ان المشرع الضريبي العراقي قد اجاز للسلطة المالية التعرف على دخل المكلف عن طريق وسائل عدة لعل من اهمها حق الاطلاع(1). وسوف نبين مدى السلطة التقديرية للادارة في اللجوء الى حق الاطلاع وفي كيفية ممارسة هذا الحق.

اولاً :- في اللجوء الى حق الاطلاع

من مطالعة النصوص القانونية التي تناولت حق السلطة المالية في الاطلاع نلمس ان حكمها قد جاء على سبيل الجواز لا الوجوب ويتبين ذلك من العبارات التي استخدمها المشرع ومن ذلك مثلاً ( للسلطة المالية ان تتحرى ….. ولها ان تطلب المعلومات … الخ )(2). وبهذه النصوص والعبارات يكون المشرع قد ترك الخيار للسلطة المالية في اللجوء او عدم اللجوء الى حق الاطلاع والتحري . فتتمتع الادارة بذلك بسلطة تقديرية واسعة في هذا الصدد . ضافة الى ذلك فان السلطة المالية تتمتع بسلطة تقديرية في ان تطلب معلومات من دوائر الدولة ومؤسسات القطاع الاشتراكي المختلط وموظفيها(3). وهي تتمتع في هذا الاطار بسلطة تقديرية وكما يلي:-

1- في طلب تلك المعلومات اذ ان المشرع قد ترك لها الخيار في طلب تلك المعلومات من عدمه(4).

2- في تقدير مدى ضرورة هذه المعلومات لتطبيق احكام قانون ضريبة الدخل(5).

هذا وتتقيد الجهات التي تطلب منها المعلومات بوجوب تقديمها متى طلبت السلطة المالية ذلك ولا تتمتع بأدنى سلطة تقديرية في هذا الصدد(6).

من جانب اخر ، ان حق الاطلاع يمارس من خلال جهات عدة اهمها لجان المسح ولجان الكبس ولجان الكشف وهي تمارس مهامها بقدر من الحرية يمكن توضيحه بالاتي :

أ- فبالنسبة للجان المسح فقد درج العمل في الهيئة العامة للضرائب على ان تمارس لجنة المسح المركزي حق الاطلاع . والحقيقة هي ان هناك لجنة واحدة تمارس اختصاصها في جميع انحاء العراق وهو امر مجهد الى حد كبير لذا نقترح تشكيل لجان مسح اخرى تمارس المهام نفسها على غرار ماكان جارياً العمل به قبل سنة 1995 التقديرية . تمارس هذه اللجنة مهامها لا بمحض إرادتها وإنما بناءً على ما يحال اليها من قبل المدير العام للهيئة العامة للضرائب او مدير قسم الرقابة والتدقيق الداخلي او مدير قسم الاعمال التجارية والمهن في الهيئة العامة للضرائب . ولما كانت هذه الجهات تمثل السلطة المالية فانه يمكن القول ان السلطة المالية تتمتع بسلطة تقديرية واسعة في اللجوء الى حق الاطلاع عن طريق لجنة المسح المركزي . والى حد ما فان صلاحيات هذه اللجنة قد تقلصت بعد صدور اعمام الهيئة العامة للضرائب المرقم 43س/1750 في 4/7/2000 المتضمن التوقف عن عمليات المسح الميداني والاستعانة عنها بالمعلومات التي توفرها الية التنسيق بين الدخل والعقار(7). مع ذلك فان لجنة المسح المركزي بقيت تمارس نشاطها وذلك في حالات منها :-

1- في حالة وجود ضرورة لاجراء المسح كان يجري على المكلفين غير المسجلين لدى السلطة المالية او على الانشطة التي لم تكن مشمولة بالمسح(8).

2- اجراء المسح على الانشطة المهمة التي يعطي المسح تصور حقيقي وواضح عنها كالمطاعم والمعارض والمحلات المشهورة والمعامل(9).

3- اذا تكرر التقدير الاداري لسنتين متتاليتين بالنسبة لاصحاب المشاريع الصناعية(10).

ب- اما لجان الكبس فانها تمارس مهامها – في الغالب – بعد ورود اخبار بشان المكلفين وبالتالي فأن اللجوء الى هذه اللجان يقدر بقدر اهمية الاخبار وجديته وقد اشارت اللجنة الفنية في الهيئة العامة للضرائب في قرارها المرقم 36 في 15/12/2001 الى ان هذه اللجان تمارس مهامها في الحالات التي يتطلب الامر فيها معرفة النشاط التجاري الحقيقي للمكلفين لاحدى السنوات او في حالة ورود اخبار بشانهم . هذا وقد درج العمل على ان يضطلع قسم الرقابة والتدقيق الداخلي في مركز الهيئة على تشكيل لجان الكبس في كل حالة على حدا وبشكل سري مع الاستعانة بقوات مساندة – كالشرطة – لتأمين الحماية اللازمة لتلك اللجان وهي تمارس مهامها .

ج- واخيراً وليس اخراً فان لجان الكشف الخاصة لايتم اللجوء اليها الا بناءً على طلب المكلف الذي قد يدعي بان تقدير السلطة المالية قد جاء بأكبر من حقيقته، وبالتالي فان تشكيل هذه اللجان امراً يتوقف على ارادة المكلف في تقديم طلب الكشف من عدمه وبالنتيجة فان السلطة المالية ليس لها ان تكشف على نشاط المكلف من تلقاء نفسها اذا كانت الغاية هي تخفيض التقدير ، وعلى العكس من ذلك فإذا ما راودها الشك بان دخل المكلف هو اكبر مما يدعيه فانه للسلطة المالية التأكد من ذلك من خلال لجنة المسح ، وقد درج العمل في الهيئة العامة للضرائب في هذه الحالة على ان يتولى الفرع المختص مفاتحة مدير عام الهيئة العامة للضرائب لغرض احالة الموضوع الى لجنة المسح المركزي لاجراء الكشف على نشاط المكلف .

ثانياً :في كيفية ممارسة حق الاطلاع

بعد ان تقرر السلطة المالية اللجوء الى الاطلاع على نشاط المكلف فانها تمارسه بحرية واسعة بغية الوصول الى الدخل الحقيقي للمكلف . اذ تخوّل السلطة المالية صلاحيات واسعة ورد النص عليها في قانون ضريبة الدخل النافذ وفي نظام مسك الدفاتر التجارية كما سلف القول(11). وعند ممارسة حق الاطلاع فان السلطة المالية تعتمد على مؤشرات وضوابط معينة عند تحديد دخل المكلف ولعل من اهم تلك المؤشرات :-

أ- الموقع التجاري :- اذ تأتي تقديرات السلطة المالية للدخل عالية اذا كان المكلف يمارس نشاطه في مواقع تجارية مشهورة ومزدحمة . وعلى هذا الاساس قررت اللجنة الاستئنافية الاولى تأييد تقدير السلطة المالية بأعلى من الضوابط وذلك بالاستناد الى استمارة لجنة المسح المؤرخة في 3/11/2003 والمتضمنة وقوع مطعم المستأنف في منطقة مشهورة ومزدحمة بصورة مستمرة(12).

ب- مقدار البضاعة التي يتعامل بها المكلف :- اذ تفرق السلطة المالية في تقدير الدخل بين من يمارس تجارته بالجملة وبين من يمارسها بالمفرد اذ يأتي تقدير الاول أعلى من تقدير الثاني . وعلى هذا الاساس قررت اللجنة الاستئنافية الثانية تخفيض التقدير الذي قامت به السلطة المالية على دخل المستأنف وذلك لانه وان كان يمارس نشاطه في منطقة تجارية مشهورة الا انه يمارسه في محل صغير وانه توقف عن البيع بالجملة(13).

ج- المعدل اليومي لزبائن المكلف : فقد تعتمد السلطة المالية في تقدير الدخل على العدد التقريبي للزبائن الذين يترددون يومياً على محل المكلف الذي يمارس فيه النشاط اذ ان ارتفاع عدد الزبائن يدل دلالة واضحة على ان المكلف يحقق ارباحاً عالية والعكس صحيح . وقد ايدت لجنة التدقيق الاولى قرار السلطة المالية بتقدير دخل المكلف استناداً الى استمارة المسح المؤرخة 12/10/1986 التي تشير الى ان عدد مراجعي المكلف ( الطبيب ) كبير وهذا ما يسوغ تقديره بمبلغ عالٍ(14). اضف الى ذلك فان السلطة المالية قد تعتمد على مؤشرات اخرى في تقدير دخل المكلف وتختلف تلك المؤشرات باختلاف نوع النشاط الذي يحقق الدخل(15). قصارى القول فأن السلطة المالية اذا كانت تتمتع بسلطة تقديرية واسعة في تقدير اللجوء الى الاطلاع من عدمه فأنها تتمتع بسلطة تقديرية اوسع في الكيفية التي تمارس فيها ذلك الحق ، وبالرغم من الاعتماد على المؤشرات سالفة الذكر في تحديد دخل المكلف . الا انها قد تعتمد عليها في حالات وتهملها في حالات اخرى قد تكون مماثلة(16). لا بل ان السلطة المالية في بعض الحالات قد تقدر دخل المكلف بشكل جزافي ومن دون الاعتماد على اسس معقولة في التقدير ومايؤيد قولنا هذا قرار اللجنة الاستئنافية الثالثة المتضمن تخفيض تقدير دخل المكلف الذي قدرته السلطة المالية استناداً الى استمارة المسح المؤرخة في 29/9/1994 وذلك لان التقدير كما ذكرت اللجنة الاستئنافية قد كان بشكل جزافي ولم تبين اللجنة الاستئنافية كيفية توصل السلطة المالية الى احتساب مقدار الارباح المتحققة اضف الى ان محل المكلف يقع في منطقة غير مشهورة(17). ولما تقدم نقترح ان تُقيد ارادة السلطة المالية بالاعتماد – وبشكل حيادي – على مؤشرات ومعايير واضحة المعالم كالموقع التجاري للمحل والسمعة التجارية لذلك المحل ونوع البضاعة التي يتعامل بها المكلف فيما اذا كانت محلية او مستوردة اضف الى ذلك نؤكد على ضرورة تفعيل الرقابة على السلطة المالية وهي تمارس حق الاطلاع . فضلاً عن ذلك فان السبب الذي يدفعنا الى اقتراح تتقيد ارادة السلطة المالية في هذا الاطار وتفعيل الرقابة عليها وخصوصاً في مجال المسح المركزي هو ان ما تتوصل اليه السلطة المالية عن طريق الاطلاع يعتبر مقتبساً رسمياً لكونه يعطي صورة واضحة عن الدخل الحقيقي للمكلف(18). وبالتالي فأن له حجية اكبر من غيره كالضوابط ، وقد قررت اللجنة الاستئنافية الاولى تأييد اجراء السلطة المالية بتقدير المكلف استناداً الى استمارة المسح الميداني من دون الاعتماد على الضوابط وذلك لان استمارة المسح تعتبر مستند رسمي يمكن للسلطة المالية ان تتخذه سنداً للتحاسب الضريبي(19).

_________________________

1- انظر ص 100 وما بعدها من البحث .

2- انظر الفقرة 2 من المادة 28 من قانون ضريبة الدخل النافذ . انظر ايضاً المادة السادسة من نظام مسك الدفاتر التجارية رقم 2 لسنة 1985 التي نصت على ان ” اولاً :- للسلطة المالية بامر تحريري ايفاد من يمثلها … الخ ثانياً :- لممثل السلطة المالية ان يجلب الى دائرته مايراه مهماً … الخ ” .

3- انظر الفقرة (1) من المادة (28) من قانون ضريبة الدخل النافذ .

4- انظر الفقرة (1) من المادة ( 28 ) من قانون ضريبة الدخل النافذ .

5- انظر الشطر الاخير من الفقرة (1) من المادة (28) من قانون ضريبة الدخل النافذ .

6- انظر قرار مجلس الوزراء ( المنحل ) المرقم ل.ص/707 في 14/3/2001 المتضمن الزام دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي بارسال قوائم المشتريات التي تزيد قيمتها على 000 150 الف دينار الى السلطة المالية ، لمزيد من التفصيل انظر ص(101) هـ (3) من البحث .

7- انظر الفقرة (4) من الفصل الاول من ضوابط تقدير الدخل الضريبي الصادر عن الهيئة العامة للضرائب للسنوات 2001-2002-2003 التقديرية –ص2- وتتضمن هذه الالية قيام قسم ضريبة العقار في الفروع باجبار اصحاب العقارات الخاضعين لضريبة العقار بالادلاء بما لديهم من معلومات عن مستأجري عقاراتهم ونوع النشاط الذي يمارسونه وتاريخ بدء ممارسته وغيرها من المعلومات التي تمكن السلطة المالية من الوصول الى الدخل الحقيقي للمكلف .

8- انظر الفقرة (5) من الفصل الاول من الضوابط لسنة 2002 التقديرية –ص2 .

9- انظر الشطر الاخير من الفقرة (5) من الفصل الاول من الضوابط اعلاه –ص2 .

10- انظر الفقرة (ج/م4) من الفصل الثالث من ضوابط 2002 التقديرية –ص9 .

11- انظر ص (100) من البحث .

12- انظر قرار اللجنة اعلاه المرقم 48 ل1 في 22/3/1995 وبالرغم من بساطة هذا المؤشر وسهولة الاعتماد عليه الا ان السلطة المالية قد تخرج عليه احياناً ففي احدى القضايا ايدت الهيئة التمييزية قرار السلطة المالية باجراء التقدير على دخل المكلف الناجم عن مزاولة النشاط في محل تجاري باعلى من الضوابط استناداً الى استمارة المسح رغم ان المحلات المجاورة قد تم تقدير دخل اصحابها استناداً الى الضوابط . انظر قرار الهيئة اعلاه المرقم ( 21 ) في 4/6/2002 ماخؤذ من ملف قرارات الهيئة التمييزية للسنة 2002 – غير منشور .

13- قرار اللجنة اعلاه المرقم 17ل2 في 22/7/2002 ماخؤذ من ملف قرارات اللجان الاستئنافية للسنة 2002 – غير منشور .

14- انظر قرار لجنة التدقيق الاولى الصادر في 27/10/1987 والمنشور في الكتاب السنوي لسنة 1987 ص123-124 .

15- كعدد الكراسي في محل الحلاقة او عدد العمال الذين يستخدمهم المكلف في محله او مصنعه ، انظرقرار الهيئة التمييزية المرقم 26 في 11/6/2002 الذي يشير الى قيام السلطة المالية بتقدير دخل المكلف بالاستناد الى وجود عاملين في محله وهذا يتناقض مع ادعاء المكلف بانه قد اغلق المحل بسبب الحكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية هي السجن ماخوذ من ملف قرارات الهيئة التمييزية لسنة 2002 – غير منشور .

16- انظر على سبيل المثال قرار الهيئة التمييزية المرقم 21 في 4/6/2002 ، ص114 هـ(2) من الرسالة

17- انظر قرار اللجنة الاستئنافية الثالثة المرقم 143 في 25/6/1995 ماخوذ من ملف قرارات اللجان الاستئنافية لسنة 1995 – غير منشور .

18- انظر الفقرة أ المادة ( 5 ) من الفصل الاول من ضوابط 2002 .

19- قرار اللجنة اعلاه المرقم 7/ل1/2001 في 14/2/2002 ماخوذ من ملف قرارات اللجان الاستئنافية لسنة 2001 – غير منشور .

المؤلف : قيصر يحيى جعفر الربيعي
الكتاب أو المصدر : السلطة التقديرية للإدارة في فرض ضريبة الدخل القانون العراقي

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .