة القليوبي، المصدر السابق، ص277.

7- قد تتطابق قيمة السهم الاسمية مع قيمته الحقيقية وقد تختلف عنه. فمثلا اذا كانت الشركة غير مدينة فان اصولها تتساوى مع راسمالها، مما يعني تطابق القيمة الحقيقية مع القيمة الاسمية للسهم، واذا حققت الشركة ارباحا فان قيمة السهم الحقيقية تزيد عن قيمته الاسمية، اما اذا منيت الشركة بخسائر وقلت موجوداتها عن راسمالها، فان قيمة السهم الحقيقية تكون اقل من قيمته الاسمية عند اصداره. انظر : د.سميحة القليوبي، المصدر السابق، ص277.

8-المصدر نفسه، ص277.

9- انظر: د.حسام عيسى، الشركات المتعددة القوميات، مصدر سابق، ص75.

10- انظر دريد محمود علي السامرائي، النظام القانوني للشركات متعددة الجنسية، رسالة ماجستير، كلية القانون، جامعة بغداد، 1995، ص47.

11-انظر د.حسام عيسى، الشركات المتعددة القوميات، مصدر سابق، ص80.

12- انظر فراس علي حسين عكلة الجبوري، اشخاص القانون الدولي العام في ظل العولمة، رسالة ماجستير، كلية القانون، جامعة الموصل، 2003، ص112.

13- انظر د.حسام عيسى، الشركات المتعددة القوميات، المصدر السابق، ص77.

14- انظر د.عماد محمد علي العاني، اندماج الاسواق المالية الدولية: اسبابه وانعكاساته على الاقتصاد الدولي ، ط1، بيت الحكمة، بغداد، 2002 ، ص200.

المؤلف : طلعت جياد لجي الحديدي
الكتاب أو المصدر : المركز القانوني الدولي للشركات متعددة الجنسية
الجزء والصفحة : ص23-28.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .